في الواجهةمقالات قانونية

يونس مليح : مشروع قانون مالية 2019 رقم 80.18 قراءة في السياق والمستجدات

مشروع قانون مالية 2019 رقم 80.18 … قراءة في السياق والمستجدات

*يونس مليح

يعتبر قانون المالية تلك الوثيقة المحضرة من قبل السلطة التنفيذية والمصادق عليها من قبل البرلمان، تحدد فيها خلال كل سنة مالية كمية المبالغ التي تخص موارد الدولة وأعبائها المنتظر تنفيذها، وذلك في إطار احترام التوازنات العامة. وقانون المالية هو المعبر عن النظام المالي المتبع في دولة ما، وهذا الأخير ما هو إلا مجموعة العناصر والعلاقات التي تعبر عن النظام الإقتصادي والإجتماعي السائدين.

وتبرز أهمية مشروع قانون مالية سنة 2019 رقم 80.18، في كونه ذو طابع اجتماعي بامتياز، ويرجع هذا التوجه الذي أثير بشكل كبير في الخطوط العريضة لهذا المشروع، إلى مجموعة من الاختلالات والمشاكل والمعيقات التي تعرفها منظومة الخدمات الاجتماعية ببلادنا، نظرا لضعف حصيلة استهداف ودعم الفئات الهشة والفقيرة من مجتمعنا، الأمر الذي نجده في خطب الملك الأخيرة التي دعت إلى ضرورة التسريع والتعجيل بخلق برامج وسياسات وطنية تكرس للبعد الاجتماعي، وتحقق الحلول الناجعة الكفيلة بالإجابة عن مختلف الأسئلة الملحة والانتظارات المعقولة للمواطنات والمواطنين.

الأهمية الأخرى لمشروع قانون مالية السنة المقبلة، تتعلق بالشباب وخلق فرص شغل حقيقية بالنسبة لهم من أجل الانخراط الفعلي في الحياة المهنية والعملية، وتحقيق النقلة النوعية في مجال التشغيل، وخفض نسبة البطالة المستشرية خصوصا في فئة الشباب، فأسمى أشكال الحماية الاجتماعية هو الذي يأتي عن طريق خلق فرص الشغل المنتج، والضامن للكرامة حسب كلام عاهل البلاد في خطبه الملكية، لكن هذا الأمر تتداخل فيه مجموعة من القطاعات من أهمها التعليم الذي يعج بالعديد من الإكراهات التي سنأتي على ذكرها في متن هذا المقال، زيادة على قطاع الصحة الذي يعرف هو الآخر تخبط وعشوائية في التدبير، ومشاكل بالجملة تعري الواقع الأسود الذي يعيشه مواطنوا الوطن. هذه النقط حاول ملامستها مشروع قانون المالية لسنة 2019 من خلال أربعة محاور وأولويات رئيسية:

  • الأولوية الأولى: السياسات الاجتماعية؛ من تعليم وصحة وتشغيل، وبرامج الحماية الاجتماعية، والإسراع بإنجاح الحوار الاجتماعي ودعم القدرة الشرائية للمواطنين؛
  • الأولوية الثانية: مواصلة الأوراش الكبرى والاستراتيجيات القطاعية لتوفير ظروف الإقلاع الاقتصادي ودعم الاستثمار والمقاولة؛
  • الأولوية الثالثة: مواصلة الإصلاحات الكبرى؛
  • الأولوية الرابعة: الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى.

الأمر الذي يدعونا من خلاله مشروع قانون المالية لسنة 2019، إلى قراءة محتواه، وقراءة مستجداته وأولوياته وخطوطه العريضة، وتحليل ومناقشة مضمونه، من أجل الإجابة عن مجموعة مركزة من الأسئلة التي تصب أساسا في مجالات اجتماعية بعينها كالتعليم والصحة والشغل والدعم الاجتماعي. فما الجديد الذي جاء به مشروع قانون مالية سنة 2019، وهل هذه المستجدات والأولويات والخطط الكبرى التي لطالما صدّعت بها الحكومة رؤوسنا ردحا من الزمن ستجيب عن الانتظارات الاجتماعية لمواطني ومواطنات بلادنا؟ وما هي المستجدات الضريبية لمشروع قانون مالية سنة 2019؟


مقال يهمك :

أبرز المستجدات الضريبية التي جاء بها قانون المالية 2018

أولا: مشروع قانون مالية 2019 والسياسة الاجتماعية

لابد من الإشارة أولا، كون القراءة الأولية لمشروع القانون المالي لسنة 2019، يدفع إلى القول بأنه يخلو من مجموعة من الإجراءات التي كانت لابد من التنصيص عليها، سواء من أجل تقريب وإصلاح العلاقة ما بين الدولة والمواطن والتي لازالت لم تصل إلى المستوى المطلوب، أو من خلال المناصب المالية المخصصة لهذه السنة البالغة 25458  منصبا موزعة على قطاعات متنوعة، والتي تتجه من خلالها الحكومة إلى متابعة العمل بنظام العقدة على المناصب المالية المخصصة لأبناء الشعب، في حين أن المناصب العليا ومناصب المسؤولية لا تخضع لأي تغيير، وهو ما يضرب في العمق مسألة تكافؤ الفرص والشفافية، ويؤسس  لأزمة ما بين الدولة والمواطن، لذلك وجب العمل على تصويب هذه الخطوة السلبية التي لا تزال الحكومة تعمل بها، ووضع مخطط شامل ومتكامل من أجل وضع حد للبطالة التي تعتري صفوف الشباب دون الحاجة إلى مخططات يكون فيها المواطن والشاب المغربي هو الخاسر الأكبر، في اتجاه التخفيف من حدة الوضع الراهن الذي يعيشه شبابنا ومن أجل التأسيس لمرحلة جديدة أساسها العقلانية وضبط النفس والحلول الناجعة والفعالة.

كما أن النقطة المتعلقة بالسياسة الاجتماعية في مشروع قانون المالية لسنة 2019 رقم 80.18، تعتبر ذات أهمية بالغة نظرا لكونها تمس المواطن بشكل كبير، والعمل على تحقيق وإيجاد حلول للمشاكل المتعلقة بالجانب الاجتماعي لمواطنات ومواطني بلادنا سيؤدي لا محالة إلى تحقيق النمو الاجتماعي المأمول من وراء هذه الإصلاحات السياسية المتعلقة بالمجال الاجتماعي. وقد حاول مشروع قانون مالية سنة 2019 في الجانب الاجتماعي كنقطة أولية الاهتمام بالأدوار الإيجابية التي تلعبها المدرسة المغربية في ركن التربية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب، وذلك عن طريق إعادة الاعتبار لها بتكثيف برامج دعم التمدرس من أجل تخفيف التكاليف التي تتحملها الأسر، ومحاربة الهدر المدرسي من أجل مواصلة أبناء الأسر المغربية للدراسة والتكوين.

وأيضا تعميم التعليم الأولي والأساسي وتبسيط المضمون البيداغوجي وتوجيهه نحو تقوية قدرات التلاميذ على التفكير والتحليل والبحث والتعلم الذاتي، والاعتماد أكثر على الوسائط الرقمية، فضلا عن تقوية دور المدرسة في ترسيخ قيم المواطنة وتحمل المسؤولية لدى التلاميذ، وتعزيز انفتاحهم على الثقافة وكل أشكال الإبداع الفني. كل هذه الأمور تبقى جميلة على الورق، لكن في أرض الواقع فإننا لا نجد أساسا لها، الواقع الذي تعيشه المدرسة المغربية اليوم، يؤشر على ضعف المناهج التعليمية المستعملة، وعلى ضعف الوسائل المستخدمة من أجل التأطير وإدماج الأطفال في عالم متغير متسم بالتقنية والمعلوماتية الطاغية، زيادة على ضعف البنية التحتية المدرسية خصوصا في المناطق النائية والجبلية من بلادنا، والمسافات الطويلة التي يقطعها أطفال تلك المناطق المعزولة عن المغرب يوميا من أجل الوصول إلى المدرسة، الأمر الذي يستدعي التدخل بشكل سريع من أجل خلق مدارس ووسائل للنقل بتلكم المناطق، آنذاك يمكننا الحديث عن مدرسة وطنية مواطنة ببلادنا. زيادة على ضرورة تكييف المناهج الدراسية مع التطور المعلومياتي المتسارع كل يوم، فلا يعقل أن يصل الغرب إلى خلق مدارس يتم التدريس فيها بواسطة وسائل إلكترونية، ونحن لازلنا نستعمل الوسائل التقليدية التي أكل عليها الدهر وشرب.

في ذات السياق، وفيما يخص النقطة المرتبطة بتشغيل الشباب وتأهيلهم لسوق الشغل، فقد أكد مشروع قانون المالية لسنة 2019 على ضرورة التفعيل السريع للإجراءات المبرمجة على مستوى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، خاصة فيما يرتبط بملاءمة التعليم والتكوين مع متطلبات سوق الشغل. هذا الأمر من وجهة نظر خاصة يتطلب خلق جسور للتواصل قائمة بين الجامعة والتكوين المهني، أي ادماج ما هو نظري بما هو عملي، فالجامعة اليوم ينظر إليها كونها منتجة للبطالة وللعطالة خصوصا في صف الشباب، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إيجاد رؤية وسياسة جديدة لقطاع التعليم العالي قائمة على مواكبة ما هو نظري بما هو عملي حتى نؤهل الشاب ونهيئه لولوج سوق الشغل بشكل سلس.

أما المجال الصحي، فقد خصه مشروع قانون المالية بمجموعة من الإصلاحات من بينها البدأ بالعمل بمخطط الصحة 2025 الذي يهدف إلى تمكين المواطنين من خدمات صحية جيدة، وتحسين ظروف استقبالهم في المستشفيات، وتوفير الأدوية، إلى جانب تحسين تدبير الموارد البشرية، وتوفير ظروف ملائمة لاشتغالها، والعمل بدءا من سنة 2019 على تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج المساعدة الطبية “RAMED “. هذه الإصلاحات التي ستعمل الحكومة على بسطها انطلاقا من السنة المقبلة لا تكفي، فقد سبق وتم تضمين العديد من الإجراءات المماثلة في قوانين المالية السابقة، إلا انها تبقى محدودة بل يمكن القول عنها أنها لم تنفذ، فالمغرب اليوم يعاني من نقص شديد على مستوى البنية التحتية الصحية خصوصا في العالم القروي، بالإضافة إلى ضعف التجهيزات الطبية بمختلف المستشفيات الأمر الذي يؤدي إلى تقديم خدمات طبية رديئة للمواطنين، هذا الأمر يؤكده موقع “بيج ثينك” العلمي الذي كشف على أن المغرب يحتل الرتبة 78 من أصل 115، في ما يخص عدد المرضى لكل طبيب، حيث بلغ ببلادنا رقم ألفي مواطن لكل طبيب، في حين توفر تونس طبيبا لكل ألف نسمة، وتملك إسبانيا طبيبا لكل 40 مواطن. كما كشف تقرير لمختبر “سايبر ماتريكس”، سنة 2015، عن غياب المستشفيات المغربية في قائمة المستشفيات العربية الجيدة، بسبب نقص شديد في الأجهزة الطبية والكوادر الصحية. في ذات السياق، يظهر تقرير لمنظمة رعاية الطفولة (اليونيسيف)، التابعة للأمم المتحدة، عن نقص شديد في الخدمات الصحية، بخاصة في الأرياف، إذ ذكرت على أن 75% من وفيات الأطفال الرضع بالمغرب يموتون بالمناطق النائية، كما يسجل المغرب نسبة مرتفعة في وفيات الحوامل في المساحات القروية، تصل إلى وفاة أم كل عشر ساعات.

فيما يرتبط ببرامج الحماية الاجتماعية، وفي سنة 2019، ستعمل الحكومة على إخراج السجل الاجتماعي الموحد، وذلك من أجل ضبط المعطيات بخصوص الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم، وتحسين استهدافها من خلال كل البرامج الموجهة لهذه الفئات، زيادة على مواكبة المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتفعيل الخطة الحكومية الثانية للمساواة: إكرام 2، وتقليص الفوارق المجالية وتنمية العالم القروي عن طريق تعبئة الموارد المالية المرتبطة به، مع اتخاذ كافة التدابير من أجل تعزيز نجاعة وفعالية هذا البرنامج.

ثانيا: الإصلاحات المؤسساتية في مشروع قانون مالية 2019

إن مواصلة الإصلاحات المؤسساتية في العديد من القطاعات سيساهم في خلق دينامية جديدة، وروح عمل جديدة ستعزز مكانة ورقي وإشعاع المملكة، وسيزكي طرح دولة الحق والقانون، هذه الإصلاحات التي ينص عليها مشروع قانون مالية 2019 ترتكز أساسا على مواصلة إصلاح القضاء خاصة من خلال توطيد استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز الثقة في القضاء وتطوير الإدارة القضائية والرفع من نجاعتها، وتنفيذ خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتفعيل آليات الحكامة والتتبع الخاصة بها، وذلك بتنسيق مع باقي القطاعات والهيآت المعنية.

بالإضافة إلى ما تم ذكره، وفي باب تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، فسيتم التسريع بتنزيل القوانين التنظيمية للجماعات الترابية خاصة على مستوى ممارسة الاختصاصات الذاتية، ووضع مخطط لتحويل مزيد من الاختصاصات لفائدتها، والأهم من ذلك تنزيل اللاتمركز الإداري، وفقا للتوجيهات الملكية، من خلال إصدار الميثاق المتعلق به بما يتيح للمسؤولين المحليين اتخاذ القرارات، وتنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في انسجام وتكامل مع الجهوية المتقدمة، ويروم مشروع ميثاق اللاتمركز الإداري تنسيق تدخل الدولة على المستوى الجهوي والترابي، من خلال تمكين المصالح اللاممركزة الجهوية من جملة من الاختصاصات تتمثل في المساهمة في إعداد “برنامج عمل” الدولة على المستوى الجهوي، تحت إشراف والي الجهة، وتنشيط أنشطة المصالح اللاممركزة على مستوى العمالات والأقاليم، ومواكبة الجماعات الترابية في إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب، بتكامل وانسجام مع برنامج عمل الدولة على المستوى الجهوي، وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.

 

ثالثا: المستجدات الضريبية في مشروع قانون مالية 2019

تعتبر الموارد المالية المتأتية عن طريق الضريبة، مورد رئيسي وأساسي لخزينة الدولة، بحيث تهدف لتنفيذ السياسة المالية المختلفة للدولة، كما أن لها أهداف اقتصادية، اجتماعية وسياسية تسعى إلى بلوغها وتحقيقها. وقد عرفت الضريبة بالمغرب تحولات وإصلاحات كبيرة سعت إلى تبسيطها وتسهيلها في وجه الملزمين من أجل تحقيق العدالة الضريبية في النظام الضريبي المغربي.

فمشروع قانون المالية لسنة 2019 جاء بالعديد من المستجدات في الميدان الجبائي، أهمها ما يتعلق بمسطرة فحص الوضعية الضريبية الخاصة بالملزم، والتي تهدف إلى التأكد من مدى صحة الإقرار بمجموع الدخل المدلى به من طرف الخاضع للضريبة، بالنظر إلى نفقاته الشخصية عندما يتجاوز مبلغها 120.000 درهم، وفي إطار تقوية وسائل المراقبة المتعلقة بتقييم نفقات الأشخاص الذاتيين، يقترح توسيع لائحة النفقات السالفة الذكر لتشمل كل النفقات ذات طابع شخصي، التي يتحملها الخاضع للضريبة لفائدته أو لفائدة الأشخاص الذين يعولهم. هذا الانفتاح والتوسع المطلق للإدارة الضريبية على حساب الملزم فيما يخص مسطرة الفحص الضريبي لاشك ستكون لها تداعيات سلبية على طرفي العلاقة الضريبية، فالإدارة تعمد إلى تفعيل كل الوسائل من أجل توريد السيولة المالية لخزينة الدولة ضاربة عرض الحائط جميع الضمانات والحقوق الممنوحة للملزم حسن النية، في حين كان على المشرع التفكير مليا في حلول ودية رضائية، تمكن الإدارة من مباشرة مسطرة الفحص بشكل يسهل التعامل مع الملزمين.

كما تم التنصيص بموجب مشروع قانون المالية لسنة 2019 على إحداث مساهمة اجتماعية للتضامن المترتبة على الأرباح، تدفعها الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي تحقق أرباحا يساوي مبلغها أو يفوق خمسين (50) مليون درهم، كما ستطبق هذه المساهمة بسعر نسبي محدد في 2,5% على الأرباح المحققة من قبل الشركات السالفة الذكر المصرح بها ابتداء من فاتح يناير 2019 لسنتين متتاليتين، وتؤدى على نفس الأساس الذي تفرض عليه الضريبة على الشركات.

في ما يخص الضريبة على الشركات، فقد عرفت المادة 11 المتعلقة بالتكاليف غير القابلة للخصم تغييرا يخص الفقرة الثانية، بحيث أنه تم التنصيص على أنه لا تخصم من الحصيلة الخاضعة للضريبة إلا في حدود خمسة آلاف (5 000) درهم عن كل يوم وعن كل مورد، وفي حدود خمسين ألف (50 000) درهم عن كل شهر وعن كل مورد.

أما بالنسبة لسعر الضريبة على الشركات، فقد تغير السعر الذي كان مطبق في نسبة 20% بالنسبة للشركات التي يساوي مبلغ ربحها الصافي من 300 001 إلى 1 000 000 إلى 17,50%، كما أنه يحدد في 17,50% السعر المطبق على الشريحة التي يفوق فيها المبلغ الربح الصافي 1.000.000 درهم بالنسبة للمنشآت المصدرة والمنشآت الفندقية ومؤسسات التنشيط السياحي، والمؤسسات المنجمية، والمنشآت الحرفية، والمؤسسات الخاصة للتعليم أو التكوين المهني، والشركات الرياضية، والمنعشين العقاريين، والمستغلات الفلاحية، مع منحها حق الاستفادة من امتياز تطبيق السعر التصاعدي المحدد في 10% عندما تحقق أرباح تساوي هذا الحد أو تقل عنه.

في ما يخص الضريبة على الدخل، فقد تم إعفاء الأجر والتعويضات الممنوحة للمجندين في الخدمة العسكرية طبقا لأحكام مشروع القانون رقم 88.18، بالإضافة إلى إعفاء المتقاعدين المتوفرين على أكثر من معاش لا يتجاوز مجموع مبلغه الصافي الخاضع للضريبة السقف المعفى من الإدلاء بالإقرار السنوي بمجموع الدخل.

كما سيتم تغيير نظام فرض الضريبة على الدخل برسم الدخول العقارية، وذلك بإحداث حجز في المنبع بسعر إبرائي نسبته 15%، يطبق على المبلغ الإجمالي للإيجارات عوض جدول أسعار الضريبة على الدخل المطبق حاليا على صافي الدخل، وحذف التخقيض بسعر 40% المطبق حاليا، وإخضاع الإيجارات المدفوعة من طرف الأشخاص الذاتيين (الخواص) للضريبة على الدخل عن طريق الأداء التلقائي، لسعر إبرائي نسبته 15% وذلك بناء على إقرار مبسط، زيادة على إحداث سقف لإعفاء الدخول العقارية التي لا يتجاوز مبلغها الإجمالي السنوي 30.000  درهم. بالإضافة إلى اقتراح تطبيق الحد الأدنى المحدد في 3% من ثمن التفويت على عمليات تفويت عقار أو جزء عقار يشغله مالكه على وجه سكناه الرئيسية، عندما يتجاوز ثمن تفويته 1.000.000 درهم.

بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة، فقد حاول مشروع قانون مالية 2019 تضمين نقطة إعادة إدراج الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي وإلغاء المساهمة الاجتماعية للتضامن، فمن أجل محاربة الممارسات الناتجة عن إفساح المجال أمام بعض الموردين الخارجين عن القانون لتحرير فواتير وهمية لفائدة أشخاص آخرين، وذلك من أجل تضخيم تكاليفهم وتقليص الوعاء الضريبي بغير وجه حق، يقترح إلغاء المساهمة الاجتماعية للتضامن المترتبة على ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي وتعويضها بالضريبة على القيمة المضافة المترتبة على العمليات المتعلقة بما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى معد للسكن الشخصي مع الإبقاء على إعفاء المساحة المغطاة التي لا تتعدى 300 متر مربع بالنسبة للسكن الرئيسي.

أما النقطة الأخيرة المتعلقة بواجبات التمبر، فقد تم توضيح وعاء واجب التمبر على إعلانات الإشهار، وذلك تفاديا للإشكالات المتعلقة بتفسيره، ويروم هذا التدبير إلى التنصيص على أن هذا الواجب يخص الإعلانات الإشهارية عبر الشاشات التي تعتمد تقنيات البث وليس الإعلانات على الشاشات الإلكترونية العادية الثابتة والمتحركة بما فيها رايات التمرير “Bannière”.

لقد حاولت المناظرة الوطنية الثانية للجبايات لسنة 2013 ملامسة ذلك الشق المتعلق بعدالة النظام الضريبي، وقد تمحورت إحدى توصياتها في ورشة “التشريع الجبائي والعدالة الجبائية” على ضرورة إيجاد توازن في هيكلة الموارد الجبائية بين الضرائب المباشرة والغير مباشرة قصد تحقيق العدالة الضريبية المنشودة، وذلك عبر خلق توازن في تضريب عناصر رأس المال والعمل. بالإضافة إلى مراجعة الضريبة على الدخل، وضرورة تحقيق العدالة الجبائية بالنسبة للأشخاص الذاتيين الخاضعين لهذه الضريبة بغض النظر عن مصادر دخلهم (دخول العمل أو رأس المال)، والاستمرار في عقلنة أسعار هذه الضريبة لاسيما مراجعة أسعارها الإبرائية وجدول أسعارها التصاعدي، وهو الامر الذي لم يفعل لحد اليوم.

زيادة على أن مشروع قانون مالية 2019 رقم 88.18، تضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بإنجاح ورش الجهوية المتقدمة، إلا أنه ولحد الساعة ورغم مرور مجموعة من قوانين المالية انطلاقا من سنة 2013 إلى سنة 2019، لم يتم التنصيص على ضرورة إصلاح النظام الجبائي المحلي، هذا الأخير الذي يشكل أداة مهمة في تمويل خزينة الجماعات الترابية، ويشكل نقطة أساسية من أجل إنجاح الجهوية المتقدمة، فبالرغم من أن من بين توصيات المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات في باب “ورش الجهوية المتقدمة، التنمية المحلية والجبايات” تضمنت اقتراح تنظيم يوم وطني مخصص للجبايات المحلية، إلا أن هذا الأمر لم يرى النور لحد كتابة هذه السطور، الأمر الذي ندعوا معه الحكومة إلى الإسراع بتنظيم هذا اليوم الوطني، والإسراع بإصلاح نظام جبايات الجماعات المحلية المؤطر بالقانون رقم 47.06 الذي أبان عن محدوديته وضعف موارده.

فرغم التنصيص على مجموعة من التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية الثانية حول الجبايات، إلا أن مجموعة كبيرة منها لم تفعل لحد الساعة رغم مرور خمس سنوات على انعقادها، وهو الأمر الذي يدفعنا إلى القول ما جدوى عقد ندوة وطنية بوسائل لوجيستيكية وموارد مالية كبيرة إن لم نفرغ توصياتها ونفعلها على أرض الواقع، وهو ما يستوجب ويتطلب منا مستقبلا خلق لجان لمتابعة وتقييم تفعيل توصيات أي مناظرة أو سياسة تهم قطاعا من القطاعات.

في الأخير، وجب التأكيد على أن مشروع القانون المتعلق بقانون المالية لسنة 2019، لم يخرج عن السياق العام لسابقيه، حيث تميز كما هو الحال لباقي القوانين المتعلقة بقانون المالية بغياب الجرأة في أجرأة ما وعدت به الحكومة سابقا فيما يتعلق بتنزيل الإصلاحات الضريبية على أرض الواقع، ما يؤشر على أن الإصلاحات الضريبية التي لطالما وعدت الحكومة بتطبيقها بقيت حبرا على ورق من ناحية التطبيق الواقعي والتدريجي في قوانين المالية، ولم ترقى للتطلعات المنشودة من طرف الباحثين والمهتمين بالمجال المالي والضريبي ببلادنا.

*كاتب وباحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط


يمكنك مقارنة مستجدات مشروع قانون المالية لسنة 2019 مع قانون المالية لسنة 2018 عبر هئا المقال

 

ورقة في أهم المستجدات الضريبية التي جاء بها قانون المالية لسنة 2018

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى