الجهود التشريعية لمكافحة الجريمة الالكترونية
من إعداد:
ليلى العمري – إحكام البلوني
باحثة في قانون الأعمال باحثة في قانون الأعمال
المقدمة
إن الجريمة الالكترونية عموما تختلف بين عن نظيرتها المرتكبة على ارض الواقع من نواح متعددة فهي سهلة الارتكاب و التعلم ،تتطلب القليل من الإمكانيات مقارنة بحجم خسائرها المحتملة، يمكن ارتكابها في دائرة قضائية دون التواجد الفيزيقي الفعلي لمرتكبها في نفس الدائرة، و في الغالب ليست الأفعال المرتكبة مجرمة قانونا بشكل واضح، ففي اغلب الدول لا يمنع القانون بشكل صريح الجرائم الالكترونية و النصوص التي تجرم الاعتداءات المادية الماسة بالملكية على ارض الواقع لا تسع أو تغطي في نطاقها نفس الأفعال المرتكبة عبر العالم الافتراضي الشيء الذي شجع أنماط و أنواع جديدة من الجرائم على الظهور و الإفلات و العقاب باستغلال مواطن النقص في النصوص القانونية، على أن هذه النصوص و إن وجدت سوف يكون من الصعب وضعها موضع التنفيذ بشكل فعال بسبب الطبيعة الدولية و العابرة للحدود غالبا لهذا النوع من الجرائم و كذلك بسبب بطء وتعقيد آليات التعاون و التنسيق بين الدول مما يطرح عدة تعقيدات المتعلقة بالجوانب القانونية مما يستدعي بالضرورة مواكبة التشريعات للتطور الذي تعرفه هذه الجرائم.
و المغرب بحكم موقعه الاستراتيجي لم يستطع البقاء بمعزل عن التعامل على مستوى التشريع مع ظاهرة المعلوميات التي تعتبر رافدا للعولمة و كذا إقامة علاقة الشراكة خاصة مع الاتحاد الأوروبي الذي منح المغرب وضعا متقدما و من تم و على غرار ما انتهجته العديد من التشريعات المقارنة و مواكبة منه للاتفاقيات الدولية اضطر المشرع إلى سن تشريع يتلائم و خصوصية الجريمة المعلوماتية و انسجاما مع مبدأ الشرعية الجنائية إبان الواقع عن أزمة واضحة في تكييف هذه الأفعال المستجدة طبقا للقواعد التقليدية للقانون الجنائي، ونستحضر في هذا الإطار الإحصائيات الصادرة عن مؤسسة ((mcafee labs5 سنة2013 و التي صنفت المغرب كثاني بلد إفريقي معرض للتهديدات المعلوماتية من خلال الهجوم عن بعد(SQL)
فاصدر المشرع المغربي قانون و قد أطلق على هذا القانون تسمية”المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات” القانون رقم 07-03 المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات الصادر في 16رمضان1424الموافق ل11نونبر2003 حيث أصبح هذا القانون يشكل الباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من القانون الجنائي بالإضافة إلى قوانين أخرى أدمجت في القانون الجنائي المغربي ( المبحث الأول)
هذا و قد اصدر المشرع المغربي مجموعة من القوانين الأخرى ذات الصلة بالجريمة المعلوماتية أبرزها القانون 00-02 المتعلق بحقوق المؤلف(المبحث الثاني)
المبحث الأول: القانون مواجهة الجريمة المعلوماتية في ضوء القانون الجنائي المغربي
القانون 07-03 المتعلق بالإخلال بسير نظم المعالجة الآلية للمعطيات
أضحت الجريمة الالكترونية اليوم تفرض نفسها بقوة على التشريعات الجنائية بالنظر إلى الطابع الخاص الذي تمتاز به في علاقتها بباقي الجرائم التقليدية، ذلك أن من أهم خصوصياتها أنها ترتكب في عالم افتراضي و تعتمد على آليات افتراضية بل و قد تكون أهدافها افتراضية كما هو الحال بالنسبة لجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات التي تتم سواء عن طريق الدخول إلى هذه الأنظمة بطريقة غير مشروعة أو من خلال إحداث تغييرات عليها بالحذف أو التغيير أو الإتلاف، الأمر الذي دفع المشرع الجنائي المغربي إلى سن مقتضيات خاصة تهم مكافحة هذا الصنف من الجرائم عبر مجموعة من القواعد المنصوص عليها في القانون03-07 و تتجلى صور جرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات حسب الفصل 607/3 من القانون الجنائي المغربي و ما يليه في:
الدخول أو البقاء غير المشروع في النظام: حيث ينص الفصل 607/3من القانون الجنائي المغربي على انه يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة من2000الى10000درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من دخل إلى مجموعة أو بعض نظام للمعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال
و يعاقب بنفس العقوبة من بقي في نظام للمعالجة الآلية للمعطيات أو في جزء منه كان قد دخله عن طريق الخطأ و هو غير مخول له حق الدخول
و تضاعف العقوبة إذا نتج عن ذلك حذف أو تغيير المعطيات المدرجة في نظام المعالجة أو اضطراب في سيره
و يتضح من خلال ذلك أن جريمة الدخول أو البقاء في النظام لا تقوم إلا إذا تم ذلك بشكل احتيالي أما الولوج الذي يكون متاحا للجمهور فلا يعاقب عليه و هو ما استقر عليه العمل القضائي المغربي
كما أن المشرع لم يحدد وسيلة الدخول إلى النظام(فيروس، قرصنة برامج…)و يكون الدخول غير مشروع إذا كان من له حق السيطرة على النظام قد وضع بعض القيود للدخول إليه و لم يحترمها الجاني
أما فعل البقاء في النظام أو جزء منه فيقصد به التواجد داخل النظام ضد إرادة من له الحق في السيطرة على هذا الأخير و قد يتحقق البقاء المعاقب عليه استقلالا حين يكون الدخول إلى النظام مشروعا كمن يدخل النظام بالصدفة أو عن طريق الخطأ و لا ينسحب أو يبقى فيه يعد المدة المحددة له للبقاء داخله
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الجريمة عمدية بمعنى أن المشرع اشترط العمد لقيامها بحيث يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي المتكون من إرادة الجاني في عملية الدخول أو البقاء و علمه بعدم أحقيته في ذلك
أما فيما يخص عرقلة سير النظام أو إحداث خلل فيه فبالرجوع إلى الفصل 607/5 من ق.ج.م يتبين أن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في فعل التعطيل الذي يندرج ضمن إعاقة النظام أيا كانت الوسيلة المستخدمة في ذلك فقد تكون بطريقة معنوية عندما تقع على الكيانات المنطقية للنظام مثل البرامج و المعطيات كما يتمثل أيضا في إحداث خلل في النظام عن طريق الإفساد أو كل فعل يجعل نظام المعالجة الآلية غير صالح للاستعمال أو إحداث خلل في نظام المعالجة الآلية للمعطيات يتم بعدة وسائل خاصة منها البرامج الخبيثة ذات اثر تدميري و التي تصيب النظام بشلل و هو ما سببه فيروس زوطوب الذي عدله مغربي للنظم المعلوماتية الأمريكية إذ خلف بها العديد من المشاكل التقنية مما شكل عرقلة لسير النظام آو إحداث خلل فيه كان على المحكمة أن تأخذه بعين الاعتبار اثر تكييفها للأفعال المنسوبة للمتهم بان تناقشه في معرض تعليلها للمتهم الموجهة إليه بدل الاقتصار على بيان العناصر المكونة لجريمة تكوين عصابة إجرامية و جريمة السرقة و الإشارة إلى كون انه و المتهم الثاني لم ينكر ولوجها أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.
حذف أو تغيير أو إتلاف المعطيات المدرجة في النظام: و تتأطر هذه الجريمة كم خلال الفصل607/6 حيث يتكون الركن المادي لهذه الجريمة من الأفعال الآتية:
دخول معطيات نظام المعالجة و يعتبر هذا الفعل من أكثر أساليب الاحتيال المعلوماتي بساطة و آمنا و أكثر أشكاله وقوعا.
إتلاف آو حذف المعطيات و يقصد به إزالة جزء من المعطيات الموجودة داخل النظام و من ابرز صوره حذف معطيات متعلقة بحسابات بنكية جديدة.
تغيير المعطيات و يتعلق الأمر إما بتغيير المعطيات و استبدالها بمعطيات أخرى أو تغيير الطريقة التي تعالج بها أو طريقة إرسالها او تغيير طريقة المعالجة و الإرسال و هو في حد ذاته تلاعب بالبرنامج، و جريمة التلاعب في المعطيات هي جريمة عمدية مما يستدعي اتجاه إرادة الجاني إلى فعل الإدخال أو المحو أو التعديل كما تتجه إرادته إلى تحقيق نتيجة فعله و ذلك بان تؤدي أعماله الجرمية إلى إحداث ضرر ينتج عن فعله كما يجب أن يكون على علم بان ما يقوم به هو جريمة و يعاقب عليها القانون من خلال الفصل 607/7من ق.ج.م الذي يعاقب على تزوير أو تزييف وثائق المعلومات أيا كان شكلها إذا كان ذلك من شانه إلحاق ضرر بالغير و عن استعمال هذه الوثائق المعلوماتية مع العلم أنها مزورة.
و قد عرضت على القضاء المغربي مجموعة من القضايا التي تتعلق بالجريمة المعلوماتية حينما واجه بعض الإشكالات أهمها الفراغ التشريعي في مجال مواجهة هذا النوع من الجرائم و حتى لا يفلت الجاني من العقاب فقد ترك الأمر للقضاء لكي يتوصل لسد النقص التشريعي رغم ما ينطوي عليه ذلك من انتهاكات لمبدأ الشرعية.و من خلال تتبع معظم الأحكام الصادرة نجد أن الأمر ينطوي على عدة إشكالات تجسدت على الخصوص في مدى صعوبة إدخال و إقدام الجرائم المعلوماتية في إطار الإجرام التقليدي.
إلا انه بصدور القانون07-03 يمكن القول انه يحسب للمشرع المغربي انه استغل فرصة إصدار تشريع معلوماتي لوضع نصوص قانونية تجرم مجموعة من الأفعال أهمها التزوير الالكتروني أو المعلوماتي لأنه و قبل صدور هذا القانون لم يكن من الممكن بالمغرب الحديث عن التزوير إلا في ظل الكتابة التقليدية أما الآن فالقضاء المغربي يملك آلية قانونية يمكنه بموجبها متابعة الجاني الذي زور الوثائق المعلوماتية و بما أن النص لم يحدد شكل هذه الوثائق فيمكن بالتالي المتابعة عن فعل صنع بطاقات الائتمان المزورة أو التزوير في مجال العقود الالكترونية و غيرها و كل ذلك يصب في إطار توفير حماية قانونية للمعاملات الالكترونية.
و نذكر هنا على سبيل المثال إحدى القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بالرباط الذي ذهب إلى اعتبار قرصنة البطائق البنكية من قبل مجموعة من الأشخاص بمثابة تزوير في وثائق المعلوميات و من هذه القرارات، القرار عدد364 و الذي جاء فيه:
“بالنسبة للمتهم(ع.ص)حيث اعترف المتهم بأنه كان يقوم بسحب المبالغ المالية من شبابيك الكترونية بواسطة بطائق ائتمان مزيفة،عن طريق قرصنة الحسابات البنكية الزبناء ابناك أجنبية… و حيث ان المحكمة اقتنعت بثبوت الفعل المنسوب للمتهم،و انه يشكل من حيث الوصف القانوني للتجريم،جريمة تزوير الوثائق المعلوماتية و استعمالها طبقا للفصل607/7ق.ج.م بعد إعادة التكييف لجريمة تزوير بطاقة ائتمان و استعمالها،مما يتعين معه التصريح بإدانته من اجل ذلك.
و بالنسبة للمتهم(ب.ك)حيث اعترف المتهم بأنه لقن كيفية قرصنة الحسابات البنكية عن طريق المتهم(ع.ص) وحدد الطريقة التي تتم بها قرصنة الحسابات البنكية…و حيث أن الوقائع المعروفة تشكل من حيث الوصف القانوني للتجريم جريمة المشاركة في تزوير وثائق المعلوميات و استعمالها طبقا للفصلين129و607/7 من ق.ج و بعد إعادة التكييف لجريمة تزوير بطاقة الائتمان و استعمالها مما يتعين معه التصريح بمؤاخذته من اجلها.
القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب
يعد القانون رقم 03-03 المتعلق بالإرهاب أول تشريع مغربي يشير بشكل صريح للإجرام المعلوماتي كوسيلة للقيام بأعمال إرهابية لها علاقة عمدية بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف، فالفصل208/1 قد حدد بعض الأفعال الجرمية على سبيل الحصر من بينها الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات من خلال الفقرة السابعة من هذا الفصل و ذلك في محاولة لتحديد مفهوم الإرهاب حيث لم يعرف المشرع المغربي الجريمة الإرهابية أسوة بنظيره الفرنسي و اكتفى بتحديد ملامح هذه الجريمة و طبيعتها و عناصرها التكوينية المادية و المعنوية من خلال الفصل 218ق.ج.م.
و تجدر الإشارة إلى انه ليس هناك تعريف موحد للإرهاب الالكتروني باعتبار تعدد أشكاله و اختلاف أساليبه و نشير في هذا الصدد إلى التعريف الذي قال به الأستاذ عادل عبد الصادق كون الإرهاب الالكتروني يتجلى في العدوان أو التخويف أو التهديد ماديا أو معنويا باستخدام الوسائل الالكترونية الصادرة عن الدول و الجماعات أو الأفراد عبر الفضاء الالكتروني بهدف التأثير على الاستخدام السلمي له.
فالواقع أن دور المعلوميات أصبح جليا و بارزا أثناء معالجة موضوع الإرهاب فإلى جانب الأعمال الإرهابية التي تنفذ بوسائل عادية عمل المشرع المغربي على تجريم الأعمال الإرهابية التي ترتكب بواسطة المعلوميات و هو ما يتضح من خلال نص المادة 128/1 من ق.ج.م في فقرتها السابعة التي تعتبر انه من قبيل الأعمال الإرهابية الأعمال التي لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف,
فالمشرع المغربي اشترط بقيام هذه الجريمة أن يهدف الفعل الإرهابي إلى المس الخطير بالنظام العام أي أن يصل الفعل إلى درجة من الخطورة و الجسامة التي من شانها تهديد النظام العام و يعود تحديد هذه الجسامة إلى السلطة التقديرية للقاضي، هذا و قد عاقب المشرع المغربي من خلال الفصل218/2 من ق.ج.م كل من أشاد بأفعال تكون جريمة إرهابية بمختلف وسائل الإعلام السمعية و البصرية و الالكترونية بالحبس من سنتين إلى ست سنوات و بغرامة مالية.
القانون 24/03 المتعلق بتعزيز الحماية الجنائية للطفل و المرأة
تعتبر الحماية الجنائية للمرأة و الطفل من أهم المستجدات التشريعية التي أدخلت على مجموعة القانون الجنائي بمقتضى القانون رقم 03/24 من خلال الفصول 503-1و 503-2 الذين عملا على تجريم التحرش الجنسي الواقع على المرأة و الطفل و ذلك عبر أي وسيلة ممكنة، و عبارة”أي وسيلة” هي عبارة فضفاضة تسمح للمحكمة بإدخال استعمال المعلوميات في ارتكاب هذه الجرائم خاصة و أن هذه الجريمة تعرف انتشارا واسعا باستعمال وسائل الاتصال الحديثة.
المبحث الثاني: مواجهة الجريمة الالكترونية في ضوء تشريعات ذات صلة بالمعاملات الالكترونية
المشرع المغربي لم يكتفي في مواجهته للجريمة الالكترونية بنصوص زجرية ضمنها مجموعة القانون الجنائي ،بل انه و رغبة منه في تعميم الحماية لتشمل مجالات أخرى اقر مجموعة من العقوبات الجنائية تضمنتها تشريعات أخرى ذات صلة بالمعاملات الالكترونية تتمثل أساسا فيما يلي:
القانون08/02 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
عمل المشرع المغربي على حماية الحق في الحياة الخاصة من الاعتداءات الموجهة ضدها و ذلك من خلال سنه للقانون رقم08/09 بشان حماية الأشخاص الذاتيين، وتبرز أهمية هذا القانون في كونه سيساهم في تعزيز ثقة المستهلك المغربي في المعاملات الالكترونية خصوصا التجارية منها كما انه سيشكل أداة هامة للشخص الذاتي في مجال المعلوميات، حيث اغتنم المشرع الفرصة لتجريم الاعتداءات التي تطال الأشخاص الذاتيين بواسطة استغلال نظم المعالجة الآلية للمعطيات و هو ما يظهر صراحة من خلال الباب السابع من هذا القانون و الخاص بجانب العقوبات بحيث نص على تجريم مجموعة من الأفعال أهمها:
انجاز ملف معطيات شخصي دون التصريح بذلك(المادة 52) أو رفض حقوق الولوج أو التصريح أو التعرض المنصوص عليها في المواد 7،8،9 من نفس القانون من طرف كل مسؤول عن معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي(المادة 53)أو خرق أحكام المادة 3 من نفس القانون و ذلك بجمع معطيات ذات طابع شخصي بطريقة تدليسية أو غير نزيهة أو غير مشروعة أو انجاز معالجة لأغراض أخرى غير تلك المصرح بها أو المرخص لها أو إخضاع المعطيات المذكورة لمعالجة لاحقة متعارضة مع الأغراض المصرح بها (المادة54) أو الاحتفاظ بمعطيات ذات طابع شخصي لمدة تزيد عن المدة المنصوص عليها قانونا أو المنصوص عليها في التصريح أو الإذن أو الاحتفاظ بها خرقا لأحكام البند ه من المادة3 من نفس القانون أو القيام لأغراض أخرى غير تاريخية أو إحصائية أو علمية بمعالجة ذات طابع شخصي ثم الاحتفاظ بها بعد المدة المنصوص عليها قانونا في المادة55 أو غيرها من الأفعال.
و نؤكد المادة63 من القانون المذكور على معاقبة كل مسؤول عن المعالجة في حالة رفضه تطبيق قرارات اللجنة الوطنية التي أحدثت بموجب القانون رقم09-08. وتضاعف العقوبات الوارد في نصوص هذا التشريع إذا كان مرتكب إحدى الأفعال المنصوص عليها شخصا معنويا دون المساس بالعقوبات التي قد تطبق على المسيرين مع إمكانية معاقبة الشخص المعنوي بالمصادرة أو الإغلاق(المادة64).
القانون 00-02 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة
(الحماية الجنائية للمصنفات الرقمية)
لقد أفرزت الثورة المعلوماتية مصنفات جديدة أصبحت جديرة بالحماية شانها شان المصنفات التقليدية و ذلك من قبيل البرمجيات و قواعد البيانات و طوبوغرافيا الدوائر المتكاملة و عناوين البريد الالكتروني، و قد حرص المشرع المغربي بعد نسخه للظهير الشريف رقم1.69.135 المؤرخ في 29يوليوز1970بموجب القانون 00-2 المتعلق بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة على تبني مقتضيات تهدف حماية المصنفات الالكترونية من التقليد و ذلك من خلال تجريم بعض الأفعال الماسة بها و تعتبر مبادرة المشرع المغربي من خلال قانون حقوق المؤلف خطوة جد هامة على درب عصرنة القوانين لجعلها مواكبة لتطور القانون و مسايرة لعصر التكنولوجيا و قد افرد بابا خاصا بالتدابير و الطعون و العقوبات ضد القرصنة و المخالفات المرتبطة بها(المواد من61-65) كما نص المشرع المغربي على تطبيق عقوبات مدنية حينما حق معترف لصاحبه به و محمي بمقتضى قانون حق المؤلف.
و تعتبر جريمة تقليد برامج الحاسوب الآلي من أهم صور الاعتداء على حقوق المؤلف و قد تصدى لها المشرع المغربي من خلال الفصول575 إلى 579 من القانون الجنائي المغربي بعدما نص صراحة على حماية برامج الحاسب الآلي في قانون حق المؤلف الذي أكد من خلال البند 23 من المادة الأولى من نفس القانون الذي اعتبر أن برامج الحاسوب هي كل مجموعة من التعليمات المعبر عنها بكلمات أو رموز أو برسم أو بأي طريقة أخرى تمكن حينما تدمج في دعامة قابلة لفك رموزها بواسطة آلة أن تتجزأ أو تحقق مهمة محددة أو تحصل على نتيجة بواسطة حاسوب أو بأي طريقة الكترونية قادرة على معالجة المعلومات و نص على شمولها بالحماية القانونية من خلال الفقرة الثانية من المادة 3 من ق.ج.م و بذلك أصبحت حماية البرامج الالكترونية لازمة بنص القانون باعتبارها مصنفات مشمولة بالحماية القانونية، و يتجلى من خلال ذلك أن القانون الجنائي يلعب دورا مهما في إرساء حماية قانونية لبرامج الحاسوب إذ هو الذي يكفل لها سدا منيعا ضد الانتهاكات حيث شهد التشريع الجنائي المغربي في الآونة الأخيرة تطورا كبيرا بحيث تأثر بالثورة المعلوماتية بقصد توفير حماية جنائية فعالة لبرامج و أنظمة الحاسوب و كذا أساليب المعالجة الآلية للمعطيات مما من شانه سد الفراغ القانوني في مجال بعض أشكال الإجرام الجديد.
كما نص القانون المتعلق بحقوق المؤلف على حماية قواعد البيانات باعتبارها من أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و نتاج للتقدم العلمي في مجال أنظمة المعلومات ووسائل الاتصال وذلك من خلال المادة 64 من ذات القانون.
القانون 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية
سعى المشرع المغربي من خلال خذا القانون إلى تهيئة بيئة قانونية تناسب التطور المذهل في مجال المعاملات الالكترونية، و إذا كان هذا القانون قد اثر بشكل أساسي على فصول قانون الالتزامات و العقود المغربي بفعل تعديل بعض نصوصه و إضافة أخرى جديدة متصلة بالبيئة المعلوماتية اقتضتها طبيعة المراسلات و العقود الالكترونية و التوقيع الالكتروني، إلا انه يتضمن كذلك مجموعة من النصوص الزجرية و التي تساهم في مكافحة الجرائم المعلوماتية منها المادة29 التي تعاقب كل من قدم خدمات للمصادقة الالكترونية المؤمنة خلافا للمادة20 أو دون أن يكون معتمدا أو من يواصل نشاطه رغم سحب اعتماده.
أما المادة31 فتعاقب على الإدلاء العمدي بتصاريح كاذبة أو تسليم وثائق مزورة إلى مقدم خدمات المصادقة الالكترونية و من اجل ضمان سلامة تبادل المعطيات القانونية بطريقة الكترونية و ضمن سريتها و صحتها فرض المشرع حماية خاصة لوسائل التشفير من خلال المادة 32 التي نجرم استيراد أو استغلال أو استعمال إحدى الوسائل أو خدمة من الخدمات المتعلقة بالتشفير دون الإدلاء بالتصريح أو الحصول على الترخيص كما انه يمكن للمحكمة الحكم بمصادرة وسائل التشفير المعينة.و لتحقيق حماية جنائية للتوقيع الالكتروني عاقبت المادة 35 كل استعمال غير قانوني للعناصر الشخصية لإنشاء التوقيع المتعلقة بتوقيع الغير. بالإضافة إلى عدة مقتضيات أخرى في مجال المعاملات الالكترونية.
و الخلاصة انه إذا كانت الجريمة المعلوماتية قد فرضت على المشرع المغربي التصدي لها بمقتضيات قانونية خاصة فيما يتعلق بالشق الموضوعي فان خصوصية هذه الفئة من الجرائم تمتد لتشمل الشق الشكلي أيضا و المتعلق بإجراءات البحث و التحقيق و الإثبات ذلك أن الجريمة المعلوماتية من جهة أولى ترتكب في بيئة افتراضية و باليات افتراضية شكلت تحديا كبيرا أمام الإجراءات التقليدية في البحث عن الجرائم و حجز أدلة ارتكابها كما هو الحال بالنسبة للتفتيش و المعاينة و الحجز كما أنها من جهة أخرى تمتاز بطبيعتها العابر للحدود إذ يمكن أن ترتكب الجريمة الواحدة في أكثر من أكثر دولة بل في دول متعددة و هو ما يستدعي التجاوب الفعال من حيث آليات التعاون الدولي سواء على مستوى الاختصاص القضائي و على مستوى آليات البحث و التحقيق و تعقب المجرمين و تسليمهم.
و في نفس السياق لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة و هي انه بالرغم من صدور قانون المسطرة الجنائية 01-22 لسنة2003 إلا انه لم يتضمن أية إشارة إلى كيفية التعامل مسطريا مع هذا النوع من الجرائم لاسيما ما يتعلق بالإثبات الذي يكون له طابع الكتروني و ما يتعلق بإجراءات التحقيق و ما يتصل به من تفتيش و معاينة باستثناء الفصل 108 من ذات القانون الذي يسمح بالتقاط المكالمات الهاتفية و الاتصالات كيفما كان شكلها في حدود ما يسمح به الفصل المذكور، و بالتالي يمكن اعتباره الفصل الوحيد ضمن نصوص قانون المسطرة الجنائية الذي أشار إلى إمكانية تعامل القضاء مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، علما ان واضع هذا القانون كان على دراية بضرورة مواكبة القواعد الإجرائية مع الجريمة المعلوماتية و هو ما يتضح من خلال ديباجة قانون المسطرة الجنائية التي تضمنت ما يلي:” و قد وجدت أسباب أخرى دعت إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية و التعجيل بإخراجه إلى حيز التطبيق من بينها…تصاعد ظاهرة الجريمة و ظهور أنواع جديدة من الجرائم مرتبطة بالتقدم العلمي و التكنولوجي و بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية….
الخاتمة
بعد هذه الجولة التي تعرضنا فيها لمختلف إشكالات القانونية والعملية التي تهم الجريمة المعلوماتية نلاحظ أن المشرع المغربي بإقراره لقانون 03-07 يكون قد كرس مبدأ الشرعية الجنائية كمبدأ دستوري متعارف عليه عمليا بتجريمه مجموعة من الأفعال المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والتي وضعها تحت اسم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات بشكل يضع حد للجدل الفقهي الذي كان قائما و سائدا والذي سبق أن أرخى بظلاله سلبا على موقف القضاء.
كما أن المشرع قد اقتنع بخطورة هذا النمط الحديث من الجرائم الذي يشكل تحديا جديدا في الوقت الحاضر والذي يتطلب التشخيص الأمثل لهذه الفئة من الجرائم حتى يتسنى له مكافحتها أو الحد من انتشارها من اجل ذلك برزت الحاجة إلى التوفيق بين مبدأ السيادة الوطنية ومقتضيات التعاون القضائي الدولي وتطوير الإطار التشريعي الجنائي بشكل متواصل و دءوب على نحو يجعله قادرا على مواكبة التطورات التكنولوجية التي يستعملها مرتكبو هذه الجرائم اخذين بعين الاعتبار شرعية التجريم والعقاب وكذا شرعية المتابعة القضائية في التفاعل مع الدستور و المواثيق الدولية وحقوق الإنسان ،غير انه وعلى الرغم من هذا التدخل التشريعي الذي يعتبر مزية والذي جعل منه تشريعا في طليعة التشريعات المعاصرة فان ذلك لا يمنعنا من إبداء بعض الملاحظات بخصوص بعض المقتضيات التي تضمنتها محاور هذا القانون آملين أن يأخذها المشرع بعين الاعتبار في حالة مراجعته لهذا القانون ذلك أن المشرع عالج الإجرام المعلوماتي من زاوية ضيقة ومحدودة و لم يأخذ بعين الاعتبار مختلف مظاهر الغش والتدليس المعلوماتي والتطورات المتسارعة المرتبطة بعالم المال و الأعمال ،ذلك انه و أن جرم بعض أنواع الجرائم التي يعرفها العالم المعلوماتي فانه بقي قاصرا أمام مجموعة أنواع الجرائم التي ينص عليها و لم تشملها الحماية الجنائية كما سبق و أوضحنا في ثنايا البحث فقد اغفل النص على جريمة ذات أهمية قصوى وهي المتمثلة في سرقة الأموال المعلوماتية و سرقة المعطيات و المعلومات المخزنة في ذاكرة الحاسب الآلي من خلال نسخها أو تحميلها على دعامة مادية إضافة إلى ذلك فالمشرع المغربي بحاجة إلى تطوير آليات البحث والتحري وجمع الأدلة في الجريمة المعلوماتية مع تذييل الصعوبات التي تواجه التعاون الدولي في هذا الصدد.
[1] عبد السلام بنسليمان، الاجرام المعلوماتي في التشريع المغربي دراسة نقدية مقارنة في ضوء آراء الفقه و أحكام القضاء،الطبعة الأولى،دار الأمان،الرباط،2017 الهامش 12،ص13. [1] المجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية ،المرجع السابق ص 76. [1] ينص الفصل 607/7من القانون الجنائي المغربي على مايلي:
” دون الاخلال بالمقتضيات الجنائية الاشد، يعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات و بالغرامة من10.000 الى 1.000.000 درهم كل من زور او زيف وثائق المعلوميات ايا كان شكلها اذا كان من شان التزوير او التزييف الحاق ضرر بالغير.
دون مخالفة المقتضيات الجنائية الاشد ،تطبق نفس العقوبة، على كل من استعمل وثائق المعلوميات المشار اليها في الفقرة السابقة و هو يعلم انها مزورة او مزيفة.”
[1] عبد السلام بنسليمان،المرجع السابق الهامش 13 ص 13. [1] لمجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية المرجع السابق، ص 80. [1] المجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية المرجع السابق ص 79. [1] المرجع السابق ص 80. [1] عبد السلام بنسليمان،المرجع السابق. الهامش 59 ص38 .[1] المرجع السابق ص 37. [1] المجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية المرجع السابق ص 81ـ82. [1] عبد السلام بنسليمان ،المرجع السابق ص 41
[1] عبد السلام بنسليمان،المرجع السابق ص 50. [1] المجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية،المرجع السابق ص 82. [1] بشرى النية،الحماية القانونية لبرامج الحاسوب،مطبعة اليت،سلا(بدون تاريخ نشر) ص 110. [1] كوثر فرام،المرجع السابق ص 83. [1] بشرى النية،المرجع اسابق ص 112. [1] المجلة الوطنية للعلوم القانونية و القضائية ،المرجع السابق ص 87-86. [1] عبد السلام بنسليمان ،المرجع السابق الهامش 21 ص20. [1] المرجع نفسه ص 14-15.