بحوث قانونيةقانون الشغل

ملف الاسبوع قانون الشغل : الحياة الخاصة للأجير

قيادة*


  • مقدمة :
  • المحور الأول : مفهوم الحياة الخاصة للأجير و نطاقها.
  • أولا : مفهوم الحياة الخاصة.
  • ثانيا : نطاق الحياة الخاصة.
  • المحور الثاني : تداخل الحياة الخاصة و الحياة المهنية للأجير.
  • أولا : تأثير سلطة المشغل على الحياة الخاصة للأجير.
  • ثانيا حماية الحياة الخاصة من الحياة المهنية.
  • خاتمة :


إذا كانت الحياة الخاصة موضوع اهتمام منذ القدم، فإن هذا الاهتمام قد تزايد في المجتمعات الحديثة، إذ شغل موضوع الحياة الخاصة حيزا هاما على الصعيد القانوني فانشغل به الفقه و القضاء في الدول الحديثة بغية الفصل بين الحياة المهنية للإنسان عن حياته الخاصة، و توفير الحماية اللازمة لها.

و تبرز الحاجة أكثر للبحث في ذلك إذا تعلق الأمر بأجير، ذلك أن هذا الأخير يعتبر فردا من أفراد المجتمع من جهة، و عاملا مرتبطا بعقد شغل و علاقة تبعية تجعله تابعا للمشغل من جهة أخرى، مما جعل إيجاد تفرقة بين حياته الخاصة و المهنية أكثر تعقيدا و تشعبا، خاصة أمام سكوت ظهير الالتزامات و العقود و مدونة الشغل عن رسم معالم الحياة الخاصة للأجير، و توفير الحماية اللازمة لها، و ندرة العمل القضائي المغربي في هذا الخصوص.

ترى ما المقصود بالحياة الخاصة للأجير ؟ و ما هو نطاقها ؟ و إلى أي مدى يمكن أن تتداخل مع حياته المهنية ؟ و كيف يمكن حماية الحياة الخاصة للأجير من حياته المهنية ؟.

هذا ما سنحاول معالجته باتباع منهج تحليلي مقارن وفق التصميم التالي :

المحور الأول : مفهوم الحياة الخاصة للأجير و نطاقها.

المحور الثاني : تداخل الحياة الخاصة و الحياة المهنية للأجير.

المحور الأول :

مفهوم و نطاق الحياة الخاصة للأجير.

تتطلب منا معالجة هذا المحور تحديد مفهوم الحياة الخاصة للأجير ( أولا )، على أن نعرج على تحديد نطاقها ( ثانيا ).

أولا : مفهوم الحياة الخاصة للأجير.

تقتضي منا دراسة مفهوم الحياة الخاصة للأجير التطرق إلى تعريفها ثم تحديد عناصرها.

I– تعريف الحياة الخاصة للأجير:

لا يوجد تعريف محدد لمصطلح الحياة الخاصة في المعاجم اللغوية، و إن كانت هذه الأخيرة قد عرفت مصطلح الخصوصية بأنها تعني الانفراد بالشيء دون غيره و هي من فعل خصص، فيقال خصه بالشيء أي جعله خاصا به ().

و على المستوى القانوني، فإن التشريعات التي نصت على الحق في الحياة الخاصة ()، فإنها لم تقم بوضع تعريف لها مما دفع الفقه إلى محاولة تحديد مدلول الحياة الخاص، و ظهر بهذا الصدد اتجاهان رئيسيان: أولهما يضع تعريفا إيجابي و الثاني يرتكز على تعريف سلبي.

* التعريف الإيجابي : و من أنصار هذا الاتجاه نجد الفقيه فيري الذي عرف الحياة الخاصة بأنها: ” مجموع الحالات و الأعمال و الأدوار الصادرة عن الفرد بحرية و التي لا تربطه بأي التزام في مواجهة الآخرين”().

كما عرفها الفقيه الأمريكي جون شاتوك بقوله: ” الحياة الخاصة تعني أن يعيش المرء كما يحلو له أن يعيش، مستمتعا بممارسة أنشطة خاصة معينة حتى و لو كان سلوكه على مرأى من الناس، فالإنسان حر في ارتداء ما يراه مناسبا، و حر في ان يظهر بهيئة تتميز بها شخصيته”.

* التعريف السلبي : يعتمد هذا الجانب من الفقه في تعريف الحياة الخاصة تعريفا سلبيا يقوم على التمييز بين الحياة الخاصة و الحياة العامة، فالحياة الخاصة هي: ” حق غير علني على خلاف الحق العلني المتمثل في الحياة العامة، لكن ما المقصود بالحياة العامة؟ يذهب بعض الفقه () إلى أن الحياة العامة للشخص هي كل ما يكون من القبول علم الغير به مع الأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:

– المصلحة العامة التي تعكس الأعمال التي أسهم فيها مثل هذا الشخص بالنسبة للجمهور.

– الأنشطة العامة و المهنية و النتائج المستخلصة من أعمال كشف عنها هذا الشخص أو إفشاء أسرار اشترك فيها بمحض إرادته، دون أن يقتضي ذلك تنازلا مطلقا منه عن حياته الخاصة بالنسبة للمستقبل.

II– عناصر الحياة الخاصة:

أمام صعوبة التوصل إلى تعريف جامع مانع لفكرة الحياة الخاصة، اتجه الفكر القانوني إلى محاولة تعداد العناصر المكونة للحياة الخاصة.

و يقصد بعناصر الحياة الخاصة: ” تلك الأشياء و الأمور المتصلة بالإنسان و يحيطها هذا الخير بستار من الكتمان ” ().

و نجمل هذه العناصر فيما يلي:

المحادثات الشخصية و المراسلات : يدخل في هذا الإطار المكالمات الهاتفية و المراسلات و الخطابات المكتوبة مهما كانت الوسيلة المعتمدة التي تتم من خلالها و من التطبيقات القضائية لسرية المراسلات، ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 11 يونيو 1991 الذي جاء فيه : ” إذا كان من حق الوكيل الخاص أن يتسلم الرسائل الخاصة بالموكل، و أن يتولى الرد عليها، فإن ذلك يتصرف فقط إلى الرسائل المتعلقة بأعماله و لا يمتد إلى رسائله الشخصية، فإذا تجاوز هذا الحد ووسع نطاق رقابته ليشمل تلك الأخيرة، فإنه يكون بذلك قد انتهك الحياة الخاصة لموكله ().

الحياة العاطفية و الزوجية و الأسرية : تعد حياة الشخص العاطفية و الزوجية و العائلية من أدق عناصر الحياة الخاصة التي لا يجوز التطفل عليها أو كشفها للجمهور عن طريق النشر أو بأي وسيلة أخرى، و في هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه : ” لا يجوز نشر أخبار حقيقية أو مزعومة عن خطبة أحد الأشخاص و قررت أنه من مسائل الحياة الزوجية علاقة الزوج بزوجته و مدى نجاح أو فشل هذه العلاقة و ما يترتب عليه من نتائج كالطلاق أو الزواج الجديد().

محل إقامة الشخص و رقم هاتفه : يعتبر محل إقامة الشخص و رقم هاتفه من قبيل العناصر المشكلة للحياة الخاصة للأجير و من التطبيقات القضائية لذلك، ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 6 نونبر 1990 بأن : ” كشف رب العمل عن موطن العامل بدون موافقة الأخير يعتبر اعتداء على حياته الخاصة ().

حق الأجير في اختيار مظهره : يعتبر اختيار الأجير لمظهره من الحقوق الثابتة له، و هو بشكل مبدئي حر في اتخاذ المظهر الخارجي الذي يناسبه، و له الحق في رفض تغييره إذا طلب صاحب العمل ذلك.

غير أن الممارسة العملية تثير مجموعة من الإشكالات إذ نلاحظ إدراج أرباب العمل لشروط تعاقدية تتدخل حتى في المظهر الذي يجب أن يكون عليه الأجير في عمله إن أراد أن يقبل من طرف رب العمل ().

ثانيا : نطاق الحياة الخاصة للأجير.

أصبح مفهوم الحياة الخاصة للأجير في قانون الشغل سيما في فرنسا مفهوما معروفا، فبالرغم من وجود علاقة التبعية التي تربط الأجير بالمشغل، إلا أن الأول يحتفظ بقدر من الاستقلال يختلف نطاقه ضيقا و اتساعا بحسب ظروف المنشأة التي يعمل فيها و طبيعة العمل الذي يؤديه. فبجوار هذه الحياة الخاصة توجد الحياة المهنية التي تظهر بشكل واضح في وقت و مكان العمل، و في ظل علاقة التبعية التي تضع الأجير تحت سلطة صاحب العمل و تخضعه لأوامره و توجيهاته، تتقلص حرية العامل في فعل ما يريد.

و قد يحدث تداخل بين نطاق الحياة المهنية و الحياة الخاصة. فالأجير رغم وجوده في مكان و وقت العمل، إلا أنه يحتفظ بذاته كإنسان و بقدر من الخصوصية التي تلازمه في مكان العمل، و لعل أهم ما يلازم الأجير حتى في حياته المهنية اعتقاده و ضميره و فكره، فليس مطلوبا من الأجير أن يؤمن بنفس المعتقدات التي يؤمن بها مشغله، أو بنفس التوجهات، و ليس ملزما بأن يتقاسم مع المشغل أفكاره و معتقداته و له أن يتبنى آراء أو أفكارا مختلفة ما لم تكن تلك الآراء و المعتقدات محل اعتبار عند التعاقد ().

مما سبق نخلص إلى أن الحد الفاصل بين نطاق الحياة الخاصة و الحياة المهنية ليس حاسما، و التفرقة ليست دقيقة بين زمان و مكان العمل، حيث يخضع فيهما الأجير لسلطة صاحب العمل، و بين غيرهما من الأماكن و الأوقات التي يكون فيها الأجير في منأى عن رقابة و سلطة المشغل، بل حتى أثناء زمان العمل و في مكانه يضل الأجير إنسانا و يتمتع بصفته هذه بكثير من الحقوق و الحريات داخل المقاولة، و حتى في مقر سكن الأجير و نظرا لظهور عقود العمل عن بعد تحضر الحياة المهنية مما يجعل أمر التفرقة بين نطاق الحياة الخاصة و الحياة المهنية أكثر تعقيدا.

المحور الثاني : تداخل الحياة الخاصة و الحياة المهنية.

تقتضي دراسة تداخل الحياة الخاصة و الحياة المهنية للأجير الوقوف عند تأثير سلطة المشغل على الحياة الخاصة للأجير ( أولا )، ثم التعرض لحماية الحياة الخاصة من الحياة المهنية ( ثانيا ).

أولا : تأثير سلطة المشغل () على الحياة الخاصة للأجير.

حول الأساس القانوني لسلطة المشغل ثار خلاف كبير بين الفقه، و خضع هذا الخلاف لتطورات متلاحقة.

فبينما ترى النظرية التقليدية أن السلطات الممنوحة للمشغل أساسها حق الملكية الذي يخول لصاحب العمل سيادة على مقاولته، أسست النظرية الحديثة هذه السلطة بناء على عقد الشغل ()، لكن السؤال الذي يطرح هو ما مدى تأثير هذه السلطة على الحياة الخاصة للأجير؟.

إن استخدام المشغل لسلطاته لا يمكنه من أن يضع على حقوق الأجراء إلا القيود التي تكون ضرورية لبلوغ الهدف من وراء استخدامه لهذه السلطات، كتحقيق السلامة و الصحة المهنية في أماكن العمل مثلا.

و يعمل القضاء الفرنسي على حماية الحياة الخاصة للأجير من خلال التأكيد في أحكامه على مبدأ الملائمة كوسيلة للدفاع عن الحقوق و الحريات الفردية في المقاولة.

فإذا قام المشغل بإدراج نص في النظام الداخلي يجيز له فتح الخزائن الخاصة بملابس العمال داخل المقاولة دون إخطار مسبق لهم بذلك، و في غيبتهم، فإنه يتجاوز بذلك سلطاته و يضع قيودا دون مبرر على الحقوق و الحريات الفردية لأجرائه () و نفس الحكم يسري على الرسائل الشخصية للأجير المرسلة من طرفه أو الواردة إليه، حيث أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 2001 () المعروف بقرار NIKON أن : ” للأجير الحق في احترام حميمية حياته الخاصة حتى في وقت و مكان العمل إذ لا يمكن للمشغل أن يطلع على الرسائل الشخصية للأجير المرسلة إليه و حتى لو تم ذلك في جهاز حاسوب المقاولة “.

و في قرار آخر صادر عنها بتاريخ 12 فبراير 2013 قررت أن : ” للمشغل الحق في فحص مفتاح الذاكرة ( clé USB ) الخاص بالأجير إذا استعمله هذا الأخير في حاسوب المقاولة، إذ يحتمل أن يكون الأجير بصدد سرقة بيانات أو أن يكون هذا المفتاح حاملا لبعض الفيروسات التي تشكل خطرا على البيانات المخزنة في الحاسوب أو على الحاسوب نفسه().

كما أن النص في النظام الأساسي على تفتيش الأجراء يشكل أمرا غير مشروع ما لم تقتضيه حالةُ ضرورة، و قد جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 17 ماي 2005 () يجيز مراقبة المشغل لوثائق العمل التي توجد بحوزة الأجير بشرط حضور هذا الأخير و لا يمكن الاطلاع عليها إلا في حالة الضرورة و ذلك بحضور مفوض قضائي استنادا للفصل 145 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي.

و يدور تحقيق التوازن بين سلطات المشغل و الحياة الخاصة للأجير في فلك حالة الضرورة، و ينبغي أن تتم إجراءات التفتيش في حضور أحد الشهود، و أن يتم التفتيش بما لا يهدر الكرامة الإنسانية و يُخطر الأجير بحقه في الاعتراض.

كما أن حظر المناقشات السياسية أو العقائدية بين العمال داخل المقاولة بحجة أنها يمكن أن تؤدي إلى الإخلال بأمنها، أو الحظر المطلق لأية أحاديث بعيدة عن مجال الشغل هي أمور غير مشروعة و تشكل اعتداءا على الحياة الخاصة للأجير.

وعلى النقيض مما سبق فإن النص” على حظر التدخين داخل المقاولة طالما كان دافعه هو المحافظة على السلامة و الصحة المهنية داخل المقاولة ()، كما أن سلطات المشغل تخوله الحق في مراقبة الأجراء بواسطة آلات التصوير غير أن المادة L1221-9 () ألزمت المشغل بأن يخبر الأجير بأنه سيكون محل مراقبة بواسطة الكاميرا وقت دخوله إلى العمل.

ثانيا : حماية الحياة الخاصة من الحياة المهنية.

إذا كان من النادر أن نعثر على حكم أو قرار صادر عن القضاء المغربي يشير إلى الحالات التي يتم فيها التعدي على حياة الأجير الخاصة عند مزاولته للعمل المأجور فإننا بالمقابل نجد مثل هذه الحالات في العديد من أحكام و قرارات القضاء الفرنسي، الذي لا يتوانى عن حماية الأجير بحقه في احترام حياته الخاصة و درء ما قد يلحقها من أذى نتيجة سلطات المشغل داخل المقاولة.

و قد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 17 أبريل 1991 () أن للأجير كامل الحرية في حياته العاطفية و في قرار آخر اعتبرت نفس المحكمة أن طرد الأجيرة بسبب زواجها بمنافس مشغلها يعد بمثابة طرد تعسفي () كما أكد هذا القضاء أن للأجير كامل الحرية في شراء المواد و السلع التي يشاء، ففي قرار لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ 22 يناير 1992 تتلخص وقائعه في أن ” الأجيرة تشتغل لحساب شركة رونو لصناعة السيارات اشترت سيارة هي من نوع بوجو لاستعمالها في أغراض خاصة و على إثر ذلك أقدمت الشركة على فصلها من الشغل على اعتبار أن الشركتين متنافستين في مجال صناعة السيارات، فقررت محكمة النقض أن هذا الفصل يعتبر فصلا تعسفيا().

لكن إذا كنا لا نكاد نعتر بين أحكام القضاء المغربي في المادة الاجتماعية لما يشير إلى حماية الحياة الخاصة للأجير عند تعارضها مع حياته المهنية، فإن ذلك لا يعني أن علاقة العمل لدينا لا تعرف مثل هذه النزاعات، ذلك أن مثل هذا الفراغ لا يمكن تفسيره إلا بتردد الأجراء في طرق باب القضاء عند المساس بحياتهم الخاصة ().

و إذا كان المساس بحياة الأجراء الخاصة ليس غريبا عن علاقة الشغل ببلادنا، فإن التساؤل لا يطرح حول الموقف الذي سيكون فيه الأجير جراء رفض تعليمات مؤاجره الماسة بحقه الشخصي في احترام حياته الخاصة، هل سوف يعتبر رفضه لأوامر مشغله التي تفرض عليه سلوكا معينا في حياته الخاصة بمثابة خطأ جسيم من طرفه يبرر فصله ؟

إذا عدنا إلى القرارات التي أوردناها للقضاء الفرنسي سابقا كتلك التي اعتبرت طرد الأجيرة بسبب زواجها من منافس لمشغلها بمثابة طرد تعسفي، أو القرار الذي اعتبر شراء الأجيرة لسيارة من غير النوع الذي يبيعه مؤاجرها ليس سببا مبررا للطرد، إذا رجعنا إلى هذه الحالات و ما شابهها، هل يعتبر القيام بهذه الأفعال من قبل الأجراء بمثابة أخطاء تبرر الفصل ؟

لا يتردد بالجواب بالنفي أحد الباحثين () معللا ذلك بأن الحالات التي ورد عليها النص في المادة 39 من مدونة الشغل () و التي تبرر الفصل، لا نجد من ضمنها أي مقتضى يعتبر رفض تعليمات رب العمل الماسة بالحق في الحياة الخاصة بمثابة خطأ يبرر الفصل، الأمر الذي لا يمكن أمامه إلا أن يُعتبر أي فصل تعرض له الأجير نتيجة تمسكه بحقه الشخصي في احترام حياته الخاصة بمثابة فصل تعسفي يخول له طبقا لمقتضيات مدونة الشغل الحق في الاستفادة من التعويض عن الضرر و التعويض عن أجل الإخطار و التعويض عن الفصل.

ذلك أن رب العمل حتى و لو كانت له سلطة تجاه أجرائه فإن هذه السلطة لا يمكن ممارستها إلا في الحدود المعقولة، فلا يمنع الأجير من ممارسة حرياته و التمتع بحقوقه بدعوى التأديب.

إذا كان المبدأ أن للأجير الحق في حماية حياته الخاصة، فإن هذه الحماية لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها، إذ أن السير الحسن داخل المقاولة يستلزم نوعا من التوفيق بين الحماية المطلوبة لشخص الأجراء و بين حق رب العمل في عدم تضرر مقاولته، و لنا في القضاء الفرنسي خير ما نستشهد به من أمثلة على الأضرار التي تلحق بالمؤسسة المشغلة في حالة المبالغة في حماية حياة الأجير الخاصة.

فمن الواضح، على سبيل المثال أن لباسا محترما يعتبر ضروريا و لازما بالنسبة للأجراء ذوي الصلة بالزبناء، و كما أن استلزام حد أدنى من النظافة يعتبر ضروريا بالنسبة لبعض المهن التي تتطلب زيا نظيفا، حيث أكدت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ 29 يناير 1984 على جواز طرد حد الأجراء المكلفين ببيع لحم الخنزير نظرا لوساخة لباسه ().

كذلك قررت محكمة النقض الفرنسية أن الشخص المكلف بالأمن الذي يرفض ارتداء الزي الرسمي للعمل يعتبر مرتكبا لخطا جسيم يبرر طرده ().

و أيضا في حالة المندوب التجاري المكلف ببيع السيارات و الذي يتردد على الزبناء بسيارة شخصية من نوع غير نوع السيارة التي يحاول بيعها، ففي هذه الحالة فغن مهمة الأجير في حياته المهنية تطغى على حماية حقوقه الخاصة.

ففي مثل هذه الحالات يظهر بجلاء مدى الضرر الذي ينعكس على رب العمل في حالة منح الأجير حرية مطلقة في حياته الخاصة، ذلك أنه مما لاشك فيه أن اللباس الوسخ يؤدي إلى نفور الزبناء، و عدم لبس الزي الرسمي بالنسبة لبعض المهن يؤدي إلى عدم معرفتهم من طرف رواد المحل لاستفسارهم عند الضرورة، كما هو الشأن بالنسبة للمكلفين بالأمن، كما أم استعمال الأجير لسيارة من غير النوع الذي يبيعه من شأنه أن يشكك الراغب في الشراء في جودة السيارة المراد بيعها مادام من يقنعهم بشرائها لم يبتعها لنفسه ().


من كل ما سبق يمكن القول أن للأجير حياة خاصة يجب احترامها و حمايتها عند مزاولة العمل المأجور، وكل توقف أو طرد يتعرض له إلا وجب اعتباره تعسفيا، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تضرر المشغل كما في الحالات التي سبق التطرق إليها، فإذا كان المبدأ هو حرية الأجراء في حياتهم الخاصة، فإن هذا لا يمنع من ورود بعض القيود على هذه الحرية لتحقيق نوع من التوفيق بين الحماية المطلوبة للحياة الخاصة للأجراء و بين حق رب العمل في عدم تض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى