في الواجهةمقالات قانونية

السند القانوني للحجر الصحي في القانون المغربي

السند القانوني للحجر الصحي

في القانون المغربي

قمرية قباب

    باحثة بسلك الدكتوراه     

كلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية –السويسي.

مقدمة:

شهد العالم أزمة صحية عالمية بتفشي فيروس كورونا كوفيد 19، ومن أجل حماية صحة الإنسان من هذا الوباء المعدي كانت  الوقاية منه حجر الزاوية في حصر المرض ومواجهة انتشاره. وفي ظل الأزمة الصحية الدولية منذ أواخر سنة 2019 وبداية سنة 2020بسبب تفشي الفيروس،كان الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية من أهم التدابير الصارمة  التي  تم اتخذتها في بلدان العالم من شرقها إلى غربها تمثلت في فرض الحجر الصحي كتدبير احترازي، الغاية منه الحفاظ على النظام الصحي العام من أجل  الحد من انتشار الوباء وتوفير بيئة صحية آمنة ، باعتبار أن  الحق في الصحة من الحقوق الأساسية للأفراد ومن المسؤوليات الملقاة على عاتق الدول.

أولا: السند القانوني للحجر الصحي في الدستور

عرفت منظمة الصحة العالمية الحجر الصحي بأنه تقييد أنشطة أشخاص ليسوا مرضى يشتبه في إصابتهم أو أمتعة أو حاويات أو وسائل نقل أو بضائع  يشتبه في إصابتها، و/أو فصل الأمتعة أو الحاويات أو وسائل النقل أو البضائع عن غيرها بطريقة تؤدي إلى الحيلولة دون إمكانية انتشار العدوى أو الثلوث[1].

وبذلك فإن الحجر فرضته الحكومات الدولية لمنع انتشار المرض وتفشي العدوى ، حيث تم فرض قيود صارمة تمثلت في تقييد حرية الأطراف بفعل حالة الطوارئ الصحية ، وقد يحدث هذا إشكالا يعتقد به المس بالحريات الأساسية للأفراد، لاسيما أن الدستور في الفصل 24 يضمن حرية التنقل عبر التراب الوطني و الاستقرار فيه و الخروج منه، و العودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون؛ إلا أنه تم تقييد هذا المقتضى  ومع جائحة كورونا، حيث تقلصت هذه الحريات بفعل حالة الاستثناء الناتجة عن حالة الطوارئ الصحية ، ذاك أن الدستور يضمن الحق في صحة الأفراد وضمان الحياة الآمنة وعدم تعرض صحة الإنسان للخطر وهو ما نص عليه الفصل 20 من الدستور الذي نص على أن:”الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق”وأضاف الفصل 21 من الدستور على أنه:”تضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني” كما يضمن الدستور طبقا للفصل 31 حق العناية الصحية، لكن بفعل وباء كورونا الذي يهدد البشرية تم الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية واتخاذ تدابير استثنائية  تتمثل في تطبيق الحجر الصحي ، وتقييد الحريات العامة والحقوق  من تجول أو سفر أوخروج من المنازل وذلك من أجل الحفاظ على سلامة الأفراد ، وهو ما جاء في أحكام المادة الأولى من المرسوم رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها التي نصت على أن :((يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص و سلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض ، والحد من انتشارها ، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها)).

فكانت حالة الطوارئ الصحية بمثابة تقييد الحريات لأهداف خاصة الغاية منها الحفاظ على سلامة المواطنين من أجل حماية الصحة العامة، فأصبح التنقل أو الخروج من المنازل لا يتم إلا في حالات خاصة للخروج من تبضع أو تنقل أو تطبيب وذلك طبقا للمرسوم رقم 2.20.293 في المادة 2 منه التي تحث على عدم مغادرة الأشخاص لمحل سكناهم  إلا في حالات الضرورة القصوى من عمل أو اقتناء السلع المعيشية أو الأدوية أو التنقل من أجل التطبيب. وبالتالي فإن مخالفة هذه المقتضيات التي جاء بها المرسوم تؤدي إلى إيقاع الجزاء على كل مخالف لها.

وقد يتم طرح إشكال هل حالة الطوارئ الصحية التي جاء بها المرسوم رقم 2.20.292 و المرسوم 2.20.293، هي حالة الحصار التي نص عليها الفصل 49 الذي جاء فيه:((إعلان حالة الحصار))و الفصل 74 من الدستور الذي نص على أنه: (( يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، و لا يمكن تمديد هذا الأجل))،  وهي من الاختصاصات الموكولة للملك، لأن الأمر لا يتعلق بتهديد  الأمن القومي للدولة  ولا يمس سيادتها باعتبار هذا الوباء يهدد الصحة العامة للأفراد ويتعلق بالنظام الصحي العام، وإن كانت حالة الطوارئ الصحية غير واردة بالنص الدستوري، كانت حالة الطوارئ الصحية بمثابة تأمين للصحة العمومية  المهددة  بخطر صحي بسبب انتشار وباء كورونا الدولي، بمعنى أن الأمر يتعلق بطارئ صحي دولي، أوجب  اتخاذ الحجر الصحي كتدبير للحد من خطورة المرض و انتشار العدوى بين الناس، من أجل  ضمان سلامة السكان وسلامة التراب الوطني كما هو منصوص عليه دستوريا في الفصل 21 من الدستور، فكان الحجر الصحي بمثابة تعليق  هذه الحقوق و الحريات المقررة في الدستور من أجل الحفاظ على النظام الصحي العام.

ثلنيا: السند القانوني للحجر الصحي في التشريع المغربي

جرت العادة أن النصوص التشريعية تنظم الظروف العادية وتكون ملزمة للأفراد  حيث يفرضها المشرع من أجل تنظيم المجتمع وتحديد الوضعية القانونية ، لكن في ظل الظرفية الصحية الاستثنائية جاء المرسوم رقم 2.20.292  يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والمرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالا الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيرويس كورونا كوفيد 19 ، تم من خلالهما  فرض حالة الطوارئ الصحية  كتدبير مؤقت أعلن عنها في 20 مارس إلى غاية 20أبريل 2020، ليتم تمديدها من 20أبريل إلى غاية 20 ماي بمقتضى المرسوم رقم 2.20.330. فكانت الغاية من هذه المراسيم وجود نظام قانوني لمواجهة طارئ صحي ما كان لتتم مواجهته بالتشريع العادي. الذي ينظم مختلف مناحي الحياة الاجتماعية  لكنه يعجز عن مواجهة هذا الخطر الصحي الجسيم  الدولي، فانتقل بذلك المغرب من الوضعية العادية التي ألفها المجتمع إلى وضعية استثنائية مؤقتة لمواجهة تفشي وباء كورونا من أجل الحفاظ على صحة الأفراد. وإن كانت  المراسيم المشار إليها أعلاه  لم تشر صراحة إلى مصطلح الحجر الصحي بل إلى حالة الطوارئ الصحية كتدبير تشريعي لمواجهة جائحة كورونا ، فإنه يجب التذكير أن مصطلح الحجر الصحي ليس بجديد في القانون المغربي، فقد تم التنصيص عليه في المرسوم الملكي رقم 554.65 [2]المتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض نص في فصله الأول في فقرته الأولى على أن: (( حالات الأمراض الجاري عليها الحجر الصحي والأمراض ذات الصبغة الاجتماعية والأمراض المعدية أو الوبائية الموضوعة قائمتها بقرار لوزير الصحة  العمومية، يجب التصريح بها على الفور من طرف أصحاب المهن الطبية الذين أثبتوا وجودها إلى كل من السلطة الإدارية المحلية و السلطة الطبية للعمالة أو الإقليم)). .

ومهما اختلف المصطلح من  حالة الطوارئ الصحية أو الحجر الصحي فالهدف منهما واحد من حيث المنع المؤقت لممارسة الأفراد لعاداتهم  وتقاليدهم الأخلاقية والدينية ، عن طريق فرض التباعد الاجتماعي، لمواجهة خطر جسيم يهدد السلامة الصحية للمواطنين، .

لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا إلى أي مدى تأثر  التشريع العادي وتضررت الحقوق والالتزامات بفعل جائحة كورونا؟

.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] -منظمة الصحة العالمية، اللوائح الصحية الدولية الطبعة الثالثة 2005، الصفحة 10.

[2] -مرسوم ملكي رقم 554.65بتاريخ 17 ربيع الأول 1387(26يونيو 1967) بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض الجريدة الرسمية عدد2853بتاريخ 20ربيع الأول 1387(5يوليوز1967) ص1484.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى