في الواجهةمقالات قانونية

الـــتــنـظيم الاستـــراتــيـجي لإدارة الاستثمارات في قطــــاع الطــاقـــات المـتــجددة –      المــغرب نـــمــوذج –

الباحثة/الكاتبة. جميـــلة مــرابــــط

 

الـــتــنـظيم الاستـــراتــيـجي لإدارة الاستثمارات في قطــــاع الطــاقـــات المـتــجددة

–      المــغرب نـــمــوذج –

 

شكّل مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في باريس(كوب (21 نقطة تحول في مسيرة الطاقة المتجددة، فقد أكّد ما كان مناصرو البيئة ينادون به منذ زمن طويل وهو: أن التحول العالمي السريع نحو استخدام تقنيات الطاقة المتجددة سيوفر وسيلةً واقعية لتحقيق التنمية المستدام، وتلافي النتائج الكارثية لظاهرة تغير المناخ.  والآن بعد أن أدرك الجميع الدور المحوري للطاقة المتجددة في تحقيق أهداف المناخ والاستدامة، فقد تغير التحدي الذي يواجه الحكومات من تحديد الاحتياجات إلى إيجاد السبيل الأفضل لتلبيتها.

ترتكز خطة عالمية  في مضاعفة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2030، مما يفرض على صناع السياسات تسريع وتيرة جهودهم الراهنة، وتحقيق تقدم ملموس في غضون خمسة أعوام القادمة، حيث أن الموعد المحدد لتحقيق الأهداف الدولية المتفق عليها في عام2015  شارف على الانتهاء.

وبناءً على ذلك، يتعين على المشرعين  وصناع السياسات وضع الأسس اللازمة لتذليل العقبات المانعة  من مضاعفة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي خلال الأعوام ال 14 المقبلة؛ فقد حدد تقرير “ريماب5 “* مجالات عمل رئيسية يتعيّن معالجتها، لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة بصورة لافتة مؤكدة على ضرورة اضطلاع القطاع الحكومي بدوره كاملاً في إدارة قطاع الطاقات المتجددة على مستوى دول العالم.

وهذا ما دفع بالسلطات العليا للمملكة المغربية إلى تقديم الإستراتيجية الطاقية الجديدة لجلالة الملك بتاريخ  2 نونبر2009 ؛ والتي تنبي على  ثلاثة مستويات زمنية محددة تتماشى والتوجهات العالمية (2030-2009)؛ والهدف الرئيسي من هذا التنظيم الاستراتيجي لقطاع الطاقة بصفة عامة، يتمثل في جعل المملكة في منأى عن تقلبات السوق، وتأمين التزويد بالطاقة، وتعميم الولوج الطاقة في المجالين الحضري والقروي بتكلفة مناسبة، مع التحكم في الطلب والمحافظة على البيئة.

يتضح من البناء الاستراتيجي لقطاع طاقة المتجددة المغربي، أنه يحمل في طياته رهانات يجب العمل على كسبها، والتي نجدها بارزة ضمن الخطاب الملك الذي وجهه في الدورة 21 لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية (كوب 21) التي انطلقت أشغالها 30 نونبر 2015 بباريس، وذلك بتفعيل الناجع للأوراش المتعلقة بمختلف أنواع الطاقات المتجددة، سواء منها الريحية أو الشمسية أو الكهرومائية.  ثم العمل على  تعزيز حضور المغرب عالميا في جعله قطبا إشعاعيا للطاقات المتجددة، يمثل صلة وصل بين الضفتين، وهو الخيار الذي يحظى بتجاوب جيران المملكة  وشركائها ويستدعي القيام على الخصوص بترسيخ اندماج جنوب شمال بهدف تبادل الكهرباء  بشروط تفضيلية بالنسبة للأطراف الشريكة، وإتاحة تعامل عادل ومتوازن مع إشكاليات المناخ والطاقة والاقتصاد، وتقوية اندماج جنوب-جنوب على أساس تنمية مشتركة يكون  هدفها الرفع من معدل الولوج إلى الكهرباء والاستخدام الأمثل للموارد المحلية. وبالتالي ترسيخ التموقع الجيوستراتيجي للمغرب على نحو  يتيح له القيام بدور نوعي وبناء في التعاون.

وبغية الوصول إلى هذه الأهداف وتفعيلا لمضامين هذه الاستراتيجية، بادرت السلطات العمومية إلى اعتماد آليات، وإجراءات سياسية وتشريعية وتنظيمية ومالية وفنية؛ لخلق بيئة مناسبة ومواتية لتأسيس المشاريع المنتجة للطاقات المتجددة وتوطين صناعات المرتبطة، وجذب الاستثمارات اللازمة للنهوض بهذا القطاع. خاصة وأن تجارب الدول المقارنة تشير إلى أن سياسة توجيه الإستثمار والتنظيم القانوني لهذا النوع من مصادر طاقة، كان من أبرز الدعائم الأساسية في تحسين وتطوير هذا القطاع.

لذا حاولت من خلال هذا الموضوع التركيز حول مسألة مفادها، أن الوسائل القانونية التي تحكم النشاط الاستثماري بشكل عام في الدولة يستطيع المستثمر في قطاع الطاقات المتجددة الاستفادة منها مع امتياز الاستفادة من قوانين الخاصة التي تحكم قطاع الطاقات المتجددة، كما هو جاري به العمل حاليا في الدول المتقدمة. مثلا في ألمانيا الرائدة في هذا المجال سنت قانون تعريفات تغذية الشبكة(Feed-in-law)، بموجبه تقدم مكافأة هي بمثابة إيراد ثابت عن الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة طوال مدة العمر الاقتصادي للمنشأة، وقد عرف هذا القانون صدى لدى العديد من الدول الأوروبية كاسبانيا والدانمارك وهولندا وغيرها، بل أخذت به جل الدول التي تعتمد على الطاقة الخضراء ومن بينهم المغرب عبر قانون الطاقات المتجددة 09-13 لسنة 2009 والذي تم تغييره وتتميمه بقانون 15-58، بالإضافة إلى قانون رقم 15-48 المتعلق بضبط  قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء الصادر بظهير شريف 24 ماي 2016… وغيرها من الضمانات قانونية والتنظيمات الإدارية والفنية المواتية لتنشيط الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة… دون أن ننسى قوانين المتعلق بالاستثمار بصفة عامة كمدونة الاستثمارات التي تجميع مختلف القوانين القطاعية المعمول بها، وكذا ميثاق للاستثمار وغيرها من القوانين… فالمستثمر هنا يكون أمام امتيازات مقررة في قانونين، الأول هي القوانين العامة المنظمة لعملية الاستثمار في البلد بشكل عام، والثاني هي الامتيازات المقررة في القانون الخاص بالطاقات المتجددة.

حتى نستبين ماهية تشجيع الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة من حيث طبيعته ونوعيته التي تتناسب مع السياسات الإستراتيجية، وكذا النصوص التشريعية والقانونية الموفرة للمعاملة التفضيلية للمستثمرين سواء الوطنيين أو الأجانب؛ خاصة أن هذا النوع من الاستثمار ليس بالنوع السهل يمكن للمستثمر العادي أن يباشره، فقد اعتمدت المنهج العلمي والتحليلي، وفقا للمبحثين التاليين:

المبحث الأول: ماهية الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة: طبيعته ونوعيته

المبحث الثاني: الترسانة القانونية المنظمة للاستثمار المغربي في قطاع الطاقات المتجددة

 

المبحث الأول: ماهية الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة: طبيعته ونوعيته

بشكل عام، تتطلب مصادر الطاقة المتجددة توظيف استثمارات أولية تفوق في حجمها الاستثمارات الأولية لمصادر الطاقة الأحفورية**، ولكنها في المقابل تغني عن تكبد التكاليف المستمرة للوقود فيما بعد.

فأسعار السوق التي تكبدها الطاقة التقليدية، لا تمثل إلا جزءا ضئيلا من التكاليف الفعلية التي يتكبدها المجتمع. فاحتساب التكاليف الخارجية كالأضرار البيئية والصراع السياسي، والضرائب بجميع أنواعها(ضرائب الكربون، ضرائب الطاقة وتسعير المشتقات النفطية…)، بالإضافة إلى التكلفة البيئية المتعلق بمبدأ من يلوث أكثر يدفع أكثر، التي تم التنصيص عليها في بروتوكول كيوتو للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري…2 فإذا تم تقدير هذه التكاليف بطريقة واضحة، سنجد أن مصادر الطاقة الأحفورية، أصبحت تشكل ثقلا على كاهل ميزانيات المدفوعات الطاقية لغالبية الدول، وبالتالي تبقى خيارات زيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة المقدمة بين عامي2015-  2030 بمقدار 100 مليار دولار أمريكي وهذا يساوي % 0,1من الاستثمارات السنوية للاقتصاد العالمي هي البديل المناسب.

لهذا لم تعد سياسات الدول ولا المنظمات الدولية أو الإقليمية*** ولا حتى المحلية في توجيه الاستثمار إلى إنشاء مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة مجرد ترف أو محاولة لجذب الأنظار، وإنما أصبح هذا الإهتمام واقعا مفروضا وضرورة محلة، لا يقتصر على دولة بعينها أو دول معينة، بل يمتد على مستوى العالم كله.

لذا سنحاول توضيح ضمن هذا المحور ماهية الاستثمار خاصة في قطاع الطاقات المتجددة، التي تحتاج إلى استثمارات ذات إمكانيات كبيرة على المستويات المالية والتكنولوجية والبشرية، كما يتطلب صبرا من قبل المستثمر لوقت ليس بالقليل في العادة، لكي تبدأ الأرباح والمردودات الإيجابية بالتحقق على مستوى مشجع.

        المطلب الأول: مفهوم الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة:

يقصد بالاستثمار بشكل عام، التعامل بالأموال بقصد تحقيق الربح. وما دام قصد الربح في الاستثمار قائما، فإنه سيختلط غالبا بمفهوم المضاربة، لكنهما يختلفان في درجة المخاطرة التي يكون المستثمر مستعدا لتحملها، وفي مقدار الأرباح التي يرمي الحصول عليها. فإذا زادت درجة المخاطرة على الحدود المعقولة، وزادت الأرباح المتوقعة على المستويات الاعتيادية تحول المستثمر إلى مضارب.

واصطلاحا نجد كلمة استثمار تستمد أصولها من علم الاقتصاد، حيث يعرفه الإقتصاديين على أنه” عملية اقتصادية مدروسة من قبل شخص طبيعي أو معنوي تقوم على أسس أو قواعد علمية، أو عقلانية بموجبها يجري توجيه أصول مادية أو مالية أو بشرية أو معلوماتية، نحو تحقيق عوائد اقتصادية أو ثقافية أو علمية في المستقبل بتدفقات مستمرة عادة، تتضمن قيما تتجاوز القيم الحقيقية المالية للأصول الرأسمالية المطلوبة، وفي ظروف تتسم بالأمان والتأكد قدر المستطاع، مع عدم استبعادها هامش مقبول من المخاطر”.

أما من الناحية القانونية، فقد طرحت تعريفات متعددة للاستثمار؛ يعرفه فقهاء القانون بأنه” انتقال أحد عوامل الانتاج عبر الحدود الدولية للمساهمة في الاستغلال الاقتصادي بطريق مباشر أو غير مباشر، بقصد تحقيق ربح نقدي متميز”.

وعرف اتحاد القانون الدولي الاستثمار بأنه” تحركات رؤوس الأموال في البلد المستثمر نحو البلد المستفيد بغير تنظيم مباشر”، بينما عرفه المعهد الدولي للاستثمار فيتمثل في” توريد الأموال أو الخدمات بهدف ربح مادي أو سياسي، ويمكن أن يكون الاستثمار في أموال معنوية” …

الملاحظ من خلال غالبية التعريفات أنها تركز على أجنبية المستثمر حينما تعرف الاستثمار بأنه ” تقديم الأموال المادية والمعنوية والأداءات من شخص طبيعي أو معنوي لا يحمل جنسية الدولة المستقبلة، للمساهمة في مشروع قائم أو سيتم إنشاؤه للقيام خلال مدة معقولة من الزمن” .

كما نجد تباين بين هذه التعريفات، وذلك لأن مفهوم الاستثمار ليس مجرد واقعة اقتصادية أو قانونية محددة الأبعاد وثابتة المعالم ومحددة الأهداف. بل هو مفهوم متغير ومتطور ومتجددة بتغير وتجدد وتطور الظروف والأوضاع الاقتصادية على المستوى الدولي، فهو مفهوم عام قد يضيق وقد يتسع حسب الظروف الاقتصادية والتوجهات السياسية لكل دولة. فالدولة التي تسعى إلى اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إليها تميل عادة إلى الأخذ بالمفهوم الواسع للاستثمار، حتى يمكنها ذلك من الاستفادة على نحو أكبر من رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية، وهذا على عكس دولة أخرى تتبنى نظاما مانعا بشأن الاستثمارات الأجنبية.

المطلب الثاني: طبيعة ونوع الاستثمارات في الطاقات المتجددة

إن طبيعة مشاريع الطاقات المتجددة تتطلب إمكانيات كبيرة على المستويات المالية والتكنولوجية والبشرية، ويطلب صبرا من قبل المستثمر لوقت ليس بقليل في العادة، لكي تبدأ الأرباح والمردودات الإيجابية بالتحقق على مستوى مشجع، مما يستوجب استثمارات من نوع خاص.

وعلى هذا المستوى نميز بين نوعين من الاستثمار بحسب مصدره إلى استثمار وطني واستثمار أجنبي، وضمن النوع الأول نجد استثمار عام الذي تقوم به جهة حكومية، واستثمار خاص يأتي نتيجة مبادرة شخص معنوي أو طبيعي بمفرده بهدف الحصول على ربح وفائدة… أما ضمن النوع الثاني من الاستثمارات الأجنبية نميز بين الاستثمارات الأجنبية غير مباشرة وأخرى مباشر، وهذا النوع الأخير هو المطلوب لإقامة مشاريع ضخمة كمشاريع الطاقات المتجددة نظرا إلى خصائصه والأهداف الاقتصادية التي يسعى لتحقيقها.

لذا يعد الاستثمار الأجنبي المباشر ظاهرة إنتاج عالمية ترتبط بنقل مجموعة من الأصول من دولة إلى أخرى وإدارتها، فهو ذا أهمية اقتصادية كبيرة، ويحظى بدور فاعل كوسيلة للتنمية الاقتصادية وتشغيل رؤوس الأموال داخل الدولة المضيفة، لذلك اهتمت المنظمات على المستوى الدولي ووضعت تعريفات خاصة به.

فقد عرفه صندوق النقد الدولي(IMF) بـ” حصول كيان قائم في اقتصاد ما على حصة ثابتة في شركة موجودة في اقتصاد آخر، تتضمن الحصة الثابتة وجود علاقة طويلة بين المستثمر الأجنبي والشركة، وتحكم المستثمر الأجنبي في إدارة الشركة”، كما يعرفه تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه” استثمار يتضمن علاقة طويلة الأجل بين المستثمر الأجنبي أو الشركة الأم على حصة ثابتة في شركة قائمة في اقتصاد أخر”.

الجدير بالذكر هنا، أن وصف الاستثمار بصفة الأجنبي، يرتكز على مصدره أكثر من ارتكازه على جنسية صاحبه، إذ أن الدولة المضيفة لاسيما النامية منها، تعتبر كافة رؤوس الأموال الواردة إليها من الخارج بهدف الاستثمار، من قبيل الاستثمارات الأجنبية، حتى ولو كان أصحابها من رعايا الدولة أنفسهم، والحكمة من ذلك هي تشجيع وفود رؤوس الأموال من الخارج بسبب عدم كفاية رأس المال الوطني للقيام بالمشروعات الاستثمارية

وهذا النوع من الاستثمار له خصائص متعددة منها: جذب رؤوس أموال طويلة الأجل، وارتباط الاستثمار الأجنبي المباشر بالانتاج، كما أنه يراعي ظروف الدولة المضيفة نفسها، ولا يتأثر بالعوامل الدولية أو المرتبطة بدولة المستثمر الأصلية كثيرا، لأن انتقال رأس المال الأجنبي لاستثماره في دولة ما عادة يوجه موارده للصناعة الأكثر فائدة وربحية في الدولة المضيفة… لذلك يعتبر أسلوب الاستثمار الأجنبي المباشر، هو أنجح أنواع الاستثمار للاستفادة من خصائصه في الاستثمار بمشاريع إنتاج الطاقات المتجددة.

وبالتالي يمكن القول أن ماهية الاستثمار ترتكز بالأساس في جميع الأنشطة والتدابير الرامية إلى إيجاد محددات مواتية للاستثمار في البلد المضيف، وهذه المحددات تتمثل في إيجاد الإطار القانوني لسياسات الاستثمار، ثم إجراءات تيسير الاستثمار، ويمكن لأن من هذه المحددات أن يعمل كحافز للاستثمار. وتماشيا مع طبيعة الموضوع الذي بين أيدينا سنتناول الجانب القانوني ضمن المبحث الثاني كآلية مشجعة للاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة وسنأخذ المغرب كنموذج.

 المبحث الثاني: الترسانة القانونية المنظمة للاستثمار المغربي في قطاع الطاقات المتجددة

يقصد بالترسانة القانونية لتشجيع الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، الأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية التي تستهدف على نحو مباشر أو غير مباشر في قطاع الطاقة المتجددة، من خلال تبني تدابير تشريعية من قبل الدولة المضيفة لهذا النوع من الاستثمار.

وعلى ذلك فإن هذه القوانين يجب أن تتسم بعدة خصائص حتى توفر حماية للمستثمر، كما يجب أن تمتاز بالتنوع لأنها تتصدى لفئة واسعة من الأنشطة التي تعمل الدولة المضيفة على تحقيقها، مثل تسهيل نقل التكنولوجيا وتبادل المعلومات وإزالة العوائق الإدارية التي تعترض طريق الاستثمار، وتحسين سبل توافد رؤوس الأموال، وإنشاء أجهزة أو وكالات لإدارة هذا النوع من الاستثمار والإشراف عليه، ومنح الحوافز المالية، وإقرار البرامج التشجيعية ووضوح السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالدولة المضيفة التي تهدف من خلالها تنمية وتطير هذا المجال.

كما تستطيع الدولة المضيفة، أن تختار بين عدة خيارات لدى النظر في إقرار سياساتها المتعلقة بإقرار الأحكام القانونية التي تستهدف تشجيع الاستثمار في قوانينها الوطنية، كما بإمكانها أن تتبنى نشاطا تشجيعيا واحدا ترى أنه ملائم لأوضاعها الخاصة، أو أن تبنى مجموعة من التدابير جملة واحدة، كما بإمكانها أن توسع من نطاق هذه الوسائل، أو أن تضيق وذلك بحسب السياسة والنهج المتبع من قبل الدولة المضيفة في هذا الصدد.

لذا سنتولى في هذا المبحث تسليط الضوء عن مدى مواكبة النصوص القانونية لمناخ الأعمال لجذب الاستمارات، مع التركيز على الأحكام الخاصة والمنظمة لتشجيع الاستثمار بقطاع الطاقات المتجددة، ثم المرور لتبيان واقع الاستثمار في الطاقة المتجددة خاصة مركب الطاقة الشمسية “نور” ومحطاته الأربعة وطرق تمويله وذلك بإيجاز نظرا لضيق المجال.

 

 

 

       المطلب الأول: بيئة قانونية مرنة داعمة للاستثمارات

ومن أجل مواكبة المغرب لمناخ الأعمال والمال، اتخذ مجموعة من الإصلاحات التي تروم على تعزيز الاستقرار الماكرو-اقتصادي وتقوية الانفتاح الاقتصاد المغربي، فقد أقدم المشرع المغربي على إحداث ترسانة قانونية تروم تحديث النصوص القانونية المتعلقة بالاستثمار.

فقد تم اعتماد مدونة الاستثمار بغية تجميع مختلف القوانين القطاعية المعمول بها، وأقر من خلالها المبادئ الأساسية للامتيازات الضريبية والإدارية المقدمة للمستثمرين المحليين والأجانب، وفتح عبرها المجال إلى التحكيم في إطار اتفاقيات الاستثمار التي توقعها المملكة المغربية، بالإضافة إلى الضمانات الخاصة بالتشريع الوطن، تمنح الدول الراغبة في جلب الاستثمارات الأجنبية للمستثمرين ضمانات قانونية دولية أهمها، الاتفاقيات الثنائية للاستثمار التي تتضمن مقتضيات موضوعية وإجرائية لحماية المستثمرين والتي يفوق عددها على الصعيد العالمي 2200 اتفاقية.

فضلا عن ذلك نجد أيضا، ميثاق للاستثمارات بمقتضى قانون الإطار رقم 19-95 يهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار بالمغرب والرفع من جاذبيته بالإضافة إلى مدونة التجارة؛ تم إحداث محاكم التجارية وقوانين الشركات التجارية قانون المجموعات ذات النفع الاقتصادي قانون حرية الأسعار والمنافسة،  قوانين حماية الملكية الفكرية والأدبية والصناعية. وقانون رقم 08-05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، مدون الشغل، قانون المحاكم المالية، وكذا إعداد ميثاق للمقولات الصغرى والمتوسطة. كما صدرت عدة قوانين ونصوص تهم الاستثمار في عدة ميادين كالجوانب الجبائية والجمركية والبنكية بمقتضى القانون رقم 03-34 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها… كما نجد ما يعرف بالنظام التعاقدي، هو نظام تحفيزي للإستثمار وضعه المغرب من أجل تشجيع الإستثمارات ودعم بعض القطاعات المهمة في الاقتصاد الوطني، وهو رهن إشارة المستثمرين الأجانب والمحليين… كما تم إحداث المراكز الجهوية للاستثمار، والتي تعد من بين الوسائل التي اعتمدتها السلطات العمومية من أجل تشجيع الاستثمار على الصعيدين الوطني والجهوي.

الملاحظ فعلا أن المغرب من خلال هذه الترسانة القانونية المؤطرة لمجال الاستثمارات بصفة عامة، جعلته  يتوفّر على مؤهّلات عالية ومشجعة للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، خاصة بعد إصدار قوانين تهم قطاع الطاقات المتجددة وذلك من خلال، المرسم رقم 2.10.578 صادر في 11 أبريل 2011 بتطبيق القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة، كإطار محفز لإقامة منشآت لإنتاج الطاقة الكهربائية واستغلالها من لدن أشخاص ذاتيين أو معنويين، والقطاع العام أو الخاص، فقد تم تعديله و تتميمه بقانون قانون رقم 15-58.

ثم صدر ظهير شريف رقم1.16,60 بتنفيذ القانون رقم 48-15 المتعلق بضبط الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، جاء هذا الإطار القانوني بفتح سوق الكهرباء المنتجة من مصادر الطاقات المتجددة للمنافسة، وذلك لإنتاج وتسويق الطاقة الكهربائية لزبناء الجهد الجد عالي والعالي جدا والمتوسط، كما نص على إحداث هيئة وطنية مستقلة لضبط قطاع الكهرباء، وذلك لمواكبة هذه التحولات العميقة التي يعرفها قطاع الطاقات المتجددة، والرفع من جاذبيته تجاه المستثمرين الخواص وكذا تمكين قطاع الطاقة الكهربائية ببلادنا من تعزيز الإلتقائية مع السوق الطاقية الجهوية الأوربية…

لقد كان لهذه الترسانة القانونية دور مهم في تحفيز  مجموعة من الفاعلين الخواص لإطلاق مشاريع تهم تنمية وإنجاز مجموعة من مشاريع إنتاج الكهرباء انطلاقا من مصادر متجددة.

المطلب الثانية: مدى نجاعة الوسائل القانونية في بناء مشاريع طاقات المتجددة

رغم ما تنطوي عليه مشاريع طاقة المتجددة من إمكانيات، إلا أن الارتفاع النسبي لتكلفة التكنولوجيا المستخدمة بالمقارنة بالبدائل من الوقود الأحفوري يثني المؤسسات عن الاستثمار فيها. إلا أن المغرب عمد إلى نهج هيكلة ناجعة وتعبئة مالية مبتكرة، عن طريق مقاربة أتاحت الاستفادة من الدعم غير المشروط للمانحين الدوليين، عبارة عن قروض بشروط جد مسيرة، منحت من قبل اللجنة الأوروبية والحكومة  الألمانية، والبنك الأفريقي للتنمية، بالإضافة إلى مساندة البنك الدولي. وبفضل الدعم الموصول للدولة، تمكنت من الحصول على تمويلات فاقت 22 مليار درهم.

وأمام هذه الإجراءات، ساهمت في بناء “مجمع نور” وتم إطلاق المرحلة الأولى من عملية البناء في 12 يونيو 2013 تحت اسم “نور 1″، وفي 4 فبراير2016  تم افتتحها رسميا من قبل جلالة الملك محمد السادس ومن المُتوقع أن ينتج مجمع نور-ورزازات المؤلف من ثلاث محطات، أكثر من 500 ميغاواط من الطاقة المركبة، وسيوفر الكهرباء في نهاية المطاف لما يبلغ 1.1 مليون مغربي بحلول عام 2018 ، ومن المتوقع أن تقلص المحطة اعتماد البلاد على النفط بنحو 2.5 مليون طن في الوقت الذي ستخفض فيه من الانبعاثات الكربونية بنحو 760 ألف طن في العام… ويتألف مركب الطاقة الشمسية “نور”، المنجز على مساحة أزيد من 3 آلاف هكتار، من أربع محطات للطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيات تتماشى مع المعايير الدولية، سواء  على المستوى التكنولوجي أو البيئي، كما تضم منصة للبحث والتنمية تمتد على مساحة  أزيد من 150 هكتار. ومن المتوقع من المشاريع الأربعة أن تجعل من هذا المركب أضخم موقع لإنتاج الطاقة الشمسية متعددة التكنولوجيا في العالم.

تشكل هذه المشاريع، فرصة لتثبيت دعائم التنمية السوسيو-اقتصادية وتطوير الصناعات المحلية وميزة تنافسية للمغرب باعتباره رائداً للتكنولوجيا الخضراء. ويعد المغرب اليوم سبّاقاً على صعيد المنطقة في اعتماد سياسات تراعي التغيّر المناخي ويرسي معايير نموذجية للطاقة الشمسية لكي تحتذي بها البلدان الأخرى في المنطقة.

خـــــــلاصــــة:

إن تشجيع الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة والاستفادة المثلى منه، ليس بالعملية السهلة من الناحية القانونية، السبب في ذلك تخوف أصحاب رؤوس الأموال من المستثمرين من للمجازفة برؤوس أموالهم في بيئة غير صالحة للاستثمار، وليست ملائمة من حيث الأنظمة القانونية التي تحكمها، ولا تتلاءم والمناخ الاستثماري بشكل عام، لعدم احتوائها على أية ضمانات ضرورية أو حوافز كافية لتشجيع المستثمرين على توظيف أموالهم في ظلها.

لذلك يجب أن تتضافر الجهود وتتكاثف على المستويين الوطني والدولي، لتوفير بيئة مناسبة تضفي مرونة على القواعد التشريعية خاصة المتعلق بتنظيم الاستثمارات في قطاع الطاقات المتجددة، وتبسيط إجراءات تأسيس المشاريع المنتجة للطاقة المتجددة وتسهيل نقل التكنولوجيا واستيرادها وتمهيد الطريق أمام الاستثمار الوارد إليها، هذا سيؤدي بدون شك إلى ازدياد التداولات المالية وتوسيع الأعمال المصرفية والتمويل العقاري وغيرها من المشاريع ذات الفائدة العالية.

فالبعد والمرجعية للقوانين المنظمة للعملية الاستثمارية بشكل عام، والاستثمار في مجال الطاقات المتجددة على وجه الخصوص يجب أن تستهدف على حد سواء تشجيع الاستثمار بشكل عام وحمايته.

 

الـــهــــوامـــــش

*“ريماب5 “: خارطة الطريق لمستقبل الطاقة المتجددة هو عبارة عن ملخص تنفيذي لتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (مقرها أبوظبي-الإمارات) يمكن تحميل النسخة الكاملة لهذا التقرير عبر الموقع الإلكتروني www.irena.org/publications

**الأحفورية: ترجع تسمية الوقود الأحفوري أو المواد الهيدروكربونية، إلى تواجد النسبة العالية لمادة الكربون، وكذا بقائها مدة ما يزيد عن 500 سنة تحت الأرض حتى أصبحت حفريات، ومن هنا جاءت تسمية الوقود الأحفوري. والحفريات هي عبارة عن مواد عضوية سواء كانت حيوانية (بقايا الهياكل الحيوانات) أو نباتية، تتراكم فيما بينها مشكلة رواسب في أحواض رسوبية، وتحت ظروف خاصة من الضغط ودرجة الحرارة تحولت بمرور الزمن، إلى غاز طبيعي وإلى فحم وإلى زيت نفط… للإشارة فقط يفضل تسمية الطاقة الأحفورية عوض الطاقة التقليدية لتمييزها عن الطاقة المتجددة، لأن هذه الأخيرة أقدم منها في الاستعمال وحتى في نوع التكنولوجيا المستخدمة.

*** الإطار العربي للطاقة المتجددة (AREF): يعتبر الإطار العربي للطاقة المتجددة أساسا للنشاطات الوطنية والإقليمية المتصلة بالطاقة المتجددة والإستراتيجية العربية للطاقة المتجددة 2030 ونموذج خطط العمل إقليمية (للاطلاع على هذا الإطار يمكن الرجوع إلى التقرير الصادر عن المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE))

  • دافيد مالين رودمان: الثروة الطبيعية للأمم تطوير السوق لاحتياجات البيئية، ترجمة(حسن تمام)، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة الدولية، القاهرة الطبعة الأولى 1999
  • فاضل الزهاوي: المشروعات المشتركة وفقا لقوانين الاستثمار، مطابع دار الحكمة.
  • عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمن: المركز القانوني للمستثمر الأجنبي في السودان بين القانون الداخلي والقانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة 1990.
  • مؤسسة التمويل الدولية والاستثمار الأجنبي المباشر، الدروس المستفادة والخبرات العلمية، صندوق النقد الدولي، رقم5، واشنطن-سبتمبر-1997.
  • البوابة الوطنية : maroc .ma

http://www.maroc.ma/ar/نص-الخطاب-الذي-وجهه-صاحب-الجلالة-الملك-إلى-الدورة-21-لمؤتمر-أطراف

 

  • Louis boisgibault: l’énergie solaire après Fukushima: la nouvelle donne,Edition Médicilline 2011, p 112

 

  • UNCTAD World investment report , 1998 : p – 350 , Economic and Social Commission for Western Asia , The role of foreign direct investment in economic development in ESCWA member countries (New York : UN 2000 )

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى