في الواجهةمقالات قانونية

ملاءمة التشريع الوطني مع المعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب

 

 

ملاءمة التشريع الوطني مع المعايير الدولية في مجال

مكافحة تمويل الإرهاب

                                                                               

                                                                                محمد شنضيض

                                             

                                                                               باحث في القانون

 

مقدمة:

لقد تعاظمت جرائم تمويل الإرهاب وغسل الأموال من حيث الخطورة، سواء من خلال زعزعتها للوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول التي تم فيها، أو من خلال إمدادها بسبل البقاء والقوة لكل من الإجرام المنظم والإرهاب. كما أن الأحداث الإرهابية 11 سبتمبر 2001 كان لها دور محفز في ظهور إصرار كبير من قبل الأسرة الدولية لمواجهة هذه الظاهرة الخطرة، وهو ما يتبين من خلال ما أقدمت عليه المنظمات العالمية والإقليمية من إنشاء معاهدات واتفاقيات وإصدار قرارات أممية وبسط توجيهات وتوصيات، تهدف كلها إلى مواجهة هذه الجرائم المستحدثة بكل جدية وحزم.

وفي هذا الصدد، نذكر قول أحد المتخصصين الفرنسيين: “في اليوم الذي نستطيع فيه حرمان منظمات الإجرام من قدرتها على القيام بإيداعات نقدية أو توظيفات مالية، نكون بالتأكيد قد نزعنا من أيدي أصحابها أهم أوراقها الرابحة”[1].

فالجماعات الإرهابية قادرة بشكل متزايد على تمويل نفسها من خلال مصادر مختلفة مثل التهريب والابتزاز والجريمة المنظمة وبيع الموارد الطبيعية والتحف الفنية المسروقة والاختطاف من أجل الحصول على فدية وغيرها من الوسائل غير المشروعة. وتتيح هذه الأنشطة غير المشروعة للجماعات الإرهابية إمكانية الوصول إلى الموارد التي ستستخدم لتجنيد متطوعين جدد، وسينشطون بعد ذلك في أعمال إرهابية تستهدف استقرار وأمن مختلف الدول، وتؤثر سلبا على المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو ما يعتبر تحديا للدول من أجل التصدي بكل حزم لأنشطة الجماعات الإرهابية وتجفيف منابع الجريمة الإرهابية.

وسأتولى في إطار هذه الدراسة التطرق إلى أهم القواعد التي ترتكز عليها مجموعة العمل المالي GAFI  في توصياتها حول مكافحة تمويل الإرهاب، وكذا توجهات الاتحاد الأوروبي في معالجة هذه الظاهرة، وذلك لاستجلاء مدى ملاءمة التشريع المغربي في هذا المجال مع توصيات مجموعة العمل المالي، وبالتالي التزامه بالمعايير الدولية في هذا الإطار.

المبحث الأول: توصيات مجموعة العمل المالي وتوجهات الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة تمويل الإرهاب

لقد اعتمدت مجموعة العمل المالي GAFI تسع توصيات خاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، كما فعلت جهودها الخاصة بمتابعة تنفيذ الدول لتوصياتها الأربعين الخاصة بمكافحة غسل الأموال. فالدول يمكن لها في إطار هذه التوصيات اتخاذ ما يلزم من الإجراءات وفق تشريعاتها الوطنية لمكافحة تمويل الإرهاب بما يتوافق مع هذه التوصيات. وهي لا تقتصر فقط على الدول الأعضاء في مجموعة GAFI بل كافة الدول لاعتماد هذه التوصيات. كما أن دول الاتحاد الأوروبي تبذل جهودا فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال مرتكزة في هذا الإطار على توصيات مجموعة العمل المالي GAFI، وذلك باعتبار أن اللجنة الأوروبية عضوا في هذا الفريق، وتساهم بشكل مكثف في أعماله، فضلا عن تنفيذ توصياته داخل الاتحاد الأوروبي.

ويجدر بنا أن نتطرق في هذا المبحث إلى تحديد مفهوم تمويل الإرهاب قبل أن نسلط الضوء على القواعد التي ترتكز عليها توصيات مجموعة العمل المالي وتوجهات الاتحاد الأوروبي في مكافحة هذه الجريمة.

المطلب الأول: مفهوم تمويل الإرهاب

بذلت الأمم المتحدة مجهودات كبيرة من خلال إصدارها لمعاهدات دولية لمكافحة الإرهاب وآليات تمويله، فحتى قبل الأحداث الإرهابية للحادي عشر شتنبر 2001 بالولايات المتحدة، فإن الأمم المتحدة كانت تتوفر على المعاهدة الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999[2].

وبمفهوم هذه الاتفاقية، فإنه يعتبر مرتكبا لجريمة تمويل الإرهاب كل شخص يقوم، وبأي طريقة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، أو بصفة غير مشروعة وعمدية، يمد أو يجمع أموالا بهدف استعمالها، أو يعلم أنها سوف تستعمل، كلها أو جزء منها، بهدف ارتكاب “جريمة إرهابية”[3].

لكن الإشكال المطروح بالنسبة لبعض الدول، هو مفهوم “الإرهاب”. فكل الدول التي تبنت الاتفاقية لم توافق على الأفعال التي يمكن اعتبارها “جرائم إرهابية”؛ ذلك أن مفهوم الإرهاب غير متوافق عليه عالميا كما قد يبدو، بسبب الاعتبارات السياسية والدينية والوطنية التي تختلف من دولة لأخرى.

ومجموعة العمل المالي GAFI التي تعتبر كجهاز دولي يختص بوضع المعايير بخصوص مادة مكافحة تمويل الإرهاب، لم يضع تعريفا خاصا لعبارة “تمويل الإرهاب” بالتوصيات التسعة الخاصة حول تمويل الإرهاب، والتي تم وضعها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. لكن المجموعة المذكورة (GAFI) دعت الدول إلى المصادقة على الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999، والعمل على تنفيذ مقتضياتها، كما دعت إلى اعتماد التعريف المذكور والذي تبنته عدة دول في مادة تمويل الإرهاب[4].

والتمويل الإرهابي هو التماس وجمع الأموال وتوفيرها لاستخدامها في دعم الأعمال أو المنظمات الإرهابية، ويمكن أن تأتي الأموال من مصادر قانونية أو غير قانونية. وبصورة أكثر تحديدا، ووفقا للمادة 2 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب[5]، يرتكب جريمة تمويل الإرهابيين “كل شخص يقوم بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته، بتقديم أو جمع أموال بنية استخدامها، أو هو يعلم أنها ستستخدم، كليا أو جزئيا، لغرض ارتكاب جريمة. ”
والهدف الرئيسي للأفراد أو الكيانات الضالعة في تمويل الإرهاب ليس بالضرورة إخفاء مصدر الأموال، بل إخفاء التمويل وطبيعة النشاط الممول.

ووفقا للتعريف الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع بخصوص الإرهاب في عام 2004 في قرار مجلس الأمن 1566، فإن الأعمال الإرهابية هي:

“الأعمال الإجرامية، خاصة تلك الموجهة ضد المدنيين بقصد إلحاق الموت بهم أو إصابتهم بإصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، التي تشكل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب. ووفقاً للتعريف الوارد فيها، لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري أو عرقي أو ديني أو أي طابع آخر من هذا القبيل”.

المطلب الثاني: توصيات مجموعة العمل المالي GAFI وتوجهات الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة تمويل الإرهاب

لقد ركزت مجموعة العمل المالي لمكافحة GAFI جهودها على الصعيد العالمي من أجل مكافحة تمويل الإرهاب، حيث اعتمدت المجموعة تسعة توصيات خاصة بشأن تمويل الإرهاب. وفي إطار هذه الجهود تستخدم الدول والمناطق الأعضاء استبيان تقييد ذاتي[6]. كما أن الجهود التي تبدلها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب ترتكز في هذا الإطار على توصيات المجموعة المذكورة، وذلك باعتبار أن اللجنة الأوروبية عضوا في هذا المجموعة، وتساهم بشكل مكثف في أعماله، فضلا عن تنفيذ توصياته داخل الاتحاد الأوروبي.

وسأتولى الحديث عن توصيات هذه المجموعة لمكافحة تمويل الإرهاب (الفقرة الأولى) وإبراز توجهات الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: توصيات مجموعة العمل المالي GAFI

إن مجموعة العمل المالي، هي منظمة حكومية دولية تأسست في عام 1989 من قبل وزراء الدول الأعضاء فيها. وتتألّف عضويّة هذه المجموعة حالياً من 35 دولة ومنظّمتين إقليميتَين، هما اللجنة الأوروبيّة ومجلس التعاون لدول الخليج العربي. ويوجد لديها العديد من الجهات المراقبة من المنظمات الدولية بالإضافة إلى مجموعات العمل المالي الإقليمية والتي تتمتع بصفة العضو المشارك، والتي منها مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA FATF.

تتمثل مهام المجموعة في وضع المعايير وتعزيز التنفيذ الفعال للتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، والتهديدات الأخرى ذات الصلة بنزاهة النظام المالي الدولي. وتعمل أيضاً بالتعاون مع جهات دولية معنية أخرى، على تحديد مواطن الضعف على المستوى الوطني بهدف حماية النظام المالي الدولي من الاستغلال من خلال عمليات التقييم المتبادل.

وتصدر مجموعة العمل المالي كذلك إرشادات، وأوراق تتضمن أفضل الممارسات، وغير ذلك من الوسائل الإرشادية التي تهدف إلى مساعدة الدول في تطبيق معايير مجموعة العمل المالي GAFI.

وقد وضعت توصيات مجموعة العمل المالي للإجراءات المالية إطارا شاملا ومتماسكا للتدابير التي ينبغي للبلدان أن تنفذها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن تمويل انتشار أسلحة الدمار الشام.  والبلدان التي لديها أطر قانونية وإدارية وتشغيلية مختلفة وأنظمة مالية مختلفة، فإنها لا تستطيع جميعا أن تعتمد نفس التدابير لمواجهة هذه التهديدات.

وتوصيات مجموعة العمل المالي GAFI هي معايري دولية ينبغي للبلدان أن تنفذها من خلال تدابير مصممة خصيصا لظروفها الخاصة. ويمكن للدول في إطار هذه التوصيات اتخاذ ما يلزم من الإجراءات وفق تشريعاتها الوطنية لمكافحة تمويل الإرهاب بما يتوافق مع هذه التوصيات. كما أنها لا تقتصر فقط على الدول الأعضاء في مجموعة GAFI بل كافة الدول لاعتماد هذه التوصيات[7].

ويمكن القول إن تنفيذ التوصيات التسع الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب إلى جانب التوصيات الأربعين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال يشكل إطارا أساسيا لقمع تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية.

وهكذا، فإن التوصية الأولى المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي الدولية نصت على أنه يتعين “على كل دولة اتخاذ خطوات فورية للتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999 ووضعها موضع التنفيذ”. كما طالبت هذه التوصية الدول بأن تنفذ كل قرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، ويتعلق الأمر بالقرارات التالية:

القرار رقم 1267 (1999)، القرار رقم 1269 (1999)، القرار رقم 1333 (2000)، القرار رقم 1373 (2001)، القرار رقم 1333 (2001) والقرار رقم 1617 (2005).

وتوصي هذه القرارات الدول باتخاذ ما يلزم لتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بقمع تمويل الإرهاب وقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار رقم 1516(2005) الذي هو من بين قرارات مجلس الأمن الستة ذات الأهمية القصوى لكونه يلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجريم أعمال تمويل الإرهاب، وحرمان الإرهابيين من كافة أشكال المساندة، ومنع إتاحة الملاذ الآمن للإرهابيين بما في ذلك تجميد الأموال والأصول للأشخاص والمنظمات المتورطة في أعمال إرهابية، وحظر المساعدة المباشرة وغير المباشرة للإرهابيين، وتشجيع التعاون بين الدول في مجال الأبحاث والتحقيقات الجنائية وتبادل المعلومات.

وتلزم التوصية الثانية المتعلقة بتجريم تمويل الإرهاب وغسل الأموال الدول بتجريم تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية، واعتبار الجرائم الإرهابية من ضمن الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال.

وتلزم التوصية الثالثة الدول بتجميد ومصادرة أصول الإرهابيين، ويتعين عليها اتخاذ ما يلزم من إجراءات ملائمة لتمكين السلطات المختصة داخل الدولة من حجز ومصادرة الممتلكات المستخدمة، أو المزمع استخدامها أو استخدام عوائدها في تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية[8].

ونجد أن هذه التوصية تتضمن ثلاثة مفاهيم أساسية يمكن أن تكون لها معايير مختلفة في كل دولة من الدول، وهي: التجميد والحجز والمصادرة.

ويقصد بالتجميد، أن السلطة المعنية في أي دولة لها صلاحية إيقاف حركة أموال وأصول تم تحديد علاقتها بالأنشطة المشبوهة ذات الصلة بتمويل الإرهاب. وبذلك يمنع نقل أو إخفاء هذه الأموال أو الأصول[9]، وتبقى الأموال أو الأصول المجمدة ملكا لصاحبها تحت إدارة المؤسسة المالية، أو الجهة القائمة على مكافحة مثل هذه الأنشطة المشبوهة، والهدف من تجميد هذه الأموال هو عدم تمكين صاحبها من استخدامها لأي غرض غير مشروع.

ويقصد بالحجز، أن للجهة الحكومية المختصة صلاحية التحفظ على الأموال والأصول التي تم تحديد علاقتها بتمويل الإرهاب[10]، وبمقتضى ذلك الإجراء تنتقل حيازة هذه الأموال أو الأصول إلى الجهة الحكومية المختصة، والتي تقوم على إدارة وتدبير شؤون هذه الأموال والأصول.

ويقصد بالمصادرة، أن للجهة المعنية صلاحية نقل ملكية الأموال والأصول التي تم تحديد علاقتها بتمويل الإرهاب إلى الدولة نفسها[11]. وتتم المصادرة حينما يكون هناك حكم قضائي أو قرار محكمة بأن الأصول المعنية ناجمة عن نشاط إجرامي أو منع استخدامها في أنشطة غير مشروعة[12].

وحثت التوصية الرابعة على إلزام المؤسسات المالية على الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة المتصلة بتمويل الإرهاب إذا ما كان لديها أسباب معقولة في كون الأموال استخدمت أو يزمع استخدامها في تمويل الإرهاب.

وتنص التوصية الخامسة على أن “تلتزم كل دولة بأن تتيح للدولة الأخرى من خلال آلية المساعدة القانونية أو الأليات الأخرى أكبر مساعدة ممكنة فيما يتعلق بتنفيذ القوانين الجنائية والمدنية والتحقيقات الجنائية والإدارية والتحريات والإجراءات فيما يتصل بتمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية والمنظمات الإرهابية، وتتخذ كل دولة الإجراءات اللازمة لضمان أمنها، ولا توفر ملاذا آمنا للأشخاص المتهمين بتمويل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية أو المنظمات الإرهابية، وينبغي أن تكون لديها إجراءات لتسليم هؤلاء الأشخاص لدول أخرى، كلما كان ذلك ممكنا”.

والتزمت الدول من خلال التوصية السادسة باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أن يكون كل من يعمل من الأشخاص او الهيئات في “تحويل النقود” بما في ذلك التحويل من خلال نظام أو شبكة غير رسمية لتحويل قيمة النقود مرخصا لهم بممارسة ذلك النشاط، ومسجلين لديها في سجل خاص بهم، وخاضعين لنفس معايير التوصيات الأربعين التي تنطبق على المؤسسات المالية والعاملين بها، وكذلك القائمين بالأعمال والمهن غير المالية المحددة، وذلك تحت طائلة تعريض كل من يتولى القيام بهذه الخدمات بصورة غير قانونية لعقوبات جنائية أو إدارية أو مدنية.

ويستفاد من التوصية السادسة المذكورة التي تنسجم مع التوصيات الأربعين الخاصة بمكافحة جريمة غسيل الأموال، أنه لابد من الالتزام بشرطين، أولهما ضرورة تحديد وجود هيئة تختص بمنح التراخيص أو تسجيل كافة خدمات نقل النقود وكل ذي قيمة، وثانيهما ضرورة وجود ضوابط رقابية على عمل هذه الجهات كافية لحمايتها من أنشطة جريمتي غسيل الأموال وتمويل الإرهاب[13].

وأوجبت التوصية السابعة على كل دولة اتخاذ التدابير الملائمة لإلزام المؤسسات المالية، بمن فيها المؤسسات التي تقوم بتحويل النقود، بتسجيل البيانات الدقيقة والمفيدة عن المرسل على وثائق تحويلات النقود والرسائل المرسلة، وأن تظل هذه المعلومات مرفقة بالحوالة أو الرسالة ذات الصلة طيلة سلسلة الدفع. كما يجب على المؤسسات المالية اتباع إجراءات فحص ورصد النشاط المشبوه لتحويلات الأموال التي لا تتضمن معلومات كاملة عن المرسل.

وحسب المذكرات الإرشادية لمجموعة العمل المالي الدولية GAFI (الفقرة 26)، فإن صيغة التوصية توحي أنها تنطبق على كل المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية، غير أنها تتعلق بثلاث فئات فقط من المؤسسات المالية، وهي البنوك ومكاتب الصيارفة ومكاتب تحويل النقود أو التحويلات. ومن ثم فقد تكون مكاتب سمسرة الأسهم وشركات التأمين غير خاضعة لهذه التوصية.

وفي نفس السياق، صدرت المذكرة التفسيرية للتوصية السابعة والتي وسعت من نطاق تعريف المؤسسة المالية ليشمل المؤسسات المالية والأعمال والمهن غير المالية المحددة، وكذلك إتاحة معلومات أكثر تحديدا عن أية تحويلات ينبغي توضيحها والمعلومات التي ينبغي الاحتفاظ بها لكل أنواع التحويلات[14].

وبخصوص التوصية الثامنة والمتعلقة بالمنظمات غير الهادفة للربح، فقد أوجبت هذه التوصية على كل الدول النظر في مدى كفاية قوانينها ولوائحها التنظيمية فيما يتعلق بالمنظمات غير الهادفة للربح، وذلك للحيلولة دون إساءة استخدام هذه المنظمات لأغراض تمويل الإرهاب، حيث يتعين على الدول القيام بما يلي:

– منع عمليات التحويل الخارجي إلا بموافقة الجهات المعنية في الدولة.

– عدم تقديم المساعدات بشكل مباشر للأفراد والمؤسسات والجمعيات الأجنبية الصغيرة التي لا تخضع للتنظيم والإشراف من بلدانها

– التأكد من وجود تراخيص تسمح بتلقي المساعدات من الخارج.

أما التوصية التاسعة، فقد ركزت على مسألة النقل المادي للأموال، حيث صدرت هذه التوصية بتاريخ 22 أكتوبر 2004، وتهدف إلى ما يلي:

– الكشف عن النقل المادي للنقود والأدوات القابلة للتداول لحاملها.

– الحيلولة دون انتقال النقود والأدوات القابلة للتداول لحاملها، والتي يشتبه في ارتباطها بتمويل الإرهاب أو تضمنها غسيل الأموال.

– الحيلولة دون انتقال النقود والأدوات القابلة للتداول لحاملها، والتي لا يتم الإعلان عنها بصورة صحيحة.

– تطبيق العقوبات المناسبة على كل من يقوم بإعلان أو إفصاح غير صحيح عما بحوزته من نقود.

– تمكين الدول من مصادرة النقود القابلة للتداول لحاملها التي ترتبط بتمويل الإرهاب أو تتضمن غسل الأموال.

والجدير بالإشارة إلى أن التوصيات التسع الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب ليست مجرد اقتراحات، بل هي تفويض لكل دولة باتخاذ ما يلزم من الإجراءات وفق تشريعاتها الوطنية لمكافحة تمويل الإرهاب، بما يتوافق مع هذه التوصيات، كما انها لا تقتصر فقط على الدول الأعضاء في مجموعة العمل المالي الدولية، وإنما يمكن لكل دولة أن تعتمد هذه التوصيات في تشريعاتها الوطنية، خاصة أن هذه المجموعة دعت كل الدول لذلك حتى تكون كلها ملتزمة بالمعايير الدولية في مكافحة تمويل الإرهاب[15].

وتنفيذ التوصيات التسع المذكورة –جنبا إلى جنب – مع التوصيات الأربعين المتعلقة بمكافحة غسل الأموال يقوي ويحدد الإطار الأساسي لاكتشاف وقمع تمويل الإرهاب والأعمال الإرهابية[16].

وتركز منهجية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2013 على فعالية أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمحاكم. وتحدد توصيات مجموعة العمل المالي GAFI التدابير الرئيسية التي ينبغي أن تتخذها البلدان من أجل:

  • أن تقوم بتحديد المخاطر، ووضع السياسات والتنسيق على الصعيد الوطني؛
  • أن تقوم بملاحقة غسل الأموال وتمويل كل من الإرهاب وانتشار التسلح؛
  • أن تقوم بتطبيق تدابير وقائية على القطاع المالي وغيرها من القطاعات المحددة؛
  • أن تقوم بإعطاء الصلاحيات والمسؤوليات الضرورية للسلطات المختصة (على سبيل المثال، سلطات التحقيق وسلطات إنفاذ القانون والسلطات الرقابية)، والتدابير المؤسساتية الأخرى؛
  • أن تقوم بتعزيز الشفافية وتوافر المعلومات المتعلقة بالمستفيدين الحقيقيين من الأشخاص الاعتبارية والترتيبات القانونية؛
  • أن تقوم بتسهيل التعاون الدولي؛

الفقرة الثانية: جهود الاتحاد الأوروبي في التصدي لظاهرة تمويل الإرهاب

إن إقدام الإرهابيين ومناصريهم، وبشكل مستمر، على تغيير طريقة جمع الأموال ونقلها والوصول إليها، دفع بالاتحاد الأوروبي الذي يعتبر موضوع مكافحة تمويل الإرهاب عنصرا رئيسيا في استراتيجيته، إلى وضع سلسلة من التدابير الرامية إلى الحد من حصول الإرهابيين على التمويل.

فعلى سبيل المثال، فإن التوجيه الثالث المتعلق بمكافحة غسل الأموال يمدد صراحة نطاق نظام مكافحة غسل الأموال لتمويل الإرهاب، والتوجيه الرابع الذي اعتمد في سنة 2015 سيجعل من الصعب على الإرهابيين استخدام النظام المالي لتمويل أنشطتهم. وكجزء من خطة العمل الرامية إلى تعزيز مكافحة تمويل الإرهاب في فبراير 2016، بادرت اللجنة الأوروبية إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب من خلال السماح لدول الاتحاد الأوروبي  بالاعتراف بالقرارات القضائية الصادرة في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي والرامية إلى مصادرة وتجميد أموال وممتلكات استعملت أو معدة للاستعمال في الجريمة الإرهابية، الشيء الذي سيسهل عملية تحصيل الأموال المذكورة عبر الحدود ويساعد على جعل تجميد ومصادرة الأموال غير المشروعة أكثر فعالية في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تجنب الإجراءات المعقدة، وذلك وفقا لمبدأ الاعتراف المتبادل بالأحكام والقرارات القضائية، حيث يتم الاعتراف بقرار قضائي صدر في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي والذي يكون واجب التطبيق في دولة عضو أخرى في نفس الاتحاد دون مراجعته[17].

إن الجهود التي تبدلها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال ترتكز في هذا الإطار على توصيات فريق العمل المالي GAFI، وذلك باعتبار أن اللجنة الأوروبية عضوا في هذا الفريق، وتساهم بشكل مكثف في أعماله، فضلا عن تنفيذ توصياته داخل الاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن قرارات مجلس الأمن، مثل القرار رقم 1373[18]، والقرار رقم 1455، والقرار رقم 2178، وكذلك صكوك مجلس أوروبا، مثل اتفاقية مجلس أوروبا بشأن غسل الأموال وحجز ومصادرة عائدات الجريمة وتمويل الإرهاب، تلعب دورا هاما في هذا السياق؛ وتساعد اللجنة الأوروبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على وضعها موضع التنفيذ.

وقد اعتمد مجلس العدل والشؤون الداخلية مستنتجات مجلس أوروبا بشأن هذه المسألة في 20  نوفمبر 2015، وشدد على أهمية الإسراع بتنفيذ تدابير مكافحة الإرهاب.  كما دعا اللجنة الأوروبية إلى تقديم مقترحات لتعزيز الصلاحيات والتعاون بين وحدات الاستخبارات المالية لضمان وصولها السريع إلى المعلومات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا لتوصيات فريق العمل المالي، وكذا تشديد الرقابة على وسائل الدفع غير المصرفية، وتجميد الأموال الإرهابية في جميع أنحاء الاتحاد.

وفي إطار خطة العمل الرامية إلى تعزيز مكافحة تمويل الإرهاب، أعلنت اللجنة الأوروبية أنها ستقدم مقترحات في هذا المجال، ولا سيما ما يتعلق بتعزيز التدابير الوقائية لتفادي مخاطر تمويل الإرهاب، وتعزيز المراقبة حول تحرك الأموال النقدية argent liquide، وتحسين الإطار القانوني المتعلق بالجمارك والتجارة لمكافحة التجارة غير المشروعة والاتجار في الممتلكات الثقافية.

وقد توجه الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة إلى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث قام سنة 1995 بالتفاوض من أجل إقامة شراكة أورو-متوسطية مع اثني عشر بلدا من البلدان المتوسطية الشريكة لتحقيق هدف طموح يتمثل في إبرام اتفاق للتجارة الحرة بحلول سنة 2010 ووضع إصلاحات الحكامة المقابلة تبعا لإعلان برشلونة المتعلق بالشراكة الأورو- متوسطية.

وقد كان لهذه الالتزامات أثرها الإيجابي من خلال سلسلة من المبادرات الجارية مثل السياسة الأوروبية للجوار التي تقدم الدعم للإصلاحات السياسية والاقتصادية في كل بلد مع احترام خصوصياته؛ ودعم الاتحاد من أجل المتوسط ​​لتشجيع التعاون الإقليمي سواء فيما بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو فيما بينها والاتحاد الأوروبي. كما يعتبر موضوع مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال هو المجال الأساسي للتعاون في مكافحة الإرهاب بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.

وفي إطار خطة عمل اللجنة لسنة 2016 الرامية إلى تعزيز مكافحة تمويل الإرهاب، فقد نص الباب المتعلق بالعلاقات الخارجية ليس فقط على “مساعدة البلدان الأخرى على الملاءمة مع قرارات مجلس الأمن للأمم المتحدة وتوصيات فريق العمل المالي GAFI “ولكن أيضا” لمساعدة البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على التصدي لأي تمويل للإرهاب ومكافحته “.

المبحث الثاني: ملاءمة التشريع المغربي في مجال مكافحته جرائم تمويل الإرهاب مع المعايير الدولية

سنخصص هذا المبحث للحديث عن مدى تجانس التشريع المغربي المرتبط بمكافحة تمويل الإرهاب مع توصيات فريق العمل المالي، وبالتالي التزامه بالمعايير الدولية في هذا الإطار.

المطلب الأول: ملاءمة التشريع المغربي في مكافحته لجرائم تمويل الإرهاب مع المعايير الدولية

لقد اعتمد المغرب تشريعا خاصا لمكافحة الإرهاب بموجب القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.03.140 بتاريخ 26 من ربيع الأول 1424 (28 ماي 2003) والذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 29 ماي 2003. وفي سنة 2015،  وتمشيا مع قرار مجلس الأمن الدولي 2178[19] ودستور المملكة المغربية الذي ينص على ضرورة الالتزام بما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية والعمل على المحافظة على السلم والأمن في العالم، وانسجاما مع مذكرة لاهاي- مراكش حول المقاتلين الإرهابيين الأجانب التي صدرت في إطار المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، بادر (المغرب) إلى إصدار قانون رقم  86.14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.53 بتاريخ فاتح شعبان 1436 (20 ماي 2015)، والذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 01/06/2015 لتحيين منظومته الجنائية الوطنية في إطار التوجه التجريمي الاستباقي لتقوية آلياته القانونية لمواجهة ظاهرة الالتحاق أو محاولة الالتحاق بمعسكرات تدريبية بالخارج وتلقي تدريبات بها.[20]

ويعتبر المغرب عضوا في GAFIMOAN [21]ووحدة استخباراته المالية تسمى وحدة معالجة المعلومات المالية (UTRF)، التي هي عضو في مجموعة EGMONT  [22]. ويعاقب التشريع الجنائي على جرائم مكافحة غسل الأموال بما يتماشى مع المعايير الدولية ويستخدم بفعالية صكوكه التشريعية للكشف عن تمويل الإرهاب. ووقعت الوحدة المذكورة على مذكرة تفاهم تيسر تبادل المعلومات مع وحدات الاستخبارات المالية في المنطقة. كما تعمل الوحدة أيضا على تحديث التشريعات القائمة لحسن تنفيذ قرار مجلس الأمن 1373 لعام 2001، وكذا نظام الجزاءات الذي فرضه مجلس الأمن على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المسماة اختصارا ب “داعش” وتنظيم القاعدة.

وتمشيا مع توصيات فريق العمل المالي GAFI لسنة 2012، تعكف الوحدة على إعداد تقييم وطني للمخاطر للتخطيط وتنفيذ تدابير مكافحة تمويل الإرهاب على نحو أكثر فعالية.

كما أن كل طرق جمع واستخدام الأموال أو الممتلكات بقصد استخدامها كليا أو جزئيا من قبل منظمة إرهابية لارتكاب عمل إرهابي، سواء تحقق الفعل الإرهابي أم لم يتحقق، تعتبر تمويلا للإرهاب.

والمشرع المغربي أورد في القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب فعل تمويل الإرهاب في الفصل 4-218 واعتبره جريمة مستقلة، حيث عرفها هذا الفصل بأنها “…القيام بأية وسيلة كانت مباشرة أو غير مباشرة بتقديم أو جمع أو تدبير أموال أو ممتلكات…

– تقديم مساعدة أو مشورة لهذا الغرض…”.

وهذا التعريف يساير الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب المشار إليها أعلاه، مما يعني أن التشريع المغربي في هذا الإطار استلهم أحكامه من هذه الاتفاقية، التي يتوقف قيامها على العناصر التالية:

– ارتكاب أفعال لتأمين الأموال وحتى المواد اللازمة للقيام بأعمال إرهابية، بشكل مباشر أو غير مباشر، وإمداد المنظمات الإرهابية بالأموال قد تقع من أعضاء هذه المنظمات والمنتمين إليه سواء كان ذلك بإنشاء أو التأسيس أو الانضمام، وأيا كانت مكانة ومرتبة الجاني زعيما أو قائدا عاديا، وقد تقع من غرباء عن تلك المنظمات والفارق الوحيد بينهم أن من يقوم بالإمداد من داخل التنظيم يفترض فيه العلم بأعمال التنظيم وذلك بحكم عضويته، أما الغرباء عن التنظيم فلا تكتمل جريمة الإمداد في حقهم إلا إذا تمت إقامة الدليل على علمهم بأعمال التنظيم غير المشروعة وإلا انتفت في حقهم جريمة الإمداد، كما لو تم إمداد إحدى الجمعيات بالأموال اعتقادا منهم أنها تعمل من أجل الفقراء والإنفاق في مجالات تحقيق الخير للمجتمع[23].

تخصيص الأموال لمشروع إرهابي، ويستوي لوقوع الجريمة ان يتحقق أحد هذه الأغراض الإرهابية فعليا أو لا يتحقق.

– لا يعتد بالوسيلة التي تتم بها عملية التمويل، ولا بالطريقة التي ينفذ بواسطتها، فقد يكون بكيفية مباشرة أو غير مباشرة؛ إذ يكون بواسطة التبرع المباشر بأموال لفائدة التنظيم الإرهابي، أو بواسطة الإقراض، أو من خلال منحه الحق في استخدامها فقط مع بقاء ملكيتها للمانح، كمن يعير المال المنقول إلى التنظيم أو يسمح له باستعماله في تحقيق أغراضه[24].

والمشرع المغربي بتجريمه لتمويل الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة وقائمة الأركان، يكون قد ساير في ذلك مقتضيات الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب الصادرة في 9 دجنبر 1999، والتي صادقت عليها المملكة المغربية بموجب الظهير الشريف قم 1.02.131 صادر في 7 شوال 1423 (12 ديسمبر 2002) والمنشورة بالجريدة الرسمية رقم 5104 الصادرة يوم الخميس 1 ماي 2003، والتي حثت مختلف الدول الأطراف على ضرورة تجريم تمويل الإرهاب وإيجاد مقتضيات قانونية فعالة لرصد تحركات أموال الإرهاب.

كما ساير المشرع المغربي في هذا الصدد نظيره الفرنسي، الذي جرم تمويل الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها وملحقة بالجرائم الإرهابية في الفصل 2-2-421 من القانون الجنائي الفرنسي[25].

والمقصود بالأموال والممتلكات المنصوص عليها في الفصل 4-2018 من القانون الجنائي المغربي، هو أنه بالنسبة لأموال الإرهاب تشمل مختلف الأموال التي تخصص أو تستخدم في ارتكاب أو دعم أعمال الإرهاب، أو تكون مرتبطة بها بأية صورة من الصور[26]. كما تشمل هذه الأموال العائد المحقق كليا أو جزئيا بصورة مباشرة أو غير مباشرة نتيجة اقتراف أعمال إرهابية، مثل الأموال التي يحصل عليها الإرهابيون كفدية لعمليات الاختطاف، وكذا كافة الموارد التي تحصل عليها المنظمة الإرهابية، بما في ذلك الأموال أو الممتلكات الأخرى التي تستخدم لصالح هذه المنظمة أو تكون في خدمتها أو بالأحرى خدمة نشاطها[27].

وتشمل العائدات كل ما يمكن أن تحصل عليه المنظمة الإرهابية بشكل مباشر أو غير مباشر من ارتكاب جرم معين، وهو نفس المفهوم الذي أوردته الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999 حين تحديدها للمقصود من العائدات[28]، وهذا ما يتفق كذلك مع المفهوم الذي نص عليه المشرع المغربي في القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال.

فالمشرع المغربي أعطى، إذن، لموضوع التمويل مفهوما واسعا، حيث جاء شاملا لكل الأموال والممتلكات التي تقدم أو تجمع أو تدبر لكي تستخدم كليا أو جزئيا لارتكاب عمل إرهابي، أو محاولة ذلك. وذلك تفاديا لترك أي شكل من أشكال التمويل خارج دائرة التجريم والعقاب.

ويستوي أن يكون المال ماديا أو غير مادي، أو أن يكون منقولا أو عقارا، وسواء كان مملوكا لشخص واحد أو مشاعا، وقد يتحصل عليه عبر البريد الإلكتروني مادام أن الممول قد يلجأ إلى وسائل أخرى للتمويل؛ لأن التطور التكنلوجي أسهم في تسهيل إيصال الأموال للجماعات الإرهابية دون اللجوء للطرق التقليدية مثل البنوك والمؤسسات المالية الأخرى، ولا يتطلب النص نقل ملكية الشيء المعتبر مالا إلى التنظيم الإرهابي، بحيث يعد مرتكبا لجريمة تمويل الإرهاب من يعير المال المنقول إلى التنظيم، أو يسمح له باستخدامه لتحقيق أغراضه.

كما يمكن أن تكون هذه الأموال نقدية أو عينية، ويدخل ضمنها العقود أو الوثائق القانونية التي تثبت ملكية هذه الممتلكات أو الحقوق المرتبطة بها، أيا كانت دعامتها، بما فيها شيكات السفر، والشيكات البنكية والتحويل الإلكتروني للأموال، والقيم المنقولة، والسندات المالية والصكوك النقدية والكمبيالات، وأوامر الاعتماد .

ومما تجدر الإشارة إليه، في هذا الصدد أن العملات الافتراضية، والتي يفوق عددها حاليا 5000 عملة، وأكثرها انتشارا عملة “البيتكوين” Bitcoin[29] فقد ثبت من خلال معطيات رسمية أنها تستعمل لأغراض غير مشروعة أو إجرامية، خاصة في غسل الأموال وتمويل الإرهاب[30].

ومن ثم، فمفهوم الأموال يبقى شاملا لمفهوم الممتلكات بالنظر إلى ما سبق بيانه، الأمر الذي كان يقتضي من المشرع المغربي في الفصل 4-218 من القانون الجنائي، عدم ذكر المصطلحين معا تفاديا للتكرار، ولما يمكن أن يطرحا من تعارض يكتنفه الغموض، ويؤدي إلى المساس بحقوق الأفراد والحق في التملك المضمون دستوريا[31].

وفي نفس السياق، فإن قرار مجلس الأمن الصادر بتاريخ 28 يناير 2001، بالرغم من صبغته الإلزامية التي صدر بها استنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإنه جاء خاليا من أي تعريف محدد لمفهوم الأموال التي يمكن أن تكون محلا للتجريم في نطاق الإرهاب. غير أن هذا الأمر قد يبدو مستساغا من الناحية المنطقية، لكون القرار المذكور حث بموجب البند الرابع من الفقرة الثالثة منه، جميع الدول خصوصا الأعضاء في الأمم المتحدة على ضرورة الانضمام في أقرب وقت ممكن إلى الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب والتي أوردت تعريفا واسعا لأموال الإرهاب.

ولم يشترط المشرع أن تكون هذه الأموال غير مشروعة، بل نص صراحة على أن هذه الجريمة تقوم ولو كانت الأموال والممتلكات مشروعة. ومن جهة أخرى لم يحدد وسيلة معينة لتقديم هذا التمويل، إذ يمكن أن تكون بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، فقد تكون عن طريق الهبة أو الصدقة أو التبرع أو تحويل حق الانتفاع مع بقاء الملكية للمالك أو غيرها من الوسائل.

وفي هذا الصدد، فإنه من الأجدى أن تشمل جرائم تمويل الإرهاب، كل من يقوم بتمويل سفر الأشخاص إلى دولة غير دولة إقامتهم أو جنسيتهم لغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو تنظيمها أو إعدادها، أو لغرض المشاركة في التدريب على أعمال إرهابية أو تلقي تدريب في هذا الشأن.

ويمكن الحكم بالمصادرة في حالة الحكم بالإدانة من أجل جريمة تمويل الإرهاب بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها أو القيمة المعادلة لتلك الأشياء والأدوات والممتلكات والعائدات مع حفظ حق الغير حسن النية. وهو ما أكده الفصل 1-4-218 من القانون الجنائي (المعدل بالقانون رقم 13-10) حيث نص على أنه “يجب الحكم في حالة الإدانة من أجل جريمة تمويل الإرهاب أو من أجل جريمة إرهابية، بالمصادرة الكلية للأشياء والأدوات والممتلكات التي استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة منها أو القيمة المعادلة لتلك الأشياء والأدوات والممتلكات والعائدات مع حفظ حق الغير حسن النية”.

ويعرف الفصل 2-4-218 من القانون الجنائي العائدات بكونها جميع الممتلكات المتحصلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 4-218 و1-4-2018.

ويجوز لوحدة معالجة المعلومات المالية (UTRF) أن تأمر بتجميد الممتلكات، بعد أن اعتمدت في 16 غشت 2013 القرار رقم 6 المتعلق بمسطرة تجميد الممتلكات موضوع جريمة إرهابية. وهذا القرار يهدف إلى تحديد طرق تنفيذ تدابير تجميد الأموال وفقا لقرار مجلس الأمن 1267.

وفيما يتعلق بالحجز والتجميد تنفيذا لقرارات المنظمات الدولية المختصة (قرارات مجلس الأمن نموذجا): فقد نصت المادة الأولى من القرار رقم 1373(2000): على ما يلي:” تلزم جميع الدول بتجميد أموال الأشخاص الذين يرتكبون أعمالا إرهابية أو يحاولون ارتكابها أو يشاركون في ارتكابها أو يسهلون ارتكابها، أو أموال الكيانات التي يملكها أو يتحكم فيها هؤلاء الأشخاص أو أشخاص أو كيانات تعمل لصالحهم.”

وإعمالا للمادة المذكورة، تبقى قرارات مجلس الأمن ملزمة للمملكة المغربية من الناحية السياسية باعتبار المغرب عضوا في الأمم المتحدة، علما أن قرارات مجلس الأمن ليست قرارات قضائية، ولا يمكن تنفيذها من طرف السلطات القضائية المختصة إلا في الحالة التي تكون موضوع بحث قضائي.

وفي غياب الأبحاث القضائية يمكن تنفيذ هذه القرارات من طرف وحدة معالجة المعلومات المالية، شريطة ارتباط التجميد أو الحجز بتمويل الإرهاب. (بعد التعديل لم يعد التجميد الذي تباشره الوحدة مقيدا بأي أجل).

إذن، فالمملكة المغربية وهي تلتزم بالاستراتيجية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب من خلال التقيد بالمعايير والمبادئ الدولية المضمنة بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وكذا التوصيات التاسعة والأربعين لمجموعة العمل المالي GAFI التي فرضت معايير محددة لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأوجبت على الدول تبنيها تحت طائلة وضعها على لائحة الدول غير الملتزمة بهذه المعايير وغير المتعاونة، تكون قد امتثلت للمعايير الدولية وأوفت بالتزاماتها الدولية.

 

المطلب الثاني: وحدة معالجة المعلومات المالية

تنص المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 43.05 على ما يلي:” تحدث بنص تنظيمي[32] لدى الوزارة الأولى وحدة لمعالجة المعلومات المالية تسمى في هذا القانون “الوحدة”.

وتتألف هذه الوحدة من حيث طبيعتها من رئيس وأعضاء يمثلون وزارات المالية والعدل والداخلية، وبنك المغرب والمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومجلس الأخلاقيات للقيم المنقولة ومكتب الصرف

وقد تضمن القانون الداخلي لوحدة معالجة المعلومات المالية (UTRF) (رقم (05-10)) اختصاصات هذه الوحدة، وكذلك رئيسها، وأنظمتها الإدارية والمالية وطريقة عملها. كما أن الوحدة اعتمدت أيضا سلسلة من القرارات من أجل تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك قواعد تجميد الممتلكات بسبب الجرائم الإرهابية، وقواعد وشروط وأساليب التصريح بالاشتباه من جانب الأشخاص الخاضعين.

وبموجب المادة 13(2) من قانون مكافحة غسل الأموال، فإنه يجب على السلطات التي لها وصاية على المنظمات أو الهيئات غير الهادفة إلى تحقيق الربح أن تتأكد من أنها لا تستعمل لأغراض تمويل الإرهاب أو غسل الأموال.

وقد أصدرت في هذا الصدد وزارة الداخلية والأمانة العامة للحكومة منشورا مشتركا تحت رقم 1/2010 يتعلق بالتحذير من الدعوة إلى اكتتاب عام دون الحصول على إذن من الأمانة العامة للحكومة.

وقد تم قبول الوحدة رسميا كعضو في مجموعة إيغمونت EGMONT في الجلسة العامة التي عقدت في أرمينيا من 11 إلى 15 يوليو 2011.

واعتبارا لذلك، فإن وحدة معالجة المعلومات المالية تقوم بما يلي:

1- نشر مبادئ توجيهية بشأن واجب الرعاية والإبلاغ عن أي معاملة مالية مريبة تقع بالمؤسسات المالية (مثل المصارف وشركات التأمين المتبادل ومكاتب صرف العملات و تجارة التحف أو الأعمال الفنية) وتغطي متطلبات اليقظة الواجبة إزاء  العملاء وكذا متطلبات إبلاغ الوحدة عن أي معاملة مشبوهة.

2- محاربة الاقتصاد غير المهيكل المؤسس على الدفع نقدا. وتحديد الممارسات الجيدة لإيجاد حلول عن طريق مجموعة “إيغمونت” أو إنشاء شبكة تجمع السلطات المختصة لتحصيل الأموال ARIN .

وحيث إن جزءا من تمويل الإرهاب يتأتى من التجارة غير المشروعة في الأعمال الفنية، يمكن للوحدة أن توجه رسالة إلى الجمعيات أو ممثلي تجار التحف الفنية العتيقة لتذكيرهم بالمخاطر المحتملة والتزاماتهم اليقظة وتحسيسهم بضرورة تقديم شهادة عن كل بيع للممتلكات الثقافية أو ما يتعلق بالدفع نقدا عن بيع لأعمال الفنية.

أولا-  التصريح بعمليات الاشتباه

بعد تعديل القانون رقم 43-05، بموجب القانون رقم 13-20، أصبح من اللازم توجيه تقارير المعاملات المشبوهة إلى الوحدة بغض النظر عن مبلغ أو طبيعة المعاملة إذا كانت هذه الأخيرة مرتبطة بجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في المواد 1- 574 (جرائم غسل الأموال) و574-2  من القانون الجنائي، أو أي معاملة قد تبدو مشبوهة.

وتنص المادة 4 من القانون 43-05 على وجوب ألا يقوم الأشخاص الخاضعون بأي عملية، إذا لم يتم التحقق من هوية الأشخاص المعنيين بها أو عندما تكون الهوية غير كاملة أو إذا كانت تبدو غير حقيقية.

كما تنص المادة 32 على تطبيق القانون المذكور على الأفعال والعمليات المنصوص عليها في الفصل 1-574 من مجموعة القانون الجنائي، إذا كان مصدر الممتلكات أو العائدات مرتبطا بجريمة إرهابية أو إذا كان الغرض من تلك الأفعال أو العمليات تمويل الإرهاب كما نص على ذلك الباب الأول مكرر من الجزء الأول من الكتاب الثالث من مجموعة القانون الجنائي المصادق عليها بالظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 28 من جمادى الآخرة 1382 (26 نوفمبر 1962).

وفي هذا الإطار، فإننا نرى أن يتم النظر في تعزيز تدابير اليقظة الواجبة (التي يتعين بموجبها على الخاضعين أن يتحققوا من مصدر الأموال وأسباب المعاملة وهوية المتلقي) بالنسبة للمعاملات التي تنطوي على مبالغ “مرتفعة بشكل غير طبيعي”. كما نلاحظ أن الكمية الكبيرة من الأموال النقدية المتداولة ووسائل الدفع المجهولة بشكل عام تجعل الرقابة صعبة وتشجع على تهريب الأموال. وتبعا لذلك فإنه لم يعد مسموحا بإخفاء هوية المتعاملين، وذلك من أجل تحسين الكشف عن المعاملات المشبوهة.

ولهذا الغرض، فإنه يمكن تحديد حد أقصى للدفع نقدا كحل ممكن.

ثانيا- نقل العملة عبر الحدود

بخصوص العملات الأجنبية الواردة والصادرة والسندات القابلة للتداول للمقيمين وغيرهم، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، فقد أنشأت إدارة الجمارك نظاما للمعلومات لتدبير البيانات الخاصة بالمسافرين الذين يحملون معهم مبالغ مالية تتجاوز القدر المحدد وطنيا وإبلاغ وحدة معالجة المعلومات المالية بذلك.

ويحدد منشور مكتب الصرف رقم 1743 بتاريخ 23/05/2011 شروط استيراد وتصدير العملة الصعبة.  كما أن مذكرة إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة رقم 9630/411 بتاريخ 18 يوليو 2011، تفرض التصريح بالمبالغ المالية بالعملة الصعبة، وكذا السندات لحاملها بقيمة مائة ألف (100،000) درهم.

وقد أبرمت وحدة معالجة المعلومات المالية اتفاقية تعاون وتبادل المعلومات مع كل من إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ومكتب الصرف وذلك من أجل تمكين الوحدة المذكورة من المعلومات المتوفرة لديها والمتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا تفرض أي عقوبة على التصريح الكاذب بخصوص العملات أو غيرها من وسائل التداول في حوزة المسافرين الأجانب، باستثناء المصادرة.

وفي هذا الصدد نرى أنه من اللازم على جميع الأفراد الذين يحملون مبلغا من المال يتجاوز عتبة معينة أن يعلنوه للجمارك. وينطبق هذا الالتزام أيضا على الأفراد الذين يدخلون المغرب وبحوزتهم مبلغا من المال من بلد آخر، أو العكس. كما ينبغي أن ينطبق هذا الالتزام ليس فقط على حاملي الأموال النقدية، بل أيضا على حاملي الذهب أو الأوراق البنكية أو الأسهم أو السندات ووسائل الأداء المختلفة (الشيكات والسندات الإذنية والأوامر النقدية والبطاقات مسبوقة الدفع وعملة بيتكوين Bitcoins وغيرها). ويجب أن ينطبق نفس الالتزام على التحويلات البريدية وشحن البضائع، وتحويل الراسميل (التحويلات العادية والسريعة).

كما يستحسن أن يتم حظر نقل الممتلكات المنقولة القادمة من دولة أخرى والمتعلقة بالتحف الفنية أو الاتجار فيه، وألا يسمح بذلك إلا بشروط صارمة ومشددة.

ثالثا- التدابير المعتمدة من قبل الأبناك والمؤسسات المالية من أجل الوقاية

يحدد قانون مكافحة غسل الأموال الالتزامات الرئيسية المتعلقة بتدابير اليقظة الواجبة، فمثلا يجب على الأشخاص الخاضعين جمع كل عناصر المعلومات التي تمكن من تحديد هوية زبنائهم المعتادين أو العرضيين والمستفيدين الفعليين والتحقق منها. ويقصد بالمستفيد الفعلي، حسب المادة 3 من قانون غسل الأموال، كل شخص ذاتي تصرف لحسابه الزبون أو كل شخص ذاتي يراقب أو يمتلك في النهاية الزبون عندما يكون هذا الأخير شخصا معنويا.

كما يجب على الأشخاص الخاضعين، إذا كان الزبون شخصا معنويا، التحقق بواسطة الوثائق والبيانات اللازمة من المعلومات الخاصة بتسميته وشكله القانوني ونشاطه وعنوان مقره الاجتماعي ورأسماله وهوية مسيريه والسلط المخولة للأشخاص المؤهلين لتمثيله إزاء الغير أو للتصرف باسمه بموجب وكالة وكذا هوية المستفيدين الفعليين. ويجب التحقق من طبيعة وموضوع العلاقة التجارية، وإجبار الأشخاص الخاضعين على تحيين ملف الزبون بشكل دائم، وإنهاء العلاقة عندما يرفض الأشخاص الخاضعون التقيد بتدابير اليقظة الواجبة.

هذا، وقد أصدر بنك المغرب المشار إليه في المادة 1-13 من القانون رقم 34-05 باعتباره السلطة المسؤولة عن المراقبة والإشراف على الأشخاص الخاضعين في إطار اختصاصه تعليمات للمؤسسات الائتمانية حول واجب الإلتزام باليقظة، كما أصدر مناشير للامتثال لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال، ومنها:

  • المنشور رقم 2/ج/2012 المتعلق بالالتزام باليقظة الواجبة لمؤسسات الائتمان؛
  • المنشور رقم 40/ج/2007 المتعلق بالمراقبة الداخلية؛

وفي نفس السياق أصدر مجلس القيم المنقولة منشورا في نفس الموضوع للمقاولات التي تخضع لمراقبته، وكذلك الشأن بالنسبة لمكتب الصرف الذي أصدر بدوره منشورا في هذا الصدد لمؤسسات صرف العملات.

كما أن مديرية الإشراف على الأبناك تولي أهمية كبيرة لموضوع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وعلى غرار باقي سلطات الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية الأخرى التي أعدت قوانين تنظيمية من أجل الامتثال للأحكام القانونية السارية، اعتمدت سلطة الرقابة على التأمين والرعاية الاجتماعية، والتي تعتبر المسؤولة عن الإشراف والرقابة على أنشطة منظمات التأمين وإعادة التأمين والرسملة، وقد أصدرت في هذا الصدد الرسالة الدورية رقم DAPS/EA 11  حول مكافحة غسل الأموال.

و في ديسمبر 2010، اعتمدت هيئة سوق الراسميل المغربية رسالة دورية حول واجب اليقظة  والرقابة الداخلية. وفي سنة 2013، أصدر مكتب الصرف منشورا تحت عدد: 9 يتعلق بالالتزامات المنوطة بمكاتب الصرف.

وتخضع المؤسسات والمهن غير المالية المحددة، لنفس الالتزامات المتعلقة باليقظة، كالتصريح بالاشتباه وغيره. ودون الإخلال بالعقوبات الأشد وبالعقوبات المنصوص عليها في التشريعات المطبقة عليهم، يمكن معاقبة الأشخاص الخاضعين ومعاقبة مسيريهم وأعوانهم، عند الاقتضاء، الذين يخلون بواجباتهم المنصوص عليها في إطار قانون مكافحة غسل الأموال، بعقوبة مالية تتراوح بين 100.000 و500.000 درهم، تصدرها ضدهم الهيئة التي يعملون تحت مراقبتها وفق المسطرة المطبقة عليهم لإخلالهم بواجباتهم أو بالقواعد والأخلاق المهنية.

وإذا لم يكن للشخص الخاضع هيئة إشراف أو مراقبة، فإن العقوبة المالية تصدرها الوحدة، التي يمكن الطعن في قراراتها طبقا لأحكام هذه المادة أمام المحكمة الإدارية المختصة.

ويتعرض مسيرو أو أعوان الأشخاص الخاضعين الذين بلغوا عمدا إلى الشخص المعني بالأمر أو إلى الغير إما التصريح بالاشتباه المتعلق به أو معلومات عن القرارات المتخذة في شأن هذا التصريح أو الذين استعملوا عمدا المعلومات المحصل عليها لأغراض غير الأغراض المنصوص عليها في قانون مكافحة غسل الأموال، ما لم تكن الأفعال جريمة معاقبا عليها بعقوبة أشد، للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي.

كما أنه إذا لم يقم شخص خاضع، إما بسبب تهاون خطير في اليقظة أو قصور في جهاز الرقابة الداخلي، بتنفيذ الالتزامات المقررة في هذا الباب، تحيل الوحدة الأمر على السلطة المخول إليها صلاحية مراقبة ومعاقبة الشخص المذكور، قصد إصدار عقوبات ضده، على أساس التشريع المطبق عليه.

وتبعا لما ذكرناه، فإننا نرى أنه من المستحسن إقامة حد بالنسبة للأداءات النقدية للأفراد والشركات المقيمة في المغرب من أجل التحويلات التجارية بين الشركات وبين هذه الأخيرة والأفراد. ومن شأن إقامة هذا الحد أن يجبر الشركات على الأداء في حالة تجاوزها هذه العتبة باستخدام أساليب تمكن من تتبع الآثار بطريقة سهلة (مثل الشيكات أو التحويلات أو الأداء بواسطة بطاقات الائتمان).

وبالنسبة للأفراد أو المؤسسات القانونية غير المقيمين في المغرب، فيجب التحقق من هوية المشتري قبل الإقدام على إجراء تحويلات تفوق أو تساوي الحد المقرر.

كما ينبغي إبلاغ وحدة معالجة المعلومات المالية بانتظام بكل الإيداعات لمبالغ نقدية كبيرة أو سحبها، لأنه من الضروري رصد هذا النوع من العمليات للكشف عن المحاولات المبكرة لانتهاك القانون، وأن يتم إصدار رقم تعريفي لجميع المعاملات الصرفية اليدوية التي تتجاوز مبلغا معينا.

رابعا -التعاون الدولي

تسمح المادة 37 من قانون مكافحة غسل الأموال رقم 43.05 للوحدة أن تتلقى وتعالج طلبات تجميد الممتلكات، بسبب جريمة إرهابية صادرة عن الهيئات الدولية المؤهلة لذلك، كما يمكن لها أن تأمر بتجميد هذه الممتلكات.

وبموجب القانون المذكور، يمكن للوحدة تبادل المعلومات المالية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب مع السلطات الأجنبية ذات الصلاحيات المماثلة، وذلك في إطار الاتفاقيات الدولية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب التي صادق عليها المغرب أو تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل.

كما تتبادل الوحدة المعلومات مع نظرائها الأجانب، استنادا إلى مبادئ مجموعة  Egmont، وذلك وفقا لمذكرة التفاهم أو على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وكذا استنادا إلى مجموعة GAFIMOAN، التي يعتبر المغرب عضوا مؤسسا لها (وهي مجموعة إقليمية لمجموعة العمل المالي العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا).

وعلى الصعيد الإقليمي، صادق المغرب أيضا على اتفاقيات مكافحة الإرهاب المعتمدة من قبل:

1- جامعة الدول العربية

2- منظمة التعاون الإسلامي.

3- اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للوقاية من الإرهاب ومكافحته.

كما يعتبر عضوا مؤسسا للملتقى الدولي ضد الإرهاب FMCT .

وفي هذا الإطار، فإننا نرى أن يتم اعتماد ما يلي:

1- إنشاء شبكة أو نقط اتصال متاحة 24 ساعة/24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع لتبادل المعلومات وتلقي المعلومات من الدول الأخرى للربط مع السلطات المختصة في المغرب لإجراء الأبحاث وتجميد الأصول. وعلى سبيل المثال، إنشاء ما يسمى بتجمع السلطات المختصة المعنية باسترداد الأموال ARIN وتشمل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، الشيء الذي سيمكن من اتخاذ إجراءات تجميد الأموال أو أي ممتلكات أخرى دون إبطاء وأن يكفل عدم استمرار ترك أموال أو أصول أخرى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بيد أي شخص أو كيان إرهابي. ويمكن أن يتم تعيين هذا التجمع ARIN من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو بإذن منه بموجب الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ووفقا للقرار 1267 والقرارات المتعاقبة، أو بمبادرة من الدول المعنية ​​بموجب القرار 1373.

2-  ضمان التجميد الفوري للأموال والممتلكات الأخرى، وضمان عدم إتاحة أموال أو ممتلكات أخرى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بيد أي شخص أو كيان إرهابي.

الخاتمة:

إن ملاءمة القانون الداخلي مع المعايير الدولية في مجال مكافحة جرائم تمويل الإرهاب، يشكل استراتيجية دولية يجب على كل الدول الانخراط فيها لاعتبارات تتعلق بالتصدي بصفة عامة للجرائم المستحدثة، وبصفة خاصة للجرائم المنظمة التي توسعت وتطورت آليات ارتكابها باستعمال تقنيات حديثة  سواء على مستوى المصارف أو على مستوى الشبكة المعلوماتية والأنظمة المتطورة للاتصالات، فأضحى من اللازم تضافر جهود المجتمع الدولي ممثلا بهيئاته لإبرام الاتفاقيات وإصدار توصيات لمواجهة هذا الخطر الحاذق، فضلا عن التشريعات الوطنية. فخطورة الظاهرة كانت دافعا قويا لتوحيد التشريعات لتجريمها وكبح جماحها واقتفاء أثر مقترفيها ومعاقبتهم.

ولئن كان يبدو من السهل على الجماعات الإرهابية وبشكل متزايد الوصول إلى الأموال، فإن الدول تحتاج إلى أن تكون أكثر فعالية في جهودها الرامية إلى مكافحة تمويل الإرهاب، وأن تقوم بدورها الاستباقي من خلال إنشاء ما يسمى “بالمخاطبين الأحاديين”، أي “تجمع السلطات المختصة المعنية باسترداد الأموال” ARIN[33]، من أجل تحديد وإيجاد سبل للبحث في القضايا المرتبطة بالتمويلات غير المشروعة الخاصة بالجريمة المنظمة، والإرهاب، والجماعات الإرهابية.

وفيما يتعلق بالتطبيق الأكثر فعالية لأوامر التجميد والمصادرة في أسرع وقت ممكن من أجل استرداد الأموال، فيمكن اعتماد نظام للاعتراف المتبادل UN SYSTEME DE RECONNAISSANCE MUTUELLE.

كما نقترح في هذا الصدد ما يلي:

1- إنشاء شبكة معلومات خاصة من أجل تبادل المعلومات على نحو فعال لمكافحة تمويل الإرهاب.

2- إنشاء نظام للاعتراف المتبادل بقرارات التجميد والمصادرة بهدف الحد من التأخيرات والإجراءات القانونية المعقدة لمكافحة تمويل المجرمين والإرهابيين واسترجاع الأموال.

3-  القيام بتعديلات تشريعية (بالنسبة للبلدان التي لا تتوفر تشريعاتها على هذه المقتضيات) من أجل ضمان تنفيذ طلبات السلطات القضائية الأجنبية بتجميد ومصادرة الممتلكات وقرارات المصادرة دون وجود حكم بالإدانة.

4-  ضرورة الموافقة على نظام مصادرة قائم على القيمة ولا يتطلب ضرورة وجود حكم أو قرار بالإدانة.

5- أن تقوم وحدات الاستخبارات المالية بإيجاد آليات أكثر فعالية لإبراز المخاطر التي يتعرض لها القطاع المالي الدولي والمؤسسات والمهن غير المالية المعنية EPNFD [34].

6- يجب تركيز استراتيجيات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المعاملات المالية النقدية espèces،  كما يجب أن يؤخذ في الاعتبار تحركات السلع مثل المواد الخام الثمينة والتحف الفنية.

7 – بذل المزيد من اليقظة بخصوص الأموال النقدية المجهول صاحبها وتشجيع استخدام بطاقات الائتمان والأداء عبر الإنترنت، والتي يمكن تتبعها.

8 – تطبيق قرارات مجلس الأمن 1267 و 1373 و 2178 (بخصوص بعض الدول التي لا تطبقها بعد).

9 – تنفيذ المقتضيات المتعلقة بمنع وقمع ووقف انتشار أسلحة الدمار الشامل وتمويلها (بالنسبة للدول التي لا تتقيد بذلك)، فضلا عن ضمان تجميد الأموال والممتلكات الأخرى دون تأخير، والتأكد من عدم إتاحة أي أموال أو ممتلكات أخرى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لفائدة أي شخص أو كيان إرهابي.

 

تم بحمد الله.

[1] – Marcelle Padovani, une journaliste française, spécialiste de la gauche et de la vie politique italienne, elle a des œuvres sur la mafia sicilienne …etc.

[2] – صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب بموجب الظهير الشريف رقم 1.02.131 صادر في 7 شوال 1423 (12 دجنبر 2002)، منشور بالجريدة الرسمية رقم 5104 الصادرة يوم الخميس 1 ماي 2003.المفهوم الدولي.

[3] – المادة 2 (الفقرة 1) من اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب لسنة 1999.

[4] – Thèse en vue de l’obtention du grade de Docteur en Droit, présentée par Kevin Constant KATOUYA, sous titre “Réflexions sur les instruments de droit pénal international et européen de lutte contre le terrorisme”, Université Nancy2-Faculté de droit, sciences économiques et gestion, p 205-206.

[5]  – صادق المغرب على الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب في 19 سبتمبر 2002، والجزائر في 8 نوفمبر 2001 ومصر في 1مارس 2005 والأردن في 28 غشت 2003 وتونس في 10 يونيه 2003، غير أن لبنان لم يوقع أو يصادق عليها.

[6] – أنظر التوصيات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب على الموقع الإلكتروني التالي: www.oecd.org/gafi

[7] – استبيان التقييم الذاتي بشأن تمويل الإرهاب: أنظر الموقع التالي:

http://www1.oecd.org.fatf/pdf/SAQTF03_en.doc

[8] – التوصيات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب، التوصية الثالثة.

[9] – مجموعة العمل المالي، المذكرات الإرشادية، الفقرة رقم 14.

[10] – مجموعة العمل المالي، المذكرات الإرشادية، الفقرة رقم 15.

[11] – مجموعة العمل المالي، المذكرات الإرشادية، الفقرة رقم 16.

[12] – عادل محمد السيوي: “التعاون الدولي في مكافحة جرمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، شركة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2010، ص 148 و149.

[13] – المذكرات الإرشادية، مجموعة العمل المالي، الفقرة 32.

[14] – المذكرة التفسيرية للتوصية السابعة http://www1.oecd.org/fatf/pdf/INSR7-en.pdf

[15] – استبيان التقييم الذاتي بشأن تمويل الإرهاب http://www1.oecd.org.fatf/pdf/SAQTF03_en.doc

[16] – عادل محمد السيوي: “التعاون الدولي في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، المرجع السابق، ص145.

[17]  – التوجيه 2014/42/EU للبرلمان الأوروبي والمجلس بتاريخ 3 أبريل 2014 المتعلق بتجميد ومصادرة الوسائل والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة بداخل الاتحاد الأوروبي.

[18]  – قرار مجلس الأمن 1373، الذي يدعو جميع الدول إلى تكييف قوانينها الوطنية من أجل التصديق على جميع الاتفاقيات الدولية القائمة المتعلقة بالإرهاب. وينص القانون على أنه يجب على جميع الدول أن “تكفل أن تكون أعمال الإرهاب هذه جرائم خطيرة في القوانين والأنظمة الوطنية وأن تكون العقوبة المفروضة متناسبة مع جسامة تلك الأفعال”. وبالإضافة إلى ذلك، يقتضي قرار مجلس الأمن 1373 من جميع الدول أن تضع، ​​كجريمة، “حكما متعمدا من جانب مواطنيها أو جمعها، بأي وسيلة كانت، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، للأموال المقصودة الاستخدام أو المعروف أنه سيستخدم لارتكاب أعمال إرهابية “و” أن تجمد دون تأخير الأموال والأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية للأشخاص الذين يرتكبون أعمالا إرهابية أو يحاولون ارتكابها، المشاركة فيه ”

 

[19] قرار مجلس الأمن 2178: تقدر الأمم المتحدة أن 30،000 شخصا في حوالي 100 دولة سافروا إلى بلدان مثل العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا واليمن منذ عام 2011 للانضمام إلى القوات المسلحة المتطرفة، ولا سيما تنظيم الدولة الإسلامية. ويدعو قرار مجلس الأمن 2178، المؤرخ 24 سبتمبر 2014، جميع أعضاء الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف “التهديد الهائل والمتنامي الذي يشكله المقاتلون الإرهابيون الأجانب” في الداخل والخارج. ويلزم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمقاضاة كل من يلتحق أو يحاول الالتحاق بمنظمة إرهابية أو التدريب على ارتكاب أفعال إرهابية، وأن تعتبر ذلك “جريمة خطيرة. “ويعرف “المقاتلون الإرهابيون الأجانب” في قرار مجلس الأمن بأنهم “الأشخاص الذين يسافرون إلى دولة غير دولة إقامتهم أو جنسيتهم بقصد ارتكاب أعمال إرهابية أو تنظيمها أو إعدادها، أو على المشاركة في التدريب أو توفيره أو تلقيه، بما في ذلك ما يتعلق بالنزاع المسلح “. ويشير إلى تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة (وهي منظمة تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا) التي تسمى الآن جبهة الفتح في بلاد الشام)، ولكنها تترك للحكومات تحديد المجموعات الأخرى التي ترغب في استهدافها. ولأغراض هذه المادة، يطلب قرار مجلس الأمن رقم 2178 من الدول الأعضاء معاقبة أي جمع أموال أو تجنيد مباشر أو غير مباشر للجماعات الإرهابية الأجنبية.

[20] – كانت مجموعة العمل المالي قد صنفت المغرب في اجتماعها الذي عقد في 18 فبراير 2013 بباريس ضمن اللائحة الرمادية القاتمة؛ نظرا لعدم استجابته للتعديل المطلوب والمتعلق بتجريم تمويل الإرهاب بما يتطابق مع المعايير الدولية. وتنص توصية مجموعة العمل المالي على تجريم تمويل الشخص الإرهابي والمنظمة الإرهابية =    =دون ربط ذلك بأي فعل إرهابي.وفي هذا السياق، أوضح وزير الداخلية المغربي آنذاك، أنه تقرر تعديل القانون المتعلق بتجريم تمويل الإرهاب، وذلك لمعالجة أوجه قصور التشريع المغربي في هذا المجال، وتفادي الانعكاسات الوخيمة التي قد تترتب على تصنيف المغرب ضمن لوائح أكثر سلبية في حالة عدم اعتماد التعديل المطلوب، لا سيما بالنسبة للاقتصاد والقطاع المالي.. الأمر الذي قد تكون له عواقب غير مقبولة على صعيد المعاملات المالية الخارجية في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تحسين مناخ الأعمال وتقوية قدرته التنافسية. وأضاف وزير الداخلية لذي كان يتحدث أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، السياق الذي جاء فيه هذا التعديل، وقال إنه من الانطلاق من نتائج تقييم التشريعات المغربية لمكافحة غسل الأموال من طرف مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2007، تم اعتماد القانون المغير، والمتمم لقانون مكافحة غسل الأموال لملاءمته مع توصيات المجموعة المذكورة، بيد أنه بعد الزيارة التي قام بها للمغرب خبراء من مجموعة «اغمونت» التي تعتبر إطارا للتعاون الدولي بين وحدات معالجة المعلومات المالية التي تستجيب للمعايير الدولية، اتخذت مجموعة العمل المالي في اجتماعها المنعقد في فبراير من العام الماضي، قرارا يقضي بالشروع في إخراج المغرب من لائحتها السلبية بعد أن تأكد المقيمون من معالجة المغرب لأوجه القصور التي تعتري منظومته لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلا أن البدء في إجراء إخراج المغرب من اللوائح السلبية تم تأجيله، يضيف الوزير، بسبب موقف المقيمين الدوليين القاضي بعدم مطابقة تجريم تمويل الإرهاب في التشريع المغربي للتوصية الخاصة الثانية لمجموعة العمل المالي، التي تقضي بتجريم تمويل الشخص الإرهابي والمنظمة الإرهابية بغض النظر عن ارتكاب الفعل الإرهابي، مشيرا إلى أن هذا القرار جاء بعد أن اعتبر فريق التعاون الدولي التابع لمجموعة العمل المالي أن التعريف المغربي لتمويل الإرهاب لا يتلاءم تشريعا وممارسة مع متطلبات المجموعة . كما أوضح أن مجموعة العمل المالي في اجتماع لها عقد في يونيو عام 2011، كادت أن تقرر إدراج المغرب ضمن اللائحة الأكثر سلبية لعدم معالجة القصور الذي ما زال قائما على مستوى تجريم تمويل الإرهاب، إلا أنه تم تعليق هذا القرار بفضل تعهد المغرب من خلال رسالة صادرة عن وزير المالية يلتزم بموجبها بإدخال التعديل المتبقي على القانون الجنائي في أقرب وقت ممكن، بما يستجيب لهذه التوصية. وأشار إلى أن «خروج المغرب من اللوائح السلبية لمجموعة العمل المالي يبقى رهينا بمعالجة نقطة وحيدة ترتبط بتوصية يعتبرها المقيمون الدوليون استراتيجية وتتعلق بتجريم تمويل الإرهاب بما يتطابق مع المعايير الدولية من خلال تجريم تمويل الشخص الإرهابي والمنظمة الإرهابية دون ربط ذلك بأي فعل إرهابي محدد وفقا لما تنص علية توصيات مجموعة العمل المالي».

– هذا المقال منشور بجريدة الشرق الأوسط، ويمكن الاطلاع عليه بالجريدة الإلكترونية: تطوان نيوز بتاريخ 28/02/2013.

 

[21]  – GAFIMOAN: هي منظمة تطوعية وتعاونية، تم إنشاؤها سنة 2004، وهي مجموعة إقليمية تابعة لمجموعة العمل المالي GAFI تعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتهدف إلى:

– اعتماد وتنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي الأربعين بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛

– تنفيذ معاهدات واتفاقات الأمم المتحدة ذات الصلة وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛

– العمل بصورة مشتركة مع الدول لتعزيز الالتزام بالتوصيات المذكورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعمل مع المنظمات الدولية الأخرى في هذا الإطار؛

– العمل بصورة مشتركة نع الدول لتحديد قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب الإقليمية، وتبادل الخبرات حول هذه القضايا وتطوير الحلول الإقليمية لمعالجتها؛

– اتخاذ تدابير فعالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة، على نحو فعال وبما يتفق مع القيم الثقافية المحددة للإطار الدستوري والنظم القانونية للبلدان الأعضاء؛

ويعتبر المغرب هو أحد الأعضاء المؤسسين لـ GAFIMOAN ويشارك بنشاط في مختلف أنشطة هذه المجموعة. لمعرفة المزيد: http://www.menafatf.org/

Groupe Egmont -[22] مجموعة “إغمونت”، هي هيئة موحدة مكونة من 156 وحدة استخبارات مالية وتوفر منبرا لتبادل الخبرات والاستخبارات المالية بشكل آمن لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.ويكتسي هذا أهمية خاصة لأن وحدات الاستخبارات المالية في وضع فريد يمكنها من التعاون ودعم الجهود الوطنية والدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، وهي قناة موثوق بها لتبادل المعلومات المالية على الصعيدين الوطني والدولي، ومعايير مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

وتواصل مجموعة “إيغمونت” دعم الجهود التي يبذلها شركاؤها الدوليون وغيرهم من أصحاب المصلحة لتنفيذ قرارات وإعلانات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ووزراء مالية مجموعة العشرين، وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية. ويمكن لمجموعة “إيغمونت” أن تضيف قيمة لعمل وحدات التحريات المالية في البلدان الأعضاء من خلال تعميق فهم مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب داخل الأطراف المعنية. كما يمكن للمنظمة أن تستفيد من خبرتها التشغيلية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة العامة، بما في ذلك تطبيق معايير مكافحة غسيل الأموال.

وتدرك مجموعة “إيغمونت” أن تقاسم المعلومات المالية له أهمية قصوى وأصبح حجر الزاوية في الجهود الدولية لمكافحة غسيل الأموال، يتعين على وحدات الاستخبارات المالية في جميع أنحاء العالم تبادل المعلومات والمشاركة في التعاون الدولي كمنتدى دولي حول الاستخبارات المالية، وتسهل مجموعة “إيغمونت” وتشجع هذه التبادلات بين وحدات التحريات المالية الأعضاء.

 

[23] – ليندا بن طالب: “غسل الأموال وعلاقته بمكافحة الإرهاب- دراسة مقارنة”، دار الجامعة الجديدة 38-40 ش سوتير-الأزاريطة- الإسكندرية، طبعة 2011، ص159.

[24] – يوسف بناصر: “الجريمة الإرهابية بالمغرب وآليات المكافحة القانونية”، الجزء الأول، مطبعة دار القلم، 2004، ص100.

[25] – L’article 2-2-421 stipule ce qui suit: “constitue également un acte de terrorisme le fait de financer une entreprise terroriste en fournissant, en réunissant ou en gérant des fonds, des valeurs ou des biens quelconques ou en donnant des conseils à cette fin, dans l’intention de voir ces fonds, valeurs ou biens utilisés ou en sachant qu’ils sont destinés à être utilisés, en tout ou partie, en vue de commettre l’un quelconque des actes de terrorisme prévus au présent chapitre, indépendamment de la survenance éventuelle d’un tel acte”.

[26] – أبو الفتح الغنام، الإرهاب وتشريعات المكافحة في الدول الديمقراطية، مجموعة الرسائل العلمية، 1981، ص290.

[27] – محمود صالح العدلي، موسوعة القانون الجنائي للإرهاب، دار الفكر الجامعي، 2005، ص133.

[28] – تنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 199، على ما يلي:

“..ويقصد بتعبير “العائدات” أي أموال تنشأ أو تحصل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من ارتكاب جريمة من الجرائم المشار إليها في المادة الثانية”.

[29] – والتي هي عملة ونظام دفع عالمي، يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى، كالدولار واليورو،  لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها،  وهي أول عملة رقمية لامركزية – فهي نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها. وتتم المعاملات بشبكة ” بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير. يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عُقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل. اخترع “البيتكوين” شخص غير معروف أو مجموعة من الناس عرف باسم ساتوشي ناكاموتو وأُصدِر كبرنامج مفتوح المصدر في عام 2009.

يتم إنشاء البيتكوين كمكافأة لعملية تعرف باسم التعدين. ويمكن استبدالها بعملات ومنتجات وخدمات أخرى. واعتبارا من فبراير 2015، فقد اعتمد أكثر من 100,000 تاجر وبائع “البيتكوين” كعملة للدفع. وتشير تقديرات البحوث التي تنتجها جامعة كامبريدج إلى أنه في عام 2017، هناك ما بين 2.9 إلى 5.8 مليون مستخدم يستعمل محفظة لعملة رقمية، ومعظمهم يستخدمون “البيتكوين”.

ومعلوم ان المغرب، وحسب بلاغ لوزارة الاقتصاد والمالية، يعتبر ان المعاملات بهذه النقود الافتراضية يشكل مخالفة لقانون الصرف الجاري به العمل ويعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات المنصوص عليها في النصوص ذات الصلة. كما أنه وحسب بلاغ صحفي مشترك لوزارة الاقتصاد والمالية وبنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الراسميل حول استعمال العملات الافتراضية، وذلك بتاريخ 21 نونبر 2017، فقد تم التأكيد أنه على إثر بعض المقالات التي صدرت مؤخرا في الصحف الوطنية، معلنة أن عددا من منصات التبادل الإلكتروني في المغرب أصبحت تقبل التعامل بعملة “البيتكوين”، كوسيلة أداء لشراء السلع والخدمات. تحذر السلطات المذكورة من استعمال هذا النوع من وسائل الأداء. مضيفة ان مثل هذه الإعلانات قد تؤدي إلى خلق الالتباس لدى العموم، موهمة أن السلطات النقدية تعتمد هذه العملات الافتراضية كوسيلة أداء. مذكرة أن العملات الافتراضية أو العملات المشفرة هي وحدة حساب لامركزية، لا يتم إصدارها من طرف دولة أو اتحاد نقدي، بل من قبل مجموعة من الأشخاص (ذاتيين أو معنويين)، استنادا إلى سجل يضم كافة المعاملات ويتم تحيينه على مستوى جميع وحدات الشبكة (تقنية قاعدة البيانات التسلسلية). يتم تبادل العملات الافتراضية على الانترنيت فقط، وبالتالي فلا وجود لها في شكل قطع أو أوراق نقدية.

[30] –  هو ما أكده البلاغ الصحفي المشترك المذكور أعلاه.

[31] – نور السعيد الحجوي:”جريمة تمويل الإرهاب في القانون المغربي والمقارن”، المرجع السابق، ص53.

[32] – مرسوم رقم 2.08.572 صادر في 25 من ذي الحجة 1429 (24 ديسمبر 2008) يتعلق بإحداث وحدة لمعالجة المعلومات المالية؛ الجريدة الرسمية عدد 5698 بتاريخ 11 محرم 1430 (8 يناير 2009)، ص 51.

[33]ARIN: « Assets Recovery Interagency Network » Groupement des autorités compétentes en matière de recouvrement d’avoirs

 

[34] – Entreprises et professions non financières désignées.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى