واقع الضابطة القضائية في ظل استقلالية مؤسسة النيابة العامة
واقع الضابطة القضائية
في ظل استقلالية مؤسسة النيابة العامة
بقلم : عزيز لعويســـي
مفهوم الشرطة القضائية لا يمكن أن يقصد به تلك الهيئة الموجودة في بنايــات الأمن الوطني أو الدرك الملكي ، بل هي هيئات خول لها المشــرع الصلاحية للبحث عن الجرائم ومعاينتها وجمــع الحجج عنها والبحث عن الفاعل أو الفاعلين وتقديمهم إلى النيابة العامة (1) ، وبالتالي فهي جهاز يعمل على مساعدة القضــــاء ، وأغلب رجالها ينتمون إلى إدارات مختلفــة كالدرك الملكي (إدارة الدفاع الوطني) ورجال السلطة والأمن الوطني (وزارة الداخلية) (2) ، ويضطلع ضباط الشرطة القضائية عموما بعدة مهام واختصاصات من قبيل التثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها (المادة 18ق م ج) وتلقي الشكايات والوشايات وإجراء الأبحاث التمهيدية (المادة 21 ق م ج) ، وهي توضع في دائرة نفــوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية (المادة 17 ق م ج) التي تراقب أعمال ضباط الشرطة القضائية عندما تكون صادرة عنهم بهذه الصفة (المادة 29 ق م ج) ، بمعنى أن عمل الضابطة القضائية يبقى مؤطرا بمقتضيات قانون المسطرة الجنائية وخاضعا لرقابة النيابة العامة التي تسير أعمالها وكذا للغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف والتي يمكن لها-بغض النظر عن العقوبات الإدارية- أن تصدر في حق ضابط الشرطة القضائية جملة من العقوبات بسبب أي إخلال ينسب إليه أثناء قيامه بمهامه تنحصر أساسا في توجيه ملاحظات والتوقيف المؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز سنــة واحدة وكذا التجريد النهائي من مهام الشرطة القضائية (المادة 32 ق م ج)، وإذا كان جهاز الشرطة القضائية لا يزال يعيش على “الثابث” ولم يطله التغيير ، فإن مؤسسة النيابة العامة التي تسيــره حققت قفزة نوعية في اتجاه التغير والاستقلاليـــة بعدما تحررت من الوصاية التي كانت مفروضة عليها من قبل وزارة العدل والحريات ، وذلك طبقـــا لمقتضيــات القانون رقم 33.17 (3) الذي أصبح بمقتضاه، يمــارس الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيســا للنيابة العامة ، سلطته على قضــاة النيابة العامة التابعين له بمختلف محاكم المملكة ،ويمارس هؤلاء القضـــاة مهامهم واختصاصاتهم المنصوص عليها في التشريعات الجاري بها العمل تحــت سلطة وإشراف ومراقبــة رئيس النيابة العامة ورؤسائهم التسلسليين (المادة 1) ، وقــد حـل الوكيل العام للملك بصفته رئيسا للنيابة العامــة ، محـل وزيـــر العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة لهذا الأخيـــر المتعلقة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وعلى قضاتهــا ، بما في ذلك إصــدار الأوامر والتعليمات الكتابية القانونية الموجهة إليهم طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل ، إذ يحل رئيــس النيابــة العامة (الوكيل العام لدى محكمة النقض) محل وزير العدل في الإشراف على عمل النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صلاحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها في إطار احتــرام مضامين السياسة الجنائية طبقا للتشريعات الجاري بها العمل ، والسهر على حســن سير الدعاوى في مجــال اختصاصاتها وكذا ممارسة الطعون المتعلقة بالدعاوى (المادة 2) ، وإذا كــان هذا التحول من شأنه تعزيـــــز استقلالية السلطة القضائيـــــة وتكريس مبدأ ” فصل السلط “بعدما أبعدت النيابة العامة عن السلطة المكلفة بالعــدل وأصبحت تحت تصرف الوكيل العـــام للملك لدى محكمة النقــــض ، فــإن الضابطة القضائية وخلافا لذلك لم تبارح مكانها ولــم تطلها رياح التغييــر والتحول ، وهذا يضعنا أمام “مؤسسة نيابة عامة” مستقلــة عن وزارة العدل (السلطة التنفيذية) و”جهاز شرطة قضائية” خاضعا بحكم الواقع لسلطتين اثنتيــن : سلطة قضائية ممثلة في نيابــة عامة مستقلـــة ، وسلطة إداريــــة تتمثل في الإدارات التي ينتمي إليهــا ضابط الشرطــة القضائيــة (أمن وطني ، درك ملكي ، رجال السلطة) ، وهــذا الواقـــع يضرب استقلالية السلطة القضائية عموما ومؤسسة النيابة العامة خصوصا في الصميـــــم ، ويضعنا أما مؤسسة نيابة عامة مسيـــرة مستقلــــة وجهـــــاز شرطة قضائيــة مسير يتقاسمه “القضائي” و”الإداري” في نفـــس الآن ، كمــا يضــرب بوضوح مبدأ “فصل السلط ” ، طالما أن الشرطة القضائية تخضع في عملها اليومي للرؤساء الإداريين التسلسليين (سلطة تنفيذية) مما يفرض عليها الخضــوع للضوابط الإداريــة تحت طائلة التعرض للعقوبات الجاري بها العمل ، موازاة مــع خضوعها القضائي لمؤسسة النيابة العامـة (المنفصلة عن السلطة التنفيذية) التي تؤطـر وتسيــر مختلف مهامها وتدخلاتها ذات الطابع القضائي تحت مراقبــة الغرفة الجنحيــة ، وهــذه “الازدواجية” تجعل ضابط الشرطة القضائية بين مطرقة “القضاء” وسندان “الإدارة” ، ممــا يفرمل عملها ويحد من فاعليتها وجــودة أعمالهــا ، لذلك لابــد من إعادة النظر في جهاز الشرطة القضائية ككل ، والتفكيــر في الصيغ المناسبــة لإلحاقه بمؤسسة النيابة العامة ، فكما استقلت هذه الأخيرة ، آن الأوان لتستقل الضابطة القضائية بــدورها من قبظة السلطة الإداريـــــــــــــــة ، أولا تعزيزا لاستقلالية مؤسسة النيابة العامة ، ثم تفعيــلا لمبدأ “فصل السلط” ثانيــا .
- عبداللطيف بوحموش ، دليل الشرطة القضائية في تحرير المحاضر وتوثيق المساطر، مطبعة الأمنية، ط1، 2010 ، ص 86.
- الحسن بوعيسي، عمل الضابطة القضائية بالمغرب:دراسة نظرية وتطبيقية ، ط 3 ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء ، ص 92
- قانون رقم 33.17 يتعلق بنقل اختصاصات السلطـــة الحكوميـــة المكلفـــة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لــدى محكمة النقــض بصفته رئيســـا للنيابة العامة ، وبسن قواعد تنظيـــــم رئاســة النيابــة العامـة ، جريدة رسمية 6605 بتاريخ 18 شتنبر
_ قانون 22.01 المتعلق بالمسطــرة الجنائيـــــة .