عثمان تالمة : تشكيل المجلس الأعلى للأمن على ضوء أزمة كوفيد – 19
تشكيل المجلس الأعلى للأمن على ضوء أزمة كوفيد – 19
عثمان تالمة
باحث في افتحاص إدارات الدولة والجماعات الترابية
جامعة الحسن الأول – سطات
يعتبر الافتحاص في ميدان التقليص من مخاطر الكوارث أحد المهام الرقابية التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات سنة 2016، حيث عمل على تقييم فعالية الأجهزة والآليات الموضوعة من طرف السلطات العمومية لأجل الوقاية من الكوارث، وكذا تقييم التكاليف المتعلقة بها، وهو ما يتطلب تفحصا شاملا لدورة تدبير المخاطر (تقييم المخاطر والتوقع والوقاية والتدبير وإعادة التأهيل واستخلاص العبر من التجربة والتكوين من أجل اكتساب ثقافة المخاطر…).
وكشف التقرير الذي نشره المجلس الأعلى للحسابات، ما اعتبره نهج مقاربة تعتمد على “رد الفعل” بدل “نهج استباقي”، إذ ظل الاهتمام بالأساس منصب على تدبير الحالات الاستعجالية عند ظهورها بدلا من الاهتمام بتدابير الوقاية من المخاطر قبل حدوث الكارثة. كما تم تسجيل عدم دمج أي سياسة في مجال الوقاية في الاستراتيجيات التنموية المعتمدة وعدم تخصيص الوسائل الضرورية للتقليص من مخاطر الكوارث في الميزانيات.
وعلى الرغم من الوضع القاتم الذي سجله المجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بالموضوع السالف ذكره، فإن الدولة المغربية تعاملت بحكمة كبيرة في محاربة فيروس “كورونا”، شهدت بها منابر إعلامية عالمية، وخاصة إعلان الحجر الصحي في وقت مبكر مع إطلاق رزمة من التدابير الاجتماعية للتخفيف من وطأة تكاليف هذا الحجر الصحي على المواطنين.
وتماشيا مع موضوع هاته الورقة واستكمالا للبناء الدستوري والمؤسساتي، فقد نصت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 في الفصل 54 (الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011 ، بتنفيذ دستور المملكة المغربية الجديد، والمنشور بالجريدة الرسمية في 30 يوليوز ) ، على إحداث مؤسسة جديدة لأول مرة تعزز مسار بناء السياسات الأمنية ببلادنا. فبمنطوق ذات الفصل فإنه: “يحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن إستراتجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. ويرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. كما يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية والشؤون الخارجية والعدل وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره“.
وقد ورد هذا المجلس ضمن هندسة الباب الثالث المتعلق بالملكية وموقعها الدستوري، كما أنه ترتيب يقع بين القيادة العليا للقوات المسلحة والديبلوماسية، باعتبارهما مجالين سياديين بلا منازع أو لبس أو تأويل، ليصبح بمنطوق دستور 2011 هو المخول بتنفيذ السياسات الأمنية والتشاور في شأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي، فالتنصيص الجديد على هذه المؤسسة التي تم إحداثها لأول مرة في الحياة الأمنية والسياسية المغربية نظرا لأهميتها وحساسيتها، تم مباشرة في الوثيقة الدستورية مما أعطاه مصداقية وصبغة دستورية محضة. لكن هذا المجلس الذي يترأسه الملك شخصيا وبعد مرور تسع سنوات، لم يدرج في أجندة المخطط التشريعي للحكومة التي استنفرت تنزيل الدستور، دون أن يكشف عن الأسباب الحقيقية لذلك.
هذه المؤسسة هي المؤهلة وفقا للدستور لإدارة الأزمات و الكوارث التي قد يعرفها المغرب لا قدر الله، مثل وباء كورونا المستجد. لقد حان الوقت للإسراع بتشكيل المجلس الأعلى للأمن ، الذي ينتظر منه اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لحماية المواطنين ضد الأزمات و أيضأ حماية أمن الدولة و مصالحها العليا ، سواء كانت هذه المصالح عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.
من أهم دروس أزمة كورونا أن ننتبه إلى أنه قد آن الأوان لتشكيل هذا المجلس الذي كان مقترحا رئيسيا لحزب سياسي تم التوافق بشأنه وتم إدماجه في الدستور الحالي، غير أنه بقي حبرا على ورق، لأسباب راجعة حسب رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن ، إلى كون منسوب الثقة في المقاربة التشاركية لازال يحتاج إلى مزيد من الإنضاج، خاصة وأن هذا التماطل القسري صادف فشل التجربة الحكومية ومعها فشل السياسات العمومية في استيعاب حيوية الشأن الأمني، في حين يعتقد أحد الباحثين في القانون الدستوري أن من طبيعة القرارات الأمنية أنها تحظى بتكتم شديد، ومن شأن إحداث مجلس الأمن أن ينهي احتكار المؤسسات الأمنية للمعلومات وهذا ما لا يمكن أن يتم المغامرة به.
على خلاف ذلك يعتبر الباحث في الشؤون الأمنية محمد شقير أن إحداث هذا المجلس مرتبط بالزمن السياسي، فهو ليس المجلس الوحيد الذي تأخرت مأسسته، وعدم ظهوره للعلن، بل إن الأمر ينطبق على مجموعة من الهيئات التي تم التنصيص عليها في دستور 2011، ولم تخرج إلى حيز الوجود.
هذا مع العلم أن الدستور أكد على إخراج حميع المؤسسات الدستورية إلى حيز الوجود وتحيين قوانينها في ظل الولاية التشريعية الأولى للبرلمان المغربي بعد المصادقة على الدستور. مع العمل أيضا على توسيع مفهوم الأمن الكلاسيكي المبني على مواجهة تهديدات الارهاب والجريمة المنظمة، ليشمل الأمن الصحي والغذائي والطاقي وغيرها.
الملك في خطاباته كان دائما سباقا إلى تنبيه المشرع المغربي بضرورة تفعيل مؤسسات دستور 2011 ووضع اللبنات القانونية لخروج المؤسسات الدستورية حيز التنفيذ والتطبيق وأهمها المجلس الأعلى للأمن. فبعد مرور تسع سنوات لم يتم إحداث المجلس الأعلى للأمن الذي يندرج ضمن مسلسل تنزيل الدستور الجديد الذي نص على إحداثه في فصله 54، وإخراج نظامه الداخلي، كي يضطلع بالمهام الدستورية الموكولة إليه، بما يفضي إلى تعزيز آليات دعم أمن المغرب والمغاربة وتحقيق الفاعلية الأمنية وإدارة الملفات الحساسة وتدبير الأزمات.
وفي ظل التطورات الأمنية المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم، وحجم المخاطر والتحديات الكبيرة الداخلية والخارجية التي تحيط ببلادنا أصبح من الضروري الإسراع، قبل أي وقت مضى، إلى إخراج هذه المؤسسة الدستورية وبالتالي مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجديدة، في أقرب فرصة ممكنة، وبالتالي يمكنني اعتبار أزمة كورونا اختبار حقيقي لقدرتنا على رفع المعنويات والتضامن الشعبي، ومحطة مهمة للتفكير في مأسسة تدبير الأزمات، وإخراج المجلس الأعلى للأمن إلى حيز الوجود ليكون الأداة المؤسساتية التي تشرف على تدبير السياسات الكبرى في مجال الأمن القومي.
وبما أن “المناسبة شرط” فإنني أستحضر وبقوة ورش الإصلاح الوطني، ونعني به اللجنة المكلفة بإعداد تصور لنموذج تنموي جديد، وأن جائحة فيروس “كورونا” يجب أن تُعتبر محفزا لتعميق النقاش والدراسة، وبالتالي يجب الاعتماد على جميع نتائج وتداعيات أزمة كورونا في مخرجات لجنة النموذج التنموي.
وفي الختام نأمل أن يكون تفعيل قرار تشكيل المجلس الأعلى للأمن من بين القرارات التي سيتخذها المغرب مباشرة بعد خروجنا من أزمة كورونا بحول الله.
نسأل الله اللطف بهذا البلد وبالعالم كله.