في الواجهةمقالات قانونية

الحكامة القضائية: اهم الأهداف وأبرز الركائز – الشرقاوي القرقار

الحكامة القضائية: اهم الأهداف وأبرز الركائز

 

الشرقاوي القرقار: دكتور في الحقوق, باحث في العلوم الجنائية

 

 

لقد شكل ظهور مفهوم الحكامة الجيدة سببا رئيسيا وخيارا إلزاميا للدول من اجل تامين نجاح البرامج الإصلاحية الشاملة. كما يعد هذا المفهوم حديث نسبيا ابتدعته وروجت له اغلب التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية. ويقصد به في هذا الشأن الطريقة المثلى للتسيير او التسيير الرشيد، حيث يحتوي على رزنامة من الأفكار والمبادئ والاليات والمعايير التي من شانها تجويد وتحسين عمل الإدارة، وقدرتها على تحقيق النتائج المرجوة منها.

وإذا كانت الحكامة عموما تكتسي أهمية بالغة، فان الحكامة القضائية هي الأخرى تعتبر بحق مفهوما دو راهنية كبرى في مخطط الاصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة. لأنها-الحكامة القضائية -تمثل الأداة الأساسية لتدبير الادارة القضائية، وإقامة النظام القانوني والقضائي بالتركيز بطبيعة الحال على الأركان الضرورية المتمثلة في الشفافية والفعالية ثم التقييم والتتبع للرقي بالأداء.

هذا ولم يكن تبني مفهوم الحكامة الجيدة في المجال القضائي تحت تسمية الحكامة القضائية الا بغرض تقديم خدمة قضائية نوعية، وترشيد أداء المؤسسة القضائية على غرار باقي المؤسسات الأخرى التي اعتمدت نفس المفهوم.

وبالتالي فان الحكامة القضائية هو خيار أمثل لإنجاح الإصلاح القضائي المنشود. و قد تعززت مكانة هذا المفهوم منذ ان حضي بإقراره في ديباجة الوثيقة الدستورية لسنة 2011، و في الباب الثاني عشر المتعلق بالحكامة الجيدة  الفصول من 154 الى 171 .

وعليه، فاعتبار مفهوم الحكامة القضائية هو الذي يرسم خريطة الطريق لإنجاح مسلسل اصلاح منظومة العدالة، والضامن لتحسين الأداء في المجال القضائي. فما هي الأسس والركائز التي يستند عليها لتحقيق اهدافه؟

اهداف الحكامة القضائية:

ان الحكامة القضائية مفهوم قانوني، عرف تداولا واسعا، وانتشارا ملحوظا لدى اوساط الباحثين في المجال القانوني، وكافة المشتغلين في قطاع العدالة في بلادنا. ويقصد بالحكامة القضائية نوع من التسيير الجيد والرشيد للشأن القضائي، من خلال استلهام مبادئ الحكامة الجيدة كما هي متعارف عليها دوليا وتنزيلها على المؤسسة القضائية، من اجل بلوغ خدمات قضائية مرفقية جيدة، واحكام قضائية نوعية للوصول الى عدالة ناجزة.

ووفقا لما تقدم فان اهم اهداف الحكامة القضائية تنحصر أساسا في تسهيل الولوج الى العدالة، والارتقاء بالخدمة القضائية، وتحسين اليات العمل القضائي، ثم تنمية الموارد البشرية لقطاع العدل. لتقديم خدمات جيدة. وكذا حماية القضاء من كل الضغوطات والتأثيرات التي تهدد استقلاليته وحياده.

والحكامة في المجال القضائي هي توجه استراتيجي لا تراجع عنه لإنجاح مسلسل الإصلاح وتوطيد الثقة والرفع من منسوبها بين المواطن المتقاضي وجهاز العدالة، لإقرار الامن القضائي، وابراز الطابع الحمائي للقضاء في سهره على تطبيق القانون وحماية الحقوق.

كما تكمن الأهداف الأساسية للحكامة القضائية في توفير مؤهلات وشروط المحاكمة العادلة، بالإضافة الى تمتيع المواطن بالحق في محاكمة سريعة، ومساطر واضحة، لتلافي كل غموض قد يؤثر على الحقوق والمكتسبات.

ركائز الحكامة القضائية:

ان بناء دولة الحق والقانون وتحقيق التنمية لا يتأتى الا باعتماد الحكامة القضائية، بالنظر لدورها في دعم تدبير الشأن القضائي، وتقديم خدمة عمومية للمتقاضين وفق المعايير المعمول بها وطنيا ودوليا.

وإذا كانت الحكامة الجيدة تتأسس على دعامات النزاهة، الشفافية، المشاركة والمساءلة فان الحكامة القضائية التي تروم تحقيق الأهداف السالفة الذكر تنبني على ركيزتين على الأقل هما: استقلال السلطة القضائية ثم جودة الخدمات القضائية. فبالنسية للركيزة الأولى تعني في هذا الشأن الاستقلال المؤسساتي. ويدخل ضمنه استقلال السلطة القضائية عن السلط الأخرى، وهو ما أكده الفصل 107 من دستور المملكة، وكذلك ترشيد استقلال النيابة العامة عن مؤسسة وزير العدل، وإقامة علاقة جديدة قوامها التعاون. هذا من جهة ومن جهة ثانية الاستقلال الشخصي للقاضي بحسب مضمون الفصل 109 من الدستور، والذي شدد على عدم التأثير على القضاة، ودون اغفال الضمانات القانونية الممنوحة للقاضي من قبيل العمل الجمعوي القضائي.

اما بالنسبة لركيزة جودة الخدمات القضائية فنعني بها تنمية الموارد البشرية والسعي نحو اعتماد إدارة قضائية رقمية، وتبسيط إجراءات التقاضي، والتخلص من صرامة بعض الشكليات لتسهيل وتيسير الولوج الى العدالة، وتكريس عدالة القرب وعقلنة الخريطة القضائية تعزيزا للقرب الجغرافي والخدماتي.

وتأسيسا على ما سبق نود القول انه لبلوغ اهداف اصلاح العدالة اختار بلدنا المقاربة المبنية على الحكامة والتي تبحث عن ابتكار أنجع الأدوات لتحقيق النجاعة القضائية. وتحسين الخدمات من حلال تنمية الموارد البشرية، وتسهيل الولوج الى العدالة وتخليق المرفق القضائي ليؤدي وظيفته باستقلالية، وكفاءة ونزاهة وبتكلفة اقل، وبإجراءات أكثر بساطة.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى