” مفهوم الاستعجال كأساس للتدخل القضائي الفوري” نظرة قانونية وقضائية زهير الداودي

“ مفهوم الاستعجال كأساس للتدخل القضائي الفوري”
نظرة قانونية وقضائية
زهير الداودي
باحث بسلك الماستر تخصص قانون العقود والأنظمة العقارية
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول بوجدة
مقدمة:
يقال “إن القضاء هو فن إنهاء الخصومات والدعاوى”، ولن يبلغ هذا الفن مرتبته الراقية إلا بربطه بعامل الزمن، لأن المتقاضي يرغب في معرفة الحلول القضائية التي تخصصها المحكمة لدعواه في أقرب وقت ممكن ومناسب، فالبطء في الأحكام قد يسبب أضرارا متفاوتة الخطورة، مما يجعل لوحة العدالة باهتة.
ويعتبر القضاء الاستعجالي فرع من فروع القضاء المدني تظهر إليه الحاجة في الحالات التي تتعرض فيها حقوق أحد المتقاضين إلى خطر يمكن أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بها نهائيا، وإذا ترك أمر البت فيها لإجراءات التقاضي العادي يطول أمدها عادة، فالقضايا الاستعجالية، هي قضايا خاصة نظمها المشرع في الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية.
فالقضاء الاستعجالي هو إجراء مختصر واستثنائي، يسمح للقاضي باتخاذ قرار وقتي في المسائل المتنازع عليها والتي لا تحتمل التأخير في إصدار القرار بدون حصول ضرر، ولأجل اصدار أمر استعجالي يجب ان تتوفر جملة من الشروط وهي: عنصر الاستعجال وعدم المساس بالجوهر.
كما تعتبر الأوامر الاستعجالية أحكام وقتية لا تحوز قوة الشيء المقضي به أمام قضاء الموضوع وهذا المبدأ كرسه قانون المسطرة المدنية من خلال الفصل 152 والذي مفاده” لا تبت الأوامر الاستعجالية إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن ان يقضي به في الجوهر”.
فإذا كان العمل القضائي يقتضي الفصل في النزاعات بعد تمحيص الأدلة والبيانات المقدمة حتى تحفظ الحقوق وترد لأصحابها. فإن القضاء الاستعجالي يتطلب للحفاظ على الحقوق وحمايتها الفصل في النزاع المعروض عليه بسرعة غير مألوفة في التقاضي أمام القضاء العادي.
ويمكن توضيح هذه الأهمية التي تمتع بها القضاء المستعجل من خلال أمرين:
1- تمكين الخصوم من إصدار قرارات مؤقتة سريعة دون مساس بأصل الحق مع التقصير في الوقت والإجراءات.
2- وأيضاً قد يغني الحكم الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة عن الالتجاء إلى القضاء العادي للفصل في أصل النزاع كما أن حكم قاضي الأمور المستعجلة قد يحسم النزاع إذا وضع الخصوم في حالة يصبح معها الاستمرار في الخصومة أمام القضاء العادي غير منتج.
ولئن كانت القواعد الموضوعية والإجرائية هي الكفيلة بتحديد أبرز معالم صورة مؤسسة القضاء المستعجل، فإننا بعد استقرائنا للنصوص المنظمة لها، سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال مطلبين على الشكل التالي:
المطلب الأول: الاستعجال كشرط الإختصاص القضاء الإستعجالي
قد تثار مجموعة من النزاعات والتي سبق البت فيها من طرف قاضي الأمور المستعجلة، فرفع الدعوى لنفس الأسباب وفي نفس الموضوع ونفس الخصوم لا تعتبر خرقا لقاعدة سبقيه البت المنصوص عليها في إطار الفصل 451 من ظ.ل.ع على اعتبار ان الأوامر الاستعجالية هي احكام وقتية لا تحوز قوة الشيء المقضي به أمام محاكم الموضوع. وهذا ما ذهبت اليه محكمة النقض في أحد قراراتها،” الأوامر الاستعجالية هي أحكام وقتية لا تحوز قوة الشيء المقضي به أمام قضاء الموضوع، لذلك حينما قررت محكمة الموضوع سماع الدعوى التي سبق ان تم رفعها أمام قاضي المستعجلات وفصلت في موضوعها تكون غير خارقة لقاعدة سبقية البت” القرار عدد 2013 بتاريخ 03/05/2010 الملف المدني عدد 2010/5/1/3567.”
لذلك فكثير من المتقاضين قد تضيع حقوقهم نظرا للإعتقاد السائد أن الأوامر الاستعجالية منهية للنزاع، لكنها في الأصل غير منهية له، بل هي ضمانة أفردها المشرع لآجل حماية الحقوق من الضياع وكذلك لآجل التدخل في المواضيع التي تحتاج الى السرعة وتتوفر على عنصر الاستعجال.
الفقرة الأولى: تعريف الإستعجال
رغم إعتبار الاستعجال كشرط رئيسي جوهري للاختصاص النوعي للتقاضي الاستعجالي فان المشرع المغربي لم يعرف مصطلح الاستعجال، بل اكتفى بتعيين نوع الدعاوي التي يرتب لها حكما بوصفه بهذه الصفة.
فيما ذهب الفقه والقضاء مذاهب عدة في تعريف الاستعجال فقضت محكمة النقض الفرنسية وحدي حدودها الكثير من الشرح في فرنسا وبلجيكا ومصر “بان الاستعجال لا يتوفر إلا في الأحوال التي يترتب على التأخير فيها ضرر لا يحتمل الإصلاح”، واستند الرأي إلى عبارة وردت في خطاب ألقاه المستشار ريال في 11-04-1806 بالمجلس التشريعي في الأعمال التحضيرية لباب القضاء المستعجل إذ قال: ” يتردد رئيس المحكمة في الحكم في الدعاوي التي يترتب على اقل تأخير فيها ولو بضع ساعات ضرر لا يقبل الإصلاح”.
كما عرفه البعض بأنه: ” الضرورة التي لا تحتمل تأخيرا أو انه الخطر المباشر الذي لا يكفي في إلقائه رفع الدعوى بالطريق المعتاد حتى مع تقصير المواعيد “.
وعرفه البعض الآخر بأنه: ” الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده “.
وهناك رأي آخر يرى بان” الاستعجال هو ضرورة الحصول على الحماية القانونية العاجلة التي لا تتحقق من إتباع الإجراءات العادية للتقاضي نتيجة لتوافر ظروف تمثل خطرا على حقوق الخصم أو تتضمن ضررا قد يتعذر تداركه وإصلاحه”.
كما عرف الاستعجال بأنه: ” طلب اتخاذ إجراء وقتي يبرره خطر داهم أوامر يتضمن ضرر قد يتعذر أو يصعب إزالته إذا لجأ الخصوم إلى المحاكم بإجراءات الدعوى العادية “.
وعرف كذلك بان: “الاستعجال يتحقق كلما توافر أمر يتضمن خطرا داهما أو يتضمن ضررا قد لا يمكن تلاقيه إذا لجا الخصوم إلى القضاء العادي.”
وموقفنا من الأراء السالفة الذكر، هو أنه ونجد معظم التعريفات السابقة تتكلم عن الاستعجال كخطر “urgence péril “ وإن كان تعريف الاستعجال بأنه الخطر يعد تعريفا غير دقيق ويتضمن خلط بين السبب والمتسبب، الأن الخطر هو سبب الإستعجال والإستعجال هو مسبب أو نتيجة لوجود الخطر.
فالاستعجال هو حالة قانونية تنشا من الخطر الناتج عن التأخير أو من فوات الوقت، قبل الحصول على الحماية القضائية الموضوعية، ويولد الخطر الحاجة الملحة إلى حماية قضائية عاجلة يتم بمقتضاها تفادي وقوع الضرر بالحقوق أو المراكز القانونية التي يراد المحافظة عليها.
ويبرر هذا التعريف ثلاثة عناصر هي حالة خطر وضرر.
أولا: فمن ناحية الاستعجال كحالة
إن شرعية حالة الاستعجال تستمد من الظروف المحيط بالحق وبالدعوى المرفوعة من أجل حمايته، لأمن إرادة الخصوم والوصف الذي يخلعونه على منازعتهم، وبذلك فلا يوجد استعجال لمجرد رغبة الخصم رافع الدعوى في الحصول على حكم مستعجل لطلباته.
وتتغير حالة الإستعجال من قضية لأخرى، وتتأثر بظروف الزمان والمكان، وتتلازم مع التطور الاجتماعي في الأوساط والأزمنة المختلفة، ولا يوجد معيار ثابت لتقديرها ويتم توافرها في كل قضية على حدى، ويستخلص القاضي حالة الاستعجال من وقائع الدعوى وظروفها، ولا رقابة عليه من طرف محكمة النقض عند تقدير ثبوت الوقائع المستعجلة، وتقتصر الرقابة على مدى ربط الوقائع بالقانون، وتكييف الوقائع تكييفا قانونيا.
ثانيا: من ناحية الخطر كسبب للاستعجال
ويقصد به الخطر في التأخير أو الخشية من فوات الوقت قبل تحقق الحماية الوقتية للحق أو المركز القانوني.
ويجب أن يكون الخطر الذي يولد الاستعجال:
أ_ أن يكون ثمة خطر حقيقي يهدد حقا مشروعا جديرا بالحماية السريعة “حقيقيا”: فان لم يكن كذلك زالت حالة الاستعجال ولا أثر للاستعجال في حالة الخطر الوهمي.
ب_ أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه، ومما يخشى تفاقم أمره وإن لم تتم مواجهته على وجه السرعة” حالا” actuel: فإذا زال الخطر الذي كان يوشك أن يوقع ضررا بليغا زال شرط الاستعجال.
ج_ أن يكون هذا الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير المساطر القضائية العادية” محدقاimminent “: أي مؤثرا ومنتجا ويكون كذلك إذا كان من شان استمراره الأضرار بالحق أو المركز القانوني، وكان دفعه أو درؤه لا يحتمل الانتظار.
ثالثا: من ناحية الضرر le préjudice
يجب أن يكون الضرر مستقبلا ووشيك الوقوع، ولا يلزم أن يكون قد تحقق وإلا زالت علة الحماية الوقتية المستعجلة، لان الوظيفة الوقائية للقضاء المستعجل هي حماية الطالب من ضرر محتمل، وليست غاية جزائية تستهدف إزالة ضرر حل أو تحقق.
أن الإستعجال كشرط الإختصاص بالدعاوي المستعجلة هو شرط مستمر لا يلزم توافره عند رفع الدعوى المستعجلة فحسب، وإنما يلزم توافره خلال كافة مراحلها ووقت صدور الأمر المستعجل فيها، إذ يتعين بقاء أمرين:
– المبرر للاختصاص ليظل الإختصاص للمحكمة.
– وسبب إصدار الأمر المستعجل.
فإذا توافر الإستعجال في الدعوى فان هذا الوصف لا يزول عنها ولو تراخى الخصم في إقامة الدعوى المستعجلة، فقد يكون تأخره بقصد حل النزاع وديا أو الحصول على صلح أو الرغبة في تفادي اللجوء إلى القضاء المستعجل ويستخلص القاضي المستعجل من وقائع وظروف الدعوى ما إذا كان التأخير في رفع الدعوى دليلا على تنازل الخصم عن الحماية العاجلة المؤقتة، الأمر الذي يزيل وصف الاستعجال عن الدعوى أم أن التأخير كان لسبب لا يتضمن التنازل، فلا يزول وصف الاستعجال عن الدعوى.
ويترتب على عدم توافر الاستعجال في الدعوى الأمر بعدم اختصاص القاضي الاستعجالي لعدم توفر أحد شرطي اختصاصه.
المطلب الثاني: رؤية قانونية وقضائية بخصوص عنصر الاستعجال
إن الخوض في موضوع مثل عنصر الاستعجال يضل أمر في غاية الصعوبة خصوصا وأن مقالنا وإن كان ينير الطريق نحو رؤية استشرافية للخطر الذي قد يصيب الخصوم جراء مطالبتهم بالحق إلا أن للقضاء دور مهم في تبسيط المفاهيم وإزالة اللابس على على عنصر الاستعجال، الأمر الذي سيدفعنا إلى استحضار قرارات لمحكمة النقض بصفتها محكمة قانون، أو الأوامر رؤساء المحاكم عبر تراب المملكة.
الفقرة الأولى: نظرة المشرع المغربي للقضاء الاستعجالي
عالج المشرع المغربي المساطر الخاصة بالاستعجال بالقسم الرابع من قانون المسطرة المدنية حيث نص على اختصاص رؤساء المحاكم الابتدائية -أو أقدم القضاة إذا عاق الرؤساء مانع- للبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف.
كما أوكل المشرع لرئيس المحكمة الابتدائية أو لأقدم القضاة إذا عاق الرئيس مانع بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا.
صراحة بعض القوانين على إمكانية اللجوء للقضاء المستعجل كمدونة الأسرة على سبيل المثال لا الحصر والتي تنص بأنه يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات في حالة رفض الموافقة على السفر بالمحضون خارج المغرب، لاستصدار إذن بذلك (المادة 179).
أو مدونة الحقوق العينة التي تنص بالفصل 218 أنه “إذا وقع التراخي في مواصلة الإجراءات التي تتلو الحجز، أمكن للمحجوز عليه أن يتقدم بمقال إلى رئيس المحكمة المختصة بوصفه قاضيا للمستعجلات للمطالبة برفع اليد عن الحجز…”. أو الفصل 19 من قانون 7.81 المتعلق ينزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال الموقت الذي ينص أنه” يختص قاضي المستعجلات وحده للإذن بواسطة أمر استعجالي في الحيازة مقابل دفع أو إيداع تعويض احتياطي يعادل مبلغ التعويض الذي اقتراح نازع الملكية.”
ومن جهة أخرى فقد أعطى المشرع للمتقاضي إمكانية تقديم طلب الدعوى المستعجلة في غير الأيام والساعات المعينة للقضاء المستعجل في حالة الاستعجال القصوى سواء إلى قاضي المستعجلات أو إلى مقر المحكمة وقبل التقييد في سجل كتابة الضبط أو بمنزل القاضي يقال له القاضي بثياب النوم Le juge en pyjama، حيث يعين هذا الأخير فورا اليوم والساعة التي ينظر فيها في الطلب. ويمكن لقاضي الأمور المستعجلة أن يبت حتى في أيام الآحاد وأيام العطل.
ويمكن له أن يأمر باستدعاء الطرف المدعى عليه كما يمكن له أن يبث في غيبة الأطراف بل ويمكن له أن يبث دون استدعائهم في حالة الاستعجال القصوى. إلا أن الأوامر الاستعجالية التي يصدرها لا تبت إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر.
وتكون الأوامر الاستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون ويمكن للقاضي مع ذلك أن يقيد التنفيذ بتقديم كفالة. ويمكن للقاضي في حالة الضرورة القصوى أن يأمر بالتنفيذ على أصل الأمر. ولا يطعن في هذه الأوامر إلا بالاستئناس
الفقرة الثانية: بعض نماذج الأوامر المستعجلة الصادرة عن القضاء المستعجل المغربي
ويمكن الاستدلال بالعديد من الأوامر المستعجلة الصادرة عن القضاء المستعجل المغربي:
” كأمر مؤسسة في شخص ممثلها القانوني -سبق لها منع تلميذة من متابعة دراستها لأنها ارتدت غطاء للرأس- بالسماح للتلميذة باستئناف دراستها تحت غرامة تهديدية قدرها 2000 درهم عن كل يوم تأخير (أمر المحكمة الابتدائية بالقنيطرة عدد 799 في الملف الاستعجالي رقم 67/1101/2020 بتاريخ 25/11/2020).”
والى جانب القضاء المستعجل المدني برز القضاء الاستعجالي الإداري مع إحداث المحاكم الإدارية والذي يختص به رئيس المحكمة الادارية في كل ما له ارتباط بالمادة الإدارية. والقضاء الاستعجالي الإداري يتميز بكونه فرع من القضاء المدني، قضاء سريع يصدر أوامر وقتية لا تمس بجوهر الحق.
“الأمر الاستعجالي عدد 167 الصادر بتاريخ16 ابريل 2008 في الملف رقم 137/08 س ” والذي قضى بإيقاف اشغال الإدارة بملك الطالب دون سلوك المسطرة القانونية المتطلبة في حيازة العقار ونقل ملكيته للإدارة كما هي منصوص عليها في القانون 81-7 باعتبار أن ما تقوم به الإدارة يعد اعتداء ماديا.”
ومن جهة أخرى فقد نص المشرع في القانون المحدث للمحاكم التجارية بالقسم السادس حول اختصاصات رئيس المحكمة التجارية على أن هذا الأخير يمارس الاختصاصات المسندة الى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية.
ويمكن لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة وفي حدود اختصاص المحكمة أن يأمر بكل التدابير التي لا تمس أية منازعة جدية. ويمكن لرئيس المحكمة التجارية ضمن نفس النطاق – رغم وجود منازعة جدية- أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع. وإذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف التجارية، مارس هذه المهام رئيسها الأول.
ونستدل” بالأمر عدد 2489/2000 الصادر عن رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ: 3/10/200 في ملف رقم 195/1/2000 الذي ورد فيه بأن “قاضي المستعجلات يختص بإعطاء حق التصرف في حساب الشركة المفتوح لدى البنك دون حاجة إلى التوقيع المزدوج الذي من شأنه عرقلة تسييرها”.
وإذا كانت هذه الفقرات تعد مجرد رؤوس أقلام بل مجرد إشارات لتقديم موضوع القضاء المستعجل سواء على مستوى رؤساء محاكم الولاية العامة ابتدائية واستئنافية ورؤساء المحاكم المتخصصة الإدارية ابتدائية واستئنافية ورؤساء المحاكم التجارية ابتدائية واستئنافية إضافة الى محكمة النقض فإنه يجب الوقوف على مختلف المواضيع التي تندرج في القضاء المستعجل لتكون للمهتم نظرة شاملة متكاملة لهذا القضاء في القانون المغربي والقانون المقارن سواء تعلق الأمر بمجال التشريع أو الفقه أو العمل القضائي وهو ما يتطلب اللجوء الى مختلف التشريعات التي تنص على القضاء المستعجل والى مختلف المؤلفات الصادرة بهذا الخصوص والى العمل القضائي المتوارث في هذا الباب للغوص في هذا البحر اللجي الممتع الجذاب .
الفقرة الثانية: عنصر الإستعجال في ضوء قرارات محكمة النقض
القرا ر1: القرار عدد 1377 المؤرخ في 5/11/2008. ملف تجاري عدد 562 /3/2/2006″
في أحد قرارت محكمة النقض جاء فيه “لكن حيث إن قاضي المستعجلات لا يلتزم بمقتضيات الفصل التاسع من ق م م مادام أن ما يصدره من قرارات لا تمس أصل الحقوق وأن من شأن اتخاذ الإجراء المذكور مع ما قد يستتبعه من تأجيل للبث في الطلب المستعجل يتعارض مع طبيعة اختصاص القضاء المستعجل الذي يبت على وجه السرعة، فالوسيلة غير جديرة بالاعتبار”،
القرار2: القرار عدد 3402 المؤرخ في 15/10/2008 في الملف المدني عدد 3340/1/1/2007
قاضي المستعجلات – اختصاصه – عدم المساس بالجوهر وتوفر حالة الاستعجال (نعم) – النزاع في الموضوع معروض على محكمة الاستئناف – اختصاص الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف
” بمقتضى الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف مارس هذه المهام (مهام قاضي المستعجلات) رئيسها الأول، ولذلك فإن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف مصدر القرار المطعون فيه عندما اعتمد النزاع المحال على المحكمة التي يرأسها وعلى توفر حالة الاستعجال وكون الإجراء المطلوب لا يمس جوهر النزاع وعلل قضاءه بأن الطلب يرمي إلى إصدار أمر باسترجاع الطالب المبلغ الذي توصلت به المطلوبة من منتوج تنفيذ القرار عدد 1599 الذي تم تنفيذه وذلك بعد ما نقض المجلس الأعلى القرار المنفذ وأحال القضية على المحكمة المذكورة وأنه يترتب على ذلك إرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور القرار المنقوض وبالتالي إرجاع المبلغ المطلوب لاسيما أن هذا الإجراء هو إجراء وقتي ولا يمس جوهر النزاع، فإنه نتيجة لذلك كله يكون القرار مرتكزا على أساس قانوني ومعللا تعليلا كافيا”.
خاتمة:
إن نظام القضاء المستعجل إذ يقوم على تحقيق حماية قضائية سريعة ووقتية للحقوق والمراكز القانونية التي يتهددها خطر محدق ، و ذلك بإصدار أوامر بتدابير عاجلة لا تمس أصل الحق أو موضوع تلك الحقوق و المراكز القانونية بعد بحث ظاهري و سطحي لاحتمال وجود هذه الأخيرة، و بناء على إجراءات مختصرة إلى حد كبير عن تلك المكرسة أمام القضاء العادي ، فإنه يهدف إلى تحقيق استقرار الأوضاع القانونية للأطراف بصفة مؤقتة وهو- باعتقادنا- دور تقليدي كرسته المنظومة القضائية منذ عقود ، ألا يجب التفكير الجاد في إيجاد نصوص قانونية واضحة تكمل هذا الدور التقليدي للقاضي الاستعجالي المقتصر على حالة الاستعجال دون المساس بأصل الحق، و تخوله إصدار الأوامر التي تحمى الحقوق المعتدى عليها و تردها لأصحابها إذا كانت هذه الحقوق واضحة ، و ذلك بإتباع إجراءات غير معقدة و في وقت وجيز تحقيقا لفكرة استقرار الأوضاع القانونية للأطراف الذي يعد لب فكرة الأمان القانوني الذي يهدف إلى تحقيقه قضاء الموضوع مع يعرفه من طول الإجراءات و بطئها و تأخر الفصل في الدعاوى الرامية للحصول على الحماية القضائية للحق أو المركز القانوني محل النزاع على غير ما يرغب فيه المتقاضون و مع تضخم الملفات على غير ما يرغب فيه القضاة وهو مشكلة جل النظم القانونية في مختلف الدول، حتى يلتئم الجرح الذي أصاب الحق على قول الفقيـه ديموج (Demogue) بأن الحق الذي تتأخر حمايته و أعمال حكم القانون بشأنه هو في الواقع حق جريح.
توصية:
حين اطلعنا على آخر مسودة لقانون المسطرة المدنية ،وجدنا أنها لا تحمل تعديلات مهمة وجديدة بخصوص مسار القضاء الاستعجالي المغربي، ورغم أن قانون المسطرة المدنية يعود إلى مدة تجاوزت أربعة عقود، فهي ظلت في أغلب ما تحويه من نصوص جامدة لا تتجدد بمرور عقد أو عقدين، ونفس المنحى عاشته الفصول المنظمة للقضاء الاستعجالي، ومهمتنا نحن وكباحثين هي أن نقترح ونبحث عن ما يغني التعديلات المقترحة في القضاء الاستعجالي أو غيره، ووسيلتنا الوحيدة في ذلك، هي هذه الكتابات التي نخطها هنا وهناك، لكي نزيل مسؤولية الاقتراح عن أكتافنا، ونرميها على رقبة أهل الحل والعقد لكي يعملوا بها أو يختاروا منها المناسب ويتركوا ما لا يستهوي رياح اعتقادهم وإيمانهم.



