بحوث قانونيةفي الواجهةمقالات قانونية

مكافحة جريمة غسل الأموال بين المقاربة الزجرية والسياسة الوقائية الدكتورة : نادية أبخـازر دكتوراه في الحقوق –


المقاربة الزجرية والسياسة الوقائية ”

Combating the crime of laundering Ammonia between punitive approach and preventive policy

?الدكتورة : نادية أبخـازر دكتوراه في الحقوق


ملخص :

إن المغرب يعتبر طرفا فاعلا في المنظمات والهيئات الدولية الإقليمية المختصة ، من بينها مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يعتبر المغرب عضوا مؤسسا فيها منذ سنة 2004 ومنظمة التنمية و التعاون الاقتصادي، ومن زاوية أخرى فالدول و القوانين تبقى دائما متأخرة مقدار خطوة واحدة عن تقدم الجريمة خصوصا جريمة غسل الأموال نظرا لخصوصيتها وامتداداتها العابرة للحدود، و كذلك الحال فإن الجهود الدولية لمكافحة تبييض الأموال قد جاءت متأخرة على هذا الصعيد، الأمر الذي يتطلب رسم سياسة جنائية حديثة من جهة وسياسة وقائية من جهة أخرى.

و في إطار احترام المغرب التزاماته الدولية و الاستجابة للمتطلبات الدولية في مجال غسل الأموال قام المشرع المغربي بإصداره للقانون رقم43.05المتعلق بمكافحة غسل الأموال المعدل بمقتضى القانون 12.18بتاريخ 14يونيو 2021 والتضمن لمستجدات تشريعية تواكب الظرفية الراهنة لمكافحة مختلف أنماط جريمة غسل الأموال.

Article Summary

Offences of money-laundering that have a significant impact on the field of day-to-day economic transactions, both legal and economic, With technological advances in the spectre of globalization, this crime has become sophisticated, modern and complex. It is multilateral and difficult to control. It has become a transnational crime. Funds resulting from this crime have been used to bribe and corrupt administrative organs and financial institutions and their impact on the business climate and on national and foreign investments.

Many conventions have been promulgated internationally, and a series of conferences have been held, which have strengthened the measures taken to criminalize this phenomenon and the proceeds derived therefrom. Money-laundering operations are almost always a topic at the international conferences’ table.

That is why Morocco’s legislature respects its international obligations and responds to international requirements in the field of money-laundering.

مقدمة

تعتبر جريــمة غسل الأموال من الجرائم التي لها أثر بالغ في ميدان المعاملات الاقتصادية اليومية سواء في جانبها القانوني أو الاقتصادي، والجريمة التي نحن بصددها في هذا الإطار لم يحسم بعد الجدل بين الفقهاء والمشرعين حول إعطاء اسم موحد لها فهناك من يطلق عليها الجرائم البيضاء وهناك من يسميها تبييض الأموال وهناك من يطلق عليها غسل الأموال أو تطهير الأموال.

وكيفما كانت التسمية فان هدفها واحد هو إضفاء الشرعية على أموال متحصلة من الجريمة، وهي جريمة قديمة لكنها كانت مقتصرة على الجرائم المتأتية من المخدرات وكانت تستعمل فيها أساليب تقليدية، لكن مع التقدم التكنولوجي في ظل شبح العولمة أصبحت هذه الجريمة متطورة وحديثة ومتشعبة خيوطها، إذ تتعدد أطرافها ويصعب التحكم فيها، حيث أصبحت جريمة عابرة للحدود كما أن الأموال الناتجة عن هذه الجريمة أصبحت تستخدم في ارتشاء وإفساد الأجهزة الادراية والمؤسسات المالية وتأثيرها على مناخ الأعمال وعلى الاستثمارات الوطنية والاجنبية.

فقد صار من الضروري بذل الجهود اللازمة لمكافحتها، و تم دوليا إصدار العديد من الاتفاقيات، و عقد مجموعة من المؤتمرات، التي عززت الإجراءات و التدابير المتخذة لتجريم هذه الظاهرة، و العائدات المتحصل منها، إذ تكاد عمليات غسل الأموال تشكل موضوعا دائما على مائدة المؤتمرات الدولية، وعلى الرغم من ذلك فإن الدول و القوانين في كل مكان من العالم، تبقى دائما متأخرة مقدار خطوة واحدة عن تقدم الجريمة، و كذلك الحال فإن الجهود الدولية لمكافحة تبييض الأموال قد جاءت متأخرة على هذا الصعيد.

إن المغرب يعتبر طرفا فاعلا في المنظمات والهيئات الدولية الإقليمية المختصة ، من بينها مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يعتبر المغرب عضوا مؤسسا فيها منذ سنة 2004 ومنظمة التنمية و التعاون الاقتصادي، ونتيجة لهذا أقر المشرع المغربي وذلك في إطار احترام التزاماته الدولية و الاستجابة للمتطلبات الدولية في مجال غسل الأموال بإصداره للقانون رقم43.05المتعلق بمكافحة غسل الأموال المعدل بمقتضى القانون 12.18بتاريخ 14يونيو .2021

ومن هنا تبرز الاشكالية المحورية حول فعالية القواعد الزجرية في التصدي لجريمة غسل الأموال ومكافحتها بالشكل الذي ينسجم مع المواثيق الدولية والسياسة الوقائية المعتمدة؟

المبحث الأول : الأحكام الموضوعية لجريمة غسل الأموال.

تشكل جريمة غسل الأموال جريمة متشابكة المعالم وهذا ما يجعل أمر اكتشافها أمرا مستعصيا ويظهر ذلك جليا من خلال مراحلها الثلاث التي تستهل بمرحلة الإيداع من خلال وضع الأموال الغير مشروعة في حسابات بنكية دولية ثم مرحلة التمويه التي تتلخص في تظليل الرقابة بالشروع في ضخ الأموال في مشاريع كبرى لتشتيت الأنظار حول مصدر المدخول ثم اللجوء لمرحلة الدمج لطمس معالم الجريمة.

فقد سارع المشرع الوطني و الدولي بتجريم هذه الظاهرة، بحيث صدرت اتفاقية فيينا لسنة 1988 في شأن مكافحة الاتجار بالمخدرات و الأموال المتحصل عنها واستخدامها في جريمة غسل الأموال، وكذلك صدر عن الأمم المتحدة القانون النموذجي عام 1995 في شأن مكافحة جريمة غسل الأموال، إن جريمة غسل الأموال كباقي الجرائم لها أركان ثابتة وهي الركن القانوني المادي والمعنوي إلا أن ما يميزها هو توفرها على ركن رابع وهو الركن المفترض الذي يستوجب ضرورة ارتكاب جريمة سابقة يطلق عليها اسم الجريمة المصدر.

المطلب الأول: مظاهر تطور جريمة غسل الأموال.

تعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم على الإطلاق، لذلك فهي تتطلب تخطيطا معمقا ودقيقا، ومن جهة فإن التحويل السريع للأموال من بلد إلى آخر أو إساءة استخدام الهياكل الاجتماعية لإخفاء المالك الحقيقي للأموال، لذلك يمكن أن يؤثر غسيل الأموال على نزاهة المؤسسات المالية للبلدان فضلا عن كونه يشكل خطرا على استقرار الأسواق العالمية، واستقرت الدراسات القانونية والأبحاث على أنه يمكن أن يتم ذلك على ثلاثة مراحل متسلسلة.

جريمة غسل الأموال جريمة منظمة، وعابرة للحدود، باعتبار جريمة غسل الأموال من الجرائم الدولية الخطيرة، والتي تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني نجد أنها في أغلب الحالات تكون جريمة منظمة، تفرض تعدد الجناة ووحدة الجريمة ماديا ومعنويا.

الفقرة الأولى:مرحلة إيداع الأموال غير المشروعة

وتسمى أيضا مرحلة التوظيف أو الإحلال، وهي مرحلة أساسية وصعبة بالنسبة لغاسلي الأموال بحكم إمكانية افتضاح أمر الأموال غير المشروعة خلالها، وتبعا لذلك تلقى هذه المرحلة اهتماما من لدن السلطات المنوط بها مكافحة غسل الأموال، إدراكا منها لصعوبة الكشف عن الأموال غير المشروعة إذا تجاوزت هذه المرحلة إلى المراحل التي تليها، وتعتبر مرحلة الإيداع من أصعب مراحل تبييض الأموال وأخطرها، نظرا لما يحيط  بها من مخاطر الانكشاف.

و قد يعمد الفاعل في هذه المرحلة إلى التخلص المادي من كمية الأموال النقدية غير المشروعة بهدف فصلها عن مصدرها الأصلي،وذلك بأساليب عدة عن طريق استغلال المؤسسات المالية وغير المالية، كإيداع الأموال القذرة في حساب بنكي أو تجزئة المبالغ النقدية الكبيرة وإيداعها في مؤسسات مالية في فترات زمنية متفاوتة،إنشاء شركات وهمية أو شراء معادن ثمينة أو عقارات، ومن ثم بيعها واستبدال النقد بوسيلة من وسائل الأداء المالية القابلة للدفع مثل الشيكات السياحية،أو تهريب تلك الأموال إلى بلد آخر وإعادة تحويلها إلى منشئ تلك الأموال لكن بصورة نظامية عادية”.

الفقرة الثانية: فصل الأموال المكتسبة عن طريق التمويه

قد يعمد الفاعل إلى فصل الأموال غير المشروعة عن مصدر اكتسابها وذلك لتظليل المتابعات القضائية وجعل إمكانية تعقبها ورصدها أمرا عسيرا وصعبا،وتتمثل هذه المرحلة في إخضاع تلك الأموال لسلسلة من الإجراءات المالية المعقدة من حسابات بنكية الى أخرى، ويتم هذا التحويل في معظم الأحيان عبر شركة عالمية “سويفت”، وهذا ما يصطلح عليه التحويل البرقي للنقود، كما يمكن أن يكون تحويل النقود إلكترونيا بالاعتماد على مستندات مزورة، وهناك بعض المهربين الذين يلجؤون لمراكز عالمية تسمى “أوفشور”، والتي تتلخص مهمتها في تقديم خدمات مالية للأجانب القادمين من دول أخرى والممارسين لنشاطهم الاقتصادي داخل الدولة صاحبة المركز المالي المصدر، وغالبا ما تتم العمليات المذكورة آنفا في دول تتسم بالسرية التامة كسويسرا وبنما وجزر كايمن…”.

وذلك باستخدام مستندات معتمة لترقيد جهات الرقابة وثنيها عن اكتشاف مصدر تلك الأموال،إذ أن أساليب الدفع تتعدد وذلك من خلال الحساب، حيث يقوم بنك أجنبي بفتح حساب في بنك محلي، بالاعتماد على إدارة أنشطتهم الاقتصادية المشبوهة، بسحب الشيكات ثم إيداعها في البنك الأجنبي، أو استخدام قيمته كضمان للاستثمار في بلد آخر، ومن هنا ننتقل للمرحلة الأخيرة المسماة بمرحلة الإدماج.

الفقرة الثالثة:مرحلة إدماج الأموال المتحصلة من الغسيل

يتراجع عنصر الخطر في هذه المرحلة حيث يتم استرجاع الأموال القذرة لتضخ من جديد في الاقتصاد المحلي والعالمي كأموال مشروعة وتستثمر في العديد من قطاعات الأعمال بمختلف أنواعها، بحيث قد يتم تحويل الأموال إلى ودائع مصرفية أو إلى أرباح وهمية.

ويطلق عليها أيضا مرحلة التكامل، والغرض منها مزج الأموال الغير مشروعة بعد تطهيرها ودمجها بالمال المشروع لتمهيد استعمالها في التعامل الاقتصادي المشروع بغية استثمارها في أنشطة اقتصادية قانونية وذلك في هيئة مشاريع تمويلية كالمطاعم والفنادق والمصانع وغيرها،لإضفاء طابع الشرعية على الأموال المتحصل عليها من جهة وتشتيت أنظار الرقابة و الجهاز الأمني من جهة أخرى.

ولا يمكن أن تتحقق هذه المشاريع إلا بمساهمة البنك كطرف أساسي في عملية غسل الأموال، وإن تعذر إثبات سوء النية مع أصحاب الدخل الغير مشروع.

وإذا استحضرنا الفصل 574.1 من القانون 43.05 المتعلق بمكافحة جريمة غسل الأموال فإننا نجد أن المشرع المغربي قد بين المرحلة الأولى أي مرحلة الإيداع بمقتضى هذا الفصل والذي نص على” اكتساب أو حيازة أو استعمال” في حين مثل المرحلة الثانية أي مرحلة التمويه في نفس الفصل” بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها” غير أن هذه المرحلة الأخيرة المتمثلة في عملية الدمج ليس لها وجود في النص”.

المطلب الثاني :العناصر التكوينية لجريمة غسل الأموال

تصنف جرائم غسل الأموال على أنها من بين الجرائم التبعية، التي تتطلب وجود جريمة سابقة لها هي مصدر الأموال الغير مشروعة، هذه الجريمة كباقي الجرائم الأخرى تستوجب توفر أركان معينة لتحقيقها إذ تقوم على الركن القانوني والركنين المادي والمعنوي بالإضافة إلى ركن رابع يميز هذه الجريمة بالذات ويطلق عليه الركن المفترض الذي ينبني على ضرورة ارتكاب الجريمة.

الفقرة الأولى: الركن القانوني

يعد الركن القانوني أو الشرعي أهم مؤسس لقيام جريمة غسل الأموال و توقيع العقوبة انطلاقا من مبدأ الشرعية الجنائية “لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص” إذ لا يمكن متابعة أو إسقاط عقوبة على شخص ما إذا لم يكن مجرما ونظرا لأهمية الأمر فقد حرص المشرع الدستوي على تضمينه كمبدأ دستوري”، وفيما يخص جريمة غسل الأموال فقد نظمها المشرع المغربي بوضع نصوص تجرم الافعال المكونة لها ضمن مجموعة القانون الجنائي والمعاقب عليها و ذلك بمقتضى القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال .

الفقرة الثانية: خصوصية الركن المفترض في جريمة غسل الاموال

إن جريمة غسل الاموال باعتبارها جريمة تبعية ، فإنه يتطلب لاكتمال بنيانها القانوني، وقوع جريمة أولية أو أصلية تعد هي مصدر الأموال غير المشروعة وهي العنصر المفترض لجريمة غسل الأموال، مما يقتضي الركن المفترض حتمية ارتكاب جريمة سابقة و يظهر ذلك في الفصل 574.2 الذي حدد لائحة الجرائم المصدر على الشكل التالي:

– الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية، والاتجار في البشر، وتهريب المهاجرين و الاتجار غير المشروع في الأسلحة و الذخيرة.

– الرشوة و الغدر واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة و الخاصة ، والجرائم الإرهابية.

– تزوير أو تزييف النقود وسندات القروض العمومية و وسائل الأداء الأخرى

– الانتماء إلى عصابة منظمة أنشئت أو وجدت للقيام بإعداد أو ارتكاب فعل أو أفعال إرهابية ،الاستغلال الجنسي.

– إخفاء اشياء متحصلة من جناية أو جنحة-،خيانة الأمانة، النصب.

– الجرائم التي تمس بالملكية الصناعية-الجرائم التي تمس بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، الجرائم المرتكبة ضد البيئة.

– القتل العمدي أو العنف أو الإيذاء العمدي، الاختطاف و الاحتجاز وأخد الرهائن

– السرقة وانتزاع الأموال، تهريب البضائع، الغش في البضائع وفي المواد الغذائية

-التزييف والتزوير وانتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها بدون حق

– تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أو اتلافها أو اتلاف منشئات الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو اتلاف وسائل الاتصال ـ الحصول أثناء مزاولة مهنة أو القيام بمهمة على معلومات متميزة واستخدامها لإنجاز عملية أو أكثر في السوق ، المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك جرائم خطيرة أخرى ليس لها وجود في الفصل574.2 من مجموعة القانون الجنائي من أهمها جرائم الغش التجاري والتهرب الضريبي و الجمركي بالإضافة إلى جرائم البورصة و غيرها من الجرائم الخطيرة، فالجرائم الواردة في الفصل موضوع التحليل محدودة، وذلك لإضفاء أسلوب الحصر عليه مما يجعله يتسم بالجمود، وهذا ما دفع المشرع إلى إدراج جرائم قد أغفل عنها من قبل وصنفها ضمن الجرائم الأولية التي تتسبب في انتاج جريمة غسل الأموال.

وقد قام المشرع بتعديل هذا القانون كلما ارتأى ضرورة إدخال الجريمة بعينها ضمن الجريمة الأولية،و الجدير في الأمر أن لائحة الجرائم المصدر في بداية صدور القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال لا تتجاوز سبعة جرائم فقط، لينتقل عددها إلى 24 جريمة بعدما تم تغيير و تتميم الفصل 574.2 في القانون رقم 13.10 الصادر بتاريخ 20 يناير 2011 ليصل عددها حاليا إلى 28 جريمة بعد تغييره و تتميمه بمقتضى القانون 12.18 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 يونيو2021″.

من خلال ما سبق أن المشرع المغربي قد أسس علاقة حتمية بين الجريمة الأصلية وجريمة غسل الأموال كجريمتين مستقلتين، كل منهما تحكمه الأركان الكلاسيكية للجريمة إضافة إلى كون الجريمة الأصلية تعتبر عنصرا مفترضا لقيام جريمة غسل الأموال، مما يقودنا إلى القول أن توفر العناصر القانونية للجريمة الأولية وعدم تحريك الدعوى الجنائية بشأنها لا يحول دون تحقق المسؤولية الجنائية لمرتكب جريمة غسل الأموال”، وقيام الدعوى العمومية بشأنها إضافة إلى ذلك الحكم بالبراءة لتوفر مانع من موانع المسؤولية الجنائية، أو مانع من موانع العقاب كالعفو الشامل لعقوبة الجريمة الأصلية والذي لا يوقف مسطرة المتابعة عن جريمة غسل الأموال.

الفقرة الثالثة:الركن المادي

إن القانون الجنائي يقوم على مبدأ أنه لا جريمة بدون ركن مادي، هذا الأخير هو السلوك الذي يرد على محل الجريمة ويرتب نتيجة معينة مع ضرورة وجود رابطة سببية بين السلوك والنتيجة، ويتحقق هذا الركن باعتداء الملموس والواقعي على المصلحة المحمية قانونيا وبه تتحقق الأعمال التنفيذية، وقد نص المشرع المغربي في قانون رقم 43.05 على صور تحقق الركن المادي لجريمة غسل الأموال و ذلك من خلال الفصل574.1 “،و ينص هذا الفصل من مجموعة القانون الجنائي المغربي على مايلي:

تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما ترتكب عمدا وعن علم:

اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو التحويل أو نقل ممتلكات أو عائداتها بهدف إخفاء أو تمويه طبيعتها الحقيقية أو مصدرها الغير مشروع لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير عندما تكون متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 574.2 بعده.

ـ إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركاتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنها عائدا تم تحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل574.2بعده.

– مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل574.2 بعده على الإفلات من الآثار التي يرتبها القانون على أفعاله.

-تسهيل التبرير الكاذب بأية وسيلة من الوسائل لمصدر ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 574.2 بعده، التي حصل بواسطتها على ربح مباشر أو غير مباشر.

ـ تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو تحويل أو نقل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصل 574.2 بعده.

  • محاولة ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في هذا الفصل.

الفقرة الرابعة :نطاق الركن المعنوي في جريمة غسل الأموال

هذا الركن هو سبيل المشرع إلى تحديد المسؤول عن الجريمة، بحيث لا يسأل شخص عن الجريمة ما لم تكن هناك علاقة بين ماديات الجريمة و نفسية الجاني، ما يعني اتجاه إرادته لارتكاب إحدى الأفعال المجرمة، ويأخذ الركن المعنوي الصورتين التاليتين فقد تنصرف الارادة العامة إلى إتيان الفعل وإحداث النتيجة وبهذا تتخذ الارادة صورة القصد الجنائي، وبه تكون الجريمة عمدية، وقد تنصرف إلى مجرد وجود الفعل دون تحقيق النتيجة، ولهذا تتخذ الإرادة صورة الخطأ و به تكون الجريمة غير عمدية.

وجريمة غسل الأموال شأنها كشأن باقي الجرائم إذا اتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي تكون هذه الجريمة عمدية وإذا اتخذ صورة الخطأ الجنائي تكون الجريمة غير عمدية”، ويعد القصد الجنائي من أخطر الصور للركن المعنوي، لأنه ينطوي على معنى العدوان المتعمد على الحقوق و القيم وذلك لأن إرادة الجاني تنصرف إلى السلوك و النتيجة الاجراميين.

ويفترض الركن المعنوي في جريمة غسل الأموال على علم الجاني أو الجناة بالمصدر الغير مشروع للأموال القذرة، فهي بذل كجريمة عمدية تنصرف إرادة الفاعل الى ارتكابها دون خلل بإرادته الحرة، فالجاني يعلم علم اليقين بأنه يمارس نشاطا اجراميا”

وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد أنه اعتبر جريمة غسل الأموال جريمة عمدية بحيث يشترط لقيامها ضرورة وقوع أحد الأفعال المتقدمة عمدا لقيام الركن المعنوي وهو ما يعني أن هذا الأخير ينبني على القصد الخاص، ذلك ان الأموال محل الفعل المادي لعملية غسل الأموال المتحصل عليها من جريمة أو من فعل من أفعال الاشتراك في الجريمة المنصوص عليها في الفصل 574.1 صراحة بضرورة توافر هذا العلم بل لابد من توجيه الإرادة إلى تحقيق غاية أو غرض محدد يتمثل في إخفاء المنشأ الغير مشروع للعائدات الاجرامية، أو تمويه لغرض مساعدة مرتكب الفعل الاجرامي الأصلي على الافلات من العقاب.”

كما طرحت علامات استفهام حول الوقت الذي يلزم فيه توافر العلم بطبيعة المال المراد غسله، وما إذا كان يجب معرفة مصدر هذه الأموال حين ارتكاب النشاط الإجرامي أو بعده، مما دفعنا للبحث حول طبيعة جريمة غسل الأموال، ما إذا كانت جريمة و قتية أم جريمة مستمرة.

فإذا اعتبرت جريمة وقتية فلا يلزم توافر العلم بحقيقة الأموال الغير المشروعة محل الغسل لحظة ارتكاب إحدى الأفعال المكونة للنشاط الإجرامي في الصور المشار إليها سابقا وينتفي الركن المعنوي لدى الجاني متى كان علمه بالمصدر الغير المشروع للأموال عقب ارتكاب السلوك المادي، وأما إذا اعتبرت جريمة مستمرة فلا يشترط توفر العلم لحظة ارتكاب السلوك المادي المكون للجريمة.”

وبالرجوع إلى مقتضيات التشريعات المنظمة لجريمة غسل الأموال”، يتضح لنا التحولات الجذرية لطبيعة الجريمة، فقد تكون وقتية و قد تكون مستمرة حسب نوعية كل سلوك مكون للجريمة، كما أن هناك صور إجرامية التي قد يستغرق لارتكابها فترة وجيزة وقد يستمر بعضها لفترة طويلة.

وإذا قمنا باستحضار التشريع المغربي فمن الملاحظ أنه لم يقف عند مسألة الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه العلم بالأموال الغير المشروعة محل الجريمة، إلا أن الصور الموجودة في الفصل 574.1 يوضح أن جريمة غسل الأموال لا يمكن أن تكون إلا جريمة مستمرة، إلا إذا تعلق الأمر بصورة الاستبدال أو التحويل، حيث يفترض فيها أن الجاني عالم بعدم مشروعية الأموال أثناء لحظة ارتكاب السلوك المادي للجريمة، مما يحولها إلى جريمة وقتية.

المبحث الثاني : آليات التصدي لجريمة غسل الأموال في التشريع المغربي.

إن لقيام جريمة غسل الأموال يلجأ مرتكبو هذه الجريمة إلى أساليب تساهم في غسلها، بمعنى الطرق التي تستخدم في تحويل إيرادات ومتحصلات الجرائم إلى أصول وممتلكات لكي تصبح في صورة شرعية.

وتتنوع هذه الأساليب من خلال تطورها واكتشاف طرق جديدة ، ومن أجل الإحاطة بهذه الطرق المعتمدة في هذه العملية، سنقسم هذه التقنيات إلى أساليب تقليدية وأساليب حديثة، مع الإشارة إلى ما تخلفه هذه الجريمة من آثار على عدة مستويات.

ومنه فإن جريمة غسل الأموال أصبحت تشكل خطرا يهدد مختلف الجهات المرتبطة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، وهذا راجع إلى الأساليب الحديثة التي ساهمت في الهروب من العقاب، حيث إن المجتمع الدولي رفع التحدي من أجل التصدي إلى هذه الظاهرة عن طريق إبرام الاتفاقيات الدولية وحث التشريعات الوطنية على إصدار عقوبات زجرية للحد من هذه الجريمة المستحدثة، إن لجريمة غسل الأموال عدة وسائل تساعد على ارتكاب هذه الجريمة من خلال وسائل بسيطة أي تقليدية و وسائل حديثة ويترتب على هذه العملية مجموعة من الآثار على عدة مستويات.

المطلب الأول: الوسائل المعتمدة في عملية غسل الأموال

إن إصرار المجتمع الدولي على مناهضة هذه الجريمة ، مما قد يطرح تساؤل يظل مطروح يتعلق بقيمة النصوص الدولية والوسائل المعتمدة أمام التشريعات الوطنية للدول، وهل تتضمن المواثيق الدولية من القوة ما يفرض إعمالها من طرف القضاء الوطني ، وهل من شأن استعمالها مساس بالسيادة التشريعية لهذه الدول، وفي هذا الاطار فإن بالوسائل أي الطرق التي يعتمدوها عليها مجرمو غسل الأموال لتبييض أموالهم وارتأينا التطرق اليها من خلال وسائل تقليدية في الفقرة الأولى و وسائل حديثة في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الوسائل التقليدية

من خلال الاطلاع على الوسائل البسيطة المستعملة في جريمة غسل اتضح لنا أنها تنقسم الى صنفين، الأول يشمل المجال المصرفي والثاني يتجلى في المجال الغير المصرفي.

أولا :غسل الأموال عن طريق المؤسسات المصرفية

إن غسل الأموال عن طريق المؤسسات المصرفية يقصد به تحويل الأموال من مكان اكتسابها عن طريق وسائل التحويل الالكترونية من البلاد المكتسبة فيها الى دولة أخرى وإيداعها في المصرف تحت حسابات رقمية أو حسابات وهمية للإفلات من المصادرة ولإعادة استثمارها أو توظيفها في مشاريع ولإنجاح هذه الطريقة يلجأ مجرمو غسل الأموال إلى استغلال البنك وذلك لتبييض الأموال القذرة ، ولعل أهم البنوك المتورطة في عمليات غسل الأموال نجد: بنك الاعتماد والتجارة الدولي حيت تورط في فضيحة غسل الأموال سنة 1991 إضافة إلى بنك باريس الوطني فرغم أن هذا البنك من البنوك الفرنسية القوية الى أنه تورط سنة 1990 في عملية غسل الأموال وذلك حماية لثروة الجنرال ” تولريجا” من خلال تحويل مبلغ كبيرا عائدا لحساب زوجة الجنرال ” فيلسدا” زد على ذلكفرع بنك أمريكان إكسبريس في فرنسا.

وبالتالي فيتم غسل الأموال من خلال البنوك بواسطة:

الحسابات السرية: بمعنى فتح حسابات بأسماء وهمية لتخزين فيها الأموال، فعندما نتحدث عن الحسابات السرية يتبين لنا أن معظمها في سويسرا حيت ترضى بسياسة الحياد التام وتفتح بنوكها لكل مفسدي العالم مع ضمان سرية الحسابات.

خصم الاوراق التجارية وتحصيلها : عرف المشرع المغربي في المادة 526 من مدونة التجارة على أن « الخصم عقد تلتزم بمقتضاه المؤسسة البنكية بأن تدفع للحامل قبل فوات الأوان مقابل تفويته لها مبلغ أوراق تجارية أو غيرها من السندات القابلة للتداول التي يحل أجل دفعها في تاريخ معين، على أن يلزم برد قيمتها اذا لم يفي بها الملتزم الأصلي للمؤسسة البنكية مقابل عملية الخصم فائدة وعمولة» في حين اعتبر المشرع الفلسطيني في المادة 383 من قانون التجارة الفلسطيني على أن « الخصم هو اتفاق يتعهد المصرف بمقتضاه بأن يدفع مقدما قيمة صك قابل للتداول الى المستفيد في الصك مقابل نقل ملكيته الى المصرف مع التزام المستفيد برد القيمة الاسمية الى المصرف اذا لم يدفعها المدين الاصلي» وبالتالي فإن عصابات التبييض يستغلون عمليات الخصم لغسل الاموال وذلك من خلال البنوك.

استخدام البورصة في تداول الأموال غير المشروعة:

إن غسيل الاموال في البورصة يتم عن طريق فتح حساب لدى شركة تداول أوراق مالية تم ايداع الاموال التي حصل عليها العميل بطريقة غير مشروعة لدى الشركة ليتداول بها في البورصة تم يسحبها مرة اخرى بتحويل أو شيك من الشركة وايداعها في البنك مرة اخرى لإضفاء الشرعية على مصدر أمواله، وقد يتم بين مضاربين  متواطئين تدار حساباتهم بواسطة سمسار واحد(شركات السمسرة)، ويعد غسل الأموال عن طريق البورصة أرقى درجات التمويه، الأمر الذي يطرح صعوبة تتبع أثر هذه الأموال لاسيما وأن البورصة مكان عمومي، كما أن الغاسلون يعمدون للخسارة لإضفاء طابع المشروعية على أموالهم، ثم يكلفون من يعيد شراء تلك الأسهم بكثافة للرفع من قيمتها وهو ما يؤدي إلى وضعية يصبح معها الربح معكوسا، كما أن غسل الأموال عن طريق البورصة قد يكون أداة جوهرية لأزمات البورصة العالمية.

ثانيا : غسل الأموال عن طريق المجال الغير مصرفي :

ــ شركات الواجهة: يتم إنشاء هذه الشركات لكي يقوم بالوساطة في عمليات غسل الاموال حيث تعمد هذه الشركات الى الاستعانة بشركات الصرافة وشركات البورصة لكي لايفتضح أمرها ، حيت تقوم هذه الشركات بشراء بضائع من شركة أجنبية بسعر منخفض بينما يودع السعر الحقيقي في حساب سري للشركة الامرة في احدى البنوك ( سويسرا ، بنما … )

-الفواتير المزورة:

حيث يتم غسل الاموال بإرسال فواتير مزورة وبرفع قيمة السلعة الواردة في الفاتورة، ويتم ذلك بعمليات الاستيراد والتصدير.

ــ الغسل العيني للأموال:

من خلال الغسل عن طريق تحويل المتحصلات الى أموال عينية ذات قيمة منقولة كانت أو عقارية وذلك عن طريق شراء الأصول ذات القيمة العالية كالمباني والاتجار في العقارات المبنية وفي الذهب والمجوهرات .

ــ صالات القمار:

يتم إضفاء الشرعية على الأموال من خلال عمليات القمار، ففي هذا الصدد ألزم التشريع الامريكي إلى إلزام كازينوهات القمار بمليء نموذج يحتوي على بيان العمليات التي جاوزت أرباحها عشرة الاف دولار، كما عرض على المجلس الحكومي بالمغرب مشروع قانون سنة 2019 يدعو الى تشديد المراقبة على الكازينوهات ومؤسسات ألعاب الحظ.

ــ عمليات التصدير والاستيراد:

يتم ذلك باستيراد السلع من الخارج من خلال قيام صاحب الاموال القذرة بتصدير السلع للخارج بقيمة صورية أكبر من قيمتها الحقيقية، ويكون صاحب الأموال القذرة هو المصدر والمستورد لسلعة ما في نفس الوقت عن طريق انشاء محليين تجاريين للاستيراد والتصدير في بلدين، حيت تقوم عملية التصدير والاستيراد عن طريق اسمه ويقدم مستندات صورية للهيئات الرسمية تزيد أو تقل القيمة المثبتة فيها عن القيمة الحقيقية ليحقق لنفسه أرباحا غير مشروعة.

الفقرة الثانية:الوسائل الحديثة في جرائم غسل الأموال

نظرا لخصوصية هذه الجريمة فيما يتعلق بتطورها المهول مع تطور الحياة الاقتصادية، وتطور وسائل التكنولوجيا والمعلوميات من جهة وأمام تطور مجال المواصلات برزت أساليب تكنولوجية متقدمة ساهمت في عملية غسل الأموال تتمثل في:

بطاقات الائتمان:

وهي عبارة عن بطاقات الصرف من الاجهزة الالية التابعة للبنوك حيت تعتبر وسيلة من وسائل الغسل، حيت أصبحت ضرورة حتمتها تعدد وانتشار العمليات المصرفية وذلك لتسهيلها للمعاهدات التجارية حيت بدأت تحل محل النقد والشيكات وبالتالي فبطاقات الائتمان وحدت نتيجة لتغيير توعي في عمليات الدفع، ومنه إن نمو وتطور صناعة وتداول بطاقة الائتمان صاحب ذلك سهولة التحايل بها وتقليديها حيت نبه مؤتمر الانتربول من خلال ترويج البطاقات المزورة.

وقد نجد ” الكارت الذكي” هو أسلوب تكنولوجي يتم من خلاله صرف النقود من العميل الى القرض المغناطيسي عن طريق ألة تحويل، وهذا الكارت يتميز بخاصية الاحتفاظ بالنقود المخزنة على القرض لغرض نقلها إلكترونيا على كارت آخر دون تدخل أي بنك.

وقد كشف عن تقنية غسل الاموال عبر بنوك الانترنيت في مؤتمر سان فرانسيسكو سنة 1997 بحضور من 37 دولة تنتج تكنولوجية المعلومات، اذ تبين أن عصابات الاجرام لجأت الى استخدام الانترنيت في عمليات غسل الاموال عن طريق تحويل الاموال القذرة الى المصارف والبنوك المختلفة باستعمال الانترنيت، أو القيام بعمليات مالية مصرفية معقدة عبر التحويلات المتعددة من حساب الى آخر بهدف إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال القذرة.

ــ النقود الالكترونية:

تعد النقود الالكترونية وسيلة دفع مستحدثة فهي آخر ما تم ابتكاره في وسائل الدفع الالكترونية ويتم تداولها على شبكة الانترنيت بحيث لا تملك رقما متسلسلا ولا يتم تسجيل المعلومات الخاصة بها مما جعلها مرغوبة لتبييض الاموال وتتميز بالسرية، البساطة و السهولة إضافة إلى السرعة في الدفع.


الخدمات المصرفية الالكترونية:

أصبحت الخدمات المصرفية الالكترونية الطريقة الأسهل في تنفيذ عمليات غسل الاموال مما جعلها ظاهرة عالمية تتعدى حدود الدولة الواحدة.

ــ الهاتف المصرفي:

حيث يطلب العميل من البنك تحويل مبلغ من المال مقابل سلعة أو خدمة التي اشتراها من الانترنيت، ويحصل العميل على خدمة مصرفية هاتفية، حيت يعلم بالرصيد كما يقوم بإجراء تحويل من حساب الى حساب آخر، إضافة الى فتح حساب جديد وتسديد الفواتير وهذا ماساعد مرتكبو جرائم غسل الأموال خصوصا في إعادة فتح حساب جديد وذلك بغية تحويل الأموال فيه.

ـ بنوك الانترنيت : هذه البنوك تعمل في جو من السرية و غير خاضعة لأية قوانين رقابية إذ يكون من المستحيل تعقب وكشف أنشطة هؤلاء الأشخاص، مما يجعل بنوك الإنترنت الوجهة المفضلة لغاسلي الأموال لعدم وجود القدرة المعلوماتية للأجهزة الحكومية على تتبعهم، فالمجرم المعلوماتي يطور نفسه بصورة سريعة و متلاحقة على نحو يحدث إرباكا لأجهزة العدالة الجنائية.

المطلب الثاني: آثار جريمة غسل الأموال على المستوى الاقتصادي والاجتماعي

إن جريمة غسل الأموال من الجرائم الخطيرة، بحيث أصبح تطور هذه الجريمة العابرة للحدود يتخطى مختلف الجوانب ذات الصلة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية ، مما قد يترتب عليها مجموعة من الأثار السلبية سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية ( الفقرة الأولى ) أو من الناحية السياسية في ظل ارتباط جريمة غسل الامول بتمويل الارهاب في بعض الاحيان مما قد يأثر على الأمن العام للدول ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: آثار الاقتصادية والاجتماعية

من خلال هذا الفقرة سنتعرض لابراز آثار جريمة غسل الأموال على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الاجتماعي، وما يشكله من خطر على المستوى الاقتصاد العالمي و الحياة الاجتماعية.

أولا : على المستوى الاقتصادي

تعتبر الأموال عماد الحياة الاقتصادية ، لأنه بفضل الأموال التي تنتج الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية، وأدى الصراع إلى كسب المال إلى عدة جرائم من بينها جريمة غسل الأموال حيت يتورط في هذا الصدد كبار رجال المال مما ساهم في تدهور الحياة الاقتصادية ، الشيء الذي يشكل خطرا على الاقتصاد الوطني والعالمي بصفة عامة، حيث وقد اعتبر بعض الفقه، أن عمليات غسل الأموال تصيب جهاز الاقتصاد القومي بأمراض خطيرة، وتدخل المؤسسات الاقتصادية في تنازع ومشاكل، ومن أهم الآثار الاقتصادية لجريمة غسل الأموال نجد:

تجليات تأثير غسيل الأموال على الادخار المحلي و الاستثمار :

إن غسيل الأموال يعتبر من صور الفساد المالي والاقتصادي، كما أن غسيل الأموال العيني يتم عن طريق شراء الذهب والتحف الفنية حيت تتجه هذه الأموال الى الاستهلاك مما يجعل الادخار المحلي يقل، وعموما فإن تأثير غسيل الأموال على انخفاض معدل الادخار يتمثل في الدول النامية التي ما زالت تعمل بالرشوة وأصحاب المال يتهربون من سداد الضرائب ومنه فإن عملية غسل الأموال تؤدي الى نقص المدخرات الوطنية وغسيل الأموال العيني يزيد من معدل الاستهلاك الشيء الذي ينتج عنه خلل اقتصادي وعجز في الميزان التجاري اضافة الى أن التأثير السلبي لأنشطة غسيل الأموال أشد ما يظهر على الاستثمار وعلى طبيعة القيم التي تسوده إذ أنها ترتبط غالبا بأعمال غير مشروعة، ومن تم لا يتورع القائمون عليها عن تهريب متحصلات أنشطتهم الى الخارج، فينعكس ذلك بالضرورة على حجم الاستثمار وعلى أنواعه ومناخه .

كما أن عملية غسيل الأموال تعد نشاطا تابعا لأعمال غير مشروعة، واعتبر بعض فقه الاجرام الدولي أن قطاع الاستثمار يتميز بالضخامة ومعدلات فائقة المألوف سنويا نتيجة وجود عوامل ومؤثرات التي تعمل على تنميته إضافة الى توفر الفرص التي تساعد على غسل الأموال الطائلة، إن انتشار هذا النشاط في الدول المتأخرة يزيد من كفة الطلب على العرض وبالتالي فإن كفة غسل الأموال هي التي ترجح على حساب المستثمر الجاد وذلك من خلال الحصول على مايريدون عن طريق السوق السوداء والواقع أن مثل هذه الانشطة قد تؤدي الى طرد المستثمر الجاد وذلك لتأثير الاموال المغسولة على السوق الشيء الذي يساهم في رفع القيمة الشرائية للمستثمر وللمستهلك العادي.

أثر غسيل الأموال على تدهور قيمة العملة الوطنية:

إن غسل الأموال يؤدي إلى تذبذبات في قيمة العملة الوطنية للدولة التي تمت فيها عملية غسل الأموال، مما ينتج عنه انهيار للبورصة وللأسواق وبالتالي زيادة التضخم، مما يضر بسمعة الدولة حيث تنعدم الاستثمارات الاجنبية وينهار الاقتصاد بصفة عامة، كما أن البنوك قد تلجأ الى تخفيض سعر الفائدة من أجل خروج الأموال الى الخارج بشكل مشروع ، وفي حالة حدوث هروب مشروع للأموال الى جانب الاموال الهاربة وغير المشروعة، وهو الذي يعني زيادة الاعباء القومية وانخفاض معدل القيمة الوطنية مقابل العملات الاجنبية، مثلا في مصر نجد سعر صرف الجنيه قد اتجه الى الانخفاض مع كل زيادة في معدلات هروب الاموال الى الخارج.

– أثر غسيل الأموال على الدخل العام للأفراد:

تسهم جرائم غسل الأموال في خفض العائدات مما يؤثر في عجز الميزانية العامة، إضافة إلى التهرب الضريبي الذي يساهم بشكل كبير في خفض الايرادات العامة لكونه من مصادر تهريب الاموال، ان خفض الايرادات العامة يضعف قدرة الدولة في تمويل قطاعات أساسية كالصحة والتعليم، إضافة الى لجوء الدولة إلى الاقتراض مما يجعلها غارقة في العجز.

وفي هذا الصدد فغسيل الأموال يؤثر في النفقات العامة مما يدفع الدولة كما سلف الذكر إلى الاقتراض سواء الاقتراض الداخلي أو الخارجي.

وعموما فإن جرائم غسل الأموال تؤثر سلبا على الجانب الاقتصادي سواء على المواطن من خلال ارتفاع الأسعار وما إلى ذلك وعلى الدولة عن طريق دخولها في دوامة العجز والاقتراض.

بعد العرض السابق لآثار جريمة غسل الأموال على المستوى الاقتصادي يجب أن نسلط الأنظار على الجانب الاجتماعي.

ثانيا: تأثر الجانب الاجتماعي بجريمة غسل الأموال

تساعد جريمة غسل الأموال في التأثير على البنية المجتمعية، حيت يسعى مجرموا غسل الأموال إلى نشر كافة أنواع التجارة التي تقدم أفضل مساعدة لهم من أجل حصولهم على تهريب أموالهم، حيث يعملون جاهدا على نشر المخدرات بين عموم الشباب لكونها وسيلة مهمة لغسل الاموال كما أن عملية غسل الاموال تساهم في زيادة معدلات ظاهرة البطالة بشكل كبير حيث أن هروب الأموال بطرق غير مشروعة يساهم في الركود الاقتصادي وغياب الاستثمارات الشيء الذي يؤثر سلبا على معظم الشباب حيث يكون مصيرهم البطالة مما يجعلهم يغوصون في عالم الجريمة، وبالتالي فظاهرة غسل الاموال تلعب دورا مهما في ارتفاع الجرائم داخل المجتمع، حيث أكدت الدراسات أن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية نتيجة لغسل الأموال وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويشجع على الجريمة بصفة عامة ، وبالتالي يمكن القول أن غسل الأموال يخلف آثارا اجتماعية مما يبين أن غسل الأموال يعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الفقرة الثانية: أثر جريمة غسل الأموال وعلاقتها بتمويل الإرهاب

نظرا لتطور جريمة غسل الأموال فإن غسل الأموال وتمويل الارهاب يمثلان أكبر التهديدات التي يمكنها أن تلحق بالبلدان ، مما قد ينعكس سلبا على تحقيق الامن العام بها ، الامر الذي يتطلب مواكبة التشريعات الدولية لهذا التطور،و بعد الإحاطة بالأثار الاقتصادية والاجتماعية،كما تؤدي عمليات تمويل الإرهاب الى تداعيات خطيرة، تتمثل في تمويل المنظمات الإرهابية وفرادى الإرهابيين، مما يؤدي الى المزيد الأنشطة الإرهابية التي تتسبب بدورها في زعزعة الامن وتهديد االنظام العام، كما لها آثار وخيمة على الاقتصاد والاستثمارات وأيضا على المجتمعات ، ولا تتوقف المخاطر الناجمة عن الجرائم الناتجة عن غسل الاموال عند الحدود الوطنية للدول المعنية بها، بل تتعداها لتؤثر على دول عدة في العالم، وهذا ما انتبه إليه المنتظم الدولي، وحاول مواجهتها بمجموعة من الجهود والمساعي من أجل وضع سياسـة جنائيـة دولية متكاملـة العناصر للتصدي لها ومكافحتها، وذلك بإبرام اتفاقيات دولية ، وخلق هيئات ومنظمات تروم التنسيق بين مختلف المتدخلين في مكافحتها.

أولا : الآثار السياسية وارتباط غسل الأموال بتمويل الإرهاب

إن غسيل الأموال يهدد الاستقرار السياسي والأمني والقومي للدول بسبب استخدام الأموال المغسولة في تمويل عمليات غير قانونية وبالتالي قد يتدخل أصحاب الأموال المغسولة في تقديم الدعم للعمليات الانتخابية واستخدام العنف السياسي وإقامة المظاهرات والانقلابات حيت يضر بسمعة الأحزاب السياسة ويؤثر سلبا في علاقات الدول بينها، فالدول المعروفة بغسيل الأموال تبقى محصورة من حيث المعاهدات والاتفاقيات لان الدول الأخرى لا تريد تقديم يد العون لها سواء في الأزمات او الحروب، والواقع أن انتشار الفساد السياسي والإداري نتيجة لتهريب الأموال بقصد غسلها يؤثر على مركز الدول وسمعتها أمام الهيئات الدولية المانحة للمساعدة والقروض.

ثانيا: انعكاسات جريمة غسل الأموال على الأمن العام للدول

تساهم جرائم غسل الأموال في زعزعة الاستقرار الأمني من خلال ارتباطها بالعديد من المشاكل الاجتماعية مثل التهريب والمخدرات وارتفاع معدلات البطالة فضلا عن الفساد الإداري والمالي وهذا ما يؤثر على أمن الدولة واستقرارها وإن جريمة غسل الأموال تؤدي إلى مضاعفة جهود الأجهزة الأمنية وزيادة إنفاقها فبارتفاع معدلات الجريمة يتطلب بدل المزيد من الجهد لمكافحتها وتحقيق الأمن والاستقرار وهذا عن طريق زيادة النفقات والموازنات المعتمدة لأجهزة تطبيق القوانين وتحديث المعدات والتقنيات اللازمة للتصدي لهذه الجريمة.

خـاتمة :

وفي الختام إن مشرع المغربي واكب تطور جريمة غسل الاموال من خلال تكريسه لسياسة جنائية فاعلة لمكافحة هذا النوع من الجرائم ، وأيضا مواكبته لأهم المعايير الدولية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال،ومن جهة أخرى فالامر يتطلب ضرورة تحقيق التنسيق الفعال بين مختلف السياسات العمومية والقطاعات والأجهزة المتدخلة مع السياسة الجنائية لمكافحة جرائم غسل الأموال، إن جميع الدول والمنظمات الدولية اليوم أصبحت فاعلا رئيسيا وأكثر وعيا بالمخاطر التي تشكلها جرائم غسل الأموال على كافة المستويات ، ومن جهة تم بذل الجهود لمكافحة هذه الجرائم، سواء فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية الثنائية أو الاتفاقيات متعددة الأطراف وأيضا فيما يتعلق المواثيق والعهود الدولية المرتبطة بها أو زيادة إحداث مؤسسات دولية تسهر على بمكافحة الجرائم ، إذ أضحت في تفاعل فيما بينها تشكل نموذجا لسياسة جنائية دولية متعددة الأوجه سعيا لتحقيق مكافحة والتصدي لهذه الجريمة الخطيرة.

إن المقتضيات التشريعية وحدها يظل مفعولها محدود مما يتطلب بالضرورة السهر على تفعيل القانون رقم 05-43 الذي تضمن مستجدات تشريعية حديثة من طرف جميع أجهزة العدالة الجنائية وكافة المتدخلين ، سواء المؤسسة القضائية أو القطاعات الحكومية المعنية أو وحدة معالجة المعلومات المالية أو سلطات الرقابة والإشراف أو الأشخاص الخاضعين لمقتضيات هذا القانون ، وذلك بالتنزيل الفعال تطبيقيا على الواقع العملي، الأمر الذي قد يؤدي الى تحقيق أغراض التي يرمي المشرع المغربي تحقيقها.

المراجع والمصادر

ـ هدي حامد قشقوش، جريمة غسل الأموال في نطاق التعاون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، طبعة 2003.

ـ أحمد المهدي و أشرف الشافعي، المواجهة الجنائية لجرائم غسل الأموال، الطبعة الثانية2006، دار العدالة، القاهرة

ـ صلاح الدين حسين السيسي، القطاع المصرفي و غسيل الأموال، عالم الكتب ، 2003 .

ـ عبد الوهاب عرفة، الشامل في جريمة غسل الأموال، المكتب الفني للموسوعات القانونية الإسكندرية 2012

ـ جلال محمدين، دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال، دار الجامعة الجديدة للنشر2004

ـ سناء بالحاج، التصدي لجريمة غسل الأموال من خلال القانون 43.05 ـ العمل القضائي المغربي والتعاون القضائي الدولي، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، سنة 2017

ـ ابراهيم حامد طنطاوي، المواجهة التشريعية لغسل الأموال في مصر ،دار النهضة العربية 2003

ـ يونس الشاذلي، جريمة غسل الأموال في التشريع المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق المحمدية السنة الجامعية ، 2013/2012

ـ حسن ادربيلة ،مكافحة غسل الأموال في التشريع و التطبيق، دراسة مقارنة في دور الاتفاقيات و التقارير الدولية ،الطبعة 2016

ـ إلهام العلمي،الوجيز في شرح القانون الجنائي المغربي، القسم الخاص، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2019

ـ علا غازي عباسي وإيناس محمد، جريمة غسل الأموال بين التشريعات الداخلية ، والمواثيق الدولية ” دراسة مقارنة ” مجلة المنارة للبحوث والدراسات، المجلد 21 العدد 1 ، 2015

ـ وسيم حسام الدين الأحمد، مكافحة غسل الأموال في ضوء التشريعات الداخلية و الاتفاقيات الدولية، سنة 2008.

ـ محمد يحيا، قانون مكافحة غسل الأموال رقم 05-43 وآثاره الاقتصادية الأبعاد والمضامين، محاولة نقدية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، عدد47، 2007

ـ عمر عبد المجيد مصبح، دور النقود الالكترونية في جرائم غسل الاموال – المجلد 13 – العدد 1 -، 2006

ـ عبد الفتاح يومي حجازي، جريمة غسل الأموال بين الوساطة الإلكترونية و نصوص التشريع، ، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية مصر، الطبعة الأولى، 2005.

ـ ـ صلاح الدين حسن السيد، غسيل الأموال – الجريمة التي تهدد استقرار الاقتصاد الدولي – دار الفكر العربي القاهرة 2003 -.

ـ محمد محيي الدين عوض، جرائم غسل الأموال،الطبعة الأولى، الرياض، 2004.

Model de loi sur le blanchiment de capitaux et le financement du terrorisme, nation unies, office contre la drogue et le crime, fonds monétaire international, décembre 2005.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى