التكوين ودوره في تدبير مهمة المحكم والوسيط قراءة على ضوء قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية
رشيد بن جيلالي
التكوين ودوره في تدبير مهمة المحكم والوسيط
قراءة على ضوء قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية
من إعداد الطالب الباحث:
رشيد بن جيلالي
مقدمة:
مامن شك أن منذ بداية الخلق ولاتخلو حياة البشرمن المنازعات الناشئة عن تعارض مصالحهم ،سواء على المستوى الفردي أو الجماعي ،مما تطلب وجود أليات مختلفة لحل تلك المنازعات ومرت هذه الأليات بتطورات كثيرة وكان من أبرز هذه الاليات وأرسخها القضاء الرسمي للدولة الذي إضطلع بمهمة الفصل في المنازعات منذ نشأة سلطة الدولة وإستقرارها وحتى الأن، إلا أنه ومع مرور الزمن لم يعد أفضل الحلول لمواجهة متطلبات الفصل في بعض المنازعات التي تستلزم السرعة والمرونة نظرا لما إستقر عليه القضاء الرسمي من الإلتزام بضوابط إجرائية جازمة ولازمة ،فضلا عما يستغرق الوقت الطويل للفصل فيه[1] سيما وقد أصبح تقييم مدى فعالية الانظمة القانونية والقضائية المعاصرة مرتبط بمدى توفر هذه الأنظمة على إمكانيات لتسهيل الولوج غلى العدالة التي تتجسد أساسا في الاخذ بالوسائل البديلة لحل المنازعات أو مايعرف ب (ADR) alternative dispute resoulution ou litiges ،التي أدى إزدياد لجوء المتنازعين إلى هذه الوسائل في الفترة الأخيرة إلى عدم جواز تسمية تلك الوسائل بالبديلة، ذلك أن كثرة اللجوء إليها أدت إلى تحولها في كثير من الأحيان إلى وسائل أصيلة يلجأ لها الأطراف إبتداءا،مستفيدين من مزاياها من سرعة وسرية وقلة تكلفة [2] ولعل من بين هذه الوسائل البديلة الأكثر تداولا نجد التحكيم والوساطة التي أخد بها المشرع المغربي بمقتضى قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية الصادر حيز التنفيذ سنة 2007 الذي نسخ المقتضيات التي كانت معمول بها في ظهير المسطرة المدنية المؤرخ في 28 شتنبر 1974 إذ بالوقوف عند الإطار المفاهيمي لهذا القانون، نجد أن التحكيم إما أن يكون داخليا كما جاء في الفصل 306 على أنه يراد به حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من الأطراف مهمة الفصل في النزاع بناء على إتفاق تحكيم ، أو أن يكون دوليا يرتبط بمصالح التجارة الدولية حسب منطوق الفصل 40-327 ،هذا بالإضافة إلى الوساطة الإتفاقية كما هي منصوص عليها في الفصل 55-327 ب يجوز للأطراف لأجل تجنب أو تسوية نزاع الإتفاق على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح ينهي النزاع،[3] وما يهمنا أكثر في هذا المقام هو الوقوف عند أهمية التكوين العلمي والمهني في إنجاح مسطرة الطرق البديلة في القانون المغربي عبر طرح الإشكال التالي:
مامدى توفق المشرع المغربي في تقييم كفاءة المحكم والوسيط من خلال قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية؟ للإجابة عن هذه الإشكالية سوف نقوم بمعالجة الموضوع وفق التقسيم التالي:
المحور الأول:قراءة على مستوى شكلية تقييم كفاءة المحكم في قانون 08.05
المحور الثاني:قراءة على مستوى الشروط المتطلبة لتقييم كفاءة الوسيط في قانون 08.05
المحور الأول:قراءة على مستوى شكلية تقييم كفاءة المحكم في قانون 08.05
كما هو معلوم أن المؤهلات العلمية التي يتوفر عليها الأشخاص أو الهيئات المكلفة بتفعيل مسطرة الطرق البديلة لحل المنازعات بحكم التكوين الذي تلقونه يلاحظ بكونها تنعت بالعمومية ولاتفي بالغرض ،مما يقتضي معها تنظيما محكما وعاجلا لهذه المسألة لما لها من إنعكاسات على الأطراف وعلى جودة الخدمة المقدمة إليهم [4]الشئ الذي جعل من المشرع المغربي ينتبه إلى هذه المسألة وذلك بإستقراءنا لمقتضيات الباب الثامن من قانون المسطرة المدنية في الفرع الأول المتعلق بالتحكيم الداخلي ،إنطلاقا من الفصل321 الذي ينص على أنه يجب على الأشخاص الطبيعين الذين يقومون إعتياديا أو في إطار المهنة بمهام المحكم إما بصورة منفردة أو في حظيرة شخص معنوي يعتبر التحكيم أحد أغراضه الإجتماعية ،أن يصرحوا بذلك إلى الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف الواقع في دائرة نفوذها محل إقامة الأشخاص الطبيعيين المذكورين أو المقر الإجتماعي للشخص المعنوي.
يسلم الوكيل العام وصلا بالتصريح ويقيد المعنيين بالأمر في قائمة المحكمين لدى محكمة الإستئناف المعنية وذلك بعد دراسة وضعيتهم
بمعنى أن المشرع هنا ترك للنيابة العامة مسألة تقييم المؤهلات العلمية للمحكمين من خلال دراسة وضعيتهم قبل تسجيلهم في القائمة المنصوص عليها في الفصل المذكور،غير أن هذه الشكلية المتمثلة في الرقابة القبلية لجهاز النيابة العامة على الاشخاص المزاولين لمهمة التحكيم ،قد تعرضت للكثير من الإنتقادات لدى المهتمين بالشأن التحكيمي ببلادنا،على إعتبار أنها تمس بمبدأ سلطان إرادة الاطراف الذي يعد أساس اللجوء إلى هذه الوسيلة البديلة،الشئ الذي إستجاب له مشروع القانون الجديد رقم 95.17 في المادة 11 حين نصت على أنه: يجب على الأشخاص الذاتيين الذين يقومون بمهام المحكم إما بصورة منفردة أوضمن شخص إعتباري أن يكونوا مسجلين ضمن قائمة المحكين تحدد شروط التقيد فيها بنص تنظيمي.
نشير أيضا إلى أن مسألة التكوين قد أثيرت ضمن أعمال الدورة الاولى للملتقى الدولي حول التحكيم المنعقد بإسطنبول يومي 20 -21 يوليوز 2019 والمنظم من طرف المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم الرباط،والذي خلص إلى مجموعة من التوصيات تروم إلى النهوض بالتحكيم في المنطقة العربية ،خصوصا في مجال تأطير العملية التحكيمية عبر خلق مراكز إقليمية وجهوية لتكوين المحكمين بما فيها نشر ثقافة التحكيم بطبيعة الحال.
المحورالثاني:قراءة على مستوى الشروط المتطلبة لتقييم كفاءة الوسيط في قانون 08.05
جاءت المقتضيات القانونية المنظمة للوساطة الإتفاقية بتوزيعها في الفرع الثالث من القانون المذكور، وذلك بموجب الفصول 55-327 إلى 69-327، إذ يفيد الفصل 56-327 بكون إتفاق الوساطة هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد[5] ،غير أنه يلاحظ من خلال إستقراء هذا الفرع وجود غموض من حيث الشروط أو القيود المحددة لمستوى كفاءة الوسيط كما هو الشأن بالنسبة للأشخاص الممارسين لمهمة التحكيم كما سبق وأن تطرقنا إليها في المحور الأول،إلا أن هذا الطرح جعل جانبا من الفقه يعتبر ان عملية التكوين ليست عملية موكولة إلى شخص الوسيط بمفرده،وإنما هي أهدافها ذات مصلحة عامة تنعكس أثارها على عموم المواطنين وعلى جهاز القضاء لأجل ذلك يتعين على الدولة أن تتحمل عبر مؤسساتها مسؤولية التكوين والإشراف عليه وتوجيهه راجيا أن يتم إشراك مساعدي القضاء في عملية حل المنازعات بالطرق البديلة والسلمية سيما كما هو معمول في القانون الفرنسي الذي اوجب معايير مضبوطة حتى يتسنى قبول الشخص لممارسة الوساطة ،ناهيك عن تجنبه الإستئناس بالشروط المتطلبة في مهن حرة كالمحاماة أو الخبرة القضائية مع العلم أنها تشارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في عملية فض النزاع بواسطة الوسائل البديلة في حالة الإنتداب.[6]
ختاما لايسعنا سوى أن نعتبر التكوين عنصرا أساسيا ينبغي الإهتمام به بالنسبة للأشخاص المرتبطين بتفعيل الوسائل البديلة إسوة بما حققته الدول الأخرى في هذا الباب،سيما وأن من بين الأهداف الإستراتجية التي جاء بها ميثاق إصلاح منظومة العدالة ببلادنا تكمن في تشجيع اللجوء إلى الوساطة والصلح والتحكيم لحل النزاعات[7].
علاء محبوب علي الجزار،التحكيم المتعدد الأطراف في عقود التجارة الدولية بين النظرية والتطبيق أطروحة دكتوراه جامعة القاهرة 2017ص03 [1]
بتاريخ2017-11-14www.bibliodroit.co2 محمد الخضراوي الوساطة في ضوء القانون المغربي والمقارن مقال نشر بموقع [2]
[3] ظهير شريف رقم1.07.169 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30نوفمبر2007)بتنفيذ القانون رقم 05.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية الصادر بالجريدة الرسمية عدد5584 25ذو القعدة1428 6ديسمبر2007 ص3895-3905
[4] يوسف الزوجال ،تجربة الوسائل البديلة لفض المنازعات في القانون الوضعي المغربي المعيقات القانونية والواقعية،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط.الطبعة الأولى2018 ص148
5 قانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية