في الواجهةمقالات قانونية

الشائعات الإلكترونية في زمن كورونا – مريم تاقي الدين

 

مريم تاقي الدين

 

طالبة باحثة بسلك الماستر، كلية الحقوق سطات

 

 

 

الشائعات الإلكترونية في زمن كورونا

 

مــــــقــدمة:

أصبحت الشائعات بشكل عام والشائعات الإلكترونية بشكل خاص مؤثرة على مجتمعاتنا العربية والاسلامية وعلى العالم بأكمله وذلك أمر له انعكاساته السلبية على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المصاحبة للخطوات المؤثرة في الأمن والاستقرار ، ولقد أصبحت ظاهرة انتشار الشائعات الإلكترونية ( سواء بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي ، أو غيرها من المواقع على الشبكة العنكبوتية ) أكثر شيوعا ، ويرجع السبب وراء ذلك إلى الطبيعة الفورية التي تقدمها التحديثات المعلوماتية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تكون أكثر تصديقاً لدى الكثير من مرتادي هذه الوسائل لذا فهي تأتي تحت تصنيف العرض الاجتماعي للآراء الشخصية ، فالشباب يولون أهمية كبيرة للتعرف على الأخبار المقدمة من جانب الأشخاص ذوي نفس الطبيعة من التفكير والميول بدون تدقيق أثناء بحثهم عن المعلومات الموثوقة .

وتختلف الشائعات الإلكترونية في طبيعتها وهدفها والمجتمع المستهدف من ورائها فبعض الشائعات تكون ذات هدف اقتصادي أو سياسي كخلق روح العداء وزعزعت الأمن في المجتمع وقد تكون الشائعات حول أوامر صحية مثل إنتشار بعض الأمراض والأوبئة مما يؤدي إلى بث الخوف والرعب بين أفراد المجتمع وهذا ما يعشيه الآن العالم نتيجة انتشار وباء فيروس كورونا (covid 19) الذي صاحبه اتساع رقعة نشر الأخبار الزائفة والشائعات وهو نفس الأمر الذي يمر منه المغرب مما دفع به إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 20 مارس 2020، وأمام هذا الوضع  تبذل  المصالح الامنية دورا كبيرا في مواجهة ومحاربة الأخبار الزائفة نظرا لما لها من تأثير بالغ على على حسن سير عمل الجهات الرسمية المكلفة بحماية الصحة العامة والأمن والنظام العام.

 

سنحاول من خلال هذا المقال التعرف على مدى تأثير انتشار الشائعات الالكترونية على أفراد المجتمع في ظل هذه الظرفية الاستثنائية   و التعرف على الأساس القانوني لتجريم الشائعات الالكترونية وذلك من خلال مطلبين:

المطلب الأول :  ماهية الشائعات الالكترونية و انتشارها في زمن كورونا

المطلب الثاني : تجريم الشائعات الالكترونية

 

المطلب الأول :  ماهية الشائعات الالكترونية و انتشارها في زمن كورونا

تباينت وجهات نظر الباحثين في تحديد مفهوم الشائعة بشكل عام والشائعة الإلكترونية بشكل خاص، وإن اتفقت جميعها على اعتبار أنها من أهم الأسلحة المستخدمة في مجال الدعاية والحرب النفسية ، فالتعريفات التي قدمت لمصطلح الشائعة كثيرة ومفيدة في الوقت نفسه ، حيث أنها تقدم إطاراً يساعد على بلورة الأفكار المتصلة بها .

والشائعات كظاهرة اجتماعية فهي ذات تأثير على جميع نواحي حياة الإنسان في السراء والضراء من حيث تعريفاتها ومراحلها ووسائل انتشارها.

وبناء على ذلك سوف نتناول في هذا المطلب ماهية الشائعة بوجه عام والشائعة الإلكترونية بوجه  خاص (الفقرة الأولى)ومن ثم  نتطرق لوسائل انتشار الشائعات الالكترونية في زمن كورونا(الفقرة الثانية) .

 

الفقرة الأولى: تعريف الشائعات الالكترونية

تعد الشائعات الإلكترونية إحدى المتغيرات الأساسية لاستهداف المجتمعات في الوقت الحالي نظراً السرعة إنتشارها وسرعة تبادلها ونقلها بين أفراد المجتمع عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة . وبناء على ذلك كان لزاماً التعرض لمفهوم الشائعات الإلكترونية .

لقد حذر القرآن الكريم من الاهتمام بالشائعة ومنع تداولها ، فقد قال الله تعالى : “وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ا (سورة الإسراء36).

والقرآن الكريم يؤكد أن الشائعة تحدث الفتنة والانقسام إن تم الانصات لها، قال الله تعالى : لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (سورة التوبة47) .

 

وقد جاء في تفسير هذه الآية عند الإمام الشعراوي: الخبال مرض عقلي ينشأ معه اختلال موازين الفكر أي أنهم لن يكونوا إلا مصدراً لبلبلة الأفكار، لو خرجوا معكم للقتال فلا تستطيعون اتخاذ القرار السليم ، فكانهم عين عليكم وضدكم ، وليسوا معكم ، ويضيف الشيخ الشعراوي قائلاً : كانوا سيهمسون في آذان المؤمنين بتزيين الباطل إذن فمن المؤمنين من كان سيسمع لهؤلاء المنافقين مما يحدث بلبلة في فكرهم .

 

وأما في السنة النبوية : فقد جاء في الجامع الصغير للسيوطي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت  . وهذا يعد تأكيد منه على التحذير من الشائعات .

وأما الشائعة في اللغة فعند علماء اللغة جاءت تحمل معاني معتددة ومتنوعة ومتقاربة ، لفظا ومعنى ، وكلها تشير إلى معنى الشيوع والانتشار ، اللذين يشكلان السمعة الرئيسية للشائعة ، مع تضمنها معنى الذيوع والظهور. أما اللغويون المعاصرون ، فقد عرفوا الشائعة  بالخبر الذي  ينتشر من غير تثبت.

ويرى علماء النفس  أن الشائعة هي ظاهرة سيكولوجية ذات دلالة ومعنى ودوافع خاصة وراء ظهورها وانتشارها بين الناس ، وهناك شبه إجماع على أنها تلك الأقوال والأحاديث والروايات التي يتناولها الناس دون التأكد من صحتها أو التحقق منها.

بالنسبة للشائعات الإلكترونية فهي لا تختلف عن الشائعات التقليدية من حيث المضمون والنتيجة الضارة ولكن أوجه الاختلاف يكمن في الوسائل المستعملة بنشرها وطريقة النشر وسرعة النشر، فالشائعات الإلكتروني لا تتم الا عبر الوسائل الإلكترونية وهي اسرع انتشارا واكثر نفوذاً ، تشمل مجتمعا فضائيا كبير لا حدود له .

لذلك يمكننا تعريف الشائعة الالكترونية بأنها : الاخبار التي تتردد وتنتشر وتذاع بين الناس بواسطة كافة الوسائل الإلكترونية دون التثبت من صحتها من عدمه .

 

الفقرة الثانية : انتشار الشائعات الالكترونية في زمن كورونا

 

الشائعات الإلكترونية تعد نمط اتصالي هدام مشكوك في اغراضه يروج وينتشر عبر وسائط الاتصال التكنولوجية الحديثة ، فهي إما أن تحمل جزء من الحقيقة فيضخمها أو يقلل من شأنها ، أو أنها لا تحمل أي جزء من الحقيقة بل هي مغلوطة ، مما يشكل موضوعاً للتداول والحوار والدردشة في المجتمع الإفتراضي لمستخدمي الشبكات العنكبوتية ، ومنهم إلى الآخرين في المجتمعات الواقعية . فالشائعة التي تظهر وتنتشر في المجال الإلكتروني ترتبط بصورة مباشرة بمن يملكون قدرات فنية وتقنية عالية في هذا المجال ، وقد يتصل مجالها بما يرتكب على الشبكة العنكبوتية من جرائم ، كاختراق مواقع الآخرين بهدف الحصول على معلومات يتم تزييفها واستخدامها بطرق غير قانونية في عمليات مشبوهة.

وقد شكل ظهور وانتشار وباء كورونا ( 19 COVID) فرصة لممتهني صناعة ونشر الأخبار الزائفة أو الشائعات والمحتويات التبخيسية المستهترة التي تنسف كل المجهودات الوقائية والاحترازية المتخذة لدرء مخاطر الوباء وتداعياته السلبية من جهة ، والتي قد تمس وتعصف بالنظام العام من جهة أخرى عبر ما يروج على مواقع التواصل الاجتماعي  أو عبر تطبيقات التوصل الفوري الناقلة للمعلومة صورة وصوتا ، طمعا في حصد وتحقيق أكبر عدد من المشاهدات وأكبر قدر من التداول وفق منطق يتلاءم وطبيعة ” السوق الرقمية ” التي تتشكل داخلها مجموعة من الممارسات الثقافية الجديدة ، حيث تتحدد الشهرة من خلال تحقيق أكبر عدد من المشاهدات ولو على حساب تضليل الناس وبث الهلع والفزع في أوساطهم ، وتحويل  الخبر التضليلي إلى استثمار يستتبعه ربح مادي .

تلعب وسائل التواصل والإعلام دورا كبيرا في تقزيم حجم انتشار فاجعة ما، غير أنها قد تساهم بشكل غير مرغوب فيه في انتشار الشائعة. الشائعة التي تدمر أكثر من الفيروس نفسه. فمنذ ظهور فيروس كورونا في الصين، ظل عالم التواصل عند المغاربة يعج بالشائعات، حيث يقول منشور بأن الفيروس عقاب من الله للشعب الصيني الذي يبيد المسلمين في أقاليم معينة. ويقول آخر إن الفيروس يستهدف اقتصادها بشكل مباشر. وغيرها من الأمور المختلقة.

ثم سرعان ما تبددت الشائعات، فتحرك الفيروس الذي لا يفرق بين الأديان والألوان، ليجوب العالم وصولا إلى المغرب. وبدل أن تساهم مختلف وسائل التواصل  في الحد من انتشار المعلومة الخاطئة حول الفيروس، انتشرت المعلومات الخاطئة التي قد تساهم حتما في انتشاره. وخير دليل على هذا الأشرطة والتسجيلات الصوتية التي انتشرت كالنار في الهشيم مما جعل رئاسة النيابة تصدر تعلميات جد صارمة في وجه كل من خولت له نفسه إثارة الفزع بين الناس، أو المساس بالنظام العام.لذلك قام  مسؤولو النيابات العامة بالبحث في مجموعة من الفيديوهات، التي انتشرت.

واستطاعت المصالح الأمنية بعدد من المدن توقيف مجموعة من ناشري هذه الأشرطة التضليلة بحيث تم توقيف سيدة نشرت شريطا صوتيا على منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل الفوري، تدعي فيه فرض حالة الطوارئ بمراكش ونشر فيالق من الجيش بسبب تفشي حالات مزعومة للإصابة بوباء كورونا المستجد بعدة مؤسسات سياحية، مع تحريضها المواطنات والمواطنين والأجانب على الإحجام عن زيارة المدينة التي اعتبرتها بؤرة لتفشي الوباء.وأخرى ظهرت في شريط فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل قناعا وآليات طبية للتنفس، مدعية بشكل تضليلي أنها تخضع للحجر الطبي بإحدى المؤسسات الاستشفائية بسبب مخالطتها لمواطنين مصابين بوباء كورونا المستجد، بكل من البيضاء والجديدة”.

والطامة الكبرى أننا كنا ننتظر من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي التفاعل مع التدابير الاحترازية و القرارات للحد من انتشار العدوى خرجت إحدى السيدات تدعى “مي نعيمة” وهي صاحبة قناة على موقع “يوتيوب” يوجد بها حوالي نصف مليون متابع، بشريط فيديو، تنفي فيه وجود وباء كورونا المستجد، وتحرض فيه على عدم تنفيذ توصيات الوقاية والقرارات الاحترازية التي أمرت بها السلطة العامة لتفادي انتشار العدوى؛ وهي “التصريحات الزائفة التي شكلت موضوع شكايات إلكترونية؛ تقدم بها عدد من المواطنين أمام النيابة العامة المختصة وأمام مصالح الشرطة القضائية”.

ان المجهودات التي تبدلها وسائل الإعلام الرسمية، والقطاع الوصي لاحتواء الشائعة ونبدها لا يمكن انكارها، إلا أنها غير ناجعة في مواجهة انتشار الشائعة التي تضر بنفسية الأفراد وتساهم في خلق الاضطراب بشكل كبير. يظل الأفراد الذين ليس لهم وعي بضرورة التأكد من المعلومة، معرضين بشكل خطير لتأثير هذه المعلومات الخاطئة على نفسيتهم وسلامتهم، بل إن المعلومات المنتشرة بشكل خاطئ يمكنها أن تساهم في ترهيب الأفراد الذين ليس لهم قدرة على التعامل مع وسائل التواصل.

 

المطلب الثاني: تجريم الشائعات الالكترونية 

تعتبر جريمة ترويج الشائعات الإلكترونية من الجرائم المستحدثة التي ارتبطت بتقنية المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات والتي تعرف من الناحية الفنية بأنها نشاط إجرامي تستخدم فيه تقنية الحاسب الآلي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة أو هدف لتنفيذ الفعل المقصود . كما تعرف بأها سلوك إيجابي أو سلبي يقترف بوسيلة معلوماتية لاعتداء على حق أو مصلحة يحميها القانون  . ومن هذه الجرائم جرائم النشر وترويج الشائعات الإلكترونية

 

سوف نتناول في هذا المطلب الأساس القانوني لتجريم الشائعات الالكترونية كفقرة أولى ثم في فقرة ثانية التطرق لعقوبة ترويج الشائعات الالكترونية.

 

 الفقرة الأولى:الأساس القانوني لتجريم الشائعات

 

ان أول ما تقتضيه قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وجود نص يجرم الفعل لكي يمكن اعتباره جريمة ، وهذا الوجود متحقق بالنسبة للشائعة ، ما يؤكد وجود ركنها القانوني في جزءه المتعلق بالنص ، إلا أن و جود النص لا يكفي لقيام الركن القانوني للجريمة بل لا بد أن يخلو الفعل من كل أسباب الإباحة الطارئة ، التي تعطل النص عن التطبيق . ويهدف التشريع الجنائي إلى تكييف كل فعل أو امتناع يشكل جريمة والى تحديد العقوبة المناسبة له على أساس تقدير موضوعي لمدى جسامة الأثر الضار لذي تخلفه الجريمة ، ولسلامة المعطيات المعنوية التي أحاطت بوقوعها لدى الفاعل . وهذا هو جوهر التجريم المتضمن في النص الذي يبدأ بتكييف الجريمة وتصويرها من خلال ركنيها المادي والمعنوي . لذا يتم تجريم الشائعة الإلكترونية لأسباب معينة يرجع فيها المشرع إلى عنصرين أساسيين : التأثير السلبي للإشاعة على الرأي العام أو تأثيرها على الحق الشخصي للفرد و تجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون . والرأي العام هنا يقصد به هو اتفاق وجهة نظر الناس تجاه موضوع ما ، طالما كانوا أعضاء في مجتمع واحد.

ولقد تم تجريم الشائعة لأسباب معينة يرجع فيها الشرع إلى عنصرين أساسيين : التأثير السلبي للإشاعة على الرأي العام و تجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون .

فالرأي العام هو اتفاق وجهة نظر الناس تجاه موضوع ما ، طالما كانوا أعضاء في مجتمع واحد ، وهذا المجتمع مكون بالطبع من محكومين وحاكمين يتأثرون كل على مستواه بمضمون الرأي العام . إن الرأي العام هو ” تبار ينتشر إذا ما حرك من عدد كبير من الناس ، فيحرك وجدانهم و يوجه قرارا غم و يقيد حرية حركة الحاكم ”  . و هكذا يلعب الرأي العام دورا جوهريا في توجيه مسيرة المجتمع ، فإذا كان هو نفسه موجها توجيها صحيحا فهذا يؤدي إلى أن يسير المجتمع في الطريق الصحيح لأن قراراته صحيحة و معبرة عن الإرادة الواعية للجماهير المكونة لهذا المجتمع . أما إذا كان الرأي العام يوجه و يستخدم بطريقة سيئة و مضللة تحت تأثير الشائعات فقد يؤدي ذلك إلى انحراف المجتمع ما ينجر عنه المساس بمصالحه الحيوية بما في ذلك أمنه واستقراره و حماية مصالح أفراده . على مستوى التوجيه تثير الشائعات الرأي العام و تقوده إلى مظاهر السلبية إذ أنها تعتبر الركيزة الأولى في توجيهه لأنه بإمكانها في مجموعها أن تخلق رأيا عاما لم يكن موجودا من قبل أو أن تغير اتجاه رأي كن موجودا من قبل .

ويظهر التأثير السلبي للشائعات على الرأي العام في أحداث كثيرة تمس الأمن والسلم و الإستقرار في المجتمع.

 

 

الفقرة الثانية : عقوبة ترويج الشائعات الالكترونية

 

تتناول التشريعات الجنائية الوطنية والدولية جريمة ترويج الشائعة الإلكترونية بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الجرائم الاخرى التي تهدد بالاعتداء على مصالح تلتزم الدولة بحمايتها . وتتأكد الحماية ويتم التشديد والصرامة في وضع وسائلها القانونية كلما تعلقت الحماية بالمصلحة العامة للبلد خصوصا فيما يتعلق بالجرائم التي تمس أمن الدولة مثل جرائم الشائعات.

ويعد التشريع المتعلق بالصحافة والنشر ، هو الإطار القانوني للأخبار الزائفة، ولو أنه لا يضع تعريفاً محدداً لها.

إن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، الصادر في 15 غشت 2016 بوأها المرتبة الثانية في باب العقوبات الخاصة بالأفعال الماسة بالنظام العام، وذلك بعد تحديد عقوبة الإساءة للدين الإسلامي أو النظام الملكي أو التحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة (الفقرة الأولى من المادة 71) وتحديد عقوبة التحريض المباشر على ارتكاب جناية أو جنحة أو التحريض على التمييز أو الكراهية بين الأشخاص (الفقرة الثانية من المادة71 ) وبذلك يعكس المشرع للمخاطبين بالقانون المدى الكبير لخطورة فعل أو الأفعال التي تشكل جنحة نشر “الأخبار الزائفة”.

وتبعاً لذلك، تنُصّ الفقرة الأولى من المادة 72 من من قانون الصحافة والنشر على أنه” يُعاقب بغرامة من 20.000 إلى 200.000 درهم كل من قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو ادعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس، بأية وسيلة من الوسائل ولاسيما بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة المكتوبات والمطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية وإما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم وإما بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية”.

يُلاحَظ أن المشرّع، ما دام يُشرع في باب الحقوق والحريات، فقد حرص على إحاطة الموضوع بصرامةٍ مُعتبرة ، فقد اشترط أربع شروط ليكون الخبر زائفاً.

اولا سوء النية وثانيا  أن تكون وقائعه غير صحيحة و أن تُخلّ بالنظام العام أو تُثير الفزع بين الناس ثم الشرط الرابع  العلانية.

وجدير بالذكر إلى أن عقوبة نشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف، من العقوبات المشدّدة في قانون الصحافة والنشر ، حيث في المستوى الأول تكون من 20.000 إلى من 200.000 درهم، وفي المستوى الثاني تكون أشد، إذا كان للنشر أو الإذاعة أو النقل تأثير على انضباط أو معنوية الجيوش أو كان فيه تحريض أو إشادة ببعض جرائم الحق العام، والتي حددتها الفقرة الثانية من المادة 72 على سبيل الحصر، حيث تكون العقوبة من 100.000 درهم إلى 500.000 درهم.

لكن ما دامت هذه المقتضيات جاء التنصيص عليها ضمن القانون88.13  وهو قانون خاص، والذي تبقى مقتضياته قاصرة على فئة الصحفيين والصحفيات والمؤسسات الصحفية حسب المادة الأولى منه، ومن ثم طرحت إشكالات واقعية حينما ترتكب هذه الأفعال من طرف رواد التواصل الاجتماعي أو على المواقع الإلكترونية باعتبارهم أشخاص عاديين .لكن سرعان ما تدارك الأمر المشرع  في ظل التحديات الراهنة للتكنولوجيا في المجال المعلوماتي من خلال إدخال تعديلات جديدة للقانون الجنائي في هذا الصدد لسد الفراغ التشريعي والتي تضمنها القانون 103.13 من خلال الفصول 1ـ447 و 2ـ447 و 3ـ447 وهي مقتضيات قامت بتجريم مجموعة من الأفعال  ذات الصلة بالمجال المعلوماتي الحديثة  ووسائل التواصل الاجتماعي والماسة بحرمة الحياة الخاصة بصفة عامة، وتدخل أيضا في هذا الصدد مقتضيات الفصل 2ـ 447  الذي عاقب كل من قام ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته دون موافقته أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد  المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم، إذ عاقب مرتكب الفعل من سنة واحدة إلى ثلاث  سنوات حبسا وغرامة من 2000 إلى 20.000 درهم، والمشرع هنا يرمي للتصدي لكل اعتداء على الحياة الخاصة بالوسائل الالكترونية والحد أيضا من التشهير، وتماشيا مع الظرفية الاستثنائية بالمغرب تدخل المشرع أيضا بإصدر مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 28 رجب  1441 الموافق 23 مارس 2020،  يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومن أجل التصدي لكل من خالف مقتضيات حالة الطوارئ الصحية ، وبالرجوع للمادة 4 منه التي تنص على أنه “يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية ، التقيد بالأوامر والقرارت الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه،يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ، ذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، ويعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طرق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه، وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارت المذكورة في هذه الفترة، بواسطة الخطب أو الصياح او التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع في الأماكن أو الإجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية، وهي مقتضيات تتماشى مع الظرفية الاستثنائية التي يعرفها المغرب .

 

خـــــــــاتـمـة:

ليس كل خبر صالحا لأن يتحول إلى شائعة بسهولة فهناك ظروف يلزم توافرها لكي يتحول الخبر إلى شائعة و لكي تنتشر هذه الأخيرة بين الناس . من ذلك إطلاق الشائعة في وقت الأزمات والاهتمامات المشتركة إذ يجب أن تكون هناك أزمة معينة تجعل الناس مهيئين لتقبل الشائعة مثل  هذه الظرفية التي نعشيها ألا وهي جائحة كورونا .

وفي ظل التقدم التكنلوجي المبهر استطاعت الشائعة الالكترونية أن يكون لها الصدارة في تحقيق النتائج الضارة والمرجوة من الشائعات الكاذبة التي تنتشر في أوساط المجتمع بأقل وقت وبأقل جهد لتعم قطاع جغرافي كبير لا يحكمه حدود زمانية ولا مكانية، وذلك فضل الفضاء الإلكتروني الذي يعد مسرحاً الشائعات الإلكترونية .

 

المراجع المعتمدة :

-محمد متولي الشعراوي،تفسير الشعراوي،ط1،القاهرة،دار أخبار اليوم ،2001م.

-معجم اللغة العربية المعاصرة،الدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر ،ج2.

-جعفر السادة،مجلة الواحة،العدد9 بتاريخ 2002/3/17م .

-أحمد مصطفى عمر،الشائعات والجريمة في عصر المعلومات، مجلة الأمن والقانون ، أكاديمية شرطة دبي،العدد3،المجلد 12،يوليوز 2004 .

-مصطفى محمود الجمل محمد،دور وسائل الحديث في نشر الشائعات ،كلية الحقوق جامعة طنطا2019

-طه أحمد طه متولي ،جرائم الشائعات و إجراءاتها ،ط2،د،، د ،ن ،1988

-ظهير شريف رقم 122.16.1  صادر في 6ذي القعدة 1437 ( 10أغسطس 2016 ) المتعلق بتنفيذ القانون رقم 13.88  المتعلق بالصحافة والنشر

-ظهير شريف رقم 19.18.1 صادر في 5جمادى الآخرى 1439(22 غشت 2018)

بتنفيذ القانون رقم 13.103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء

 

– www.hespress.com

www.marocdroit.com

www.2m.ma

-www.droitetentreprise.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى