مقالات قانونية

الاستزراع القانوني بين التقليد و الإقصاء

 ٠٨٠٣٢٠١٣٣٥٥٦

الاستزراع القانوني بين التقليد

و الإقصاء1

                          أ.عبد الحميد عيــــــــــدوني

  المدرس بجامعة تلمسان

           يطلق على الاستزراع القانوني ألفاظ كثيرة منها مصطلح “الاستراد القانوني”، ومصطلح “الاستقبال القانوني”، و”تداول النماذج القانونية” و “الانتقال القانوني”، و”الإخصاب المتبادل”.

ويقصد بهذا المصطلح هو استجلاب قانون أجنبي لإدخاله في دائرة المنظومة القانونية الداخلية.

ويكتسب هذا الموضوع أهمية بالغة، والعجيب أن يتصدى لهذا الموضوع الكثير من رجال القانون في الغرب2، في حين نجد عزوفا عنه من غالبية رجال القانون في الدول النامية، مع أنها من أكثر الدول استيرادا للقوانين.

فمثلا إذا رجعنا إلى الجزائر فإننا سنجد أغلبية قوانينها مستمدة ومستوردة من الخارج – وخاصة من فرنسا-.

إن دراسة هذا الموضوع ينبغي أن يكون من أولى الأولويات عند رجال القانون، ذلك أن انعكاسات هذا الموضوع خطيرة، فإن القانون المستورد سيطبق على الأشخاص و سيحكم معاملاتهم وطريقة معيشتهم.

وعليه، أفلا يحق أن نتساءل هل لنا أن نستورد القوانين؟؛ وهل لهذا الاستيراد من قيود وضوابط تحكمه؟.

هذا ما سنحاول دراسته في أربع نقاط: أولاها في تقرير الشريعة الإسلامية –باعتبارها تشريعا موروثا وأصليا- للاستزراع القانوني (أولا)؛ و ثانيها قي مدى تأثير الاستزراع القانوني على المنظومة القانونية الداخلية (ثانيا)؛ وثالثها في الدواعي المؤدية إلى الاستزراع القانوني (ثالثا)؛ ورابعها في ضوابط استزراع القانوني (رابعا).

أولا: استزراع القانوني في الشريعة الإسلامية:

اختلف علماء الشريعة بين محرم (1) ومجوز(2) لفكرة الاستزراع القانوني على النحو التالي:

  • أدلة القائلين بحرمة استزراع القانوني: ذهبت طائفة من أهل العلم أن لايجوز استزراع القانوني لأن القوانين الأجنبية من وضع البشر، ولا شرع أحق بالإتباع إلا شرع الله3، قال الله تعالى “إن الحكم إلا لله يقتص الحق وهو خير الفاصلين.”4، وقال أيضا: “فالحكم لله العلي الكبير5، وقال أيضا: “و الله يحكم لا معقب لحكمه6.

وفي شرعنا ما يغني عن الالتجاء إلى شرع غيرنا لقوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي...”7، فأخبر الله تعالى أن دينه كامل لا يتخلله عيب تام لا يعتريه نقص8.

  • أدلة القائلين بجواز استزراع القانوني:  وقالت طائفة أخرى من أهل العلم أن القوانين المستوردة من الدول الأجنبية لا يخلو أمرها من ثلاثة أقسام:

فقسم موافق للشرع (أ)؛ وقسم مخالف للشرع (ب)؛ وقسم غير منصوص عليه في الشرع لا موافقة ولا مخالفة (ب).

  • القوانين الأجنبية الموافقة للشرع: كحظر تعاطي المخدرات قانونا موافق للشرع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل مسكر حرام”9.
  • القوانين الأجنبي المخالفة أو المغايرة للشرع: كتلك القوانين الأجنبية التي تعاقب من أصاب الحد بغير ما حده الشرع10، فهذه القوانين لا يجوز العمل بها لقوله تعالى:

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون11.

ج- القوانين الأجنبية التي سكتت الشريعة عن مثل حكمها: كقانون المرور، و القوانين التي تنظم البلديات و الولايات، وكإنشاء البرلمانات، فهذه تدخل في المصالح المرسلة، وثبت في الشريعة جواز تطبيق تطبيق التشريعات الأجنبية إذا لم تخالف أو تغاير ما جاء في الشرع، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنتم أعلم بأمر دنياكم”12، وقال أيضا: “شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه”13، وحلف المطيبين شرعه الكفار في الجاهلية، ومع ذلك فقد أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزم نفسه به.

وقد اتخذ عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب –رضي الله عنهم- السجن ودونوا الدواوين14، ولم يكن كل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من شرع الروم والفرس.

فثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم و عمل الخلفاء الراشدين جواز استزراع القانوني إذا لم يخالف أو يغاير ما جاءت به الشريعة وتحققت بها المصلحة.

ولذا يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: “وأما الطلبة الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فينقسمون إلى أقسام.

القسم الأول من درسها ليعرف حقيقتها، أو ليعرف فضل أحكام الشريعة عليها، أو يستفيد منها –فيما لا يخالف الشرع المطهر-؛ أو ليفيد غيره في ذلك، فهذا لا حرج عليه –فيما يظهر لي من الشرع- بل قد يكون مأجورا ومشكورا إذا أراد بيان عيوبها.”15، فدل قول الشيخ أن من يدرس القوانين: “ليستفيد منها –فيما لا يخالف الشرع المطهر-” قد يكون مأجورا.

ولنا أن نتساءل هنا هل للاستزراع القانوني تأثير كبير على النظم القانونية الداخلية؟، هذا ما سنتعرضُ له في النقطة الموالية.

ثانيا: مدى تأثير استزراع القانوني على النظم القانونية الداخلية:

ذهب الفقيه بيير ليغراند (Pierre Legrand) أنه لا يمكن أن نتكلم على الاستزراع القانوني، لأنه ما من قانون ينتقل من مجتمع إلى مجتمع آخر إلا ويتغير محتواه، فالقانون يتغير بتغير اللغة والثقافة الذين يعتبران العامل الأساسي لتكوينه16.

في حين يرى ألان واتسون (Alan Watson)  بأن هجرة الأفكار بين النظم القانونية هي أكثر مصادر التطور القانوني خصوبة17.

وبالنظر إلى كل من رأي ليغراند وواتسون نجد أن كلاهما لا ينكر فكرة الاستزراع القانوني ، بل يختلفان في أن ليغراند يذهب إلى أن القانون المزروع لا يؤثر بتاتا في المنظومة القانونية الداخلية لأن هذا القانون بمجرد ولوجه إلى المجتمع الجديد –المستقبل له- يتغير مع بيئته.

أما واتسون فيرى أن استزراع قانون ما في مجتمع له أعظم التأثير في منظومته القانونية.

ولعل فيما قاله واتسون جانب كبير من الصحة، فلو رجعنا إلى الجزائر فإن استيراد القوانين الاشتراكية بموجب دستوري 1963 و 181976 كان له التأثير الأكبر على المنظومة القانونية الداخلية ومستقبلها، بل و على ثقافة المجتمع كله وطريقة تفكيره كما هو معلوم.

وأمام هذا التأثير الكبير للاستزراع القانوني على المنظومة القانونية الداخلية، نتساءل عن ما هو الداعي إلى الاستزراع القانوني بعد التأكد من خطورته، هذا ما سيتم النظر إليه فيما يلي.

 

 

 

ثالثا: الدواعي المؤدية إلى الاستزراع القانوني:

إن الاستزراع القانوني أمر يدفع إليه أكثر من سبب، نذكر منها:

  • الباعث التاريخي للاستزراع القانوني: وأفضل مثال لتأثير العامل التاريخي على استيراد القوانين حالة انتشار القانون الروماني في أكثر أجزاء القارة الأوربية، يقول بول كوشاكر (Paul Koschaker): “إن استقبال القانون الروماني في معظم البلاد الأوروبية ضرورة تاريخية، لا لنوعيته الرقيعة، ودليل ذلك عدم استقباله من بعض الدول البعيدة عنه تاريخيا، كانجلترا التي يستند قانونها على السوابق القضائية بالدرجة الأولى”19.

والمثال الآخر لتأثير العامل التاريخي على استيراد القوانين هو الاستعمار الفرنسي، فإن انتشار نموذج القانون المدني الفرنسي الصادر عام 1804 في الكثير من الدول يعود سببه إلى الحملة العسكرية التي قادها نابليون.

وقد ساهم الاستعمار الفرنسي إلى حد كبير في استزراع قانونه في الجزائر ومصر وغيرها من المستعمرات الفرنسية في إفريقيا20.

وما يقال عن فرنسا يقال أيضا عن انجلترا فإن شيوع قانونها المبني على السوابق القضائية في الهند –مثلا- يعود سببه إلى الحملة الاستعمارية التي قامت بها المملكة المتحدة الإنجليزية21.

  • التكوين الأكاديمي كسبب للاستزراع القانوني: لقد أدى تمدرس الكثير من رجال القانون الجزائريين في الجامعات الفرنسية –على سبيل المثال- إلى حتمية اصطباغ القوانين الجزائرية بصبغة القوانين الفرنسية كما هو معلوم ومشاهد22.
  • مكانة الدولة المنشئة للقانون كسبب لاستيراده: يقول الأستاذ آلان فرانسورث

(Alan Farnsworth) البروفيسور في جامعة كولومبيا: “إن ضخامة وقوة وحيوية بلادي جعلت منها فريقا تجاريا كبيرا، هكذا تشغل المكاتب القانونية الأمريكية الصف الأول في صياغة الاتفاقيات التي ترعى العقود الدولية الخاصة.”23.

من خلال كلام فرانسورث يمكن القول أن مكانة الدولة باعتبارها قوة عظمى لها من النفوذ كنفوذ السيطرة والاستعمار العسكري بل أقوى، ذلك أن الاستعمار العسكري لا ينشئ ارتباطا ولا يؤثر تأثيرا كبيرا على ثقافة المجتمع، أما المكانة الدولية لدولة ما يجعلها تشكل عامل تغيير في ثقافة الآخرين وحتى في قيمهم فكما قال ابن خلدون، فالمغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته –يعني شريعته- وسائر أحواله وعوائده24.

  • التكتلات السياسية كسبب للاستزراع القانوني: والمثال البارز لدور التكتلات السياسية في استيراد القوانين نذكر الاتحاد الأوروبي، الذي ومنذ إنشائه في فبراير 1992، وإصداره للوحدة النقدية الأوروبية في 1999 لم يدخر جهدا في إيجاد سوق أوروبي موحد.

ولقد كان للجنة الجماعة الأوروبية الدور البارز في إصدار العديد من الأوامر وإدخالها في القوانين الداخلية في أوروبا، كقانون المنافسة وقانون الملكية الفكرية، وما يتعلق بحماية المستهلك25.

ومما يلاحظ في كثير من الأوامر الصادرة عن الجماعة الأوروبية أنها ترتكز أساسا على السوق الداخلية وما يتعلق بالمعاملات التجارية26.

  • التقارب الثقافي بين الدول كسبب للاستزراع القانوني: وكمثال على ذلك نأخذ مسألة الزواج المثلي، فأول تشريع اعترف به القانون الهولندي سنة 2002، ليقبل بعد ذلك في بلجيكا سنة 2002، وكندا واسبانيا سنة 2005، وأخيرا فرنسا27.

فلا يمكن أن نتصور أن يستورد مثل هذا القانون في الجزائر للتباين الثقافي والديني بينها وبين هذه الدول، إلا إذا تغيرت القيم والثقافة في الجزائر.

  • الاتفاقيات الدولية كسبب لاستيراد القوانين: للمعاهدات الدولية دور هام في استزراع قانون في دولة ما، فمثلا تنص المادة 2/أ من اتفاقية هيئة الأمم المتحدة حول عقود البيع الدولي للسلع أنه: “لا تراعي هذه الاتفاقية مبيعات…السلع المشتراة لاستعمال شخصي أم عائلي أم منزلي”28، فلو اشترى فرنسي من بلجيكي جرارا زراعا لغرض زج العشب حول منزله ولتسويق ثمار مزرعته، فهل نطبق الاتفاقية؟.

قد نقع هنا في شيء من الغموض، لكن إذا رجعنا إلى أصل المادة2 /أ من الاتفاقية قد يزول هذا الغموض، وهو القانون التجاري الموحد للولايات المتحدة وهو يحدد السلع الاستهلاكية بنصه: “بضائع تم شراؤها لاستعمال أولي ولأهداف شخصية أو عائلية أو منزلية.”29.

فبهذا المثال نجد أن القانون الأمريكي انتقل باتفاقية عقود البيع الدولي للسلع إلى كل من القانون الفرنسي والبلجيكي لأن كل من فرنسا و بلجيكا صادقت على هده الإتفاقية.

وإذا رجعنا إلى الجزائر نجد أن المادة 132 من دستور 1996 تنص على أن: “المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية، حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون.”30.

تفتح هذه المادة للمعاهدات الباب للولوج إلى النصوص القانونية الداخلية، لكن بشرط أن يتم المصادقة عليها حسب الشروط المنصوص عليها، وهذه الشروط عي أن يبرم رئيس الجمهورية المعاهدة أولا (المادة 77/9 من الدستور)، وأن يوافق عليها صراحة كل من غرفتي البرلمان(المادة 131 من الدستور) ثانيا، وأن ينص المجلس الدستوري بعد إخطاره على دستوريتها ثالثا (المادة 165 من الدستور). وأن يصادق عليها رئيس الجمهورية أخيرا (المادة 77/2 من الدستور).

فيوضح كل هذا ما للاتفاقيات الدولية من دور بارز في استيراد القوانين.

  • التقارب المكاني كسبب للاستزراع القانوني: وهذا أمر واضح فقانون المنافسة النمساوي كان أساس تقييد العمل التجاري الألماني عام 1923، وقد استوردت تركيا عام 1926 القانون المدني السويسري لعام 1907، والقانون الفرنسي لتعويض ضحايا حوادث المرور أثر بشكل فعال في الكثير من الدول الأوروبية31.
  • توفير التكلفة المتعلقة بالمعلومات كدافع للاستزراع القانوني: ذلك أن سن القوانين يحتاج إلى جهد وأبحاث ومال، ولذلك تسعى الدول النامية إلى استيراد القوانين الغربية في البيئة و الصحة والسلامة32.
  • الإجبار الدولي كسبب لاستيراد القوانين: وهذه نجدها كثيرا في الدول النامية، إذ غالبا ما تشترط المنظمات الدولية وجوب اتباع قانون أجنبي لإعطاء قروض، كما هو الحال في صندوق النقد الدولي.

وقد لا يكون هذا الإجبار لمجرد التماس الدعم والاقتراض، بل قد يفرضه السوق التجاري والاستثماري في العالم، كاستيراد البلدان الأوروبية لعقود الامتياز والإيجار التمويلي والوكالة التجارية من القانون الأمريكي33.

  • دور القضاء في استيراد القوانين: معلوم أن القضاء لا يعتبر سلطة تشريعية إلا إن المادة 1/2 من التقنين المدني الجزائري أعطت الحق للقاضي أن يتصرف كأنه مشرع إذا لم يوجد نص تشريعي فنصت أنه: “وإذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضى الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.”، ولا مانع من أن يكون العرف هنا عرفا دوليا، كما قد يكون في تطبيق قانون أجنبي ما تطبيقا للقانون الطبيعي، ذلك أن القانون الطبيعي قانون عالمي، إذ قد يعني تلك الأحكام العقلية و المبادئ الأخلاقية الطبيعية العالمية.34

كما أن قواعد العدالة قد تفرض تطبيق قانون أجنبي، فإن العدالة مفهوم شامل، وهو أن يعطى لكل ذي حق حقه، 35 وقد يتجسد هذا المفهوم في تطبيق قانون أجنبي.

فتبين حتى الآن أن استيراد القوانين تفرضة أسباب ودواعي كثيرة، مما يدفع إلى التساؤل: ألا يمكن ترشيد استيراد القوانين بحيث يكون استيرادنا للقوانين موجَها لا موجها لنا؟

رابعا: ضوابط الاستزراع القانوني:

تبين لنا حتى الآن أن استيراد القوانين ليس أمرا منبوذا على إطلاقه إذ أن كل الدول تفعله كما رأينا، وإنما قد يكون منبوذا إذا كان سببه عدم القدرة على سن القوانين أو للهروب من المشقة التشريعية، أو لمجرد الإملاءات الخارجية، ويكون استيراد القوانين مقبولا: إذا كان لأجل الإصلاح لا مجرد التغيير(1)، وأن تتظافر الخبرات لتقييم القانون المستورد(2);وأن توجد الآليات القانونية لاستيراد القوانين(3)، كما أن قوة الدولة في كل المجالات قد يشكل مناعة من أي إملاء قانوني مذموم(4)، وأخيرا لابد من تقييم القانون المستورد حتى يكون تطبيقه مقبولا (5).

  • الضابط الأول: أن يكون استيراد القوانين لأجل الإصلاح لا لمجرد التغيير: كثيرا ما نسمع في الجزائر عن الإصلاحات، إصلاح العدالة، إصلاح الجامعة، إصلاح التعليم، ونطرح السؤال التالي: هل هذا التغيير للإصلاح حقيقة أم فقط لمجرد التغيير؟.

فمثلا استيراد نظام LMD هل كان لأجل إصلاح الجامعة؟، هذا النظام مستورد من الدول الأجنبية وأساسه على العرض والطلب الذي يفرضه سوق العمل على الجامعة من تقديم مؤهلات في تخصص معين بكيفية ونوعية محددة.

مما يدفع الجامعة هناك إلى ضرورة تبادل الخبرات والاستعانة بأساتذة على درجة عالية من الخبرة في تخصص معين في إطار عقود عمل محددة المدة، كما أن عليها أن تقدم العينة المطلوبة في أقصر مدة لتقليص قيمة التكاليف36

فهل هذا النظام المستورد حقق ما حققه في بلده الأصلي!؟.

  • الضابط الثاني: تظافر الخبرات لتقييم القانون المستورد: يقول ميشيل غرازيادي: “والواقع أن اللجوء إلى النقل القانوني يمكن أن يكون اعترافا صريحا بالضعف أو نقص الخبرة.”.37

تنص المادة 43 من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني على أنه: “يمكن اللجان الدائمة في إطار ممارسة أشغالها، أن تدعو أشخاصا مختصين وذوي خبرة للاستعانة بهم في أداء مهاهما.”38، ويطرح السؤال هنا هل فعل المشرع حقيقة هذه المادة في استيراده للقوانين؟.

إن السلطة المشرعة للقوانين في الجزائر لا ينقصها الخبرات والكفاءات، وإنما ينقصها أن تشارك في سن القوانين ذوي الخبرة في شتى العلوم المرتبطة بالقانون المراد استيراده.

  • الضابط الثالث: إيجاد الآليات القانونية لاستيراد القوانين: إذا رجعنا إلى القانون المقارن نجد أن المملكة المتحدة شرعت استيراد القوانين في قانون اللجان سنة 1965 إذ تنص في مادته 3 أن من إحدى وظائف اللجان القانونية أن تجمع المعلومات المتعلقة بالنظم القانونية للبلاد الأخرى.39

إن استيراد القوانين أمر واقع فلما لم يخصص له الشرع نصوصا قانونية تنظمه، وتحدد إطاره والقيود الواردة عليه!؟.

  • الضابط الرابع: قوة الدولة كمناعة من الإملاء القانوني: لا يمكن التكلم عن توجيه استيراد القوانين عند ضعف الدولة وافتقارها إلى غيرها من الدول الأجنبية، فإنه غالبا ما تجعل الدول الغربية تقديم المساعدات المالية إلى الدول النامية –الضعيفة- مرهونا بتعديل قوانينها.40
  • الضابط الخامس: تقييم القانون المستورد كعامل لتقبل تطبيقه: معلوم أنه من مسلمات القانون أن القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية، ونعنى أن القاعدة القانونية اجتماعية أنها نابعة من المجتمع و معالجة لمشاكله41.، ومن الملاحظ بالنسبة للدول المغاربية –ومنها الجزائر- أن جل القوانين عبارة عن نقل مباشر من منظومات قانونية أجنبية وخاصة من فرنسا 42، بل أن المشرع الجزائري في بعض الحالات يستورد اجتهادات قضائية فرنسية ويصيغها كقوانين في الوقت الذي نجد فيه المشرع الفرنسي نفسه لا يتجرأ أن يطبق هذه الاجتهادات القضائية على مواطنيه43.

ومن هنا تبرز أهمية تقييم القانون المستورد حتى يكون صالحا لتطبيقه على المجتمع المستقبل له، فعلى المشرع قبل أن يستورد أي قانون أن يعرف مجتمعه الأصلي، ومدى نجاحه في هذا المجتمع، ثم على المشرع بعد ذلك أن يتأكد من امتلاكه الوسائل اللازمة الموجودة في المجتمع الأصلي لتطبيق القانون المستورد ومدى تقاربه مع ثقافة وديانة وظروف مجتمعه، ثم بعد ذلك عليه بتمهيد الأرضية في المجتمع المستقبل لكي يطبق عليه هذا القانون بالإعلام أو التربص.

وعليه في آخر الأمر أن يضع مخططا سنويا –خماسيا أو عشريا- يتأكد فيه من مدى نجاح القانون المستورد في المجتمع المستقبل له.

 

خاتمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:

يتضح مما سبق أن استيراد القوانين ضرورة قانونية بل وشرعية، وأنه أمر تنتهجه كافة الدول –متطورة أو نامية-، إلا أنه لابد أن نميز بين الاستيراد القانوني الذي غايته الإصلاح وإيجاد أفضل الحلول لمشكلة ما في الدولة أو في المجتمع، وبين الاستيراد القانوني الذي لا يكون الدافع إليه إلا مجرد الإملاءات الخارجية أو لمجرد التغيير بزعم الإصلاح أو لعدم المقدرة على سن القوانين.

إن ثقافة المجتمع وقيمه الدينية والأخلاقية أمر ينبغي على القوانين المستوردة أن تتلاءم معه، كما لابد للمشرع أن يدرك ضرورة أن تتظافر كل الجهود العلمية والتقنية حتى يكون استقبال قانون ما مقبولا عند تطبيقه ومحترما بعد تنفيذه.

الهامش:

  • إن علم القانون المقارن الحديث ما كان ليوجد لولا الرغبة إلى القوانين الأجنبية لترقية التشريع الداخلي.
  • يكفي لإبراز أهمية هذا الموضوع أن المؤتمر الثالث عشر للأكاديمية الدولية للقانون المقارن قد خصص نقاشه حول هذا الموضوع، كما خصصت مؤسسة هنري كابتانت (Association Henricapitant) أحد اجتماعاته السنوية لتداول النموذج القانوني الفرنسي في الخارج. أنظر، ميشيل غرازيادي، القانون المقارن ودراسة الاستزراع والاستقبال، كتال أكسفورد للقانون المقارن، ترجمة.محمد سراج ،ج.1، ط.1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر لبنان، 2010، ص.666.
  • أنظر عطية محمد سالم، وجوب الحكم بما أنزل الله، ج.8، مجلة الجامعة الإسلامية، ع22، د.س، ص.48.
  • سورة الأنعام، الآية.57.
  • سورة غافر، الآية.12.
  • سورة الرعد، الآية.41.
  • سورة المائدة، الآية.3.
  • قال ابن الماجوشن: سمعت مالكا يقول من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله تعالى يقول: “اليوم أكملت لكم دينكم”، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا،انظر، أبو اسحاق الشاطبي، الاعتصام، ج.1، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ص.49.
  • انظر أبو عبد الله البخاري، ط.1، دار ابن الجوزي القاهرة،2008، رقم الحديث 4343، ص.521; وانظر كذلك مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، ط.1،مؤسسة زاد، القاهرة،2012، رقم الحديث.2002، ص.669.
  • الحدود في الشريعة على القول الراجح أربعة وهي: حد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد الحرابة، وزاد البعض حدا خامسا وهو حد شرب الخمر.انظر، محمد أبو زهرة، العقوبة، دار الفكر العربي، القاهرة،د،س،ص.60.
  • سورة المائدة، الآية .44; ويجب التنبيه هنا أنه ليس كل من لم يحكم بما أنزل الله كافر إلا إذا استحل الحكم به ورأى أن الحكم بالقوانين الوضعية أولى من الحكم بالشريعة، انظر، محمد الألباني، فتنة التكفير، ط.1، دار المنهاج، 2004 ص.51 وما بعدها.
  • مسلم بن الحجاج،المرجع السابق،رقم الحديث.2363،ص.775.
  • انظر، محمد الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج.4، ط.1، مكتبة المعارف، الرياض،199، رقم الحديث.1900،ص.524.
  • انظر، محمد الأمين الشنقيطي، شرح مراقي السعود، ط.1، دار عالم الفوائد.مكة المكرمة، 2006،ص.492.
  • انظر، عبد العزيز ابن باز، التقريظ على رسالة فتنة التكفير، ط.1ـدار المنهاج، القاهرة،2004،ص.79.
  • Pierre Legrand, “The Impossibility of Legal Transplants” Maastricht  journal  of European and Compa rative law,vol.4(1994),p.11.
  • نقلا عن يان سميتس، القانون المقارن و تأثيره في نظم القوانين القومية، كتاب أكسفورد للقانون المقارن، المرجع السابق،ج.1ص.767.
  • تنص المادة 10/3 من دستور1963على أ نه: ” تتمثل الأهداف الأساسية للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية في:…تشييد ديموقراطية اشتراكية”، كما تنص المادة 10 من دستور 1976 على أن: ” الاشتراكية اختيار الشعب الذي لا رجعة فيه”.
  • نقلا عن ميشال غرازيادي، النرجع السابق،ج.1،ص.670.
  • Kéba Mbaye ,”Le destin du code civil en Afrique” dans : various,Le code civil 1804-2004 : Livre du bicentenaire,p.515.
  • Werner Menski, Hindu Law beyond tradition and Modernity(2003), p.131.
  • يرجع العامل الأساسي للتكوين الفرانكفوني للعديد من الأكاديميين القانونيين الجزائريين إلى البعثات الجامعية التي كانت مدعمة من الدول الجزائرية في السبعينات من القرن الماضي.
  • انظر، آلان فرانسورث، أمركة القانون أساطير أم حقائق، ترجمة .محمد وطفة، ط.1، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع.لبنان ،208، ص.33.
  • انظر، عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ط.1، دار الفكر لبنان،ص.184.
  • انظر، محمد حسين منصور القانون المقارن، دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، د.س،ص.153.
  • انظر رينهارد زيمرمان، أوروبة القانون الخاص، كتاب أكسفورد للقانون المقارن، ج.1، ط.1، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،لبنان، 2010،ص.805 وما بعدها.
  • يان سميتس، المرجع السابق، ج.1،ص.767.
  • Art :2/A de convention des nations unies dit :”sales…of goods bought for personal, family or household use.”.
  • Goods Bugh for use primarily family or household purposes”
  • انظر المرسوم الرئاسي رقم.96/438 مؤرخ في 1217/1996 المتضمن تعديل الدستور، ج.ر.ع.76، المؤرخة في.8/12/1996.
  • يان سميتس المرجع السابق،ج.1، ص.767.
  • Jonathan M.Miller,” Typology of Legal Tranplants,” AJCL, vol.15(2003),p.839.
  • طالع في ها الصدد، فيرونيك ماغنيه، تلقى القانون الامريكي على مستوى التنظيم الداخلي للشركات التجارية، ط.1،مجدد المؤسسة الجامعية للدراسات،لبنان، 2008،ص.375 وما بعدها.
  • انظر، علي مراح، الاجتهادات الفقهية في تفسير الظاهرة القانونية ، دار هومة، الجزائر.2011،ص.154.
  • انظر،افلاطون، الجمهورية، ترجمة حنا خباز، دار القلم،بيروت، د.ط،ص.20.
  • انظر،بلحاج العربي، إستراتيجية النهوض بالجامعة الجزائرية خلال السنوات الخمس القادمة مجله العلوم القانونية و الإدارية والسياسية، جامعة أبو بكر بلقايد،تلمسان، ع.11، 2011،ص.10.
  •  ميشال غرازيادي، ، المرجع السابق، ج.1،ص.695.
  • انظر، النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني، الصدر بتاريخ 13/05/2000، ج.ر، العدد .46، المؤرخة في 30/06/2000.
  • Law Cmmission,” privity of Contracts : contracts for the benefit of third parties” (Law.co.no.242,1996), p.41.
  • يان سميتس المرجع السابق،ج.1، ص.789.
  • محمد حسين منصور، المرجع السابق،ص.20.
  • انظر، غالب علي الدواوي، المدخل إلى علم القانون، ط.7، دار وائل، عمان،2004، ص.21.
  • صايش عبد المالك، مبدأ احترام القانون في الدول المغاربية، مجلة العلوم القانونية والإدارية والسياسية، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان.ص.11.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى