مدى قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام التداعيات المالية لأزمة كورونا
يونس بن احدش
(طالب باحث بسلك الدكتوراه بفاس – قانون عام- )
مدى قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام التداعيات المالية لأزمة كورونا
مقدمة:
استطاعت بلادنا أن تصبح نموذجا عالميا يحتذى به في التعامل مع جائحة كورونا والحد من تداعياتها وخسائرها البشرية بعدما وضعت صحة المواطنين على رأس أولوياتها تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس منذ بداية تفشي هذا الوباء في المغرب، حيث أعطى جلالته الأمر لرئيس الحكومة بالإحداث الفوري لصندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا، واغلاق الحدود البرية والبحرية في خطوة استباقية لاحتواء الأزمة منذ بدايتها. الى جانب عدة إجراءات حكومية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وعلى غرار أغلب دول العالم ، لم ينجو الاقتصاد المغربي من التحولات المفاجئة التي سببتها الأزمة. وما تتطلبه المرحلة من اجراءات جريئة للحفاظ على المكتسبات التي حققها الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة. ما وضع الحكومة أمام محك لوضع رؤية استباقية لتدبير الأزمة والخروج منها بأقل الأضرار. خصوصا مع الاضطرابات المطرية الأخيرة والتي أنذرت مسبقا بموسم فلاحي صعب، قلص الرهان على القطاع الفلاحي الذي أضيف الى العديدة من القطاعات الأخرى المتضررة والتي أوقفت نشاطها بشكل مؤقت أو نهائي بسبب الجائحة و الاجراءات المصاحبة لها.
ما دعى المشرع المالي للتفكير جديا في وضع قانون مالي تعديلي لإنقاذ السنة المالية، يأخذ الظرفية الحالية بعين الاعتبار ويراعي التباطؤ والانكماش الذي عرفه الاقتصاد العالمي والتغيرات الماكرو اقتصادية. ويتماشى مع التوصيات التي صدرت عن مجموعة من المؤسسات والهيئات الدولية، كصندوق النقد الدولي والذي حذرت من أزمة كورونا وتأثيرها السلبي على نمو الاقتصاد العالمي. وتابعت أن العالم يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وقد أكد رئيس الحكومة خلال الجلسة البرلمانية التي جمعته مع أعضاء مجلس البرلمان ، يوم الأربعاء 20 أبريل ، والتي خصصت لمناقشة اهم تطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي، على ضرورة وضع الحكومة لخطة استباقية لما بعد الأزمة، وهي تعمل على وضع خطة طموحة لإنعاش الاقتصاد الوطني ستكون رافعة مهمة من أجل تسريع استئناف النشاط الاقتصادي الوطني، وتعزيز قدرته على استشراف معالم ما بعد أزمة كورونا. والذي رسمت أولى مرتكزاته من خلال قانون المالية التعديلي، والذي اعتمد الوضوح في الفرضيات الدولية رغم صعوبة التحكم فيها وكدا الفرضيات الوطنية التي تم أخذها بعين الاعتبار، دون اغفال توقعات تراجع النمو وتأثيرات آثار الجفاف وانخفاض الإيرادات الضريبية.
ما يجعلنا نقف أمام التساؤلات الاتية :
ما مدى قدرة الاقتصاد المغربي على الصمود أمام والتعافي من تداعيات التي خلفتها أزمة كورونا ؟
وماهي أهم السبل والتدابير المرجحة لمقاومة ومواجهة آثار أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني ؟
المبحث الأول: تداعيات أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني
في تسابق مع الزمان ولتسريع الخطوات للحد من تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد المغربي، وأمام تسارع اثقاله لكاهل نفقات الدولة وتراجع ايراداتها، وارتفاع عدد الحالات المصابة بكورونا، أخذت الحكومة بفضل التوجيهات السامية للملك محمد السادس مجموعة من الاجراءات الاستباقية لمواجهة أزمة كورونا (كمطلب أول) وتفادي الانعكاسات الاقتصادية التي خلفها فيروس كورونا. ( كمطلب ثاني).
المطلب الأول: التوجيهات الملكية السامية الاستباقية لتدبير أزمة كورونا
دعا جلالة الملك محمد السادس منذ بداية ظهور وباء كورونا في المغرب، في 2 مارس 2020 ، إلى توخي الحذر واتخاذ كافة التدابير الممكنة لمواجهة تداعيات أزمة هذا البلاء على كافة القطاعات، ووجه جلالته الدعوة للحكومة إلى تبني مجموعة الإجراءات الاستباقية التي أعطى انطلاقتها وحث على تنفيذها والتي من أهمها:
أولا: احداث صندوق خاص لتدبير أزمة كورونا
تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك محمد السادس، أصدرت الحكومة يوم الثلاثاء 17 مارس 2020 مرسوما يقضي بإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا، لتدبير ومواجهة تداعيات وباء فيروس كورونا، وبادرت الحكومة بناء على هذه التعليمات السامية للملك وعملا بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية، والمادة 29 من قانون المالية للسنة المالية 2020، والمادة 25 من المرسوم 2.15.426 المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد 19”.
وقد أحدث هذا الصندوق بموجب المرسوم رقم 2.20.269، بعد المصادقة عليه من لدن مجلس الحكومة بتاريخ 16 مارس 2020، من طرف اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان.
حيث تم رصد هذا الصندوق للتكفل بالنفقات المتعلقة بتأهيل الآليات والوسائل الصحية، سواء فيما يتعلق بتوفير البنيات التحتية الملائمة أو المعدات التي يتعين اقتناؤها باستعجال للحد من انتشار الفيروس. وكما سيساهم في دعم الاقتصاد الوطني من خلال دعم القطاعات المتضررة من الأزمة والتخفيف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الجائحة..
كما صادق مجلس الحكومة على مرسوم يقضي بوضع إطار تنظيمي يسمح بمرونة أكبر في تنفيذ النفقات التي يأمر بصرفها وزير الصحة، وذلك بالنظر للطبيعة الاستثنائية لهذا الوباء..
وتأتي هذه الإجراءات ضمن مجموعة من التدابير العاجلة اللازم اتخاذها لمواجهة تبعات وباء فيروس كورونا المستجد، وكذا بالموازاة مع الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها المملكة للحفاظ على سلامة وأمن المواطنين[1].
ثانيا: جلسة عمل لتتبع تدبير انتشار وباء فيروس كورونا
ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوم الثلاثاء 17 مارس2020 بالقصر الملكي بالدار البيضاء، جلسة عمل خصصت لتتبع تدبير انتشار فيروس كورونا ببلادنا، ومواصلة اتخاذ مزيد من الإجراءات لمواجهة هذه الجائحة[2]. بحضور رئيس الحكومة السيد ووزير الداخلية ووزير الصحة والمفتش العام للقوات المسلحة الملكية قائد الدرك الملكي والمدير العام للأمن الوطني المدير العام لمراقبة التراب الوطني.
حيث دعا جلالته في إطار المقاربة الاستباقية التي تبناها المغرب بقيادته إلى تعزيز الإجراءات الوقائية والاحترازية التي اتخذتها القطاعات والمؤسسات المعنية، بهدف الحد من انتشار الوباء ومواجهة تداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية. بعدما تم استعراض مدى تنفيذ الإجراءات التي تم اتخاذها بتوجيهاته السامية، والتي تهم إغلاق المجال الجوي والبحري وتزويد السوق بالمواد الاستهلاكية ومحاربة الاحتكار وزيادة الأسعار. وأمر جلالته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية إلى تجهيز المستشفيات العسكرية للرفع من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات في مواجهة الجائحة، ووضعها رهن إشارة المنظومة الصحية[3].
المطلب الثاني: انعكاسات جائحة كورونا على الانفاق العمومي
بدأت تتشكل نظرة واضحة ومعطيات كافية عن حجم الضرر الذي تكبده الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة العالمية الحالية بسبب جائحة كورنا. التي لم يسلم منها المغرب كبلد صارع لمواجهة التداعيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية للجائحة بكل استماتة وبسالة منذ ظهورهذا الوباء ببلدنا، في الثاني من مارس الماض، مما دفع المغرب من اتخاذ عدة تدابير واجراءات عاجلة على المستوى المالي أهمها:
أولا: رفع سقف الاقتراض الأجنبي
مع ضعف الايرادات الضريبية وانكماش الاقتصاد الوطني بسبب جائحة كورونا والضرر الذي أحدثته كل الاجراءات المصاحبة لها للحد من تفشي هذا الوباء، كان من الضروري على الحكومة البحث على موارد مالية إضافية لمواجهة الانكماش الإقتصادي الحاصل والحفاظ على التوازنات المزانياتية المقدرة، وكذا تعويض نقص الاحتياطي من العملة الصعبة في ظل قلة تدفقها للسوق الوطني مع الحجر الصحي وإغلاق الحدود البرية والبحرية.
خصوصا مع تراجع مداخيل العديد من القطاعات التي كانت تشكل مصدر جلب العملة الصعبة، بعد التقرير الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط في شهر أبريل حول تأثير فيروس كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للأسر. وقد شملت الأزمة قطاع السيارات والذي قدرت صادراته السنة الماضية ب 73 مليار درهم، إلى جانب قطاع الطائرات الذي وصلت مداخيله ل 15 مليار درهم وقطاع النسيج الذي بدوره تجاوزت صادراته السنة الماضية 37 مليار درهم كذلك قطاع الالكترونيات الذي حقق السنة الماضية 8 مليار درهم، إضافة إلى صادرات الفوسفاط والتي قلت بشكل كبير مع الركوض الاقتصادي العالمي والذي شكلت ايراداته السنة الماضية أكثر من 50 مليار درهم. دون إغفال تقليص حجم تحويلات الجالية المغربية بالخارج للعملة الصعبة.
ما دفع البرلمان الى المصادقة على رفع وتيرة الاقتراض الأجنبي واللجوء إليه كوسيلة لتعويض النقص الحاصل على مستوى تدفق العملة الصعبة للسوق الوطنية، و كذا من أجل تزويده بالمستلزمات الضرورية لمواجهة جائحة كورونا واقتناء المواد الأساسية من الخارج والحفاظ على هامش الأمان الخارجي دون المساس بالاحتياط الوطني من العملة الصعبة. بعدما كان البرلمان قد حدد مسبقا سقف الاقتراض الخارجي في قانون مالية السنة الحالي في حدود 31 مليار درهم.
وقد بدأت وتيرة الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي بالحصول على 3 مليار درهم لمواجهة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لجائحة “كوفيد-19”. وحصل المغرب على قرض قيمته 100 مليون أورو من الاتحاد الأوروبي بهدف دعم تمويل الأنشطة الصحية في سياق أزمة “كوفيد-19″، بعدها حصل المغرب أيضا على قرض بحوالي 127 مليون دولار من صندوق النقد العربي، بهدف توفير الموارد المالية بما يدعم الوضع المالي ولتلبية الاحتياجات الطارئة ومواجهة التحديات المختلفة[4] التي فرضتها الجائحة.
ثانيا: ترشيد النفقات
أمام الوضع الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني سيكون على الدولة إعادة النظر في النفقات العمومية بالإبقاء على الأساسي والضروري، لتفادي ارتفاع عجز الميزانية أكثر مما هو متوقع ضمن قانون مالية 2020 والذي تلاعبت الجائحة بجميع فرضياته.
الشيء الذي أكده تقرير وزارة المالية حول وضعية الايرادات العامة في الربع الأول إلى حدود شهر مارس من الميزانية العامة، والذي لم يتجاوز 63 مليار درهم من أصل 260 مليار التي كانت متوقعة.
ما دفع الحكومة لوضع خطة جديدة للتخفيف من وطأة الجائحة على المالية العامة تهدف الى ترشيد النفقات وتحديد الأولويات ومراعات الظرفية دون مساس كتلة الأجو،ر وتمكين قطاع الصحة من كل الاحتياجات الكافية والضرورية وتسخير كل الامكانيات لجيشه الأبيض للوقوف في الصف الأمامي لمواجهة الجائحة، نفس الشيء لقطاع الداخلية والأمن من أجل مواجهة تداعيات فيروس كورونا.
أ: الحفاظ على كتلة الأجور
دعا رئيس الحكومة إلى ضرورة التحكم في نفقات الموظفين عن طريق ضبط توقعات كتلة الأجور وتقييد صرفها بالسقف المحدد لها، وتوقيف مؤقت لمنح الترقية دون المساس بمنبع الأجر بالنسبة لكل وظيفة، مشددا على ضرورة حصر المناصب المالية الضرورية مع العمل على استغلال كل الإمكانات المتاحة للحفاظ على مبدأ الأجر مقابل العمل من خلال تسخير جميع الوسائل الضرورية لمواكبة هذا المبدأ والحفاظ على استمرارية المرفق العمومي.
وشدد رئيس الحكومة على أهمية ترشيد نمط سير الإدارة وعقلنة نفقات المعدات والنفقات المختلفة، مؤكدا على ضرورة تعزيز مواصلة مجهودات ضبط النفقات المرتبطة بتسيير الإدارة، مطالبا بمراعاة تدابير الترشيد والحرص على التدابير المبرمجة برسم قانون المالية التعديلي.
ب: الحرص على مواكبة وزارة الصحة
وجد المغاربة أنفسهم جراء تفشي فيروس كورونا أمام قطاع صحي متدهور يعاني من عدة مشاكل وتصدعات في بنيته.
فلولا الإجراءات الاستباقية التي قادها جلالة الملك محمد السادس كغلق الحدود وفرض حجر صحي لأكثر من شهرين ونصف، لشهدنا انهيار كامل لهذا القطاع.
وقد ذكر رئيس الحكومة في وقت سابق، أن البلاد تجنبت وفاة 200 شخص في اليوم بسبب الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي نوه بها العالم.
وقد دعا رئيس الحكومة على مواكبة وزارة الصحة بما يلزم من امدادات مالية لسد حاجياتها وفقا لتطور الوضعية الوبائية ببلادنا وكذا تقديم الدعم الكافي لامتصاص جميع الصدمات السلبية بسبب الوباء. وترك الباب مفتوحا أمام تشجيع الابتكارات والمبادرات والاستثمارات في سياق الحد من تداعيات الفيروس التاجي. وتوفير جميع الامكانيات بما يكفل النهوض بالبحث العلمي في المجال الصحي.
ج: الحفاظ على نفقات وزارة الداخلية
استطاع المغرب أن يصبح نموذجا يحتدى به في كيفية التعامل مع أزمة كورونا والتخفيف من وطأتها على صحة المغاربة من خلال تسخير كافة الامكانيات وتجنيد كل القطاعات الى جانب قطاع الصحة للخروج من هذه الجائحة بأقل الأضرار.
وقد سهرت الدولة منذ بداية ظهور الوباء ببلادنا الى اعلان حالة الطوارئ واعتماد الحجر الصحي كخطوات احترازية للتقليل من حدته وانتشاره واعتماد مجموعة من التدابير المصاحبة لضبط واستقرار الحالة الوبائية ببلادنا. وقد ساهمت وزارة الداخلية بشكل مباشر في التقليل من انتقال العدوى من خلال المواكبة والحرص على تطبيق كل الاجراءات والتدابير المتخذة من طرف الحكومة، والتي اقتضت من جهةٍ الرهانَ على حس الوعي لدى المواطنين في الالتزام والتقيد بالتعليمات واعتماد المقاربة الأمنية من جهة أخرى.
مما اقتضى على الدولة ضرورة الحفاظ على النفقات المتعلقة بقطاع وزارة الداخلية لما له من دور أساسي ومباشر في محاربة تفشي وباء كورونا ببلادنا مقابل دعوة أغلب القطاعات لترشيد النفقات وتحديد الأولويات حسب الاحتياجات الضرورية.
رابعا: الحفاظ على برامج الدعم الاجتماعي
دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلد بسبب تداعيات أزمة كورونا الى توقف أكثر من 130 ألف مقاولة عن العمل بشكل جزئي، ما انعكس بشكل مباشر على الوضع الاجتماعي بالمغرب و دفع الحكومة الى التريث في اتخاذ اي قرار يمكنه أن يؤزم الوضع الاجتماعي ويزيد من إضعاف القدرة الشرائية للمواطن، ما دفعها لدعم الوضع الاجتماعي والاقتصادي للقطاعات المتضررة من الجائحة.
وبهذا، اتخذت الحكومة قرار الحفاظ على استمرار نفقات الدعم والتماسك الاجتماعي ودعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمتواجدين في وضعية صعبة وكل البرامج الأخرى الهادفة الى الرفع من الوضع الاجتماعي للمواطن واستقراره. رغم ثقل تكلفتها، كبرنامج “راميد” الذي كلف الحكومة لحد الان أكثر من مليار درهم، وبرنامج تيسير حوالي مليار درهم، وبرنامج دعم الأرامل حوالي ثمان مئة مليون درهم.
وبهذا حاولت الحكومة الاحتفاظ بالبرامج الداعمة لاستقرار الوضع الاجتماعي للفئة المتضررة من جائحة كورونا.
المبحث الثاني: أهم السبل والتدابير للتخفيف من تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني
أرغمت جائحة كورونا أكبر الاقتصاديات العالمية على تكبد خسائر مالية واقتصادية كبيرة. ما أرغمها على وضع سياسات اقتصادية وإجراءات احترازية للحد من التأثيرات السلبية الناتجة عن الفيروس، والتخفيف من وطأة الوباء سواء على صحة المواطنين وعلى التبعات الاقتصادية الكبيرة التي سببتها أزمة كورونا بصورة عاجلة فور إعلان منظمة الصحة العالمية كورونا وباءً عالمياً، من خلال القيام بمجموعة من الاجراءات والتدابير الاحترازية على المستوى الاقتصادي والمالي. ما جعل الحكومة أمام خيارات استثنائية لا مفر منها فرضتها عليها الظرفية الحالية للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة. أهمها، اللجوء لقانون مالية تعديلي في أسرع وقت (كمطلب أول) والحفاظ على المكتسبات وتحديد الرهانات (كمطلب ثاني).
المطلب الأول: إعداد قانون مالي تعديلي
لابد من الاعتراف أن المغرب وبالقيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أعطى الأولوية للأمن الصحي القومي في التعامل مع أزمة كورونا، ما خلف موجة من التداعيات الاقتصادية على غرار أغلب دول العالم. أثرت سلبا على العديد من القطاعات خصوصا منه الصناعة، السياحة، والطيران…
مما استنزف احتياطيا كبيرا من العملة الصعبة داخل البلد مع انخفاض مجال الصادرات وتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج.
وأكد وزير المالية أمام مجلس المستشارين أن الاجراءات المصاحبة للحجر الصحي ستكلف الاقتصاد المغربي خسارة 6 نقاط في نمو الناتج الداخلي الاجمالي لهذه السنة بخسارة حوالي مليار درهم يوميا طيلة مدة الحجر.
واعترف رئيس الحكومة بعدم وضوح الرؤية مع استمرار فيروس كورونا وعدم تعافي الاقتصاد العالمي. ما دفعها إلى إعادة التفكير في ضرورة الحفاظ على التوازنات المالية والاقتصادية من خلال إعداد قانون مالية تعديلي يتسم بوضوح الفرضيات رغم صعوبة التحكم فيها، خصوصا منها الخارجية. مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع معدل النمو وتأثيرات الجفاف وانخفاض معدل الايرادات الضريبية.
وقد أكد رئيس الحكومة على وضع خطة طموحة استباقية لإنقاذ الاقتصاد الوطني وتسريع استئناف النشاط الاقتصادي لاستشراف معالم ما بعد كورونا. وأضاف في هذا الصدد أن قانون المالية التعديلي سيكون مرتكزا لتفعيل هذه الخطة.
وهو ما تجسد من خلال صدور قانون المالية التعديلي الذي تمت المصادقة والتصويت على مقتضياته وانطلاق العمل به مؤخرا. والذي حمل بين طياته كل التدابير والإجراءات المقترحة لحماية الاقتصاد الوطني من مخالب أزمة كورونا وتداعياتها على المالية العمومية وتفادي السكتة القلبية للاقتصاد الوطني والتي تهدد بالرجوع الى سنوات التقويم الهيكلي.
وقد ارتكز قانون المالية التعديلي على تحديد الأولويات والعمل على تطوير المكتسبات ومن أهم المرتكزات والفرضيات التي بني عليها قانون المالية التعديلي:
– تعزيز دور البحث العلمي من خلال الدفع بعجلة التعليم والرفع من ميزانية وزارتها وتمكينها من كل النفقات والاحتياجات الضرورية للارتقاء بمستواها.
– تأهيل قطاع الصحة وتطوير الموارد المادية والبشرية للقطاع لمواكبة الجائحة وما بعدها بما يرقى لسد الحاجيات والمتطلبات.
– خلق مناصب الشغل ودعم المقاولة في إطار الشراكة بين القطاع العام والخاص، واحداث صندوق خاص للاستثمار الاستراتيجي لدعم الأنشطة الإنتاجية. ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى من خلال التدخل بشكل مباشر، عبر تمويل الأوراش الكبرى للبنية التحتية بتمويل مباشر من الدولة أو عبر قروض من البنوك ذات مضمونة من الدولة.
– تكريس تغطية اجتماعية شاملة تتمثل في تعميم التأمين الإجباري على المرض والتعويضات العائلية لفائدة كل الأسر ابتداءً من يناير 2021. وتعميم التقاعد لفائدة الساكنة النشيطة التي لا تتوفر على تغطية اجتماعية إضافة إلى التعويض عن فقدان الشغل.
– تسريع خطة اصلاح الادارة العمومية والتحول الرقمي من خلال رقمنة المعاملات الإدارية، واستغلال التركيبة الرقمية السريعة داخل الإدارة التي حصدها المغرب خلال فترة الحجر الصحي وتطويرها.
وحرصت الحكومة على تسريع تنزيل كل المقتضيات التي جاء بها قانون المالية التعديلي لمواكبة كل التطورات الوبائية للفيروس ومن أجل التخفيف من انعكاساته على الاقتصاد والوطني.
المطلب الثاني: الحفاظ على المكتسبات وتحديد الرهانات
تأخد الحكومة على عاتقها مسؤولية إعادة التوازن للمالية العامة، من خلال خلق المزيد من المداخل وإعادة الروح للعديد من القطاعات التي تضررت بشكل كبير. وعلى رأسها قطاع السياحة وقطاع التصدير وقطاع الشغل.
في المقابل تم تسريع تنزيل مجموعة من الأوراش المهمة كرقمنة الادارة وتشجيع البحث العلمي والمبادرات الشخصية وتحسين الخدمات الصحية. لما يرقى للاحتياجات الضرورية للمواطن التي لطالما عملت الحكومات المتلاحقة على تطويرها وتسريعها ووضع خطة واضحة المعالم للنهوض بهذه القطاعات.
مما يضع الحكومة أمام فرصة تاريخية لاستكمال المسار التصاعدي الذي عرفته المملكة على مستوى بعض القطاعات، في فترة الحجر الصحي وعملت عليه منذ سنوات، واستغلال الظرفية للحفاظ على كل المنجزات والمكتسبات التي حققتها الدولة مند بداية ظهور الوباء.
ومن أهم هذه الانجازات التي لابد من العمل على تطويرها، رقمنة الإدارة وتشجيع البحث العلمي والمبادرات الشخصية وتحسين الخدمات الصحية، التي يمكن أن ترفع من مستوى التعافي الاقتصادي سريعا.
والاستثمار في القطاع الفلاحي وجعله قطاعا مغلقا لسد جميع الحاجيات. وتشجيع كل مبادرات الاستثمار داخل القطاع ووضع تسهيلات وضمانات لتسهيل القروض استجابة لتزويد القطاع بكل الاحتياجات الضرورية. وتحديد محددات للنهوض به. اضافة الى تمكينه من فرص الاستفادة من البحث العلمي وتحديث القطاع.
وضرورة العناية أكثر بقطاع النسيج الذي تمكن المغرب بفضله من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتزويد السوق المحلية بالكمامات الضرورية في عز أزمة كورونا. والذي يعد أول قطاع محدث لمناصب الشغل في المغرب بأكثر من 400 ألف منصب مباشرة وغير مباشرة، حسب أرقام الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة.
وكذلك الدعوة إلى النهوض بالصناعة التقليدية وإعادة بناء نمط الاستهلاك الوطني. والتشجيع على اختيار المنتوج المحلي مقابل الاستيراد الغير معقلن. وتوجيه وسائل الاعلام للترويج للسوق المحلية وفرض السيادة الوطنية.
وإﻃﻼق ﺟﻴﻞ ﺟﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ، ﺗﺮوم ﺑﺸﻜﻞ أﺳﺎﺳﻲ ﺗﻘﻠﻴﺺ اﻟﻔﻮارق اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ والمجاﻟﻴﺔ. وﺿﻤﺎن ﺟﻮدة المرفق اﻟﻌﺎم وﺣﻖ الجميع في اﻟﻮﻟﻮج ﻟﻠﺨﺪﻣﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ (اﻟﺼﺤﺔ، اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، اﻟﻌﺪاﻟﺔ، السياحة، الفلاحة) ﺑﺠﻮدة ﻋﺎﻟﻴﺔ. وﺗﻮﻓﻴﺮ الحماية اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ. واﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﻣﻦ الأخطار وﻛﺴﺐ رﻫﺎﻧﺎت اﻻﻧﺘﻘﺎﻻت اﻟﺮﻗﻤﻴﺔ واﻟﻄﺎﻗﻴﺔ البيئية، داعيا إلى ضرورة إﻋﺪاد رؤﻳﺔ ﻣﻨﺪﻣﺠﺔ وﺷﻤﻮﻟﻴﺔ. واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺿﻤﺎن اﻟﺘﻘﺎﺋﻴﺔ وتجانس اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ من الدخول في متاهات يمكن أن تعقد مسألة العودة الى الحياة الاقتصادية سريعا.
خاتمة:
اليوم، نحن أمام مرحلة فارقة في تاريخ الاقتصاد الوطني، وأمام مفترق طرق يمكن أن يغرق عجلة أغلب الاستراتيجيات والمخططات التنموية، ويؤدي بنا إلى نفق مظلم ويعيدنا إلى مرحلة التقويم الهيكلي كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي، في حال فشل التدبير مع هذه الجائحة والخروج منها بأقل الأضرار الممكنة.
وإعادة بناء مخطط اقتصادي مستقبلي قوي مضاد لكل الصدمات والأزمات يرتكز على:
التنصل من الاقتصاد العالمي والاستثمار في الطاقات الوطنية والاستثمار فيها وتشجيع الكفاءات والبحث العلمي والاستثمار في الكفاءات الوطنية ومحاربة هجرة الأدمغة.
إعادة التموقع في الاقتصاد الاقليمي والجهوي في ظل عدم تعافي عدة اقتصاديات منافسة .
كسب رهان الانتقالات الرقمية والطاقية والبيئية ودعم مشاريع البحث العلمي والتكنولوجي.
تشجيع وضمان استمرارية المقاولة الوطنية ، وتحسين العلاقة بين المقاولة والعامل والمجتمع.
الاستثمار في الرأسمال اللامادي.
عدم نسيان الدروس المستخلصة من جائحة كورونا مستقبلا.
[1] – الحكومة تصدر مرسوم احداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا، أنشطة رئيس الحكومة، موقع رئاسة الحكومة ، الثلاثاء 17 مارس 2020، الرباط، www.cg.gov.ma .
[2] – الملك يترأس جلسة عمل حول مواجهة انتشار فيروس كورونا، الثلاثاء 17 مارس 2020، الدار البيضاء، هيسريس.، www.hesspress.ma.
[3] – أزمة فيروس كورونا” الملك محمد السادس يصدر أوامر جديدة للجيش والأمن، الثلاثاء 17 مارس 2020، الدار البيضاء، جريدة أخبارنا، www.akhbarona.com..
[4] – كورونا يدفع الغرب الر رفع وتيرة الاقتراض إلى مستوى قياسي، جريدة هيس بريس، الدار البيضاء 23 ماي.2020.