مقالات قانونية

الشراكة كوسيلة قانونية لتفعيل الاستثمار الأجنبي في الجزائر

téléchargement (2)

الاسم: أمينة اللقب: ركاب

الرتبة العلمية: طالبة دكتوراه

التخصص: قانون عام معمق

الوظيفة: أستاذة مؤقتة

جهة العمل: جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان-

البريد الالكتروني: www.minarakkeb@yahoo.com

 

 

 

عنوان المقالة:

الشراكة كوسيلة قانونية لتفعيل الاستثمار الأجنبي في الجزائر

 

 

مقدمـــــــــة

تشهد الساحة الاقتصادية العالمية ظهور استراتيجيات وآليات جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية وتعزيز الأداء الحكومي والذي بدوره انعكس على إزالة الحدود التقليدية بين القطاعين العام والخاص حتى أصبحت الشراكة بين هذين القطاعين هي إحدى أكثر الركائز والآليات توظيفا لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.

ويلعب القطاع الخاص دورا رئيسيا وفاعلا كشريك أساسي للقطاع العام في تنفيذ مختلف البرامج التنموية، وأثبتت عملية الشراكة ذلك أن كلا من القطاعين يمتاز بمزايا خاصة تؤدي في حال دمجها وتكاملها إلى تحقيق نتائج متميزة في إنجاز مشاريع وبرامج عالية الجودة، وتكتسب إستراتيجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص أهمية متنامية في تفعيل النهج التشاركي والتعاوني وتعزيز قنوات التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية من أجل تطوير مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين الأداء الحكومي في الدول النامية.

ولقد حظي موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص باهتمام كبير من قبل الحكومات والمجتمعات والمراكز البحثية في مختلف أنحاء العالم، بعد أن اتضح أن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على حشد وجمع كافة إمكانات المجتمع، بما فيها من طاقات وموارد وخبرات كل من القطاع العام والخاص لتشارك في تنظيمات مؤسسية تتولى إنشاء وتشغيل المشاريع بمختلف أنواعها، بعد أن واجهت التنظيمات المؤسسية المنفصلة والمستقلة قطاعيا تحديات وصعوبات في تحقيق الأهداف التنموية بالمستويات الطموحة المستهدفة، لذلك تسعى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء إلى تبني التنظيمات التشاركية التي تساهم فيها كافة قطاعات المجتمع في توجيه وإدارة وتشغيل المشاريع والأعمال وتطويرها وتنميتها من أجل خدمة أغراضها على أساس تشارك تعاوني وحوكمة جيدة ومساءلة شفافة ومنفعة متبادلة.

والجزائر باعتبارها بلد من البلدان السائرة في طريق النمو، فهي أضحت مجبرة أن تساير كل هذه المستجدات العالمية، حتى لا تظل في معزل عن الاقتصاد الدولي، ولجأت إلى إتباع سياسة المشاركة أو ما يعرف بالشراكة الدولية كوسيلة جديدة لتشجيع أكثر للاستثمارات الأجنبية بتوقيعها عدة اتفاقيات شراكة أهمها اتفاق شراكة لاستغلال الرخام في أرزيو بين المؤسسة الوطنية (GNAMARBRE) والشركة الاسبانية (INTERCONTINENTAL MASTE)، وكذلك عقد شراكة بين سونطراك والشركة الاسبانية (FERTIBINIA)، الاتفاق المبرم بين الجزائر والدنمارك من أجل الترقية وحماية الاستثمارات المتبادلة، والاتفاقية الجزائرية الكويتية للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، واتفاق الشراكة الأورو جزائرية، وكذلك العديد من الاتفاقيات في مجالات مختلفة.

وقد عرف تطور قوانين الاستثمار في الجزائر فترات أو مراحل متباينة تميزت المرحلة الأولى بنوع من الرقابة على الاستثمارات الأجنبية مرحلة الاقتصاد الموجه، أما المرحلة التالية لها بالتوجه نحو اقتصاد السوق.

وللإحاطة بالموضوع يطرح التساؤل التالي:

كيف يمكن للشراكة أن تساهم في تنشيط الاستثمار الأجنبي المباشر، وما مدى فعاليتها كخيار استراتيجي؟.

وللإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى قسمين:

المطلب الأول: مكانة الشراكة في ظل الاقتصاد الموجه

المطلب الثاني: الشراكة بين الإصلاح والتحول نحو اقتصاد السوق

 

المطلب الأول: مكانة الشراكة في ظل الاقتصاد الموجه

خلال هذه الفترة عرفت الجزائر تحولات وتوجهات سياسية واقتصادية فرضتها ظروف الاستعمار، ولهذا رأينا من الأفضل تقسيم هذه الفترة إلى فترتين: فترة ما بعد الاستقلال مباشرة 1963-1982 كفرع أول، ثم فترة 1982-1990 كفرع ثان.

الفرع الأول: مكانة الشراكة خلال فترة 1963-1982

اهتمت الجزائر أساسا بعد الاستقلال بتكريس فكرة الاستقلال الاقتصادي في تسيير شؤونها العمومية، فكرست مبدأ أولوية الاستثمار العمومي في تمويل الاقتصاد الوطني، وبذلك كانت الدولة تلعب دور المسير والمراقب في نفس الوقت على كل فروع الاقتصاد الوطني.

وتجسد هذا الدور المزدوج للدولة من خلال تكريس جملة من المظاهر والمبادئ التالية:

أولا: تقليص تدخل المستثمر الأجنبي

كانت فكرة الاستقلال الاقتصادي تتعارض مع تدفق الرساميل الأجنبية، لذلك خصص المشرع على ضوء قانوني 1963 و1966 مجالات ثانوية لتدخل الاستثمارات الأجنبية، حيث لا يمكن القيام باستثمارات أجنبية مباشرة إلا في المجالات التي لا تعتبر ذات أهمية أو حيوية اقتصادية بالنسبة للاقتصاد الوطني، ورغم أن المشرع لم يعرف مفهوم هذه القطاعات الحيوية، إلا أنه بين طرق تدخل الدول في هذه القطاعات وذلك باستعمال أموالها، وإنشاء شركات وطنية، وقد ترجمت فكرة القطاعات الحيوية في الواقع من خلال تكريس نظام الاحتكارات الذي منح للشركات الوطنية المنشأة فيما بعد، وفي المقابل لم يعطي لرأس المال الخاص الوطني أو الأجنبي أي حرية أو مبادرة للاستثمار في هذه القطاعات، وأن يستثمروا في القطاعات الأخرى المحددة (الصناعة والسياحة) إلا أن هذا الاستثمار لا يتم بكل حرية بل لابد من الحصول على اعتماد مسبق من السلطات الإدارية وذلك بموجب المادة 4 من قانون 1966.

وعليه اقتصر تدخل الرساميل الأجنبية على قطاعي الصناعة والسياحة فقط، مع مراعاة شروط الترخيص أو الاعتماد، إلا أن هناك استثناء إذ يمكن للدولة السماح للمستثمر الأجنبي التدخل في المشاريع الحيوية وفق الكيفيات التي تحددها مسبقا وهذا بموجب المادة 2/2 من الأمر 66-284.

ونتيجة لتقليص مجالات تدخل الاستثمارات الأجنبية المباشرة واقتصارها على القطاعات غير الحيوية، فإنه لم يتم اعتماد إلا مشاريع قليلة خلال هذه الفترة، وكمثال على ذلك القرار الوزاري المشترك الصادر بتاريخ 8 جوان1966، أعطى اعتماد أو ترخيص بالاستثمار للمركز الصناعي للملابس الجاهزة دون منحه المزايا المتعلقة بالضرائب.

ثانيا: الاستثمار في إطار الشركات المختلطة الاقتصاد

ظهر جليا وجهة الجزائر إلى اعتماد نظام الشركات ذات الاقتصاد المختلط، أي اعتماد شكل التعاون الدولي أو بتعبير آخر أشكال الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر في إطار الاقتصاد المختلط بموجب المادة23 من قانون 63-277 والمادة 3 من الأمر 66-284، ومن ثم أجاز المشرع الجزائري للدولة الاشتراك مع الرأس المال الخاص الأجنبي أو الوطني لتأسيس هذا النوع من الشركات، وذلك ارتكازا على ثلاثة مبررات:

– تسمح المشاركة للدولة بفرض رقابة دائمة على حركة رؤوس الأموال الأجنبية بصفتها مساهمة في رأسمالها الاجتماعي.

– تسمح لها بإزالة التعارض ما بين النظام الاشتراكي الذي يفضل سيطرة الرأس المال العمومي في الاستثمارات، ونظام الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يسعى إلى بناء قطاع خاص قوي.

– وأخيرا يساعد الدولة على تحمل أعباء التنمية من خلال إشراكه في تنمية بعض القطاعات المعنية.


إلا أن هذه المشاركة كانت هي الأخرى محدودة، حيث اشترطت الدولة شروطا غير مألوفة تتمثل في إمكانية الدولة إعادة شراء كل الحصص والأسهم التي يملكها الشريك الأجنبي من جهة، وممارستها حق الشفعة أو إعطاء ترخيص في حالة قيام الشريك الأجنبي ببيع أو تحويل أو التنازل عن حصته أو أسهمه في الشركة المختلطة الاقتصاد وذلك بموجب المادة 3/أ، ب من الأمر 66-284، ومن أمثلة: على الشركات ذات الاقتصاد المختلط الشركة الفرنسية الجزائرية صيدال لإنجاز الغاز الطبيعي 1971.

 

ثالثا: تدخل المستثمر الأجنبي عن طريق نظام المناقصات

بالإضافة إلى تدخل المستثمر الأجنبي في قطاع السياحة والصناعة بصفة مباشرة، أو عن طريق المشاركة مع الدولة في كل القطاعات الاقتصادية بإنشاء شركات مختلطة الاقتصاد، يمكن للمستثمر الأجنبي التدخل في إطار المناقصات التي تعرضها الدولة تنفيذا لمخططاتها الاقتصادية التنموية في كل القطاعات الاقتصادية.

ويتعين على المستثمر الأجنبي في هذه الحالة، إنشاء مؤسسة اقتصادية والتقيد بمقتضيات دفتر الشروط الذي ينظم عملية الاستثمار والذي يحدد الأهداف الإنتاجية للمؤسسة المراد إحداثها، وذلك استنادا لأحكام نص المادة 5 من قانون 1966.

الفرع الثاني: مكانة الشراكة خلال فترة 1982-1990

ميز المشرع خلال هذه الفترة بين الاستثمارات الوطنية والاستثمارات الأجنبية، حيث خصص لكل منها نصا تشريعيا خاصا ومستقلا عن الآخر، فأصبحت بذلك الاستثمارات الأجنبية منظمة بالقانون رقم 82-13 والمتعلق بالشركات المختلطة الاقتصاد، أما الاستثمارات الوطنية فتخضع للقانون رقم 82-11 والمتعلق بالاستثمار الاقتصادي الخاص الوطني.

وبذلك تكون الجزائر قد أكدت نيتها في رفض الاستثمار الأجنبي المباشر الكلي، وفضلت الاستثمار عن طريق الشركات المختلطة الاقتصاد.

أولا: الشركات المختلطة الاقتصاد كشكل من أشكال الاستثمار الأجنبي في الجزائر

أخضع المشرع الجزائري الشركات المختلطة الاقتصاد إلى هيمنة المؤسسات العمومية الوطنية، وذلك بموجب نص المادة 22 من ق82-13:"لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل نسبة مساهمة المؤسسة أو المؤسسات الاشتراكية عن 51%". كما فرض المشرع على كل من يريد تأسيس شركة ذات الاقتصاد المختلط احترام ثلاثة إجراءات أساسية وهي:

أ- إبرام بروتوكول اتفاق

يتم إنشاء الشركة ذات الاقتصاد المختلط بموجب بروتوكول اتفاق موقع عليه من أطراف العقد استنادا للمادة 2 من قانون 86-13، ويجري التفاوض بشأنه في إطار لجنة مختلطة مشكلة من ممثلي المؤسسة الوطنية وممثل الشركة الأجنبية، ويكشف البروتوكول عن نية الشريك الأجنبي في العمل على إنشاء شركة ذات اقتصاد مختلط وتصرف قانوني أساسي لإنشاء هذه الشركة.

ب- صدور قرار وزاري مشترك

يصدر هذا القرار عن الوزير المشرف على القطاع وغالبا ما يكون وزير الصناعة، والوزير المكلف بالمالية، وكذلك الوزير المكلف بالتخطيط بموجب المادة 6 من قانون 86-13، إن وزير المالية يتدخل في الجانب المالي للاستثمار وخاصة فيما يتعلق بنظام الصرف ونظام الأسعار ونظام الجباية، ويتكفل بمختلف التسهيلات المالية الأخرى، حيث أن الإعفاءات الجبائية المقررة قد تؤثر بشكل أو بآخر على موازنة الدولة ومن الواجب مراعاتها عند وضع التقديرات المرتبطة بالموازنة العامة. في حين وزير التخطيط له دور مركزي في تنظيم السياسة الاقتصادية الدولية المتبعة آنذاك، وهو المؤطر القانوني لكل نشاط اقتصادي، إذ من صلاحياته إجراء مطابقة بين أهداف الشركة ذات الاقتصاد المختلط المعلن عنها في بروتوكول الاتفاق والأهداف العامة المنصوص عليها في قانون المخطط.

ج- إصدار القانون الأساسي للشركة

حدد المشرع الجزائري من خلال المادة 20 من قانون 82-13 المعدل والمتمم سنة 1986، شكل الشراكة المختلطة الاقتصاد بشركة المساهمة.

وبالتالي لم يترك للأطراف المتعاقدة حرية اختيار الشكل القانوني لشركتهم، ويعد المساهمين قانونا أساسيا للشركة يتضمن مايلي:

– عدد الشركاء الذي يمكن أن يصل إلى اثنين بدل من تسعة، أي شريك واحد يمثل المستثمر الأجنبي وشريك آخر يمثل المؤسسة العمومية.

– نسبة مساهمة المؤسسة العمومية في الشركة المختلطة الاقتصاد، والتي لا يجب أن تقل عن 51% والهدف منه هو تمكين المؤسسة العمومية من ممارسة صلاحية التوجيه والرقابة على الشركة بصفة قانونية.

– تعيين الحصص العينية الذي يتم من طرف وزارة المالية.

– مدة الشركة المختلطة الاقتصاد على أن لا تتجاوز 15 سنة، ويمكن تقليص هذه المدة عن طريق الحل المسبق للشركة باتفاق الشركاء، كما يمكن تمديدها في إطار بروتوكول اتفاق إضافي.

ثانيا: الشراكة في قطاع المحروقات

في إطار إصلاح قطاع المحروقات أصدر المشرع قانونا جديدا سنة 1986 الذي ألغى بموجبه الأمر 1971، وتضمن هذا القانون أهم البنود الخاصة لفتح القطاع أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، وحدد إطار الشراكة بين الشركة الوطنية سوناطراك والشركات النفطية الأجنبية.

وقد تضمن القانون 86-14 العديد من البنود والترتيبات الهادفة لإصلاح قطاع المحروقات بالجزائر، منها:

* سمح هذا القانون لأول مرة بأربع صيغ للشراكة وهي:

– الشراكة في صيغة عقد تقاسم الإنتاج، وهي الصيغة الرئيسية والوحيدة تقريبا التي تم استعمالها.

– الشراكة في صيغة عقد خدمات.

– الشراكة في صيغة شركة تجارية تخضع للقانون الجزائري ويكون مقرها بالجزائر، لكنها لا تحمل الشخصية المعنوية.

– الشراكة في صيغة شركة أسهم تخضع للقانون الجزائري ويكون مقرها بالجزائر.

* جعل الشركات الوطنية الفاعل الأصلي في القطاع من خلال حيازتها على نسبة 51% من نسبة الشراكة، وأن لا تتجاوز نسبة الشركات الأجنبية نسبة 49% وذلك بموجب المادة 24-25 من القانون أعلاه.

* قصر منح الشهادات المنجمية (تراخيص الاستكشاف و/أو الاستغلال) على الشراكة الوطنية سونطراك وحدها، التي تقوم مقام الدولة وتمارس لحساب هذه الأخيرة بصورة ملتوية تقريبا شكلا من أشكال الاحتكار على نشاط الاستكشاف والاستغلال، وترك لسونطراك بعد أن تحصل على هذه الشهادات خيار التفاوض مع الشركاء الأجانب واختيار الكيفية المثلى لاستغلال المحروقات وفق إحدى الصيغ الأربع المذكورة سابقا وفقا للمادة 9من القانون أعلاه .

* كما أن المشرع حصر مجال تطبيق القانون في قطاع النفط فقط، فقد بينت المادة 23 بوضوح أن قطاع الغاز غير معني بذلك ولا يسري عليه القانون، ومنه فإن كل الاكتشافات الغازية التي تتحقق عرضا أثناء البحث عن البترول، يتم تعويض الشريك الأجنبي على المصاريف التي صرفها لتحقيق ذلك، وتستأثر الجزائر باحتياطات الحقل المكتشف.

* وإذا كانت المادة 23 قد قصرت مجال تطبيق القانون أعلاه على قطاع النفط فحسب، فإن المادة 65 ذهبت أبعد من ذلك، وحصرت هي الأخرى مجال تطبيق القانون زمانا، حيث قررت أن القانون أعلاه لا يسري إلا على الاكتشافات النفطية الجديدة فقط، وأن كل الحقول المكتشفة قبل تاريخ صدور هذا القانون هي خارج مجال الشراكة، ولا يمكن أن تكون موضوعا للتعاقد بين الشركة الوطنية سونطراك وشركائها الأجانب، وواضح من نص هذه المادة أن المشرع كان يرغب في الاحتفاظ للشركة الوطنية سونطراك بأهم الحقول النفطية، وفي مقدمتها حاسي مسعود.

* وضع مسألة نقل المحروقات خارج إطار الشراكة، وأبقى على احتكار شركة سونطراك لشبكات النقل وذلك بموجب المادة 4 من القانون أعلاه.

المطلب الثاني: الشراكة بين الإصلاح والتحول نحو اقتصاد السوق

أمام حتمية الاندماج في الاقتصاد العالمي وتدهور الأوضاع الاقتصادية للدول النامية والتي تمثلت في أزمة المديونية الخارجية، وانخفاض شديد في أسعار السلع التصديرية للمواد الأولية، اتجهت الكثير من الدول النامية إلى تحرير اقتصادياتها وتطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي وزيادة الدور الذي يضطلع به القطاع الخاص في إدارة الشؤون الاقتصادية.

والجزائر واحدة من هذه الدول التي عانت من تفاقم الفجوات والاختلالات الداخلية والخارجية، وقررت وفقا لذلك إتباع سياسة اقتصاد السوق.

الفرع الأول: إقرار مبدأ حرية الاستثمار الأجنبي

تم تجسيد مبدأ حرية الاستثمار بموجب المادة 4 من الأمر رقم 01-03 والتي جاءت متماشية مع ما كان منصوصا عليه في المادة 3 من المرسوم التشريعي 93-12 كما جاءت متوافقة ومكرسة للمادة 183 من قانون النقد والقرض لسنة 1990، وهذا المبدأ مشتق من مبدأ آخر مكرس دستوريا، وذلك في المادة 37 من دستور 1996 والتي تنص:"على أن حرية التجارة والصناعة مضمونة وتمارس في إطار القانون".

كما أن نص المادة 1 من الأمر01-03 قد مددت العمل فيما يتعلق بنوع النشاطات الاقتصادية فأكدت علــى النشاطات المنتجة للسلع والخدمات، لكنهــا لم تذكـــر التخصيــص الـذي كـان مكـرسا فـي المادة 1 من المرسـوم التشريـعي رقــم 93-12 :"…صراحة للدولة أو لفروعها، أو لأي شخص معنوي معين صراحة بموجب نص تشريعي"، وعليه موقف المشرع في هذه المسألة يمكن تفسيره على أنه اتجاه يمنح حرية أكبر للمستثمر الأجنبي من خلال توسيع نطاق تدخله في مختلف فروع الاقتصاد الوطني والسماح له بتأسيس شركات تابعة له بصفة كلية وبدون مشاركة أو مساهمة من المؤسسات الجزائرية العمومية منها أو الخاصة، وهذا يعتبر بمثابة تعبير عن اقتناعه بعدم جدوى التحديد التحكمي لبعض القطاعات الاقتصادية التي كانت تعتبر في الماضي قطاعات إستراتيجية حيوية يمنع على المؤسسات الخاصة الاستثمار فيها، ولعل أبرز مثال: عن هذا فتح قطاع المناجم ، قطاع المواصلات السلكية واللاسلكية .

كما ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك ووسع من نطاق النشاطات الاقتصادية التي تعتبر استثمارا فأصبحت تشمل العمليات المتصلة بالخوصصة بصفة جزئية أو كلية، كما أن الاستثمار الأجنبي يمكن أن يتخذ صورة مساهمة في رأسمال مؤسسة وذلك بمساهمات نقدية أو عينية بموجب المادة 2 من الأمر01-03.

ومن ثم ما يميز الأمر 01-03 عن المرسوم التشريعي 93-12 وأيضا قانون النقد والقرض 90-10، أنه لم يجعل الاستثمار محصورا في بعض القطاعات دون الأخرى، فلم يقصر على الدولة إمكانية التدخل في بعض القطاعات الحيوية وذات الأولوية ويمنعها على المؤسسات الخاصة الوطنية أو الأجنبية.

 إلا أن هذا المبدأ لا يطبق على إطلاقه إنما جعل ممارسته مشروطة بمراعاة التشريع الذي يتكفل بمهمة سير وتنظيم ممارسة هذه الحرية، ونتيجة لذلك فإن لحرية الاستثمار قيود متعلقة بطبيعة النشاط وأخرى بصفة المستثمر.

فمن حيث طبيعة النشاط فإن المادة 04 السالف ذكرها تنص على مراعاة التشريع والتنظيمات المتعلقة بالنشاطات المقننة والبيئة، فبخصوص النشاطات والمهن المقننة ينص المرسوم التنفيذي 97-40 على أن كل نشاط أو مهنة خاضعة للقيد في السجل التجاري تتطلب بطبيعتها أو مضمونها ومحلها ووسائل تفعيلها، توفر شروط خاصة حتى يتم الترخيص بممارستها كمهنة مقننة أو نشاطا مقننا.

وعليه النشاطات المقننة هي نشاطات حرة لا يمكن اعتبارها لا ممنوعة ولا مخصصة صراحة، إنما تتدخل الدولة فيها بمنح ترخيص مسبق من أجل ممارستها، والهدف من ذلك هو حماية الصحة والأمن العام والبيئة باعتبارها معرضة للمخاطر بسبب هذه النشاطات، ومن بينها: استيراد البضائع، النشاطات الصيدلانية، رمي النفايات الصناعية أو تحويلها.

وكذلك بعض القطاعات الإستراتيجية التي تنظمها بعض النصوص المتفرقة فهي محتكرة فقط للدولة ولا يمكن مطلقا فتح استثمار أجنبي فيها مثلا: صنع واستيراد التبغ والكبريت ، صنع المتفجرات وعتاد التسليح.

أما فيما يخص صفة المستثمر فرغم تأكيد أمر 01-03 على مبدأ المعاملة العادلة والمتساوية بين كل المستثمرين سواء كانوا خواص أو عامين أو أجانب، إلا أن حقيقة النصوص تثبت وجود فروق ومساس بهذا المبدأ مثلا: أنه لا يمكن لشخص أن يكون مسيرا أو مديرا لشركة تحظى بنشاط الحراسة أو نقل الأموال أو المنتجات الحساسة إلا بعد الحصول على ترخيص مسبق، ويشترط لمنحه أن يكون المستثمر حائزا على الجنسية الجزائرية الأصلية وليس المكتسبة.

كما أنه كثيرا ما يفضّل المستثمر الأجنبي عن الوطني في القطاعات الإستراتيجية خاصة في قطاع المحروقات، فالدولة أوكلت مهمة تسيير هذا القطاع إلى المؤسسات العمومية الوطنية، وينص المشرع صراحة على اشتراك الأشخاص المعنوية الأجنبية دون الوطنية نظرا لتوفرها على الإمكانيات والخبرات استنادا للمادة 14 من الأمر.

الفرع الثاني: التفتح على الاستثمار الأجنبي في المجال المصرفي

أصبح بإمكان المستثمر الخاص الأجنبي أن ينشئ بنوكا في الجزائر أو يفتح فروعا لبنوك موجودة في الخارج طبقا للنظام رقم 93-01، كما يمكنه المشاركة في إنشاء مؤسسات مالية أو ممارسة الأنشطة المصرفية طبقا للمادة 83 من الأمر 03-11، إذ أنه يمكن لمجلس القرض والنقد أن يرخص بفتح فروع في الجزائر للبنوك والمؤسسات المالية الأجنبية مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل طبقا للمادة 85 من الأمر رقم 03-11، وفي هذا الإطار فقد أنشأت العديد من البنوك والفروع مثل: بنك البركة السعودي، البنك العربي البحريني…

الفرع : توسيع الاستثمار الأجنبي في مجال المحروقات

في إطار تشجيع الاستثمار الأجنبي في قطاع المحروقات أصدر المشرع قانون رقم 91-21، أبقى من خلاله على البنود الرئيسية الواردة في القانون86-14 السالف الذكر، وأضاف بنودا أخرى تحتوي تعديلات جوهرية تمثلت فيما يلي:

– وسع القانون 91-21 مجال الشراكة إلى قطاع الغاز أيضا بموجب المادة 2 منه، بعدما حصر القانون السابق إطار الشراكة في قطاع النفط فقط، وألغى بذلك أيضا نص المادة 23 الواردة في قانون 1986 بموجب المادة 13 من ق91-21 والتي كانت تلزم الشريك الأجنبي بالتنازل على احتياطات الغاز المكتشفة لفائدة شركة سونطراك في مقابل التعويض.

– السماح للأجانب بالمشاركة في كل مراحل استكشاف المحروقات من بحث وتنقيب واستغلال ونقل بالأنابيب بموجب المادة 4 من قانون 91-21، وهو ما يقلل من درجة الاحتكار الممنوح للمؤسسة الوطنية سونطراك بحيث أصبح في إمكان الشريك الأجنبي تمويل استغلال المنشأة المرتبطة بنقل المحروقات وهذا لحساب المؤسسة الوطنية سونطراك.

– وسع مجال الشراكة ليشمل الحقول النفطية المكتشفة قبل صدور قانون 86-14، وبذلك ألغى نص المادة 65 في القانون السابق بموجب المادة 13 من قانون 91-21 التي كانت تحصر مجال الشراكة في الحقول المكتشفة بعد تاريخ صدور ذلك القانون فقط.

خاتمة

تساهم الشراكة الأجنبية في تحقيق الاستفادة من عمليات التحويل التكنولوجي من الدول الأجنبية، كما تخفض من التكاليف والمخاطر التي قد تنتج من المشروع المشترك، كما تفتح الأبواب للمؤسسة على أسواق جديدة. لكن تظل هذه المكاسب رهينة بقدرات المؤسسة الاقتصادية في الاستفادة من فرص الشراكة، بمعنى أن الشراكة لا تعتبر الحل المثالي لكل المشاكل والصعوبات التي تواجهها هذه الأخيرة، لأن الشراكة الأجنبية تحقق عدة إيجابيات لكنها تخلف أيضا آثار سلبية، وبذلك فإن استفادة المؤسسات بشكل خاص والدول بشكل عام منها يتوقف على اختيار الشركاء المناسبين من جهة والقدرة على مواكبة التكنولوجيا المتطورة التي تجنيها من جهة أخرى، ولذلك تم استنتاج بعض الالتزامات التي لابد من التركيز عليها من أجل السير الحسن والإيجابي لعقد الشراكة:

– وضع الإطار القانوني المنظم لعلاقات الشراكة قطاع عام-خاص لتفادي العددي من الآثار السلبية التي من شأنها أن تكون معرقلة.

– وضع سياسات تنموية بعيدة المدى ترتكز على التجارب الدولية الناجحة والتركيز على أهمية الدولة في اختيار المشروع المناسب، الذي من شأنه أن يحقق التكامل بين القطاع العام والقطاع الخاص تحت ظل الشفافية المتابعة والمحاسبة.

– وضع الأطر العامة التي تحدد دور كل شريك في التنمية بما يضمن كفاءة التنسيق والتكامل بين كافة الأطراف.


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى