الحماية من جرائم العنف ضد النساء على المستوى الإجرائي على ضوء قانون 103.13
الحماية من جرائم العنف ضد النساء على المستوى الإجرائي
على ضوء قانون 103.13
يوسف القرشي
باحث بسلك الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي
مقدمة:
يتعرض القانون الإجرائي للقواعد التي يجب مراعاتها خصوصا من قبل السلطات العامة المكلفة بالعدالة الجنائیة، وقد حاول المشرع صیاغة قواعده بما يتلاءم مع حقوق وحريات الإنسان حسب مركز المخالف للنصوص الجنائیة الموضوعیة، ونظرا لمركز المرأة داخل المجتمع، فقد منحها المشرع عدة ضمانات تتلاءم ومركزھا القانوني والاجتماعي.فلا يكفي لمحاربة الظاهرة الإجرامية من نصوص قانونية زجرية تتضمن عقوبات رادعة، بل لابد من أن يواكب ذلك من قواعد إجرائية ومسطرية كفيلة بضمان حسن تطبيق تلك النصوص الموضوعية.
وتعتبر القواعد المسطرية أو الإجرائية في نظر فقهاء القانون المحرك الأساسي للقواعد الموضوعية، فهي السبيل للوصول إلى الحق عن طريق تطبيق القانون الموضوعي على النوازل المعروضة.
ووعيا من المشرع بهذا الامر وبغية تحقيق العدالة الجنائية، حاول تكييف القواعد المسطرية المتعلقة بمراحل المحاكمة مع قواعد الموضوع، حتى تنطبق على النزاع الذي تظمنه من بدايته أي مرحلة البحث وتحريك المتابعة الجنائية، مرورا بمرحلة المحاكمة، والتي يجب أن تكون عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية، وصولا إلى مرحلة تنفيذ العقوبة المقررة في حق المدان بعد استيفاء كل طرق الطعن القانونية.
بناء عليه، يمكن لنا أن نتساءل عن دور الإجراءات المسطرية التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية الصادر في فاتح أكتوبر 2003 في إقرار حماية إجرائية خاصة بالمرأة ضحية جرائم العنف.
ثم سنحاول ملامسة الحماية الإجرائية القائمة في قانون المسطرة الجنائیة (الفقرة الأولى) ثم الحماية الإجرائية للمرأة المعنفة المستحدثة بموجب القانون 103.13 (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: الحمائية الإجرائية للمرأة المعنفة في قانون المسطرة الجنائية
إن وقوع الجريمة في المجتمع يقتضي من الجهات المختصة قانونا القيام بالبحث عن مرتكبيها بالكيفية والقدر المحددين في القانون، وعلى ضوء هذا البحث وما أسفر عنه من نتائج ومعلومات تتيح إمكانية نسبة تلك الجريمة إلى المتهم بارتكابها يتم تحريك المتابعة الجنائية في حقه.
ولبيان هذه المراحل الإجرائية ودورها في حماية المرأة ارتأينا بيان الجهات الأصلية المكلفة بتحريك الدعوى العمومية (أولا) والإشارة لإشكالية إثبات جرائم العنف ضد المرأة (ثانيا).
أولا: الجهات الأصلية المكلفة بتحريك الدعوى العمومية
تنص المادة الثالثة من قانون م. ج على أنه: “…. يقيم الدعوى العمومية ويمارسها قضاة النيابة العامة، كما يمكن أن يقيمها الموظفون المكلفون بذلك قانونا.
يمكن أن يقيمها الطرف المتضرر طبقا للشروط المحددة في هذا القانون.
وانطلاقا مما سبق تعتبر النيابة العامة هي الجهة الأصلية الموكول إليها تحريك المتابعة في مختلف الجرائم باستثناء بعض الجرائم التي اشترط فيها المشرع ضرورة تقديم شكاية من الضحية.
فقد اشترط المشرع لتحريك المتابعة في بعض الجرائم ضرورة تقدم المتضرر بشكاية في الموضوع لتحريك المتابعة، وخاصة الجرائم الأخلاقية التي تقع داخل نظام الأسرة مثل الخيانة الزوجية ، و إهمال الأسرة ، و الامتناع عن أداء النفقة ، و السرقة بين الأقارب .
وتعد الشكاية قيدا من قيود المتابعة التي تغل يد النيابة العامة في تحريك وممارسة الدعوى العمومية، وذلك لما يمكن أن يشكل هذا التدخل المباشر من النيابة العامة من تهديد لتماسك واستقرار الأسرة.
وقد تعرضت فكرة اشتراط الشكاية في الجرائم الأخلاقية التي تمس الأسرة للعديد من الانتقادات كعدم مشروعية أساسها وبكونها تشكل حماية للرذيلة، والنتيجة الحتمية التي تنتهي إليها باشتراط الشكاية هي أن المجتمع كله لو ارتمى في أحضان الرذيلة فإننا نبارك له ذلك باسم القانون، فهذا الأخير يسهل للأزواج هذه الجريمة.
وباستثناء الجرائم التي اشترط فيها المشرع الشكاية من المتضرر تقى النيابة العامة هي الجهة الأصلية المكلفة بتحريك المتابعة في مختلف الجرائم الاخرى التي تمس كيان المجتمع حتى ولو ارتكبت داخل نظام الأسرة مثل جرائم الاعتداء على الأصول سواء بالقتل أو الضرب أو الجرح، والجرائم الواقعة بين الزوجين وخاصة جرائم العنف.
وبذلك يكون للنيابة العامة سلطة متابعة المرتكب لجرائم العنف ضد المرأة دون قيد أو شرط، سواء تعلق الأمر بمتابعة أحد أفراد الأسرة أو أي شخص أجنبي باعتبار أن جرائم العنف ضد المرأة من الجرائم التي تستهدف المرأة و أسرتها في آن واحد، كاختطاف المرأة المتزوجة والتغرير بها، وجريمة الاغتصاب وهتك العرض و غيرها من الجرائم الخطيرة، لذلك يكون دور النيابة العامة أكبر بالنظر لأهمية الخلية التي ينبغي حمايتها، فهي تتدخل مباشرة لتحريك الدعوى العمومية دون قيد أو شرط كما سبقت الإثارة إلى ذلك.
بالإضافة إلى النيابة العامة أجاز المشرع لكل شخص ادعى أنه تضرر من الجريمة القابلة لتحقيق أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني، وقت تقديم شكاية إلى قاضي التحقيق المختص.
وتترتب على تقديم الشكاية المصحوبة بالادعاء المدني إلى قاضي التحقيق في حالة قبولها من طرفه تحريك الدعوى العمومية والمدنية معا.
ونجد المشرع اعطى عناية خاصة للمرأة من خلال الحفاظ على مبادئ الشريعة الإسلامية وقيم وتقاليد المجتمع المغربي في معاملة المرأة. والنص في هذا الخصوص على احترام حرمة النساء وعدم تفتيش المرأة إلا بواسطة جنسها (المادتان 60 و81)
ثانيا: إشكالية إثبات تعنيف المرأة
انطلاقا من القاعدة الفقهية المشهورة ” البيئة على المدعي واليمين على من أنكر، فإن الإثبات في الدعوى امام القضاء يكون دائما على المدعي، وبذلك إثباتا منه للواقعة أو الحق الذي يدعيه، وفي المقابل يكون على المدعي على المدعي عليه فقط نفي وتنفيذ وسائل إثبات المدعي بشتى الوسائل.
وتنص المادة 286 من قانون مسطرة الجنائية على أنه: ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك، وبحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم، ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي، وفقا للبلد 8 من المادة 365 الأتية بعده، إذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إدانة المتهم وحكمت ببراءته “.
وعليه فإن المرأة الضحية التي تعرضت لجرائم العنف يمكن لها أن تثبت ذلك بشتى وسائل الإثبات القانونية، وأن تثبت الأضرار التي لحقتها من جراء الفعل الجرمي الممارس عليها.
إلا أن هذا الأمر و إن كان يبدو ممكنا من الناحية النظرية فإنه في الحقيقة عكس الحدث المرأة العنف و الضرر الذي نتج عن ممارسة العنف عليها ليس بالأمر الهين، لأن أغلب الأفعال الإجرامية من سب وشتم وكلام فاحش وضرب وغيره قد لا يطلع عليه أحد، خصوصا و أن الإحصاءات تظهر أن نسبة 17.9% من حالات العنف الممارس على المرأة تقع داخل الوسط العائلي، إذ نسبة 52.5 % من تلك الحالات تتعلق بالعنف الزوجي
ومن هذا نستشف صعوبة إثبات هذه الجرائم، فوسائل الإثبات القانونية المعمول بها كالاعتراف والأوراق والمحررات والشهادة الخبرة والقرائن وإن كانت تسعف في إثبات بعض جرائم العنف التي تتعرض لها المرأة في القضاء الخارجي باعتبارها من الجرائم العادية الواقعة على الأشخاص، فإنها لا تسعف المرأة في إثبات الجرائم التي تقع عليها في بين الأسرة، أو بيت الزوجية.
ذلك أن سماع ما يدور داخل البيوت فيه أصلا مساس بخصوصية الأفراد، ما لم يكن إلحاق الضرر عن طريق الصراخ الفاحش الذي يثير انتباه الناس، أو أن يتعلق الأمر بالبيوت المشتركة في بعض الأحياء الفقيرة، أو إخراج الزوجة من البيت والاعتداء عليها .
وإذا تعلق الأمر بين الزوجية فإن الأضرار المعنوية و المادية التي لا تترك أثرا غالبا ما يستحيل إثباتها، أما الأضرار المادية كالضرب المادية كالضرب المبرح و الجرح فإن أثراها، والشواهد الطبية تعتبر حجة على الضرر الذي لحق الزوجة متى اقتنع القاضي بحجتها.
ولقد كشف العمل القضائي على أن سياسة المشرع وهو بصدد سن قوانين تحمي المرأة من جرائم العنف كانت هي : الأخذ باليسرى ما منحه باليمنى ، لكونه سن نصوص قانونية تبدو للوهلة الأولى بأنها رادعة لجرائم العنف التي يمكن أن تتعرض لها المرأة ، إلا أنها مع ذلك تبقى نصوص غير ذات فاعلية لاستحالة تطبيق العديد منها ، نظرا لرهن إثباتها بالعديد من الشروط و الوسائل التي يصعب على المرأة إيجادها خاصة عند تعرضها للعنف داخل بين الزوجية ، وهذه الخصوصية لا يأخذها القضاة بعين الاعتبار حتى في الحالات التي تطالب فيها المرأة بالتطليق للضرر.
فقد جاء في قرار المجلس الأعلى (عدد 2546 بتاريخ 20 مارس 1994) ما يلي: إن طالبة التطليق أسست دعواها على أن زوجها اعتدى عليها بالضرب وتركها مثخنة بالجروح، ورغم أن الزوج اكتفى فقط بالنفي ولم يدعي أن الضرب كان بسبب ذنب اقترفته زوجته “فإن هذا القرار نقض الحكم السابق لأن لفيف المدعية لم ينص على أن الضرب الذي تلقته ” كان من غير ذنب جنته.
فالقضاء أضاف جملة من غير ذنب جنته وهو أمر يثير استغرابها بل فيه تكليف يستحيل إذ يجب على المرأة أن تثبت انعدام سبب الضرب أو الجرح، وهي واقعة سلبية بالنسبة للزوجة ومن المعروف أن الواقعة السلبية المطلقة – كما يقول الاستاذ أحمد الخمليشي – غير قابلة للإثبات القضائي.
كما أن هذا الأمر يوحي و كأن ممارسة العنف و إلحاق الضرر بالزوجة ليس بسبب كاف لتحقيق المتابعة الجنائية أو المسؤولية المدنية معا ، و إن الاثبات يجب أن ينصب على مشروعية العنف من عدمه فقط ، و والواقع أن محل الاثبات هنا هو وقوع الفعل الجرمي أولا حتى يتحقق المسؤولية الجنائية ثم إثبات الضرر هو ناتج عن ذلك السلوك المجرم ، أي إثبات العلاقة السببية بين الفعل و الضرر ، وفي هذه الحالة يمكن لنا أن نقول أنه من المنطقي و احتراما لمبدأ الشرعية فإن غياب الإثبات يقط للمتابعة الجنائية و المسؤولية المدنية معا ، و إلا في الحالات التي يكون فيها الخطأ افتراضيا.
ولقد استوعب المشرع هذا الأمر ولاحظ الحيف الذي تتعرض له المرأة عامة و الزوجة خاصة في إثبات ونسبة الجريمة إلى الجاني وعمل على التخفيف من حدة هذا العائق وسمح لبعض الاشخاص بالتبليغ عن بعض الجرائم التي تمارس على المرأة كالإجهاض و العنف الزوجي ، وسمح لهم بالإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة ، وذلك دون التقيد بالسر المهني الذي يفرض عليهم بحكم مهنتهم ، وقد شمل ذلك كل من الأطباء وملاحظي الصحة ، والجراحين و الصيادلة و المولدات وغيرهم من الأشخاص المؤهلين بحكم مهنتهم أو وظيفتهم لتلقي أسرار الغير و الائتمان عليها .
وعليه فإن الأشخاص المذكورين أعلاه لا يعاقبون بالعقوبة المقررة في الفصل 446 من ق.ج إذ قاموا بالتبليغ عن إجهاض وإن كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ وإذا قاموا بتبليغ السلطات القضائية أو الادارية المختصة عن ارتكاب أفعال إجرامية أو سوء المعاملة من طرف أحد الزوجين في حق الزوج الأخر أو في حق امرأة علموا بها بمناسبة ممارستهم لمهنتهم أو وظيفتهم.
وإذا استدعى الاشخاص السابقون للشهادة أمام القضاء في قضية متعلقة بالجرائم المشار إليها في الفقرة أعلاه فإنهم أحرار في الإدلاء بشهادتهم أو عدم الإدلاء بها، ورغم أن المشرع قد ترك لهم حرية الإدلاء بالشهادة من عدم الادلاء بها . إلا أنه في أغلب الأحوال يمل هؤلاء الأشخاص إلى الإدلاء بشهادتهم باعتبارهم يقدرون جيدا بحكم مهنتهم أو وظيفتهم جسامة الأضرار التي تلحق بالمرأة من جراء ممارسة جرائم العنف عليها.
وكيف ما كان الحال فإنها تبقى مبادرة محمودة للمشرع في سبيل تخفيف عبئ الإثبات على المرأة الضحية، ويفتح أمامها طرق جديدة لإثبات العنف الممارس عليها، ويبقى على القضاء مسايرة التغيرات والأخذ بعين الاعتبار خصوصية العلاقة الزوجية، بحيث إذا ما اقتنع القاضي بالوسائل الإثباتية التي أدلت بها المرأة المعنفة وجب عليه إنصافها، حتى لا تشعر هذه الأخيرة بالإحباط وتبحث عن وسائل غير مشروعة للانتقام والتي قد يكون لها انعكاسات خطيرة على الأسرة.
الفقرة الثانية: الحماية الإجرائية للمرأة المعنفة المستحدثة بموجب القانون 103.13
تفعيلا لدور المؤسسة القضائية في توفیر العناية والاھتمام اللازمين لضمان الحماية القضائية للنساء ضحايا العنف، وزجر كل أنواع الإساءة التي يمكن أن تقع ھذه الفئة ضحية، جاء القانون 103.13 بعدة اجراءات جديدة تساهم في حماية المرأة ضحية العنف
لقد كان من بين مطالب المنظمات النسائية والحقوقية، السماح لها بحق المثول كطرف مدني إلى جانب المرأة ضحية جرائم العنف أمام المحاكم الزجرية، وهو الأمر الذي لم تكن تسمح به المحاكم لعدم وجود نص في قانون المسطرة الجنائية القديم يخولها هذا الحق.
وأمام إصرار هذه الجمعيات والمنظمات بالإضافة إلى الدور الذي أصبحت تقوم به في تقديم المساعدات للأطفال والنساء في وضعية صعبة، فقد سمح لها قانون المسطرة الجنائية الجديدة في الفقرة الثانية من المادة السابعة بأن تنتصب طرفا مدنيا بشأن جريمة تدخل في مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي ….
تنص المادة السابعة على أنه:”…. يمكن للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنصب طرفا مدنيا إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي
ويأتي منح هذه الهيئات حق الانتصاب كطرف مدني في الدعوى العمومية، كنتيجة منطقية تتطور المنظومة القانونية الوطنية لكون المشرع دائما يطلع على ما يوجد في قوانين البلدان الأخرى والتي تعطي للنقابات والهيئات المهنية والجمعيات الحق في تحريك الدعوى العمومية .
وبالتالي سيسنى لهه الهيئات والجمعيات مؤازرة الضحايا ومساعدة النيابة العامة في المتابعة، وخاصة مدها بالمعلومات التي تتوفر عليها، كما ستتمكن هذه الجمعيات من لفت الانتباه إلى المصالح التي تدافع عنها، واستغلال مساعيها للحصول على تعويض مناسب للضحايا.
ولكن هذه الإمكانية المخولة للجمعيات تثير العديد من الانتقادات لكونها تهدد الدعوى العمومية بكثرة المتابعات الجنائية أمام المحاكم والتي هي في غنى عنها بسبب كثرة الملفات المعروضة أمامها، كما أن الجمعيات تعتبر شخصا ثالثا مثل المصالح الجنائية كوسيط بين ممثل المجتمع (النيابة العامة) والضحية، ومن ثم إعادة تقسيم الأدوار في حق الدولة في العقاب.
وحسب استاذنا مولاي جعفر علوي فإن إعطاء الجمعيات التي لها مصلحة عامة والمرخص لها إمكانية ممارسة الدعوى العمومية هو تعبير عن بروز المجتمع المدني كقوة وسلطة مقابلة لسلطة الدولة في العقاب، وهو يعبر عن مرحلة متطورة يمكن فيها تقاسم سلطة ممارسة الدعوى العمومية بإعطاء سلطة تحريكها وممارستها إلى أشخاص غير أطراف فيها. وهو توجه قد يطرح بإلحاح ضرورة إعادة تشكيل القانون الجنائي حتى يمكن إبراز التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية.
هذا و تجدر الإشارة إلى أنه بجانب إعطاء الجمعيات إمكانية مؤازرة المرأة أمام المحكمة فقد منح قانون المسطرة الجنائية حماية إضافية للمرأة تتجلى في رفع القيد على أهلية المرأة فيما يتعلق بضرورة حصول الزوجة المشتكية على إذن المحكمة المختصة إذا ما أرادت أن تنصب كطرف مدني ضد زوجها في النزاع المعروض أمام المحكمة.
وبذلك تم فتح المجال أمام المرأة لتقدم شكاية مباشرة في مواجهة زوجها أو الانتصاب كمطالب بالحق المدني في الدعوى المدنية التابعة بدون الحصول على إذن المحكمة، والذي كان محل انتقاد الهيئات الدولية والوطنية، حيث كان الأمر يشكل حاجزا لا مبرر له بين ممارسة المرأة لحقوقها والتمتع بالحماية القانونية كضحية لفعل جرمي.
ونجد أيضا ان القانون 103.13 أضاف عدة تعديلات في قانون المسطرة الجنائية وأبرزها:
- إمكانية جعل جلسة المحاكمة سرية إذا تعلق الأمر بقضية عنف أو اعتداء جنسي ضد المرأة أو القاصر، وذلك بناء على طلب الضحية.
- تعليق حق الجمعيات المعلن أنها ذات نفع هام والتي تعنى قضايا مناهضة العنف ضد النساء في الانتصاب كطرف مدني، شريطة الحصول على إذن كتابي من الضحية[[1]]
- إضافة تدابير حمائية جديدة الى التدابير المنصوص عليها في المادتين 82-4 و 82-5، حيث تتخذ أيضا في قضايا العنف ضد النساء وفورا تدابير الحماية التالية:
- إرجاع المحضون مع حاضنته الى السكن المعين له من قبل المحكمة
- إنذار المعتدي بعدم الاعتداء، في حالة التهديد بارتكاب العنف مع التعهد بعدم الاعتداء.
- إشعار المعتدي بأنه يمنع عليه التصرف في الأموال المشتركة بين الزوجين
- إحالة الضحية على مراكز الاستشفاء قصد العلاج
- الأمر بالإيداع بمؤسسات الإيواء أو مؤسسات الرعاية الإجتماعية للمرأة المعنفة التي ترغب في ذلك.
إذن واستخلاصا مما سبق أن رأينا فقد أفرزت الممارسة اليومية لعمل أجهزة العدالة الجنائية والمختصة في البحث وتحريك المتابعة الجنائية عن وجود عدة ثغرات ومشاكل مرتبطة بالنصوص القانونية أو بالواقع الاجتماعي، ينبغي التصدي لها و تقديم حلول و أجوبة لما تطرحه من إشكاليات حتى نستطيع القول بأن السياسة الجنائية المغربية تسير في اتجاه إقرار حماية إجرائية للمرأة كفيلة بصون كرامتها.
[1] المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية