الدكتور : سعيود محمد الطاهر – حالة الطوارئ الصحية وإشكالاتها القانونية في الجزائر على ضوء انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد19)
حالة الطوارئ الصحية وإشكالاتها القانونية في الجزائر على ضوء انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد19)
د. سعيود محمد الطاهر
أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة محمد الصديق بن يحي، جيجل (الجزائر)
تمهيد:
دفع انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) في كثير من دول العالم وتحوله إلى وباء عالمي بالسلطات العمومية في الجزائر ممثلة في السلطة التنفيذية إلى اتخاذ جملة من الإجراءات بشأن الوقاية من انتشار فيروس كورونا ومكافحته لا سيما المرسوم التنفيذي 69/20 المتعلق بتدابير الوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) ومكافحته[1] والمرسوم التنفيذي 70/20 المتعلق بالتدابير التكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) ومكافحته[2].
فطبقا لأحكام المرسوم التنفيذي 69 /20 ترمي التدابير الموجهة للوقاية من انتشار وباء كورونا (كوفيد 19) ومكافحته إلى الحد بصفة استثنائية من الاحتكاك الجسدي بين المواطنين في الفضاءات العمومية وفي أماكن العمل[3]، حيث تعلق نشاطات نقل الأشخاص وتغلق محلات بيع المشروبات ومؤسسات وفضاءات الترفيه والتسلية والعرض والمطاعم كما يوضع بصفة استثنائية مدفوعة الأجر 50 بالمائة على الأقل من مستخدمي كل مؤسسة و إدارة عمومية[4].
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للوالي المختص إقليميا اتخاذ كل إجراء يندرج في إطار الوقاية من انتشار وباء كورونا (كوفيد 19) ومكافحته، كما يمكنه بهدف الصفة مستخدمي أسلاك الصحة والمخبريين التابعين للمؤسسات الصحية العامة والخاصة والمستخدمين التابعين للأمن الوطني والحماية المدنية والوقاية الصحية والنظافة وكل سلك معني بتدابير الوقاية من انتشار وباء كورونا (كوفيد 19) ومكافحته[5].
كما تضمنت أحكام المرسوم التنفيذي 70/20 تطبيق حجر كامل على ولاية البليدة لمدة 10 أيام قابلة للتجديد، كما يطبق على ولاية الجزائر حجر جزئي من الساعة السابعة مساء إلى غاية السابعة من صباح الغد لمدة 10 أيام قابلة للتجديد[6].
إن الإجراءات الاستثنائية التي تضمنتها أحكام المراسيم التنفيذية ذات الصلة بالوقاية من فيروس كورونا ليست من صلاحيات السلطة التنفيذية في الظروف العادية طبقا لأحكام الدستور، وإنما فرضتها الظروف غير العادية التي تعرفها الجزائر، لذلك يتعين أن تخضع السلطة التنفيذية لمبدأ المشروعية عند ممارستها لصلاحياتها الاستثنائية تماما مثلما تخضع له عند ممارستها لصلاحياتها العادية، وذلك من خلال إعلان حالة الطوارئ الصحية.
وهنا نتساءل عن مفهوم حالة الطوارئ الصحية وإشكالاتها القانونية خاصة وأن المؤسس الدستوري الجزائري لم يكرس هذه الحالة في الدساتير التي عرفتها الجزائر ومنها دستور 2016 الساري المفعول؟.
وللإجابة على التساؤل المطروح والإحاطة بالجوانب التي يثيرها الموضوع سوف نتطرق للنقاط التالية:
أولا: مفهوم حالة الطوارئ الصحية
تعتبر حالة الطوارئ من بين التطبيقات العملية التي تدخل في نطاق الظروف الاستثنائية[7]، حيث جاء في نص المادة 105 من الدستور على أنه: “يقرر رئيس الجمهورية إذا دعت الضرورة الملحة، حالة الطوارئ أو الحصار، لمدة معينة بعد اجتماع المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، والوزير الأول، ورئيس المجلس الدستوري، ويتخذ كل التدابير اللازمة لاستتباب الوضع. ولا يمكن تمديد حالة الطوارئ أو الحصار ، إلا بعد موفقة البرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا”[8].
واستنادا لنص المادة المذكور نجد أن حالة الطوارئ مرتبطة بالخطر الذي يهدد نظام الحكم والسير العادي للمؤسسات الدستورية في الدولة، ولا ينصرف إلى الخطر الذي يهدد الصحة العامة باعتبارها عنصر من عناصر النظام العام.
وعليه فإن حالة الطوارئ الصحية هي وضعية صحية استثنائية وغير متوقعة لها تداعيات خطيرة على الصحة العامة وتتطلب إجراءات وتدابير فورية يتم من خلالها منع الانتشار الواسع للمرض.
من خلال هذا التعريف يمكننا القول أن حالة الطوارئ الصحية تتضمن العناصر التالية:
-حدوث وضع صحي غير عادي أو غير متوقع.
– الحدث الصحي يحمل تداعيات على الصحة العامة.
– الحدث يتطلب تدابير وإجراءات فورية.
ثانيا: الإشكال القانوني الذي تطرحه حالة الطوارئ الصحية
يثير مصطلح حالة الطوارئ الصحية إشكالات قانونية، فكما سبقت الإشارة إليه لم تتضمن أحكام دستور 2016 أي مادة تتناول حالة الطوارئ الصحية باستثناء نص المادة 105 التي منح من خلالها المؤسس الدستوري لرئيس الجمهورية صلاحية إقرار حالة الطوارئ في حالة الضرورة الملحة من قبيل حدوث اضطرابات داخلية في الدولة أو في منطقة محددة، وهو ما يفهم من التطبيق العملي لحالة الطوارئ التي تم إقرارها سنة 1992 بموجب المرسوم الرئاسي 92/44 المتضمن إعلان حالة الطوارئ[9].
كذلك لم ينص القانون 18/11 المتعلق بالصحة[10] على حالة الطوارئ الصحية، باستثناء التدابير المنصوص عليها في القسم الثاني من الباب الثاني تحت عنوان “الوقاية من الأمراض ذات الانتشار الدولي ومكافحته”، حيث جاء في نص المادة 43: “تضع الدولة التدابير الصحية القطاعية والقطاعية المشتركة الرامية إلى وقاية المواطنين وحمايتهم من الأمراض ذات الانتشار الدولي. مصلحة المراقبة الصحية بالحدود هي مصلحة طبية تمارس نشاطها بواسطة مراكز صحية متواجدة على مستوى نقاط الدخول الحدودية”.
كما لم يتطرق القانون 04/20 المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة[11] لحالة الطوارئ الصحية، وإن أشار من خلال نص المادتين 36 و37 إلى الأحكام الخاصة بالوقاية من الأخطار المتصلة بصحة الإنسان حيث يحدد المخطط العام للوقاية من الأخطار المتصلة بصحة الإنسان فيما يخص الأمراض المنطوية على خطر العدوى أو الوباء منظومة المواكبة ومنظومات الإنذار المبكر بالإضافة إلى التدابير التي يمكن تنفيذها في حالة وقوع هذه الأخطار.
ثالثا: الحل القانوني
يتمثل الحل القانوني للإشكالات القانونية التي يثيرها إقرار حالة الطوارئ الصحية كأساس لإضفاء المشروعية على الإجراءات والتدابير الاستثنائية المعلن عنها من طرف السلطة التنفيذية بشأن الوقاية من انتشار فيروس كورونا ومكافحته في استحداث نص تشريعي يضبط حالة الطوارئ الصحية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي حيث تم إعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب المرسوم 2.20.293 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، أو تعديل أحكام القانون 18/11 المتعلق بالصحة وإضافة حالة الطوارئ الصحية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي حيث تم تعديل وتتميم قانون الصحة بموجب القانون 290/2020 الصادر في 23 مارس 2020.
غير أنه وأمام الانتشار المتسارع بفيروس كورونا وطول الإجراءات القانونية المطلوبة لاستحداث نص قانوني جديد أو تعديل قانون الصحة لإعلان حالة الطوارئ الصحية[12]، يبقى استناد السلطة التنفيذية إلى نص المادة 105 من الدستور المتعلقة بحالة الطوارئ الحل القانوني الأقل تكلفة والأكثر ربحا للوقت من خلال إعلان حالة الطوارئ العامة[13]، وذلك على أساس تكييف الوضعية الصحية الحالية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوديف 19) أنها تدخل تحت عبارة “إذا دعت الضرورة الملحة”.
الخاتمة:
من خلال تناولنا لموضوع حالة الطوارئ الصحية وإشكالاتها القانونية في الجزائر على ضوء انتشار وباء كورونا كوفيد19 ، نرى أنه قد أصبح من الضروري العمل على مراجعة المنظومة القانونية الجزائرية وجعلها تتكيف بصفة فعالة مع المتغيرات التي يشهدها العالم، بالإضافة إلى إيلاء مزيد من الاهتمام بكل ما له علاقة بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي في مجال الصحة العامة خاصة أمام ظهور ما أصبح يعرف بالحرب البيولوجية.
الهوامش:
[1] المرسوم التنفيذي 69/20 المؤرخ في 19 مارس 2020، المتعلق بالتدابير التكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) ومكافحته، الجريدة الرسمية عدد 15.
[2] المرسوم التنفيذي 70/20 المؤرخ في 24 مارس 2020، المتعلق بالتدابير التكميلية للوقاية من انتشار وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) ومكافحته، الجريدة الرسمية عدد 16.
[3] المادة الأولى من المرسوم التنفيذي 69/20، مرجع سابق.
[4] المادة 5 من المرسوم التنفيذي 69/20، نفس المرجع.
[5] المادة 10 من المرسوم التنفيذي 69/20، نفس المرجع.
[6] المادة 9 و10 من المرسوم التنفيذي 70/20، مرجع سابق.
[7] بالإضافة إلى حالة الطوارئ تضمن دستور 2016 كذلك: الحالة الاستثنائية (المادة 107)، حالة التعبئة العامة (المادة 108)، حالة الحرب (المادة 109).
[8] القانون 16/01 المؤرخ في 6 مارس 2016، المتضمن التعديل الدستوري، الجريدة الرسمية عدد14.
[9] المرسوم الرئاسي 92/44 المؤرخ في 9 فبراير 1992، الجريدة الرسمية عدد10.
[10] القانون 18/11 المؤرخ في 2 يوليو 2018، يتعلق بالصحة، الجريدة الرسمية عدد 46.
[11] القانون 04/20 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004، المتعلق بالوقاية من الأخطار الكبرى وتسيير الكوارث في إطار التنمية المستدامة، الجريدة الرسمية عدد84.
[12] نصت المادة 136 من الدستور على أنه: “لكل من الوزير الأول والنواب وأعضاء مجلس الأمة حق المبادرة بالقوانين.
تكون اقتراحات القوانين قابلة للمناقشة إذا قمها عشرون (20) نائبا أو عشرون (20) عضوا في مجلس الأمة في المسائل المنصوص عليها في المادة 137 أذناه.
تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء، بعد رأي مجلس الدولة، ثم يودعها الوزير الأول حسب الحالة، مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس الأمة”.
[13] لتفصيل أكثر حول حالة الطوارئ، أنظر: غضبان مبروك، غربي نجاح، قراءة تحليلية للنصوص القانونية المنظمة لحالتي الحصار والطوارئ ومدى تأثيرهما على الحقوق والحريات في الجزائر، مجلة المفكر، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، عدد10.