مستجدات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في ضوء مشروع القانون رقم 27.22
مستجدات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في ضوء مشروع القانون رقم 27.22
اعداد :
أيت وركان إبراهيم دكتور في العلوم القانونية والسياسية
لا يختلف اثنان على أن سياسة التنمية الاجتماعية تقوم بصفة أساسية على التضامن والتلاحم الاجتماعي، ويعتبر تحسين المستوى الصحي أحد المكونات الأساسية لهذه السياسة التي تهدف إلى ضمان مشاركة المواطنين مشاركة كاملة في التنمية المستدامة للبلاد.
ولهذه الغاية، فإن ضمان المساواة وتحقيق الإنصاف بالنسبة لجميع السكان في مجال الاستفادة من الخدمات الطبية، يمثل إحدى أولويات الدولة في مجال الصحة. ولذلك، أصبحت هذه الأخيرة تشكل موضوع توافق وطني يتماشى مع المتغيرات الدولية، باعتبارها أداة فعالة من أدوات تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق.[1]
وتجدر الإشارة، إلى أن حماية الصحة قد فرضت التزاما على الدولة بتوفير الخدمات الطبية الوقائية مجانا لفائدة جميع المواطنين أفرادا وجماعات، بالإضافة إلى سهرها على تنظيم مجال تقديم خدمات صحية نوعية موزعة توزيعا متكافئا على سائر أرجاء التراب الوطني وضمان الاستفادة من هذه الخدمات لفائدة جميع الشرائح الاجتماعية عن طريق التكفل الجماعي والتضامني بالنفقات الصحية.
وفي هذا السياق نشير إلى أن بلادنا قد خطـت خطـوات كبيرة فـي إرسـاء التغطيـة الصحيـة الأسـاسيـة لفائدة كافة فئات المجتمع، بما في ذلك فئة السكان في وضعية الفقر ووضعية الهشاشة، إذ تم اعتماد التغطيـة الصحيـة الإجبـاريـة بعد دخول القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية[2] حيز التنفيذ، كما تم إطلاق العمل بنظام المساعدة الطبية في إطار تجربة نموذجية شملت جهة تادلة -أزيلال سنة 2008، ليتم بعد ذلك تعميـم هذا النظـام سنـة 2012، مما مكن الفئات المعوزة من الاستفادة من الخدمات الصحية التي توفرها المستشفيات والمؤسسات العمومية الصحية والمصالح الصحية التابعة للدولة بشكل مجاني ودون دفع تكاليف العلاجات والاستشفاء.
غير أنه رغم النتائج الإيجابية التي حققها نظـام المسـاعـدة الطبيـة فيما يخص تيسير الاستفادة، بشكل مجاني، من مختلف الخدمات الصحية التي تقدمها المؤسسات الصحية العمومية، فإن النظام المعمول به ظل يتسم بالمحدودية وعدم القدرة على مسايرة التحديات بتوفير تغطية صحية شاملة للفئات المستهدفة ترقى إلى المستوى المطلوب[3].
وفي هذا الإطار، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية[4] المتعلقة بإصلاح وإعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية الصحية، وإطلاق ورش تعميم التغطية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة وفق برنامج عمل مضبوط، بدءًا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وانسجاما مع ما نص عليه القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية[5]، وعلى الخصوص ما يتعلق بالتزام السلطات العمومية بمراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالحماية الاجتماعية[6]، من أجل بلوغ الهدف المسطر لتوسيع الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض ليشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية؛
ولأجل مواكبة أوراش التحديث التي تعرفها بلادنا على كافة المستويات، ومن أجل تمكين المغرب من إطار قانوني مساير لمختلف التطورات التي يشهدها مجال التأمين الإجباري الأساسي عن المرض[7]، تم إعداد مشروع قانون رقم 27.22 يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، صادق عليه مجلس الحكومة المنعقد يوم 8 سبتمبر 2022 مع الاخذ بعين الاعتبار الملاحظات المسجلة في شأنه من لدن بعض أعضاء الحكومة ولاسيما ملاحظات وزير الداخلية، فما هو السياق الذي تم إعداد المشروع في ضوءه وما هي المستجدات والمضامين التي جاء بها؟
أولا: سياق إعداد مشروع القانون 27.22 ودوافعه
نشير إلى إن نظام التغطية الصحية بالمغرب قد رأى النور خلال فترة الحماية الفرنسية، من خلال إنشاء تعاضديات للموظفين تؤطرها نصوص قانونية (ظهائر شريفة) يعود تاريخها إلى سنتي 1927 و1928، وبعد مرور أزيد من 60 سنة على استقلال المغرب، وعلى الرغم من التقدم المحرز منذ سنة 2002، عبر إحداث أنظمة التأمين الصحي لفائدة العاملين في القطاع الخاص، وفي الوظيفة والقطاع العموميين، ولفائدة الفئات المعوزة (التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في إطار الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض في إطار الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ونظام المساعدة الطبية[8] (راميد))، إلا أن النظام المعمول به حاليا توجه له العديد من الانتقادات بالنظر لأوجه القصور التي تعتريه ولاسيما تلك المرتبطة مستوى التكفل والفئات المشمولة بالتغطية[9]، ناهيك عن كون هذا النظام لا يزال يواجه صعوبة في احترام مبادئ الشمولية والتضامن والمساواة وجودة خدمات الرعاية الصحية بالإضافة إلى الانعكاسات المالية للنظام الحالي على ميزانية الدولة وكذا بنية المؤسسات الصحية العمومية[10].
ومن أجل توسيع نطاق التغطية الصحية الأساسية لتستفيد منها الفئات غير المشمولة بعد بالتغطية الصحية، أطلق رئيس الحكومة في أكتوبر 2013 مسلسلا لإصلاح التغطية الصحية، وذلك بموجب منشور رقم 2013/13 الذي تم من خلاله إحداث لجنتين لجنة بين وزارية للقيادة لدعم تطوير استراتيجية مندمجة لإصلاح التغطية الصحية الأساسية تهم كافة مكوناتها المتمثلة في التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ونظام المساعدة الطبية والتأمين لفائدة المستقلين، ولجنة تقنية بين وزارية تضطلع بدعم واعتماد منهجية موحدة لتتبع وتقييم مختلف مراحل إصلاح التغطية الصحية الأساسية[11]، وأسفرت هذه الدينامية عن مجموعة من القرارات كاختيار الوكالة الوطنية للتأمين الصحي للاضطلاع بالإشراف على وحدة التقييم والتتبع، في دجنبر 2014 وكذا اعتماد المخطط الشامل لإرساء التأمين لفائدة المستقلين ومبدأ التدرج في تفعيله، وإطلاق التغطية الصحية الخاصة بالطلبة منذ سبتمبر 2015, مع اعتماد وتنفيذ الاستراتيجية المندمجة لإصلاح التغطية الصحية الأساسية مع العمل على إعداد 16 نصا قانونيا وتنظيميا صدرت 10 منها في مارس 2016، لكن ورغم كل المجهودات ظلت العديد من الملفات عالقة، هذا بالإضافة إلى ما يسجل من بطء في عملية الإصلاح؛
و لاشك أن أكثر ما يبعث على القلق هو خطر إغفال المبادئ الأولية والأهداف الاستراتيجية التي قام عليها نظام التغطية الصحية الأساسية[12]، ألا وهي (إدراج التغطية الصحية في إطار نظام للتغطية الصحية الأساسية الشاملة، نظام إجباري وتضامني، يتم تمويله بواسطة مساهمة جميع أنواع الدخل ويكمله تمويل تضامني لفائدة المعوزين مع ضمان الإنصاف وتحسين مستويات التكفل وجـودة الرعاية الصحية وتحويل الأنظمة الانتقالية نحو نظام التغطية الصحية الأساسية ومن ثم، فإن المقتضيات التي كان من المفترض أن تكون انتقالية قد تحولت، في ظل غياب تدابير المواكبة لحماية الحقوق المكتسبة للأشخاص المؤمن لهم وغياب التفاوض مع المنظمات الممثلة لمهنيي من أجل تحيين التعريفات، (تحولت إلى إكراهات تعيق تعميم التغطية الصحية في الصحة في مختلف درجاتها ومحتواها.
واستحضارا لكافة المعطيات المذكورة، ومن أجل معالجة الواقع الحالي، دعا جلالة الملك في العديد من الخطب[13] إلى إعادة النظر في المنظومة المؤطرة للحماية الاجتماعية بوجه عام والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض على وجه الخصوص، وهو ما تم فعلا بصدور القانون الإطار رقم 09.12 المتعلق بالحماية الاجتماعية[14] الذي حدد الأهداف والمحاور والجدولة الزمنية تبعا لتلك التي سبق وأن حددها جلالة الملك حفظه الله في خطبه السامية، ولتنزيل مقتضياته ولاسيما المواد 5 و17 و18.
واعتبارا لما سبق، ولأجل إعطاء دفعة جديدة، ولمواكبة أوراش التحديث التي تعرفها بلادنا على كافة المستويات، وتفاعلا مع المحيط الدولي والوطني وكذا مختلف الفاعلين والمتدخلين في مجال الحماية الاجتماعية، ومن أجل تمكين المغرب من إطار قانوني مساير لمختلف التحولات التكنولوجية والتقنية التي يشهدها مجال الإجباري الأساسي عن المرض تم إعداد مشروع القانون رقم 27.22 مع حرص شديد على تبني مقاربة تشاركية[15] من مختلف القطاعات والمؤسسات المعنية وذلك ضمانا للتطبيق الأمثل والتنزيل الأسلم لمختلف المضامين التي حملها.
ثانيا: مستجدات مشروع القانون 27.22 ومضامينه
من خلال القراءة التحليلية لمشروع القانون رقم 27.22 القاضي بتغيير وتتميم القانون السالف الذكر رقم 65.00 نجده يقوم على مجموعة من المرتكزات التي يتمثل أولها في تنزيل أحكام المادة 5 من القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، التي تؤكد على توسيع الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لتشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية RAMED، وقد نص المشروع على مرتكز أساسي يتمثل في قبول الأشخاص المستفيدين من نظام المساعدة الطبية للاستفادة بكيفية تلقائية من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، مع احتفاظهم بجميع المكتسبات الممنوحة لهم في إطار نظام المساعدة الطبية.
ولتنزيل مبدأ الاستفادة التلقائية من النظام الجديد فقد تضمن المشروع مرتكزا جوهريا يتمثل في استناد تمويل نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض إلى مبدأي المساهمة والتعاضد في تحمل المخاطر بالنسبة للأشخاص القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وإلى مبدأ التضامن بالنسبة للأشخاص غير القادرين على تحملها مع تأكيده على أن الدولة هي التي تتحمّل المبلغ الإجمالي للاشتراكات في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.
وفي نفس السياق، تضمن مشروع القانون أحكام تتعلق بتحديد الخدمات المضمونة على أساس مبدأ عدم التمييز في الولوج إلى خدمات الحماية الاجتماعية المنصوص عليه في المادة 3 من القانون الإطار رقم 09.21 وذلك باستفادة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك من نفس سلة العلاجات إسوة بموظفي ومستخدمي الدولة والمؤسسات العمومية وأجراء القطاع الخاص، علاوة على تأكيد اعتماد السجل الاجتماعي الموحد فيما يتعلق بقواعد التسجيل، وذلك لتحقيق استهداف أكثر فعالية للفئات المؤهلة للاستفادة من خدمات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك؛
ومن أبرز المرتكزات الواردة في مشروع القانون نجد التنصيص على تخويل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مهمة تدبير هذا النظام، وذلك بالنظر إلى التجربة التي راكمها في تدبير نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة أجراء القطاع الخاص، مع إحداث مجلس إداري خاص لتدبير النظام الجديد وكذا سن أحكام خاصة بانعقاد الاجتماعات بصفة مستقلة عن الاجتماعات الأخرى المتعلقة بتدبير باقي الأنظمة التي يدبرها الصندوق، علاوة على إدراج العمليات المتعلقة بالتدبير المالي لهذا النظام في محاسبة مستقلة.
ولتنزيل المرتكزات السالف الذكر، فإن مشروع القانون تضمن تسع مواد حيث إن المادة الأولى يغير بموجبها، عنوان القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، ليصبح على النحو التالي: قانون رقم 65.00 يتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض”. أما المادة الثانية من المشروع فتغير بموجبها، الفقرات السابعة والثامنة والتاسعة من ديباجة القانون السالف الذكر رقم 65.00 قصد تحقيق الملاءمة مع ما جاء به مشروع القانون رقم 27.22؛
في حين أن المادة الثالثة تم بموجبها تغيير أو تتميم، أحكام المواد الأولى و2 و4 و5 و7 (الفقرة الثالثة) و32 و34 و46 (الفقرة الأولى) و58 (الفقرة الأولى) و61 و68 و69 و102 و105 وعنوان الكتاب الثالث والمادة 118 وعنوان القسم الثالث من الكتاب الثالث والمواد 125 و126 (الفقرة الأولى) و142 و144 و145 و146 من القانون السالف الذكر رقم 65.00، بينما تم بموجب المادة الرابعة نسخ وتعويض أحكام المواد 115 و116 و117 و120 والقسم الثاني من الكتاب الثالث والمادة 127 من القانون السالف الذكر رقم 65.00، في حين تم تخصيص المادة الخامسة لتتميم القانون السالف الذكر رقم 65.00 بالمادتين 120 المكررة و124 المكررة التالية، أما المادة السادسة فقد تم بموجبها نسخ أحكام المواد 3 و37 و60 من القانون السالف رقم 65.00، وتجدر الإشارة إلى أن المادة السابعة خصصت لدخول القانون حيز التنفيذ حيث نصت على أن يدخل ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، مع الإشارة إلى أن الأحكام التي تستلزم صدور نصوص تنظيمية تدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشر هذه النصوص بالجريدة الرسمية.
وفي نفس السياق حدد المادة الثامنة من مشروع القانون الأحكام الخاصة بالاستفادة التلقائية من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، فيما يتعلق بالأشخاص الذين يستفيدون من نظام المساعدة الطبية في التاريخ المحدد بنص تنظيمي، مع التنصيص على أن يتعين على هؤلاء الأشخاص، أن يطلبوا، لاستمرار في الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك طبقا للشروط المحددة في مشروع القانون، ووفق الكيفيات والآجال التي ستحدد بنص تنظيمي، وقد أكدت المادة الثامنة من المشروع على أن ضرورة موافاة، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من لدن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، بقاعدة المعطيات المتعلقة بهؤلاء الأشخاص. حيث سيقوم الصندوق بمعالجة هذه المعطيات قصد تسجيلهم، قبل التاريخ المحدد لاستفادتهم من النظام الجديد.
وأخيرا نجد المادة التاسعة والأخيرة من المشروع التي تم بموجبها التنصيص على حلول الدولة، محل الوكالة الوطنية للتأمين الصحي في جميع صفقات الدراسات والأشغال والتوريدات والخدمات، وكذا جميع العقود والاتفاقيات الأخرى المتعلقة بنظام المساعدة الطبية، التي لم تتم تسويتها بصفة نهائية. مع التأكيد على أنها ستتولى تسوية الصفقات والعقود والاتفاقيات المذكورة وفق الأشكال والشروط الواردة فيها. علاوة على التنصيص على أحكام تخص نقل الملفات والأرشيف الممسوك من لدن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي فيما يخص اختصاصاتها المتعلقة بنظام المساعدة الطبية إلى الدولة.
وعليه يجب التصريح أن مشروع القانون رقم 27.22 الذي يقضي بتغيير وتتميم القانون المومإ إليه أعلاه رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية حمل العديد من المرتكزات والمستجدات كما أسلفنا ذكرها، كما أنه تم إعداده باستحضار مختلف المرجعيات ولاسيما الدستور المغربي والفصل 31 منه وكذا أحكام القانون الإطار السالف الذكر رقم 09.21، علاوة على مراعاة مختلف التوصيات الصادرة عن المؤسسات الدستورية، مع حرص حكومي، تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، على إشراك كافة المتدخلين من قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وقطاع خاص ومختلف الهيئات غير الحكومية، لكن استكمال بناء هذا الصرح وإخراجه إلى حيز الوجود يقتضي التحلي بالدقة والسرعة في دراسة المشروع باللجان المختصة لدن المؤسسة البرلمانية في أفق المصادقة والتصويت على المشروع مباشرة بعد افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2022 قصد الوصول إلى الهدف المبتغى وهو الالتزام بتعميم التأمين الإجباري عن المرض وفق الجدولة الزمنية التي حددتها المادة 17 من القانون الإطار رقم 09.21، هذا مع العلم أن صدور القانون لا يكفي لوحده من أجل ضمان تطبيقه، فلا بد من الانكباب على استكمال المنظومة حيث تكتسي النصوص التنظيمية الواردة في المشروع طابعا استعجاليا من أجل التنزيل السليم لأحكام القانون الإطار رقم 09.21 والتي حددت متم سنة 2022 كتاريخ أقصى لتعميم الاستفادة من نظام التامين الإجباري الأساسي عن المرض.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن مشروع القانون يتضمن أزيد من 14 إحالة إلى نصوص تنظيمية، مع ضرورة تحديد المقصود بالإدارة في مادتين، ويتعلق الأمر بكيفيات انتقال المؤمنين بين أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (المادة 34)، وكذا وعاء الاشتراكات المؤداة من لدن الدولة لفائدة المؤمنين في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 46)، ونجد أيضا كيفيات تطبيق المادة 102 ولاسيما فيما يتعلق بمدة الاستفادة من الخدمات وكيفيات تسوية وضعية المؤمنين المعنيين (المادة 102)، وأيضا معايير وكيفيات إثبات عدم قدرة الأشخاص على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 116)، وكيفيات تصريح الإدارة بالأشخاص الذين يستوفون الشروط المنصوص عليها في المادة 116 أعلاه لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قصد تسجيلهم (المادة 117)، هذا بالإضافة إلى كيفيات تحمل الدولة المبلغ الإجمالي للاشتراكات في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 117) وكيفيات تطبيق المادة 118 المتعلقة باستفادة نزلاء المؤسسات السجنية، ودور الأيتام والخيريات من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 118)، والكيفيات والمدة التي يبقى خلالها المؤمن في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك محتفظا بالحق في الخدمات (المادة 119)، ومن بين أهم النصوص أيضا خدمات التحقق بكيفية دورية من استيفاء المؤمنين في إطار نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك للشروط المطلوبة للاستفادة من النظام المذكور (المادة 120)، وكذا كيفيات تغطية مصاريف الخدمات التي تباشر داخل المؤسسات الصحية العمومية، عن طريق التحمل المباشر من لدن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (المادة 120 المكررة)، وقائمة الخدمات التي تتحمل فيها الدولة الجزء الباقي على عاتق المؤمن (المادة 120 المكررة)، علاوة على ضرورة تحديد ممثلي الإدارة في مجلس إدارة الصندوق المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 122) وتحديد واجبات الاشتراك في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك (المادة 127)، ومن بين أبرز الإحالات على النصوص التنظيمية ما ورد في المادة الثامنة من مشروع القانون رقم 27.22) والمتعلقة بتاريخ استفادة الأشخاص المؤهلين حاليا في نظام المساعدة الطبية بكيفية تلقائية من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وكذا الكيفيات والآجال التي يطلب بموجبها الأشخاص المنصوص عليهم في المادة الثامنة من مشروع القانون رقم 27.22 الاستمرار في الاستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الخاص بالأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وأخيرا نجد أيضا تحديد المقصود بالإدارة التي سيتم إليها نقل الملفات والأرشيف الممسوك من لدن الوكالة الوطنية للتأمين الصحي فيما يخص اختصاصاتها المتعلقة بنظام المساعدة الطبية (المادة التاسعة من مشروع القانون رقم 27.22).
في الختام لابد من التأكيد على أن القانون السالف الذكر رقم 65.00 بني، إبان صدوره، على فلسفة أصبحت متجاوزة في ظل التوجه الجديد لمشروع القانون موضوع الدراسة، هذا الأمر يفرض أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في كافة مقتضياته من خلال مراجعة تشمل كافة أحكامه، وأخص بالذكر على سبيل المثال لا الحصر، إقرار فترة التدريب كشرط لتخويل الحق في الاستفادة من الخدمات ومدة الاحتفاظ بالحق، واقتصار التأمين على أحد الأبوين….، هذه الأحكام ستصبح متجاوزة بعد تعميم الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض أي مباشرة بعد صدور مشروع القانون رقم 27.22 في الجريدة الرسمية وبعد استكمال مسطرة المصادقة والتصويت من لدن البرلمان. وفي هذا الإطار، يتعين تبني نص قانوني وحيد (اعتماد مبدأ الضم التشريعي لكافة النصوص ذات الصلة بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض) يشمل كافة الأحكام الخاصة بأنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (المهنيون والعمال المستقلون والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا وذوو المعاشات منهم، والطلبة، والأشخاص القادرون على تحمل واجبات الاشتراك …) تفاديا لتضارب أو ازدواجية الأحكام القانونية المنظمة لكل فئة من جهة، وتحقيقا للانسجام التشريعي وتيسيرا للمعلومة القانونية المؤطرة لمجال الإجباري الأساسي عن المرض من جهة أخرى.
[1] – ديباجة القانون رقم 00-65 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.296 بتاريخ 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002).
[2] -جريدة رسمية عدد 5058 بتاريخ 21 سبتمبر 2001.
[3] -رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية
إحالة ذاتية رقم 2018/34، ص35.
[4] – الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة بمناسبة عيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليو 2020، والخطاب الملكي السامي الموجه إلى ممثلي الأمة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ 9 أكتوبر 2020.
[5] – ظهير شريف رقم 1.21.30 صادر في 9 شعبان1442 (23 مارس 2021) بتنفيذ القانون – الإطار رقم 21.09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، الذي في المادة 5 على توسيع الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لتشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية RAMED، مع العلم أن تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض حدد له القانون الإطار السالف الذكر الجدولة الزمنية في سنتي 2021 و2022 حسب ما ورد في المادة 17 منه.
[6] – عرض محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، بمناسبة تقديم مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية بتاريخ الاثنين 22 فبراير 2021.
[7] -المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 27.22.
[8] – أبانت تقارير تقييم نظام “راميد” وجود مشاكل تتعلق بتحديد الفئات المستهدفة. حيث لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي برسم 2016-2017، “أن هناك صعوبة في تحديد وضبط الفئات المؤهلة للاستفادة من نظام المساعدة الطبية خصوصا مع تنامي القطاع غير المهيكل واعتماد النظام التصريحي فيما يخص التصريح بالدخل. كما لوحظ اعتماد قواعد معقدة لتحديد الأهلية بشكل تصعب معه دراسة طلبات الاستفادة أو تفعيل المراقبة البعدية للنظام.
[9] -مازال 45.4 من المغاربة لا يتوفرون على أي تغطية صحية (تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار الإحالة الذاتية رقم 34/2018 ص 83).
[10] – تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في رأيه حول الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، إحالة ذاتية رقم 2018/34، ص75.
[11] – بين سنتي 2013 و2017 عقدت لجنة القيادة ثلاث اجتماعات، فيما عقدت اللجنة التقنية ثمانية اجتماعات، أما مجموعات العمل الموضوعاتية فقد عقدت 30 اجتماعا تمخض عنها مجموعة من القرارات
[12] – فقد سبق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، في دراسة مسحية نشرتها سنة 2018، أن أحصت 140 برنامجا اجتماعيا يشرف عليه 50 متدخلا مؤسساتيا في المغرب. ولا يتضمن البرنامج الحكومي 2021-2026 أي إجراء أو إشارة تفيد الاهتمام بتقليص أو تجميع تلك البرامج وتنسيقها. مما يؤكد استمرار العديد من الاختلالات التي سبق ورصدتها تقارير رسمية في هذا المجال، ما يؤكد أن منظومة الحماية الاجتماعية تفتقد لآلية الاستهداف الاجتماعي، وتعرف هذه المنظومة تضخما سواء على مستوى كثرة البرامج والمبادرات، أو على مستوى كثرة المتدخلين، كما تهم ضعف الحكامة وغياب التنسيق لترشيد الجهود.
[13] – الخطاب الملكي ل 29 يوليوز 2020 بمناسبة الذكرى ال 21 لعيد العرش، ونص الخطاب الملكي ل 29 يوليوز 2018 بمناسبة الذكرى ال 19 لعيد العرش.
[14] – ظهير شريف رقم 30.21.1 صادر في 9 شعبان 1442 (23 مارس 2021) بتنفيذ القانون -الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، جريدة رسمية 6975، عدد 22 شعبان 1442 (5 أبريل 2021(.
[15] -وفق لما جاء في المذكرة التقديمية لمشروع القانون رقم 27.22.