الدفع بعدم التنفيذ في القانون المدني المصري في ضوء الفقه وأحكام القضاء – الدكتورة : نهله أحمد فوزى البرهيمى استاذ القانون المدني المساعد جامعة الحدود الشمالية – كلية إدارة الأعمال– قسم القانون. – المملكة العربية السعودية
الدفع بعدم التنفيذ في القانون المدني المصري في ضوء الفقه وأحكام القضاء
The plea for non-implementation in the Egyptian Civil Code In the light of jurisprudence and judicial rulings
الدكتورة : نهله أحمد فوزى البرهيمى
استاذ القانون المدني المساعد
جامعة الحدود الشمالية – كلية إدارة الأعمال– قسم القانون. – المملكة العربية السعودية
ملخص:
في العقود الملزمة للجانبين , إذا كان للدائن الحق في طلب فسخ العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه فيتحلل الدائن بذلك من تنفيذ ما ترتب في ذمته من التزامه ، فله من باب أولى ، بدلا من أن يتحلل من تنفيذ التزامه ، أن يقتصر على وقف تنفيذه حتى ينفذ المدين التزامه . والفكرة التي بنى عليها الدفع بعدم التنفيذ هي عين الفكرة التي بنى عليها فسخ العقد وهى الارتباط فيما بين الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين ، مما يجعل التنفيذ من جهة مقابلا للتنفيذ من جهة أخرى.
كلمات مفتاحية: الدفع -عدم التنفيذ- العقود الملزمة لجانبين- الالتزامات المتقابلة- القانون المدني .
Summary
In contracts binding on both sides, if the creditor has the right to request the termination of the contract if the debtor does not perform his obligation, and thus the creditor absolves himself from the implementation of what he owes from his obligation, then he may, a fortiori, rather than absolve himself from the implementation of his obligation, to limit its implementation until The debtor performs his obligation. The idea on which the defense of non-performance is based is the same idea on which the termination of the contract is based, which is the link between the opposite obligations in the contract binding on both sides, which makes execution on the one hand a counterpart to implementation on the other.
Keywords: payment – non-performance – binding contracts for two parties – reciprocal obligations – civil law
مقدمة:
الدفع بعدم التنفيذ هو وسيلة يلجأ إليها الدائن للضغط على مدينه , وحمله على التنفيذ دون اللجوء إلى القضاء . ففي العقود الملزمة للجانبين , إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء , جاز للمتعاقد بدلاً من أن يطلب فسخ العقد لعدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه, أن يمتنع عن تنفيذ التزامه. فمن الأصول التي يقوم عليها نظام العقود الملزمة للجانبين ارتباط تنفيذ الالتزامات المتقابلة على وجه التبادل فإذا استحق الوفاء بهذه الالتزامات , فلا يجوز أن يجبر أحد المتعاقدين على تنفيذ ما التزم به قبل قيام المتعاقد الآخر بتنفيذ الالتزام المقابل . وعلى هذا الاساس يجب أن تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد.
جدير بالذكر أنه إذا كان عدم تنفيذ الالتزام راجعا الى استحالته بسبب اجنبي، فإن المقرر في القواعد العامة أن انقضاء التزام أحد الطرفين باستحالة تنفيذه بسبب اجنبي، يترتب عليه انقضاء الالتزام المقابل لارتباطه به, وهنا لا مجال لإعمال الدفع بعدم التنفيذ إذ ينفسخ العقد من تلقاء نفسه .
والدفع بعدم التنفيذ بهذا المعنى , ما هو إلا تطبيق للحق في الحبس الذى يفترض وجود التزامين كل منهما مرتبط بالآخر . ولكن الحق في الحبس أوسع نطاقاً من الدفع بعدم التنفيذ، إذ لا يشترط للتمسك به أن يكون مصدر الالتزامات المتقابلة عقداً , فقد يكون واقعة قانونية كالفعل النافع والإثراء بلا سبب فالحق في الحبس أصل, والدفع بعدم التنفيذ تطبيق له في نطاق العقود الملزمة للجانبين.
أهمية البحث:
إذا كان قوام الدفع بعدم التنفيذ هو الترابط بين الالتزامات المتقابلة , فإلى أي حد يمكن معه القول بكفاية هذا الدفع بدلاً من طلب الفسخ ؟ وما هو وقت التمسك بهذا الدفع؟ وكيف يكون التمسك به؟ وما هو الأثر الذى يترتب على التمسك به؟ .
منهج البحث:
اعتمدت الباحثة في هذه الدراسة على المنهج التحليلي كونه أكثر مناهج البحث ملائمة بالإضافة إلى المنهج الوصفي خاصة في بيان حقيقة موقف المشرع المصري لطبيعة هذا الموضوع، من خلال تحليل النصوص المنظّمة للدفع بعدم التنفيذ ضمن القانون المدني المصرى, وإبراز أهم أحكام محكمة النقض المصرية التي تؤيد تطبيق النصوص المتعلقة به.
خطة البحث
من أجل إبراز أهمية الدفع بعدم تنفيذ الالتزام في القانون المدنى , جاءت هذه الدراسة في مقدمة وثلاث مباحث وخاتمة فكان المبحث الأول عن شروط التمسك بالدفع بعدم التنفيذ .وأما المبحث الثاني فقد أبان كيفية التمسك بالدفع بعدم التنفيذ . والمبحث الثالث كان لأثر الدفع بعدم التنفيذ.
المبحث الأول
شروط الدفع بعدم التنفيذ
مفهوم الدفع بعدم التنفيذ
وفقاً لنص المادة 161 مدنى يُعرف الدفع بعدم التنفيذ بأنه امتناع مشروع عن الوفاء يلجأ إليه المتعاقد للضغط على مدينه, وحمله على التنفيذ دون اللجوء إلى القضاء . ففي العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء , جاز للمتعاقد بدلاً من أن يطلب الفسخ لعدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه, أن يمتنع عن تنفيذ التزامه هو الآخر . وبالتالي يعد الدفع بعدم التنفيذ وقف تنفيذ العقد من جانب أحد المتعاقدين حتى يقوم الطرف الآخر بالتنفيذ. وقالت محكمة النقض أنه طبقاً للمادة ١٦١ من القانون المدني أنه إذا كانت الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين مستحقه الوفاء ولم يقم أحد الطرفين بتنفيذ التزامه كان للأخر ألا يوفى بالتزامه ، فهو امتناع مشروع عن الوفاء بالعقد ليس له طابع جزائي بل هو طابع وقائي يهدف إلى كفالة استمرار التعاصر الزمنى بين الالتزامات الحالة المتقابلة وهو ما اصطلح على تسميته بالدفع بعدم التنفيذ والذى ليس إلا الحق في الحبس في نطاق العقود الملزمة للجانبين ()
ويجد الدفع أساسه في فكرة السبب التي تقيم ارتباطاً بين الالتزامات في العقد لملزم للجانبين فإذا كان كل من الالتزامين المتقابلين مستحق الأداء كان مقتضى فكرة الارتباط بينهما أن يتعاصر تنفيذهما, فلا يمكن مطالبة المتعاقد بتنفيذ التزامه طالما أن المتعاقد الآخر لم ينفذ التزامه . ويقتضى مبدأ حسن في تنفيذ العقود ألا يطلب المتعاقد من الطرف الآخر تنفيذ التزامه إلا إذا كان هو بدوره قد قام بتنفيذ التزامه المقابل . والدفع بعدم التنفيذ بهذا المعني , هو أحد تطبيقات الحق في الحبس الذي يفترض وجود التزامين كل منهما مترتب على الآخر ومرتبط به(.(
شروط التمسك بالدفع بعدم التنفيذ.
يشترط للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن نكون بصدد :
1-عقد ملزم للجانبين(): من الأصول التي يقوم عليها الدفع بعدم التنفيذ أن نكون بصدد التزامات متقابلة ناشئة من ذات العقد ولم تكن قد نفذت بعد . وأن يكون هناك طرفان كل منهما دائن ومدين للآخر , ويرتبط التزام كل منهما بالآخر ويترتب عليه وهذا لا يتحقق إلا من خلال العقود الملزمة للجانبين , إذ أن الدفع بعدم التنفيذ يقتصر على تلك العقود . فإذا خرجنا عن نطاق العقود الملزمة للجانبين فلن يكون هناك محل للتمسك بهذا الدفع3 . ففي العقد الملزم لجانب واحد إذا اخل المدين بالتزامه, لا يكون على الدائن التزام ليدفع بعدم تنفيذه, وحتى بفرض ذلك فإننا نكون بصدد حق في الحبس . كما في الوديعة بدون أجر إذا اضطر المودع لديه إلى انفاق بعض المصروفات على الشيء المودع , هنا يوجد ارتباط بين التزام المودع لديه بالرد والتزام المودع بدفع المصروفات , ويكون للأول أن يحبس ما لديه حتى يؤدى الآخر ما عليه . كذلك في الالتزامات غير التعاقدية , إذ يعد من قبيل الحق في الحبس امتناع الحائز عن تسليم الشيء الذى في حيازته إلى مالكه بقصد تحمل المالك رد ما أنفقه الحائز على الشيء من مصروفات هو. ففي الحق في الحبس يكفى مجرد الارتباط بين الالتزامات المتقابلة, أما في الدفع بعدم التنفيذ وهو تطبيق خاص للحق في الحبس , فيجب أن نكون بصدد عقد ملزم تبادلى من جهة , وأن يكون هناك تقابلاً بين الالتزام الذى لم ينفذ والالتزام الذى يقع على عاتق المتمسك بالدفع من جهة أخرى. على أنه لا يكفى أن يكون كل من الطرفين دائناً ومديناً للآخر , بل يجب أن تكون الالتزامات المتقابلة أساسها وحدة الأصل . فالبائع لا يستطيع الدفع بعدم تنفذ التزامه بتسليم العين المبيعة بحجة أن المشترى يستأجر منه عقاراً ويمتنع عن دفع الأجرة, فتعدد العقود هنا يعنى عدم تقابل الالتزامات .
2– التزامات مستحقة الوفاء (): بالإضافة إلى كون العقد ملزماً للجانبين , يلزم أن تكون الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء. أي أن يكون الالتزام الذي لم يتم تنفيذه حالاًّ. أما إذا كان الالتزام مؤجلاً فلا يجوز التمسك بعدم تنفيذ الالتزام. فالبائع لا يجوز له الامتناع عن تسليم المبيع للمشتري إذا كان أجل الوفاء لم يحل بعد بينما حل ميعاد تسليم المبيع (). وقد قضت محكمة النقض بأنه يشترط لاستعمال الدفع بعدم التنفيذ أن يكون الالتزام الذي يدفع بعدم تنفيذه مستحق الوفاء أي واجب التنفيذ حالاً، فإذا كان العقد يوجب على أحد العاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر فلا يحق للمتعاقد المكلف بالتنفيذ أولاً أن ينتفع بهذا الدفع () ولا يمنع حلول الالتزام أن يكون القاضي قد منح المدين نظرة الميسرة ,فللبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفى الثمن من المشتري حتى لو منح القاضي للمشتري أجلا لدفع الثمن ، ولا يمتنع الحبس إلا إذا كان الأجل ثابتاً باتفاق الطرفين. أما إذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر ، فلا يحق له أن ينتفع من هذا الدفع إذ يتعين عليه أن يفي بما التزم به دون أن ينتظر وفاء المتعاقد الآخر() وهذا هو الحال في العقود الزمنية , حيث أن القاعدة- إذا لم يوجد اتفاق مخالف أو عُرف- أن المدين بالالتزام الزمنى هو الذى يجب عليه التنفيذ أولاً في كل فترة من فترات العقد () . على أن تحريم الدفع بعدم التنفيذ على المدين بالالتزام الزمنى لا يسرى إلا في بداية العقد أو بصفة عامة في حدود فترة واحدة من فترات التنفيذ, بمعنى أنه إذا كان المدين بالالتزام الزمنى قد قام بالتنفيذ عن إحدى الفترات فلم ينفذ العاقد الآخر الالتزام المقابل عن هذه الفترة فإن للمدين بالالتزام الزمنى أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ فيمتنع عن تنفيذ التزامه عن الفترة التالية إلى أن يقوم المتعاقد بوفاء ما هو مستحق عليه () . ويجب أن يكون الالتزام الذى يُدفع بعدم تنفيذه التزاماً جدياً وحقيقياً وواجب النفاذ . فلا يجوز التمسك بالدفع بصدد التزام طبيعي لأنه لا جبر في تنفيذه. فإذا سقط الالتزام بدفع الثمن بالتقادم. فإنه يصبح التزاماً طبيعياً . ولا يجوز للبائع في هذه الحالة الامتناع عن تنفيذ التزامه بالضمان لعدم تنفيذ المشترى لالتزامه بدفع الثمن. ولا يجوز للمستأجر الامتناع عن الوفاء بالأجرة لعدم قيام المؤجر بترميمات تأجيريه لا يلتزم بالقيام بها .
3-وجوب مراعاة حسن النية في التمسك بالدفع : إذا كان الدفع عدم التنفيذ امتناع حق خوله المشرع للمتعاقد للضغط على مدينه, وحمله على التنفيذ , بيد أن الحق في التمسك به شأنه شأن أي حق آخر , يتقيد في استعماله بقاعدة عدم جواز إساءة استعمال الحق , وقاعدة تنفيذ العقود بما يوجبه حسن النية . وبالتالي يلزم أن يكون المتمسك بالدفع مستعداً لأداء التزاماته فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن الوفاء بما التزم به وأظهر ذلك بوضوح وجلاء , فلا يُقبل منه التمسك بالدفع بعدم تنتفيذ المتعاقد الآخر للالتزام المقابل (). كذلك لا يسوغ التمسك بالدفع إذا كان المتعاقد الآخر قد قام بالوفاء بالجزء الأكبر من التزامه, ولم يبق منه إلا القليل الضئيل بما لا يتماشى مع العدالة ولا مع نزاهة التعامل الاعتصام وراء عدم أدائه لامتناع الدائن عن وفاء ما عليه. أو في الأقل يمتنع على الدائن هنا التمسك بالدفع بعدم التنفيذ إلا في حدود الجزء الذى لم ينفذ كوسيلة لحمل الآخر على إكمال الوفاء بالالتزام () .
المبحث الثاني
كيفية التمسك بالدفع بعدم التنفيذ .
الدفع بعدم التنفيذ حق خوله المشرع لمن كان طرفاً في العقد وخلفهما العام والخاص. وليس للغير أن يتمسك بهذا الدفع . كما لا يجوز للقاضي إعمال الدفع بعدم التنفيذ من تلقاء نفسه, بل يجب التمسك به من قِبل أحد المتعاقدين . ويجوز التمسك بالدفع في مواجهة الغير إذا تمسك هذا الغير بحق ناشئ عن العقد , فيمكن التمسك به في مواجهة الدائن الذى يمارس حقوق مدينه بموجب الدعوى غير المباشرة. ويجوز للمتعهد التمسك به في مواجهة المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير ().
ويٌترك الدفع بعدم التنفيذ لتقدير المتعاقد الذي يتمسك به. فإما أن يمتنع فيه عن تنفيذ التزامه، وهذا مجرد امتناع لا يحتاج فيه إلى عمل ايجابي، وإما أن يلجأ إلى القضاء وهذا لا يتحقق إلا إذا رفع المتعاقد الآخر دعوى يطلب فيها تنفيذ التزام المتعاقد الأول , فيتمسك كل من المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه ().
والدفع بعدم التنفيذ لا يتعلق بالنظام العام، فهو حق مقرر لكل من المتعاقدين, لذلك يجوز التنازل عن مباشرته صاحة أو ضمناً, شريطة ذلك أن تكون هناك دلالة قاطعة على التنازل الضمني. فاللجوء إلى إجراءات العرض والايداع لا يعتبر نزولاً عن التمسك بالدفع ويجوز الاتفاق في العقد على عدم جواز تمسك أحد المتعاقدين أو كلاهما بالدفع ().
ولا يشترط إعذار المدين للتمسك بالدفع ولا يلزم كذلك أن ترفع دعوى أمام القضاء , إذ الدفع بعدم التنفيذ ليس إلا موقفاً سلبياً . إلا أنه يجب عدم التعسف في استعمال هذا الحق, إذ يجب مراعاة حسن النية في تنفيذ العقود (). وقد يكون الإعذار واجباً لا للتمسك بالدفع، بل لتوليد الالتزام الذي يخول عدم تنفيذه حق التمسك بالدفع ، كما إذا كان هذا الالتزام هو التزام بتعويض عن التأخر لا ينشأ إلا بالإعذار طبقاً للقواعد العامة ().
وتجوز الاستعانة بإجراءات العرض الحقيقي لمعرفة المتخلف عن الوفاء من المتعاقدين فإذا تبين القاضي أن أحد المتعاقدين متعنت ، فإن كان المدعى رفض دعواه ، وإن كان المدعى عليه حكم عليه بالتنفيذ دون شرط . أما إذا كان كل من المتعاقدين متعتناً أو ظهر أن أحد منهما متعنت ولكن لا يثق أحدهما بالآخر ، ولم يلجأ أحد لإجراءات العرض الحقيقي ، لم يبق للخلاص من هذا الموقف إلا أن يحكم القاضي بأن يودع كل من المتعاقدين ما التزم به في خزانة المحكمة أو تحت يد شخص ثالث ، وفي هذا ما يجعلهما ينفذان التزاميهما في وقت واحد().
ولا يجوز التمسك بالدفع بعدم التنفيذ في العقود الإدارية من قبل المتعاقد مع جهة الإدارة, وإن كان ذلك جائزاً لجهة الإدارة نفسها . فالمتعاقد مع جهة الإدارة لا يستطع أن يمتنع عن أداء التزاماته تأسيساً على أن جهة الإدارة قد تقاعست عن الوفاء بالتزامها نحوه , ما لم يترتب على هذا التقاعس صيرورة التزامات المتعاقد مستحيلة الأداء. والعلة من ذلك هي عدم تعطيل سير المرافق العامة لمجرد أن المتعاقد مع الإدارة لم يستوف حقه في ميعاده () .
جدير بالذكر أن الدفع بعدم التنفيذ من الدفوع الموضوعية لتعلقه بموضوع الدعوى, لذلك يمكن إبداؤه في أي حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف , إلا أنه لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
المبحث الثالث
أثر الدفع بعدم التنفيذ
إذا توافرت شروط الدفع بعدم التنفيذ، فإن المتمسك به لا يجبر على تنفيذه التزامه ، بل يبقى هذا الالتزام موقوفاً طوال الفترة التي لا يتم فيها تنفيذ الالتزام المقابل . فالمشترى يمتنع عن الوفاء بالثمن حتى يتم تنفيذ الالتزام بالتسليم . فالدفع لا يؤثر على وجود العقد ولا يؤدى إلى زوال الالتزام. بل يبقى كما هو دون نقص في مقداره. فإذا ما عاد المدين إلى تنفيذه كان عليه أن ينفذه بكامله. وإذا أصر على عدم التنفيذ , فعلى المتعاقد الآخر إما أن يلجأ إلى التنفيذ العيني الجبري إن كان ممكناً , وإما إلى المطالبة بالتعويض على أساس المسؤولية العقدية, وإما المطالبة بفسخ العقد ().
ويؤثر وقف التنفيذ على العقود الزمنية, حيث يؤدى إلى نقص مقدار الأداء الواجب بقدر الثمن الذى وقف التنفيذ خلاله. فإذ كنا بصدد عقد إيجار مدته سنتان وامتنع المؤجر عن تسليم العين مدة ستة أشهر لعدم دفع الأجرة, فإن مدة الوقف تنتقص من العقد ().
ولما كان المتعاقد الذى يمتنع عن التنفيذ لا يعد مقصراً في عدم الوفاء ,فإنه لا تترتب عليه أية مسئولية عن عدم التنفيذ أو التأخر فيه. فهو لا يكون مسؤولا عما يلحق الطرف الآخر من ضرر بسبب عدم تنفيذ الالتزام الذى يدفع بعدم تنفيذه. وإذا تمثل هذا الالتزام في مبلغ من العقود , فلا تستحق عنه فوائد تأخير. فهو لا يكون مخطئاً عند ممارسته لحقه في حدوده ودون تعسف. ولا يجوز اتخاذ أي إجراء تنفيذي في مواجهته حتى ولو حل أجل الوفاء () .
ويقدم الدفع ضماناً هاماً لمن يتمسك به إذا تمثل التزامه في تسليم شيء. حيث يترتب على التمسك بالدفع حبس الشيء. ويستطيع الدائن الحابس التمسك بحقه في مواجهة كل من يكتسب حقاً على الشيء المحبوس بعد ثبوت حقه. فإذا امتنع البائع عن تسليم المبيع لعدم الوفاء بالثمن وقام المشترى رغم ذلك ببيعة لمشترى آخر , فإنه يجوز للبائع حبس العين المبيعة ويتمسك بالدفع ضد المشترى الثاني. ويجوز التمسك بالدفع في مواجهة دائن المشترى الذى يستعمل الدعوى غير المباشرة, وكلك الحال إذا أراد هذا الدائن التنفيذ على المبيع الذى يحبسه المتمسك بالدفع ().
الخاتمة
في العقود الملزمة للجانبين إذا كانت الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء , يجوز للمتعاقد بدلاً من أن يطلب الفسخ لعدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه, أن يمتنع عن تنفيذ التزامه , وهذا هو الامتناع المشروع عن الوفاء.
ويجب للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن نكون بصدد التزامات متقابلة ناشئة من نفس العقد فإذا خرجنا عن نطاق العقود الملزمة للجانبين فلن يكون هناك محل للتمسك بهذا الدفع كما يلزم أن تكون الالتزامات المتقابلة مستحقة الوفاء, أي أن يكون الالتزام الي لم يتم تنفيذه حالاً. أما إذا كان الالتزام مؤجلاً فلا يجوز التمسك بعدم تنفيذ الالتزام. ولا يمنع حلول الالتزام أن يكون القاضي قد منح المدين نظرة الميسرة. ولا يمتنع الحبس إلا إذا كان الأجل ثابتاً باتفاق الطرفين. أما إذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر، فلا يحق له أن ينتفع من هذا الدفع إذ يتعين عليه أن يفي بما التزم به دون أن ينتظر وفاء المتعاقد الآخر .
ولا يشترط إعذار المدين للتمسك بالدفع ولا يلزم كذلك أن ترفع دعوى أمام القضاء. ولكن يجب عدم التعسف في استعمال هذا الحق، إذ يجب مراعاة حسن النية في تنفيذ العقود .
ويٌترك الدفع بعدم التنفيذ لتقدير المتعاقد الذي يتمسك به, فإما أن يمتنع فيه عن تنفيذ التزامه وإما أن يلجأ إلى القضاء وهذا لا يتحقق إلا إذا رفع المتعاقد الآخر دعوى يطلب فيها تنفيذ التزام المتعاقد الأول , فيتمسك كل من المتعاقدين بالدفع ويمتنع عن تنفيذ التزامه حتى يقوم المتعاقد الآخر بالتنفيذ . فإذا رفع أحدهما دعوى على الآخر يطالبه بالتنفيذ حكم القاضي على المدعى عليه بأن ينفذ التزامه بشرط أن يقوم المدعى من جانبه بتنفيذ التزامه ويجوز الاستعانة بإجراءات العرض الحقيقي.
أما إذا كان كل من المتعاقدين متعتناً أو ظهر أن أحد منهما متعنت ولكن لا يثق أحدهما بالآخر ولم يلجأ أحد لإجراءات العرض الحقيقي، لم يبق للخلاص من هذا الموقف إلا أن يحكم القاضي بأن يودع كل من المتعاقدين ما التزم به في خزانة المحكمة أو تحت يد شخص ثالث وفي هذا ما يجعلهما ينفذان التزاميهما في وقت واحد.
ويترتب على الدفع بعدم التنفيذ وقف تنفيذ الالتزام المطالب بتنفيذه، ويستمر هذا الوقف إلى أن يقوم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه. فالالتزام يظل قائماً وكذلك العقد , ولكن التنفيذ موقوف حتى يتم التوصل إلى البدء فيه من أحد الطرفين أو منهما معاً في نفس الوقت . ويؤدي وقف التنفيذ في العقود الممتدة لا إلى التأخير في التنفيذ فحسب , بل إلى انتقاص الالتزام ذاته , كما في عقد الإيجار.
التوصيات
أولاً: إذا كان الحق في الحبس أعم واشمل وأوسع نطاقاً إذ أنه يثبت حتى خارج نطاق العقود بوجه عام. إلا أن الدفع بعدم التنفيذ -وهو أحد صور الحق في الحبس – أعم من الحق في الحبس في نطاق العقود التبادلية, إذ أنه يُباشر للامتناع عن كافة الالتزامات وليس فقط عن الالتزام بتسليم شيء.
ثانياً: فكرة الترابط بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين وإن كانت هي جوهر الدفع بعدم التنفيذ إلا أن المشرع لم يورد نصاً في القانون المدني يوضح هذه الفكرة وإنما اقتصر فقط على النص على الاثار المترتبة عليها .
ثالثاً : الدفع بعدم التنفيذ ما هو الا وقف تنفيذ العقد دون أن يؤثر على الالتزام ذاته .
رابعاً : الدفع بعدم التنفيذ هو دفع متعلق بالحق موضوع الدعوى وبالتالي فهو دفع موضوعي يجوز إثارته في أي حالة كانت عليها الدعوى .
خامساً : الدفع بعدم التنفيذ لا يثار إلا إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه وبالتالي لا يجوز اثارته في العقود الملزمة لجانب واحد , ولو فرض ذلك لكان حق في الحبس وليس دفع بعدم التنفيذ.
المراجع والمصادر
أولاً: الكتب
-
جميل الشرقاوي : النظرية العامة للالتزام, الكتاب الأول , مصادر الالتزام , دار النهضة العربية ,القاهرة , 1984.
-
سمير تناغو: مصادر الالتزام , الطبعة 1, مكتبة الوفاء القانونية ,القاهرة 2009.
-
عبد الفتاح عبد الباقي: نظرية العقد والإرادة المنفردة , دار النهضة العربية, القاهرة, بدون تاريخ نشر.
-
عبد الرزاق السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني, الجزء الأول , نظرية الالتزام بوجه عام , مصادر الالتزام, دار الشروق , القاهرة , 2010.
-
عبد الودود يحي : الموجز في النظرية العامة للالتزامات, دار النهضة العربية , القاهرة , 1985.
-
محمد حسين منصور : النظرية العامة للالتزام, الكتاب الأول, مصادر الالتزام , دار الجامعة الجديدة, الاسكندرية, 2005.
-
محمد لبيب شنب : دروس في نظرية الالتزام , مصادر الالتزام , دار النهضة العربية , القاهرة , 1977
-
نبيل ابراهيم سعد : النظرية العامة للالتزام, مصادر الالتزام, دار الجامعة الجديدة,الإسكندرية,2004
ثانياً : التشريعات والأحكام القضائية
- القانون المدنى المصري رقم 131 لسنة 1948 وتعديلاته
- مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدنى المصري رقم 131 لسنة 1948
- الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض من عام 1990 حتى 2021 الإصدار المدني, حسن الفكهانى, خيري أبو الليل , دار مصر للنشر والتوزيع, القاهرة.
- مجموعة الربع قرن في قضاء النقض المدني من عام 1995 حتى عام 2020. إبراهيم سيد أحمد, أشرف عبد الوهاب , إصدار دار العدالة للنشر والتوزيع, القاهرة.
-
أحكام محكمة النقض الصادرة من الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية ” المكتب الفتي” منذ إنشائها عام 1931 حتى عام 2013 طبعة نادى القضاة .
أحكام النقض المدني من عام 1997 حتى عام 2013 , مجدى محب حافظ, دار محمود للنشر, القاهرة .