التعاونيات النسائية بالمغرب بين إكراهات هشاشة النوع ورهانات الإدماج الاجتماعي – الدكتور المصطفى قريشي – الباحثة : نهيلة اصلاح
التعاونيات النسائية بالمغرب بين إكراهات هشاشة النوع ورهانات الإدماج الاجتماعي
الدكتور المصطفى قريشي
أستاذ القانون الاداري
الباحثة : نهيلة اصلاح
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه بالكلية المتعددة التخصصات الناظور
هذا البحث منشور في مجلة القانون والأعمال الدولية الإصدار رقم 60 الخاص بشهر أكتوبر/ نونبر 2025
رابط تسجيل الاصدار في DOI
https://doi.org/10.63585/EJTM3163
للنشر و الاستعلام
mforki22@gmail.com
الواتساب 00212687407665

التعاونيات النسائية بالمغرب بين إكراهات هشاشة النوع ورهانات الإدماج الاجتماعي
الدكتور المصطفى قريشي
أستاذ القانون الاداري
الباحثة : نهيلة اصلاح
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه بالكلية المتعددة التخصصات الناظور
الملخص:
يشكل قطاع التعاونيات النسائية في المغرب ركيزة أساسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، حيث يساهم في خلق فرص الشغل وتعزيز التنمية المحلية والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للنساء. وتعكس التجربة المغربية التزام الدولة بالقوانين الوطنية والدولية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، مثل الدستور المغربي، اتفاقية سيداو، إعلان بكين، والأهداف الإنمائية للألفية. ورغم التطور الكبير الذي عرفه القطاع، تظل التعاونيات النسائية تواجه تحديات عدة، أبرزها التمويل المحدود، تعقيد المساطر الإدارية، ضعف التأهيل القانوني، والصعوبات الاجتماعية والثقافية، إلى جانب الأعباء المالية الناتجة عن برامج الحماية الاجتماعية.
ولضمان استدامة هذه المبادرات وتحقيق الإدماج الاجتماعي العادل، يتطلب الأمر تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي، تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي، توسيع فرص الوصول إلى الموارد والتمويل، ودعم التكوين المستمر ونقل المهارات التقليدية للأجيال الجديدة، مع تكامل جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
“Women’s Cooperatives in Morocco: Between the Constraints of Gender Vulnerability and the Challenges of Social Inclusion”
Dr. Mostapha Kouraichi
Professor of Administrative Law Faculty of Multidisciplinary Studies, Nador
Nahila Islah
Doctoral Research Student
Summary
The women’s cooperatives sector in Morocco represents a fundamental pillar of the social and solidarity-based economy, contributing to job creation, local development, and the social and economic inclusion of women. The Moroccan experience reflects the state’s commitment to national and international laws on gender equality, such as the Moroccan Constitution, the CEDAW Convention, the Beijing Declaration, and the Millennium Development Goals. Despite significant progress, women’s cooperatives face multiple challenges, including limited access to financing, complex administrative procedures, weak legal literacy, social and cultural barriers, and the financial burdens arising from social protection programs.
Ensuring the sustainability of these initiatives and achieving equitable social inclusion requires enhancing economic and social empowerment, developing the legal and institutional framework, expanding access to resources and funding, supporting continuous training, and transferring traditional skills to younger generations, with integrated efforts from the state, civil society, and the private sector.
مقدمة:
يشكل النسيج التعاوني المكون الرئيسي لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، سواء من حيث عدد مناصب الشغل التي يخلقها، أو من حيث مشاركته في التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي ومقاربة النوع، التي تتأسس على المناهضة والقضاء على الفوارق الموجودة بين النساء والرجال، سواء على مستوى الأدوار، أو على مستوى الحصول على الفرص نفسها والحقوق ومكانة كل منهما في المجتمع.
ان من مبادئ وأسس مقاربة النوع الاجتماعي، تحقيق تنمية منصفة وإعداد وسائل وأدوات تسعى إلى تحقيق المساواة، وهذا ما أكده الدستور في الفصل 19منه “يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليه المغرب وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة بين الرجال والنساء”.[1]
إضافة إلى الدستور، صادق المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية المؤسسة لمقاربة النوع الاجتماعي وتبنى مبادئها، منها اتفاقية سيداو للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المبرمة ومقررات إعلان بكين المعني بقضايا المرأة 1995، الى جانب الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة.[2]
وقد عرفت الحركة التعاونية النسائية بالمغرب تطورا هاما عبر الزمان والمكان، مستفيدة من التقاليد المغربية المتجذرة في المجتمع المغربي منذ زمن، تميل النساء للانخراط في الاقتصاد الاجتماعي التضامني بدل اشكال العمل الهشة الأخرى. حيث تمتلك النساء رؤية ومشروعا مجتمعيا خاصا من خلال الخبرات التي اكتسبنها في العديد من المجالات وحضورهن في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كفيل بتطويره وابداع نماذج اقتصادية نوعية.
يكتسي الادماج الاجتماعي العادل والمستدام لتعاونيات النسائية بالمغرب أهمية بالغة لاسيما ان هذا القطاع يعد محركا رئيسيا نحو تحقيق التنمية المحلية. ومن هنا، يمكن طرح الإشكالية التالية:
إلى أي حد يمكن لتعاونيات النساء بالمغرب تجاوز إكراهات هشاشة النوع وتحقيق الإدماج الاجتماعي والاقتصادي العادل والمستدام في ظل التحديات القانونية، المالية، والاجتماعية التي تواجهها؟
لتفكيك الإشكالية وتحليلها بشكل معمق، يمكن طرح الأسئلة الفرعية التالية:
ما هو الإطار القانوني والمؤسساتي الداعم لتعاونيات النساء بالمغرب، وكيف يعزز مقاربة النوع الاجتماعي في هذا القطاع؟
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه تعاونيات النساء، سواء على مستوى التمويل، القدرة التنظيمية، أو الحواجز الاجتماعية والثقافية؟
كيف يمكن لتعاونيات النساء المساهمة بفعالية في التنمية المحلية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بما يحقق الإدماج العادل والمستدام؟
ما السياسات والآليات التي يمكن اعتمادها لتعزيز دور تعاونيات النساء وتمكينها من الوصول إلى الموارد والفرص الاقتصادية بشكل مستدام؟
أهمية الموضوع
تتمثل أهمية هذه الدراسة في كون أنه يسلط الضوء على دور النساء في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كمحرك للتنمية المحلية، وكمساهم رئيسي في خلق فرص الشغل وتحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
يعالج العلاقة بين الإطار القانوني الوطني والدولي لمساواة النوع الاجتماعي وتطبيقه على أرض الواقع من خلال التعاونيات النسائية.
يساهم في تقديم توصيات عملية لتعزيز إدماج النساء في النشاط الاقتصادي والتنموي، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والمناصفة بين الجنسين.
يساعد على فهم التحديات البنيوية والاجتماعية التي تواجهها التعاونيات النسائية، وتقديم حلول فعالة لتجاوزها.
للإجابة عن هذه الإشكالية قسمنا الموضوع الى مطلبين أساسيين:
المطلب الأول: الإطار القانوني والواقع العملي للتعاونيات النسائية في المغرب
المطلب الثاني: إكراهات ورهانات الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات في المغرب
المطلب الأول: الإطار القانوني والواقع العملي للتعاونيات النسائية في المغرب
يشكل الإطار القانوني أساس سير عمل التعاونيات النسائية في المغرب، حيث يحدد الضوابط القانونية والإجرائية المتعلقة بتأسيسها وتسييرها. )الفقرة الأولى( ورغم هذا التنظيم، فإن الواقع العملي لهذه التعاونيات يواجه تحديات متعددة. )الفقرة الثانية(.
الفقرة الأولى: الإطار القانوني المنظم للقطاع التعاوني بالمغرب
عرف المغرب منذ عهد الحماية ترسانة قانونية مهمة اطرت عمل التعاونيات، التي كانت آنذاك عضويتها محصورة على المستعمرين دون السماح للمغاربة بالانخراط فيها. حيث صدر أول قانون ينظم هذا المجال بتاريخ 13 فبراير 1922، ويتعلق الامر بقانون تنظيم ومراقبة القروض الممنوحة لتعاونيات الاستهلاك، ثم تلاه قانون 21 ماي 1930 الذي سمح بتأسيس اتحاد التعاونية لتخزين القمح والحبوب، وفي نفس السياق تم اعتماد قانون 20 غشت 1935 الخاص بالقروض الموجهة للتعاونيات الفلاحية. ظلت هذه القوانين مقتصرة على المستعمرين، ولم يسمح للمغاربة بتأسيس تعاونيات أو الانخراط فيها إلا مع صدور ظهير 8 يونيو 1938، الذي منحهم هذا الحق في مجالات كالصناعة التقليدية والفلاحة.[3]
جاء هذا التحول في سياق مستجدات سياسية واقتصادية فرضت على سلطات الحماية التخفيف من حدة الاحتقان السياسي الناتج عن المطالب الإصلاحية للحركة الوطنية، وأيضا لمواجهة تداعيات الجفاف الذي ضرب القرى المغربية سنة 1937، مما أثر على توافر المواد الأولية في السوق الداخلية المغربية والفرنسية. [4]
بعد الاستقلال، أضحى قطاع التعاونيات محط اهتمام الدولة، حيث انتقل عدد التعاونيات من 62 تعاونية سنة 1957 إلى حوالي 2000 تعاونية سنة 1983، بفعل السياسات العمومية الهادفة إلى تشجيع إنشائها، خاصة في المجال الفلاحي. وقد صدرت نصوص قانونية متعددة لتنظيم التعاونيات المعدنية وتعاونيات الإسكان والتعاونيات الزراعية.[5]
تم إحداث مكتب تنمية التعاون ODCO سنة 1962 قصد تعميم الثقافة التعاونية، ثم أعيد تنظيمه بمقتضى ظهير 23 ابريل 1975 ليصبح مؤسسة عمومية مكلفة بدعم التعاونيات في مجالات التكوين والتأطير والمساعدة القانونية. وقد ساهم هذا الإطار المؤسساتي في تحقيق دينامية ملحوظة للقطاع، حيث توسع ليشمل أنشطة ذات ميزة تنافسية عالية، مثل إنتاج وتسويق الأعشاب الطبية وزيت الأركان والعسل والخدمات الاجتماعية.[6]
تميزت كل هذه النصوص القانونية، الصادرة في المرحلة الاستعمارية أو بعد الاستقلال، بطابعها المحدود وبكثرة القيود التي تفرضها على التعاونيات، مما يضيق من مجال تحركها، وأيضا بجملة من الاختلالات، حيث لم تكن ترخص بإنشاء التعاونيات في قطاعات أخرى، ولا بهيكلة الأنشطة داخل القطاع الواحد، ولا بتدقيق الروابط والعلاقات بين مختلف المتدخلين الإداريين والتعاونية. وقد شجع الوعي بهذه الحدود إلى ظهور حركة تعاونية مندمجة ومنسجمة ومنفتحة، تتكيف مع محيطها وقادرة على الاستجابة لتطلعات مختلف فئات المنتجين، وخاصة ممن تعوزهم الوسائل.[7]
وقد أدرك المشرع المغربي نفسه هذه الحدود والثغرات، فأصدر نصا قانونيا يفسح المجال لنشوء قطاع تعاوني منفتح على كل الأنشطة وفئات المنتجين والمستهلكين. يتعلق الأمر بالقانون رقم 24.83 المحدد للنظام العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون. وقد صدر هذا النص القانوني في شهر أكتوبر ،1984ودخل حيز التنفيذ في شتنبر 1993، الذي وضع في مقدمة أهدافه خلق مناخ من التنافس السليم وبعث الحياة في القطاع، وذلك من أجل خلق قيمة مضافة أكبر وتحقيق إنتاجية أوفر، من خلال تكييف الإطار ّالقانوني للتعاونيات مع حاجيات تطور القطاع التعاوني وشروطه. [8]
ولكن هذا الطموح الكبير لم يمنع من وجود بعض الإكراهات، وخاصة اشتراط أن يقدم الشباب من أصحاب الشهادات، والأشخاص الذين يعملون في مجال الاقتصاد غير المهيكل، الدليل على ممارسة نشاط يدخل في مجال عمل التعاونية من أجل الانضمام إليها. وتضمن هذا القانون أيضا بعض الجوانب الغامضة وبعض الأحكام المتضاربة. التي لم تتحرى الإنصاف عندما لم تخلق خصوصية للتعاونيات، ولم تميز بينها وبين باقي الشركات في مجال التضريب، ففي سنة، 2005أخضع المشرع تعاونيات التحويل التي يتجاوز رقم معاملاتها خمسة ملايين درهم للضريبة، وأبقى على نفس القيود والواجبات المترتبة على هذه التعاونيات. وأدى هذا الإجراء إلى خلخلة التوازن على مستوى النص القانوني، مما كان له تأثير سلبي تجلى في إضعاف تنافسية تعاونيات التحويل.
في هذا السياق، صدر القانون 112.12 المتعلق بالتعاونيات[9]، بهدف تحسين البيئة القانونية للتعاونيات، عبر إقرار مقتضيات جديدة ترمي إلى تعزيز مرونة النظام القانوني وجعله أكثر تكيفا مع التحولات الاقتصادية الوطنية والدولية، اذ يعرف التعاونيات على أنها “جماعة تتألف من أشخاص ذاتيين أو اعتباريين أو هما معا اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مقاولة تتيح لهم تلبية حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتدار وفق القيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها عالميا”.
وتدار وفق القيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها ولا سيما تلك المتمثلة في العضوية الاختيارية المفتوحة للجميع، والإدارة الديمقراطية للتعاونيات، والمساهمة الاقتصادية للأعضاء، والإدارة الذاتية والمستقلة، والتكوين والتدريب والإعلام، والتعاون بين التعاونيات، والالتزام نحو المجتمع ويميز المشرع بين ثلاثة أصناف: “تعاونيات يزودها أعضاؤها بمنتجات قصد بيعها للأغيار بعد تحويلها، أو بخدمات قصد تقديمها إليهم، وتعاونيات إنتاج المواد أو تقديم الخدمات لفائدة أعضائها، وتعاونيات تقدم عملا مأجورا لفائدة أعضائها”. [10]
وقد نص القانون على إعادة تنظيم التعاونيات وفق تصور حديث يمنحها فرصا أوسع، كما ألغى شرط الترخيص المسبق لتأسيس التعاونيات، مكتفيا بإجراءات مبسطة شبيهة بتلك المعتمدة عند تأسيس الشركات، حيث باتت العملية تقتصر على الحصول على شهادة التسمية، والمصادقة على النظام الأساسي، وإيداع الوثائق اللازمة. كما تم تقليص الحد الأدنى لعدد المتعاونين عند التأسيس من سبعة إلى خمسة أفراد، وتم التنصيص على احداث “سجل التعاونيات”، الذي يسيره مكتب تنمية التعاون، ويضطلع بوظيفة مماثلة للسجل التجاري من حيث توثيق التعاونيات وضبط نشاطها، مما يعزز الشفافية ويضمن حماية الحقوق المرتبطة بها.
رغم التحولات الإيجابية التي شهدها الإطار القانوني للتعاونيات، لا تزال هناك تحديات تشريعية وتنظيمية سنتطرق اليها، تستدعي المزيد من الملاءمة.
الفقرة الثانية: الواقع العملي لتعاونيات النسائية بالمغرب
يعرف القطاع التعاوني بالمغرب اضطراد كبير وطفرة عددية في تأسيس التعاونيات في مختلف المجالات وبجل أقاليم المملكة، ولكي يكون لهذه الطفرة الكمية الوقع السوسيواقتصادي المأمول كان لزاما ان يقترن انشاء التعاونيات بضم أكبر عدد من المتعاونين والمتعاونات، اذ تفيد اخر البيانات الإحصائية الرسمية الى انه يوجد 242اتحاد تعاونيات اما عدد التعاونيات حاليا بالمغرب فقد بلغ 60,939 تعاونية تضم 764,411 متعاون ومتعاونة، وبلغ عدد التعاونيات النسائية7,874 تضم 71,969 متعاونة.[11]
المصدر: مكتب تنمية التعاون احصائيات سنة 2024
إن تحقيق التنمية الشاملة لأي بلد ينطلق من إشراك مختلف فئات المجتمع، وعلى رأسها المرأة، باعتبارها رأسمالا بشريا يتمتع بقدرات تسهم في دفع عجلة التنمية، لا سيما في المجال الاقتصادي، الذي يعد ركيزة أساسية لنمو المجتمعات. وقد أثبتت التجارب أن مشاركة المرأة في القطاع الخاص وإدارتها للتعاونيات والمقاولات أسهمت بشكل ملموس في تعزيز الاقتصاد الوطني، عبر مساهمتها في مختلف القطاعات.
اذ تعد التعاونيات النسائية نموذجا تنظيميا يعكس ريادة المرأة في الأعمال (Entrepreneuriat Féminin)، حيث تنشئها النساء وتديرها بأنفسهن، مما يجعلها وسيلة فعالة للاندماج الاجتماعي والمهني وتعزيز الاستقلال الاقتصادي. وقد نشأت هذه التعاونيات استجابة لحاجات المجتمع المحلي، وسعيا للحد من البطالة والهشاشة بين النساء، من خلال مشاريع إنتاجية وخدماتية مدرة للدخل، مثل تربية المواشي والنحل، وإنتاج زيت الأركان والزعفران، وصناعة النسيج والزرابي، وتحضير المنتجات الغذائية التقليدية.[12]

في سياق الديناميكية التي يشهدها القطاع التعاوني المغربي، أسهمت التعاونيات النسائية في خلق فرص عمل للمرأة وتعزيز اندماجها الاقتصادي والاجتماعي. فبين عامي 2015 و2020، ارتفع عدد التعاونيات النسائية من 2,280 إلى أكثر من 6,232، تضم 62,821 متعاونة، وتشكل نحو و 15% من إجمالي التعاونيات في المغرب، وذلك بفضل جهود التوعية والتكوين والإرشاد التي قادها مكتب تنمية التعاون. ذات الشيء بالنسبة للتعاونيات النسائية. [13]
المصدر: مكتب تنمية التعاون احصائيات سنة 2024
تمتلك النساء معارف ومهارات تقليدية متوارثة، وظفنها في أنشطة تعاونية متنوعة، مثل صناعة الزرابي وحياكة الملابس التقليدية وإنتاج الزيوت الطبيعية وتحضير الأطعمة المحلية كالكسكس وزيت الأركان، وتركز هذه التعاونيات على تلبية حاجات المجتمع المحلي وتحسين الظروف المعيشية للنساء، لا سيما في القرى والمناطق الهشة، عبر تطوير مشاريع إنتاجية صغيرة تدر الدخل، مثل تربية المواشي والدواجن، وإنتاج الحليب ومشتقاته بطرق تقليدية، وجمع الأعشاب الطبية والعطرية، وصناعة الحلويات والخبز التقليدي. وتسهم هذه الأنشطة في توفير فرص عمل، والحد من البطالة، وتعزيز دور المرأة في الاقتصاد المحلي.
اذ يلاحظ ان عدد مهم من التعاونيات النشيطة في كل من مجال الصناعة التقليدية والمجال الفلاحي هي تعاونيات نسائية، بالتالي فتلعب المرأة دورا مهما في المرأة القروية خاصة الامازيغية فيها، وما تحققه منها أي من التعاونيات، لما تلعبه من أدوار متعددة في الشق المتعلق بالمحافظة على التراث الامازيغي، وهو ما يبرر تمركز أكبر عدد من التعاونيات في العالم القروي.
المصدر: مكتب تنمية التعاون احصائيات سنة 2024
يظهر من المبيان أعلاه ان جهة سوس ماسة تتصدر بأكبر عدد للتعاونيات النسائية والمتعاونات ويعزى هذا الى اشتهار هذه المنطقة بإنتاج وتسويق زيت اركان الى جانب انها تملك تجربة رائدة في مجال ادماج المرأة القروية في التنمية الاقتصادية، من خلال تثمين منتوج الأركان، وتشغيل فئة عريضة من الساكنة القروية بمختلف شرائحها، ناهيك عن مساهمتها في التسويق الترابي للمنتوجات المحلية والصناعة التقليدية وطنيا ودوليا.
تليها جهة درعة تافيلالت المتميزة بذات الخصائص ثم جهة مراكش اسفي وتتذيل القائمة جهة الداخلة وادي الذهب، والغريب ان جهة الشرق تضم أكبر عدد من التعاونيات على المستوى الوطني اذ تبلغ وفق اخر الاحصائيات الصادرة عن مكتب تنمية التعاون 8337 تعاونية إلا ان نسبة التعاونيات النسائية تبقى ضعيفة أي 626 تعاونية نسائية فقط.
المطلب الثاني: إكراهات ورهانات الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات في المغرب
تواجه التعاونيات النسائية في المغرب مجموعة من الإكراهات التي تؤثر على فعاليتها واستدامتها. )الفقرة الأولى( لذلك فالأمر رهين بتحقيق الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لهذه التعاونيات. ) الفقرة الثانية (
الفقرة الأولى: اكراهات التعاونيات النسائية في المغرب
تواجه التعاونيات بصفة عامة في المغرب مجموعة من التحديات والعراقيل التي تؤثر على استدامتها وتطورها، إلا أن هذه التحديات تكون أكثر حدة وتأثيرا على التعاونيات النسائية بسبب عوامل مرتبطة بوضعية النساء الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعلى الرغم من الدور المهم الذي تلعبه التعاونيات النسائية في تعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة وتحقيق التنمية المحلية، إلا أن هذه التعاونيات لا تزال تعاني من عراقيل تجعلها أكثر هشاشة مقارنة بنظيراتها المختلطة أو التي يديرها الرجال.
أولا: اشكالية التمويل
يعد التمويل من أبرز الإشكالات التي تعترض التعاونيات بصفة عامة، إذ تواجه صعوبات جمة في الولوج إلى القروض البنكية والاستفادة من التمويلات الضرورية لتوسيع أنشطتها وتعزيز قدراتها الإنتاجية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من طرف بعض المؤسسات البنكية الكبرى، على غرار البنك الشعبي والتجاري وفا بنك، التي تنخرط بشراكة مع مكتب تنمية التعاون او جهات اخرى في تنظيم دورات تكوينية لفائدة التعاونيات في مجالات التسيير الإداري والمالي، لكن هذا الانخراط يظل في الغالب غير متكامل، حين تتراجع هذه المؤسسات عن تقديم القروض للتعاونيات.
وفي هذا السياق، يشترط معظم الفاعلين في القطاع البنكي تقديم ضمانات شخصية لقبول طلبات القروض، وهو الأمر الذي يشكل عائقا كبيرا أمام التعاونيات النسائية على وجه الخصوص، نظرا لكون أغلب المتعاونات لا يمتلكن ممتلكات أو موارد مالية يمكن رهنها كضمانات، مما يؤدي إلى إقصائهن فعليا من منظومة التمويل البنكي. ويعزى ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها أن معظم النساء المنخرطات في التعاونيات هن في الأصل ربات بيوت أو ينتمين إلى فئات اجتماعية ذات دخل محدود، مما يجعلهن غير قادرات على توفير الضمانات المطلوبة للحصول على القروض.[14]
إضافة إلى ذلك، تعاني التعاونيات النسائية من ضعف التأطير المالي وقلة التكوين في إعداد ملفات طلبات التمويل، مما يؤدي إلى صعوبة تلبية الشروط التقنية التي تفرضها المؤسسات المانحة. وبالرغم من الجهود التي تبذلها بعض الفاعلين في دعم التعاونيات من خلال التكوينات والمواكبة، إلا أن هذا الدعم يبقى غير كاف في ظل غياب آليات تمويلية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لا سيما التعاونيات النسائية التي تتميز بتركيبة مالية واجتماعية مختلفة عن باقي الفاعلين الاقتصاديين التقليديين.
علاوة على ذلك، تلعب بعض التصورات النمطية حول المشاريع النسائية دورا في عرقلة حصول التعاونيات النسائية على التمويلات اللازمة، حيث ينظر إليها في كثير من الأحيان باعتبارها مشاريع ذات طابع اجتماعي غير مربح، عوض أن تُعتبر وحدات إنتاجية ذات إمكانات اقتصادية قابلة للتطوير. هذا التصور يؤدي إلى تثبيط عزيمة المستثمرين والمؤسسات المالية عن تقديم الدعم اللازم، مما يجعل التعاونيات النسائية أكثر هشاشة وأقل قدرة على الولوج إلى الأسواق والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة.[15]
ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، تجد العديد من التعاونيات النسائية نفسها مضطرة للاعتماد على تمويل ذاتي محدود للغاية، وهو ما ينعكس سلبا على قدرتها على اقتناء المعدات الضرورية وتحسين جودة منتجاتها أو توسيع نطاق أنشطتها. هذا الوضع لا يقتصر فقط على إضعاف فرص استدامة هذه التعاونيات، بل يؤثر أيضا على مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يحتم إعادة النظر في المنظومة التمويلية الخاصة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من خلال توفير حلول تمويلية أكثر مرونة تأخذ بعين الاعتبار واقع التعاونيات النسائية وإكراهاتها الموضوعية.
ثانيا: تعقد المساطر الإدارية وانخفاض مستوى التأهيل القانوني لدى النساء
غير أن اندماج النساء في الهيئات التسييرية للتعاونيات يواجه بعض التحديات، خاصة في الهياكل المختلطة التي تضم الرجال، حيث تعيقهن المستويات التعليمية المحدودة والمسؤوليات الأسرية عن المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار، وهو ما يُلاحظ حتى داخل التعاونيات النسائية الخالصة.
تواجه التعاونيات بشكل عام عراقيل متعلقة بالإجراءات القانونية والإدارية التي يجب استيفاؤها لإنشائها أو للحصول على التراخيص والتمويلات اللازمة لمزاولة نشاطاتها. ومع ذلك، فإن التعاونيات النسائية تتأثر بشكل أكبر بهذه التحديات، بسبب مجموعة من العوامل التي تعمق من ضعفها القانوني والإداري، الأمر الذي يزيد من صعوبة حصولها على الدعم الضروري لتحقيق استدامتها. من أبرز هذه العوامل، ارتفاع نسبة الأمية بين النساء في المناطق القروية، وهو ما يعوق قدرتهن على التعامل مع الوثائق الإدارية والمحاسبية، ويجعل من عملية التسيير الإداري والتخطيط المالي أمرا معقدا. كما أن ضعف التكوين القانوني لدى أغلب المتعاونات يؤدي إلى عدم إلمامهن بالإجراءات القانونية والإدارية المطلوبة لتسيير التعاونيات بشكل فعال، وهو ما ينعكس سلبا على قدرة التعاونيات النسائية في تلبية المتطلبات القانونية والضريبية، وبالتالي يساهم في تعطيل مشاريعهن.
إضافة إلى ذلك، تظل المساطر القانونية المتعلقة بالضرائب، التسجيل، والجباية معقدة في العديد من الحالات، مما يؤدي إلى ارتكاب أخطاء إدارية قد تفضي إلى فرض عقوبات مالية على التعاونيات. ومن بين المشاكل التي تعترض التعاونيات النسائية، هناك عدم الوعي الكافي بمسؤولياتهن الضريبية، حيث يعتقد عدد كبير من المتعاونات والمتعاونين أن التعاونيات معفاة من الضرائب، في حين أن التعاونيات ملزمة بتقديم التصريح الضريبي السنوي، الذي يتضمن رسوما تتراكم في حال عدم الوفاء بها في الوقت المحدد. وعندما يتم فحص الوضعية الجبائية للتعاونيات، يتفاجأ العديد من المتعاونات والمتعاونين بالمبالغ المتراكمة عليهم بسبب التأخير في الدفع، مما يزيد من الأعباء المالية ويؤثر سلبا على استدامة الأنشطة التعاونية.[16]
كما أن العديد من التعاونيات النسائية تواجه مشكلة عدم عقد الجمع العام السنوي وعدم المصادقة عليه، وهو ما يمثل مخالفة للإجراءات القانونية التي تنظم عمل التعاونيات. حيث يعتبر الجمع العام السنوي من الإجراءات الأساسية التي يجب على التعاونيات الالتزام بها لضمان الشفافية في تسييرها ومراقبة أنشطتها المالية والإدارية. ولكن، بسبب ضعف التأهيل الإداري أو قلة الموارد، قد تعجز بعض التعاونيات النسائية عن عقد الجمع العام أو التصديق عليه، مما يؤدي إلى حرمانها من المشاركة في العديد من البرامج الحكومية أو الجوائز المخصصة لدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. إذ من بين الشروط أن تكون التعاونيات قد عقدت جمعها العام السنوي وصادقت عليه بشكل رسمي لكي تتمكن من الاستفادة من هذه الفرص التي من شأنها أن تساهم في تحسين وضعها.
ثالثا: التحديات الاجتماعية والثقافية
تواجه التعاونيات النسائية عراقيل اجتماعية وثقافية تؤثر بشكل كبير على نموها واستدامتها. من أبرزها، النظرة التقليدية إلى دور المرأة في المجتمع، حيث لا يزال البعض ينظر إلى عمل المرأة خارج إطار المنزل بشك ورفض، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمشاركة في تعاونيات اقتصادية. هذا التصور التقليدي يعكس عقبات تتعلق بقبول المجتمع لنشاطات المرأة الاقتصادية، ما يعيق انخراط النساء في هذا النوع من المشاريع ويحد من نجاحاتها.
أضف إلى ذلك، أن غياب الدعم الأسري يعد من العوامل المؤثرة التي تضعف قدرة النساء على التوفيق بين التزاماتهن الأسرية وواجباتهن المهنية في إطار التعاونيات. ففي كثير من الأحيان، تفرض هذه التحديات ضغوطًا متزايدة على النساء، مما يدفع بعضهن إلى الانسحاب من المشاريع التعاونية.
وتعتبر قلة الثقة في قدرة النساء على إدارة المشاريع الاقتصادية أحد العوائق الأخرى التي تواجه المتعاونات. حيث تتطلب ريادة الأعمال إثبات القدرات على إدارة وتطوير المشاريع في بيئة تُهيمن عليها في كثير من الأحيان معايير تقليدية تفضل الذكور في المناصب القيادية. هذا يترتب عليه تحديات إضافية في إقناع المجتمع المحلي بأهمية المشاركة النسائية في مجالات القيادة والتنظيم.[17]
من جهة أخرى، تواجه النساء صعوبة في التنقل إلى المعارض والأسواق المحلية أو خارجية لعرض وبيع منتجاتهن، وهو ما يعوق فرصهن في الوصول إلى الزبائن المحتملين وتوسيع نطاق أعمالهن. كما أن قلة فرص التكوين والتدريب بسبب العوائق الاجتماعية قد تحد من تطور مهاراتهن وتزيد من صعوبة مساهمتهن في تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع المحلي.
رابعا: ورش الحماية الاجتماعية وتأثيره السلبي على التعاونيات النسائية
رغم كل حسنات ورش تعميم الحماية الاجتماعية إلا ان تطبيقه أضاف أعباء إضافية على المتعاونات، مما أظهر تحديات جديدة في سياقها الاقتصادي والاجتماعي. فالإلزام بأداء اشتراكات التأمين الاجباري الأساسي عن المرض أصبح عبئا ماليا ثقيلا على التعاونيات، التي تواجه أصلا صعوبات كبيرة تتعلق بمحدودية المداخيل وعدم استقرارها. ذلك أن التعاونيات النسائية، التي غالبا ما تعتمد على موارد محدودة، تجد نفسها مجبرة على تخصيص جزء من مداخيلها لتلبية هذه الالتزامات لكل المتعاونات، مما يقلل من قدرتها على الاستثمار في مشاريعها وتوسيع أنشطتها الاقتصادية.
من جانب آخر، فإن ارتفاع المؤشر لدى المتعاونات على اعتبارهن يزاولن نشاطا مهنيا، أدى إلى حرمانهن من الدعم الاجتماعي المباشر الموجه للفئات الهشة. الشيء الذي ترتب عنه انسحاب عدد مهم من المتعاونات من مجموعة من التعاونيات اما برغبتهن او بضغط من ازواجهن او اسرهن. وبالتالي فقدت هذه التعاونيات جزءا من قوتها العاملة.
الفقرة الثانية: رهانات الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات بالمغرب
يشكل الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات في المغرب رهانا أساسيا في مسار التنمية الشاملة، حيث يندرج ضمن الجهود الرامية إلى تحقيق الإنصاف الاجتماعي وتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة. ويعكس هذا التوجه رؤية استراتيجية قائمة على مبادئ العدالة والمساواة والاستدامة، إذ لا يقتصر الإدماج على مجرد تمكين النساء من مصادر دخل، بل يتجاوزه إلى تعزيز أدوارهن الفاعلة داخل النسيج الاجتماعي والاقتصادي. وتتمثل أهم رهانات هذا الإدماج في تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي، تطوير الإطار القانوني والمؤسساتي، وتعزيز مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية، وآليات الدعم والتكوين لضمان استدامة التعاونيات النسائية.
يمثل التمكين الاقتصادي أحد الرهانات الكبرى للإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لتعاونيات النسائية، حيث يساهم في تحسين الظروف المعيشية للنساء، وتعزيز استقلاليتهن المالية، وتمكينهن من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد المحلي والوطني. ويعد الاستثمار في التعاونيات النسائية مطلبا هاما بالنظر إلى قدرتها على خلق فرص العمل وتعزيز روح المبادرة والتضامن. ويقتضي تحقيق هذا الهدف توسيع نطاق الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء من خلال تعزيز ولوجهن إلى المعارض، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، واقامة شراكات مع الأسواق الممتازة وتطوير اليات التسويق والتوزيع عبر الاعتماد التسويق الرقمي التي من شأنها تحسين تنافسية منتجات التعاونيات. كما أن دعم ريادة الأعمال النسائية داخل التعاونيات يظل من العوامل الحاسمة في تحقيق الإدماج المستدام، حيث يمكن من تحويل التعاونيات إلى وحدات اقتصادية منتجة وقادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والنمو المستدام.[18]
يرتبط الرهان الثاني بتطوير الإطار القانوني والمؤسساتي الذي ينظم عمل التعاونيات، إذ يعد هذا الجانب عاملا رئيسيا في ضمان استدامة التعاونيات النسائية ونجاعتها. ويستدعي ذلك ملاءمة التشريعات الوطنية مع خصوصيات التعاونيات النسائية، بما يضمن تسهيل إجراءات تأسيسها وتدبيرها، وتعزيز حمايتها القانونية، وتوفير بيئة قانونية محفزة على الاستثمار التعاوني. كما أن تفعيل آليات الحكامة الرشيدة داخل التعاونيات يسهم في تحسين تدبيرها الإداري والمالي، ويضمن استمراريتها وفق أسس تنظيمية حديثة تتلاءم مع متطلبات السوق. ومن جهة أخرى، يظل تعزيز دور المؤسسات العمومية والمجتمع المدني في دعم التعاونيات النسائية أمرا ضروريا لضمان تحقيق أهداف الإدماج العادل والمستدام.
يشكل تعزيز مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية رهانا أساسيا في تحقيق الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات، حيث يتطلب تعزيز دمج البعد الجندري في مختلف السياسات التنموية لضمان توفير بيئة تمكينية للمتعاونات في التعاونيات. ويتطلب ذلك تيسير ترأس النساء لتعاونيات المختلطة ووضع الثقة في قدراتهن، وتشجيع مشاركتهن في وضع السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. كما أن تحقيق تكافؤ الفرص في الولوج إلى الموارد والتمويلات العمومية والخاصة يشكل إحدى الدعائم الأساسية لتعزيز دور التعاونيات النسائية وتحقيق استدامتها.[19]
يمثل تعزيز آليات الدعم والتكوين رهانا آخر في تحقيق الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات، حيث يشكل التأهيل المهني والتكوين المستمر عنصرا اساسي في تطوير مهارات المتعاونات وتمكينهن من تحسين جودة الإنتاج وتطوير أساليب التدبير والتسويق. ويقتضي هذا الرهان وضع برامج تكوينية متخصصة في مجالات التدبير المالي والمحاسباتي، وتقنيات الإنتاج والتصنيع، واليات التسويق الرقمي، بما يمكن النساء من رفع مستوى تنافسية التعاونية وتعزيز قدرتهن على الاستجابة لمتطلبات السوق. كما أن تعزيز التكوين في مجال الحقوق القانونية والضمانات الاجتماعية يسهم في تمكين النساء من الوعي بحقوقهن وتعزيز ثقافتهن القانونية، مما يساهم في حمايتهن من الاستغلال ويضمن لهن ممارسة أنشطتهن التعاونية في إطار قانوني واضح وعادل، طبعا كل هذا يبقى رهين برغبة المتعاونات في الانخراط الدائم.
إضافة إلى ما سبق، يشكل تطوير الشراكات والتعاون بين التعاونيات النسائية والقطاعات الاقتصادية الأخرى رهانا محوريا في تعزيز الإدماج المستدام. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع التعاون بين التعاونيات والمؤسسات الصناعية والتجارية، مما يفتح آفاقا أوسع لتسويق المنتجات التعاونية وتحقيق التكامل بين القطاعات المختلفة. كما أن دعم إنشاء شبكات تعاونيات إقليمية ووطنية يعزز من قدرة النساء على تبادل الخبرات والتجارب، مما يسهم في تطوير العمل التعاوني وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
الى جانب كل ما سبق ينبغي العمل على تيسير انتقال وتوريث الحرف اليدوية للفتيات والا اندثرت مجموعة من الحرف، خاصة مع وجود صعوبات في التدرج المهني بسبب الشروط الإدارية المفروضة، كالحصول على شهادة مدرسية أو دبلوم إضافة إلى شرط الخبرة، وهو ما يشكل عائقا أمام نقل المعرفة من النساء المتقنات لهذه الحرف إلى الأجيال القادمة.
إن تحقيق الإدماج الاجتماعي العادل والمستدام لنساء التعاونيات في المغرب يقتضي تكامل الجهود بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان توفير بيئة داعمة للتعاونيات النسائية، مما يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز التنمية المستدامة.
خاتمة
في ظل الأهمية الكبيرة التي تمثلها التعاونيات النسائية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن ضرورة معالجة التحديات التي تواجهها أصبحت ملحة. فالوقع الأكبر لهذه التحديات على التعاونيات النسائية، لاسيما ان معظم البرامج لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات التي تواجهها التعاونيات النسائية. فهناك ضعف في البرامج دعم تستهدف النساء بشكل خاص، سواء من حيث التمويل، التكوين، أو المواكبة، مما يجعل التعاونيات النسائية أقل قدرة على الاستفادة من هذه المبادرات مقارنة بالتعاونيات الأخرى.
الشيء الذي يستدعي تدخلا خاصا من الجهات المعنية من أجل توفير بيئة أكثر ملاءمة لنمو واستدامة هذه التعاونيات. ومع توفر الإرادة السياسية والبرامج الداعمة، يمكن للتعاونيات النسائية أن تتحول إلى محرك أساسي في تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب، مما يعزز من مكانة المرأة داخل المجتمع ويمكنها اقتصاديًا بشكل أكبر.
يمكن تقديم توصيات استراتيجية لدعم التعاونيات النسائية بالمغرب من خلال:
تبسيط الإطار القانوني والإداري: تعديل القوانين لتسهيل تأسيس التعاونيات النسائية وتخفيف الإجراءات البيروقراطية.
حماية التعاونيات قانونياً: توفير حماية قانونية للتعاونيات النسائية من الممارسات التمييزية والمنافسة غير العادلة، وتسهيل التزاماتها الضريبية.
تسهيل الوصول إلى التمويل: إنشاء صناديق قروض ميسرة ومنح تمويلية خاصة بالنساء لدعم استدامة مشاريعهن.
تعزيز القدرات المهنية: برامج تكوين مستمرة في الإدارة، التسويق الرقمي، الإنتاج، والجانب القانوني.
نقل المهارات التقليدية للأجيال الجديدة: ضمان استمرارية الحرف والتقنيات التقليدية ضمن أنشطة التعاونيات.
حملات توعية مجتمعية: تعزيز القبول المجتمعي لدور المرأة في الاقتصاد وتشجيع المشاركة في التنمية المحلية.
تشجيع المشاركة في الأسواق المحلية والدولية: تسهيل حضور التعاونيات في المعارض وتسويق منتجاتها بشكل أوسع.
تطوير شبكات وشراكات بين التعاونيات والقطاعات الاقتصادية: تبادل الخبرات، الترويج المشترك، والتعاون مع الصناعة والسياحة والتجارة.
إدماج البعد الجندري في السياسات التنموية: وضع خطط وطنية وإقليمية لدعم التعاونيات النسائية وتحقيق المناصفة بين الجنسين.
تعزيز برامج الحماية الاجتماعية المرنة: مراعاة خصوصية التعاونيات النسائية عند تطبيق برامج التأمين الاجتماعي لتجنب الأعباء المالية الزائدة.
لائحة المراجع :
- إبراهيم الحياني، “منطق العمل التضامني في التعاونيات الإنتاجية النسائية ومقاومة الهشاشة الاجتماعية”، مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية، عدد خاص، 2024؛
- بشرى زكاغ، تحديات وافاق الاقتصاد التضامني بالجهة الشرقية في ظل مقاربة النوع الاجتماعي، مؤلف جماعي، نشر مؤسسة هانس زايدل، سنة 2020؛
- سامية رماش، مأسسة مقاربة النوع الاجتماعي بالمغرب، مجلة القانون والأعمال الدولية، العدد 34، سنة 2021؛
- ظهير شريف رقم 1.14.189 صادر في 27 محرم 1436 (21 نوفمبر2014) بتنفيذ القانون رقم 112.12 المتعلق بالتعاونيات.
- عبد السلام حجي، التعاونيات واطارها القانوني في صلب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني المغربي، مطبعة دار السلام، الرباط، سنة 2024؛
- الفصل 19 من ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011 بتنفيذ نص الدستور.
- كوثر لبداوي، التمكين الاقتصادي، للنساء القرويات عن طريق التعاونيات اية مفارقات، منشورات معهد الرباط للدراسات الاجتماعية، سنة 2023؛
- لحسن مرواني، مستجدات القانون رقم 24.83 المحدد للنظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون، مجلة المرافعة، العدد 12؛
- محمد الشتيوي، “العمل التعاوني وفرص التمكين الاقتصادي بالمجالات الهامشية”، منشورات مركز الدرسات التاريخية والبيئة، سلسلة دراسات وابحاث رقم 107، سنة 2024؛
- الموقع الرسمي لمكتب تنمية التعاون: https://www.odco.gov.ma تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/1/2025 على الساعة 22:03.
- ناصر بنحميدوش، “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب نحو حكامة جيدة للمسألة الاجتماعية”، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، العدد 63،64 سنة 2021؛
- نعيمة بوزيان، “واقع حقوق المرأة في ظل انعكاس اتفاقية سيداو على تشريعات الاسرة المغاربية”، مجلة الدراسات القانونية المقارنة، العدد 2 السنة 2020.
- ناصر بنحميدوش، “الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب نحو حكامة جيدة للمسألة الاجتماعية“، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، العدد 63،64 سنة 2021، ص. 117. ↑
- إبراهيم الحياني، “منطق العمل التضامني في التعاونيات الإنتاجية النسائية ومقاومة الهشاشة الاجتماعية”، مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية، عدد خاص، 2024، ص.122. ↑
- إبراهيم الحياني، مرجع سابق، ص.122. ↑
- الموقع الرسمي لمكتب تنمية التعاون: https://www.odco.gov.ma تم الاطلاع عليه بتاريخ 12/1/2025 على الساعة 22:03. ↑
- إبراهيم الحياني، مرجع سابق، ص.123. ↑
- لحسن مرواني، مستجدات القانون رقم 24.83 المحدد للنظام الأساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون، مجلة المرافعة، العدد 12، ص.85. ↑
- ظهير شريف رقم 1.14.189 صادر في 27 محرم 1436 (21 نوفمبر2014) بتنفيذ القانون رقم 112.12 المتعلق بالتعاونيات. ↑
- المادة الأولى من القانون رقم 112.12 المتعلق بالتعاونيات. ↑
- مكتب تنمية التعاون احصائيات سنة 2024. ↑
- إبراهيم الحياني، مرجع سابق ص.123. ↑
- محمد الشتيوي، “العمل التعاوني وفرص التمكين الاقتصادي بالمجالات الهامشية“، منشورات مركز الدرسات التاريخية والبيئة، سلسلة دراسات وابحاث رقم 107، سنة 2024، ص.85. ↑
- عبد السلام حجي، التعاونيات واطارها القانوني في صلب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني المغربي، مطبعة دار السلام، الرباط، سنة 2024، ص.97 ↑
- عبد السلام حجي، مرجع سابق، ص.97. ↑
- عبد السلام حجي، مرجع سابق، ص.97. ↑
- سامية رماش، مأسسة مقاربة النوع الاجتماعي بالمغرب، مجلة القانون والأعمال الدولية، العدد 34، سنة 2021، ص.442. ↑
- كوثر لبداوي، التمكين الاقتصادي، للنساء القرويات عن طريق التعاونيات اية مفارقات، منشورات معهد الرباط للدراسات الاجتماعية، سنة 2023، ص.3. ↑
- بشرى زكاغ، تحديات وافاق الاقتصاد التضامني بالجهة الشرقية في ظل مقاربة النوع الاجتماعي، مؤلف جماعي، نشر مؤسسة هانس زايدل، سنة 2020، ص،116. ↑
- (1) المعراج، سمير عطية القيادة الإبداعية وقدرتها على التجديد والابتكار. العلم والايمان للنشر والتوزيع. 2020. ص 25_26 ↑
- (1) أبو كلوب، رأفت محمد طالب: القيادة الابداعية و علاقتها بتعزيز الدافعية لدى معلمي المدارس الثانوية في وزراة التربية و التعليم العالي بمحافظات غزة. اكاديمية الادارة و السياسة للدراسات العليا 2017 ، ص. 15 ↑





