نظرات إلى مسودة مشروع التقاضي عن بعد بما فيها من فقرات: محاكم أول درجة
نظرات إلى مسودة مشروع التقاضي عن بعد بما فيها من فقرات:
- محاكم أول درجة
فاتح كمال طالب باحث بصف الدكتوراة
بمرصد التحولات المؤسساتية والقانونية
بكلية الحقوق بليموج
- حينما اخترع العرب الصفر[1]، لم يكونوا يتصورون أنهم يضعون لبنة ستصير فيما بعد أساس لغة الحاسوب Le langage binaire[2] 0 et 1) (. فإذا كان العرب تقدموا في العلوم، فإن ورثة حضارتهم، تأخروا ببضعة عقود في المجال المادي عن نظرائهم الغربيين وربما نصف قرن فيما يتعلق باللاماديات[3]. هذا وتشكل المسودة غير المرقمة لمشروع قانون استعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية، إحدى مظاهر الرغبة في اللحاق بركب الحضارة اللامادية. فقد انتقل جزء مهم من الانسانية من أبجديات التقاضي الواقعي (كما وصفه هوميروس في الإلياذة[4]) الى التقاضي عن بعد؛ في خطوة تهدف لتخفيف الأعباء ومواجهة جائحة كورونا كوفيد 19[5].
- لئن كان المغرب أضاع ما يقارب عقد ونصف من الزمن، في انتظار التحديث الحقيقي للمحاكم والتنزيل الكامل لمشاريع مولها الاتحاد الأوروبي[6] و[7] Us Aid ، تبقى منهجية إصدار مشروع قانون تعديلي للمسطرتين المدنية والجنائية لإخراس منتقدي مسودة مشروع قانون منع انتقاد المنتجات المغربية ومقاطعتها ومنتقدي البدء في المحاكمة عن بعد خارج الاطار القانوني المواكب لها مبادرة صائبة لأنها ردة فعل سريعة لمتطلبات الجائحة؛ لكنها تتضمن مخاطر التسرع في تنزيل مشروع كبير على الورق لا تواكبه قاعدة بيانات مناسبة، جاهزة وتتطابق مع النص المسطري وتلبي حاجيات العمل في المحاكم وخصوصيات المرفق والعاملين به على طول المملكة.
- لقد كانت تستوجب المقاربة التشاركية منذ زمن، جمع موهوبين قانونيين معلوماتيين من جميع الفئات المتدخلة في المحاكمة المدنية والجنائية في ورشات واقعية أو على الفضاء الرقمي للنقاش الصريح لمواجهة كل المخاطر المحتملة (حدود ولوجية الفئات الهشة للعدالة الالكترونية، مخاطر لوجيستيكية حقيقية، أخطار قانونية وإجرائية …) وتثمين المكتسبات الحقيقية التي يحملها المشروع من تعزيز الشفافية والمساواة في الإجراءات ومحاربة بعض ظواهر سمسرة الملفات وتوجيهها وتعزيز قواعد المنافسة النزيهة وعدم هدر الوقت والجهد لجميع المتدخلين وتعزيز رضى المواطنين والمتقاضين على عدالتهم. هذا وقد ارتأيت للاقتراب بروية من مسودة هذا المشروع التطرق في مرحلة أولى لإستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية في المسطرة المدنية المتعلقة بمحاكم أول درجة لأهميتها.
- تطرق المشروع في بداياته إلى المقتضيات المنظمة للمسطرة أمام محاكم أول درجة. حيث جاءت المادة 31 فقرة 1 ملحقة لمقتضيات المادة 31 المتعلقة بتقييد الدعوى امام تلك المحاكم وكانت جريئة نسبيا بتبني التدبير المعلوماتي لإدارة القضايا المدنية بتنصيصها على أن النظام المعلوماتي يعين تلقائيا القاضي المكلف بالقضايا أو القاضي المقرر الى جانب تاريخ أول جلسة لكنها تناقضت مع بقية المقتضيات التي تحدثت عن استعمال مساعدي القضاء للمنصة الالكترونية. وكان أحرى بها ان تفرق بين حالة المهنيين والأشخاص العموميين وأغلب الأفراد الذاتيين الغير القادرين على التعامل الرقمي مع المحاكمة عن بعد. هنا كان من الأرجح استثناء المحامين والأشخاص المعنوية من وجوب الانتقال الى المحكمة من اجل إيداع مقال كتابي ومرفقاته والاكتفاء بالإيداع الالكتروني مع توفير إمكانية أداء الرسوم القضائية عن بعد كذلك بطريقة آمنة. علما أن هذا التعديل ربما لن يكون له تأثير كبير على فئة الكاتبات المساعدات للدفاع خلافا لتأثيره النسبي على مداخيل السادة المفوضين القضائيين. هنا بإمكان التدخل للرفع قليلا من تعريفة التبليغ لصالحهم أو أي إجراءات تفضيلية أخرى.
- يجب أن تكون أتمتة الإجراءات (Automatisation des actes de procédures) في إطار تصور مكتمل. فعدم الإشارة الى خصائص المقال المودع والمذكرات الجوابية والتقارير اللاحقة في إطار تحقيق الدعوى سيجعل تجهيز الملفات ينجز بسرعة غير مقبولة بالمقارنة مع حكمها وتحريرها. ذلك أنه من الأولى في نظرنا تعيين خصائص المقالات والمذكرات وتقارير الخبراء القضائيين في قانون المسطرة المدنية عوض طلب المنصة أن تكون في صيغتي Word وpdf (أو أي صيغتين مشابهتين) لتسهيل عملية تحرير الأحكام التمهيدية والأحكام النهائية ولاحقا القرارات الاستئنافية و ربما قرارات محكمة النقض.
- إنه من الأفضل بخصوص دور القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر بعد تعيينه بواسطة المنصة الالكترونية، أن تتولى هذه الأخيرة إحالة الملف عليه فورا ومباشرة في حسابه المهني ويقوم هو فورا أو في أقرب وقت عن بعد بتحديد الجلسة المناسبة وتبليغ الطرفين والدفاع الكترونيا بالاستدعاء وتاريخ الجلسة في عناوينهم الالكترونية ذرءا لتعيين المنصة لملفات في جلسات يصعب على القضاة تتبعها واقعا فضلا على أنه يصعب برمجة المنصة لتفادي حالات التنافي والتجريح وغياب القضاة والقاضيات أو إقامتهم خارج دوائر نفوذهم. كما أن هذه الطريقة ستمكن أيضا من تفادي طول الإجراءات في الملفات غير مكتملة الوثائق المرفقة. أشير هنا أن المشاريع المرتقبة لوزارة العدل في المجال المسطري تريد محاصرة ظاهرة صدور الأحكام بعدم القبول دون توصل الأطراف. فمن باب أولى وإنسجاما إغلاق هذا المنفذ. علما أن هذا التعيين التلقائي قد يصير لا يطاق في محاكم معينة تعرف ضغطا كبيرا للملفات. فمن سيبرمج المنصة الالكترونية بإمكانه تحويل حياة بعض القضاة في المملكة على الأقل خلال مدد معينة إلى جحيم لا يحتمل وبعض التجارب المروية كفيلة بالاحتراز من هذه الفرضية.
- تم التنصيص في المادة 41 فقرة 2 على المنصة الإلكترونية لكنها أغفلت تلك الفقرة الإشارة إلى أنها هي أساس التعامل عن بعد بين الحسابات المهنية للمحامين ومحاكم المملكة. نفس ذلك الإغفال سجلناه في عدم ذكر أن القاضي المقرر والقاضي المكلف بالقضية قد يكلفان من قدم مستندا الكترونيا بتقديم أصله عند الاقتضاء. إن تصور المنصة الإلكترونية يجب أن يكون شاملا للمعاملات القضائية والإدارية لذلك وجب أن تكون الحسابات المهنية للمسؤولين القضائيين والإداريين والمستشارين ونواب الوكيل العام للملك والقضاة ونواب وكيل الملك مضمنة كذلك دون نسيان كتاب الضبط والتراجمة والعدول والموثقين… ومن أجل فعالية أكبر للمنصة يتوجب تضمين هواتف جميع المذكورين سالفا في برنامج المنصة بحيث تبعث رسالة إشعار الى هواتف كل المستدعين بطريقة الكترونية أو من أنجز الإجراء لصالحه أو من له الصفة والمصلحة في معرفته.
- تثير الإحالة الى نص تنظيمي في الفصل 41-4 من المشروع تساؤلا عن الغاية من عرض هذا المشروع منفردا وغير مرفق ببطاقة تقنية. فإذا كانت الغاية هي العمل بهذا المشروع فورا لتجاوز الجائحة فلا منطق بتضمين الإحالة على نص تنظيمي قد يطول صدوره أشهر أو سنوات. وإني أرى أنه كان الأولى إنجاز المنصة قبل عرض المشروع للدراسة القانونية حتى تكون مناقشة المجال التقني أفيد وأنجع ولاقتصاد الوقت والطاقة وللتطابق بين ما هو في الورق مع ما سيكون واقعا.
- يجب أن يكون أول تبليغ تقوم به المنصة هو التبليغ الأولي الذي يقوم به القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر إلى المدعي الشخص الذاتي في المحكمة فورا أو أقرب وقت أو الى الحساب المهني للدفاع أو الشخص المعنوي المدعي وإلى المفوض القضائي المختار أوتوماتيكيا من قبل الطرف المدعي لتبليغ المدعى عليه أو إلى الحساب الالكتروني للشخص المعنوي أو المهني المدعى عليه. إن تبني التبليغ الإلكتروني له مميزات أكيدة وعظمى لكنه لا يخلو من مخاطر يجب توقعها ومحاصرتها بالتكنولوجيا والإجراءات والفصول القانونية والعمل القضائي. لذلك رأيت أنه كان من الأحرى بمحرر الفصل 41/8 التنصيص على حق جميع من له المصلحة من أطراف الدعوى ودفاعهم المنازعة في التوصل كدفع أولي قبل مناقشة القضية ولمحكمة أولى درجة ذاتها أو من يليها ترتيب الأثر المناسب. ذلك أن العوارض التقنية المثبتة بموجب مقبول (خلل عام أو جهوي في الشبكة، سرقة حساب، سجن، حادثة، سفر بعيد ….) يجب أن تضمن في صيغة الفصل 41/9 كذلك في نظري.
- إن المادة 50 من قانون المسطرة المدنية الحالي هي أيضا أولى بالتتميم. حيث وجب بداهة أن تنص على إمكانية عقد الجلسة عن بعد إذا عاق قاض أو أكثر الحضور بموافقة جماعية مع تحديد شكليات ذلك الانعقاد ومسبباته في فقرة تضاف الى المادة 50. علما أنه لا معنى للحديث عن السجلات الورقية والمحضر الموقع يدويا بوجود منصة الكترونية مع ما يستوجب ذلك من تعزيز لعناصر السلامة من بصمة اليد و/أو شبكة العين و/أو الوجه وكذا الأقنان السرية وتسجيلات مؤمنة في كتل معلوماتية صلبة خارجية ( disques durs externes ).
[1] – العالم مخترع الصفر هو محمد بن موسى الخوارزمي، وعالم مسلم، اشتهر بكونه عالم رياضيات وفلك و جغرافيا، و قد برع في المجالات جميعها، و قد تمثلت براعته في إنجازاته التي تكللت بالنجاح، و أهمها اختراعه لرقم الصفر، و الذي يسبق الرقم واحد، وفي ما يتعلق بقيمته، فهو رقم دون قيمة، و لكنه يفصل بين الأعداد الموجبة و السالبة. https://wikiarab.com/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%B1%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%B1 ” روجع بتاريخ 3/5/2020″
[2] – L’ordinateur est la machine qui permet de traiter l’information représentée sous sa forme binaire. Il travaille donc sur des données codées de façon BINAIRE. Chaque variable binaire peut être représentée par deux états 0 et 1. https://ecolevirtuelle.provincedeliege.be/docStatique/elearning/CBock/page_06.htm « consulté le 3/5/2020 »
[3] – On entend par écart de civilisation la capacité qu’a un peuple/Etat a être en accord avec son augmentation en nombre, en modernité, en règles, intérieur (au pays) et extérieur (à l’international). On peut donc constater un minimum d’écart entre la France et certains pays au minimum de 50 ans. Ce n’est pas l’absence totale de technologie car on peut y trouver le dernier smartphone, ou la dernière voiture,… mais la manière dont cet apport technologique est gérer, est-on toujours dans la passivité par rapport à lui ou dans la création, le développement, l’usage amélioré, la recherche… ou tout simplement son maintien correct.
[4] – Dans l’Iliade, Homère présente une scène judiciaire qui est une des premières descriptions d’un procès. Gravée sur le bouclier d’Achille, elle se situe au moment critique où les chefs rivaux, Achille et Agamemnon, se réconcilient après un long différend qui est à l’origine des échecs subis par les Grecs devant les murs de Troie. Héphaïtos forge une arme invincible pour permettre à Achille de reprendre victorieusement le combat, « un bouclier grand et fort », où est gravée la scène suivante : Le peuple se dresse sur l’agora où un débat s’est élevé entre deux hommes sur le rachat pour un homme tué. L’un offre de tout payer et le déclare à l’assemblée ; l’autre ne veut rien accepter. Tous recourent au juge pour en finir. Denis Salas, Du procès pénal, Que sais je, 2010, p.17.
[5] – Les coronavirus (CoV) sont une grande famille de virus qui provoquent des maladies qui vont du simple rhume à des maladies plus graves telles que le syndrome respiratoire du Moyen-Orient (MERS-CoV) et le syndrome respiratoire aigu sévère (SRAS-CoV). Un nouveau coronavirus (nCoV) correspond à une nouvelle souche qui n’a pas été identifiée chez l’homme précédemment. Les signes courants de l’infection sont les symptômes respiratoires, la fièvre, la toux, l’essoufflement et les difficultés respiratoires. Dans les cas les plus graves, l’infection peut provoquer une pneumonie, un syndrome respiratoire aigu sévère, une insuffisance rénale et même la mort. « consulté le 3/5/2020 » publié in : http://www.emro.who.int/fr/health-topics/corona-virus/about-covid-19.html « consulté le 3/5/2020 »
[6] – https://assahraa.ma/journal/2008/66248 « consulté le 3/5/2020 »
[7] – https://cpa.enset-media.ac.ma/Fixe/Eval%20droit%20ccial%20Maroc.pdf « consulté le 3/5/2020 »