الديمقراطية التشاركية بالمغرب
من إعداد أسامة الخديري، باحث في الحكامة و سياسة الجماعات الترابية
بزرت الديمقراطية التشاركية لتجاوز النقائص التي تعتري الديمقراطية التمثيلية ( الكلاسيكية ) المبنية على العملية الانتخابية. فبدلا من الحديث عن أنواع جديدة من الديمقراطية، يجب الحديث عن أشكال جديدة للدمقراطية. فغاية الديمقراطية التشاركية ليست تجاوز الديمقراطية التمثيلية، بل تكميلها و تجويدها و تحسينها.
إذن، فالديمقراطية التشاركية ديمقراطية تفاعلية تقوم على الحوار و التواصل والمساءلة و التداول العمومي حول الاختيارات،ومرجعيات قرارات إعداد السياسات العمومية وتدبيرها وتنفيذها. وتؤكد صفة (التشاركية) معنى التفاعل بين المواطنين ومدبري الشأن العام بشكل لا يقف عند حدود منح الصوت لمن يمثلهم على غرار ما يجري في الديمقراطية التمثيلية التي (قد) ينتهي دور المواطنين فيها لحظة التصويت في الانتخابات لتنقطع صلتهم بالمنتخبين في انتظار زمن انتخابي آخر[1].
إن الحديث عن الديمقراطية التشاركية لا يستقيم دونما الحديث عن المجتمع المدني باعتباره أساسها، و يوفر قنوات يمكن عبرها لمعظم المواطنين أن يجعلوا لأصواتهم صدى داخل الهيئات العمومية و المنتخبة. كما أنه يلعب دورا مهما في قيادة التحول نحو الديمقراطية التشاركية حيث أصبح معولا عليه في الوقت الحاضر و المستقبل من أجل المساهمة في العملية التنموية.
إن مشاركة المواطنين في تدبير الشأن العام من خلال الجمعيات يؤدي الـى تجميـع الطاقـات وتبـادل الآراء للوصول الى الآليات المناسبة للتكفل بانشغالاتهم ، وتضمينها في مطالب تتكفل هذه التنظيمـات بتبليغهـا للجهـات الرسمية ، لتجسدها في مشاريعها ومخططاتها التنموية ، مما يجعل هذه المخططات انعكاسا لمقترحـات المـواطنين
ورغباتهم وتحظى بقبولهم [2].
و في هذا السياق، جاء دستور 2011 ليعطي للفعل الديمقراطي التشاركي مكانة هامة من خلال التنصيص على مسؤولية السلطات العمومية و المجالس المنتخبة في إفراد حيز لمساهمة المواطنين في مسلسل القرار العمومي.
تكمن أهمية الموضوع في كونه أصبح محط اهتمام الباحثين خاصة مع صدور القوانين التنظيمية للديمقراطية التشاركية. و من هذا المنطلق، تتأسس هذه الورقة على إشكال أساسي يتجلى في التساؤل التالي : إلى أي حد ساهم الدستور و القوانين التنظيمية في تكريس و اعتماد الديمقراطية التشاركية بالمغرب؟
سنحاول من خلال هذه الورقة تسليط الضوء على آليات الديمقراطية التشاركية و معيقاتها، حيث ارتأينا دراسة هذا الموضوع من خلال محورين. سنتحدث في المحور الأول عن آليات الديمقراطية التشاركية. بينما سنخصص المحور الثاني للحديث عن المعيقات المرتبطة بها.
المحور الأول : آليات الديمقراطية التشاركية بالمغرب
لقد نص الدستور المغربي الصادر في سنة 2011 على مجموعة من المقتضيات التي ستمكن المواطنات و المواطنين و جمعيات المجتمع المدني من المساهمة في إعداد السياسات العمومية و تنفيذها و تقييمها، و ذلك عبر آليات دستورية مهمة على غرار ما هو معمول به في التجارب المقارنة.
الفقرة الأولى : آلية العرائض
نصت الوثيقة الدستورية على آلية مهمة ( العرائض) تسمح للمواطنين والمواطنات بالمشاركة في إعداد القرارات العمومية و تنفيذها و مراقبتها و كذا تقييمها بعيدا عن توجسات الديمقراطية التمثيلية التي أبانت عن الضعف سواء على مستوى الممارسة أو على مستوى المخرجات. ف الفصل 15 من الدستور ينص : ” للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفية ممارسة هذا الحق “. و يضيف الفصل 139 في فقرته الثانية: ” يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله”.
و قد عرف القانون التنظيمي 44.14 المتعلق ب بتحديد شروط و كيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية العريضة بكونها كل طلب مكتوب يتضمن مطالب او مقترحات أو توصيات، يوجهه مواطنات و مواطنين مقيمون بالمغرب او خارجه الى السلطات العمومية المعنية، قصد اتخاد ما تراه مناسبا في شأنه من إجراءات في إطار احترام احكام الدستور و القانون و طبقا للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون التنظيمي.
و عليه و قبل الخوض في الموضوع لا بد من التمييز بين العرائض المقدمة من طرف المواطنات و المواطنين إلى السلطات العمومية و تلك المقدمة إلى المجالس الترابية، لأن كل عريضة تخضع لشروط تختلف عن الاخرى سواء على المستوى الترابي أو الوطني.
- العرائض المقدمة الى السلطات العمومية.
يقصد بالسلطات العمومية حسب القانون التنظيمي الخاص بالعرائض : رئيس الحكومة و رئيس مجلس النواب و رئيس مجلس المستشارين.
إن حق تقديم العرائض إلى السلطات العمومية من الحقوق التي خولها الدستور للمواطنات والمواطنين للمساهمة في تدبير الشأن العام إعمالا بالديمقراطية التشاركية والمواطنة التي تعتبر من المقومات الأساسية للنظام الدستوري للمملكة. حيث يمكن لكل مواطن ومواطنة في أي وقت، سواء يقيم في المغرب أو خارجه، أن يبادروا بتكوين عريضتهم ويضمنوها مطالب/مقترحات/توصيات، ويرفعوها إلى الجهات المعنية لاتخاذ ما تراه مناسبا بشأنها من إجراءات، شريطة أن يكون المعني متمتعا بالحقوق المدنية والسياسية ومقيدا في اللوائح الانتخابية العامة.
و تنص المادة 3 من القانون التنظيمي 44.14 على أن يكون الهدف من العريضة هو تحقيق المصلحة العامة، و أن تكون المطالب أو المقترحات أو التوصيات التي تتضمنها مشروعة ومحررة بكيفية واضحة مرفقة بمذكرة مفصلة تبين الأسباب الداعية إلى تقديمها والأهداف المتوخاة منها، و مشفوعة بلائحة دعم العريضة.
غير أن العريضة تعتبر غير مقبولة إذا كانت تمس بالثوابت الجامعة للأمة و المتعلقة بالدين الإسلامي أو بالوحدة الوطنية أو بالنظام الملكي للدولة أو بالاختيار الديمقراطي أو بالمكتسبات التي تم تحقيقها في مجال الحريات و الحقوق الأساسية كما هو منصوص عليه في الدستور. كما ترفض إذا كانت تمس قضايا أمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بالدفاع الوطني. أو موضوع متابع من طرف لجان تقصي الحقائق. أو معروضة أمام المحاكم أو صدر حكم في شأنها.
كما تكون العريضة غير مقبولة حين تخل بمبدأ استمرارية المرافق العمومية، وبمبدأ المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إلى المرافق العمومية، أو حين تكتسي طابعا نقابيا أو حزبيا ضيقا أو طابعا تميزيا، أوحين تتضمن سبا أو قذفا أو تشهيرا أو تضليلا أو إساءة للمؤسسات أو الأشخاص [3].
- العرائض المقدمة الى المجالس الترابية
ينص الفصل 139 من الدستور المغربي في فقرته الثانية على ما يلي: ” يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله”.
و بالرجوع إلى القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية فإننا نجدها تعرف العريضة بأنها كل محرر يطالب بموجبه المواطنات و المواطنون و الجمعيات مجلس الجهة أو مجلس العمالة أو الإقليم أو مجلس الجماعة بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله. و لا يمكن ان يمس موضوع العريضة الثوابت المنصوص عليها في الفصل الأول من الدستور.
إن أول ملاحظة يمكن تسجيلها هو أن القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية خولت للمواطنات و المواطنين و حتى الجمعيات حق تقديم العرائض خلافا للقانون التنظيمي 44.14 .
اشترطت القوانين التنظيمية حول الجماعات الترابية نفس الشروط تقريبا الواجب توفرها في المواطنات و المواطنين مقدمي العريضة. أن يكونوا من ساكنة المجلس الترابي المعني أو ممن يمارسون نشاطا اقتصاديا أو تجاريا أو مهنيا بترابها مع توافر مصلحة مشتركة بين الموقعين وصفة القيد في اللوائح الانتخابية بالنسبة للجماعات و العمالات و الأقاليم ( باستثناء الجهة) مع فارق من حيث العدد (من 100 إلى 400 موقع في الجماعات والمقاطعات حسب معيار عدد ساكنتها) و300 موقع كحد أدنى في عريضة مرفوعة إلى مجالس العمالات والأقاليم، و من 300 إلى 500 توقيع بالنسبة للجهة حسب عدد سكانها.
و يجب أن ترفق العريضة المقدمة الى المجلس المعني بنسخ من البطائق الوطنية للتعريف الخاصة بمقدمي العريضة.
أما بالنسبة للجمعيات، فلتقديم العرائض إلى هذه المجالس المنتخبة ومطالبتها بإدراج نقطة بموجب هذه المسطرة / العريضة ضمن جدول أعمالها، لابد من أن تكون الجمعية مؤسسة قانونا لمدة تزيد عن ثلاث سنوات و تعمل طبقا للمبادئ الديمقراطية و لأنظمتها الأساسية وفي وضعية قانونية سليمة ويتواجد مقرها بالدائرة الترابية للمجلس المراد توجيه العريضة إليه وأن يكون موضوع العريضة مرتبطا بنشاط وأهداف الجمعية المسطرة في قانونها الأساسي. مع شرط يتمثل في تجاوز عدد المنخرطين (100) بالنسبة للمجالس الإقليمية دون الجماعية حيث أن هذا الشرط غير قائم.
و ينبغي أن ترفق العريضة المقدمة الى المجلس المعني مجموعة من الوثائق المثبتة التالية : نسخة من الوصل النهائي للجمعية، و الفروع و المؤسسات التابعة لها عند الاقتضاء، أو وثيقة تثبت أن الجمعية مؤسسة قانونيا. و نسخة من النظام الاساسي للجمعية ثم وثيقة تثبت الصلاحيات المخولة الى الشخص الذي يتولى، بإسم الجمعية، تتبع مسطرة تقديم العريضة.
أما عن كيفيات إيداع العريضة، فإن هذه الأخيرة تودع لدى رئيس المجلس المعني مرفقة بالوثائق المثبتة مقابل وصل يسلم فورا. و يحيل رئيس المجلس العريضة الى مكتب المجلس الذي يتحقق من استفائها للشروط. ففي حالة قبول العريضة تسجل في جدول أعمال المجلس في الدورة العادية الموالية. و بعد ذلك تحال على اللجنة أو اللجان الدائمة المختصة لدراستها قبل عرضها على المجلس للتداول في شأنها. و يخبر رئيس المجلس المعني الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية حسب الحالة بقبول العريضة.
أما في حالة عدم قبول العريضة من قبل مكتب المجلس، يقوم الرئيس بتبليغ الوكيل أو الممثل القانوني للجمعية، حسب الحالة، بقرار الرفض معللا ( داخل أجل شهرين بالنسبة للجهات و العمالات أو الأقاليم ، و ثلاثة أشهر بالنسبة للجماعات) ابتداء من تاريخ توصله بالعريضة.
الفقرة الثانية : ملتمسات في مجال التشريع
ينص الفصل 14 من الدستور المراجع 2011 على أن للمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.
و يراد بملتمس التشريع حسب المادة الثانية من القانون التنظيمي 64.14 المتعلق بتحديد شروط و كيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، كل مبادرة يتقدم بها مواطنات و مواطنون بهدف المشاركة في المبادرة التشريعية.
و ينص القانون التنظيمي على مجموعة من الشروط من أجل اكتساب صفة مدعمي الملتمس، ،فإلى جانب ضرورة التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، اشترط القانون التنظيمي في مدعمي ملتمسات التشريع القيد في اللوائح الانتخابية. كما اشترط أن يكون الهدف منه تحقيق مصلحة عامة و محرر بكيفية واضحة في شكل اقتراحات او توصيات و يكون مرفقا بمذكرة مفصلة تبين الأسباب و الأهداف الداعية إلى تقديمه، وكما يجب أن يكون مشفوعا بلائحة دعم الملتمس يحمل 25000 توقيع. و يعتبر مرفوضا إذا كان يمس الثوابت العامة للأمة كما هو الشأن بالنسبة للعريضة[4].
الفقرة الثالثة : آليات التشاور العمومي
تنص الفقرة الثانية من الفصل 12 من الدستور على ما يلي: “تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون”.
وينص الفصل 13 من الدستور على أن “السلطات العمومية (تعمل) على إحداث هيآت للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.”
وينص الفصل 18 من الدستور على أنه “تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون”.
و الفصل 33 من الدستور الذي ينص : “على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد..”
فضلا عن ذلك، فقد نص الفصل 136 من الدستور على أن ” التنظيم الجهوي والترابي للمملكة يرتكز على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة”. بينما يشير الفصل 139 منه إلى أن “مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى (تضع) آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها”.
ويقصد بهيآت التشاور العمومي مجموع المؤسسات واللجان والهيآت العمومية الدائمة أو المؤقتة التي يعهد إليها بتدبير وتنفيذ مختلف عمليات التشاور التي تضطلع بها السلطات
العمومية، وطنيا أو محليا، قصد التواصل والتفاعل مع المواطنين بخصوص القرارات المتعلقة بإعداد و تنفيذ و تتبع وتقييم سياسات عمومية – وطنيا وجهويا ومحليا [5].
فيما يتعلق بأهداف التشاور العمومي، فيمكن تلخيصها في ما يلي[6]. :
1 – مأسسة فضاءات التواصل والحوار والنقاش والتعاون بين السلطات العمومية والمواطنين ؛
2 – تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل بين مؤسسات الدولة و المواطنين حول أهداف وإكراهات مسلسل التدبير العمومي ؛ واستباق جميع التوترات الممكنة.
3- تعميم ثقافة التعاقد بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وكذا ترسيخ مبدأ التدبير المبني على النتائج،
4 – تعزيز ثقافة التطوع المؤطرة بقانون وتنمية روح التشارك الفعلي بين الدولة وشركائها من جمعيات مدنية وجماعات ترابية وفاعلين اقتصاديين؛
5- التحفيز على تنمية وصقل وتجميع وتجويد القوة الاقتراحية لمنظمات المجتمع المدني وتوجيهها لفائدة البرامج والمشاريع القطاعية المعنية؛
6 -إغناء مسلسل اتخـاذ القرار العمومي من خلال توسيع وتعميم مشاركة السكان في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد .
7- تعبئة الإمكانات البشرية والقدرات الاجتماعية للتنمية البشرية المستدامة .
8- تملك المواطنات والمواطنين للسياسات والبرامج التنموية ومشاركتهم في تنفيذها وانخراطهم في صيانتها وتطويرها؛
9- توطيد وتطوير الحكامة الجيدة وتوسيع وتعزيز الشفافية والنزاهة
المحور الثاني : معيقات الديمقراطية التشاركية
بالرغم من التنصيص على هذه الآليات الدستورية التي تعتبر قفزة نوعية على مستوى اشراك المواطنات و المواطنين و جمعيات المجتمع المدني في عملية صياغة و إعداد و تنفيذ و مراقبة و تقييم السياسات العمومية المتخدة، إلا أن هذه الآليات تواجهها جملة من الإكراهات التي تحول دون ممارستها بشكل سلس و على أكمل وجه.
على مستوى العرائض :
إذا كان الدستور المغربي قد أتاح للمواطنات و المواطنين إمكانية تقديم عرائض الهدف منها إشراكهم في تدبير الشأن العام، فإن القانون التنظيمي 44.14 الخاص بتحديد شروط و كيفيات تقديم العرائض قد قيد من ممارسة على الحق الدستوري. و يمكن ملاحظة ذلك من خلال الشروط التعجيزية التي وضعها. و تجلت هذه الشروط في ما يلي :
_ التقيد في اللوائح الانتخابية، حيث يجب أن تكون لائحة دعم العريضة موقعة من طرف أشخاص مسجلين في اللوائح الانتخابية العامة. إن هذا الشرط لا شك أنه سيقصي فئة مهمة من المواطنات و المواطنين في التعبير عن مطالبهم خاصة تلاميذ المستوى الثانوي و كذلك غير المسجلين في الانتخابات لأسباب ذاتية أو موضوعية. و هذا في حد ذاته تقييد قانوني لحق دستوري، دون الحديث عن الأشخاص المحددين في المادة السابعة من القانون 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة و عمليات الاستفتاء، حيث يظلون في نهاية المطاف مواطنون لهم مطالب و حاجيات.
_ عدد موقعي العريضة : حيث يختلف حسب الجهة الموجه اليها العريضة. لكن الملاحظ هو أن عدد التوقيعات الصعب الوصول إليه ربما يعيق ممارسة هذا الحق و يجعله حبرا على ورق إذا افترضنا عدم وجود موقع الكتروني يساعد على جمع التوقيعات كما هو معمول به في البلدان السابقة في هذا المجال.
_ المصلحة المباشرة : إن هذا الشرط طرح في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية دون تحديد المقصود به و المعيار الذي يمكن الاستناد عليه لتمييز المصلحة المباشرة عن باقي المصالح.
_ النشاط الاقتصادي أو المهني أو التجاري: إذا كان المشرع قد اشترط أن يكون مقدمو العريضة ينتمون ترابيا إلى المجالس المنتخبة، و إن كان يبدو مقبولا و موفقا. فإن ممارستهم لنشاط ما يدفعنا إلى التساؤل حول ماهية و معايير الانشطة الواجب القيام بها لممارسة حق تقديم العريضة.
_ عبارة ” نقطة ما ” : إذا كانت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد نصت على ان يكون الهدف من العريضة هو مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في صلاحياته ضمن جدول أعماله، فإن الإشكالية التي تطرح هنا هي المقصود ب ” نقطة ” حيث ظلت غامضة و غير مفهومة و تحمل مقاصد غير محددة. بالإضافة إلى ذلك، تطرح إشكالية ” الصلاحيات ” في الوقت الذي نعرف فيه تداخل على مستوى الاختصاصات بين الجماعات الترابية فيما بينها و بين الدولة.
_ نشاط الجمعية : إذا كانت النصوص الدستورية قد أكدت على أهمية جمعيات المجتمع المدني و الأدوار الكبرى التي أنيطت بها على جميع المستويات، فإن أول ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو أنه لم يشملها حق التقدم بالعريضة إلى السلطات العمومية. و ذلك بالرغم من كونها إطارا تنظيميا يمكن أن تساعد المواطنين في عملية تنظيم و إيداع العريضة.
أما على المستوى الترابي، فإن ممارسة الجمعيات لهذا الحق يجب أن يكون مرتبطا بنشاطها. و هو يطرح إشكالا عويصا بالنسبة للجمعيات التي تقوم بأنشطة متعددة و متنوعة تدخل في إطار ” التنمية “. مما يعني صعوبة تحديد ما إذا كان من اختصاصها موضوع العريضة أم لا.
على مستوى الملتمسات في مجال التشريع :
ينص الفصل 14 من الدستور أن للمواطنات والمواطنين ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع.
وللإشارة فإن المشرع الدستوري استعمل مصطلح ملتمسات في مجال التشريع وليس ملتمسات تشريعية. ويمكن طرح السؤال التالي متعلق بطبيعة الملتمس نفسه. هل هو عبارة عن مقترحات نصوص قانونية أم ذي طبيعة اقتراحية عادية بدون صياغة قانونية موجه لمن يهمهم الأمر؟ [7].
و بالرجوع إلى القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط و كيفيات ممارسة هذا الحق، نجد أنه يشترط أن يكون الملتمس ضمن ميادين يختص القانون بالتشريع فيها. مما يعني أنه ضيق من هذا الحق بحيث اكتفى بالمجال التشريعي و استثنى المجال التنظيمي المحفوظ للحكومة. فالتشريع ليس حكرا على السلطة التشريعية بل حتى السلطة التنفيذية. و هو ما ينص عليه الفصل 78 من الدستور: ” لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين”.
و من شروط اكتساب صفة مدعمي الملتمس كما نص على ذلك القانون 64.14، التمتع بالحقوق السياسية والمدنية، إلى جانب القيد في اللوائح الانتخابية. و في نظرنا، هذا يخالف جوهر و فلسفة الديمقراطية التشاركية التي تقتضي الانفتاح على مختلف قناعات المواطنين قصد إشراكهم في القرار العمومي. فلا يجوز استثناؤهم من ممارسة المواطنة. كما لا ينبغي الربط بين صفة الناخب و صفة المواطنة.
بالإضافة إلى ذلك، فإذا كان دعم الملتمس بتوقيعات 25000 ناخب على الأقل يعتبر مريحا مقارنة مع التجارب المقارنة التي تشترط عدد توقيعات كبير، فإن الأمر يصبح دون جدوى عندما يتعلق بتجميع هذه التوقيعات حيث يصعب ذلك في غياب أية وسيلة الكترونية.
أما على مستوى آليات التشاور العمومي،
فإن من بين الملاحظات التي يمكن تسجيلها هي غياب قانون تنظيمي يحدد كيفيات مشاركة جمعيات المجتمع المدني في عملية إعداد و تنفيذ و تقييم السياسات العمومية.
من جهة ، فبعض الهيئات التشاورية التي أنتجتها الجماعات الترابية، قامت على أساس الانتقاء المصلحي و العلائقي. و بالتالي فهي هيئات ليست في مستوى تطلعات الدستور و القوانين التنظيمية و المواطنين. ضف إلى ذلك أن هناك جماعات ترابية قزمت من أدوارها و من أهميتها خوفا من تواجدها كآلية للشفافية و النزاهة و المراقبة.
إن افتقاد المنتخب الترابي لأساليب تواصلية و عقلية منفتحة و عدم إيمانه بالمجتمع المدني كمكمل للديمقراطية التمثيلية، انعكس سلبا على مستوى إشراكه في التشاور و الحوار و بالتالي فشل المقاربة التشاركية.
من جهة أخرى، يعاني المجتمع المدني في غالبيته من ضعف الحكامة و غياب الكفاءات و سيادة الجهل و الأمية. بالإضافة إلى ذلك، فغالبية جمعيات المجتمع المدني لا تملك رؤية استراتيجية و لا مخططات مبرمجة لمشاريعها. هذا فضلا عن ضعف التواصل مع محيطها الداخلي و الخارجي. إن هذه المعيقات من شأنها أن تؤثر على تدبيرها الإداري و المالي و على مردوديتها.
خاتمة :
و على سبيل الختام، فبالرغم من أن الدستور المغربي قد نص على مجموعة من المقتضيات تصب في حقل الديمقراطية التشاركية و التي تمكن المواطنات و المواطنين و كذا جمعيات المجتمع المدني من المشاركة في الفعل العمومي عبر آليات دستورية و قانونية، إلا أن تفعيل هذه المقتضيات مازال غائبا وهو ما جعل عددا كبيرا من منظمات المجتمع المدني بصفة عامة والمواطنات والمواطنين بصفة خاصة غير منخرطين في الآليات التشاركية. ضف على ذلك، أن هذه الأخيرة بدورها تعرف مجموعة من التحديات و المعيقات التي تحول دون ممارستها.
و عليه، فإذا كان التنصيص على هذه الآليات التشاركية يعتبر قفزة نوعية في تاريخ التجربة المغربية، فإن الرهان الحقيقي اليوم هو الملائمة بين النصوص الدستورية و القوانين التنظيمية التنزيلية بالشكل الذي يسمح بممارستها ( الآليات) دون معيقات أو تعقيدات.
المراجع :
- الدستور المغربي 2011.
- القانون التنظيمي 44.14 المتعلق بتحديد شروط و كيفيات الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية .
- القانون التنظيمي 64.14 المتعلق ببتحديد شروط و كيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع.
- التقرير التركيبي، اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة،2014 . المصدر الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني.
- القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية.
- القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات و الأقاليم.
- القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات.
[1] – جمال بندحمان، الديمقراطية التشاركية: شروط التنزيل، مقال منشور بجريدة هسبريس، بتاريخ 03/08/2016
[2] – الأمين سويقات، دور المجتمع المدني في تكريس الديمقراطية التشاركية، دراسة حالتي الجزائر و المغرب، دفاتر السياسة و القانون، العدد 17 يونيو 2017، ص 245.
[3] – المادة الرابعة من القانون التنظيمي 44.14.
[4] – – القانون التنظيمي 64.14 المتعلق متعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع.
[5] – التقرير التركيبي، اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة،2014 . المصدر الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني.
[6] – التقرير التركيبي، اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة،2014 . المصدر الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان و المجتمع المدني.
[7] – نورالدين قربال، الملتمسات في مجال التشريع،مقال منشور بجريدة هسبريس، 29 ماي 2015.