في الواجهةمقالات قانونية

الخصوصية الموضوعية لجريمة تزييف براءة الاختراع والعلامة التجارية – الدكتور : يوسف البار دكتور في القانون الخاص

 

الخصوصية الموضوعية لجريمة تزييف براءة الاختراع والعلامة التجارية

The objective specificity of the crime of counterfeiting a patent and trademark

الدكتور : يوسف البار

دكتور في القانون الخاص

ملخص:

تضم الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الصناعية تشكيلة واسعة من جرائم التزييف التي تعتبر بحق أكبر تهديد لحقوق الملكية الصناعية، ولعل من أكثر هذه الجرائم شيوعا ومساسا بحقوق الملكية الصناعية نجد كل من جريمتي، جريمة تزييف براءة الاختراع وجريمة تزييف العلامة التجارية، مع إبراز خصوصية التجريم التي يتسم بها هذا النوع من الجرائم.

    وترجع أهمية دراسة جريمة التزييف لكون هذا النوع من الجرائم يهدد استقرار الاقتصاد العالمي والوطني ويكبد الشركات والمستهلكين سنويا خسائر كبيرة، وأكثر من ذلك قد يكون سبب مباشرا في حصد الأرواح، خصوصا أن أنشطة المزيفين لم تعد تقتصر على السلع الفاخرة بل باتت تطال المنتجات الاستهلاكية بما فيها السلع اليومية كالغذاء والأدوية ومستحضرات التجميل، فهذا النشاط لا يعد خرقا للقانون فحسب بل يمثل تهديدا جديا لصحة الجمهور وسلامته، هذا ما استوجب سن نصوص جنائية مرنة من شأنها استيعاب خطورة هذا الصنف من الإجرام.

 

Abstract:

Crimes related to industrial property rights include a wide variety of counterfeiting crimes, which are truly considered the greatest threat to industrial property rights. This type of crime.

The importance of studying the crime of counterfeiting is due to the fact that this type of crime threatens the stability of the global and national economy and incurs large losses to companies and consumers annually. Daily commodities such as food, medicine, and cosmetics. This activity is not only a violation of the law, but also represents a serious threat to the health and safety of the public. This necessitated the enactment of flexible criminal texts that would accommodate the seriousness of this type of crime.

 

مقدمة

    أفرز تطور المجتمع على مختلف المستويات مجموعة من المصالح الجوهرية وهو ما استدعى ضرورة حماية هاته القيم المستجدة من خلال تدخل الآلة الجنائية، وبالتالي أسفر ذلك عن وجود فرع جديد من فروع القانون هو القانون الجنائي للأعمال، الذي يتميز بخصائص ومميزات تتماشى مع الخصوصية التي تطبع الميدان الاقتصادي، ولعل من أهم المصالح التي اهتم بحمايتها نجد حقوق الملكية الصناعية.

    فحقوق الملكية الصناعية هي تلك الحقوق الواردة على مبتكرات جديدة كالمخترعات و النماذج الصناعية أو شارات مميزة تستخدم في تمييز المنتجات و الخدمات- علامات التجارة أو الصنع أو الخدمة- أو في تمييز المنشآت أو المحلات التجارية – الاسم التجاري- و تمكين صاحبها من الاستغلال الاستئثاري بابتكاره أو علامته التجارية أو اسمه التجاري في مواجهة الكافة[1].

    وتتمتع حقوق الملكية الصناعية بحماية مهمة على المستوى الدولي وذلك لما للاتفاقيات الدولية من قوة على القانون الداخلي بعد أن يتم إبرامها و المصادقة عليها، حيث عقدت العديد من الاتفاقيات الخاصة بهذا الشأن ، كان أهمها اتفاقية باريس لحماية حقوق الملكية الصناعية لسنة 1883 وقد بدأ سريانها في 7 نونبر 1884[2] التي تمثل العمود الفقري لسائر الاتفاقيات اللاحقة لها، وأصبح المغرب طرفا في هذه الاتفاقية بتاريخ 30 يونيو 1917[3] بالإضافة إلى اتفاقية الغات لسنة 1994 لحماية حقوق الملكية الصناعية ، كما صدر عن هذه الاتفاقية ملحقا يسمى trips و المتعلق بالجانب التجاري في مجال الملكية الفكرية و خصوصا الملكية الصناعية بما في ذلك تقليد العلامة التجارية و براءات الاختراع.

    وفي إطار مواكبة التشريع المغربي للمتغيرات الدولية المتمثلة في عولمة الاقتصاد و مستلزمات الانفتاح على الأسواق الخارجية و تدويل المبادلات التجارية العالمية خصوصا بعد التوقيع على اتفاقية الغات بمراكش سنة 1994، عمل المشرع المغربي على تحيين و تحديث ترسانته القانونية و القضائية عبر إصدار قانون رقم 17.97 الذي صدر سنة 2000، ودخل حيز التنفيذ بتاريخ 18 ديسمبر 2004، وجرى تتميمه وتعديله بتاريخ 14 فبراير 2006 ثم بتاريخ 21 نوفمبر 2014، و ذلك من أجل التصدي لكل اعتداء من شأنه أن يطال هذه الحقوق خاصة أن الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الصناعية تضم تشكيلة واسعة من جرائم التزييف[4] التي تعتبر بحق أكبر تهديد لحقوق الملكية الصناعية، و التي عرفها المشرع المغربي من خلال القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية بموجب الفقرة الأولى من المادة 201[5].

    وترجع أهمية دراسة جريمة التزييف لكون هذا النوع من الجرائم يهدد استقرار الاقتصاد العالمي والوطني ويكبد الشركات والمستهلكين سنويا خسائر كبيرة، وأكثر من ذلك قد يكون سبب مباشرا في حصد الأرواح، خصوصا أن أنشطة المزيفين لم تعد تقتصر على السلع الفاخرة بل باتت تطال المنتجات الاستهلاكية بما فيها السلع اليومية كالغذاء والأدوية ومستحضرات التجميل، فهذا النشاط لا يعد خرقا للقانون فحسب بل يمثل تهديدا جديا لصحة الجمهور وسلامته[6].

غير أنه بالنظر لشساعة الموضوع، فإننا ارتأينا التركيز على نموذجين من جرائم الملكية الصناعية- جريمة تزييف براءة الاختراع، جريمة تزييف العلامة التجارية- نظرا لخطورتهما وتفشيهما على مستوى المجتمع.

    أمام هذه الخطورة المتزايدة لهذا النوع من الجرائم نجد أنفسنا أمام سؤال يفرض نفسه بقوة يتجلى في إلى أي حد استطاع المشرع المغربي من خلال الإطار التشريعي والعمل القضائي توفير حماية فعالة لحقوق الملكية الصناعية من تزييف كل من براءة الاختراع والعلامة التجارية؟

    للإحاطة بالموضوع سنعمل على تقسيم دراستنا إلى مبحثين أساسيين، سنتناول في الأول جريمة تزييف براءة الاختراع (المبحث الأول) في حين سنخصص (المبحث الثاني) لإبراز خصوصية جريمة تزييف العلامة التجارية.

 

 

 

المبحث الأول: جريمة تزييف براءة الاختراع

    للحديث عن جريمة تزييف براءة الاختراع يتطلب منا الأمر تحديد بشكل دقيق أركان هاته الجريمة والخصوصيات التي تتسم بها (المطلب الأول) ثم ننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الأثر القانوني الذي يترتب عن مخالفة المفترض الواقعي المتضمن في النص الجنائي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: البنية القانونية لجريمة تزييف براءة الاختراع

   إن تحديد محتوى المسؤولية الجنائية عن جريمة تزييف براءة الاختراع يقتضي تحليل أركانها المكونة لها التي تشكل محتواها الموضوعي والذاتي (المطلب الأول) تم ننتقل بعد ذلك للحديث عن الأثر القانوني الذي يترتب عن مخالفة التكليف المتضمن في النص الجنائي (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: عناصر جريمة تزييف براءة الاختراع

    إذا كانت الجرائم عموما تتطلب وجود ركن مادي وأخر معنوي فإن البعض الأخر يتطلب إلى جانب هذين الركنين شرطا مفترضا يمثل أرضية يبني عليها التجريم (الفقرة الأولى) بالإضافة إلى ضرورة إتيان نشاط مادي ينصب على الأفعال التي تشكل تعديا على براءة الاختراع المنصوص عليها بصريح المادتين 53 و54 من قانون الملكية الصناعية (الفقرة الثانية) وضرورة توفر كيان معنوي يرتبط بشخصية الجاني ومسلكه النفسي (الفقرة الثالثة).

 

الفقرة الأولى: الركن المفترض في جريمة تزييف براءة الاختراع

    إذا كانت الجرائم عموما تتطلب وجود ركن مادي وأخر معنوي فإن البعض الأخر يتطلب إلى جانب هذين الركنين شرطا مفترضا يمثل أرضية يبني عليها التجريم مثل صفة الموظف في جريمة الرشوة، أما جريمة تزييف براءة الاختراع فإن شرطها المفترض يتمثل  في ضرورة تسجيل براءة الاختراع لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية قبل المطالبة بدعوي التزييف أمام المحكمة المختصة[7].

    بخلاف دعوى المنافسة غير المشروعة التي لا تتطلب واقعة إيداع براءة الاختراع لإثارتها، على العكس من ذلك فإن جريمة تزييف براءة الاختراع الرامية إلي استصدار عقوبات جنائية أصلية وإضافية تشترط حصول المخترع على سند البراءة الذي يعتبر سند ملكية صناعية بموجب المادة 17 من قانون الملكية الصناعية[8].

   وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي منح للسلطة الإدارية المختصة صلاحية التأكد من توفر الشروط القانونية المتطلبة في براءة الاختراع، وما ينتج عن ذلك من منح البراءة أو رفضها إن تخلفت الشروط المطلوبة.

    وعليه فتوفير الحماية لبراءة الاختراع هو مشروط بتقييد تسليم البراءة في السجل الوطني للبراءات الذي لا يكون إلا بعد انصرام أجل ثمانية عشر شهرا من تاريخ إيداعها طبقا للمادة   44 من ق م ص ، ومن تم فلا يكفي لقيام الاعتداء على حقوق صاحب الاختراع مجرد تقديم طلب الحصول على البراءة لأن مناط الحماية هو صدور قرار منح البراءة[9].

من هنا فإنه ينبغي التمييز بالنسبة لأفعال الاستغلال الواردة على الاختراع محل البراءة والصادرة من الغير، بين تلك التي تقع بين تاريخ إيداع طلب البراءة وتاريخ نشره، وبين تلك التي تقع بعد النشر. فبالنسبة للأفعال المرتكبة خلال الفترة الممتدة بين تاريخ إيداع الطلب وتريخ نشره، استثناء مما تنص عليه المادة 51، لا تعتبر تزييفا ولا يمكن، من تم، إقامة أي دعوى ترتبط بدعوى التزييف عنها. أما أفعال التزييف المرتكبة بعد تقييد تسليم البراءة في السجل الوطني للبراءات فيمكن، بالطبع، إقامة كافة الدعاوي، واتخاذ كافة التدابير التي ينص عليها القانون والمرتبطة بدعوى التزييف بشأنها[10]

الفقرة الثانية: الركن المادي لجريمة تزييف براءة الاختراع

    أحالت المادة 201 بشأن تحديد الأفعال التي تشكل تزييفا على المادتين 53 و54 من ق م ص، والتي من شأنها إما أن ترد على منتج مسلمة عنه البراءة، وإما أن ترد على الطريقة الصناعية بل الأكثر من ذلك فإن التزييف يتحقق بمجرد تسليم الوسائل المعدة لاستخدام الاختراع.

  • التزييف المتمثل في صنع المنتج المحمي بالبراءة

    إن التزييف الذي يكون في شكل صنع المنتج المسلمة عنه البراءة يتمثل في القيام دون موافقة مالك هذه البراءة بإنجاز مادي أو إعادة إنجاز مادي لهذا المنتج وذلك سواء تعلق الأمر بالصنع الذي يقوم به شخص لحسابه الخاص، أو بالصنع الذي يقوم به شخص لحساب الغير[11]. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو إذا ثم صنع المنتج لتلبية أغراض غير تجارية أو علي سبيل التجربة فهل يعد هذا الفعل تزييفا معاقب عليه بمقتضي المادة 53 من ق م ص، فقد اختلف الفقه في الجواب على هذا الإشكال حيث اعتبر الأستاذ” فؤاد معلال” أنه إذا تم صنع المنتج في إطار خاص ولأغراض غير تجارية أو على سبيل التجربة فإنه لا يعتبر تزييفا[12] وقد أسس طرحه على المادة 55[13] من ق م ص, وفي توجه مخالف اعتبر الأستاذ” محمد لفروجي” أن صنع المنتج لأغراض غير تجارية أو على سبيل التجربة يعتبر فعلا تزييفا مشمول بحماية قانون الملكية الصناعية وسنده في ذلك أن الصنع يعد نشاطا تجاريا حسب البند  5 من المادة 6 من القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة مما يجعله في حد ذاته صورة من صور التزييف الذي يمكن أن يكون ضحيته مالك براءة الاختراع[14]. وبدورنا نحن نميل لهذا التوجه الأخير نظرا لحججه ومسوغاته ولكونه لا يتعامل مع النصوص القانونية بشكل جاف ولكن بنظرة شمولية.

    بالإضافة إلى ما سبق فإنه لا تعتبر عمليات الإصلاح التي قد تجري على المنتج تزييفا شريطة أن تقف عند حد إعادة الأجزاء التي طالها العطب إلى حالها الأصلي.

  • تسويق المنتج المزيف:

    إن تجريم التزييف لا يقف عند حد صنع ذلك المنتج المحمي وإنما يتجاوزه إلى بيع ذلك المنتج المزيف أو عرضه للبيع أمام العموم.

    ويقصد بالعرض كل العمليات التي من شأنها أن تستقطب المشتري سواء في قاعات مخصصة لذلك أو عن طريقة إشهارية[15] ، لكن ما حكم الشخص الذي يشتري المنتوج المزيف فهل يعتبر كذلك مزيفا؟.

    إن منطوق المادة 55 يستثني من دائرة التجريم العمليات المنجزة في إطار خاص ولأغراض غير تجارية ومن هذا المنطلق فإن المشتري لا يعد مزيفا إذا اقتصرت رغبته على مجرد الاستعمال الشخصي للمنتج، إلا إذا كان هذا المشتري لم يقتصر في استعماله للمنتج المعني بالأمر على الاستعمال الشخصي له ولأغراض غير تجارية وإنما قام بدوره بعرض هذا المنتج، ويستوي أن يقع البيع من تاجر أم من غير تاجر سواء كان بقصد تحقيق الربح أم لا.

    و يشمل التزييف بهذا المعنى كما عبر على ذلك البند (أ) حيازة المنتج المزيف للأغراض السالفة الذكر لذلك فإن مجرد حيازة المنتج المزيف متى كانت تتم بغرض عرضه أو تقديمه للاتجار فيه تعتبر تزييفا كذلك[16].

  • استيراد المنتج المزيف:

    الاستيراد ينصب على كل منتج مصنوع أدخل للمغرب دون موافقة المالك بغرض تسويقه وعرضه للبيع أو تداوله أو استعماله أو الاتجار فيه.

    لكنه إذا تم الاستيراد من أجل استعمال المنتج المعني بالأمر استعمالا شخصيا أو على سبيل التجربة فإنه لا يعد تزييفا بالمعنى المنصوص عليه في المقطع (أ )من المادة 53 من القانون رقم 97-17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية.

استعمال المنتج المزيف:

    إن مجرد استعمال منتج مزيف يعتبر تزييفا كذلك غير أنه إذا كان استعمال المنتج المزيف يتم في إطار خاص ولأغراض غير تجارية أو على سبيل التجربة فإن ذلك لا يعتبر تزييفا.

وهنا كذلك مجرد حيازة المنتج المزيف متى كانت بقصد استعماله تدخل في التزييف. وهذا يعني أن الحيازة في حد ذاتها لا تعتبر تزييفا، وإنما لتعتبر كذلك يجب أن يثبت أن الحائز يستهدف استعمال المنتج المزيف[17].

  • تزييف الطريقة الصناعية :

    يتحقق تزييف الطريقة الصناعية بأحد الأفعال الآتية :

  • التزييف المتمثل في استعمال طريقة دون موافقة مالك البراءة:

    إن الاختراع الذي تتم حمايته بالبراءة يمكن أن يشمل حسب المادة 21 من القانون رقم 97-17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية منتجات وطرائق وكل تطبيق جديد أو مجموعة وسائل معروفة للوصول إلى نتيجة غير معروفة بالنسبة إلى حالة تقنية وكل تركيبة صيدلية أو منتج صيدلي أو أدوية كيفما كان نوعها بما فيها الطرائق والأجهزة المستعملة للحصول عليها, وهكذا فاستعمال الطريقة المسلمة عنها براءة الاختراع يكون حكرا على مالك هذه البراءة، وكل تعدى على هذا الحق يكون فعل مكون لجريمة التزييف ولقد اعتبر المشرع مجرد عرض استعمال الطريقة الصناعية في التراب المغربي من قبل من ليس له الحق عليها تزييفا[18]، وفي هذه الحالة فإن المدعى عليه بالتزييف ملزم بإثبات أن الطريقة المستعملة في صنع منتجاته ليست هي تلك موضوع براءة الاختراع وذلك رغم أن المشرع لم ينص عليها صراحة ، ونستند في ذلك على المادة 34 من اتفاقية جوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة على اعتبار أن المغرب من الموقعين عليها، الشيء الذي يوجب على المشرع المغربي القيام بالتنصيص عليها صراحة من اجل خلق نوع من الانسجام مع الاتفاقيات الدولية.

  • استغلال المنتج المحصل عليه بواسطة الطريقة الصناعية :

    لقد مدد المشرع الحماية التي تشمل الطريقة الصناعية إلى المنتجات التي تفرزها هاته الطريقة وهو أمر منطقي يتماشى مع حماية براءة الاختراع وجعلها تخدم بشكل حصري المخترع دون سواه من الأشخاص الذين يلتجئون إلى الوسائل التدليسية لجني تمار أنتجها آخرون.

    ومن منطلق دعم الحماية المقررة للبراءة لم يقتصر المشرع المغربي على تجريم الأفعال التي من شأنها المساس بالحق الاستئثاري، بل اعتبر مجرد تسليم وسائل تزييف البراءة تزييفا في حد ذاته[19].

الفقرة الثانية: الركن المعنوي في جريمة تزييف براءة الاختراع

    إتيان الفاعل لنشاط المادي المكون لركن المادي للجريمة لا يكون كافيا للمساءلة عن نشاط يكون جريمة من الناحية القانونية بل لابد من توافر كذلك الركن المعنوي الذي يسند معنويا الجريمة إليه[20].

     والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل القصد الجنائي ركن ضروري لقيام جريمة التزييف أم أن مكانته في هذا النوع من الجرائم ثانوية.

للإجابة عن هذا السؤال ينبغي التمييز حسب المادة 201 من القانون المشار إليه أعلاه بين نوعين من المزيفين، المزيف المباشر (ثانيا) والمزيف غير المباشر (أولا).   

أولا: إلزامية القصد الجنائي في جريمة تزييف براءة الاختراع

بالنسبة للمزيف غير المباشر فقد حددت المادة 201 صراحة وضعه من حيث تطلب سوء النية فيه، فأوجبت أن يكون على علم بأن المنتج الذي يعرضه للتجارة أو يستنسخه أو يستعمله قصد استعماله أو عرضه للتجارة مزيف أو لديه أسباب معقولة للعلم بذلك[21].

    لأن القصد الجنائي في جريمة التزييف كجريمة عمدية يقتضي علم الجاني وقت ارتكاب الجريمة علما يقينا بتوافر أركانها على أساس أن جريمة التزييف لا تكتمل إلا بتوفر القصد الجنائي لدى الفاعل أي أنه على علم بأن المنتجات التي تعامل بها مزيفة مدركا لنتائج فعله[22] وهو ما يستفاد من التعبير المستعمل في الفقرة الأولى من المادة 213-1 من  ق م ص، والمادة 214 من نفس القانون.

فالمادة 213 نصت على أن:” كل مساس عن عمد بحقوق مالك براءة… يعتبر تزييفا ويعاقب عليه…”، وفي نفس السياق نصت المادة 214 على أنه: ” يتعرض لنفس العقوبات المطبقة على المزيفين الأشخاص الذين قاموا عمدا بإخفاء المنتجات المعتبرة.

    وعليه فتطبيق العقوبات الزجرية المقررة يتطلب قيام النيابة العامة بإثبات بأن الفاعل سيء النية أي كان على علم بكون الأفعال التي أتاها محظورة وبأنها تشكل جريمة تزييف براءة الاختراع.

 

ثانيا: توفر القصد المفترض لدى الصانع والمستورد

    القصد الجنائي غير مشترط لقيام الجريمة الناشئة عن أحد أفعال التزييف التي يمكن أن تطال براءة الاختراع، وذلك كلما كان هذا الفعل قد ارتكب من  طرف مستورد بناء على المادة 201 من ق م ص، التي جاءت على الشكل الآتي:” إن أعمال عرض أحد المنتجات المزيفة التجارية أو استنساخها أو استعماله أو حيازته قصد استعماله أو عرضه للتجارة المرتكبة من شخص غير صانع المنتج المزيف لا يتحمل مرتكبها المسؤولية عنها إلا إذا ارتكبها وهو على علم من أمرها”، ومرد ذلك من وجهة نظرنا أن واقعة نشر براءة  الاختراع مثلا تعتبر حجة قاطعة على كل من الصانع والمستورد تفيد وجود حقوق محمية بهذه البراءة مما يفرض عليهما واجب الاطلاع على السجل الوطني للبراءات قبل الإقدام على صنع أو استيراد منتج معين فالعلم غير ضروري للملاحقة الجزائية في هذه الحالة فيكفي أن يكون الاعتداء  قد حصل من قبل الصانع حتى يحصل جرم التزييف[23]، وفي هذا الإطار صدر قرار عن محكمة النقض جاءت حيثياته على الشكل الآتي :” مسألة العلم تعتبر قائمة ومفترضة بخصوص التاجر الذي يمارس التجارة بشكل اعتيادي ومنظم ويلجأ إلى استيراد منتجات من الخارج …”[24].

ويدخل في حكم المزيف المباشر انطلاقا مما تنص عليه المواد 53 و54 و201 كل شخص ينجز الاختراع محل البراءة. فيعتبر، من تم، مزيفا مباشرا صانع المنتج المزيف كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من المادة 201، ولكن كذلك القائم بإنجاز الطريقة الصناعية بدون حق[25].

المطلب الثاني: نظام العقوبات في جريمة براءة الاختراع

    يعاقب على الجريمة الناشئة عن أحد أفعال التزييف التي تطال براءة الاختراع بعقوبة أصلية وجوبية (فقرة أولى) وعقوبات إضافية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبة الأصلية

    تختلف هذه العقوبات بحسب ما إذا كان مرتكب التزييف أجيرا يعمل بمؤسسة صاحب البراءة أو كان غير ذلك.

    فإذا لم يكن مرتكب الجريمة أجيرا يعمل بمؤسسة صاحب البراءة فإن العقوبة الأصلية التي يمكن الحكم عليه بها هي الحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 50000 إلى 500000 درهما أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

    وفي حالة العود الذي يعتبر متحققا إذا صدر على الظنيين حكم صار نهائيا من أجل ارتكاب أفعال مماثلة خلال الخمس سنوات السابقة، يمكن أن ترتفع العقوبتان المذكورتان إلى الضعف (م213/1و2و3).

     يلاحظ على هذه المادة أن المشرع المغربي لم يتشدد في معاقبة مرتكب التزييف، وذلك عن طريق تخويل المحكمة سلطة تقديرية في اختيار العقوبة المناسبة لفعل التزييف وذلك بالحكم بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين، بالإضافة أنه لم يلزم المحكمة التي تنظر في الدعوى العمومية المتعلق بالجريمة الناشئة عن أحد أفعال التزييف الواردة على براءة الاختراع بضرورة رفع العقوبة المذكورة إلى الضعف في حالة العود هذا وقد شدد المشرع من العقوبة المقرر لجريمة التزييف إذ كان الفاعل أجيرا يعمل في معامل صاحب البراءة أو في مؤسسته حيث نص على معاقبته بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 100000 إلى 500000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط دون الإخلال بالمتابعة التي يمكن أن تتم في إطار الفصل 447 من القانون الجنائي.

    ويتم تطبيق هذه العقوبة على الأجير سواء كان هو المزيف الأصلي أو كان قد اشترك فقط مع المزيف بعد اطلاعه على الطرائق الموضوع في البراءة[26].

 

الفقرة الثانية: العقوبة الإضافية

    تتمثل العقوبة الإضافية التي يمكن إقرانها بالعقوبة الأصلية في إتلاف الأشياء المزيفة وإتلاف الأجهزة والوسائل المعدة خصيصا لإنجاز التزييف، وفي الحرمان من العضوية في الغرفة المهنية.

    أما بخصوص إتلاف الأشياء المزيفة والأجهزة والوسائل المعدة لإنجاز التزييف، يجب التنبيه إلى أن الأمر يتعلق هنا بإتلاف وليس بمجرد مصادرة لفائدة المتضرر من التزييف وذلك لأن المصادرة تكون بناء على طلب المتضرر ولفائدته أما الإتلاف فيعتبر عقوبة جنائية جوازيه تقررها المحكمة انطلاقا من سلطتها التقديرية.

   أما الحرمان من حق العضوية في الغرفة المهنية فهي من العقوبات الإضافية التي أجاز المشرع الحكم بها في دعوى التزييف لمدة لا تزيد على خمس سنوات والمقصود بالغرفة المهنية هنا غرفة التجارة والصناعة والخدمات وغرفة الفلاحة والصيد البحري وغرفة الصناعة التقليدية.

المبحث الثاني: جريمة تزييف العلامة التجارية

    للحديث عن جريمة تزييف العلامة التجارية يتطلب منا الأمر تحديد بشكل دقيق لأركان هاته الجريمة والخصوصيات التي تتسم بها (المطلب الأول) ثم نتطرق بعد ذلك إلى الأثر القانوني الذي يترتب عن مخالفة المفترض الواقعي المتضمن في النص الجنائي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: عناصر جريمة التزييف العلامة التجارية

    إذا كانت الجرائم عموما تتطلب وجود ركن مادي و آخر معنوي فإن البعض الآخر يتطلب بالإضافة إلى ذلك شرطا مفترضا يمثل أرضية يبنى عليها التجريم فبالنسبة لجريمة تزييف العلامة التجارية فإن شرطها المفترض هو تسجيل العلامة التجارية لدى الهيئة المكلفة بذلك و هي مكتب الملكية الصناعية و التجارية بالدار البيضاء[27] .

    بالإضافة إلى ضرورة إتيان نشاط مادي ينصب على الأفعال التي تشكل تعديا على العلامة التجارية المنصوص عليها بصريح المادتين 154 و155 إضافة إلى المادتين 225 و226 (الفقرة الأولى) وضرورة توفر الكيان المعنوي الذي يشكل الجزء الثاني من الجريمة إذ لا جريمة بدون إرادة وعلم يعبران عن الحالة النفسية للجاني (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الركن المادي لجريمة تزييف العلامة التجارية

    لقيام جريمة تزييف العلامة التجارية لا بد من توفر عنصر مادي هو الحدث الظاهر لها بإحداثه تغييرا في العالم الخارجي من خلال المساس بحقوق العلامة التجارية ويتخذ الركن المادي في هاته الجريمة عدة مظاهر وصور:

  • استنساخ أو استعمال أو وضع علامة ولو بإضافة كلمات مثل: “صيغة وطريقة ونظام وتقليد ومنهاج ونوع” وكذا استعمال علامة مستنسخة أو شارة مماثلة لهذه العلامة فيما يخص المنتجات أو الخدمات المماثلة لما يشمله التسجيل.

    إلا أنه يلاحظ أن المشرع لم يكلف نفسه عناء إيضاح دلالة الأفعال والعبارات الواردة في هذا النص، تاركا أمر تفسيرها للاجتهاد والقضاء. ويستشف من التمعن والتدقيق في البنية المادية لهاته الجريمة أنها تندرج ضمن خانة الجرائم الشكلية، بمعنى آخر فبمجرد القيام بهاته الأفعال دون موافقة صاحب العلامة تتحقق معه الجريمة دون مراعاة لأية نتيجة. فاستنساخ العلامة كفعل من أفعال تزييفها يقصد به تزييف علامة الصنع أو التجارة أو الخدمة عبر استنساخها من قبيل قيام أي شخص دون موافقة مالك العلامة بالاستنساخ المطابق أو المماثل للعلامة التجارية سواء كان ذلك بشكل كلي[28] ،أو بشكل جزئي خاصة في الحالة التي يتم فيها اعتماد نفس العلامة مع إدخال تغييرات طفيفة عليها تكاد لا تثير أي انتباه، و ذلك مثل تغيير أحد أحرف العلامة المحمية بحرف مشابه[29].

    و تجدر الإشارة إلى أن التمعن في صياغة المادة 154 من قانون الملكية الصناعية يمكن القول معه أنه مهما كان شكل الاستنساخ فإننا نكون أمام تزييف للعلامة حتى ولو أفرز المزيف الشارة المستنسخة بعبارات للتمويه على فعله مثل ”على منوال كدا” .

    إلا أن الإشكال الذي يطرح في هذا المقام يتمثل في كيفية تقدير قيام التزييف في حالة الاستنساخ الجزئي فإن الفقه استقر على أن ذلك يتم انطلاقا من وجوه التشابه الموجودة بين العلامة الأصلية و العلامة المستنسخة و ليس انطلاقا من وجوه الاختلاف[30]. وعلى نفس المنوال اعتبر المجلس الأعلى سابقا، (محكمة النقض حاليا) ” أنه في مادة التقليد لرسم أو نموذج صناعي فإن التقليد يقدر بمراعاة أوجه الشبه لا أوجه الاختلاف[31]“.

  كما اعتبرت المادة 154 من القانون المشار إليه أعلاه، أن التقليد يعد صورة من صور تزييف العلامة التجارية و هو ما يستتبعه بطبيعة الحال ضرورة التمييز بشكل دقيق بين الفعل الذي يعد تزييفا و قد عرفه بعض الفقه بأنه” قيام المقلد بإنتاج أو صنع أو استعمال شيء ما مشابه للأخر من شأنه جعل ذلك الشيء شبيه بالشيء المقلد أو مماثلا له في مظاهره آو عناصره آو تركيباته، وقد يكون الشيء المقلد قد حصل بكيفية متقنة و بمهارة كبيرة و قد يكون العكس، و كلاهما يفضي إلى نتيجة واحدة و هي خداع جمهور المستهلكين و تمويهه و تضليله بشأن الشيء الذي يرغب فيه و يستهلكه[32].

    و من خلال هذا التعريف يتضح أن فعل التزييف يختلف عن فعل التقليد من عدة أوجه، تتمثل في أن فعل التزييف هو أعم و أشمل من التقليد ذلك أن هذا الأخير لا يعدو أن يكون جزءا مكونا لفعل التزييف بل هو صورة من صوره كوروده في المادة 155 بالإضافة إلى ذلك فإن التزييف يراد به المطابقة بمعنى أن يكون هناك تطابق تام بين الحق الأصلي و الحق المزيف أما عندما يتعلق الأمر بالتقليد فالعبرة بالتشابه و في نفس سياق جاء في هذا الصدد قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط على أنه : ” بما أن علامة ” أورنيث” ليس صورة مطابقة لعلامة ” نيت” فإنها لا تشكل تزييفا بل تقليدا تدليسيا[33]”.

    وكذلك يعتبر استعمال العلامة صورة من صور التزييف التي يتحقق بها الركن المادي لهاته الجريمة ويقصد بتزييف العلامة كل استعمال للعلامات المستنسخة من أجل منتجات أو خدمات مماثلة لتلك المشمولة بالتسجيل وكذا كل استعمال لهذه العلامة من أجل خدمات متشابهة كما يعتبر كذلك تزييفا للعلامة كل استعمال لعلامة مقلدة من أجل منتجات أو خدمات مماثلة وهكذا فتزييف العلامة عن طريق الاستعمال يمكن أن يتم في ثلاث حالات:

  • حالة استعمال علامة مستنسخة من أجل منتجات أو خدمات متشابهة أو مماثلة لما يشمله التسجيل.
  • حالة استعمال علامة بدون إذن مالكها (استعمال علامة الغير في الإشهار سواء عن طريق المنشور أو الملصقات وكذلك استعمال علامة أصلية على نحو يضر بمالكها).
  • حالة استعمال علامة مقلدة من أجل منتجات أو خدمات مماثلة أو مشابهة لما يشمله التسجيل[34].

    غير أن المشرع يشترط في المادة 135 من قانون الملكية الصناعية، أن يكون من شأن استعمال العلامة إحداث التباس في ذهن الجمهور، ويتحقق ذلك في حالة استعمال علامة مستنسخة من أجل منتجات أو خدمات مشابهة، وكذلك من خلال استعمال علامة مقلدة من أجل منتجات أو خدمات مماثلة أو مشابهة، ويعتبر كذلك تزييف العلامة عن طريق وضعها على منتجات لا تتعلق بها شريطة أن يكون ذلك لأغراض تجارية و ليس لأغراض خاصة، و أن تكون المنتجات التي وضعت عليها العلامة مماثلة أو مشابهة لتلك المنتجات التي يشملها تسجيل هذه العلامة و أن يفضي ذلك إلى إحداث التباس في ذهن الجمهور حول طبيعة هذه المنتجات أو مصدرها.

بناء على ما سبق يتضح ان أفعال التزييف سالفة الذكر تقوم بمجرد القيام بالنشاط المحظور دون تطلب حصول أي نتيجة من وراء هذا النشاط، كما أن المشرع استعمل تقنية التجريم في قالب مفتوح حيث اعتبر كل صورة تتضمن مجموعة من الأفعال التي بدورها نجد لها تطبيقات مختلفة وهو اعتراف صريح بأزمة مبدأ الشرعية التي لها مجموعة من المتطلبات التي تبقى مجرد مبادئ أمام هذا الحقل القانوني.

الفقرة الثانية: الركن المعنوي

    جعل المشرع المغربي القصد الجنائي عنصرا وركنا ركينا في جريمة تزييف العلامة التجارية وهذا سواء بالنسبة لظهير 23 يونيو 1916 الذي استعمل العبارات التالية (قلدوا عمدا، ووضعوا بطريق التدليس، باعوا عمدا..) و كذلك بالنسبة للقانون رقم 17.97 المتعلق بالملكية الصناعية الذي استعمل العبارات التالية ( وضع على سبيل التدليس علامة مملوكة للغير ، استعمل علامة دون إذن من المعني بالأمر، كل من حاز لغير سبب مشروع منتجات كان يعلم أنها تحمل علامة مزيفة قام عمدا ببيع منتجات أو خدمات تحت هذه العلامة) .

    ويلاحظ أن المشرع افترض القصد الجنائي ضد مؤتي إحدى الأفعال المنصوص عليها أعلاه إذا كان يتصف بصفة صانع المنتج المزيف، و بالتالي فلا يمكنه أن يتذرع بحسن النية، خاصة وأن الهيئة المكلفة بالملكية الصناعية و التجارية تقوم بإمساك سجل خاص بالعلامات التجارية كما تقوم بنشر فهرس رسمي بجميع العلامات و العقود المرتبطة بها طبقا لأحكام الفصول من 165 إلى 175 من قانون 17.97 [35]و في هذا الاتجاه جاء في قرار للمجلس الأعلى على أنه ” تقليد الاسم أو العلامة التجارية، ثبوت سوء النية أو حسنها: يكون خطأ الطالب باستعمال العلامة الخاصة بالمطلوب قائما و لا ينفعه ما تمسك به من كونه حسن النية، إذ أن مسألة تأكد المحكمة من حسن النية أو سوء النية غير مشروطة[36].

 

المطلب الثاني: نظام العقوبات في جريمة تزييف العلامة التجارية

يجب الإشارة إلى أن ما يعاب على قانون الملكية الصناعية تبنيه لتقنية العقاب عن طريق الإحالة وهو ما يعبر بشكل صريح عن كسل تشريعي على اعتبار أن من متطلبات النص الجنائي أن يتضمن شق التجريم والعقاب في آن واحد حتى يتيح اليسر والسهولة للتعامل معه.

    كما أن القصد من العقوبة هو تحقيق الردع بنوعيه والمشرع من خلال قانون الملكية الصناعية عمل على إيراد عقوبات زجرية في المادتين 225و226 من ق م ص وذلك استجابة لما نادت به اتفاقية (تربس) في مادتها 61 التي نصت على إلزامية الدول الأعضاء بضرورة سن عقوبات زجرية وتركت لإرادة المشرع الوطني أمر تحديد هذه الأفعال والعقوبات المناسبة لها بما يضمن الردع وتنقسم الجزاءات الجنائية التي يمكن الحكم بها في دعوي التزييف إلى عقوبات أصلية (الفقرة الأولى) وأخري إضافية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبات الأصلية

    بالنسبة للعقوبات الأصلية فقد ميز المشرع بين تزييف العلامة وما يدخل في حكمه وأفرد له المادة 225 (البند 1و3)ويلاحظ أن  البند رقم 5 من المادة 226 أقحمه المشرع المغربي في المادة 225 حديتا بمقتضي تعديل 2006 وهو ما يجعل من استيراد وتصدير منتجات عليها علامة مزيفة أو موضوعة بطريقة تدليسية جريمة جمركية يحق لإدارة الجمارك تحريك المتابعة بشأنها بناء على إذن من النيابة العامة ما دامت هاته الأخيرة أصبحت تملك حق تحريك الدعوي العمومية بشأن جريمة تزييف العلامة من تلقاء نفسها وفي غياب أية شكاية من جهة خاصة أو من مالك الحقوق[37].(المادة 227-1).

وقد خص المشرع المغربي هذه الجريمة بعقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

    أما المادة 226 التي تنصب على جريمة تقليد العلامة فهي تنص على أنه يعاقب بالحبس من شهرين إلي ستة أشهر وبغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. مما سبق يلاحظ أن  المشرع خفض العقوبة التي كان منصوص عليها في ظهير 1916 التي كانت تتراوح بين 3 أشهر و 3 سنوات، وبإجراء مقارنة بسيطة مع القانون الفرنسي نجد أن هذا الأخير حدد لها عقوبة أربع سنوات وغرامة مالية قدرها 400,000 أورو، أما إذا اتسمت جريمة التزييف بطابع منظم أو كانت المنتجات خطيرة على صحة وسلامة المستهلك فإن العقوبة تصل إلي خمس سنوات والغرامة إلي 500000 أورو[38] ، وبالإضافة إلى ذلك يلاحظ عدم التفات النص إلى حالة العود بالنسبة لجريمة ارتكاب جريمة التزييف أو تقليد العلامة على خلاف ما فعله بالنسبة لتزييف براءة الاختراع التي قضي فيها بمضاعفة العقوبة (المادة 213/2) وقد كان حري أن يفعل نفس الشيء في إطار العلامة التي يشكل تزييفها في اعتقادنا فعلا أخطر من تزييف البراءة .

الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية

    وتتمثل في إتلاف الأشياء المزيفة وإتلاف الأجهزة والوسائل المعدة خصيصا لإنجاز التزييف وفي الحرمان من العضوية في الغرفة المهنية.

    فيما يخص إتلاف الأشياء المزيفة والأجهزة أجاز المشرع للمحكمة في إطار دعوي التزييف الجنائية كذلك أن تأمر بإتلاف الأشياء التي تبت أنها مزيفة والتي هي في ملك المزيف وكذلك إتلاف الأجهزة أو الوسائل المعدة خصيصا لإنجاز التزييف (228من ق م ص) والإتلاف يجب أن يقتصر على الأشياء التي هي في ملك المزيف المدان. بالإضافة إلي ذلك هناك الحرمان من العضوية في الغرف المهنية، وقد جعل المشرع من الحرمان من العضوية في الغرف المهنية جزاء جنائي إضافي عاما يجوز النطق به في كل دعوى تزييف جنائية تتعلق بأي حق من حقوق الملكية الصناعية وذلك لمدة لا تزيد على خمس سنوات علما بأن المقصود بالغرف المهنية غرفة التجارة والصناعة والخدمات وغرفة الفلاحة والصيد البحري وغرفة الصناعة التقليدية.

    لكن هاته العقوبة تبقي مهمة فقط اتجاه كبار التجار والصناع الذين تكون طموحاتهم في الحصول على عضوية في إحدى الغرف المهنية نظرا لما تخوله هذه الأخيرة من امتيازات.

خاتمة:

    بناء على ما سبق يتضح أن المشرع المغربي استطاع وضع إطار تشريعي يتماشى مع الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الملكية الصناعية، إلا أنه على الرغم من ذلك وأمام جسامة ظاهرة تزييف حقوق الملكية الصناعية فإن هذا الإطار التشريعي لا يكفي لمواجهتها وذلك نظرا للقصور التي لا زالت تعثريه على مستوى تحقيق الحماية من التزييف في جوانب مختلفة وأهمها جزاءات دعوى التزييف التي نقترح الزيادة في قيمتها، نظرا لكونها هزيلة لا تستطيع تحقيق الردعين العام والخاص.

 

 

 

 

 

 

 

 

لائحة المراجع:

  • المراجع باللغة العربية:
  • محمد محبوبي، الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الصناعية القانون الجنائي للأعمال واقع وآفاق، المطبعة والوراقة الوطنية، 2009.
  • سميحة القليوبي، الملكية الصناعية، دار النهضة العربية القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 2003.
  • فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية ”منشورات مركز قانون الالتزامات والعقود كلية الحقوق فاس، مطبعة دار الآفاق للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 2019.
  • امحمد الفروجي، الملكية الصناعية والتجارية تطبيقاتها ودعواها المدنية والجنائية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولي أكتوبر 2002.
  • عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي، القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الخامسة 2013.
  • مينة حربي، دعوى التزييف وحماية حقوق الملكية الصناعية والتجارية، الطبعة الأولى 2013.
  • فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية دراسة في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية، الطبعة الأولى، 2009.
  • إدريس طارق سباعي وحسن الورياغلي: “التعدي على الملكية الصناعية والمصنفات السينمائية” مطبعة الصومعة الرباط 1995.
  • كمال محرر، الحماية القانونية للعلامة التجارية، مطبعة الأمنية- الرباط، 2014.

ثانيا: المراجع باللغة الفرنسية

  • La convention de paris pour la protection de la propriété industrielle: (séminaire national sur la propriété industrielle, organisé par O.M.P.I en coopération avec le ministère du commerce, de l’industrie et de l’artisanat: Casablanca, 28 et 29 février 1996.

Albert Chavanne et Jean Jacques Burst, droit de la propriété industrielle, Ed Dalloz 4éme édition, 1993

 

 

 

[1]–  سميحة القليوبي، الملكية الصناعية، دار النهضة العربية القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 2003 ، ص 15.

[2]– La convention de paris pour la protection de la propriété industrielle: (séminaire national sur la propriété industrielle, organisé par O.M.P.I en coopération avec le ministère du commerce, de l’industrie et de l’artisanat: Casablanca, 28 et 29 février 1996, p: 5.

[3] – ظهير 18 ذي الحجة 1336 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 316 بتاريخ 11 نونبر 1918.

[4]–  محمد محبوبي، الجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الصناعية القانون الجنائي للأعمال واقع وآفاق، المطبعة والوراقة الوطنية، 2009 ، ص 123.

[5]– المادة 201 من قانون الملكية الصناعية تنص على أنه: “يعتبر تزييفا كل مساس بحقوق مالك براءة أو شهادة إضافة أو شهادة تصميم تشكل (طبوغرافية) الدوائر المندمجة أو شهادة تسجيل رسم أو نموذج صناعي أو شهادة تسجيل علامة صنع أو تجارة أو خدمة كما هو معرف على التوالي في المواد 53،54 ،99 ،123 ،124 ،154،155 أعلاه”

 

[6]– Albert Chavanne et Jean Jacques Burst, droit de la propriété industrielle, Ed Dalloz 4éme édition, 1993, P98.

 

[7][7]-  محمد محبوبي م س، ص 129.

– المادة 17 من قانون الملكية الصناعية ينص على أنه: ” سند الملكية الصناعية الذي يحمي الاختراعات هو براءة الاختراع المسلمة لمدة حماية

تستغرق عشرين سنة ابتداء من تاريخ إيداع الطلب”.

[9]–  فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية ”منشورات مركز قانون الالتزامات والعقود كلية الحقوق فاس، مطبعة دار الآفاق للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 2019، ص 353.

[10] – فؤاد معلال، م س، ص353.

[11]–  امحمد الفروجي، الملكية الصناعية والتجارية تطبيقاتها ودعواها المدنية والجنائية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولي أكتوبر 2002، ص 173.

[12]–  فؤاد معلال، مرجع سابق  ، ص 346.

[13]– تمص المادة 55 من قانون الملكية الصناعية على أنه:” لا تشمل الحقوق التي تخولها براءة الاختراع  :

أ) الأعمال المنجزة في إطار خاص ولأغراض غير تجارية ؛

ب) الأعمال المنجزة على سبيل التجربة والمتعلقة بموضوع الاختراع المسلمة عنه البراءة ؛

ج) تحضير الأدوية في حينه وبحسب كل وحدة في الصيدليات بناء على وصفة طبية أو الأعمال المرتبطة بالأدوية المحضرة بهذه الطريقة ؛

د) الأعمال المتعلقة بالمنتج المسلمة عنه هذه البراءة والمنجزة في التراب المغربي بعد أن قام مالك البراءة بعرض المنتج المذكور للاتجار فيه بالمغرب أو وافق على ذلك بصريح العبارة ؛

ه) استعمال أشياء مسلمة البراءة عنها على متن طائرات أو عربات برية أو سفن تابعة لبلدان أعضاء في الاتحاد الدولي لحماية الملكية الصناعية عندما تدخل مؤقتا أو عرضيا في المجال الجوي أو التراب المغربي أو المياه الإقليمية المغربية ؛

و) الأعمال التي ينجزها كل شخص يقدم ، عن حسن نية في تاريخ إيداع الطلب أو عندما يطالب بأولوية ما في تاريخ أولوية الطلب المسلمة البراءة على أساسه في التراب المغربي ، على استعمال الاختراع أو يقوم بأعمال تحضيرية وجدية

استعماله ما دامت هذه الأعمال غير مخالفة بطبيعتها أو الغاية منها للاستعمال الفعلي السابق أو المزمع القيام به. ولا يجوز نقل حق المستعمل السابق إلا مع المنشأة التي هو مرتبط بها…” .

[14]– امحمد الفروجي، م س، ص: 173.

[15]– امحمد فروجي، مرجع سابق، ص 174

[16]– فؤاد معلال، مرجع سابق ،ص، 295

[17] – فؤاد معلال، مس، ص349.

[18] – فؤاد معلال، نفس المرجع، ص 350.

[19] -محمد لفروجي ، مرجع سابق ، ص 184.

[20] -عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي، القسم العام، طبعة 2013، ص 200و 201.

[21] – فؤاد معلال، م س، ص 356.

[22] -مينة حربي، دعوى التزييف وحماية حقوق الملكية الصناعية والتجارية، الطبعة الأولى 2013، ص 188.

[23] -مينة حربي، م س، ص190.

[24] -قرار محكمة النقض، عدد 445 بتاريخ 24 مارس 2011، ملف تجاري عدد 1605/3/1/2010 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 73/2011، ص 216

[25]– فؤاد معلال، م س، ص 356.

[26] – فؤاد-معلال، مرجع سابق، ص 334. .

[27]–  راجع ما سبق ذكره أعلاه.

[28]–  امحمد الفروجي ، مرجع سابق ، ص 337.

[29]–  فؤاد معلال، الملكية الصناعية والتجارية دراسة في القانون المغربي والاتفاقيات الدولية، الطبعة الأولى، 2009، ص 553.

[30]  فؤاد معلال، الطبعة الأولى، ص 557. .

[31] – قرار منشور بمجلة قضاء للمجلس الأعلى عدد 56/2002.

[32] – إدريس طارق سباعي وحسن الورياغلي: “التعدي على الملكية الصناعية والمصنفات السينمائية” مطبعة الصومعة الرباط 1995، ص 30.

[33] – القرار رقم 4496 الصادر بتاريخ 25/03/1952 منشور بقرارات محكمة الاستئناف بالرباط (1949-1951- 1952- 1953- 1955- 1956) تعريب العربي المحبود، المعهد الوطني للدراسات القضائية 1982 ص 332.

[34]–  محمد لفروجي ، مرجع سابق، ص 339..

[35]–  كمال محرر، الحماية القانونية للعلامة التجارية، مطبعة الأمنية- الرباط، 2014، ص 134.

[36]–  قرار للمجلس الأعلى عدد 588 مؤرخ في 12 أبريل 2000 ملف تجاري عدد 3225/94.

[37]–  فؤاد معلال، مرجع سابق، الطبعة الأولى، ص 622.

[38]–  مينة حربي، م س ، ص 190.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى