في الواجهةمقالات قانونية

اختصاص المجالس الجهوية للحسابات في مجال التأديب المالي – دراسة قانونية –

اختصاص المجالس الجهوية للحسابات في مجال التأديب المالي

– دراسة قانونية –

 

 

بقلم: علي حدودي

 

 

 

طالب باحث بماستر التدبير الإداري للموارد البشرية والمالية للإدارة

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا

 

 

 

 

 

 

تقــــــــــديم:    

إن المحافظة على المال العام تستوجب وجود نظام رقابي فعال، وتكتسي الرقابة بصفة عامة أهمية خاصة كمبدأ من مبادئ التسيير والفعالية، وكل نظريات التسيير الإداري تتفق على المكانة الخاصة التي يجب أن تحظى بها الرقابة والمتابعة والمساءلة. ومن ثم فإن ضبط الرقابة المالية وزيادة الاهتمام بها، واستقلالية الجهة المخولة لها ممارستها، والحرص على المصلحة العامة والنظرة الشمولية للمال العام، كل ذلك سيقود إلى النهوض بالاقتصاد العام والانتقال النوعي في الاستخدام الأمثل لإدارة المال)[1](.

ومن هنا، يبدو موضوع الرقابة مهما وحاسما في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي، إذ أضحت إشكالية المراقبة على اختلاف مستويات)[2]( الإشكالية المحورية والأكثر تداولا في مختلف النقاشات والخطابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويقدم التفكير في موضوع المراقبة القضائية المحلية إغراء شديدا عبر ربطه بمشكلات وآفاق التدبير المالي المحلي من جهة، وكذا تلازم النظر إليه مع ضرورة تدعيم مسار تجربة اللامركزية الترابية من جهة ثانية.

كما يعتبر اختصاص الرقابة القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، الوجه الثاني لرقابة الشرعية)[3](، وذلك لكونها تنصب أساسا على تصرفات الآمر بالصرف، والمراقبين، والمحاسبين العموميين.

ويمارس المجلس الجهوي للحسابات مهمة قضائية في مجال التأديب المالي بالنسبة لكل مسؤول أو موظف أو مستخدم يعمل في الجماعات الترابية ومجموعاتها، وكذا المؤسسات العمومية الخاضعة لوصاية هذه الجماعات والهيئات، إلى جانب الشركات أو المقاولات التي تملك فيها الجماعات الترابية أو مجموعاتها على إنفراد أو بصفة مشتركة بشكل مباشر، أو غير مباشر أغلبية الأسهم في الرأسمال، أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار)[4](.

    إن ما يعرفه التدبير الترابي من اختلالات تجلى في سوء التسيير، وتبذير الأموال العمومية، يقتضي فرض سلطة القانون، وتدعيم رقابة المحاكم المالية سواء على المستوى الوطني، أو على المستوى المحلي من خلال تقوية اختصاصاتها، وبالتحديد اختصاص التأديب المالي المسند للمجالس الجهوية للحسابات.

و يمكن صياغة الإشكالية المركزية على النحو التالي:

ما الأشخاص الخاضعين لاختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، والمسطرة المتعلقة بهذا الاختصاص المسند للمجالس الجهوية للحسابات؟

ولدراسة هذا الموضوع المتعلق باختصاص التأديب المالي للمجالس الجهوية للحسابات، لا بد من الانطلاق من مستويين، الأول سأتناول فيه الأشخاص الخاضعين لاختصاص التأديب المالي، وأما الثاني سأتطرق فيه إلى مسطرة اختصاص التأديب المالي المسند للمجالس الجهوية للحسابات.

المطلب الأول: الأشخاص الخاضعون لاختصاص التأديب المالي

يمارس المجلس الجهوي للحسابات اختصاصا قضائيا في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، الأمر الذي يحتم علينا الوقوف عند إثارة مسؤولية كل من المحاسب العمومي( الفقرة الأولى)، الآمر بالصرف(الفقرة الثانية) ثم المراقب المالي (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: إثارة مسؤولية المحــــــــــــــاسب العمومي

المحاسبون العموميون هم المؤهلين وحدهم لتنفيذ عمليات المداخيل والنفقات، أو التصرف في السندات، فهم مسؤولون أمام المحاكم المالية في نطاق التأديب المالي إذا ارتكبوا أثناء ممارسة مهامهم، المخالفات المحددة في المادة 56 من مدونة المحاكم    المالية. وعلى هذا المستوى، نصت الصيغة الجديدة للمادة 56 كما عدلت بموجب قانون المالية لسنة 2008)[5]( في فقرتها الأولى على أن كل محاسب عمومي، وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته، أو يعمل لحسابه، يخضع للعقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل، إذا لم يمارسوا أثناء مزاولة مهامهم المراقبات التي هم ملزمون بالقيام بها بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل)[6](.

وعليه فأمام هذا الدور الحساس في مجال تنفيذ الميزانية، قام المشرع بتشديد المسؤولية الملقاة على عاتق المحاسب العمومي، تفاديا لكل ما من شأنه أن يمس بالمال العام المحلي حينما جعلها مسؤولية شخصية ومالية، بحيث يصبح المنفذ معها مسؤولا بصفته الشخصية وإمكانياته المادية عن كل الأخطاء التي تصدر عنه أثناء ممارسة وظيفته كمحاسب عمومي)[7](.

وحسب الفقرة الثانية من المادة 56 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، فإن أسباب إثارة مسؤولية المحاسب العمومي في مجال التأديب المالي تتمثل في ثلاثة حالات:

ــ إذا لم يقوموا بمراقبة مشروعية تحصيل وتنزيل المداخيل المرصدة في صناديقهم؛

ــ إذا أخفوا المستندات أو أدلوا إلى المجلس بوثائق مزورة أو غير صحيحة؛

ــ إذا حصلوا لأنفسهم أو لغيرهم على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.

إلا أنه لا يمكن متابعة المحاسب العمومي الذي حكم عليه بالعجز حسب ما جاء في مقتضيات المواد من 37 إلى 40 من مدونة المحاكم المالية، لنفس الأسباب الواردة في الفقرة الثانية من المادة 56 من مدونة المحاكم المالية.

كما أن ما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 66 من مدونة المحاكم المالية منه لا ينطبق على المحاسب العمومي، حيث جاء فيها ” إذا ثبت للمجلس أن المخالفات المرتكبة تسبب في خسارة لفائدة هذه الأجهزة الخاضعة لرقابته، قضى على المعني بالأمر بإرجاع المبالغ المطابقة لفائدة هذا الجهاز من رأسمال وفوائد …”

الفقرة الثانية: إثارة مسؤولية  الآمر بالصـــــــــــرف

لقد تم تعريف الآمر بالصرف حسب المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية “بكل شخص مؤهل باسم منظمة عمومية لرصد، أو إثبات، أو تصفية، أو الآمر باستخلاص  دين، أو أدائه “)[8](. وحسب المادة الثانية من القانون رقم 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين، فإنه يراد بمدلول للآمر بالصرف: الآمر بالصرف بحكم القانون، والآمر بالصرف المعين، والآمر بالصرف المنتدب، والآمر بالصرف المساعد ونوابهم.

إلى جانب ذلك، فحسب المادة 54 من القانون رقم 62.99، فإن كل آمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول، وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم، يخضعون للعقوبات إذا ارتكبوا أثناء مزاولة مهامهم مخالفة تمس قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها، أو عدم احترام النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية، أو مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين والأعوان، إلى جانب مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها، وارتكاب مخالفة في قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عملا بالنصوص التشريعية الجاري بها العمل، بالإضافة إلى مخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس والتقييد غير القانوني للنفقة بهدف التمكن من تجاوز الاعتمادات، وكذا إخفاء المستندات أو الإدلاء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة، وعدم الوفاء تجاهلا أو خرقا لمقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات المترتبة عليها بهدف تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزميين بالضريبة.

إلى جانب ذلك، فإن حصول الشخص لنفسه أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية يعد مخالفة يعاقب عليها، وكذلك إلحاق الضرر بالجهاز العمومي بسبب الإخلال الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بها، أو من خلال الإغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامهم الإشرافية.

وبالتالي فإن ارتكاب الآمر بالصرف مخالفة تندرج ضمن هذه المخالفات يعرضه للعقوبات وفقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل، و يتحمل كذلك كل المسؤوليات المترتبة عنها.

وعلاوة على ذلك. تتجلى أدوار الآمر بالصرف، حسب المادة 5 من المرسوم المتعلق بالمحاسبة العمومية)[9]( في مجال التنفيذ الإداري للمداخيل بإثبات الديون المستحقة للجماعات الترابية ومجموعاتها وكذا المؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها، والشركات والمقاولات التي تملك فيها الجماعات الترابية غالبية الأسهم، ثم القيام بتصفية هذه الديون، وفي الأخير يقوم بالتأشيرة والأمر بتحصيلها. أما في مجال التنفيذ الإداري للنفقات، فإن الآمر بالصرف يقوم بالالتزام بديون الجماعات الترابية ومجموعاتها، وتصفيتها للتأكد من وجودها، وضرورة تسديدها، ثم بعد ذلك يأمر بدفعها.

الفقرة الثالثة: إثارة مسؤولية المراقب المـــــــــــالي

يعتبر المراقب المالي، حسب المادة الثانية من القانون المتعلق بمسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين، ” كل موظف أو عون مكلف بمقتضى النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها. إما بمراقبة الالتزام بنفقات الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها، وإما المراقبة المالية للدولة الممارسة على المؤسسات والمقاولات العمومية “.

ومن هذا المنطلق، يعتبر كذلك المراقب المالي مسؤولا بصفة شخصية عن أعمال المراقبة التي يتعين عليه القيام بها على قرارات الالتزام بالنفقات، و كذا القرارات المتعلقة بالمداخيل، ويخضع للعقوبات المنصوص عليها في المادة 66 من مدونة المحاكم      المالية، إلى جانب أي موظف أو عون يعمل تحت إمرته أو لحسابه إذا ثبت ارتكاب خطأ من طرفه.

وقد حددت الفقرة الثانية من المادة 55 المعدلة، وعلى سبيل الحصر، الحالات التي يكون فيها المراقبون الماليون مسؤولون عنها أثناء قيامهم بالمراقبات التي هم ملزمون بها بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، على الوثائق المتعلقة بالالتزام بالنفقات وعلى الوثائق المتعلقة بالمداخيل إذا كانت من اختصاصهم. ويعتبر المراقبون مسؤولون بصفة شخصية عن أعمال المراقبة التي يتعين عليهم القيام بها و التي تتجلى في:

ــ مطابقة صفة الأشغال أو التوريدات أو الخدمات لقواعد طلب المنافسات المطبقة على الجهاز المعني بالأمر؛

ــ مشروعية القرارات المتعلقة باقتناء العقارات وبالاتفاقيات المبرمة مع الغير، وبمنح الإعانات المالية؛

ــ صفة الأشخاص المؤهلين بمقتضى النصوص التنظيمية المعمول بها للتوقيع على اقتراحات الالتزام بالنفقات؛)[10](

غير أن المراقب المالي حسب مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 55 من مدونة المحاكم المالية لا يخضعون لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 66 من نفس القانون، إذا تعلق الأمر بأعمال المراقبة التي عليهم القيام بها على قرارات الالتزام بالنفقات.

المطلب الثاني: مسطرة اختصاص التأديب المالي المسند للمجالس الجهوية للحسابات

    يقصد بمسطرة التأديب المالي مجموعة من القواعد والإجراءات التي تنظيم كيفية رفع القضية (الفقرة الأولى)، وسير التحقيق والمحاكمة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إحالة القضايا التأديبية

    على خلاف مسطرة التدقيق والبت في حسابات المحاسبين العموميين التي تنطلق بمجرد تقديم الحسابات والبيانات المحاسبية إلى المجلس الجهوي للحسابات، فإن إحالة قضايا التأديب المالي إلى المجلس الجهوي للحسابات  تكون من طرف وكيل الملك من تلقاء نفسه، أو بطلب من الرئيس. كما يمكن لوزير الداخلية، وكذا وزير المالية، رفع القضايا إلى المجلس الجهوي للحسابات بواسطة وكيل الملك بناء على تقارير التفتيش والمستندات.

واستنادا إلى مقتضيات المادة 138 من مدونة المحاكم المالية، يمكن التمييز في كيفية إحالة قضايا التأديب المالي على المجالس الجهوية للحسابات بين الإحالة الداخلية من جهة، التي يتم تحريكها أمام المجلس الجهوي للحسابات بواسطة وكيل الملك من تلقاء  نفسه، أو بطلب من الرئيس الذي يطلب من وكيل الملك رفعها إلى المجلس الجهوي بناء على النتائج والأبحاث والتحقيقات والمعطيات التي يتم التوصل بها من داخل المجلس الجهوي للحسابات. والإحالة الخارجية من جهة ثانية، التي تتم بواسطة وكيل الملك، ولكن بناء على تقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة، إلى جانب كل من وزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية)[11](.

وفي جميع الحالات نخلص أن الاختصاص العام في مجال تحريك مسطرة التأديب المالي يرجع إلى وكيل الملك؛ أي أن عملية رفع القضايا، وتحريك الدعوى، وإن كان منصوصا عليها بصورة تبين تدخل جهات متعددة، فإنها في النهاية تأخذ مداها ولا تتحقق بالفعل إلا بواسطة النيابة العامة.)[12]( ومن هنا، يشكل وكيل الملك مفتاح تحريك الدعوى في مجال التأديب المالي أمام المجلس الجهوي للحسابات، إذ لا يمكن تحريك مسطرة التحقيق أمام هذا الأخير إلا بحضور وكيل الملك.

وجدير بالذكر أنه إذا كانت الجهات الواردة في المادة 138 من مدونة المحاكم المالية تتعلق فقط بالإحالة الرسمية، المؤسساتية أو القانونية، فإن تسليم معلومات أو وثائق للنيابة العامة بصفة غير رسمية يبقى أمرا متاحا لكل من يهمه الأمر.)[13]( و على هذا الأساس، تتلقى النيابة العامة لدى المحاكم المالية الشكايات أو التبليغات من لدن المواطنين، لكن وحيث أن الأفراد لا يخول لهم القانون، ولا يمكن أن يكون الأمر على خلاف ذلك، حق رفع القضايا إلى المحاكم المالية، فإن ما قد يقدمونه في تبليغاتهم لا يعدو أن يكون مجرد معلومات تتم دراستها وتقييمها من طرف النيابة العامة، التي تقرر ما تراه مناسبا في نطاق صلاحياتها الخاصة بتحريك المتابعة دون أن يؤدي ذلك في أي حال من الأحوال، إلى اتخاذ مقرر حفظ معلل كما هو الشأن بالنسبة للقضايا المرفوعة إليها من طرف الجهات التي خول لها القانون ذلك).[14](

كما أن الشكايات التي قد تتلقاها النيابة العامة لدى المحاكم المالية لا تسعى إلى تحقيق مصلحة عامة (على الأقل بصفة مباشرة)، بل تتوخى مبدئيا صيانة المصلحة العامة من خلال التشهير بالتدبير السيئ لجهاز عمومي، أو تقديم معطيات بشأن إخلالات مزعومة لمسؤولين عموميين بقواعد التسيير المالي)[15](.

الفقرة الثانية: مسطرة التحقيق

إن طبيعية مسطرة التحقيق المتبعة أمام المجالس الجهوية للحسابات في ميدان التأديب المالي تختلف عن نظيراتها المتبعة في مجال رقابة المحاسبين العموميين، خاصة فيما يتعلق بضمان الحد الأقصى من السرية للمتهم من حيث إجراءات التحقيق).[16](

بما أن وكيل الملك هو الذي يقوم برفع القضايا إلى المجلس الجهوي للحسابات، في مجال التأديب المالي، سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من الرئيس، فإنه يجوز له حسب مقتضيات المادة 58 من مدونة المحاكم المالية أن يقرر بناء على الوثائق والمعلومات التي يتوصل بها حالتين:

الحالة الأولى: يقوم بتكييف المخالفة، ويصدر قرارا بالمتابعة، ويطلب في هذه الحالة من الرئيس الأول تعيين مستشار مقرر يكلف بالتحقيق، ويعمل على إخبار الأشخاص المعنيين طبقا للمسطرة المتعلقة بالاستدعاء في الفصول 37 و38 و39 أنه متابع أمام المجلس الجهوي للحسابات، وأنه مأذون لهم الاستعانة بمحام مقبول لدى محكمة النقض ويخبر كذلك بالمتابعة الوزير، أو السلطة التي ينتمي إليها الموظف أو العون، ثم الوزير المكلف بالمالية وعند الإقتضاء الوزير المعهود إليه بالوصاية.

الحالة الثانية: وإما أن يحفظ القضية إذ لم تتوفر لديه عناصر المتابعة ويتخذ بهذا الشأن مقررا معللا بالحفظ يبلغ للجهة التي عرضت عليها القضية، إلا أن لوكيل الملك الحق في   التراجع عن قرار الحفظ إذا تبث له عناصر جديدة تستدعي الإخراج من الحفظ وقرائن تثبيت المخالفات المرتكبة والمنصوص عليها في الفصول 54 و56 من القانون رقم 62.99.)[17](

وفي حالة تمت المتابعة، يقوم المستشار المقرر الذي يعينه الرئيس بجميع التحريات والتحقيقات، والإطلاع على جميع الوثائق، والاستماع إلى جميع الشهود بعد أداء اليمين طبقا للمسطرة الجنائية. ويدون محضر جلسات الاستماع من طرف كاتب الضبط، وفي حالة رفض المعني بالأمر، أو أحد الشهود، من الحضور ترفع القضية إلى الرئيس للبت في

الأمر وفقا لمقتضيات المادة 60 من مدونة المحاكم المالية، ويصدر غرامة من 500 درهم إلى 2000 درهم.)[18](

عند انتهاء المستشار المقرر من إجراءات التحقيق يوجه ملف القضية، مرفقا بالتقرير المتعلق بالتحقيقات، إلى وكيل الملك من أجل الإطلاع عليه، ووضع ملتمساته داخل أجل 15 يوما يبتدئ من تاريخ التوصل بالملف.)[19](

كما يبلغ المعني بالأمر بأنه يجوز له داخل أجل خمسة عشرة 15 يوما من تاريخ التبليغ، أن يطلع لدى كتابة الضبط بالمجلس الجهوي للحسابات على ملفه، إما بصفة شخصية أو بواسطة محاميه، كما الحق له في الحصول على نسخة من وثائق ملفه، وله الحق خلال 30 يوما الموالية للإطلاع على الملف أن يقدم مذكرة كتابية، بصفة شخصية، أو بواسطة محاميه، تبلغ إلى وكيل الملك)[20](. إلى جانب ذلك يحق للمعني بالأمر أن يقدم طلب الاستماع إلى الشهود داخل أجل 15 يوما إذا تبين للرئيس الأول أن القضية جاهزة أمر بإدراجها في جدول جلسات الغرفة المختصة بقضايا التأديب المالي ويستدعى المعني بالأمر 15 يوما قبل انعقاد الجلسة)[21](.

وحسب المادة 64 من مدونة المحاكم المالية، فإن رئيس الهيئة هو الذي يتولى الإشراف على المناقشات، والحفاظ على نظام الجلسة. وفي بداية الجلسة يقوم المستشار المقرر بقراءة ملخص التقرير الذي قام به، ويدعى المعني بالأمر شخصيا أو بواسطة محاميه لتقديم توضيحاته وتبريراته. ويمكن طرح الأسئلة على المعني بالأمر أو محاميه من طرف الرئيس أو من طرف أعضاء الهيئة بإذن من الرئيس.

كما يجوز للرئيس أن يأذن للشهود المقبولين الذين تقدموا بطلب بهذا الخصوص مشفوعا بجميع التبريرات التي يراها كافية، بعدم حضور الجلسة شخصيا وتقديم شهاداتهم كتابة، وفي هذه الحالة يتولى كاتب الضبط تلاوة الشهادة المكتوبة للشهود المأذون لهم بذلك. ويجوز كذلك للوكيل العام للملك أن يطلب الاستماع إلى الأشخاص الذين يرى أن شهادتهم ضرورية. ويتم التداول في الهيئة، ويشارك المستشار المقرر في المداولات بصوت تقريري، ويتخذ القرار بأغلبية الأصوات، وفي حالة تعادل الأصوات يرجح الجانب الذي ينتمي إليه الرئيس.

وفي نفس الإطار، لا يمكن الاستماع إلى الشهود الذي تقرر إحضارهم إلى الجلسة إلا بعد أداء اليمين طبقا للكيفيات و الشروط المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية. وعندما تكون القضية جاهزة تدرج في المداولة، ويصدر الرئيس قرار في جلسة يستدعي لها المعني بالأمر، أو من ينوب عنه، في أجل شهرين من تاريخ إدراج القضية في المداولة، وهذا القرار يتم تبليغه إلى المعني بالأمر وإلى الوزير المكلف بالمالية والوزير المعني، وإلى وكيل الملك وإلى الجهة التي رفعت القضية إلى المجلس الجهوي للحسابات والممثلين القانونين للأجهزة المعنية وذلك داخل أجل شهرين بعد صدور القرار­­­­)[22](.

وللإشارة فإن نفس المقتضيات المتعلقة بمسطرة التحقيق المتبعة أمام المجالس الجهوية للحسابات هي نفسها المتبعة أمام المجلس الأعلى للحسابات.

خاتـــــــــــــمة:

ختاما ومما سبق، فرغم الأهمية الكبرى التي يحظى بها اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية المسند للمحاكم المالية بغاية الحفاظ على التدبير المالي ونجاعته، إلا أن عمل القاضي المالي يعاني خلال تكريسه لهذا الاختصاص من إشكالية تشابك المساطر وتداخلها، فإذا كان عمل القاضي المالي يتميز بالإزدواج الوظيفي، أي ممارسة المهام الإدارية إلى جانب الاختصاصات القضائية، فإن ذلك يعني أن القاضي يشتغل في نفس اللحظة بمساطر متعددة ومتداخلة فضلا عن ذلك تتميز مساطر اشتغال القضاة الماليين بالطابع المعقد.

كما أن عمل المحاكم المالية لازال ناقصا في ظل إشكالية ضعف إن لم نقل غياب التنسيق بينها وبين المحاكم العادية، حيث يمكن القول أنه في غياب إصلاح حقيقي يأخذ في الاعتبار المنظومة القضائية في شموليتها، فإن الحديث عن جسور التعاون والتنسيق بين قاضي الحسابات والمحاكم العادية، يبقى أمرا مستعصيا ومستبعدا على الأقل في الوقت الراهن في غياب الشروط الملائمة والمناسبة المحيطة بالتنسيق القضائي والتي تسمح بتسهيل وخلق تعاون وتنسيق حقيقيين بين المحاكم المالية والمحاكم العادية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع المعتمدة:

1ـ أحميدوش مدني، المحاكم المالية في المغرب: دراسة نظرية تطبيقية مقارنة، مطبعة فضالة المحمدية، الطبعة الأولى 1424هـ ـ2003 م، ص. 10.

2- يختلف مستوى الرقابة التي تمارس على الأموال العمومية من أجل حمايتها من الاختلاس والتبذير، بين الرقابة السياسية والرقابة الإدارية بمستوياتها كذلك القبلية والمواكبة والبعدية، ثم الرقابة القضائية.

3ـ مفهومي الشرعية  Légitimité والمشروعية Légalité، مصطلحان مختلفان يحيل الأول إلى سيادة القانون، ويعني تطابق التصرفات مع القانون، أي جميع القواعد القانونية الملزمة في الدولة سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة، ومصطلح المشروعية فله معنى أعم وأوسع من مصطلح الشرعية، فهو صفة لصيقة بنظام تتصرف فيه السلطات العمومية وفق نصوص قانونية منبثقة من إرادة الأمة أو الشعب في إطار من العدالة الاجتماعية داخل دولة مستقلة وذات سيادة.

4 ـ المادة 118 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

5ـ  غيرت وتممت ابتداء من فاتح يناير 2008، بالمادة 13 من قانون المالية رقم 07 ـ 38 للسنة المالية 2008 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 211ـ07ـ1 بتاريخ 16 ذي الحجة 1428 (27 ديسمبر 2007)، ج. ر. عدد 5591 بتاريخ 20 ذو الحجة 1428 (27 ديسمبر 2007)،ص. 4605.

6ـ المادة 56 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

7ـ نجيب جيري، الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية، منشورات مجلة الحقوق المغربية، دار النشر المعرفة، الرباط، الطبعة الأولى، ص. 146.

8- الفقرة الثانية من الفصل الثالث من المرسوم الملكي المتعلق بالمحاسبة العمومية رقم 330.66 بتاريخ 21 أبريل 1967، الجريدة الرسمية عدد 2843 بتاريخ 1967 ـ 04 ـ 26، ص. 810.

9- المرسوم رقم 2.09.441 الصادر بتاريخ  3 يناير 2010 المتعلق بسن نظام المحاسبة العمومية.

10ـ المادة 55 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

11ـ الفقرة الأولى والثانية من المادة 138 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

12 ـ محمد براو: الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية: التأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال العام، الجزء الأول، طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، الرباط، غشت 2014 ص. 225.

13ـ محمد براو،المرجع السابق، ص. 226.

14ـ محمد أشركي، المحاكم المالية وديوان المظالم، الضمير المالي والضمير الإنساني، مجلة ديوان المظالم، العدد  الثاني، يونيو 2005، ص. 26.

15ـ محمد أشركي، المرجع السابق، ص. 26.

16- أحميدوش مدني، المرجع السابق، ص. 275.

17ـ بشرى العلوي، خصوصيات مسطرة التأديب المالي والميزانية ومدى قابلية الأحكام الصادرة لأنواع الطعن، منشورات المجلة الترابية للتدقيق والتنمية، سلسلة التدبير الاستراتجي، العدد 7، 2005، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، ص. 08.

18- المادة 59 من القانون رقم 62.99،المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

19- المادة 60 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

20ــ المادة 61 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

21ــ بشرى العلوي، المرجع السابق، ص. 9.

22ــ المادة 65 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى