حماية الموظف العمومي من الشكاية الكيدية، دراسة قانونية عملية ومعززة بوثائق – عبدالعلي اشرنان
حماية الموظف العمومي من الشكاية الكيدية، دراسة قانونية عملية ومعززة بوثائق
بقلم ذ. عبدالعلي اشرنان ، باحث
تمهيد:
بين الفينة والأخرى تثار مسألة الشكايات الكيدية التي تُقام ضد الموظف العمومي بشكل عام ، مما يضر بحقوق الموظف وصورته داخل المرفق العمومي ، ويؤثر بشكل سلبي على نفسيته ومردودية عمله ،حيث يصبح الموظف في هذه الحالة ضحية الشكاية حتى وإن حُفظت وتبت زيفها ،بينما يظل المشتكي الذي حاول الإيقاع والكيد للموظف بعيدا عن المتابعة والمحاسبة ،خاصة إذا كان منتميا لجهة مهنية أو جمعوية أو سياسية أو حزبية .
فماذا نقصد بالشكاية الكيدية أو الوشاية الكاذبة؟ وما هو الإطار القانوني لتأديب الموظف العمومي؟ وما هي السبل القانونية لحماية الموظف من الشكاية الكيدية؟ وما هي الحلول والاقتراحات لإنصاف ضحية الشكاية الكيدية؟
من خلال هذا المقال القانوني سنقسم موضوعنا لمحورين:
المحور الأول: النظام التأديبي للموظف العمومي
المحور الثاني: جريمة الوشاية الكاذبة
المحور الأول :النظام التأديبي للموظف العمومي
إن النظام التأديبي بصفة عامة، هو مجموعة من القواعد النظامية التي تحدد الإطار العام للواجبات التي ينبغي للموظف الالتزام بها، والمحظورات التي يجب عليه الامتناع عن القيام بها. كذلك تشمل الضوابط التي يتقيد بها الموظف أثناء مزاولته لواجباته الوظيفية، والإجراءات التي تتبع عند محاسبة من يخل بها، مع وضع الضمانات الكفيلة بجعله يتمتع بجميع الحقوق التي يضمنها له القانون، والتأديب – حسب العديد من الدراسات والأبحاث – ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة ترمي إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، تتمثل في: المحافظة على حسن سير المرفق العام، وتحقيق الإصلاح، إلى جانب هدف تحقيق الردع والزجر.[1]
ويستفيد الموظف العمومي من عدة حقوق وواجبات، (سنخصص مقال آخر حول حقوق الموظف العمومي) وكل إخلال بهذه الواجبات يعرضه لعقوبات تأديبية، ولقد نظم النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية العقوبات التأديبية, وخص لها الباب الخامس من الفصل 65 إلى الفصل 75 مكرر.
الفقرة الأولى: سلطة التأديب وحق التسمية
لم يحدد المشرع بشكل صريح المخالفات التأديبية, بل اعتبرها كل إخلال بالالتزامات المهنية أو جنحة ماسة بالحق العام مثل، الاختلاس، الرشوة ، التغيبات المتكررة, عدم احترام سلطة الإدارة, إفشاء السر المهني, سرقة مستندات الإدارة، [2]وقد حدد قانون الوظيفة العمومية حق التأديب للسلطة التي لها حق التسمية،[3]حيث تقوم اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بدور المجلس التأديبي ويغير حينئذ تركيبها وفقا لمقتضيات الفصل الخامس والثلاثين، وتشتمل العقوبات التأديبية المطبقة على الموظفين ما يلي، وهي مرتبة حسب تزايد الخطورة :
– الإنذار؛
– التوبيخ؛
– الحذف من لائحة الترقي؛
– الانحدار من الرتبة؛
-القهقرة من الدرجة؛
– العزل؛[4]
بالإضافة إلى العقوبات المطبقة على الموظفين المتمرنين وهي:
– الإنـذار؛
– الإقصاء المؤقت لمدة لا تتجاوز شهرين مع الحرمان من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية؛
– الإعفاء؛
بالنسبـة للعقوبات الأولى والثانية والثالثة فهي تخضع لنفس الشروط والكيفيات المطبقة على الموظف الرسمي التي سبقت الإشارة إليها، أما عقوبة الإعفاء فيقصد بها حذف الموظف من الأسلاك الإدارية.[5]
وهناك عقوبتان تكتسيان صبغة خصوصية، وهما الحرمان المؤقت من كل أجرة باستثناء التعويضات العائلية وذلك لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، والإحالة الحتمية، على التقاعد، وال يمكن إصدار هذه العقوبة الأخيرة إلا إذا كان الموظف مستوفيا للشروط المقررة في تشريع التقاعد. ويقع الإنذار والتوبيخ بمقرر معلل تصدره السلطة التي لها حق التأديب من غير استشارة المجلس التأديبي ولكن بعد استدلاء بيانات المعني بالأمر، أما العقوبات الأخرى فتتخذ بعد استشارة المجلس التأديبي الذي تحال عليه القضية من طرف السلطة التي لها حق التأديب وذلك بتقرير كتابي يتضمن بوضوح الأعمال التي يعاقب عليها الموظف وإن اقتضى الحال الظروف التي ارتكبت فيها[6]
الفقرة الثانية: ضمانات الموظف
من الضمانات التي خصها المشرع المغربي من خلال النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية نجد حق الاطلاع والدفاع وإعداد الدفوع ثم المثول أمام المجلس التأديبي.
أولا: حق الاطلاع والدفاع:
من الحقوق التي خصها المشرع للموظف هي الحق في أن يطلع على ملفه الشخصي بتمامه وعلى جميع الوثائق الملحقة وذلك بمجرد ما تقام عليه دعوى التأديب ويمكنه أن يقدم إلى المجلس التأديبي ملاحظات كتابية أو شفاهية، وأن يستحضر بعض الشهود وأن يستحضر معه مدافعا باختياره أو توكيل محامي[7] وللإدارة أيضا حق إحضار الشهود[8] كما يمكن للمجلس التأديبي أن يطلب إجراء بحث إن لم يكتف بالمعلومات المعطاة له عن الأعمال المؤاخذ عليها المعني بالأمر أو عن الظروف التي ارتكبت فيها تلك الأعمال. [9] وللملاحظات الكتابية التي تقدم له ولما عسى أن يقع لديه من تصريحات المعني بالأمر والشهود ونظرا كذلك لنتيجة التحقيق يعطي المجلس رأيا معللا بالأسباب في العقوبة، التي تبين له وجوب اتخاذها إزاء الأعمال التي عوقب عليها المعني بالأمر،[10] ويوجه هذا الرأي إلى السلطة التي لها حق التأديب.[11]
ثانيا: المتابعة أمام المجلس التأديبي
یعدّ المغرب، إلى جانب فرنسا، من الدول التي انتهجت النظام شبه القضائي، حیث تعتبر دعوة الموظف للمثول أمام اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء التي تجتمع كمجلس تأدیبي، إحدى الضمانات الأساسية في هذه المرحلة، والتي رتب علیها المشرع والقضاء نتائج مهمة، لعل أبرزها بطلان الإجراء أو القرار المتخذ دون سلوك مسطرة المثول.[12] وينظم المجلس التأدیبي بالمغرب المرسوم الصادر بتاریخ 5 ماي 1959 [13] وتتكون هذه اللجان على أساس مبدأ المساواة في التمثيل بین ممثلي الإدارة وممثلي ، ویعین ممثلي الإدارة من بین الموظفين العاملین في الإدارة المعنیة أو المنتمین من الموظفین إلى سلك أعلى، والمعهود إلیهم بإجراء مراقبة على هذه الإدارة، ومن ضمنهم الموظف المعين كرئيس للجنة ، وذلك بموجب قرار يصدره الوزير المعني ،أما ممثلي الموظفين فإنهم ينتخبون عن طريق الاقتراع السري اللائحي وفقا لطريقة التمثيل النسبي [14] و يجب أن يدلي المجلس التأديبي بالرأي المنصوص عليه في أجل شهر واحد ابتداء من يوم رفع النازلة إليه. ويمتد هذا الأجل إلى ثلاثة أشهر عند القيام ببحث . وفي حالة متابعة لدى محكمة زجرية يمكن للمجلس التأديبي أن يؤجل الإدلاء برأيه إلى صدور الحكم من تلك المحكمة [15] ولا يمكن في أية حالة من الأحوال أن تكون العقوبة الصادرة بالفعل أشد من العقوبة التي يقترحها المجلس التأديبي اللهم إلا إذا وافق على ذلك رئيس الوزارة[16] وإذا ارتكب أحد الموظفين هفوة خطيرة سواء كان الأمر يتعلق بإخلال في التزاماته المهنية أو بجنحة ماسة بالحق العام فإنه يوقف حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب. والمقرر الصادر بتوقيف الموظف يجب إما أن ينص على أن المعني بالأمر يحتفظ بمرتبه طيلة مدة توقيفه، وإما أن يحدد قدر ما سيتحمله من الاقتطاع، وتستثنى من ذلك التعويضات العائلية التي يظل المعني بالأمر يتقاضاها بأكملها. وفي حالة التوقيف يجب استدعاء المجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن، كما يجب أن تسوى نهائيا حالة الموظف الموقف في أجل أربعة أشهر، ابتداء من اليوم الذي جرى فيه العمل بالتوقيف، وإن لم يصدر أي مقرر عند انتهاء هذا الأجل فإن الموظف يتقاضى من جديد مرتبه بأكمله، وللموظف المعني بالأمر الحق في استرجاع المبالغ المقتطعة من مرتبه إن لم تصدر عليه أية عقوبة غير الإنذار والتوبيخ والتشطيب من لائحة الترقية أو إن لم يقع البث في قضيته عند انتهاء الأجل المحدد في الفقرة السالفة. على أن الموظف إذا أجريت عليه متابعات جنائية، فإن حالته لا تسوى نهائيا إلا بعد أن يصير الحكم الصادر عليه من المحكمة التي رفعت لها القضية نهائيا وإلا تطبق في هذه الحالة مقتضيات الفقرة الثالثة الخاصة بالأجل المعين لإعادة الراتب بأكمله إلى الموظف.[17]
الفقرة الثالثة : آلية الطعن في العقوبة
أولا: التظلم الإداري
أ- التظلم الاستعطافي أو ما يعرف بالتظلم الولائي: حيث يتقدم صاحب المصلحة المتضرر من تصرف الإدارة بتظلمه إلى الموظف الذي صدر عنه التصرف موضوع الشكوى، ويتضمن بوضوح المخالفات التي ينظر عليها التصرف غير المشروع مع طلب سحبه أو إلغاءه أو تعديله، بما يتفق وقواعد المشروعية.
ب- التظلم الرئاسي: ومفاده أن يتوجه ذوو الشأن بتظلمهم إلى الرئيس الإداري الذي أصدر القرار موضوع التظلم، طالبين منه الإنصاف ورفع الضرر الذي لحق بهم أو على وشك الوقوع إذا ما تم التصرف وذلك مع توضيح الأخطاء التي وقع فيها الموظف المرؤوس.
في هذه الحالة على الرئيس الإداري أن يفحص أعمال مرؤوسيه ويراجعها بما له من سلطة رئاسية، فإذا ما اكتشفت عدم مشروعية التصرف أو عدم ملائمته بسبب الظروف المحيطة به، فإن عليه إلغاء التصرف أو سحبه أو تعديله واتخاذ تصرف جديد يحل محل التصرف الذي تم إلغاؤه.
ج-التظلم إلى لجنة إدارية خاصة: في هذه الحالة يتوجه المتظلم إلى لجان إدارية خاصة يحددها القانون في حالة معينة ووفق شروط محددة، وتقوم هذه اللجان بالفصل في التظلم المقدم إليها دون اللجوء إلى الرئيس الإداري، وتشكل اللجان الإدارية من عدد من الموظفين.
وتعتبر هذه الطريقة حلا وسطا بين الرقابة عن طريق التظلم الرئاسي والتظلم الاستعطافي، أو الولائي من جهة والرقابي القضائية من جهة أخرى، وغالبا ما تكون اللجان الإدارية خطوة في طريق التطورات نحو الرقابة القضائية الكاملة[18].
ثانيا: الطعن في القرار لدى المحاكم الإدارية
يعد اللجوء الى القضاء الملاذ الأخير للموظف العام المحال للتأديب، لاستنفاذ آخر ضمانة مخولة له في مواجهة قرار توقيع العقوبة التأديبية، ويتم الطعن القضائي عن طريق دعوى الالغاء التي تمكن القاضي الاداري من إضفاء رقابته على الأركان القائم عليها القرار التأديبي، واستخلاص ما يشوبها من عيوب وبالتالي الغاء القرار التأديبي وازالة آثاره. لتصبح رقابة القاضي الاداري الضمان الفاصل للحد من تعسف السلطات التأديبية في اصدار القرارات التأديبية[19]
أ: دور قضاء الإلغاء في حماية الموظف من التجاوز في القرار التأديبي
تعتبر القرارات الصادرة عن المجالس التأديبية بمثابة تصرفات قانونية تحدث آثارا مؤثرة في المراكز القانونية للموظفين الخاضعين لمسطرة التأديب، لذلك فهي تخضع للرقابة القضائية عن طريق دعوى الإلغاء، هذه الدعوى التي هي موضوع القرارات الإدارية يجوز توجيهها ضد أي قرار إداري متى توفرت فيه مقومات وشروط القرار الإداري. واعتبارًا لكون قرار المجالس التأديبية يصدر عن هيئة إدارية تتمتع بسلطة تقديرية في إنزال العقاب على الموظف فإن القضاء الإداري وخاصة قضاء الإلغاء له دور أساسي في مراقبة هذه السلطة وبالتالي فهو ضمانة للموظف ضد كل تجاوز أو شطط في استعمال هذا الحق.
فالقضاء الإداري عموما يبسط مراقبته على صحة الوقائع المعتمدة في القرار الإداري، بالتأكد من وجودها ومن حيث تكييف الوقائع والنظر في الملائمة بين التكييف المعتمد والنتائج التي تتوصل إليها السلطة في مجال التأديب. وفي إطار الاختصاصات المخولة للمجالس التأديبية الخاصة بالموظفين قد تستخدم هذه المجالس سلطتها لتحقيق غرض غير مشروع أو منفعة غير إدارية بمن صدر في حقه المقرر الإداري لتحقق بذلك أغراضا شخصية حيادا على المصلحة العامة. ويأخذ هذا العيب مظهر مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف واستعمال المصلحة مطيّة لتحقيق أغراض شخصية كقرار نقل موظف تحت غطاء المصلحة العامة لاستغلال المنصب الشاغر، ويقع دليل إثبات الانحراف في استعمال السلطة على عاتق المتمسك به الذي يمكن أن يثبت بجميع الوسائل القانونية التجاوز الحاصل في حقه من جراء القرار التأديبي وتكون فرصة وضمانة لتصحيح الخطأ في حالة إقرار المحكمة لذلك.[20]
ب: إلغاء القرار الإداري التأديبي لعدم التعليل
المشرع المغربي أصدر قانون 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعية المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية ، ويشكل هذا القانون أحد الضمانات الهامة في مجال احترام المواطنين وأحد الضمانات القانونية لإلزام السلطات الإدارية بالتقيد بأحكام المشروعية, فالمادة الأولى من قانون رقم 01-03 تلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية , الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم المشروعية وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها .[21] ونصت المادة الثانية ’’ تخضع للتعليل , مع مراعاة أحكام المادتين 3و4 من هذا القانون , علاوة عن القرارات الإدارية التي أوجبت النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل , تعليلها القرارات الإدارية التالية .
أ- القرارات المرتبطة بمجال ممارسة الحريات العامة أو التي تكتسي طابع إجراء ضبطي
ب- القرارات الإدارية القاضي , بإنزال عقوبات إدارية أو تأديبية
ج – القرارات الإدارية التي تفيد تسليم رخصة أو شهادة أو أي وثيقة إدارية أخرى بشروط أو تفرض أعباء غير منصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
د- القرارات القاضية بسحب أو إلغاء قرار منشئ لحقوق
ه-القرارات الإدارية التي تستند على تقادم أو فوات اجل أو سقوط حق
و- القرارات التي تفرض منح امتياز يعتبر حقا للأشخاص الدين تتوافر فيهم الشروط القانونية[22]
ج- دعوى التعويض لجبر الضرر اللاحق بالموظف الذي تم تأديبه
تبدو أهمية دعوى التعويض في كونها تكمل الحماية التي يسبغها قضاء الإلغاء على حقوق الموظفين بإعدام القرارات التأديبية لعدم مشروعيتها ،وذلك عن طريق تضمين الضرر الذي يصيب الموظفين في فترة ما بين صدور القرار وبين إلغائه، كما تظهر أهمية هذه الدعوى في أن اللجوء إليها يظل مفتوحا في حالة ما إذا أغلق باب الطعن بالإلغاء أو النقض كما هو الشأن في حالة انقضاء أجل الطعن(60 يوما) .ذلك أن الموظف العمومي الذي صدر في حقه قرار تأديبي غير مشروع ولم يطعن فيه بالإلغاء لفوات أجل الطعن أو قد يتم الطعن خارج الأجل القانوني ، فمثل هذا القرار يصبح محصنا ولو كان متسما بعيب عدم المشروعية ، ففي هذه الحالة أجاز القضاء للمتضرر من هذا القرار أن يراجع المحكمة الإدارية في إطار مقتضيات الفصل الثامن من قانون 90-41 للمطالبة بالتعويض عن الضرر اللاحق به جراء القرار المعيب.[23]
الفقرة الثالثة: محو آثار العقوبة التأديبية
1-الآجال: وفقا لمقتضيات الفصل 75 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فإن لكل موظف الحق في طلب محو آثار العقوبة التأديبية من ملفه الإداري بعد انصرام الآجال التالية:
خمس سنوات بالنسبة لعقوبة الإنذار أو عقوبة التوبيخ؛ ̧ عشر سنوات بالنسبة لباقي العقوبات المنصوص عليها في الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية [24]والفصل 6 من المرسوم الملكي رقم62.68 بتاريخ17 مايو1968 الخاص بالموظفين المتمرنين[25].
2- الشـروط: أن يكون الموظف المطالب بسحب العقوبة التأديبية في وضعية القيام بالعمل؛ وأن يتقدم بطلب كتابي في الموضوع مشفوعا برأي رئيسه المباشر ونسخة من قرار العقوبة المراد سحبها؛ ̧ إذا كانت العقوبـة موضـوع طلب السحب صـادرة عن الإدارة (الإنذار أو التوبيخ) يتم سحبها من طرف الإدارة؛ ̧ إذا كانت العقوبة موضوع طلب السحب صادرة بناء على اقتراح من المجلس التأديبي، فيتعين عرض ملف السحب على المجلس التأديبي للبت فيه دون حضور المعني بالأمر. [26]
المحور الثاني: جريمة الوشاية الكاذبة
نظرا للأثر البالغ الذي يحدثه فعل الإيشاء الكاذب على المجني عليه، وعلى مكانته الاجتماعية وسمعته، والتي قد تصل إلى توقيع عقوبات جنائية أو تأديبية إذا ما لم يستطع المجني عليه إثبات براءته إلا بعد مرور مدة معينة، فإن أغلب التشريعات تجنّدت لوضع حد لهذا النوع من الأفعال الاجرامية ومعاقبة مقترفيها حفاظا على الأمن الاجتماعي وحمايةً، لنزاهة وشرف من هم ضحية لمثل هذه الأفعال الإجرامية.[27] و بمعنى آخر عرفها أحد الباحثين بكونها استعمال حق الشكوى استعمالاً منحرفًا، يخرج عن غايته الأصلية (حماية النظام العام أو الحقوق)، ليصبح وسيلة للإيذاء الشخصي أو تصفية الحسابات.
الفقرة الأولى: جريمة الوشاية الكاذبة في القانون المغربي
اهتم المشرع المغربي بجريمة الوشاية الكاذبة عبر مجموعة من مواد القانون الجنائي كالمادة 445 منه، حيث نجدها تنص على أنه “من أبلغ بأية وسيلة كانت، وشاية كاذبة ضد شخص أو أكثر إلى النيابة العامة أو إلى الضابطة القضائية أو الإدارة أو إلى هيئات مختصة باتخاذ إجراءات بشأنها أو تقديمها إلى السلطة المختصة، وكذلك من أبلغ الوشاية إلى رؤساء المبلغ به أو أصحاب العمل الذين يعمل لديهم، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من مائة وعشرين إلى ألف درهم، ويجوز للمحكمة أن تأمر علاوة على ذلك بنشر حكمها كله أو بعضه في صحيفة أو أكثر على نفقة المحكوم عليه ” .[28]
وإذا كانت الوقائع المُبلّغ بها تستوجب زجرا جزافيا أو إداريا، فإن المتابعة عن الوشاية الكاذبة تطبيقا لهذا النص، يمكن الشروع فيها، إما عقب الحكم النهائي ببراءة المبلغ ضده، أو عقب صدور أمر إقرار بعدم متابعته أو عقب حفظ الشكاية بأمر من أحد رجال القضاء أو الموظف أو رئيس المبلغ ضده أو مستخدمه المختص بالبت في الشكاية.
وعلى المحكمة التي ترفع لها الدعوى بمقتضى هذا الفصل، أن تأمر بوقف نظر دعوى البلاغ الكاذب، إذا كانت المتابعة عن الواقعة المبلغ بها لازالت جارية.[29]
أولا: أركان الوشاية الكاذبة
حيث نجد الركن المادي من خلال التبليغ الكاذب، وأن يصدر التبليغ بكامل إرادة المبلغ أي دونما إكراه أو ضغوط وأن يستهدف شخصا بعينه، وأن تكون الواقعة المبلغ عنها مُعاقب عليها قانونيا وإداريا، وأن يكون التبليغ موجها إلى أشخاص أو هيئات حددها القانون وهي النيابة العامة و الشرطة القضائية والإدارية، الهيئات المختصة باتخاذ قرارات بشأن الوشاية، الهيئات المختصة بتقديم الوشاية إلى السلطات المختصة، ورؤساء المبلغ ضده، ثم أصحاب العمل الذين يعمل لديهم المبلغ ضده.[30]
ثانيا: القصد الجنائي
ويتحقق هذا العنصر في جنحة الوشاية الكاذبة، بتوافر قصد الإضرار بالمبلغ ضده عن طريق نقل خبر زائف، يعلم المبلغ أنه لا يستند إلى أساس، وبعبارة أخرى حينما يعمد الجاني بسوء نية إلى نسب وقائع إلى شخص يعلم علم اليقين أنه بريء منها.
فلا يتحقق القصد الجنائي إذا انتفى سوء النية، كما إذا كان صادرا عن خطأ أو مدفوعا نتيجة التهور وعدم التبصر، وفي هذه الأحوال يصح للمتضرر أن يطالب بالتعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة هذا التبليغ القائم على الخطأ أو التهور.[31]
الخاتمة:
تشكل الشكاية الكيدية معضلة حقيقية تعاني منها الكثير من الإدارات لكون الموظف العمومي يكون ضحيتها حتى مع قرار الحفظ، خاصة ممن يزاولون مهامهم ضمن إدارات ومؤسسات حساسة، فإذا ثبتت الشكاية رتبت الجزاء سواء الإداري أو الزجري بعد سلوك مختلف المساطر المعمول بها، وإذا حُفظت قد ينجو المشتكي بشكايته الكاذبة، لأن الإدارة غالبا لا ترتب آثارا على المشتكي إحقاقا للإنصاف والعدل بل قد يتعرض الضحية لضغوط تجعله غير قادر على متابعة الواشي الكاذب، لهذا ينبغي التفكير في إدراج الحلول التالية:
- التحقق من وجاهة الشكاية وجديتها وأساسها القانوني قبل فتح مسطرة البحث في مضمونها.
- إلزام الإدارة بفتح مسطرة ضد المشتكي في حالة الشكاية الكيدية، حماية لموظفيها من الابتزاز وردعا للتكرار مع إخبار الموظف بقرار الحفظ بحق الموظف المُشتكى به، وفتح مسطرة المتابعة إذا تبت أن الشكاية كيدية.
- تشجيع الموظف ضحية الشكاية الكيدية على اللجوء للقضاء، طلبا للتعويض عن الأضرار المعنوية والنفسية الناتجة عن الشكاية الكيدية.
- تبني النقابات والجمعيات المهنية للموظفين لهذا النوع من القضايا ، بالدعم والمآزرة تحقيقا لمبدأ الإنصاف وحمايةً لحقوق وكرامة الموظف العمومي النزيه .
المراجع:
المرسوم الملكي رقم 62.68 بتاريخ 17 مايو 1968 بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالإدارات العمومية
القانون الجنائي المغربي
قانون 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية
قانون 90-41 المحدث بموجبه محاكم إدارية
- النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية
- مرسوم رقم 2.59.0200 بخصوص اللجان المتساوية الأعضاء
- مناشير وزارية متنوعة
- لا تركيز تدبير الموارد البشرية” دليل الشؤون التأديبية” ، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي -الكتابة العامة -مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر، يناير 2008
- إبراهيم قرطيط ، بحث نهاية التكوين “ضمانات المسآلة التأديبية للموظف العمومي بين التشريع والقضاء ” الفوج 41
- يوسف بدينني، متصرف عرض بعنوان “النظام التأديبي في الوظيفة العمومية “
- محمد المنصور ، “جريمة الوشاية الكاذبة في التشريع المغربي ” باحث بسلك الدكتوراه بوجدة ،فضاء المعرفة القانونية
- عمامرة هناء ،زرقين عبد القادر، شعشوع قويدر” الطعن القضائي بإلغاء قرارات الإدارة التأديبية، – المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية ،الصنف ج ،المجلد 8 العدد 1 جوان 2023
- تأديب الموظف ،مجلة المختبر القانوني ،تاريخ النشر 13يوليو2019 ،الرابط على الأنترنيت https://test.labodroit.com
- المغربية القانونية، مقال “طرق الطعن في القرارات التأديبية ” الرابط على الأنترنيت https://www.elkanounia.com
- الطعن القضائي بإلغاء قرارات الإدارة التأديبية، عمامرة هناء ،زرقين عبد القادر
- وثائق متنوعة
وثائق:
- لا تركيز تدبير الموارد البشرية دليل الشؤون التأديبية، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي -الكتابة العامة -مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر، يناير 2008 ↑
- يوسف بدينني، متصرف عرض بعنوان “النظام التأديبي في الوظيفة العمومية ” ↑
- الفصل 65 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 6 من المرسوم الملكي رقم 62.68 بتاريخ 17 مايو 1968 بتحديد المقتضيات المطبقة على الموظفين المتمرنين بالإدارات العمومية ↑
- الفصل 66 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- منشور الوزير الأول رقم1/96 حول تمثيل المحامين للموظفين المتابعين أمام المجالس التأديبية ↑
- الفصل 67 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 68 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- المادة الثانية من قانون 03.01 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قرارتها الإدارية ↑
- الفصل 69 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- إبراهيم قرطيط ، بحث نهاية التكوين “ضمانات المسآلة التأديبية للموظف العمومي بين التشريع والقضاء ” الفوج 41 ،ص28 ↑
- مرسوم رقم 2.59.0200 بتاریخ 26 شوال 1378 (5 ماي 1959)، ج ر عدد 2429 بتاریخ 15 ماي 1959 ↑
- الباب الثالث من الفصل 3 من مرسوم رقم 2.59.0200يطبق بموجبه بخصوص اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ↑
- الفصل 70 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 71 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- المغربية القانونية، مقال “طرق الطعن في القرارات التأديبية ” الرابط على الأنترنيت https://www.elkanounia.com/2020/09/article_18.html ↑
- الطعن القضائي بإلغاء قرارات الإدارة التأديبية، عمامرة هناء ،زرقين عبد القادر ، شعشوع قويدر– المجلة الجزائرية للحقوق والعلوم السياسية ،الصنف ج ،المجلد 8 العدد 1 جوان 2023 ↑
- تأديب الموظف ،مجلة المختبر القانوني ،تاريخ النشر 13يوليو2019 ،الرابط على الأنترنيت https://test.labodroit.com ↑
- المادة 1 من قانون 01-03″ تلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيآتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها” ↑
- المادة 2 من قانون 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية ↑
- المادة8 من قانون 90-41 المحدث بموجبه محاكم إدارية “تختص المحاكم الإدارية ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام. وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات مجلس المستشارين والضرائب ونزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين ، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون. وتختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون ” ↑
- الفصل 66 و75 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ↑
- الفصل 6 من المرسوم الملكي رقم68.62 بتاريخ 17مايو 1968 الخاص بالموظفين المتمرنين ↑
- دليل الشؤون التأديبية” مرجع سابق ↑
- “جريمة الوشاية الكاذبة في التشريع المغربي ” محمد المنصور ،باحث بسلك الدكتوراه بوجدة ،فضاء المعرفة القانونية الرابط على الأنترنيت https://espaceconnaissancejuridique.wordpress.com ↑
- المادة 445 من القانون الجنائي المغربي ↑
- محمد المنصور، مرجع سابق ↑
- المادة 445 من القانون الجنائي المغربي ↑
- منظمة التضامن الجامعي المغربي ” دعوى الوشاية الكاذبة ” الرابط على الأنترنيت https://sum.ma ↑