تغيير العقليات رهين بحصول المواطن على المعلومة من الإدارة
محمد الملكي – باحث في سلك ماستر العقار و التعمير
جامعة محمد الأول – الكلية المتعددة التخصصات الناظور
تغيير العقليات رهين بحصول المواطن على المعلومة من الإدارة
مقدمة
يعد مبدأ الحصول على المعلومات في حق المواطن ، من الترسانات الهامة التى يضطلع التشريع المغربي الى ان يجعل لها مكانة في الادارات المغربية ، فبعد ان شهد الواقع بعد الاكراهات التى تمس المواطن ، بخصوص عدم حصوله على معلومات تخصه من طرف الإدارة ، و عدم استجابة هذه الإرادة لحاجياته ، و تلبية حقوقه التى كفلها الدستور له ، كان لزاما على المشرع المغربي ان يتدخل من اجل عدم تفشي هذه المعظلة في الادارات المغربية ، و سد هذه الثغرة المعيبة ، و استبدالها بضرورة تلقى المواطن للمعلومات التى تخصه من الادارة ، وهذا ما فعله المشرع المغربي حيث انه وبمجرد تنامي ظاهرة الإحتجاجات و الشكاوي من طرف المواطنين بخصوص تعسف الادارة في عدم تمكينها للمواطنين من اجل تلقى المعلومات و تزايد موجات الغضب في مواقع التواصل الإجتماعي لبى المشرع المغربي النداء .
وبخصوص الشكاوي المقدمة من طرف المواطنين ، فإنها لم تشمل المغاربة فقط ، بل شملت ايضا شكاوي المغاربة القاطنين في ديار المهجر بخصوص تعسف الادارة في تلبية حاجيتهم بعدم توفير المعلومات التى تخصهم ، وكذا الأجانب في ما يتعلق بطلبهم لمعلومات تقضي حاجياتهم ، ما يجعل طلبهم هذا ينتهي به الأمر بالرفض او عدم الجواب من الأصل من طرف الادارة ، وبعد هذه الموجات الساخنة خطى المشرع المغربي خطوة حازمة و جريئة بحيث اصدر قانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة ، و دخلوه لحيز التنفيذ
ويستشف من هذا القانون و بمفهوم المخالفة ، ان الادارة و ان تماطلت عن دورها الاساسي و الذي يتجلى في تقديم المعلومات للمواطنين ، تكون قد خرقت القاعدة القانونية المتعلقة بإلزامية حصول المواطنين على المعلومات ، و بإعتبار ان الادارة يحكمها القانون الذي ينظم ادوارها ، فإنها و من الزوم ان تمتثل للقانون الذي صدر في الجريدة الرسمية بخصوص حق المواطن في الحصول على المعلومات ، و سلوكها مسار غير هذا المسار ، تكون قد تنافت مع مقاصد المشرع المغربي ، و تكون ايضا قد جانبت توجه المشرع المغربي بخصوص الزاميته بحصول المواطن على المعلومات ، و ان كان القرار الذي اصدره المشرع المغربي بخصوص الزامية الادارة بخصوص حصول المواطن على المعلومات ، قرارا الزاميا فإن هذه الإلزامية تكمن في مدى تطبيقها على أرض الواقع ، واذا ما جانبت الادارة ذلك اي امتنعت عن منح المعلومات للمواطن فإنها تكون قد شرعت قانونا لنفسها ، وهو عدم حصول المواطن على المعلومات ، وبإعتبار ان القاعدة تقتضي بإتباع المرؤوس لرئيسه ، فإن الأمر يقتضي من الادارة ان تتبع ما تضمنته مقتضيات هذا القانون الذي صدر بخصوص الحق في الحصول على المعلومات ، بإعتبار مصدرها يتمثل في الرئيس ، وعدم احترام ذلك قد يرتب جزاءات قانونية على من خالف هذه الاوامر الملزمة ، وبإعتبار ان الحق في الحصول على المعلومات قد نص عليه الدستور المغربي في الفصل 27 من الدستور المغربي ، و الذي ينص على انه للمواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات،الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة،والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام.
لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية وأمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور،وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة
كما ان ملك البلاد قد نص في العديد من خطاباته حول مدى أهمية تطبيق الادارة لمبدأ إتاحة المعلومة للمواطن.
وقد نصت المواثيق الدولية على حق المواطنين في الحصول على المعلومات، و الذي اقرته توصيات الأمم المتحدة أن الحق في الحصول على المعلومات هو إختيار لتحقيق باقي حقوق الإنسان.
و بكون الدستور المغربي يأخذ مبدأ السمو ، و انه أعلى هرم قانوني ، فإن مخالفة مقتضياته من طرف الادارة تكون قد خرقت هذا السمو ، و خرقت ايضا أعلى سلطة في البلاد ، و الذي أسس هذا السمو الدستوري بتدوينه له، كما انه و نظرا لتعسف الادارة في اعطاء المعلومات للمواطنين ، كانوا بعض الأشخاص يلجؤون الى جهات غير رسمية من اجل استفسارها ، بخصوص الحصول على المعلومات ، وهذا في حد ذاته قد يعرض الأشخاص لتلقى معلومات قد تكون غير صحيحة و غير مبنية على أساس قانوني ، كما قد تكون هذه المعلومات ينوي منها الشخص النصب على طالب المعلومة ، وهو ما سنوضحه في ما عنوناه ب (اولا) لنمر بعد ذلك لتجليات ضعف قانون الحق في الحصول على المعلومات في (ثانيا) .
اولا : تجليات محاسن قانون الحق في الحصول على المعلومات
ان قانون الحق في الحصول على المعلومات و بعد صدوره ، اصبح من حق الشخص ان يعرف الحقوق المخولة له ، و يعرف واجباته ، بحيث يكون على بينة من امره بخصوص اتخاذه لأي قرار قد يكون بدون معرفة سابقة بعد حصوله على المعلومة التى تلقها من الادارة ، وهو ما يقلل من عمليات النصب و الاحتيال بخصوص بعض الجهات غير الرسمية ، بخصوص اعطائها لمعلومات خاطئة ، او كونها تمثل الادارة بحيث تمنح المعلومات بمقابل مادي .
كما ان من حسنات هذا القانون ايضا ، ان الأشخاص الموجودين في ديار المهجر يستطعون ان يتحصلوا على المعلومات التى يبتغونها في اقرب وقت ، و لو عن طريق الإتصال الهاتفي او الشبكات المعلوماتية ، مما يسهل عليهم قضاء حاجيتهم في اكمل وجه ، بدون عوائق او صعوبات و تسوية و ضعيتهم في اقرب الاجال .
و في نفس السياق فإن الأجانب ايضا و بكونهم هم ايضا اشخاص معنيون بالحصول على المعلومات التى تخصهم بخصوص تسوية وضعيتهم القانونية ، فإن الإدارة ملزمة مبدئيا بمنحهم لها ، كأن يطلبوا الوثائق او الشروط الواجب توفرها من اجل اقامة الجنسية المغربية ، او الشروط الواجب توفرها من اجل الإستثمار في المغرب.
و بالتالي فإن على الادارة و من باب اولى ان توضح كافة الشروط و الإلتزامات و المزايا التى تبتغيها هذه العملية التى تخص منح المعلومات للمواطنين ، و ذلك بشكل سلس وواضح بدون تعقيدات وبمعاملة حسنة و اخلاق رفيعة .
ومن حسنات هذا القانون ايضا انه يسهل عملية الولوج الى المعلومات ، بحيث اصبح بإمكان الشخص ان يتفصح المعلومة المتعلقة به ، بدون الذهاب الى الادارة ، بل يتم ذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية فقط ، بحيث يستطيع الشخص ان يلبي حاجيته و يسوى وضعيته القانونية .
وقد صدر منشور لوزير الدولة في يتعلق بالأشخاص المنوط لهم ممارسة هذه المهمة المتمثلة في منح المعلومات ، و قد حدد تخويل هذه المهمة لأشخاص القانون العام .
اما في ما يتعلق بالعلاقة التى تربط المواطن بالمصالح الادارية فإنها علاقة مصلحة و تصالح ، بحيث ان الادارة تقوم بتسهيل الوسائل من اجل حصول المواطن على المعلومات ، و تقديم المساعدات اللازمة لهم بخصوص كل عائق قد يروم دون توصلهم بالمعلومات المعنية ، كإستحضار ترجمان من اجل منح المعلومات للشخص الأجنبي ، او قيام شخص من ممثلي الادارة ويكون هذا الممثل الادارى متمكنا في مجال اللغات بحيث يقوم بدور التفسير و الشرح باللغة الأجنبية للشخص الأجنبي. إضافة الى ذلك فإن الشخص و بالموازة مع ما يعيشه في عالمه من تطور للتكنولوجية ، أصبح بإمكانه الاطلاع على وضعيته ، بخصوص وضعية عقاره اذا تعلق الامر بتقديم مطلب تحفيظه ، وذلك عبر الشبكة الإلكترونية.
و في نفس السياق فإنه بإمكان الشخص ان يعبئ معلوماته ، من اجل حصوله على سجله العدلي و ذلك عبر موقع وزارة العدل ، و يحصل على الوثيقة التى تشهد على صحة معلوماته او معطياته ،ونفس الامر ينطبق في مجال الحالة المدنية ، بحيث يمكن للشخص ان يطلب وثيقة ازدياده عن طريق تعبئة معلوماته ، في الموقع المعد لذلك ، كما انه يمكن للمواطن ان يقدم شكاية و يعبئها بمعلوماته و ذلك عن طريق موقع الوزارة و يطلع على وضعية شكايته و يأخذ المعلومات المتعلقة بمقاله من نفس الموقع.
و في نفس الاطار فإنه اصبح بإمكان المحامي ايضا في اطار -منصة المحامي- ان يطلع على وضعية ملفاته عبر الشبكة الالكترونية ، و يتفحص المعلومات التى استجدت بخصوص قضاياه.
ولا ننسى اننا المعلومة اصبحت تلبي حاجياتها من الإدارة وذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية و قد تنوعت هذه الخدمة بحيث شملت جل القطع المهنية من ضرائب-الفاتورة- و استثمار – الشباك الوحيد للإستثمار و صحافة و ابناك و مجالات الصفقات العمومية في كل ما يتعلق بالمنافسة و قطاع الوظيفة العمومية و موقع الحكومة e.justice الذي يبين العلاقة التى تربط الحكومة بالمواطن و ان كان هذا يدل على أمر فإنه يدل على ان المغرب قد أصبح يسير نحو الطفرة المعلوماتية ، التى اصبحت من اسس تحرك عجلة الدولة نحو التطور و الإزدهار
و تجدر الإشارة إلى أن الأصل في الادارة ان تمنح المعلومة للمواطن ، ولا تتمسك مبدأ سرية المعلومة ، وإن تمسكت بذلك فعليها أن تعلل ذلك بشكل كتابي و صريح نفيا لأي جهالة .
ثانيا : تجليات ضعف قانون الحق في الحصول على المعلومة
بالرغم من المحاسن التي ذكرناها حول حق المواطن في الحصول على المعلومات ، فإن هذا الأمر لا يأخذ على اطلاقه ، بل هناك مكامن ضعف تشوب الادارة الممثلة في موظفيها مما ينتج عنها ضعف المردودية ، نجد من بين هذه العوائق التى تروم دون تحصيل المواطن على مبتغاه ، وجود ممثلين للإدارة لهم ضعف في تكوينهم المعرفي ، مما يجعل المواطن امام عائقين اثنين ، بحيث ان العائق الأول يكمن بجهله للمعلومة التى يريد الحصول عليها ، ليمر بعد ذلك للعائق الثاني وهو وجود ممثل اداري له من الجانب المعرفي ما يكفيه ، ويرجع ذلك الى قلة الكفاءة ، و عدم اللإطلاع المستمر ، و عدم التحزب بكل ما هو مستجد في المجال القانوني ، اما في ما يخص العائق الثالث فإنه يتجلى في وجود بعض الموظفين ذوى العقلية المتحجرة و السلطوية ، بحيث يكون عمله الاساسي هو احتكار المعلومة و عدم تبادلها مع صاحبها ، و باعتبار ان المعلومة التى طالبها صاحبها لا يمكن ان يتلقاها ، كونها تخصه هو اي ممثل الادارة و لا يجب ان يمنحها للمواطن ، فيكفي ان يعلم بها هو فقط ، اما في ما يخص العائق الرابع نجد فيه وجود ممثلين للادارة ، يكون حقهم في منح المعلومة يقابل حقهم في اخذ ما يقابله من الماديات ، بحيث ان حق الحصول على المعلومة لدى بعض ممثلي الادارة اصبحت تجارة يقابلها هاجس الربح و الخسارة.
خاتمة
من خلال ما سبق يتضح ان الاشكال الذي يعترى الادارة ليس في صدورها لقوانين مستجدة ، بل في وجود بعض الممثلين لهم من العقليات ما يجعل هذا القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة و باقي القوانين سواء الماضية او الأتية عائق دون تحصيلها على أرض الواقع ، و يظل فيه القانون مجرد فكرة مسطرة على الورق من غير ان يتم المساس به في الواقع الملموس ، لهذا و قبل اصدار او تغيير اي قانون يجب تغيير بعض العقليات و جعلها تتوافق مع القانون الذي صدر بهذا الخصوص ، اضافة الى الجانب الاخلاقي و الذي يجب ان نلمسه في ممثلي الادارة ، بإعتبار ان الاخلاق تبين مدى تحضر الشخص ووعيه و مدى التزامه بمسؤوليته اتجاه الغير ، و يتجلى ذلك في حسن المعاملة و مقابلة المواطنين