في الواجهةمقالات قانونية

العود إلى الجريمة: دوافع الظاهرة والحلول الممكنة – الشرقاوي القرقار

العود إلى الجريمة: دوافع الظاهرة والحلول الممكنة

 

الشرقاوي القرقار:

دكتور في القانون الحقوق، متخصص في العلوم الجنائية.

 

 

مقدمة:

  إذا كانت الجريمة ظاهرة اجتماعية وحتمية بامتياز فانه لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ، فهذه الجريمة بما هي ظاهرة اجتماعية تاريخية تتنوع طبيعتها، وتختلف أشكالها وأنماطها، وكذا الأساليب المستخدمة في اقترافها وتنفيذها. كما أنها تتباين من جماعة لأخرى ومن مجتمع لآخر ومن زمان لآخر.

فبالرغم من كل ذلك فان الأمر لا يعني أن المجتمعات ستبقى تتفرج على الظاهرة الإجرامية، وتتجرع سم سلبيات هذه الأخيرة، وانعكاساتها الوخيمة على كافة المستويات. بل إنها –المجتمعات – تنزع دائما وأبدا إلى الأمن والاستقرار وتنجذب لهما. لذا تنبذ كل ما من شانه أن يحدث اضطرابا اجتماعيا. ولذلك خصت كافة دول المعمور مجموعة من الآليات القانونية والمؤسساتية، وكرستها للتصدي للظاهرة الإجرامية، ولتلافي ويلاتها وتطويقها.

ويعتبر العود إلى الجريمة كنوع متفرد داخل الظاهرة الإجرامية عموما أحد أهم وأعمق التحديات التي تؤرق الكل إن على المستوى الداخلي للدول أو خارجيا، لاسيما في العصر الحديث وما بات يعرفه من تقدم علمي غير مسبوق، مما استدعى معه الأمر التعاطي مع ظاهرة العود الى الجريمة بكيفية متبصرة للإجابة على الأسئلة العالقة حول نجاعة السياسة الجنائية للتصدي للظاهرة. عن طريق البحث في الأسباب والدوافع المؤدية إلى العود، للقيام بتشخيص سليم، ليسهل طرح الحلول الممكنة حينها.

ولا ينكر إلا جاحد أو جاهل حجم ما بدلته بلادنا من جهود مضنية لمواكبة التطورات والتحول الذي عرفه مفهوم العقوبة ودور السياسة الجنائية، إذ تم الانتقال من فكرة الردع بنوعيه إلى نهج سياسة جنائية حديثة تعتمد مقاربة جديدة قوامها الإصلاح والتهذيب وإعادة الإدماج في النسيج المجتمعي. إلا أن سمات ظاهرة العود ظلت مستمرة واستفحلت في كل الفئات العمرية، وفي مختلف الأنماط الإجرامية قديمها وما استحدث منها.

فالحظوة التي لقيها موضوع العود إلى الجريمة والاهتمام الكبير به من طرف الجميع خصوصا الساهرين على إعداد وتنفيذ السياسة الجنائية هو ما دفعنا والحالة هذه إلى الكتابة في ظاهرة العود لتلمس الأسباب الدافعة إلى الانحراف مرة أخرى، ثم البحث في الحلول الممكنة والكفيلة بالتصدي له. وهو ما سنعمل بالمناسبة على التعرض له وفق النقطتين التاليتين:

أولا: أسباب ودوافع العود إلى الجريمة

إن بلادنا بمؤسساتها وأجهزتها الموكول لها السهر على استقرار وعلى امن المواطن تعمل على مكافحة الجريمة بكل أنواعها، ومن ضمنها على الخصوص ظاهرة العود حيث تقوم للقضاء عليه بحصر أسبابه ودوافعه. هذه الدوافع التي بدورها ليست واحدة بل متنوعة ومتفاعلة فيما بينها، ومنها العوامل النفسية، الاقتصادية، الاجتماعية والقانونية.

يدخل ضمن الدوافع الاجتماعية للعود الى الجريمة الحالة البيئية والسكنية للأشخاص العائدين، حيث أن اغلب العائدين يقطنون في ضواحي المدن وهوامشها أو في دور الصفيح. كما أن هناك نسبة كبيرة من العائدين قد فقدوا أحد أبويهم، وبالتالي يظهر مدى أهمية الترابط الأسري في التقليل من ارتكاب الجرم أو العود له. ناهيك عن أن انفصال الآباء عن بعضهم يضع الأبناء في مغبة الإجرام وحالة العود بشكل مستمر، بالإضافة إلى المستوى التعليمي للآباء وأبنائهم العائدين الذين يكونون في غالبيتهم أميين أو ذوو مستوى دراسي ضعيف.

إن مرحلة الشباب هي أكثر المراحل العمرية التي يكون فيها الشخص معرض للعود إلى عالم الجريمة، لأنه-العائد-يكون قويا جسمانيا ومشبع بالغرور الزائد والجرأة ومندفع أكثر دون مكترث بالعواقب.

لا يمكن أن نغفل الدوافع الاقتصادية، ذلك أن قلة مناصب الشغل ينتج عنها في أحايين كثيرة العود إلى الإجرام.  كما أن العقوبات السالبة للحرية لم تعد أسلوبا أمثل لمكافحة الجريمة، بل أن الواقع بين عكس ذلك.

 

 

ثانيا: الحلول الممكنة

بعد ان تعرضنا لاهم الأسباب المؤدية لحالة العود، يجوز لنا ونحن بصدد الكتابة في موضوع ظاهرة العود ان نطرح بعض الحلول الممكنة لمعالجة الظاهرة، وبهذا فلابد من تحسين وضعية الاسر اقتصاديا، والقيام بتوعيتهم بالآثار والانعكاسات السلبية لظاهرة العود للجريمة. والتوجه نحو التركيز على التنشئة الاجتماعية المتكاملة التي تتدخل فيها كافة مكونات المجتمع، بداية من الاسر الى المدرسة ودون ان ننسى أهمية التعاون مع فعاليات المجتمع المدني، للمحافظة على المعايير والقيم الاجتماعية والأخلاقية التي الفها ودرج عليها المغاربة وتربوا عليها منذ امد بعيد.

ان اساليب التربية والرعاية السليمة للشخص في كافة مراحل حياته مهمة، لذي لابد من تحسين هذه الأساليب، والتركيز بالمناسبة على إشاعة الاحترام والتحسيس بدور وأهمية القيم في المجتمع.

العمل على تحسين البيئة المحيطة بالأفراد بما فيها السكن والبنيات التحتية والعمران عموما. حيث لابد من الحد من الاكتظاظ في المدن، وتوفير كافة الشروط والوسائل اللوجستية، والترفيهية والصحية مع التركيز على المناطق والاحياء الشعبية والهامشية لمساعدة المفرج عنه في الاندماج يشكل سلس. وتحسيسه بانه شخص سوي وليس هناك أي فرق بينه وبين باقي افراد المجتمع.

التصدي بسياسات ناجعة وواضحة لمعضلة البطالة. وإشاعة الثقافة القانونية بين الافراد مع التوعية بأهمية القوانين ودور الشخص في مجتمعه.

اصلاح وتهذيب وتأهيل المفرج عنهم بما يتوافق واهداف العقوبة من خلال تطبيق البرامج الإصلاحية التي سطرتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج والمتمثلة في تهديب سلوك الجاني وتثقيفه وتأهيله مهنيا ونفسيا ورعايته اجتماعيا.

اعتماد عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، كوقف تنفيذ العقوبة والمراقبة الالكترونية، والافراج المقيد بشروط. وكذا الميل الى تطبيق العقوبات البديلة العينية كالغرامة الجنائية او المصادرة…….

بالإضافة الى زيادة اعداد الاطباء النفسانيين للتوفير العلاج النفسي للعائدين، ونسج ثقافة العلاج النفسي داخل المجتمع.

وتأسيسا على ما سبق يمكن لنا القول ان موضوع العود الى الجريمة نرمي من خلاله الى التأكيد على الخطورة الاجرامية، وضرورة التصدي للظاهرة عبر فهم الأسباب والدوافع لطرح وتلمس الحلول الممكنة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى