في الواجهةمقالات قانونية

واقع التحول الرقمي وسبل تحقيق النجاعة القضائية – الباحث : محمد الزعارة

واقع التحول الرقمي وسبل تحقيق النجاعة القضائية
“The Reality of Digital Transformation and Means to Achieve Judicial Efficiency”
الباحث : محمد الزعارة
طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والسياسية جامعة ابن طفيل القنيطرة / المغرب

ملخص:
يعالج المقال “واقع التحول الرقمي وسبل تحقيق النجاعة القضائية” التحول الرقمي في الإدارة القضائية المغربية وأهميته في تحسين جودة القضاء. يناقش المقال دور التكنولوجيا الحديثة في تسهيل الإجراءات القضائية من خلال رقمنة الأرشيف، تقليل الإجراءات الورقية، وإتاحة خدمات إلكترونية مثل السجل العدلي والتقاضي عن بعد. كما يبرز التحديات التي تواجه تنفيذ هذا التحول، مثل ضعف البنية التحتية الرقمية، نقص الموارد البشرية المؤهلة، والثغرات القانونية. يؤكد المقال أيضا على أهمية التعاون بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمؤسسات المساعدة لتحقيق التحول الرقمي. كما يقدم توصيات لتجاوز العقبات، مثل تعزيز التكوين المستمر للموارد البشرية، تطوير التشريعات المتعلقة بالرقمنة، وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية. يختتم المقال بالتأكيد على أن التحول الرقمي يعد خطوة أساسية نحو تحقيق قضاء ناجع وشفاف يخدم المواطنين بكفاءة وفعالية.

summary:
The article “The Reality of Digital Transformation and Means to Achieve Judicial Efficiency” addresses the digital transformation in the Moroccan judicial administration and its significance in enhancing the quality of justice. It discusses the role of modern technology in streamlining judicial processes through digitizing archives, reducing paperwork, and providing electronic services such as criminal records and remote litigation. The article also highlights the challenges facing this transformation, including weak digital infrastructure, a lack of qualified human resources, and legal loopholes.
The article emphasizes the importance of collaboration among the Ministry of Justice, the Supreme Judicial Council, and auxiliary institutions to achieve digital transformation. It provides recommendations to overcome these obstacles, such as reinforcing continuous training for human resources, developing legislation related to digitalization, and increasing investments in digital infrastructure. The article concludes by affirming that digital transformation is a critical step toward establishing an efficient and transparent judicial system that serves citizens effectively and reliably.
مقدمة
يمثل استعمال تكنولوجيا المعلومات والإتصال مؤشرا للعصرنة والتحديث الإداري لمختلف المؤسسات لاسيما في الدول النامية، إلا أن هاته الأخيرة تتأرجح بين الإسراع في الأخذ بهذه التكنولوجيا قبل فوات الأوان، وبين التأني باعتبارها تقنية دخيلة تتطلب شروط معينة لإنجاحها ويصعب التوفر عليها بسهولة. مما يجعلها تشكل رهانا وتحديا كبيرا من أجل تطوير وسائل التقاضي وأصول المحاكمة، بغية النهوض بالقضاء وكينونته باعتباره ملجأ لكل طالب للعدالة في كل مكان، لذلك يجب بدل الجهود قصد تسخير مكثف لهذه التكنولوجيا والوصول إلى عدالة إلكترونية .
وعملية التحول الرقمي تقتضي بداية وضع مخطط وفق استراتيجية علمية وعملية محكمة، تنطلق من تشخيص وتحليل الوضع الحالي للجهاز القضائي، ثم وضع الاهداف الكبرى للمخطط ورسم محاوره وابراز البرامج والاجراءات المتعلقة بتنفيذه وكدا الصعوبات التي قد تعترض تنفيذه .
وفي هذا الإطار عملت وزارة العدل والحريات على وضع مخطط استراتيجي لعملية التحديث يتضمن مجموعة من المشاريع والخدمات العمومية التي تستهدف تعميم المعلومات على جميع المحاكم لتغطية مجمل المساطر القضائية معلوماتيا وتقوية الخدمات القضائية المقدمة على الخط، وتوفير الأطر العليا المختصة في المعلومات والشبكات وتطوير البرامج وتوفير فرص التكوين في هذا المجال.
لهذا فإن ضمان مشاركة فعلية للمواطنين المستفيدين من الخدمات الإدارية الالكترونية يتحقق بالأساس من خلال تقوية الإتصال بين الإدارة والمواطن، عن طريق الإهتمام بميول ورغبات المواطنين وإرضاء حاجاتهم من خلال الاصغاء إليهم، وأخد اقتراحتهم بعين الإعتبار، فالقصد من عصرنة الإدارة العمومية يكمن في محاربة أشكال البيروقراطية وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وذلك باستعمال التكنولوجيا الحديثة للإعلام والإتصال ومواصلة تكوين الموارد البشرية العاملة بالإدارة العمومية .
والمشاركة الحقيقة تبدأ بالإنخراط الفعلي في الإصلاح والسير بكل الأدوات المتوفرة على نحو صحيح، وهو الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، من خلال الرفع من جودة ونجاعة العمل القضائي عبر اعتماد التقنية الحديثة في تجاوز الصعوبات التي تواجه المنظومة القضائية.
وإذا كانت أهمية أي دراسة بحثية تنبع مما ستعود به من نفع على المجتمع، فإن تلك الأهمية تتعاظم كلما كانت تلك الدراسة تعالج مسألة معينة تندر بها الأبحاث والدراسات السابقة، وعندئذ تزيد المنفعة المرجوة من البحث لما يعكسه على المجتمع من نفع، وهذا ينطبق على موضوع دراستنا وبحثتنا المتعلق بحماية حقوق المتقاضين في ظل التحول الرقمي للإدارة القضائية، حيث سيتم التركيز من خلاله على أوجه الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في حماية حقوق المتقاضين وتجويد المنظومة القضائية، وكيفية تطبيقها تطبيقا عمليا على أرض الواقع.
ومن هذا المنطلق سيتم البحث في هذا الموضوع من خلال القيام بتشخيص واقع رقمنة العمل القضائي بالمغرب وبيان الحصيلة ومختلف التحديات التي تواجهها (الفرع الأول)، ونظرا لما يشكله الموضوع من مقاربة تشاركية في مسار الإصلاح ارتأينا أن نخصص (الفرع الثاني) لسبل تحقيق النجاعة القضائية وحماية حقوق المتقاضين.
الفرع الأول: واقع رقمنة العمل القضائي بالمغرب
الأكيد أن التشخيص الحقيقي لأي عمل لا يقاس دائما بالأرقام وانما يجب العمل على الخوض في المفاهيم والكشف عن التفاصيل الصغيرة التي تبين مكامن القوة وتكشف الخلل وتبحث عن الحلول، لذلك تم العمل على معالجة هذا الفرع من خلال فقرتين، نتطرق في الفقرة الأولى لحصيلة تفعيل ورش الرقمنة في تجويد المنظومة القضائية، ثم الفقرة الثانية لمختلف التحديات التي تطرحها التقنية على مستوى العمل القضائي بمحاكم المملكة.
الفقرة الأولى: حصيلة تفعيل ورش رقمنة العمل القضائي
تقوم الإدارة الالكترونية على توفير الكثير من الخدمات لفائدة المواطنين وتسهيل وتبسيط هذه الخدمات فهي اذن توجه واضح يرتكز على خدمة المواطن، مما يدعم إقبال الأفراد على الدخول إلى الخدمة العامة الالكترونية، كما تسعى حكومات الدول إلى الرفع من معدلات القبول والرضى لدى المستفيدين من خدماتها وتقديمها في أحسن صورة وبجودة عالية ، وتعتبر المواقع الالكترونية المخصصة لتقديم الخدمات إحدى الاليات الهامة في تقريب الإدارة من المواطن وعليه سنتناول هذا المطلب من خلال (أولا) الرفع من جودة خدمات الإدارة القضائية ونحاول التطرق في (ثانيا) المساهمة في تطوير وتجويد العمل القضائي.
أولا: الرفع من جودة خدمات الإدارة القضائية
يقصد بالجودة بالمرافق العمومية توافر مجموعة من الخصائص الضرورية التي تؤدي في النهاية إلى رضا المرتفق، وذلك يقتضي تحسين مستوى تواصل المرفق العام مع محيطه الخارجي وتطوير كفاءة الموظفين الساهرين على سيره ، وعلى هذا الأساس فان مقاربة الجودة ترتكز على وظيفة شاملة لكل المفاهيم المتعلقة بحسن الإستقبال ولإنصات والإرشاد والتواصل والشفافية والنزاهة والمردودية، فالجودة قبل كل شيء هي مسألة عقليات وثقافة تنبني على السعي الدائم لتحقيق العمل بشكل أفضل وتحسين الأداء وتقييمه، والجودة عموما تكون رهينة برضى الزبون عن الخدمة وهو ما يسري أيضا على القضاء حيث تتعدد الحالات التي يكون فيها المواطن راض على عمل القضاء وسرعته في ظل توظيف الرقمنة .
وعليه فالهدف من الرقمنة هو جعل الجهاز القضائي يتسم بالفعالية في تقديم خدماته المتنوعة للمتعاملين معه، فهذا هو غرض الدولة بالأساس ولكي تتحقق الجودة المطلوبة لابد من توفر بعض المبادئ والعناصر الضرورية من قبيل: مبادئ النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة التي كانت تغيب نوعا ما في قطاع العدل مما عجل بورش الرقمنة للقضاء على كل مظاهر غياب الشفافية وضعف المراقبة والمساءلة والقضاء على مظاهر تراجع أخلاقيات المهن القضائية والحد من الممارسات المهنية المنحرفة التي تؤثر على دور القضاء في تخليق الحياة العامة ، والتي تعمل الوزارة الوصية على تلافيه عبر الإسراع في توفير البنية الرقمية اللازمة لرصد كل الاختلالات التي تقف أمام جودة القضاء المغربي.
فالجودة القضائية رهينة بتحسين ظروف إشتغال أمام مختلف المهن القضائية والقانونية عبر استفادتها من الوسائل الرقمية وتفعيلها للقضاء على كل أسباب الفساد.
وهنا تلعب الرقمنة دورا حيويا في الإسهام في تحقيق المحاسبة والمساءلة بحيث تمكن من الاطلاع على أعمال المرافق العمومية والرقابة عليها، وبالتالي التحقق من مكامن الخلل والتجاوزات وتحديد المسؤوليات، وذلك بالرجوع إلى أرشيف الإدارة الرقمية مما يساعد على الرفع من مستوى العملية الرقابية، وينتج عن ذلك كله التقليل من الفساد والزيادة من ثقة المرتفقين بالمرافق العمومية ، وعليه فالتعامل مع الآلة أفضل من التعامل مع الإنسان فهي لا تفرق بين متقاض واخر لا من حيث المظهر ولا من حيث المركز الاجتماعي كما أنه لا يمكنها تلقي الرشوة تتعامل بشفافية ونزاهة وتعامل الجميع نفس المعاملة وتقدم الخدمة للجميع.
إضافة إلى أن الجودة المطلوبة تتطلب حسن الإستقبال والإنصات والإرشاد والتواصل عبر التنسيق بين مكونات الإدارة والقدرة على الرقابة والتوجيه ، مما يساهم في إعادة الثقة بين المواطن والإدارة القضائية، وقد ساهم استعمال تكنولوجيا المعلوميات في تحسين ظروف التواصل لتحقيق جودة أكثر .
ونظر الأهمية التوجيه والإستماع والدعم في الرفع من مستوى جودة الخدمات المقدمة تم تعزيز أدوار العديد من الأطر في المنظومة القضائية بما فيها أدوار المساعدات والمساعدين الاجتماعين لما تقوم به من مهام من قبيل إجراء أبحاث اجتماعية والقيام ببحوث ميدانية وزيارات تفقدية والتنسيق داخل خلايا التكفل وبلورة الأفكار التي تطرح داخل لجان التنسيق الجهوية والمحلية إلى برامج ومشاريع نوعية تهدف إلى الرقي بالفئات الخاصة داخل المجتمع كما هو طبقا للمادة 52 من التنظيم القضائي للمملكة .
كما نؤكد على أن الجودة رهينة برفع مردودية الجهاز القضائي لتحقيق النجاعة والعدالة الرقمية أثناء تنفيذ القرارات والأحكام إذ لامعنى للقرارات القضائية دون تنفيذها داخل آجال معقولة ، والرفع من تحصيل الغرامات والإدانات النقدية، إذ بلغت نسبة تنفيذ الأحكام القضائية في الميدان المدني سنة 2021 نسبة 97,18 بالمئة بزيادة تتجاوز 10 نقاط بالمقارنة مع سنة 2020 مع الطموح في بلوغ نسبة 100 بالمئة بانتهاء سنة 2024، وقد مكنت الإجراءات المتبعة من الرفع من مداخيل الغرامات والادانات النقدية لسنة 2021 بالارتفاع بنسبة 55,43 بالمئة مقارنة مع سنة 2020 بما مجموعه 254.685.955,7 درهم.
ولعل أبرز معالم الجودة في العمل القضائي نجد التوجه نحو التحول من العمل بالأرشيف الورقي التقليدي إلى العمل بمنطق الأرشفة الإلكترونية في إطار تدبير الأرشيف الخاص بالمحاكم، وفي هذا الشأن عملت الوزارة على تفويض معالجة الأرشيف لشركات متخصصة لتيسير عمل المراكز الجهوية للحفظ.
ثانيا: المساهمة في تطوير وتجويد العمل القضائي
يعتبر تحقيق جودة العمل القضائي من المطالب التي ينادي بها مختلف الفاعلين والمستفيدين من الخدمات القضائية، والعمل القضائي كي يحقق الجودة والنجاعة المطلوبين لابد أن يتعامل بالحياد ومنطق الحكم الوسط وتحسين أداء الجهات القضائية خاصة هيئات المحاكم في كل اطوار التقاضي خاصة عند اعتماد التقاضي عن بعد لتسهيل ولوج العدالة من جهة، وتجويد الجهاز القضائي بحيث تجاوز العمل التقليدي وأصبح يعتمد على خدمات حديثة تضمن جودته من خلال خدمة تتبع القضايا حيث تمكن هذه الخدمة من الاطلاع على معلومات ولائحة الإجراءات المتخذة في الملفات المدنية والزجرية على مستوى المحاكم الإبتدائية ومحاكم الإستئناف، والملفات الإدارية على مستوى المحاكم الإدارية ومحاكم الإستئناف الإدارية والملفات التجارية على مستوى المحاكم التجارية ومحاكم الإستئناف التجارية.
وكذلك الاستعانة بالبوابة الإلكترونية للسجل العدلي التي تسهل عمل القضاة من خلال التعرف بسهولة على مسار الشخص العدلي الذي يمكن له أن يستخرجه الكترونيا بعدما كان من الضروري التوجه للقضاء قصد الحصول عليه ، وهو كخطوة مهمة خطاها القضاء المغربي ورغبة جلية منه على الانفتاح نحو المجال الرقمي ومدخل مهم في تحديت الإدارة القضائية وتسهيل المعاملات والخدمات القضائية دون إرهاق المواطن بالتنقل إلى المحاكم التي قد تضيع عليه الوقت والمال.
كذلك تطور العمل القضائي بخصوص طلبات العفو والافراج المقيد بشروط حيث نجد بأن المادة 266 من قانون المسطرة الجنائية خولت للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم أن يستفيدوا من الإفراج المقيد بشروط إذا توفرت فيهم الشروط المنصوص عليها في هذا الفصل ، عبر تقديم الطلب الافراج إلكترونيا من قبل المؤسسة السجنية التي يقضي بها المحكوم عقوبته إما تلقائيا أو بناء على طلب المعني بالأمر أو عائلته، أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبات إلى مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل.
ونظرا لأهمية هذه الطلبات والإقبال عليها من العديد من السجناء وعائلتهم عملت الوزارة على تجاوز الطرق التقليدية في العمل القضائي وإحداث بوابة إيداع طلبات العفو والإفراج المقيد بشروط والتي تهدف إلى تيسير الولوج للإستفادة من هاتين المسطرتين بطريقة إلكترونية لتجاوز الطريقة التقليدية التي تستدعي التنقل لوضع الطلب أمام لجنة العفو التابعة لمديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، أو أمام النيابات العامة بمحاكم الإستئناف.
ونظرا لإرتباط العمل القضائي بالمواطن المغربي سواء كان مقيما بالمغرب أو خارجه حيث يمكنه التعامل مع القضاء عبر خدمة الأبوستيل كبوابة تخدم الجالية وتسهل ولوجهم القضاء وحصولهم على الوثائق المهمة التي يحتجونها، وبهذا جاءت بوابة الابوستيل التي تعمل على المصادقة على الوثائق من قبيل (شهادة الازديادأو الوفاةأو حكم قضائي ,….)، بشرط أن تكون الدولة التي يقيمون بها تندرج ضمن الدول التي صادقت على إتفاقية لاهاي الصادرة بتاريخ 5 أكتوبر 1961- .
كما عرف العمل القضائي تحولا في التعامل مع القضايا التجارية في إطار الرقمنة عبر تفعيل السجل التجاري بمختلف المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية الماسكة للسجل التجاري، بواسطة نظام معلوماتي ممركز يمكن من تضمين كل مايتعلق بالوضع القانوني للشركة والأصول التجارية من تسجيلات وتقيدات وتعديلات وتشطيبات وتحملات وغيرها، وهو تطبيق اشتغلت عليه وزارة العدل بتمويل من الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي usaid .
فالعمل القضائي شهد تحولا جدريا وأصبح يعتمد على الوسائل الرقمية في إنجاز معظم إجراءاته سواء في المادة المدنية أو الجنائية وهو ما يؤكده المشرع من خلال معظم النصوص التشريعية ذات الصلة بالمنظومة القضائية سعيا للرقي بها وبعملها الذي يرتبط بالمجتمع المغربي ارتباطا وثيقا، لذلك توجه للمجال الرقمي في تدبير قضاياه المتعددة والتي ينظمها عبر منصات ومواقع ذكرنا بعضها أعلاه مما سيساهم في تجويد العمل القضائي بالمغرب.
الفقرة الثانية: التحديات التي تطرحها التكنولوجيا على مستوى العمل القضائي
رغم الحصيلة المهمة الناتجة عن إستخدام التقنية الحديثة في تجويد العمل القضائي إلا أنها لم ترقي للحد المطلوب، نظرا لما تثيره من إشكالات عملية في تطبيقها، حيث تواجهها العديد من العراقيل والتحديات، بدءا بالتحديات التشريعية، حيث يشكل التشريع اللبنات الأساسية المهمة للعمل بالرقمنة، إذ لايمكن العمل بدون شرعنة الأسلوب أولا، في ظل غياب نصوص جديدة تسهل العمل بالرقمنة وتتجاوز التعقيدات والتشتت في المساطر.
فهذا كله يبقى حائلا بين فعالية الرقمنة القضائية إذ وجب تحصين الميدان الرقمي بنصوص تشريعية إضافية على غرار باقي التشريعات الرائدة في هذا المجال، لتلافي التعثر والتأخر الذي لا زالت تشهدهما المؤسسات القضائية التي لا زالت تعمل بقوانين لم تعد تستجيب للتطورات والتحولات الجديدة الرقمية وغيرها من قبيل الظهائر الملكية التي تعود لسنة 1962 المتعلقة بمجموعة القانون الجنائي، وكذا ظهير سنة 1974 المصادق عليه بقانون المسطرة المدنية… .
لذلك ينبغي العمل على تكثيف النصوص القانونية التي تنظم المجال الرقمي وتسهر على تطبيقها تطبيقا سليما، من خلال إعداد مشاريع قوانين تهم المجال الرقمي بصفة عامة وقطاع القضاء بصفة خاصة في انتظار خروجهم لحيز التنفيذ، وهو ما عمل عليه المشرع المغربي من خلال إصداره القانون 27.21 المتعلق برقمنة الاجراءات القضائية لتجاوز مشكل التشت الحاصل على مستوى النصوص القانونية لما فيها من هدر للوقت والجهد في البحث عن المسطرة من أجل سلوكها لرفع الدعوى، وأيضا تجاوز غياب وضع تنظيم قانوني لمجال رقمنة قطاع العدالة.
وعلى الرغم من هاته الجهود المبذولة لاتزال هناك العديد من الصعوبات التشريعية المتمثلة في التباطؤ التشريعي وعدم مواكبته عصر التحول الرقمي إذ على الرغم من البدء في اتخاد الخطوات نحو تعديل بعض القوانين إلا أنه تطوير منظومة القضاء الرقمي يستدعي بالضرورة من سن قوانين جديدة لتنظيم العمل في المنظومة القضائية.
فالكشف عن وجود قصور في النصوص القانونية المغربية بل والتشريعات العربية الحاليا نسبيا عن ملاحقة الجرائم التي تقع عن طريق الحاسب الآلي أو الجريمة المعلوماتية، ، وكان نتيجة تأخر ظهور تقنيات التواصل في البلدان العربية، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة التكييف القانوني لهذه الواقعة، ويجعل مهمة القاضي صعبة، وعلى العكس من ذلك فإن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول المتقدمة لديها تشريعات معلوماتية متقدمة تستطيع من خلالها الحكم على الأفعال المجرمة التي تقع عن طريق الحاسب الالي والأنترنيت ومنها صور التعدي على بيانات المحكمة الإلكترونية.
كما أن الصعوبات القانونية المتمثلة في عدم وجود تشريعات تنظم أحكام التقاضي الالكتروني وأخرى تكفل حماية المعلومات والبيانات الالكترونية المتداولة بين أطراف الدعوى إلى جانب إمكانية مساس إجراءات التقاضي الالكتروني بضمانات المحاكمة العدالة .
أما بخصوص التحديات المتعلقة بالموارد البشرية، فهي تتعلق بمسألة الكفاءة، حيث نجد مجموعة من المهنيين لا يحركهم الضمير المهني ولا روح المسؤولية، فمردوديتهم ضعيفة جدا ويفضلون الإكتفاء براتب شهري مضمون بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي والابداع المهني ، وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن أغلبهم لا يفقه شيئا في المعلوميات والثورة الرقمية وهذا بدوره تحدي كبير قد يكون سببا في فشل إنجاح ورش الرقمنة القضائية لعدم الإلمام بالمجال .
وأمام انتشار الأمية الرقمية لدى البعض نتيجة عدم القدرة على التعامل مع الحواسب وتقنيات المعلوميات الحديثة، فإن هناك من يذهب للقول من المشكل يكمن في افتقار الأفراد إلى المهارات الأساسية والفنية في كيفية التعامل مع مصادر المعلومات وتحقيق الإستثمار الأمثل لها، وهذا يؤثر حتما على قدرة الفرد في فهم التواصل عبر الشبكة أو حتى على التفاعل إيجابيا مع التطبيقات البسيطة ، تجعل رقمنة الإدارة العمومية بشكل عام أمام تحد كبير.
علاوة على ذلك فإن عدم التوفر على كفاءات المتخصصة في التدبير المعلوماتي اللامركزي الذي يمكن مختلف الوحدات من تدبير وتنظيم وظيفتها المعلوماتية تبعا لاختصاصاتها وحاجياتها والمعطيات التي تتوفر عليها، يطرح إشكاليات مرتبطة بالتداخل وغياب التنسيق بين هذه الوحدات رغم ارتباطها بنفس الإدارة الام، وهو ما يخلق نوعا من عدم التجانس والازدواجية على مستوى التدبير المعلوماتي داخل نفس الإدارة.
ولا يفوتنا الإشارة في هذا الصدد إلى أنه وجب العمل على تكريس اﻟﺗﻛوﯾن اﻟﻣﺳﺗﻣر في مختلف الإدارات العمومية داخل الدولة، بشكل مستمر ورسمي لتحقيق الجودة المرجوة من قبل جميع المهن القضائية والمساعدة للقضاء ، فإلى جانب التحديات السالفة الذكر هناك تحديات تتعلق بالمستوى التقني واللوجيستيكي ، نظرا لعـدم التوفـر على أحـدث الوسـائل التقنيـة وضعف الأجهزة المستعملة وسهولة تعرضها للقرصنــة والاختراق والفيروســات، ناهيك عن دخــول المتطفليــن وتســريب المعلومــات القضائية ، لذلك يجب ضمان توفير حماية خاصة للمجال الرقمي وتأمين المعلومات المتصلة به وبالمتقاضين والأجهزة القضائية.
كما أن التحدي الأكبر لذي نواجهه اليوم ويقف عائقا أمام تفعيل ورش الرقمنة ببلادنا يتعلق بالأساس بعدم كفاية الموارد المالية المرصودة لهذا المجال والكفيلة بتوفير السيولة الكافية لإقتناء المعدات والأجهزة والسهر على حسن إستعمالها ، فالجانب المالي من أهم الإكراهات التي تحول دون اعتماد وسائل التكنولوجيا في المؤسسات القضائية بالمملكة، لكن لا يمكن أن ننكر مجهودات الدولة في تخصيص ميزانيات مهمة لهذا الورش رغم عدم كفايتها للمتطلبات الكثيرة والأجهزة المتعددة .
فقد عرفت حصيلة وزارة العدل بخصوص الإعتمادات المخصصة لتغطية نفقات المعدات والنفقات المختلفة ارتفاعا يفوق %18 برسم مشروع قانون المالية لسنة 2023 بالمقارنة مع قانون المالية لسنة 2022، بزيادة 50 مليون درهم سيتم تخصيصها لتدعيم محاكم الاسرة حيت تم تخصيص مبلغ 322.528.000.00 درهم اجمالي لهذا الفصل في مقابل رصد اعتمادات مالية تفوق 3,7 مليار درهم من الميزانية العامة لفائدة وزارة العدل برسم مشروع قانون المالية لسنة 2023.
إذ خصص صندوق خاص لدعم المحاكم قدره 400 مليون درهم في انتظار مجموع موارد رسم السنة الجارية وتحديد سقف التحملات بعد ذلك، وكذلك الشأن بالنسبة لصندوق التكافل العائلي الذي سيخصص له تسبيق تبلغ قيمته 160 مليون درهم بالنسبة لمركز النشر والتوثيق فحددت نفقاته في 900.000 مليون درهم متأتية من موارده الخاصة ومن الإعانة المقدمة من طرف وزارة العدل والمقدرة بحوالي 300.000 درهم .
أما الميزانية العامة المتوقعة لبرنامج المحكمة الرقمية يقدر ب 9000.00 درهم من خلال مورد الصندوق الخاص لدعم المحاكم.
وانطلاقا مما سبق يلاحظ بأن التمويل يشكل ضرورة ملحة في سيرورة ومواصلة الأشغال الإصلاحية بقطاع العدل، الذي يتطلب ميزانية مهمة في كل سنة، وبهذا ينبغي تخصيص هاته الأموال حسب الأولوية وضمان التمويل الكافي لما يتطلبه العمل القضائي من المعدات الرقمية اللازمة للنهوض به.
الفرع الثاني: سبل تحقيق النجاعة القضائية
يمثل العنصر البشري المؤهل الأهمية القصوى بالنسبة للإدارة العمومية لكونه يساعد على استخدام الموارد المعلوماتية بشكل جيد ويزودها بمعلومات توظيف في تحليل ودراسة المشكلات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة، والاستفادة القصوى من إمكانياتها يتوقف بالدرجة الأولى على القوى البشرية المؤهلة والمدربة في مجال التكنولوجيا الحديثة، لأن الإدارة هي مجموعة من الأشخاص والبنيات البشرية التي أنطت بها مجموعة من الأدوار والوظائف. لذا لابد أن ينخرط المجتمع أيضا معها ويتطور بتطورها على عكس ما يحدث عند الإدارة التقليدية التي يكون عملها بطيئا .
تبعا لما تقدم يجب الاهتمام بإشراك جميع الفاعلين والمتدخلين في الشأن القضائي للاستفادة من الخدمات التقنية للرقمنة (الفقرة الأولى) مع ضرورة تكريس وتفعيل سياسة التكوين المستمر للموارد البشرية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المقاربة التشاركية كآلية لتحقيق النجاعة القضائية
إن تكنولوجيا المعلوميات والإتصال ليست مجموعة من الآليات والأجهزة فقط، يمكن الحصول عليه في أي وقت وبأي ثمن، بل الأمر يتعلق بالدرجة الأولى، بكيفية استعمالها وترشيدها وصيانتها، الشيء الذي يتطلب تغييرا في السلوكيات والعقليات، لأن ذلك أساس نجاح ورش الإدارة القضائية، ورعاية هاته الأجهزة وتوفير كافة السبل والوسائل والحوافز والمكافأة لخدمة الرقمنة، وخلق ثقافة رقمية لإنجاح الإدارة الإلكترونية ، وعيله يمكن البوح بأن من لم يعرف الرقمنة لن يعرف أهميتها في تحسين آداء الإدارة عامة والقضاء خاصة، لذلك سنعمل على معالجة هذا المطلب من خلال التطرق لدور وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية في بلورة الرقمنة (أولا)على أن نتعرف على دورالمهن القانونية والقضائية المساعدة للقضاء في تفعيل ورش رقمنة العمل القضائي من خلال (ثانيا).
أولا: دور وزارة العدل والمجلس الاعلى للسلطة القضائية
يؤكد القطاع الحكومي المسؤول عن القضاء والمتمثل في وزارة العدل ومعه المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ضرورة تسريع والنهوض بالبنية الرقمية للقضاء المغربي وإبداء الإهتمام بالبنية التحتية للمحاكم لتوفير ظروف ملائمة للعمل والاستقبال وكذا تحديث أساليب الإدارة القضائية بما يكفل عقلنة تدبير الموارد البشرية والمادية، والإرتقاء بأدائها، مع آرتكازها على استخدام التكنولوجيا الحديثة والحوسبة الشاملة للإجراءات والمساطر القضائية، في أفق تحقيق المحكمة الرقمية، فقد عملت وزارة العدل منذ إحداثها سنة 1955 على إعداد وتنفيذ سياسة وبرامج الحكومة في مجال العدالة، ومع سن دستور 2011 تم تغيير مهامها باستقلالها عن السلطة التنفيذية (الحكومة)، حيث تعمل بشكل مستقل في تعاون وفق التوجهيات الملكية السامية وتماشيا مع المرجعية الدستورية والدولية بهدف الرفع من الفعالية والنجاعة القضائية .
فالوزارة تعمل على تفعيل الرقمنة في إطار التعاون الدولي والوطني بالبحث الدائم على آفاق جديدة لعقد إتفاقيات وإعداد برامج التعاون بهدف تعزيز التنسيق وتبادل الخبرات والتجارب والإرتقاء بالقضاء نحو المكانة المنتظرة من المسؤولين والمواطنين ، وفي هذا الصدد تم تعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات المرتبطة بالعدالة بين العديد من المؤسسات الدستورية المحلية والجهوية مع نظيرتها الدولية من قبيل مجلس أوروبا واللجنة الأوروبية لفعالية العدالة .
حيت تم عقد اتفاقية تعاون لتقوية المجال التقني الرقمي للإدارة القضائية من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة العدل ووزارة الإنتقال الرقمي وإصلاح الإدارة سنة 2022 تهدف بالأساس إلى تقديم المساعدة التقنية لوزارة العدل في إعداد وتصميم وتنفيد المشاريع الرقمية وتعزيز الإصلاحات القائمة في مجال اصلاح منظومة العدالة ، ولم تكتفي وزارة العدل فقط بالدعم المادي بل تعمل على توفير البنية الرقمية اللازمة بالعديدمن المحاكم المغربية كما أشرنا أعلاه، وتعمل في سبيل رقمنة القضاء على تنظيم دورات تكونية وتنظيم أيام تحسيسة لفائدة رؤساء الأقسام والمصالح بالإدارة المركزية لتأهيلهم وإعدادهم لإمتلاك المقومات الأساسية في مجال التكنولوجيا الرقمية والأمن السيبراني ، وغيرها من البرامج التي تقوم بها وتبرز المجهودات الجبارة التي تبدلها الوزارة في تفعيل الرقمنة بالعمل القضائي بالمغرب.
وعليه فالوزارة تعمل في إطار التشاور مع المجلس الأعلى للسلطة القضائيةكمؤسسة دستورية هامة ولها دور أساسي في اصلاح منظومة القضاء ببلادنا فهي تسهر مع باقي المؤسسات على تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات، وتجويد علاقة المجلس مع محيطه خصوصا مع القضاة والمسؤولين القضائيين وقد وضع المجلس مدونة الأخلاقيات القضائية لتحدد القيم والضوابط الأخلاقية للقضاة انطلاقا من المرجعية الدستورية والتوجيهات الملكية والقوانين التنظيمية للمجلس الاعلى والنظام الأساسي للقضاة .
بالإضافة إلى السهر على تكوين وتأهيل القضاة ومختلف الموارد البشرية للمجلس وفق برامج تتضمن مختلف أنواع التكوين القانوني والتقني والإداري والتخصصي ذو الصلة بالمجال الرقمي وغيره، وفي سبيل ذلك تم خلال سنة 2022توقيع مذكرة تفاهم الواقعة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة العليا بجمهورية النمسا نصت على تعزيز التعاون وتبادل التجارب والخبرات، وتنظيم أنشطة مشتركة في كل ما يهم الشأن القضائي والحقوقي بين البلدين .
وتفعيلا لما قيل أكد السيد “محمد عبد النباوي”قائلا: “فإننا نتطلع إلى الإشتغال مع أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطوير أداء المجلس نحو القيام بدور طلائعي في تنزيل برامج الإصلاح بتعاون مع رئاسة النيابة العامة ووزارة العدل والمهن القضائية، وبطبيعة الحال فإن قضاة المملكة سيكونون فاعلين أساسيين في هذه البرامج سواء في إطار جمعياتهم القضائية أو ضمن المحاكم والهيئات القضائية التي ينتمون إليها…” .
ثم توقيع مذكرة تفاهم سنة 2023 بين محكمة النقض بالمملكة المغربية ونظيرتها بجمهورية بوركينا فاسو ، وغيرها من اللقاءات والزيارات التي تهم مصلحة المغرب في تسيير شؤونه القضائية في مجال رقمنة العمل القضائي.
فقد عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية على خلق جسور للتعاون مع محكمة النقض بخصوص تحسين عملها ومساهمتها في ضمان الأمن القانوني والقضائي ، فالواضح من خلال ما تقدم أن دور الوزارة والمجلس يستحق التنويه بالمجهودات المبدولة والمتخذة للرفع من المنظومة القضائية والسهر على تفعيل التحول الرقمي خاصة في فترة كورونا وما بعدها.
ثانيا: دور المهن القانونية والقضائية المساعدة للقضاء في تفعيل ورش الرقمنة
من الواجب أن تندرج المهن القضائية والقانونية المساعدة للقضاء في مسلسل إصلاح الإدارة القضائية وتحولها من الأنماط التقليدي إلى الطرق الرقمية مواكبة للثورة الرقمية، والإستجابة للاستراتيجيات الرقمية بغية تحقيق إدارة عمومية مبنية على المعرفة، وقائمة على الشفافية، وتعمل بحد أدنى من الأوراق، فلما كانت المهن القانونية والقضائية أحد اضلاع أسرة العدالة، سواء (المحاماة، التوثيق، خطة العدالة، المفوضين القضائين، الخبراء القضائين، التراجمة المحلفين، مهنة النساخة وغيرها من المهن) .
فقد وجب ان تساهم هذه المهن في بلورة الرقمنة والعمل بها لتحقيق العدالة الرقمية المرجوة من خلال العمل على وضع منصات هادفة لتعزيز التبادل الإلكتروني مع منتسبي العدالة .
فالوزارة المعنية لتمكين المهن المساعدة لقضاء من تجويد عملها تسهر على وضع اللمسات الأخيرة لإحداث منصة التبادل الإلكتروني مع المنتسبين للجهاز القضائي وأخرهم العدول، والعمل على رقمنة المساطر والإجراءات التي تمر منها الوثيقة العدلية وتعزيز التبادل الالكتروني للبيانات المشتركة مع كافة الشركاء من أجل تسهيل حصول المرتفقين على الخدمات وتقليل تنقلاتهم نحو المحكمة التي تحتاج المال والجهد ، والطموح لازال في طريقه لتحيقق في اطارتطوير النظام المعلوماتي وتجريبة منصة التبادل الالكتروني مع الخبراء وكذلك مع المفوضين القضائين التي لم يشرع في تنفيدهما بعد .
فالمهن القضائية منفذ من المنافذ الضرورية لتفعيل الرقمنة فالموارد البشرية المنسبة لهذه المهن لو حرصت على حسن وترشيد إستحدام الوسائل الرقمية لحققت نجاعة أفضل ومردودية أكبر وهوما يسعى له المشرع المغربي في قطاع العدالة.
الفقرة الثانية: التكوين المستمر للموارد البشرية القضائية
يتطلب تجويد الخدمات القضائية وباقي المرافق والمؤسسات العمل على تكوين الموارد البشرية بشكل متواصل فيما يخص الثورة الالكترونية ودراسة سبل تمكينهم من خدماتها ومميزاتها، فالتكوين له فوائد منها زيادة كفاءة الموارد البشرية ومؤهلاتها ومهاراتها المعرفية والمهنية تماشيا مع التقنيات الحديثة ووفق التطلعات والاستراتيجيات التي تعمل على تفعيلها الدولة المغربية في مجال الرقمنة .
فالإنتشار السريع لهاته الوسائل واعتمادها في العديد من المجالات فرض على الإدارة وبالدرجة الأولى على الموظف العام أن يكون ملما بها وبمستجداتها ويجب أن تكون له دراية بمزايا تطبيق الوسائل التقنية في الأجهزة الإدارية، لذلك وجب على الإدارة تكثيف برمجة حصص تدريبية لموظفيها على طرق استعمال الدعامات الرقمية وخطواتها التقنية لمنح الموظف الثقافة التكنولوجية اللازمة.
ولا يكفي فقط العمل على تكوين الموارد البشرية تقنيا وفنيا بل لابد من الموازنة بين ذلك وبين التكوين القانوني خاصة وان بعض المنتسبين لقطاع العدالة ليس لهم تكوين قانوني ولا ارتباط قانوني سابق وهذا يطرح العديد من المشاكل، لذلك وجب التوفيق بين التكوين التقني والفني للموارد البشرية (أولا) والتكوين القانوني المستمر والمراعي أهم المستجدات التشريعي والتنظيمية (ثانيا).
أولا: التكوين التقني والفني ودوره في تسهيل إدماج الرقمنة في العمل القضائي
إن إدخال التكنولوجيا عالم القضاء يستلزم أطر واعية بعلوم العصر وأدواته، فالقضاءالتقليدي لن يتمكن من مواكبة المستجدات الرقمية التي يشهدها العصر بشكل متزايد، فالقضاء الرقمي يظهر فيه الترابط الوثيق بين العلم القانوني والعلم التكنولوجي، لذا ينبغي على الموارد البشرية المرتبطة بالإدرة القضائية مسايرةالعصر التكنولوجي خصوصا القاضي للإستفادة منها في فهم الوقائع وإستجلاء وجه الحق فيه للرفع من منسوب العمل والإجتهاد القضائيين.
وعليه لابد من إجراء تكوينات وتدريبات ميدانية لكافة الموظفين وعلى الخصوص طرق استعمال أجهزة الحاسوب وإدارة الشبكات وقواعد المعلومات والبيانات وكافة المعلومات اللازمة للعمل على إدارة وتوجيه الطلبات والقضايا بشكل رقمي تحت ما يسمى “بالإدارة الالكترونية ّ” وممارسة ذلك بشكل دوري وصحيح خاصة في معاهدومراكز متخصصة، مع نشر ثقافة استخدام “الإدارة الالكترونية” وطرق ووسائل استخدامها للمواطنين أيضا وبنفس الطريقة السابقة .
فنظرا لما يكتسيه التكوين التقني للمهنيين القضائيين يحرص المعهد العالي للقضاء على تكوين الأطر القضائية بخصوص المعلوميات، والأمر ذاته تبنته هيئات المحامون من خلال اللجوء إلى الأطر التقنية المتمكنة من المجال الرقمي والمعلوماتي والإستفادة منها عبر برامج تكوين الكفاءات، ووضع برامج تكوين منسجمة مع حاجيات الوزارة ومشاريع المحاكم الرقمية ، والرفع من قدرات الموارد البشرية بخصوص الحياة الرقمية سواء داخل الجهاز القضائي وخارجه.
ومن أبرز ما ورد في هذا الصدد هو حصول الوزارة على الجائزة الوطنية الرقمية امتياز 2021 الخاصة بمنصة السجل الوطني الالكتروني للضمانات المنقولةباعتبارها برمجية الكترونية يتم من خلالها اشهار جميع أنواع الرهون بدون حيازة عن طريق تقيدها، وإجراء التقييدات اللاحقة، وكذا التشطيبات المنصبة عليها، من خلال الموقع الخاص بها: https: //rnesm.justice.gov.ma، وذلك بغية تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية، باعتماد الإجراءات عبر الخط في وقت وجيز ودون الإدلاء بأي وثيقة ورقية، كما تعتمد الأداء الالكتروني في جميع العمليات .
ثانيا: دور التكوين القانوني في ترشيد آلية الرقمنة في العمل القضائي
بلعب التطوير القانوني للموارد البشرية في الجهاز القضائي بخصوص الرقمنة أهمية بالغة إذ يجب إجراء دورات ولقاءات لهاته الموارد للإطلاع على النصوص القانونية والمستجدات التشريعية ذات الصلة فالموظف العمومي في اطار الإدارة الالكترونية تكون له خصوصيات معينة تميزه عن الموظف في الإدارة التقليدية، لذلك فثورة المعلوميات والإتصال والتوسع في استخدام الحاسب الالي فرض على الموظف أن يتوفر على حد أدنى من المعرفة القانونية لتأطير العمل الرقمي وتكييفه قانونيا والتعرف على مشروعية استخدامه والحد من الإستعمالات التي لا يسيغها القانون في مجال المعلوميات لكي يكون فاعلا في منظومة الإدارة الرقمية.
والعمل على تطوير وتثمين التكوين القانوني من خلال تدبير وأجرأة التكوينات الأساسية والمستمرة بهدف استثمار الكفاءات بالشكل الأمثل والإرتقاء بمستوى الموارد البشرية للإستجابة لمتطلبات الإدارة الحديثة ، سواء في المجال القضائي وغيره من المجالات لتجاوز كل الـصعوبات والعراقيل التي تطرحها مسالة التكوين القانوني بخصوص الرقمنة.
فالتكوين القانوني السليم سيمكن لا محالة من تحقيق مجموعة من الغايات من قبيل تسريع التحول التنظيمي للإدارة العمومية، عبر مراجعة أطرها الهيكلية والوظيفية، وكيفيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية وفق ما تقتضيه استحقاقات الإنتقال الرقمي، وإزالة التعقيدات التقنية التي تحول دون تعميم استفادة المرتفقين من الخدمات الإلكترونية، مع تعزيز مؤشرات المواكبة الإفتراضية لمستعملي المنصات والبوابات الرسمية. مع التطوير الفوري لحلول رقمية كاملة بدل النهج التجريبي الذي أثبت فشله، حيث تظل معظم الخدمات في المستوى الإخباري أو التفاعلي المحدود دون الإرتقاء نحو الرقمنة الجزئية أو التامة رغم مرور المهل الزمنية الكافية للإنتقال إلى الصيغة النهائية للخدمة الرقمية.
خاتمة
وصفوة القول فإن بلادنا قد وضعت استراتيجة بناءة لتحقيق قضاء ناجع وفعال من خلال تفعيل ورش الرقمنة الذي ساهم وسيساهم مستقبلا في الرفع من نجاعة وجودة القضاء المغربي، عبر التفعيل المحكم للوسائل الرقمية واستفادة الموارد البشرية من مسلسل التكوين المستمر في الجانبين التقني والقانوني لتحقيق نجاعة شاملة للقضاء واجهزته والمهن المساعدة فيه، وأيضا العمل على ترشيد استخدام البنية الرقمية والاستفادة أكثر من مميزاتها ومحاولة القضاء تدريجيا على المعيقات والتحديات المالية والبشرية واللوجبستيكية التي تعترض ورش الرقمنة في العمل القضائي بالمغرب لمواصلة مسلسل الإصلاح القضائي ببلادنا.
فالمغرب يسير بخطى ثابتة في تفعيل الرقمنة داخل المنظومة القضائية محاولا تجاوز التحديات المادية والبشرية واللوجستيكية التي يعرفها مسلسل اصلاح منظومة القضاء ورقمنته ولتحقيق الغايات الأساسية لابد من وضع ترسانة تشريعية تهم الرقمنة والعمل بها بشكل بسيط مع توفير الوسائل الكفيلة بحمايتها، ومواصلة العمل بسياسة التكوين المستمر للموارد البشرية في المجال الرقمي سواء تمكين الموارد من التقنيات والجوانب الفنية أو تمكينها من الثقافة القانونية اللازمة للعمل بالآليات الرقمية للنهوض بالقطاع القضائي.
ولتفعيل هذا الورش تفعيلا عمليا وواقعيا لابد من اعتماد سياسة التشاور والمقاربة التشاركية ومراعاة التقييمات ذات الصلة بالمجال سواء كانت داخلية أوخارجية لتجاوز مكامن النقص باستغلالها لملئ الفجوات التي قد تم الكشف عنها في هذا الصدد والتي قد تشكل عثرة أمام نجاح ورش رقمنة القضاء المغربي.
وفي سبيل تجويد ورش التحول الرقمي للإدارة القضائية تم الانتهاء إلى مجموعة من المقترحات:
 الإسراع في وضع أرشيف الكتروني بجميع محاكم المملكة بتحويل الأرشيف الورقي وحفظه إلكترونيا وحمايته من الضياع.
 وضع منصات وبوابات إلكترونية لباقي المهن القانونية والقضائية المساعدة بما فيهم الخبراء القضائيين وأخرى للتراجمة وأخرى للمواطنين.
 ادماج البعد الاجتماعي في سياسة الإصلاح لمراعاة الوضعية الاجتماعية لبعض الفئات الخاصة.
 نشر ثقافة الوعي بأهمية الرقمنة في المنظومة القضائية بالمغرب.
 تعزيز تبادل الخبرات والتجارب في المجال الرقمي مع الدول الرائدة التي حققت نجاحا في المسألة الرقمية.
 الرفع من عدد مناصب الشغل المخصصة بالقطاع، وتتمين هاته الأطر بالتكوينات الأساسية والمستمرة وتحديد حاجياتهم من التكوين الفني والتقني والقانوني.
 العمل على انجاز برامج الكترونية لمراقبة وتعزيز الحكامة بالإدارة تقضي على الفساد الإداري.
 تفعيل تقنية البريد الالكتروني للتعامل مع المهاجرين والجالية والأجانب وتسهيل أعمالهم بالمغرب وتبليغهم بالطريقة الدبلوماسية والتبليغ عبر البريد الالكتروني الخاص بهم.
 العمل على تقديم ترقيات والرفع من التحفيز للأطر العاملة في المجال القضائي لتعزيز مردودية الموظفين والزيادة في الإنتاجية والجودة في العمل.
 ضرورة التدبير المعقلن للموارد المالية والميزانية المخصصة لقطاع العدل خصوصا ما يتعلق بتوفير الظروف المواتية للعمل من خلال سياسة قائمة على تحديد الأولويات.
 الرفع من الدورات التحسيسية والتدريبية لتأهيل الموارد البشرية المسؤولة على القطاع الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى