مأسسة التعلم عن بعد بالمغرب؛ الحال والمآل
الباحث : بلعيد تويس? باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق مراكش-جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض – مراكش عضو الفريق القانوني لجمعية ReachSci بجامعة كامبريدج Cambridge University ReachSci Society
مأسسة التعلم عن بعد بالمغرب؛ الحال والمآل
Institutionalization of distance learning In Morocco;
The situation and its destination
الباحث : بلعيد تويس?
باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق مراكش-جامعة القاضي عياض
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض – مراكش
عضو الفريق القانوني لجمعية ReachSci بجامعة كامبريدج
Cambridge University ReachSci Society
الملخص:
إن مسألة الاهتمام بالتعلم عن بعد، والاستثمار فيه؛ لم تعد ظاهرة محلية أو إقليمية فقط؛ بل غدت ظاهرة عالمية، لما لها من دور بارز ومتميز في دعم مسيرة التعلم الفعال والتنمية المستدامة بمفهومها الشمولي التكاملي نماءً وإنماءً.
لا سيما أن العالم اليوم يشهد ثورة تقنية وتكنولوجية كبيرة، ظهرت آثارها بشكل واضح على مناحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، مما استدعى إدخال تعديلات جذرية وملموسة في السياسات والخطط التعليمية للدول، وأساليب تفكيرها، وطرق حلها للمشكلات، وقد ساعد التطور المستمر والمتزايد لتكنولوجيا المعلومات وللاتصالات الحديثة في التفكير بجدية بإعادة النظر في تشكيل المؤسسة التعليمية، بتوفير بيئات جديدة للتعلم، مما مهد لظهور نمط جديد من أنماط التعليم وهو التعليم الافتراضي.
مما جعل الدول تتجه نحو مأسسة التعلم عن بعد بوضعها تشريع متكامل له، وهو ما شرعت المملكة المغربية في اتجاه تحقيقه ببدئها في تقنين مجال التعلم عن بعد.
الكلمات المفتاحية: مأسسة التعلم عن بعد، التعليم الافتراضي، المؤسسة التعليمية، المملكة المغربية.
Abstrat:
Since the importance of distance learning, the investment is no longer only a local or regional phenomenon , but has become a global phenomenon, as it has a prominent and distinct role in supporting effective learning and sustainable development in its holistic and integrative sense of development.
Especially since the world today is witnessing a major technical and technological revolution whose effects have clearly appeared on the political,social, economic and educational aspects, which necessitated radical and tangible changes in the educational policies and plans of states, and ways of thinking. This new technology has served humanity in different levels, by Solving problems, the continuing and increasing development of information technology and modern communication has helped to seriously consider reshaping the education institution by providing new learning environments, paving the way for the emergence of a new type of education, virtual education.
This has led states to institutionalize distance learning by integrated legislation, which the Kingdom of Morocco has begun to achieve by legalizing distance learning.
Keywords:
institutionalization of distance learning – virtual education– education institution –Kingdom of Morocco
ضبط مفهوم التعلم عن بعد
اختَلف الباحثون وذوو الاختصاص في تعريف التعلم عن بعد، لكن المتفق عليه بينهم أن التعليم عن بعد هو نظام لإيصال المعرفة لمتعلم بعيد عن المؤسسة التعليمية؛ إما عن طريق المطبوعات، أو الملفات الإلكترونية، أو التلفاز، أو وسائل التكنولوجيا، أو عبر الإنترنت[1].
ويمكن حصر عناصر هذا النظام فيما يأتي: عملية التعلم، والمعلم والمتعلم المنفصلان مكانًا وزمانًا، والتواصل بينهما، وترجمة الوسائط المطبوعة أو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعلم الذي محوره المتعلم بدلا من المعلم[2].
وقد أقَّر المرسوم رقم: 2.20.474 المتعلق بالتعلم عن بعد الصادر بتاريخ 24 غشت 2021م أن هذا النمط من التعلم يُعتبر في المغرب “… مُكملًا للتعلم الحضوري، وشكلًا من أشكال التدريس والتكوين الذي تقدمه مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، بصفة مؤقتة أو دائمة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات، ووسائل الاتصال الحديثة، بما يضمن الاستمرارية في تقديم كل خدمات التربية والتعليم والتكوين، بصفة مؤقتة أو دائمة، باستخدام تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة، بما يضمن الاستمرارية في تقديم كل خدمات التربية والتعليم والتكوين.
ويتم اللجوء إلى التعلم عن بعد من لدن السلطات الحكومية المعنية، أو الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أو مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، أو الجامعات، أو مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات، وفق الكيفيات المحددة بموجب قرار للسلطة الحكومية المعنية”[3].
وبذلك يتضح أن التعلم عن بعد قد يكون تعلُّما تقليديا معتمدا على الوثائق والمراجع الورقية، وقد يكون إلكترونيا معتمدا على استخدام الشبكة العنكبوتية والتقنيات الحديثة؛ من برامج صوت وصورة، وقواعد بيانات، لتقديم الدروس حيثما كان المتعلم، وفي أي مكان من أنحاء العالم.
هدف الدراسة
البحث هو دراسة تشخيصية للقوانين وآثارها(المحور الأول)، ومشاريع القوانين(المحور الثاني) الداخِلة في مجال التعلم عن بعد، التي تنبئ عن عزم المملكة المغربية على الاتجاه نحو مأسسة هذا النمط من التعلم في مقبل الأيام.
المحور الأول: حالُ التعلم عن بعد بالمغرب
ساعدت واقعة التعلم عن بعد الاضطرارية بالمغرب، في الدفع بتسريع وتيرة الشروع في تقنين هذا النمط من التعلم.
أولا: واقع التعلم عن بعد الاضطراري بالمغرب
أثرت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في بقاع العالم على عدة ميادين داخل الدولة، من ضمنها ميدان التعليم؛ إذ شلَّت هذه الأزمة العملية التعليمية في العديد من البلدان التي وصلتها هذه الجائحة، والتي كان المغرب أحدها، فأوقف نتيجة لذلك الدراسة الحضورية مؤقتا بكافة مؤسساته التعليمية، وهذا ما استدعى بالضرورة البحث عن بديل لذلك، فكان المخرج لهذه النازلة نهج التعليم عن بعد[4] بوصفه حلا لإدارة هذه الأزمة وقتئذ.
وبذلك اختار المغرب، على غرار العديد من الدول، اعتماد نمط التعلم عن بُعد، بوصفه إجراء لتخفيف تداعيات جائحة كوفيد 19 على الزمن المدرسي، وضمان استمرار العملية البيداغوجية. وكانت بذلك، تجربة غنيّة بالدروس، مليئة بالإكراهات، التي واجهت نساء ورجال التعليم، مع التعبئة الكبيرة التي تمّ تسجيلها في هذا الصدد.
وقد أقرت السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم[5] أن هذه التجربة تستوجب عملية تقييمية علمية وموضوعية؛ من أجل الوقوف على مواطن قوتها وضعفها، وذلك في أفق الارتقاء بالتعليم عن بعد ومأسسته، باعتباره مكملا للتعليم الحضوري[6].
لأجل ذلك نظمت الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بشراكة مع منظمة اليونيسيف، يوم الأربعاء 29 شتنبر 2021، ورشة تفاعلية عبر تقنية التناظر المرئي، تمّ خلالها تقديم الدراسة التي أجرتها الهيئة حول ”التعليم إبّان جائحة كوفيد 19“ ومشاركة نتائجها مع كافة الفاعلين في المنظومة، بهدف الوقوف على الممارسات، والفرص، وكذا التحديات البيداغوجية التي واجهت التعليم إبّان الجائحة.
وسلطت الدراسة الضوء على تقييم المُدرّسين والمُتعلّمين لتجاربهم مع نمط التعلم عن بُعد. وتُشكّل نتائج هذه الدراسة تشخيصًا لواقع” التعليم إبَّان جائحة كوفيد 19“، علاوة على الآفاق المستقبلية للتعلم عن بُعد في المغرب، ناهيك عن متطلبات الاستعداد لما بعد الجائحة، ليس على مستوى حتمية التحول الرقمي فحسب؛ ولكن لتحقيق الإصلاح التربوي أساسًا.
وقد جاءت بعض نتائج تقييم التعليم إبان جائحة كوفيد 19 على النحو الآتي[7]:
- انخراط المدرّسين، مع ضعف الإمكانيات
أظهرت النتائج انخراطًا كبيرًا لنساء ورجال التعليم لضمان الاستمرارية البيداغوجية، حيث إن 82.6% منهم اعتمدوا نمط التعليم عن بُعد خلال الحجر الصحي، مقابل 17.4%.
- إقبال ضعيف على المنصة الرقمية الخاصة بالتعليم عن بُعد
21.3% فقط من المدرّسين أكدوا أنهم استخدموا، بالفعل، منصة Telmid-Tice التي أحدثتها وزارة التربية الوطنية. في مقابل الإقبال الكبير من طرف المُدرّسين والمتعلّمين (70.4%) على تطبيق “واتساب” لضمان الاستمرارية البيداغوجية.
- ضعف في تملّك المعرفة الرقمية لدى المدرّسين
13,5% من المُدرّسين الذين شملتهم الدراسة لا يتقنون التعامل مع تكنولوجيات المعلومات والاتصال، و67,1% لديهم مستوى متوسّط، بينما 19,4% فقط لديهم مستوى عالٍ، أو عالٍ جدًّا.
- آراء متضاربة حول التعليم عن بُعد
35,4% فقط من المُدرّسين عبّروا عن رضاهم تُجاه تجربتهم في التعليم عن بُعد، في مقابل أن 62% غير راضين، أو غير راضين بتاتًا.
- غياب تكافؤ فرص التعلّم بين التلاميذ أثناء الجائحة
واجه أطفال الأسر ذات الدخل المحدود صعوبات في التعلّم. وعانى هؤلاء، في الدرجة الأولى، من ضُعف الإمكانيات، وعدم توفر التجهيزات اللازمة لمتابعة الدروس، إضافة إلى مشاكل أخرى، كالسّكن الضيق، والاكتظاظ داخل البيت، والبيئة الأسرية غير المُساعِدة. كما أن الفتيات اشتكين من الأعمال المنزلية التي فُرضت عليهنّ على حساب التعلّم.
وهذا المشكل [مُشكل عدم تكافؤ الفرص] وإن كان مطروحًا قبل الجائحة، فإنه تفاقم أكثر خلال فترة الحجر الصحي، مما أضرّ بتعلّم تلاميذ العالم القروي وأطفال الأسر ذات الدخل المحدود.
- الانعكاسات على التعلم
يرى 36% من المُدرّسين الذين شملتهم الدراسة، أن التعليم عن بُعد كانت له انعكاسات سلبية على التعلّم، في مقابل 27.5% يرون أن له آثار إيجابية، بينما يعتقد 13.5% أن ليس له أي تأثير على تعلّم التلاميذ، أما 23% فيقولون إنهم لا يعرفون ما إذا كان للتعليم عن بُعد آثار على التّعلّم أم لا.
- نسبة حضور المُتعلّمين
أكد 52% من المُدرّسين الذين اعتمدوا نمط التعليم عن بُعد؛ أن نسبة حضور التلاميذ كانت ضعيفة، إلى ضعيفة جدًّا. وبالمقارنة بين العالَمَيْنِ القروي والحضري، أظهرت النتائج أن نسبة حضور التلاميذ لحصص التعلم عن بُعد في المناطق النائية؛ كانت أضعف من مثيلتها في المدن؛ (61% من المُدرّسين في العالم القروي وصفوا نسبة حضور التلاميذ بأنها ضعيفة، إلى ضعيفة جدًّا، في مقابل 44.8% من المدرّسين في المدن وصفوها بذلك).
وقد خلصت دراسة أخرى[8] خاصة بعينة من المتعلمين تم استقصاءهم عن انطباعاتهم حول تجربة التعلم عن بعد؛ إلى وجود ثلاث نقاط ايجابية بارزة في تجربة التعليم عن بعد، وهي: تنمية المهارات الذاتية، التعاون والتآزر، والملائمة. فيما توصلت إلى عدة تحديات ذات الصلة بتكنولوجيا المعلومات، وتكافؤ الفرص، ومنهجية التدريس، والكم الدراسي، وإدارة الوقت، وبيئة التعلم.
وعلى المستوى الدولي صدرت في هذه الفترة عدة دراسات تقييمية لهذه التجربة، تهم قطاع التعليم العالي، إذ أحرزت بعض الجامعات المغربية في تصنيف “ويب ماتريكس”[9] شهر يناير من عام 2021م، على المستوى العالمي[10]؛ المرتبة: 1194 لجامعة القاضي عياض، المرتبة: 1598 لجامعة محمد الخامس، المرتبة: 2196 لجامعة الحسن الثاني.
وعلى المستوى الإفريقي[11]؛ نالت جامعة القاضي عياض المرتبة: 16، وكانت المرتبة: 27 من نصيب جامعة محمد الخامس، بينما حلت جامعة الحسن الثاني في المرتبة: 56.
وعلى المستوى العربي[12]؛ حازت جامعة القاضي عياض المرتبة: 15، وكانت المرتبة: 28 من نصيب جامعة محمد الخامس، بينما حلت جامعة الحسن الثاني في المرتبة: 61.
ويتجه العمل في مُقبل الأيام على إقرار إعداد تقرير وطني سنوي من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي حول وضعية القطاع ومؤشرات أدائه، وعرضه على اللجنتين البرلمانيتين المختصتين بمجلسي البرلمان، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والعمل على نشره، ووضعه رهن إشارة العموم[13].
ثانيا: البدء في تقنين نمط التعلم عن بعد بالمغرب
قصد الدفع بالمجال الرقمي على مستوى التعليم؛ ينبغي، على غرار ما قامت به بلدان أخرى، إقرار هذه السياسة ضمن قانون. فالتعليم عن بعد، ومسطرة التصديق على الدروس عن طريق الإنترنت والتعليم الهجين، والتكوين المستمر عبر الإنترنت، والحكامة الإلكترونية؛ تقتضي جميعها إصدار نص تنظيمي، يكون فيه المجال الرقمي وسيلة لتسريع عملية تحول المؤسسات التعليمية. ومن الممكن أن يتم التطبيق الناجح لمثل هذه السياسة بإسهام من صندوق الخدمة الأساسية للمواصلات (FSUT).[14]
وعلى هذا الأساس؛ ينبغي أن يخضع التطور الرقمي، لقوانين تنظيمية، لكي يكون رافعة لتحول التعليم بالمغرب. ويشكل المرسوم رقم: 2.20.474 المتعلق بالتعلم عن بعد الصادر بتاريخ 24 غشت 2021م، أولى علامات تنزيل المخطط الرقمي التعليمي بالمغرب، وأولى التنظيمات الخاصة المُقَنِّنة لشروط وكيفيات تقديم نمط التعلم عن بعد لفائدة المتعلمين بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين المدرسي والمهني والجامعي بالقطاعين العام والخاص. فيما صدرت قبله تنظيمات عامة تتناول في جزء منها نمط التعلم عن بعد، كالقانون الإطار رقم: 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي ألزمت مادته 33 على الحكومة اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولا سيما من خلال الآليات التالية:
- تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها؛
- إحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية، وتكوين مختصين في هذا المجال؛
- تنمية وتطوير التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعلم الحضوري؛
- تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية والمساعدة لها؛
- إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
المحور الثاني: مآل التعلم عن بعد بالمغرب
عملت السلطة الحكومية المكلفة بقطاع التعليم على وضع عدة مشاريع، منها التي تروم تطوير نمط التعلم عن بعد بالمغرب، ومنها التي تبتغي توسيع نطاق نمط التعلم عن بعد بالمغرب، والملاحظ أنها مشاريع تتعلق فقط بالتعليم العالي دون غيره.
أولا: مشاريع لتطوير نمط التعلم عن بعد بالمغرب
انخرطت المملكة المغربية في مشاريع تهم تطوير جانب التعلم عن بعد بالمنظومة التعليمية، ومنها مشروع ابن سينا، ومشروع السحابة الأكاديمية الوطنية.
- مشروع ابن سينا
يعد مشروع ابن سينا من أكبر مشاريع التعليم عن بُعد طموحًا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي يهدف إلى إنشاء جامعة ابن سينا الافتراضية، ويضم 15 دولة، وهي؛ قبرص، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، مالطا، إسبانيا، تركيا، لبنان، الأردن، فلسطين، سوريا، المغرب، مصر، الجزائر، تونس.
ويهدف هذا المشروع إلى بناء شبكة حاسوبية يمكنها نقل وتبادل المعلومات بين جميع المراكز التابعة لجامعة ابن سينا في هذه الدول، والتي تعرف باسم: (Avicenna Knowledge Campus) (AKW)، وهو مشروع من شأنه أن يقلص الفارق في مجال تعليم العلوم التكنولوجيا على المستوى الإقليمي.
ويروم هذا المشروع تصميم شبكة تصل بين الجامعات ذات الأهداف الموحدة، والاهتمام المشترك، لتتبادل التجارب والخبرات، وتكثف التعاون في التكوين، ورفع مستوى الجامعات، لتقلص الفجوة بين مستوى تلك الجامعات في تعليم العلوم والتكنولوجيا، فتتقارب المخرجات وتتشابه؛ في جودة تكوينها، وحسن تدريبها، وإحكام إعدادها[15] وذلك من خلال بناء مجتمع من الجامعات في حوض البحر الأبيض المتوسط، تتشارك في أمثل الممارسات والاستخدامات التربوية من خلال شبكة من مراكز التعلم الإلكتروني المنتشرة في هذه الجامعات، والعمل على تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعلم الإلكتروني، والتعلم عن بعد.
ويبتغي مشروع ابن سينا أيضا المساهمة في ردم الهوة القائمة في مجال تعليم العلوم والتكنولوجيا على المستوى الإقليمي، من خلال استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، على أن تتولى الجامعة الافتراضية تعزيز دور مؤسسات التعليم العالي في المنطقة، وليس الحلول مكانها، إذ ستوفر جامعة ابن سينا مناهج دراسية للتعلم عن بعد، توضع خصيصًا لكل مركز من مراكز المعرفة ضـمن الـشبكة، وعددها 15 مركزًا.
- مشروع السحابة الأكاديمية الوطنية
في خضمّ التطور السريع للتكنولوجيات الحديثة، وتنامي حاجة مؤسسات التعليم العالي إليها؛ تم التوقيع على اتفاقية في الرباط تهمُّ تعزيز رَقمنة التعليم العالي في المغرب، بتاريخ: 28 دجنبر 2015م، من خلال مشروع السحابة الأكاديمية الوطنية «Cloud Académique National»، الذي يرمي إلى إرساء أسُس بيئة متقدمة للتعليم والبحث، من خلال تكنولوجيا الحوْسبة. ويعتبر هذا المشروع، الذي وُقِّعَ على مذكرة بشأنه بين كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، والمركز الوطني للبحث العلمي والتقني، وشركة ”IBM“ فرع المغرب؛ هو الأوّل من نوعه على الصعيد الإفريقي، ويدخل في إطار الجهود الرامية إلى تجاوُز الأسلوب الكلاسيكي في مؤسسات التعليم العالي بالمغرب.
وسيكون المركز الوطني للبحث العلمي والتقني قاعدة انطلاق مشروع السحابة الأكاديمية الوطنية، على أنْ يشملَ الجامعات المغربية لاحقا، وسيتمّ الاقتصار في المرحلة الأولى على مستوى شعبة الإعلاميات، وسيشمل مستقبلا باقي التخصصات.
ثانيا: مشاريع لتوسيع نطاق نمط التعلم عن بعد في المغرب
انخرط المغرب في مشاريع تهم توسيع نطاق نمط التعلم عن بعد بالمنظومة التعليمية، منها مشروع إحداث مؤسسات رقمية متخصصة، ومنها التي تروم الاتجاه نحو تعزيز وتكريس الاعتراف بالتعلم عن بعد نمطا أساسا للتكوين.
- إحداث مؤسسات رقمية متخصصة أو متعددة التخصصات[16]
من أجل تنمية التعليم عن بعد، وتوسيع نطاق استعمال التكنولوجيات الرقمية في تطوير منظومة التربية والتكوين، وفق المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها، ولضمان الانخراط التفاعلي في مجتمع المعرفة؛ أتاح مُشرع مشروع قانون يتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي لكل جامعة أو أي شخص اعتباري آخر خاضع للقانون العام أو الخاص؛ إحداث مؤسسات رقمية متخصصة أو متعددة التخصصات.
ويمكن الاعتراف بهذه المؤسسات الرقمية من قبل الدولة طبقا للشروط والكيفيات المحددة وفق دفتر للتحملات، تضعه السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي لهذا الغرض.
- نحو تعزيز الاعتراف بالتعلم عن بعد نمطا أساسا للتكوين
حددت المادة 63 من مشروع قانون يتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي أنماط التكوين المقدمة بمؤسسات التعليم العالي، بصفة خاصة، في الأنماط التالية:
- التعليم الحضوري؛
- التعليم عن بعد؛
- التعليم المزاوج بين الحضوري وعن بعد؛
- التعليم بالتناوب؛
- أنماط التكوينات الأخرى.
وبذلك سيتم تجاوز اعتماد نمط التعلم عن بعد نمطا لتعويض التعلم الحضوري في أوقات الأزمات، والاتجاه نحو تكريس التعلم عن بعد نمطا مكملا للتعلم الحضوري.
خلاصة
بعد جائحة كوفيد 19 التي ضربت العالم؛ وجدت المؤسسات التعليمية بالمغرب نفسها مضطرة إلى استكمال دروسها باعتماد نمط التعلم عن بعد، ومع الجهود المهمة التي بذلتها هذه المؤسسات في تقريب المقررات الدراسية من المتعلمين؛ فإن العملية التعليمية لم تكن في المستوى المطلوب لأنها لم تكن عملية ممأسسة ولا منظمة بأنظمة متخصصة، ولا بتشريع قانوني، ولا بتنظيم بيداغوجي مناسب، بالإضافة إلى التفاوتات التي ظهرت بين المؤسسات التعليمية في اعتمادها.
لهذه الأسباب وُجِّهت إلى الوزير المنتدب لدى السلطة الحكومية المكلفة بقطاع التعليم عدة أسئلة شفوية[17] من طرف بعض الفرق البرلمانية تروم الكشف عن استراتيجية السلطة الحكومية المكلفة بقطاع التعليم في رقمنة التعليم بالمغرب.
ومما ينبغي أن يطالَهُ التقنين أيضا للنهوض بنمط التعلم عن بعد في المغرب؛ تكريس ضرورة تنظيم دورات تدريبية وتكوين مستمر للمتعلمين، وللأساتذة في مجال الرقمنة، وعلى الخصوص في مناهج التدريس والتعلم عن بعد[18].
[1] حسن بلحياح، رهانات التعليم عن بعد بالمغرب، مقال منشور بالدليل المعرفي لجائحة كوفيد-19 لجامعة محمد الخامس بالرباط، المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد-19؛ نحو خروج سريع من الأزمة، تحليل التداعيات واقتراح الحلول، 10 يوليوز 2020، ص 31
[2] كوزماس منياني وتولي مبيوتي، التعليم المفتوح عن بعد في الدول النامية: الماضي والحاضر والمستقبل، بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثالث والعشرين لتطوير التعليم المنعقد في مدينة ماستريخت في هولندا في حزيران، 2009، ص 159
[3] المادة 2 من المرسوم رقم: 2.20.474 المتعلق بالتعلم عن بعد الصادر بتاريخ 15 محرم 1443هـ الموافق لِـ 24 غشت 2021، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد: 7019، بتاريخ: 28 محرم 1443هـ الموافق لِـ 6 شتنبر 2021، ص 6556.
[4] أعلن عن نهج نظام التعليم عن بعد بديلا للدراسة الحضورية من تاريخ توقف هذه الدراسة الحضورية بتاريخ 16 مارس 2020م.
[5] وهي وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، والتي أصبحت في ظل التعديل الحكومي الجديد بتاريخ 07 أكتوبر 2021م مقسمة إلى وزارتين؛ وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة التعليم العالي والبحث والابتكار.
[6] وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، جواب السيد وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، وارد بتقرير جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب المنعقدة بتاريخ 18 ماي 2020، ص 18.
[7] نشرت هذه الدراسة بالموقع الرسمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بتاريخ: 30 شتنبر 2021.
[8] حسن بلحياح، م.س، ص 33
[9] ويعرف بحسب موسوعة ويكبيديا بأنه: “مبادرة لتحسين حضور المؤسسات الأكاديمية والبحثية على مواقع الإنترنت، ولتشجيع وتوفير وصول مفتوح ومجاني للمعلومات، ونشر النتائج العلمية” فهو بهذا المعنى لا يهدف إلى ترتيب أو تصنيف الجامعات بحسب معيار الجودة أو المكانة العلمية، بقدر ما يترجم درجة التزامها وحرصها على تسجيل حضورها في الشبكة العنكبوتية، من خلال الرفع من حجم وجودة ما تعرضه من تفاصيل عن إنتاجها البحثي، وتمكين المهتمين في شتى أنحاء العالم من الوصول إليه بيسر، بغية تقليص الفجوة الرقمية بين مختلف الجامعات، أي أن الترتيب في هذا التصنيف يعتمد على حجم ونوع المعلومات المتوفرة عن الجامعات في مواقعها الإلكترونيةـ وتسمى هذه الطريقة بالتصنيف المعتمد على الإنترنت: Web Ranking
[10] https://webometrics.info/en/world
[11] https://webometrics.info/en/Ranking_africa
[12] https://webometrics.info/en/Arab_world
[13] المادة 91 من مشروع قانون يتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي صادر بتاريخ: 21 يونيو 2021 عن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي.
[14] تم إقرار الخدمة الشاملة للاتصالات عن بعد (SUT) بواسطة القانون 96-24 المتعلق بالبريد والاتصالات عن بعد، وهدفها هو الإسهام في تقليص الفوارق في هذا المجال الأخير. ومنذ سنة 2005م أصبحت أنشطة هذه الخدمة مدعمة بحساب مخصوص وهو: صندوق الخدمة الشاملة للاتصالات عن بعد (FSUT). ويُدعَم هذا الصندوق باقتطاع 2% من رقم المبيعات غير الخاضعة للضريبة، والمستخلصة من تكاليف الربط المتبادل للمستفيدين من الشبكات العمومية للتواصل عن بعد (ERPT).
إصلاح التعليم العالي آفاق استراتيجية، تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أُعد من طرف اللجنة الدائمة للبحث العلمي والتقني والابتكار بمشاركة الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس، تقرير رقم 5/2019، بتاريخ يونيو 2019، ص 52
[15] أحمد بناني – جلول معزوزي – مريم بناني، التعليم الإلكتروني في الجزائر الراهن والمستقبل، مجلة دراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 03، العدد 01، 15 يناير 2020، ص 268
[16] المادة 60 من مرسوم قانون يتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي.
[17] سؤال فريق الأصالة والمعاصرة رقم: 10996، بتاريخ: 26 يوليوز 2019م؛ وسؤال فريق العدالة والتنمية رقم: 13836 بتاريخ: 12 يونيو 2020. هذا وقد صدر سؤال عن فريق العدالة والتنمية رقم: 3092 قبل جائحة كورونا بتاريخ 13 يوليوز 2017، موضوعه الاستفسار عن مآل مشروع السحابة الأكاديمية لرقمنة التعليم العالي.
[18] لأن دور الأستاذ انتقل في هذه المرحلة الجديدة من مُلقِن إلى قائد ووسيط تربوي، وعضو في فريق تعليمي، يصمم المحتوى التعليمي، ويوظف التكنولوجيا، ويشجع على تفاعل المتعلمين، ويطور لديهم حس التعلم الذاتي. إن هذا الدور الجديد يتطلب منه التزود بمعرفة تقنية تمكنه من تصميم المحاضرات والدروس بطريقة تفاعلية جاذبة، وأن يتيح لصوت المتعلم بالظهور أكثر من ذي قبل.
يُنظر: محمد أحمد أبو عدل، آليات مبتكرة للتعليم عن بعد في زمن الكورونا، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد 4، العدد 41، نونبر 2020، ص 151.
وقد نصت في هذا الصدد المادة 39 من القانون الإطار رقم: 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي أنه” يتعين على السلطات الحكومية ومؤسسات التكوين المعنية أن تعمل على مراجعة برامج ومناهج التكوين الأساسي لفائدة الأطر العاملة بمختلف مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومستوياتها، بقصد تأهيلهم وتنمية قدراتهم، والرفع من أدائهم وكفاءتهم المهنية، وذلك من خلال ملاءمة أنظمة التكوين مع المستجدات التربوية والبيداغوجية والعلمية والتكنولوجية، مع مراعاة خصوصيات كل صنف من أصناف التكوين.
كما يتعين على السلطات والمؤسسات المعنية المشار إليها في الفقرة السابقة أن تضع بشراكة مع الهيئات العامة والخاصة، كل في مجال اختصاصه، برامج سنوية للتكوين المستمر والمتخصص لفائدة الأطر المذكورة، من أجل تطوير مهارتهم وتحسين مردوديتهم.
ويتعين جعل التكوين المستمر إلزاميا وضمن عناصر تقييم الأداء والترقي المهني المشار إليها في الدلائل المرجعية الواردة في المادة 37 من هذا القانون”.
وتطبيقا لذلك رام المشروع رقم 14 من حافظة المشاريع الخاصة بتفعيل مقتضيات القانون الإطار رقم: 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي الصادرة بتاريخ: 07 أكتوبر2020؛ تطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم. ولتحقيق الهدف العام من هذا المشروع، تم تحديد أهدافا خاصة تهم الإدماج الناجع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المقاربة المنهاجية منذ الشروع في وضع تصور المناهج والبرامج والمواد. وكذا تنمية وتطوير كفايات التلاميذ في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والتعلم، وهو ما يفرض الإسهام في إعداد برامج ومناهج تدمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإعداد موارد رقمية مكيفة وفق المنهاج الجديد تغطي جميع المواد والأسلاك الدراسية، من خلال مختبرات الابتكار والإنتاج. بالإضافة إلى تكوين أطر تربوية ومختصين في مجال الابتكار وإنتاج الموارد الرقمية عبر دورات تكوينية حضورية وعن بعد، دون إغفال العمل على استكمال تجهيز المؤسسات التعليمية ببنيات مناسبة مع الصيانة والربط بالإنترنت وفق حكامة رقمية جيدة.
وقد بدأ إقرار هذه التكوينات أيضا بقطاع التعليم العالي بمناسبة وضع مشروع قانون يتعلق بتنظيم التعليم العالي والبحث العلمي؛ إذ تُقرر المادة 68 من هذا المشروع استفادة جميع الأساتذة العاملين بمؤسسات التعليم العالي بمختلف أصنافها من ورشات لتقييم الأداء ولتنمية الخبرة، ودورات تدريبية وتكوينات متخصصة وفق برامج سنوية محددة.