الارتفاقات المائية في القانون المغربي – الدكتور عبد الجليل جودات
الارتفاقات المائية في القانون المغربي
الدكتور عبد الجليل جودات
الحمد لله الذي خلق الخلق لحكمة يعلمها سبحانه وتعالى، وجعل على هذه الأرض قيام الحياة البشرية، وهيأ للإنسان ما يضمن بقاءه واستمراره، فأودع أسرار أرزاق الخلق في هذه الأرض، ومنح الإنسان العقل ليبتغي أسباب التدبر والـتأمل والتفكر، وأودع فيه غريزة التملك لضمان سيرورة الاستخلاف، وتهيئ أسباب العيش والرخاء وحيازة ما يحتاجه في الحياة، ومن هنا كانت غريزة التملك فطرية، جبل عليها الإنسان منذ أن وجد، ولازالت في تهذيب وتنظيم إلى أن أحدثت النظم والشرائع والقواعد التي تنظم هذه الـممارسة، وتبين حدود نطاق حق التملك.
وليس حق الـملكية وحده يخضع لهذا التنظيم، بل هناك عناصر من حق الـملكية ذاته تتوزع بين الأفراد فتنشأ علاقات بينهم على نحو ما، تكون خاضعة أيضا إلى قواعد وتنظيمات، وقد تكون من أسباب الحد من حق الـملكية، أو تقييد هذه الـملكية في إطار معين كحقوق الارتفاق، والتي تعد من الأعباء الاستثنائية المقيدة لحق الـملكية باعتباره: تكليفٌ يحد من منفعة العقار المرتفق به، فيؤدي بذلك إلى الانتقاص من المزايا التي يخولها حق الملكية.
فقـوام حق الارتفاق هو علاقة بين عقارين، تكون له معها طبيعة خاصة، وخصائص مميزة، ويختلف مضمونه باختلاف أنواعه، مما يجعل له تقسيمات وتصنيفات عدة بحسب الوجهة التي ننظر منها إليه، كما أن شروطه وعناصره متى توافرت، فإنه يرتب آثاراً اتجاه مالكي العقارين، ويمنحهما حقوقاً ويحملهما التزامات.
وحق الارتفاق يحقق مصالح دينية ودنيوية لما ينتج عنه من مودة ورحمة وإحسان بين الجيران، فإن من أذن لجاره باتخاذ أرضه ممراً له مثلا، يعتبر صاحب فضل وإحسان على جاره، وبالتالي فلا بد وأن يقابل الجار الممنوحة له هذه الامتيازات بالامتنان والإكبار لمُسديها والشعور بالتفضل من جاره، وبهذا يتم حسن الجوار الذي أمر الله به، وأكده نبيه صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة منها : ما جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننته أنه سيورثه» [1].
المحور الأول :حقيقة الارتفاق وأشكاله
المبحث الأول: مـفـهـوم الارتـفـاق
– الارتـفـاق لغـة واصطـلاحـا : الارتفاق في اللغة مصدر ارتفَق يرتفِق ارتفاقا، بمعنى انتفع به، وارتفقتُ بالشيء انتفعتُ به.[2]
والمرفق (بكسرالميم وفتح الفاء): موصل الذراع في العضُد. ويقال له أيضاً:المَرفِق (بفتح الميم وكسر الفاء) والمِرفق (بكسر الميم وفتحها) هو ما ارتفقت به وانتفعت به. ومرافق الدار مصاب الـماء ونحوها [3].
والرِّفْقُ، والـمِرْفَقُ، والـمَرْفِقُ، والـمَرْفَقُ: ما اسْتُعِينَ بِـهِ، وقد تَرَفَّقَ به وارْتَفَق[4]
وفي التنزيل ]وَيُهَيِّئُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَرْفِقَا[[5] ، أي: يسهل عليكم أمركم ويأتيكم باليسر والرفق واللطف، وقوله سبحانه ]وساءت مرتفقا[[6] ، أي ساءت النار متكأ لهم، وساءت مجتمعا. أي بمعنى ساءت منزلا ومستقراً. أما قوله تعالى: ]وحسنت مرتفقاً[ أي حسنت الجنة منزلا ومجلساً ومستقراً [7]
والـمَرْفق: اسم المكان من ارتفقت. والرِّفق: ضد العنف، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه»[8].
والرّفقة: الجماعة ترافقهم في سفرك والجمع رفاق.
والرَّفِيقُ: الـمُرافق والجمع رفقاء[9].
والـمرتفق: الـممتليء الواقف الثابت الدائم.
أما في الاصطلاح الشرعي: فإن الفقهاء المسلمين لم يفردوه بباب مستقل يجمع المسائل ويفصل الأحكام، وإنما بحثوه في مواضع متعددة من أبواب الفقه.
لذا لم يصطلحوا على تعريف جامع مانع له، وإنما ورد في عبارات بعضهم ما يشير إلى معناه كما جاء في المختصر[10] “وندب إرفاق جار بماء وفتح باب“[11]
وقد خصه الإمام مالك – ت 179- بباب في الموطأ بعنوان: “المرافق” ذكر فيه بعض الأحاديث والآثار الدالة على أحكام الارتفاق.
وسماه ابن المنيِّر[12] “حق الاستطراق” وهو مأخوذ من استحقاق البائع الثمرة دون الأصل لاقتطافها في أرض مملوكة لغيره [13].
ويقصد بحق الارتفاق: حق الانتفاع العيني لأنه حق متعلق بالأعيان لا بالأشخاص. فهو الحق الثابت أو المنفعة المقررة على عقار لمنفعة عقار آخر، وذلك بقطع النظر عن شخص المالك [14] ويسميه المالكية بالارفاق، وهو: إعطاء منافع العقار [15].
يقول الإمام أبو بكر محمد بن عاصم:
إرفــاقُ جـارٍ حَـسَنٌ للجـار بـمسـقًى أو طريقٍ أو جـدارٍ[16]
والحدُّ فـي ذلك إنْ حُدَّ اقْـتـفى وعُـدَّ فـي إرفَـاقِهِ كالسَّلَـف [17]
وقد عرفته المادة 1015 من القانون المدني المصري بأنه: “حق يحد من منفعة عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر”[18].
“كحق شِرْبٍ أو مجرى أو مسيل أو مَطَلٍّ أو مرور يتقرر لعقار على عقار، أوكمنع البناء على عقار أو منع البناء عليه بعد ارتفاع معين لمصلحة عقار آخر”[19].
وعرفه الفصل 108 من ظهير 19 رجب 1333هـ من القانون المغربي بأنه: “تكليف مقرر على عقار من أجل استعمال ومنفعة عقار يملكه شخص آخر”.
ويطابق هذا التعريف في معناه التعاريف الواردة في عدد من القوانين المدنية العربية [20] ، وهو تعريف وإن كان يبين مدلول حق الارتفاق، إلا أنه جاء في عبارة موجزة لا تحدد مضمون هذا الحق، ويرجع ذلك إلى أن تحديد مضمون حق الارتفاق في تعريف شامل، وبيان محل هذا الحق ليس ممكنا، على خلاف الحقوق العينية الأخرى، وذلك نظراً لكثرة أنواع الارتفاق. واختلاف المضمون باختلاف هذه الأنواع [21] ، فمضمون حق الملكية مثلا لا يتغير، فهو دائم الحصر بالاستعمال والاستغلال والتصرف، أما مضمون حق الارتفاق فلا يقع تحت حصر، وهو ما تفيده عبارتا “الاستعمال والمنفعة” الواردة في النص، وهما ذات معنى واسع ومرن، فيمكن بالاستناد إليهما إنشاء أي نوع من الارتفاق يكون محتواه استعمالا ما، أو نفعا ما .
– شـروط إنـشـاء حـق الارتـفـاق :
من خلال التعاريف السابقة يتبين أن هناك ثلاثة شروط يجب توفرها لإنشاء حق الارتفاق وهي:
أولا: أن يكون هناك عقار مرتفق، وهو العقار الذي تقرر لفائدته حق الارتفاق، ولا يتقرر هذا الحق إلا لفائدة عقار، ويقرره مالك العقار، ويعتبر هذا الحق تابعاً للعقار المرتفق وملحقا به، وينتقل معه إلى أي يد ينتقل إليها هذا العقار[22] .
ثانيا: يجب أن يكون هناك عقار مرتفَق به، وهو العقار الذي تقر عليه حق الارتفاق، فحد من منفعته لفائدة العقار المرتفق.
وكما أن حق الارتفاق لا يتقرر إلا لفائدة عقار، فهو أيضا لا يترتب إلا على عقار، ويرتبه مالك هذا العقار على أنه يجب أن يكون العقار المرتفق به مملوكا لشخص غير الشخص الذي يملك العقار المرتفق. فلا يقوم حق ارتفاق بين عقارين مملوكين لشخص واحد [23] .
ثالثا: أن يكون القصد منه جلب منفعة لصالح العقار المخدوم، بحيث يتبين أن القصد من هذا التكليف هو خدمة العقار، وذلك كما هو الشأن في تكليف عقار بالمرور منه إلى عقار مجاور، فإن هذا الحق وإن كان يجلب منفعة لصاحب العقار المخدوم إلا أن القصد منه هو التمكين من استغلال هذا العقار وتيسير الانتفاع منه[24] .
الـمـبـحـث الـثـانـي : أنـواع حـقـــوق الارتـفــاق
تنحصر أنواع حقوق الارتفاق في الـمذاهب الفقهية في ستة وهي:
حق الشِّرْب/ حق الطريق/ حق الـمَجرى/ حق الـمسيل/ حق التعلِّي/ حق الجوار
ولا يجوز إنشاء حقوق ارتفاق أخرى خاصة عند الأحناف، لأنها تقييد للملكية، والأصل في الملكية أنها لا تقبل تقييداً، وما قُيِّدت به هو استثناء لا يُتَوَسَّع فيه.
أما المالكية فرأوا أن حقوق الارتفاق غير محصورة فيما ذكر، فيجوز إنشاء حقوق ارتفاق أخرى بالإرادة، كَأَنْ يَلْتَزِمَ شخص ألا يقيم في ناحية مِنْ أرضه بناء أو يغرس شجراً، أو ألا يرتفع إلى ارتفاع معين [25] .
وسنعرض التعاريف المناسبة المتعلقة بالموضوع أعلاه من خلال ما تعلق بالماء.
المحور الثاني :الارتفاقات المائية في القانون المغربي
يعتبر الماء مادة حيوية طبيعية أساس الحياة قال تعالى : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )، وهي مادة يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للبشرية جمعاء، كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان، وهو شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية[26] بسبب كثرة الاستعمال وسوء التدبير والتلوث.
لذلك لجأ المشرع المغربي إلى تنظيم توزيع الموارد المائية ، ومراقبة استعمالها، وكذا حمايتها والحفاظ عليها ، فأولى اهتماما لما يتعلق منها بالزراعة باعتبار المغرب بلدا زراعيا، حيث منح حقوق ارتفاق بشأنها ليساعد على إعمار الأراضي الزراعية واصلاحها[27]، وعرض لحقوق الارتفاق المتعلقة بالمياه في موضعين اثنين:
الموضع الأول : في ظهير 19 رجب 1333 هـ ، حيث نص على حق مسيل المياه الطبيعية من الأراضي العالية على الأراضي الواطئة في الفصلين 110 و 111 منه.
الموضع الثاني : في القانون رقم 95 ـ 10 المتعلق بالماء، وخصوصا الفصلين 28 و 29 منه[28].
وحيث أن الموضوع ينحصر ضمن الارتفاقات الطبيعية، فإننا سنخصص هذا المبحث للارتفاقات المنصوص عليها في القانون رقم 95 ــ 10 وهي حق المالك في إمرار المياه على الأراضي الوسطية لسقي أرضه ، وهو حق المجرى ، وحق صرف المياه من أراضه عبر الأراضي الوسطية، وهو حق المسيل . وتتشابه هذه الحقوق مع حق المرور القانوني للأرض المحاطة من حيث إنه إذا كان الانحصار عن الطريق العام، انحصارا كليا أو جزئيا، هو الواقعة المسببة لحق المرور، فإن الانحباس عن مورد المياه أو صرفها هو ما يجب أن يكون الواقعة المسببة لحقي المجرى والمسيل.[29]
ومؤدى ذلك أنه يجب لقيام هذه الحقوق استحالة أو تعذر ري الأرض وسقيها ، أوصرف المياه منها صرفا كافيا إلا بتقريرها.
وهذه الحقوق لا تتقرر لمجرد ما أوجبه القانون على مالك الأرض من السماح بأن تمر المياه في أرضه، وإنما (( يجب لذلك أن يتقدم صاحب هذه الأرض ــ إذا تعذر عليه الاتفاق مع المالك ــ بطلب إلى المحكمة أو جهة الإدارة المختصة لتقرير هذا الحق وبيان كيفية ممارستها وتحديد المقابل الذي يدفع عنها ))[30].
ونعرض فيما يلي ما تعلق بحق المجرى وحق المسيل.
أولا : حق المجرى [31]
حق المجرى هو حق مالك الأرض البعيدة عن مورد المياه التي من حقه التصرف فيها، في أن تمر بأرض غيره، المياه التي يريد استعمالها.
وقد نصت المادة 28 من القانون رقم 95 ــ 10 المتعلق بالماء على أنه (( يمكن لكل من يريد استعمال مياها من حقه التصرف فيها ، والحصول على ممر لهذه المياه على الأراضي الوسيطة ، مقابل تعويض عادل و مسبق)).
فيجب لثبوت حق المجرى طبقا لهذه المادة تحقق البعد عن مورد المياه من ناحية، و أحقية مالك العقار المرتفق في التصرف في هذه المياه من ناحية ثانية، وأن يدفع مقدما تعويضا عادلا إلى مالك الأرض التي تمر بها مياه المجرى من ناحية ثالثة [32].
1 : البعد عن مورد المياه :
أي أن تكون الأرض المرتفقة غير مجاورة لمآخذ المياه، وذلك حتى يفهم وجه حاجتها إلى تمرير المياه اللازمة لها عبر أراضي الجار ، إذ لو كانت مجاورة لهذه الموارد لاستمدت المياه منها مباشرة دون حاجة إلى ارتفاق [33].
وقد يكون مأخذ المياه مفصولا عن أرض المالك ليس فحسب بأرض جاره المباشر، بل أيضا بأرض أو أراضي أخرى تجاور أرض الجار المباشر ، فعندئد يحصل الجار على تقرير حق المجرى في جميع هذه الأراضي أرضا بعد أخرى، حتى يستطيع جلب مياه الري والسقي إلى أرضه [34].
2 : أحقية المالك في التصرف في المياه :
سواء كانت المياه التي يريد المالك تمريرها إلى أرض من مجرى عام كالنهر أومسقاة عمومية مثلا، أو مياها موجودة في أرض منفصلة يملكها مالك الأرض المرتفقة، أو مياها موجودة في أرض لغير المالك، ولكن حصل المالك على حق الارتفاق بالأخذ منها بطريق الاتفاق، أي حق الشرب، ففي جميع هذه الأحوال، يجب أن يكون لمالك الأرض البعيدة عن مورد هذه المياه حق الأخذ من هذه المياه، لاستعمالها في أرضه، أو كما تعبر عن ذلك المادة 28 أن يكون (( من حقه التصرف فيها ))، إذ لا معنى لثبوت حق المجرى طالما لم يكن للمطالب به حق أخذ المياه ذاتها.
3 : دفع تعويض عادل و مسبق :
إذا كان القانون يعطي لمالك الأرض المرتفقة حق الحصول على ممر لهذه المياه على أرض جاره، فإنه في مقابل ذلك ألزمه بأداء تعويض عادل ومسبق لمالك هذه الأرض الوسيطة.
ولم يحدد المشرع عناصر تقدير هذا التعويض، وإن كان وصفه بأنه من جهة تعويض عادل، وهو قيمة الأضرار التي تترتب على شق المجرى، ومن تم فهو يشمل مقابل الحرمان من الانتفاع بالجزء من الأرض الذي يشغله المجرى، كما يشمل الأضرار الأخرى المترتبة عن الأعمال اللازمة لشقه [35]، ولاينبغي أن يدخل ضمن عناصر التعويض ما قد يكون عاد بالنفع على الأرض المنتفعة بشق هذا المجرى [36].
ثم إن هذا التعويض من جهة أخرى هو تعويض مسبق ، أي يجب دفعه مقدما ، فلا يجوز تقسيطه ، بل تعجيله جملة واحدة ، ومن ثم لا يجوز البدء بأعمال الانشاء قبل دفع التعويض الواجب [37].
وتجدر الإشارة إلى أنه يراعى عند شق هذا المجرى أن يكون ذلك الجزء من الأرض المتوسطة التي يكون مرور المياه فيه أخف ضررا ، على أنه تستثنى من هذا الارتفاق المنازل والساحات والحدائق والمنتزهات والحظائر المتاخمة للمساكن [38].
وهو لا يقتصر على قناة المجرى بل يشمل أيضا ضفافها لغاية العرض اللازم لتأمين تنظيف المجرى عند الاقتضاء [39]، على أن لا يجعل كناسة الساقية أوالمجرى إذا نقاها إلا على حافتها فيما لا يضر رب الأرض وهو لا يملك ما نبت على حافتيها إذا لم يملك رقبة المجرى [40]، ويلتزم مالك الأرض المرتفقة بنفقات وتكاليف إنشاء المجرى وصيانته والسهر على تنظيفه، ويسأل عن كل ضرر ينجم عن غمر مياهه للأملاك المثقلة بالارتفاق أو للأراضي المجاورة طبقا للقواعد العامة في المسؤولية التقصيرية [41].
ثانيا : حق المسيل أو الصرف
حق المسيل ، ويقال له أيضا حق الصرف ، هو الحق في إسالة المياه الزائدة عن حاجة الأرض الزراعية ، أو المياه المضرة في المصارف الخاصة المملوكة للغير أو في المصارف العامة عبر أرض الغير ، وبذلك يتمثل الفرق بين المجرى و المسيل في أمر واحد، فالأول يعني جلب الماء الصالح للشرب والسقي، و امراره بأرض الغير لسقي أرض صاحب الحق ، أما الثاني فهو لصرف الماء الزائد عن الحاجة أو غير الصالح بإسالته في مجرى ظاهر أومستتر في باطن الأرض ، حتى يصل إلى مستودعه ومستقره أو إلى المصارف العامة [42].
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة 28 من القانون المتعلق بالماء على أنه : ((يجب على الملاك استقبال المياه التي يمكن أن تسيل من الأراضي المسقية بهذه الكيفية مع احتفاظهم بالحق في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء )).
و نصت المادة 29 في فقرتها الأولى أنه: (( يمكن لكل مالك يريد القيام بإفراغ المياه المضرة بعقاره الحصول على ممر لهذه المياه عبر أراضي وسيطة وفق الشروط المحددة في المادة السابقة )). أي المادة 28 المتعلقة بحق المجرى.
ويتبين من هذه النصوص أن هناك حالتين لحق المسيل أو الصرف:
الحالة الأولى : وهي حق صرف المياه الزائدة عن حاجة الأرض بعد ريها، وهي المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 28 السابق ذكرها ، وهذا الحق الذي جاء ملاحظة من المشرع لضرورة إيجاد منفذ للمياه التي جلبها مالك العقار المرتفق لري أرضه بعد أخذ كفايته منها، أي المياه التي تتخلف بعد ري الأرض، فخول صاحب هذه الأرض المسقية حق ارتفاق بالمسيل على الأراضي التي هي أسفل منها ، وهذا الحق يختلف عما رأيناه فيما تقدم من تحميل الأرض الواطئة بالمسيل الطبيعي للمياه من الأرض العالية ، ذلك أن ارتفاق المسيل الطبيعي يتناول المياه التي تسيل سيلا طبيعيا دون تدخل من جانب الإنسان ، وهي المياه الطبيعية كمياه الأمطار و المياه المتولدة من ذوبان الثلوج ، بينما يتعلق حق الصرف بالمياه الزائدة عن حاجة الأرض بعد ريها ، سواء كانت مياها طبيعية أوصناعية من حق المالك التصرف فيها ، يكون قد جلبها عبر مجرى أنشأه في أرض الغير، كما أن المسيل الطبيعي لا يخول صاحب الأرض الواطئة الحق في التعويض إلا إذا نتج عنه زيادة في عبء الارتفاق ناتج عن استعمال مياه الأمطار أو الاتجاه المعطى لها.
أما حق الصرف ، فلا يتوفر لصاحب الأرض المرتفقة إلا بعد دفع تعويض عن الأضرار التي تلحق الأرض الوسطية من جراء مرور مياه الصرف.
وتستثنى أيضا من هذا الإرتفاق ، بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 28 ، المنازل و الساحات والحدائق و المنتزهات و الخطائر المتاخمة للمساكن .
أما الحالة الثانية : فهي حق تصريف المياه المضرة ، والتي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون الماء ، ويخضع هذا الحق لنفس الشروط المحددة في حق المجرى المنصوص عليه في المادة 28 من هذا القانون ، إذ يمكن للمالك الذي تكون مياه ضارة تسيل وتتجمع في أرضه ، و لا سبيل للتخلص منها إلا عن طريق تصريفها في مصرف يكون من حقه صرفها فيه ، تفصله عنه أرض للغير، أن يطالب بإحداث مسيل على الأرض المجاورة لتصريف المياه الضارة المتجمعة في أرضه [43]، مقابل تعويض عادل ومسبق.
و يتم صرف هذه المياه بأية طريقة ملائمة يكون من شأنها التخفيف من الأضرار التي تلحق الأرض الوسطية ، و للقضاء سلطة تقديرية في هذا الشأن ، سواء فيما يتعلق بتعيين المسيل ، أو تحديد الطريقة التي يتم بها الصرف ، فلا يتحتم أن يكون الصرف بواسطة مصرف فوق سطح الأرض ، بل يمكن مثلا أن يكون بواسطة أنابيب تمتد في باطن الأرض [44]، وقد يقتضي صرف هذه المياه أن يخترق المصرف أراضي متعددة ، الأرض المجاورة والأراضي الأخرى التي تجاورها ، فيتقرر حق المسيل على هذه الأراضي جميعها أرضا بعد أخرى [45].
وقد تكون للجار المالك للأرض الفاصلة أو لغيره من ملاك الأراضي المجاورة مصلحة في الانتفاع بالمصرف أو المنشآت التي أقيمت لصرف المياه لكي يصرفوا هم أيضا مياه أراضيهم ، وفي هذه الحالة يحق لهم أن يشتركوا في استعمالها ، إنما يجب عليهم حينئذ أن يتحملوا نصيبهم في نفقات الإنشاء والصيانة بنسبة انتفاعهم ، وقد نصت على ذلك الفقرة الثانية من المادة 29 السابقة بقولها : (( إلا أنه يمكن لملاك الأراضي التي يتم المرور عبرها الاستفادة من الأشغال المنجزة لهذا الغرض، وذلك لتمرير المياه من أراضيهم شريطة مساهمة مالية في الأشغال المنجزة أو التي بقي إنجازها ، وكذا في صيانة المنشآت التي أصبحت مشتركة )).
ويرتبط بحقوق الارتفاق المتعلقة بالمياه عدة حقوق أهمها حق الشرب ، وهو حق وإن لم ينص عليه القانون صراحة إلا أنه جار العمل به ، وقد نصت المادة 30 من قانون الماء أنه (( لا تحول أحكام المادتين 28 و 29 أعلاه دون ممارسة حقوق المرور الخاصة المتولدة عن عرف قار والتي يمكن أن توجد في بعض المناطق)).
وحق الشرب يلازم حق المجرى ، إذ أن حق الشرب يستوجب إيجاد الوسيلة إليه، والوسيلة إلى الشرب في المجرى [46].
والشرب [47] (بكسر الشين وسكون الراء ) في اللغة يطلق على معان منها :
النصيب المستحق من الماء أو الماء الذي يشرب [48]، أو وقت الشرب ، ومنه قوله تعالى : (( هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم )) [49] أي النصيب ، وفي الآية دلالة على جواز قسمة الشرب بالأيام أو لمدة معينة .
وفي الإصطلاح الشرعي : هو النصيب من الماء اللازم لسقي الزرع و الشجر، أو نوبة الانتفاع بالماء[50] لمدة معينة لسقي الأرض ، فيطلق على معنيين : النصيب من الماء وزمن الشرب.
ويتصل بحق الشرب حق يسميه الفقهاء حق الشفة ، وهو حق شرب الإنسان والحيوان والاستعمال المنزلي ، ويسمى بذلك لأن شرب الإنسان والحيوان يكون بتناول الشفة لايصاله إلى الجوف [51].
والمياه بالنسبة إلى هذا الحق تنقسم إلى ثلاث أقسام :
القسم الأول : مياه الأنهار ، والبحيرات و العيون الكبيرة التي لا يملكها أحد ، فهذه المياه غير مملوكة لأحد ، كما أن الأنهار نفسها غير مملوكة الرقبة لأحد على الخصوص ، فليس ماؤها بمملوك وليست هي بمملوكة [52]، لذا بقي ماؤها على أصل الإباحة ، وصار الناس فيها شركاء بمقتضى الشركة الطبيعية في الإباحة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” الناس شركاء في ثلاث : الماء و الكلأ و النار ” [53]، فلكل إنسان أن ينتفع بهذه المياه ويسقي زرعه ويشرب منها هو وحيوانه ، مع اشتراط عدم الإضرار[54]، لأنه لعامة المسلمين ، و إباحة التصرف في حقهم مشروطة بعدم الضرر [55].
القسم الثاني : الماء في أرض مملوكة ، وهو ماء الأنهار و الجداول التي تجري جريا متتابعا في ملك خاص [56]، أو التي يستنبطها الإنسان من عين في أرضه أوشقه لجدول فيها، أو حفر بئرا في ملكه .
واختلف الفقهاء في ملكية الماء في الأرض المملوكة على قولين :
1 : قول كثير منهم غير مملوك وإنما هو حق ، فصاحبه أحق به من غيره لأنه في ملكه، ومن هؤلاء الحنفية وبعض الشافعية و القول الأصح عند الحنابلة .
2 : أن المالك يملك الماء إذا كان في أرض مملوكة ، وهو قول المالكية ، والقول الأصح عند الشافعية ، وقول عند الحنابلة [57].
وحكم هذه المياه على ثلاثة أوجه :فهو أولا مخصوص ومحصور في أصحابه ، فإن كان واحدا كان له الانتفاع به كيف شاء ، وإن كانوا كثيرين قسم حق الشرب بينهم تقسيما عاديا لكل شرب محتضر، وسواء تم ذلك بالمناوبة الزمنية أو بكمية الماء [58].
وثانيا : يثبت حق الشفة في هذا الماء لكل إنسان ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن منع نقع البئر [59]، فله استعمال هذا الماء لدفع العطش ، ولطبخ الطعام ، وللوضوء والاغتسال ، وغسل الثياب ، ودفع عطش الدواب .
و ثالثا : ليس للغير حق الشرب من هذا الماء إلا بإذن صاحبه [60]، لأن الشرب هنا ليس له نهاية معلومة وقدر معلوم ، ففي إباحته تعرض ضرر الحرمان من الانتفاع واحتمال ابطال حق صاحب الأرض الذي أجرى الماء في ملكه الخاص، إذ أن ملكيته للأرض التي يجري فيها الماء أوجد له امتيازا لذلك الملك الذي قدمه[61].
القسم الثالث الماء المحرز : وهو ماحازه صاحبه فيما أعد لذلك كالصهاريج و الأواني ، وهو ماء مملوك عند الجمهور ، لصاحبه منعه إلا لمضطر ، وله جواز بيعه [62]، لما رواه أبو عبيد : ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه “، ولما تكلف فيه مستقيه وحامله[63].
وقد نصت بعض القوانين الوضعية على حق الشرب ، ومنها القانون المدني المصري في المادة 808 ، واشترط للحصول على هذا الحق أن يكون للمالك مسقاة خاصة اتسوفى منها حاجته ، وله جار هو أيضا في حاجة إلى ري أرضه ، فعندئذ يجوز للجار أن يحصل على حق الشرب من المياه الفائضة من هذه المسقاة على أن يدفع لمالك المسقاة مقابلا لما انتفع من مائها[64].
وختاما فأقسام الماء بهذا الطرح له أبعاد قانونية مستقاة في غالبيتها من الفقه المالكي لا يسع المقام لذكرها ، ليظل المعنى العام لحقوق الارتفاق المائية جلها مرتبط بالمعنى الحقيقي للمفاهيم الأخلاقية التي من شأنها وجدت منظومة حقوق الارتفاق ككل في الفقه الإسلامي المبني على حسن الجوار.
[1] : أخرجه البخاري كتاب الأدب، باب الوصية بالجار ح6014. ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب في حق الجوار ح5151 وعند أحمد في مسنده ح:24314.
[2] : انظر مختار الصحاح للرازي ص:251 ، وتاج العروس للزبيدي 6 /358.
[3] : الصحاح للجوهري 2 /1128.
[4] : لسان العرب لابن منظور 10/ 118
[5] : الكهف من الآية 16.
[6] : الكهف من الآية 31.
[7] : قال الزمخشري: مرتفقا: متكأ من الرفق وهذا لـمشاكلة قوله – وحسنت مرتفقا– وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء. انظر الكشاف 2 /483
[8] : أخرجه مسلم بهذا اللفظ في: “كتاب البر”، ح 2594، وعند البخاري أيضاً بلفظ : «إن الله يحب الرفق في الأمر كله» رواه في : “كتاب الآداب”: ح6024
[9] : القاموس المحيط للفيروزابادي ص:798
[10] : للشيخ خليل بن إسحاق الجندي ت749 صاحب: “شرح جامع الأمهات لابن الحاجب المسمى التوضيح”. أنظر ترجمته في: الديباج المذهب لابن فرحون 1/212 – 213 ، والدرر الكاملة لابن حجر 2/86.
[11] : مختصر خليل 242.
[12] : هو أحمد بن محمد بن منصور أبي القاسم ابن المختار أبو العباس المعروف باب المنيِّر، له اختصار التهذيب، وتراجم البخاري. أنظر: الوا في بالوفيات 8/128، والديباج 1/213 – 214.
[13] : أنظر فتح الباري 5/327.
[14] : بلحاج العربي بن أحمد / مجلة البحوث الإسلامية. السنة 9 . العدد 35 ص 69 .
[15] : البهجة شرح التحفة 2 /251.
[16] : الأرجوزة المسماة: تحفة الحكام لأبي بكر بن عاصم، البيتان رقم: 1225 – 1226.
[17] : إحكام الأحكام على تحفة الحكام لـمحمد بن يوسف الكافي ص: 225 .
[18] : انظر الوسيط للسنهوري 9/1278.
[19] : انظر نظام الملكية في ق اللبناني والـمقارن لمصطفى الجمال ص: 103 .
[20] : انظر في هذا الصدد المادة 1018 من القانون المدني الليبي، والمادة 165 من مجلة الحقوق العينية التونسية، والمادة 960 من القانون المدني السوري.
[21] : وهذا بخلاف حق الانتفاع الذي يتقرر لمصلحة شخص معين لا لمصلحة عقار. ويزول حتما بموت هذا الشخص، ولذلك يسمى عند الرومان بحق الارتفاق الشخصي إلى جانب حق الارتفاق الذي يسمى عندهم بحق الارتفاق العيني. انظر: القانون الروماني 1/375 وما بعدها .
[22] : الوسيط للسنهوري 9/1280 .
[23] : انظر حقوق الارتفاق في القانون المغربي لمحمد مومن ص: 27
[24] : انظر تفصيل الـمسألة في الحقوق العينية لابن معجوز ص:418
[25] : الحق والالتزام لعلي الخفيف ص: 64. وانظر أيضا نظرية العقد لموسى يوسف ص: 171 وما بعدها .
[26] : ديباجة القانون رقم 95 ـ 10 المتعلق بالماء
[27] : مأمون الكزبري : التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية ط الثانية 1987 م ص:263.
[28] : قبل هذا القانون كانت تنظم استعمال الماء قواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، غير أن أول نص قانوني يخص الماء في المغرب يعود تاريخه إلى سنة 1914 ، ويتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332 هـ (فاتح يوليوز 1914) حول الأملاك العامة، والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919 و 1925 الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية، ومن تم لايمكن للموارد المائية أن تكون موضوع تملك خاص باستثناء المياه التي اكتسبت عليها حقوق قانونية، وقد صدرت بعد ذلك نصوص أخرى لمواجهة الحاجيات الجديدة التي ظهرت.
[29] : مصطفى محمد الجمال نظام الملكية ص 228.
[30] : نقض مدني مصري 11/11/1965م، مجموعة أحكام النقض س 16 ــ رقم: 162 ــ ص : 1043.
[31] : المجرى لغة : اسم مكان صيغ من مصدره وهو الجري، والجري مصدر جرى ويجري جريا ، ومن ذلك قوله تعالى: ( باسم الله مجراها..).
[32] : تضيف بعض التشريعات العربية الأخرى كالقانون المدني المصري في المادة 809 منه شرط عدم كفاية المياه لحاجة الأرض البعيدة، وبذلك لا يشترط لتبوت حق المجرى أن تكون المياه المراد تمريرها ضرورية لري أرضه، بل يكفي أن تكون مطلوبة لريها ريا كافيا، وذلك مراعاة للحالات التي قد تتوافر فيها للأرض المياه اللازمة دون أن يؤدي ذلك إلى ريها الري الكافي، فلا يستطيع المالك أن يعترض على حفر مجرى في أرضه بدعوى أن الأرض المستفيدة منه يأتيها أصلا من المياه ما يعتبر ضروريا أو لازما لريها، مادامت هذه المياه ليست كافية لريها على الوجه الأكمل، لمزيد من التفصيل راجع الموجز في أحكام القانون المدني : الحقوق العينية الأصلية ــ أحكامها ومصادرها ــ لحسن كيرة، ص : 100.
[33] : شرح القانون المدني ــ الحقوق العينية ــ الجزء الأول : الحقوق العينية الأصلية لمحمد وحيد الدين سوار ص : 651 .
[34] : الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق أحمد السنهوري ج : 8 ص : 732 .
[35] : جاء في القرارعدد: 70 الصادر في الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 9 يناير 1960 م ((…إن تعويض صاحب الملك الخاضع لمرور خط للقوة الكهربائية لا تلزم مراعاته بالنسبة لما لحق المالك من الأضرار قبل الأعمال اللازمة لاقامة الخطأ وصيانته مع تركيز أعمدته فحسب. بل لابد من اعتبار ما أصابه من حرمان من الانتفاع أو ضيق بسائر الأنواع، إذا نشأ هذا عن استعمال الارتفاق بصفة ثابتة مباشرة قابلة للتقدير حالا، وذلك مراعاة لنوع استعمال الأرض المرتفق بها..)) مجلة القضاء والقانون ــ العدد : 27 مارس 1960 ص : 187 .
[36] : الموجز في أحكام القانون المدني : الحقوق العينية الأصلية ــ أحكامها مصادرها ــ لحسن كيرة ص : 101.
[37] : الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق أحمد السنهوري ج 8 ص : 737.
[38] : المادة 28 من القانون 95 ــ 10 المتعلق بالماء .
[39] : ميشال كامل الخوري ومن معه : المرجع السابق ج : 2 ص : 60 .
[40] : المعيار المعرب للونشريسي ج : 8 ص : 78 .
[41] : تنص المادة 810 من القانون المدني المصري أنه : (( إذا أصاب الأرض ضرر من مسقاة أو مصرف يمر بها ، سواء أكان ناشئا عن عدم التطهير أم سوء حالة الجسور ، فإن لمالك الأرض أن يطلب تعويضا كافيا عما أصابه من ضرر )).
[42] : يقول صاحب فتح العزيز : (( حق مسيل الماء و مجراه اللفظتان متقاربتان ، و يمكن حمل المسيل على الموضع الذي ينحذر إليه الماء ويقف إلى النضوب ، و المجرى على الموضع الذي يجري فيه الماء)) عبد الله بن عبد العزيز المصلح : المرجع السابق ــ ص : 621 .
[43] : مأمون الكزبري : المرجع السابق ص : 264 .
[44] : عبد المنعم فرج الصدة : المرجع السابق ص : 91 .
[45] : عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط ج 8 ص : 732 .
[46] : رغم ترابط حق المجرى بحق الشرب ارتباطا شديدا ، فإنهما يختلفان عن بعضهما ، فالشرب هو النصيب من الماء ، أما المجرى فهو الموضع الذي يجري فيه الماء ، فالعلاقة بين حق الشرب و حق المجرى علاقة الحال بالمحل / علما أن المجرى قد يكون تابعا لحق الشرب وقد يكون مستقلا عنه .
فيكون تابعا له إذا كان مصدر الماء موجودا في أرض مجاورة للأرض المراد سقيها ، لأن حق الشرب يحتاج استيفاؤه إلى مجرى يمر إلى الأرض ذات الشرب ، وكذا الشرب من الأنهار و القنوات العامة حتى ليظن أنهما شيء واحد بينما هما شيئان : الماء و موضعه .
ويكون حق المجرى مستقلا عن حق الشرب إذا كان مصدر الماء الذي تقرر عليه حق الشرب لا يقع في أرض مجاورة لذات الشرب ، بل يفصل بينهما أرض أخرى ، فإذا تقرر على الأرض الفاصلة حق إجراء الماء عبرها ، كان المتقرر عليها حق المجرى فقط ، وبهذا ينفصل عن حق الشرب لأن كل منهما متقرر على أرض دون أخرى .
[47] : الشرب جاء بالكسر و بالضم و بالفتح ، فالشرب بالكسر ، والشرب بالضم اسمان ، والشرب بالفتح ، مصدر شربت أشرب شربا.
والشرب بالضم ، تناول كل مائع ماءا كان أو غيره ، ومنه قوله تعالى : (( فشاربون شرب الهيم )) الواقعة من الآية 55 .
[48] : لسان العرب ج1 ص : 488 مادة شرب.
[49] : سورة الشعراء من الآية 155 .
[50] : عرفه قدري باشا بأنه هو نوبة الانتفاع بالماء سقيا للأرض أو الشجر أو الزرع . المادة 38 من مرشد الحيران .
[51] : الشرب بالضم هو شرب بني آدم والبهائم ، ويطلق عليه أيضا الشفة ، أما الشرب بالكسر فهو ينحصر بسقي الأرض وما فيها من زرع وشجر لمزيد من التفصيل راجع سليمان بن وائل بن خريف الويجري : المرجع السابق ص : 60 ومابعدها .
[52] : تجذر الإشارة أنه حسب قانون الماء فإن هذه المياه تدخل في الملك العام المائي ويخضع استغلالها و الاستفادة منها لنظام التراخيص.
[53] : رواه أحمد و أبو داود .
[54] : الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية لمحمد أبو زهرة ص : 79 .
[55] : تنص المادة 1265 من مجلة الأحكام العدلية : أن لكل أحد أن يسقي أرضه من الأنهار الغير مملوكة ، وله أن يشق جدولا أو مجرى لسقي أراضيه ، و لانشاء طاحون لكن يشترط عدم المضرة بالآخرين …
[56] : يعرفها صاحب الأحكام السلطانية : ” بأنها ما احتفر الآدميون من الأراضين ، فيكون النهر بينهم ملكا مشتركا كالرزق المشترك بين أهله ، ولا يختص أحدهم بملكه ، ويورد حالة حفر شخص لبئر في غير ملكه ، فإذا حفرها للسابلة ، فيكون ماؤها مشتركا ، وحافرها كأحدهم . وإذا حفرها لارتفاقه بمائها كان أحق بمائها ما أقام عليها ، وعليه بذل الفضل للشاربيين دون غيرهم ، فإذا ارتحلوا عنها صارت البئر سابلة.
[57] : قيود الملكية الخاصة لعبد الله بن عبد العزيز ص : 602 .
[58] : تزخر مختلف المناطق المغربية بعادات وتقنيات خاصة لتوزيع المياه منها : استعمال الطاسة (تاناست) والصهريج ، والجذار (تابيا) وغيرها ، لمزيد من التفصيل راجع : الذاكرة التاريخية والمجال والثقافة / ندوة مدينة تزنيت وباديتها . منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية / سلسلة الندوات و الأيام الدراسية 1993 ص: 127 ومابعدها .
[59] : محمد أبو زهرة المصدر السابق ص: 79 .
[60] : عبد الله بن عبد العزيز المصلح المرجع السابق ص : 611 .
[61] : محمد أبو زهرة المرجع السابق ص : 80 .
[62] : القوانين الفقهية لابن جزي ص : 290 .
[63] : قيود الملكية الخاصة لعبد الله بن عبد العزيز المصلح ص : 612.
[64] : الوسيط لعبد الرزاق السنهوري ج 8 ص : 713 .