في الواجهةمقالات قانونية

المبادئ المنظمة لمرحلة إعداد و إبرام الصفقات العمومة

 

إعداد الطالب الباحث : إبراهيم المصلوحي، طالب باحث بسلك ماستر المالية العامة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية سطات

                                          

الموضوع : المبادئ المنظمة لمرحلة إعداد و إبرام الصفقات العمومة

خول القانون الإداري مجموعة من الآليات لتلبية حاجياتها، والتي تنصب على تسيير وتدبير المرافق العمومية. ومن بين هذه الآليات نجد العقود الإدارية، هذه الأخيرة تضطلع فيها الإدارة بمركز من القوة يختل معه التوازن العقدي المفترض بالمبادئ العامة للتعاقد.
وتعتبر الصفقات العمومية شكلا من أشكال العقود الإدارية التي تلجأ إليها الإدارية بغية تلبية حاجياتها وتدبير المرفق العمومي، حيث إن % 80 من حاجياتها يتم تدبيرها بواسطة إبرام المؤسسات العمومية والدولة صفقات عمومية هي في الأصل عقود إدارية تكون فيها الإدارة صاحبة السلطان والإرادة.

وبغية عقلنة وترشيد إبرام الصفقات العمومية، أصدرت مجموعة من النصوص والقرارات الوزارية التي حاولت جاهدة تقنين وتحديد محل الصفقات العمومية والقرارات الوزارية التي حاولت جاهدة تقنين وتحديد محل الصفقات العمومية انطلاقا من مرحلة التهيئ والإعداد مرورا بمرحلة التنفيذ، وعلى رأسها مرسوم 20 مارس 2013، إضافة لدفتر الشروط العامة لصفقات الأشغال الصادر  سنة 2016. وقد حدد هذان القانونان وخصوصا مرسوم 20 مارس 2013 مجموعة من المبادئ الواجب توظيفها واعتمادها في إبرام الصفقات. ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الموضوع في كون الغاية من الصفقات العمومية هي تحقيق مختلف حاجيات الإدارة من جهة ، والتأثير على مختلف القطاعات الاقتصادية التي تتعامل معها من جهة أخرى، وهو ما يفرض توجيه الاقتصاد الوطني والتعزيز من تنافسية على الصعيد الدولي، وذلك من خلال تبني استراتجيات دقيقة تهدف إلى ترسيخ الحكامة التي أصبحت وسيلة لممارسة السلطة العمومية ، من أجل تدبير سليم للشؤون العامة للبلاد، وهو ما فرض مبادئ أساسية من أجل إبرام الصفقات العمومية، ولعلى أبرزها ترسيخ مبادئ الشفافية، ووضع الآليات القانونية والإجراءاتية لضمان المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع المتنافسين، وكدا تخليق الحياة العامة عن طريق محاربة كل أنواع الممارسات المشينة التي من شأنها المس بمصداقية الإدارة و المتنافسين .

تأسيسا على ما سبق تتضح إشكالية الموضوع في ما مدى مساهمة المشرع المغربي في تأطير الصفقات العمومية على مستوى مرحلة إعداد وإبرام الصفقات العمومية بمجموعة المبادئ التي تحكمها ؟

وتتفرع من هذه الإشكالية الأسئلة التالية :

كيف أسس مرسوم الصفقات العمومية لمبادئ تحكم المجال ؟

ما هي المبادئ التي تؤطر مرحلة تهيئ وإبرام الصفقات العمومية ؟

المطلب الأول : مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية

المطلب الثاني : مبدأ الشفافية في إبرام الصفقات العمومية

المطلب الثالث : مبدأ ضمان المنافسة

 

 

 

المطلب الأول : مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية

يتخذ مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية أبعادا عدة، تختلف باختلاف زاوية النظر التي ينظر إليه منها، وقد برزت له عدة تجليات بمرسوم 20 مارس 2013 (الفقرة الأولى)، كما تم تقييده ببعض الاستثناءات التي عملت على الحد منه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : تجليات مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية

يعد مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية مبدأ أصيلا؛ والذي يجد أساسه بأحد مبادئ الدستور المغربي، وهو مبدأ حرية المبادرة، وذلك استنادا لمقتضيات الفصل 35 من الدستور، والذي نص على أنه: ” … تضمن الدولة حرية المبادرة…  “، وقد كرسه المشرع التنظيمي أيضا على مستوى المادة الأولى من مرسوم 2013، والتي جعلته أولى المبادئ التي يجب استحضارها إبان إعداد وإبرام الصفقات العمومية، حيث نصت هذه المادة على أنه”:  يخضع إبرام الصفقات العمومية للمبادئ التالية : – حرية الولوج إلى الطلبية العمومية.”…

ويقصد بمبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية أحقية مبادرة المقاولات إلى التنافس على الصفقات العمومية دون قيد أو شرط ، ويشير هذا المبدأ إلى إمكانية منافسة كل المقاولات وأخذ المبادرة إلى المشاركة في تدبير الشأن العمومي، حيث لا يتم فرض التعاقد على مقاولة دون أخرى وإن كانت للسلطة العامة منافذ في وضع شروط عامة صارمة تميز هذا النوع من التعاقد عن العقود العادية، فلا نجد لها منفذا في فرض الولوج إلى الطلبية العمومية على المقاولات، بل تبقى خاضعة لحرية المبادرة. وفي هذا الإطار؛ خول النص التنظيمي للإدارة إمكانية الإطلاع على رغبة الفاعلين الاقتصاديين في الولوج إلى الطلبية العمومية؛ وذلك عن طريق إبداء طلب بالاهتمام استنادا لمقتضيات المادة 15[1] من مرسوم 20 مارس 2013 ، بل أكثر من ذلك، فقد وضع النص التنظيمي مجموعة من الحوافز الإشراك الفاعلين الاقتصاديين في تدبير الصفقات العمومية، ومن ذلك تبسيطه للمساطر؛ إحداثه لبوابة الصفقات العمومية؛ تخصيصه نسبة %30 من المبالغ المتوقعة للصفقات العمومية بكل إدارة لصالح المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة وفقا لما جاء في المادة 156،[2] وقد صدر قرار وزاري لوزير المالية[3] يشترط لاستفادة مقاولة معينة من ذلك أن تكون مستوفية لشروط الميثاق الوطني للمقاولات الصغرى والمتوسطة استنادا للقانون رقم 53.00[4] . لكن بالرغم من هذه الحوافز وتبني المشرع لهذا المبدأ، نلاحظ أن المرسوم وضع حدودا واضحة المعالم له، فما هي أبرز هذه الاستثناءات؟

الفقرة الثانية: استثناءات مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية.

کرس مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013  مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية، سيرا على نهج مرسوم  2007  . لكن بالتمعن في مقتضيات مرسوم 2007، تتضح جليا معالم الاستثناءات التي وضعت لهذا المبدأ؛ حيث إذا كان الأصل هو حرية الفاعل الاقتصادي في ولوج وكسب رهان المشاركة في الصفقات العمومية، فأحيانا نجد النص يمنع أو بالأحرى يقيد هذه الحرية، ويجعل الإدارة حرة في اختيار شريكها في تدبير المرفق العمومي، ومن قبيل ذلك الصفقات التفاوضية؛ فإجراءات إبرام صفقة عمومية بهذه الطريقة تمنع إرساء مبدأ حرية الولوج إلى الصفقات العمومية، حيث أنه واستنادا إلى مقتضيات المادة 84  من مرسوم 2013، يتم إبرام الصفقات العمومية بواسطة هذه المكنة القانونية؛ بعد إجراء تفاوض بين الإدارة ومتنافس أو أكثر، دون أن يحدد النص كيفية تحديد و اختیار المتفاوض، أي أن النص منح السلطة التقديرية في اختيار المتفاوض دون أن يراعي مبدأ الحرية، بل أحقية الفاعلين الاقتصاديين في الحصول على حقهم بمعرفة أنواع الصفقات والأعمال التي تقبل عليها الإدارة، وهذا ما كرسته المادة 86 إبان تحديدها لحالات اللجوء إلى الصفقات التفاوضية، خاصة في بندها الثاني الذي حدد ومنح للإدارة إمكانية إبرام صفقات دون إشهار، أي إطلاع الفاعلين الاقتصاديين على وجود صفقات ستبرم، وقد حدد هذا البند مبررات هذا الإبرام والأعمال التي تكون موضوعا له[5]؛ لكن هذه الأسباب قد يتخللها نوع من الخلل و اللا منطق؛ ومن ذلك ما تم التنصيص عليه: ” بالأعمال التي

يمكن ن يعده بإنجازها إلا لصاحب أعمال معين اعتبارا لضرورات تقنية أو لصبغتها المعقدة التي تستلزم خبرة خاصة”؛ وبالنظر إلى مضمون هذه الفقرة، نسجل تحفظا يؤسس على أن جل القطاعات والخبرات قد تم استيفاؤها من قبل الكفاءات المغربية، وأن هناك تنافسا شديدا على تعزيز الكفاءات والخبرات بالمغرب، الشيء الذي يطرح سؤالا حول ما هي الخبرات والكفاءات التي تشهد شحا وتخول للإدارة المساس بمبدأ دستوري ومبدأ مكرس صراحة بنفس النص المنصوص عليه بمرسوم سنة 2013.

المطلب الثاني : مبدأ الشفافية في إبرام الصفقات العمومية

تعتبر الشفافية في تدبير المرافق العمومية مقتضی دستوريا نص عليه الفصل 154 من الدستور، وتبنته مجموعة من النصوص المنظمة لتدبير حاجيات الإدارة وتسيير المرافق العمومية، وعلى نفس النهج سار النص التنظيمي في تكريس هذا المبدأ في مادته الأولى، كما أبرز تجلياته في عدة محطات على مستوى نفس النص. ويستوجب تعدد استعمال مفهوم الشفافية في تدبير الشأن العمومي الوقوف على ضبط هذا المفهوم ومعالمه (الفقرة الأولى)، كما يقتضي تمحيص تجلياته بمرسوم سنة 2013 (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مفهوم الشفافية في إبرام الصفقات العمومية

يقصد بالشفافية نهج وإتباع الإدارة الوضوح التام والعلنية المطلقة في كل ما تقوم به وهي تعمل على تدبير المرفق العمومي وحسن تسييره وترشيده، ويضيف بعض الفقه[6] أن الشفافية خلاف للسر الإداري الذي يؤسس لحفظ البيانات والمعلومات التي تهم النشاط الإداري، لكن السؤال المطروح هو أسيظل هذا الرأي مستقرا في ظل دخول قانون الحق في الحصول على المعلومة حيز التنفيذ، والذي نجده قد وسع من نطاق المعلومات التي يحق للمواطنين الاطلاع عليها.

وترمي الشفافية في إبرام الصفقات العمومية[7] حرية الولوج إلى المعلومات والوثائق الإدارية، وكذا قواعد اشتغال وتدبير الصفقات العمومية، وبالنظر إلى هذا التعريف نظن أنه يتقاطع من مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية، ولكنه فقط يوسع من نطاقه، حيث أنه إذا كانت حرية الولوج إلى الصفقات العمومية تستهدف الفاعلين الاقتصاديين، فإن مفهوم الشفافية في إبرام الصفقات العمومية يستهدف كل المواطنين والمهتمين بالشأن العام، وعليه فالشفافية في مفهومها العام أكثر انسجاما مع الغاية من إقرار هذا المبدأ في مرسوم الصفقات العمومية، كما أن الشفافية في معناها الدقيق المتناسب مع المرسوم، هو تمكين كل المهتمين بالشأن العام من الاطلاع على دواليب وحيثيات إبرام الصفقات العمومية، من خلال نهج الإدارة الوضوح والعلنية والتأمين في جميع مراحل تدبير الصفقات العمومية، انطلاقا من تحديد المشروع كحاجة من حاجيات الإدارة إلى حين المصادقة على التسلم وإصدار التقارير النهائية .
ولاستجلاء مبدأ الشفافية في الصفقات العمومية، وضع المشرع مجموعة من التدابير والإجراءات والضوابط القانونية التي توضحه بشكل جيد.

الفقرة الثانية : تجليات مبدأ الشفافية في مرسوم الصفقات العمومية 

حاول النص التنظيمي تأطير مبدأ الشفافية في إبرام الصفقات العمومية عبر اعتماد مجموعة من الضوابط؛ وذلك كنشر البرامج التوقعية استنادا لمقتضيات المادة 14 من مرسوم 2013، حيث أن عملية نشر البرامج التوقعية تكرس شفافية تدبير الحاجيات العمومية؛ فهي تمكن كل الأفراد والأشخاص من الإطلاع على توجهات الإدارة، وقد حددت المادة أعلاه كيفية نشر البرامج التوقعية، وذلك بداية كل سنة مالية قبل متم 3 أشهر الأولى على أبعد تقدير، ويتم النشر في جريدة ذات توزیع وطني على الأقل وفي بوابة الصفقات العمومية، وقد وسع النص مجال نشر هذه البرامج بأن سمح للإدارة بالنشر في أي وسيلة أخرى تجدها مناسبة، وخاصة الوسائل الإلكترونية. كما أعطى النص مكنة قانونية لتعديل البرامج التوقعية وذلك بنشر برامج توقعية تعديلية تكميلية، وقد حدد نفس النص مضمون هذه البرامج التوقعية، من ذلك موضوع الصفقة طبيعة العمل ومكان التنفيذ وطريقة الإبرام المزمع اعتمادها.

لكن المؤاخذ على نص المادة 14 من مرسوم 20 مارس 2013 هو عدم إقرانها لخرق هذه المقتضيات وتجاهلها بأي جزاء يذكر، وعلى الرغم من ذلك، فنشر البرامج التوقعية يعتبر مكنة قانونية تدعم وتقوي مبدأ الشفافية، حيث يسهم في الكشف عن نية الإدارة في توخي مبدأ الشفافية في إبرام صفقاتها، كما يسهم في تمكين المواطنين من تتبع إنجاز المشاريع التي تبنتها الإدارة[8]. ويمكن المقاولات هي الأخرى من الاطلاع على نوع الصفقات المزمع إجرائها من قبل الإدارة.

إلى جانب نشر البرامج التوقعية كصورة من صور تكريس الشفافية في إبرام الصفقات العمومية، أحدث النص التنظيمي لسنة 2007 بوابة الصفقات العمومية[9] التي ترمي من خلالها السلطة التنظيمية إلى تنزيل مجموعة من المبادئ، منها ضمان الشفافية وحتى ضمان التنافس النزيه، ويمكن تصنيف دور بوابة الصفقات العمومية في إطار تكريسها المبدأ الشفافية إلى دور إخباري؛ حيث تمكن من الإطلاع على واقع ومصير الطلبيات العمومية، ودور تنظيمي؛ فهي ترمي إلى ضبط وتنظيم عمليات تدبير الصفقات العمومية والرفع من جودتها عن طريق تجريد المساطر من الصفة المادية، وهو التوجه الذي يجعل الشفافية في أوجها.

وبالعودة لمقتضيات مرسوم 2007، نجد النص التنظيمي عهد تسيير بوابة الصفقات العمومية إلى الخزينة العامة للملكة، استنادا إلى مقتضيات المادة 147 منه وذلك لضمان الحياد والاستقلال والتتبع التقني للمسطرة والإجراءات. وقد حددت نفس المادة مجموع الوثائق التي يستوجب نشرها ومن ذلك : النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة للصفقات العمومية؛ البرامج التوقعية للمشتريات وتحيينها عند الاقتضاء؛ إعلانات الإشهار المتعلقة بما يلي: ” طلبات العروض المفتوحة، طلبات العروض بالانتقاء المسبق، المباريات، والمساطر التفاوضية…”.
وعموما، فبوابة الصفقات العمومية تدخل في رقمنة عمل الإدارة والسعي إلى حسن تدبيرها.

وفي نفس السياق الرامي لرقمنة عمليات تدبير الصفقات العمومية وتدعيم الشفافية وتبسيط المساطر والارتقاء بالتدبير الإلكتروني للفاعل الاقتصادي، نجد آلية التعهد الالكترونية[10]، والتي تتم عبر فتح الأظرفة وتقييم العروض المودعة بطريقة الكترونية من طرف المتنافسين وفق ما يتم في إطار المسطرة العادية التي تنظمها المواد من 36 إلى 45 بقرار وزير المالية المتعلق بتجريد الصفقات العمومية من الصفة المادية[11].
إضافة لما سبق، تعتبر عملية الإعلان عن الصفقة بحد ذاتها إجراءا وتدبيرا لضمان الشفافية وتكريسها[12]، حيث ألزم النص التشريعي الإعلان عن الصفقات العمومية عبر كل الوسائط والوسائل التي تحقق أكبر إعلان وأوسع إخبار للمواطنين والفاعلين، وذلك عبر الوسائل العادية والالكترونية، حيت يتم نشر الإعلان حسب مقتضيات المادة 20[13] في بوابة الصفقات العمومية السابقة الذكر وجريدتين توزعان على الصعيد الوطني على الأقل يختارهما صاحب المشروع، تكون إحداهما باللغة العربية والأخرى بلغة أجنبية داخل أجل 21 يوما قبل تاريخ فتح الأظرفة، ويؤخذ على نشر الإعلان عن الصفقة أنه عام لا يأخذ بعين الاعتبار قيمة الصفقة ولا طبيعتها التقنية والفنية خلافا لما عليه الأمر بالنسبة لمدونة الصفقات العمومية الفرنسية التي وضعت شكليات معينة تتناسب وقيمة الصفقة المزمع عقدها[14].

وتعد جلسات فحص العروض بدورها إجراءا لتكريس شفافية الصفقات العمومية، حيث يمكن لكل من يهمه الأمر أن يحضر هذه الجلسات، فهي علنية[15] يحضرها المتنافسون الذين تقدموا بعروضهم، وكذا ممثلوا الإدارة المبرمة للصفقة الذين عهد إليهم بمهمة تقييم العروض، وكذا كل شخص يود متابعة عملية فحص العروض والتأكد من شفافية إبرام الصفقة، وفي سبيل ترسيخ أكبر للشفافية يتم تحرير محضر للجلسة تسجل فيه الظروف التي مرت بها عملية فحص العروض والنتائج المتوصل إليها، كما يبين أسباب إقصاء المتعهدين المبعدين.

وفي إطار ترسيخ أكثر للشفافية والعلنية يتم نشر مستخرج من المحضر السابق الذكر بمقرات الإدارة المبرمة للصفقة وبوابة الصفقات العمومية خلال الأربعة وعشرين ساعة الموالية لتاريخ انتهاء أشغال اللجنة، وذلك لمدة 15 يوما كاملة على الأقل، طبقا لمقتضيات المادة 43 من مرسوم 2013.

وتؤسس تقارير المراقبة والتدقيق المنظمة في المادة 165 من المرسوم الشفافية وعلنية مراقبة الصفقات العمومية وتدبيرها بالرغم من الانتقادات[16] الموجهة لهذه المادة، حيث أنه في فقرتها الأخيرة تنص على نشر ملخص لهذه التقارير المتعلقة بالمراقبة والتدقيق في بوابة الصفقات العمومية، وهو نفس المقتضى المنصوص عليه في المادة 142 المنظمة للمراقبة والتدقيق في الباب السادس المتعلق بصفقات الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات من المرسوم، والتي تنص على أنه “ينشر وزير الداخلية ملخصا لتقارير المراقبة والتدقيق المشار إليها أعلاه في بوابة الصفقات العمومية.”.

المطلب الثالث : مبدأ ضمان المنافسة

تنص المادة الأولى من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013 على أنه: ” يخضع إبرام الصفقات العمومية للمبادئ التالية : حرية الولوج إلى الطلبية العمومية المساواة في التعامل مع المتنافسين بضمان حقوق المتنافسين …”.

انطلاقا من مقتضيات هذه المادة، نلاحظ أن المشرع المغربي قد عزز مبدأ ضمان المساواة؛ حيث أنه بعدما كان على مستوى مرسوم 5 فبراير 2007 يضمن فقط حماية المساواة في التعامل مع المتنافسين، أصبح الآن ينص على ركيزتين لضمان المنافسة، فقد حافظ على ركيزة المساواة في التعامل مع المتنافسين (الفقرة الأولى)، وعزز المبدأ بضمانه

الحقوق المتنافسين (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ضمان المساواة في التعامل مع المتنافسين

نص مرسوم 5 فبراير 2007 في مادته الأولى على أنه: “يجب أن يستجيب إبرام صفقات الدولة لمبادئ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية والمساواة في التعامل مع المتنافسين والشفافية في اختيار صاحب المشروع.” وبالنظر إلى مقتضيات هذه المادة، يتضح أن ركيزة المساواة في التعامل مع المتنافسين واحدة من المبادئ الأصيلة حتى قبل صدور مرسوم سنة 2013. ويعتبر هذا المبدأ مبدأ مستقلا قائم الذات يهدف إلى الحفاظ على المساواة بين المتنافسين وضمان مبدأ التنافس ككل.

ويقصد بضمان المساواة في التعامل مع المتنافسين جعل كل المتنافسين وكل الفاعلين الاقتصاديين الراغبين بولوج الطلبية العمومية خاضعين لنفس الضوابط والشروط [17] أي تحقيق المساواة في ظل الخضوع لكل الضوابط القانونية ما عدا إذا تعلق الأمر ببعض الاستثناءات الضيقة والتي سنعمل على إبرازها.

وتتجلى المساواة في التعامل مع المتنافسين في تنزيل مجموعة من الإجراءات المنظمة الإعداد وإبرام الصفقات العمومية، ومن ذلك دفاتر التحملات بالدخول في الطلبية العمومية و إرساء صفقة معينة على مقاول معين تجعله خاضعا لدفاتر التحملات، فالمتنافس و المقاول يكون على بينة و علم مسبق أنه بمجرد ما أن يتم المصادقة على الصفقة يكون ملزما ومقيدا بدفاتر تحملات، وعليه فكل المتنافسين يكونون متساويين في ضوابط تنفيذ الصفقة عندما ترسي على أحدهم، فهم على قدم المساواة؛ و يقع الاختلاف فقط في أن هذه الدفاتر تصنف إلى دفاتر شروط إدارية عامة؛ دفاتر شروط مشتركة ودفاتر شروط خاصة. هذان الأخيران يختلفان من صفقة إلى أخرى وضمن نفس الصفقة باختلاف المقاول أو المتنافس.

وخلافا لذلك، فتكريس المساواة في التعامل مع المتنافسين تظهر في أوجها وفي قمتها على مستوى دفتر الشروط الإدارية العامة، حيث يعتبر هذا الدفتر بمثابة الشريعة العامة للشروط الإدارية التي تخضع لها كل الصفقات العمومية دون استثناء. مع مراعاة طبيعة الصفقة، أهي صفقة أشغال أم صفقة توريدات أو خدمات، وتنص المادة 13 من مرسوم 2013 في هذا الصدد على أنه: “…تحدد دفاتر الشروط الإدارية العامة المقتضيات الإدارية التي تطبق على جميع صفقات الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو على صنف معين من هذه الصفقات، وتتم المصادقة على هذه الدفاتر بمرسوم…”
وقد صدر سنة 2016 مرسوم يحدد دفتر الشروط الإدارية العامة المتعلقة بصفقات الأشغال في انتظار صدور دفتر الشروط الإدارية العامة المتعلقة بصفات التوريدات والخدمات استكمالا للضوابط التنظيمية للصفقات العمومية.

أما في ما يتعلق بدفاتر الشروط المشتركة، فهي كذلك تقرر المساواة في حدود معينة،

حيث تنص نفس المادة (13) على أنه: ” تحدد دفاتر الشروط المشتركة بالأساس المقتضيات التقنية التي تطبق على جميع الصفقات المتعلقة بنفس الصنف من الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو بجميع الصفقات التي يبرمها نفس القطاع الوزاري أو نفس المصلحة المتخصصة أو نفس المؤسسة العمومية “.
وعليه، فهذه الدفاتر تعمل على خلق المساواة في المقتضيات التقنية بالنسبة لجميع الصفقات المتعلقة بنفس النوع – الصنف حسب منطوق المادة، أو الصفقات التي يتم إبرامها في نفس القطاع الوزاري أو نفس المصلحة المتخصصة أو نفس المؤسسة العمومية.

وتعد كذلك عمليات النشر والإعلان المصاحبة لإعداد الصفقات العمومية تكريسا للمساواة في إطلاع المتنافسين على وجود صفقات ستبرم، وحيث لا يمكن مبدئيا التحيز إلى مقاول معين ودعوته إلى التعاقد دون سلوك مجموعة من الإجراءات والعمليات التي تحقق الشفافية والعلنية كما تحقق المساواة في إخبار وإطلاع المتنافسين على الصفقة.

ومن جهة أخرى، يعد نظام الرقمنة ونزع الصفة المادية كما هو منظم في الباب السابع المتعلق بتجريد المساطر من الصفة المادية مساهما في تحقيق المساواة في الإبرام وفي التعامل مع جميع المتنافسين. وبالرغم من النقائص التي يعاني منها هذا المقتضى إلا أنه يلغي صفة المتنافس ولا ينظر إلى شخصه وإلى عرضه المقدم، وهذا يضمن فعالية وجوده في الأداء والنتائج. حيث أن مختلف الإجراءات التي تتم بطريقة عادية تقليدية عمل المشرع على مستوى هذا الباب على نقلها من الدعامات الورقية وعمليات الافتحاص المباشر إلى الدعامة الالكترونية والافتحاص الإلكتروني غير المباشر بالرغم من قصور تحديد كيفية سير هذه الإجراءات، وهذا ما يأخذ على هذه العملية وخاصة افتحاص الأظرفة والعروض، حيث تنص المادة 149 على تقييم وفتح الأظرفة المودعة بطريقة إلكترونية، لكنها تحيل على مقتضيات المواد من 30 إلى 45، أي أنها لم تحدد الضوابط الخاصة بهذه العملية التقنية، بل أكثر من ذلك أحالت المادة وأناطت بوزير المالية إصدار قرار يحدد هذه الكيفيات وشروط فتح الأظرفة وتقسيم عروض المتنافس بطريقة إلكترونية، لكن بالرغم من ذلك فهذه العملية تعتبر أكبر ضامن للمساواة بين المتنافسين[18].

الفقرة الثانية : ضمان حقوق المتنافسين

تعد ركيزة ضمان حقوق المتنافسين جزءا من مبدأ المنافسة، كما تعد من بين المستجدات التي جاء بها مرسوم 2013، وكما سبق الذكر، فإن مبدأ ضمان المنافسة في تدبير الصفقات العمومية كان يشار إليه سابقا بصياغة أخرى، والتي هي جزء فقط من المبدأ الشامل الواسع، وكان يتم تحميل ضمان المساواة في التعامل مع المتنافسين مفهوما ومعنی أوسع وشامل.

ويقصد بضمان حقوق المتنافسين أن يتم تحديد ما يجب أن يتم به المتنافسين من ضمانات قانونية تحقق لهم المصلحة والمنفعة في حدها الأفقي , وقد تم تحديد مجموعة من الضمانات على مستوى المرسوم والنصوص الأخرى التنظيمية المنظمة الصفقات العمومية تحدد حقوق المتنافسين على مستوى عمليتين الأعداد والإبرام .

وقبل الخوض في هذه الضمانات الخاصة يفترض استحضار الضمانات العامة، انطلاقا من النص الدستوري الذي يضمن حق المبادرة وحرية المنافسة فهذا الضمان لا يجب ولا ينبغي المساس به بأي وجه كان وإلا كان الأمر خرقا دستوري كما سطر لذلك في المطلب الأول.

إلى جانب هذا المقتضى الدستوري، نجد حقا عاما آخر يمس ويساعد في تحقيق ضمان حقوق المتنافسين، وهو الحق في الحصول على المعلومة، هذا المكتب الأخر يعتبر أحدث المستجدات في الساحة القانونية بمقتضى قانون رقم 31.13[19]، حيت نص في مادته الأولى على أنه :”طبقا لمقتضيات الدستور، ولاسيما الفصل 27 منه، يحدد هذا القانون مجال تطبيق الحق في الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المتخصصة بمهام المرفق العام، وكذا شروط وكيفية ممارسته”.

وبالتالي، فمنطوق هذه المادة يدخل تدبير الصفقات العمومية واطلاع جميع المهتمين بالشأن العمومي بدواليب إبرامها وما من ذلك المتنافسين المرتقبين، حيث يلزم أن يطلعوا بكل ما يهم الصفقة المراد إبرامها والمراحل التي ستمر منها وهذا حق عام، وخصص كذلك بضوابط خاصة على مستوى المرسوم، لكن قبل توضيح هذا الحق على مستوى المرسوم نشير إلى أن المادة 10 من قانون 31. 13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة تلزم الإدارة بنشر البرامج التوقعية للصفقات العمومية و حائزها ومبالغها .

وإذا قلنا سابقا بأن عمليات النشر والإعلان تجعل جميع المتنافسين على قدم المساواة في الاطلاع على وجود صفقات عمومية تبرم، فإنها على الأساس تعد حقا لهم حيث أنها تنزل حق الفاعل الاقتصادي في الاطلاع والحصول على مستجدات الاقتصاد والتدبير العمومي.

وفي نفس الإطار المتعلق بالاطلاع والحصول على المعلومات الكافية حول الصفقة، نص المرسوم في المواد 19 و67 و 49 والمادة 99 على وجوب إعداد الإدارة المعنية بالأمر ملف الصفقة بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بطلب العروض، أو مباراة أو استشارة معمارية، وقد حددت هذه المواد مجموعة من الوثائق التي قد يحتاجها المتنافس في الإحاطة بالصفقة، وقد ألزم النص التنظيمي إعداد هذا الملف قبل نشر الإعلان عن الصفقة، وأن توضع رهن إشارة المتنافسين بمجرد صدور أول إعلان ، كما مكن المتنافسين من تحميل ملفات الصفقة من بوابة الصفقات العمومية.

وقد جعل النص تسلم هذه الملفات مجانية من حيث المبدأ كما مكن المتنافس الذي لم يستلم الملف في اليوم المحدد أن يلجأ إلى السلطة التي يخضع لها صاحب المشروع، وتبحث هذه السلطة في صحة الشكاية وإذا تبين صحتها تأمر صاحب المشروع بتسليم الملف له، أي المشتكي، وتأجيل فتح الاظرفة لمدة تمكن المشتكي من التوفر على المدة القانونية المطلوبة

لأجل نشر الإعلان، كما ألزم النص إبلاغ كل المتنافسين بمختلف التعديلات التي تلحق الملف.

خول مرسوم 2013 المتنافسين الحق في طلب تعديل الأجل المقرر لإيداع العروض وفتح الاظرفة وذلك بواسطة مراسلة محمولة مع الإشعار بالتوصل، أو بواسطة رسالة إلكترونية تؤكد تأجيل تاریخ جلسة فتح الأظرفة، في المقابل يجب أن تتضمن رسالة المتنافس كل العناصر التي تمكن صاحب المشروع من تقديم طلب التأجيل.

يمكن لكل متنافس بقوة النص التنظيمي وصریح نصوصه أن يتقدم ويطلب من صاحب المشروع بواسطة مراسلة أو رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو فاكس مؤكد أو بالطريقة الإلكترونية مختلف التوضيحات أو المعلومات التي تتعلق بالصفقة والوثائق المرتبطة بها، ويتعين على صاحب المشروع الإجابة وإبلاغ باقي المتنافسين بمضمون التوضيح والإجابة المكررة من قبل صاحب المشروع حتى لا يتضمن الأمر نوعا من المحاباة وخرق المساواة في التعامل والاطلاع بين المتنافسين.

قرر النص التنظيمي حق رفع الضرر لكل من أصابه ضرر، وحتى في التنافس على الطلبية العمومية؛ فيمكن المتنافسين من رفع شکایات وطعون تهم المساس بضوابط التنافس، وقد قرر لطرق تنزيل الحق في تقديم طعن أو شكاية الباب الحادي عشر، حيث أجازت المادة 169 من المرسوم لكل متنافس أن يوجه شكايته كتابة إلى صاحب المشروع إذا تم خرق قواعد مسطرة إبرام الصفقات المنصوص عليها في مرسوم 2013 ، حالة وضع بنود تمييزية أو شروط غير متناسبة مع وضع الصفقة في ملف طلب المنافسة. ويجب في هذه الحالة أن تقدم الشكاية من المتنافس بصفة شخصية ابتداء من تاريخ نشر الدعوة إلى المنافسة وإلى غاية اليوم الخامس بعد لصق نتائج الدعوة إلى المنافسة.

ويجب في حالة المنازعة في أسباب إقصاء عرض من طرف لجنة العروض أن يقدم

المتنافس شکایته داخل اجل خمسة 5 أيام تحسب من تاريخ تسلم الرسالة المضمونة المشار إليها في المواد 44 و 82 و 61 و110 و127 من المرسوم. ويلزم صاحب المشروع بتقديم الجواب على الشكاية داخل أجل 5 أيام من تاريخ تسلم الشكاية .وقد مكن النص التنظيمي المشتكي في حالة عدم اقتناعه بالجواب المرسل إليه من قبل صاحب المشروع أن يتقدم بشكاية أخرى إلى الوزير المعني بصفقات الدولة أو وزير الداخلية بالنسبة لصفقات الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات داخل أجل 5 أيام من التوصل بإجابة صاحب المشروع. وقد حدد نص المادة 169 مكنا أخرى تساعد في تنزيل الحق في رفع الضرر بواسطة الشكايات التي تدخل في إطار المسطرة الإدارية لفض منازعات الصفقات العمومية وإلى جانب الشكاية المرفوعة إلى الجهات المعنية بالمشروع، يمكن توجيه الشكاية إلى لجنة الصفقات بطريقة مباشرة وفقا لما تنص عليه المادة 170، ويجب أن تكون الشكاية مفصلة وفقا للآجال والأسباب المذكورة[20].

 

 

 

 

 

 

خاتمة :

 

يقع تدبير الصفقات العمومية على عاتق الدولة بمؤسساتها، في إطار تحقيق الصالح العام والحفاظ على ديمومة المرفق العام، وبالنظر إلى حقيقة الصفقات العمومية، يتضح أنها وسيلة لصرف المال العام وتلبية حاجيات الإدارة لتحقيق النفع العام. وعادة ما تهدف الدول إلى حسن صرف المال العام وتحقيق أفضل توجيه له، وهذا لن يتأتى إلا بضبط تدبير الصفقات وفقا لضوابط قانونية واضحة ومحددة. وفي هذا الصدد جاءت مجموعة من المراسيم والنصوص المتممة له من مناشير وقرارات وزارية، منها مرسوم 2013 الذي حدد مجموعة من الضوابط القانونية لحسن تدبير الصفقات العمومية، ووضع على رأسها مبادئ تعد الإطار العام الذي يجمع هذه الضوابط وذلك لتحقيق الفعالية في الطلبيات العمومية، حسب ما نصت عليه المادة الأولى من المرسوم، فمن شأن هذه المبادئ أن تمكن من تأمين الفعالية في الطلبية العمومية وحسن استعمال المال العام.

لكن التساؤل المثار هو هل فعلا حققت الفعالية بموجب هذه المبادئ المكرسة في المادة الأولى والمنزلة في نص مرسوم 2013 و غيره من النصوص الأخرى المرتبطة بالصفقات العمومية.

من خلال هذا الموضوع تم الوقوف على مجموعة من الاختلالات في تنزيل هذه المبادئ المكرسة في المادة الأولى، من ذلك عدم توضیح ملامح مبدأ حرية الولوج إلى الطلبية العمومية، حيث قصر مرسوم الصفقات العمومية في توضيح معالم هذا المبدأ مما فتح المجال في وضع تأويلات عديدة قد تتباعد وتتنافى مع مراد النص.

أما بالنسبة لمبدأ الشفافية، فيؤخذ على نص المرسوم وضع حدود معينة لتنزيل هذا المبدأ بالرغم من الإجراءات الفعالة لتحقيق الشفافية والوضوح، لكن يجب توضيح معالم الشفافية المقصودة في مرسوم الصفقات العمومية.

فما يعاب على مساطر الصفقات العمومية أنها لازالت معقدة ومكلفة للمقاولة وتطبعها في عدة أحيان ممارسات هامشية.

أما فيما يخص تنزيل مقتضيات الحكامة فإن المرسوم حاول الإحاطة بضوابط تثبيت وتحقيق الفعالية والنجاعة وأغفل ضرورة ربط هذه المقتضيات بجزاءات وبدائل لتجاوز كل ما من شأنه عرقلة وإضعاف الضمانات التنظيمية لحسن تدبير الصفقات العمومية .

وقد أخذت المادة الأولى بهاجس البيئة والتنمية المستدامة كمبادئ وأهداف متوخاة ومرغوب في المحافظة عليها والوقوف عليها بالرغم من النقائص التي تعتري هذا الاستحضار، و بالموازاة مع حسنة الاستحضار والنص على ضرورة تقييد تنفيذ الصفقات بمعايير التنمية المستدامة والمحافظة على البيئة، فإن ضرورات البحث تستلزم التصريح بضعف التنظيم والتنزيل لهذه الضوابط وعدم ترتيب النتائج المتوخاة من هذا التنصيص، وقد يعزى الأمر إلى حداثة تبني المشرع لهذه الخيارات، فهي من أبرز المستجدات التي جاء بها مرسوم 2013، فالمادة الأولى من مرسوم 2007 لم تكن تفترض احترام التنمية المستدامة وأهدافها، كما لم تكن تعيير بالا لمستلزمات البيئة والمحافظة عليها.

إن مرسوم 2013 كباقي المراسيم السابقة وضع مبادئ عامة تؤطر عمليات إعداد إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية، وإن كان مرسوم 2013 قد عزز هذه المبادئ بالمقارنة مع كان عليه الحال في المراسيم السابقة، إلا أن كل هذه المراسيم أغفلت الحث على ضرورة اختيار العروض الملائمة للإدارة و المحققة لنجاعة وفعالية صرف المال العمومي، فإن استحضار كل المبادئ الواردة والمنصوص عليها في المادة الأولى لا يحقق التدبير السليم والفعال للشأن العمومي. فالأمر لا يخلو إلا من تحديد إطار عام لواجبات الإدارة وحقوق للمتنافسين وحقوق للمواطنين تكفل لهم الإطلاع، لذلك نفترض ضرورة تعزيز وإقرار الضمانات التنظيمية والقانونية لإرساء دعائم حسن إخراج المال العمومي وتدبير الشأن العام في شكل مبدأ أو مبادئ تدعم مقتضيات الحكامة الجيدة.

 

 

 

[1]  – تنص الفقرة الأولى من المادة 15 على أنه : ” يهدف طلب إبداء الاهتمام الى تمكين صاحب المشروع من تحديد المتنافسين المحتملين قبل الشروع في الدعوى إلى المنافسة… “.

 

[2] – تنص المادة 156 على : ” يتعين على صاحب المشروع أن يخصص نسبة 20 من المبلغ المتوقع للصفقات التي يعتزم طرحها برسم كل سنة مالية للمقاولة الوطنية المتوسطة والصغيرة”.

[3] – وزير المالية والاقتصاد رقم 3011.33 الصادر في 24 ذي الحجة 1434 (30 أكتوبر 2013)، لتطبيق مقتضيات المادة 156 من مرسوم الصفقات العمومية.

[4] – قانون رقم 53.00 المتعلق بميثاق المقاولات الصغرى والمتوسطة الصادر بتنفيذه الظريف الشريف رقم 1.02.188 الصادر في 12 جمادی الأولى 1423 (23 يونيو 2002).

[5] ينص البند الثاني من المادة 86 من مرسوم سنة 2013 على أنه : ” … (ثانيا). يمكن أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بدون إشهار مسبق وبدون إجراء منافسة :1
1- الأعمال التي لا يمكن أن يعهد بإنجازها إلا لصاحب أعمال معین اعتبارا لضرورات تقنية أو لصبغتها المعقدة التي تستلزم خبرة خاصة؛
2- الأعمال التي تقتضي ضرورات الدفاع الوطني أو الأمن العام الحفاظ على سريتها. ويجب أن تكون هذه الصفقات موضوع ترخيص مسبق من رئيس الحكومة بالنسبة لكل حالة على حدة بناء على تقرير خاص من السلطة المختصة المعنية؛ 3- الأشياء التي يختص بصنعها حصريا حاملو براءات الاختراع؛
4- الأعمال التي يجب إنجازها في حالة الاستعجال القصوى والناجمة عن ظروف غير متوقعة بالنسبة لصاحب المشروع وغير ناتجة عن عمل منه والتي لا تتلاءم مع الآجال التي يستلزمها إشهار وإجراء منافسة مسبقين. ويكون موضوع هذه الأعمال على الخصوص مواجهة خصاص أو حدث فاجع مثل زلزال أو فيضانات أو مد بحري أو جفاف أو وباء أو جائحة أو وباء حيواني أو أمراض نباتية مدمرة أو اجتياح الجراد أو حرائق أو بنايات أو منشآت مهددة بالانهيار أو حدث يهدد صحة المستهلك أو الثروة الحيوانية أو الطبيعة. ويجب أن تقتصر الصفقات المطابقة لهذه الأعمال حصريا على الحاجات الضرورية لمواجهة حالة الاستعجال؛
5- الأعمال المستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سلامة السير الطرقي أو الملاحة الجوية أو البحرية، والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل تحديد جميع شروط الصفقة طبقا للشروط المقررة في البند “ب” من المادة 87 بعده.
6- الأعمال المتعلقة بتنظيم الحفلات أو الزيارات الرسمية التي تكتسي صبغة استعجالية و غير متوقعة، و غير متلائمة مع الآجال اللازمة للإشهار وإجراء المنافسة المسبقين.
7- الأعمال الإضافية التي يعهد بها إلى مقاول أو مورد أو خدماتي سبق أن أسندت إليه صفقة، إذا كان من المفيد، بالنظر لأجل التنفيذ أو حسن سير هذا التنفيذ، عدم إدخال مقاول أو مورد أو خدماتي جديد و عندما يتبين أن هذه الأعمال، غير المتوقعة وقت إبرام الصفقة الرئيسية، تعتبر تكملة لها ولا تتجاوز نسبة عشرة في المائة (10%) من مبلغها. …”

 

[6]  محمد الشاوي، شفافية إبرام الصفقات العمومية بين مقتضيات النص التنظيمي و واقع الممارسة العملية، مجلة القضاء الإداري، العدد الرابع، سنة 2014 ، ص 109.

[7]  محمد الشاوي، مرجع سابق، ص 109.

 

[8] أحفيظ مخلول، حدود إصلاح نظام الصفقات العمومية وفقا لمرسوم 20 مارس 2013، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، ص 93.

[9] – تنص المادة 76 من مرسوم 2007 على أنه :” تحدث بوابة الصفقات الدولة حيث تنشر النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالصفقات…”.

[10]  – حفيظ مخلول، مرجع سابق، ص 51.

[11]  – قرار وزير المالية رقم 20.14  الصادر في 08 ذي القعدة 1431 (4شتنبر 2014) يتعلق بتجريد الصفقات العمومية من الصفة المادية.

 

[12] – محمد الشاوي، مرجع سابق ، ص 111.

[13]  –  نص المادة 20 من مرسوم سنة 2013 على أنه : … 2 – ينشر الإعلان عن طلب العروض المفتوح في بوابة الصفقات العمومية وفي جريدتين توزعان على الصعيد الوطني على الأقل يختارهما صاحب المشروع، تكون إحداهما باللغة العربية والأخرى بلغة أجنبية. ينشر الإعلان عن طلب العروض المفتوح بلغة نشر كل من الجريدتين.

كما يمكن موازاة مع ذلك تبليغة إلى علم المتنافسين المحتملين وعند الاقتضاء إلى الهيئات المهنية عن طريق الإدراج في نشرة الإعلانات القانونية والقضائية والإدارية بالجريدة الرسمية أو في نشرات متخصصة أو بأية وسيلة أخرى للإشهار ولا سيما بطريقة إلكترونية.
حدد أجل إشهار إعلان طلب العروض المفتوح في الجريدتين وفي بوابة الصفقات في واحد وعشرين (21) يوما على الأقل قبل التاريخ المحدد الجلسة فتح الأظرفة. ويسري هذا الأجل ابتداء من اليوم الموالي لتاريخ نشر الإعلان في بوابة الصفقات العمومية وتاريخ نشره في ثاني جريدة صدرت… “.

[14] – لمزيد من التفصيل راجع : محمد الشاوي، مرجع سابق، ص 113.

 

[15]  – تنص المادة 36 من مرسوم سنة 2013 على أنه : ” تكون جلسة فتح أظرفة المتنافسين عمومية …”

[16] – لقد تم التفصيل في هذه الانتقادات في المحور المتعلق بالاشراف والمراقبة على تنفيذ الصفقات العمومية.

[17] – حدوثي نجاة، نظام الصفقات العمومية على ضوء المستجدات التشريعية والدستورية، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام والعلوم السياسية تخصص العلوم المالية والإدارية، سنة 2015 / 2016 ، ص 13.

[18]  – راضية الرحماني، مبدأ المساواة في معاملة المترشحين في قانون الصفقات العمومية الجزائري، مجلة المنارة، عدد 9 مارس 2015، ص 135.

[19]  – ظهير شريف رقم 1.18.15 صادر في 05 جمادى الثانية 1439 (22 فبراير 2018)، بتنفيذ قانون رقم 31  المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة.

[20] – الجيلالي امزيد، الحماية القانونية والقضائية للمنافسة في صفقات الدولة، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، مارس 2008، ص 21.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى