الــــمــشـــاركــــــة الجمعـويـــــــة في حمايـــــــة البيئـــــــة
الــــمــشـــاركــــــة الجمعـويـــــــة في حمايـــــــة البيئـــــــة
الأســـــتـــــــــــــاذة:مــــــــديــــــــــــــــــن أمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــال
عضوة بمخبر حقوق الإنسان والحريات الأساسية
كــــــــــليــــــــــة الحـــــــقـــــــوق والـــــــعـــــــلــــــــــوم الســــــــيــــــــاسيــــــــة
جـامعــة أبــو بكـــــر بلقــايــــد-تلمســـــان(الجزائـــــــــــر)
مقدمة:
إن حماية البيئة هي مسؤولية ملقاة على عاتق كل فرد من أفراد المجتمع، لكن جهود الفرد الواحد لا تشكل فرقا في مجال حماية البيئة بل لابد من تضافر جهود الكافة،والصورة الشائعة لذلك هي الجمعيات البيئية التي أضحت وسيلة هامة لحماية المواطن والبيئة التي يعيش فيها، باعتبارها أداة للضغط على الملوثين والإدارة على حد سواء،وشريك فعال في تنفيذ وتفعيل السياسات البيئية.
لكن أهمية ومدى الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الجمعيات في حماية البيئة والحفاظ على مكوناتها (مطلب ثاني) منوط بدرجة الحرية الممنوحة لهذه الجمعيات في إنشائها ونشاطها(مطلب أول) وحجم العراقيل والمعوقات التي قد تحد من فعاليتها ونجاعتها(مطلب ثالث).
المطلب الأول:الإطار القانوني لجمعيات حماية البيئة
يعد الحق في المشاركة والانتماء للجمعيات صورة من صور تدعيم الديمقراطية، تحرص الكثير من الحكومات على ضمانها شريطة أن يكون الانتماء حر وغير مقيد.وقد كرست م.20 من إعلان حقوق الإنسان لعام 1948 حق الانضمام للجمعيات. إلا أن هذا الحق لم يكرس في الجزائر بصفة واضحة إلا بصدور قانون الجمعيات، الذي عرفها بأنها “اتفاقية يجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون أو معنويون على أساس تعاقدي ولغرض غير مربح يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محدودة أو غير محدودة من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع المهني والاجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي والرياضي على الخصوص…”[1] لكن الواقع أن ظهور الجمعيات في الجزائر يرجع إلى أبعد من هذا القانون، حيث كانت البداية بصدور القانون الفرنسي لسنة 1901 الذي حدد كيفية إنشاء وتسيير وحل الجمعيات باعتبار الجزائر آنذاك جزءا من فرنسا، وقد أنشأ الجزائريون في هذه الفترة جمعيات ضمت في الغالب فئات من المجتمع تربطهم علاقات مهنية أو مؤسساتية، بالإضافة للجمعيات الرياضية، وجمعيات تربوية وإصلاحية. استمر العمل بالقانون الفرنسي إلى غاية 1971 حيث صدر أمر يحدد الإجراءات العامة لإنشاء وتسيير الجمعيات[2]، لكن ذلك لم يكن له تأثير على الحركة الجمعوية نظرا لبطء صدور النصوص التطبيقية بالإضافة لانسحاب المجتمع المدني من التدخل في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد.
أول خطوة لفتح المجال لتأسيس الجمعيات بنوع من الحرية تجسدت مع قانون 1987 الذي اعترف بمبدأ الوجود القانوني لأية جمعية المشروط بإجراءات الاعتماد من السلطات العمومية، ورغم تشديد إجراءات الاعتماد إلا أن هذا لم يمنع وجود ديناميكية في العمل الجمعوي، إلا أن مؤسسات الجمهورية كان لديها اتجاه سلبي نحو هذه التنظيمات وكانت لديها نظرة شك وعدم تقبل لوجود تجمع دائم يتفاعل مع المواطنين دون الخضوع للتعليمات المركزية.استمر الوضع على هذا الحال وصولا إلى قانون 1990 الذي شكل وثبة في مجال الاعتراف بحرية العمل الجمعوي، وفرق بين الجمعيات ذات الطابع السياسي والجمعيات غير السياسية. من أهم مميزات هذا القانون أنه كرس الحق في حرية إنشاء الجمعيات ورفع العراقيل والمعوقات الإدارية والبيروقراطية،وبسّط الإجراءات وحدد المدة القانونية لدراسة الملف من طرف السلطات المعنية ووضع قواعد لحماية مبدأ إنشاء الجمعيات[3].والذي كان نتيجة للتكريس التنظيمي[4] ثم الإرساء الدستوري لحق إنشاء الجمعيات في دستور 1989 وتعديله لسنة 1996[5].
الفرع الأول: شروط إنشاء الجمعيات البيئية
يمكن تعريف جمعيات حماية البيئة بأنها تعاقد مجموعة أشخاص طبيعيين و/ أو معنويين للقيام بأغراض غير مربحة، بحيث يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محدودة أو غير محدودة من أجل ترقية الأنشطة ذات الطابع البيئي من حماية لعناصرها، والدفاع عن مصالح البيئة أمام الأجهزة الإدارية المختلفة والقيام بالتوعية البيئية،وحق التقاضي والتأسس كطرف مدني في المسائل الجزائية التي تمس المجال البيئي، فاكتسابها للشخصية المعنوية يعطيها أهلية التقاضي بمجرد تأسيسها، ويمكنها حينئذ أن تمثل أمام القضاء وتمارس خصوصا أمام المحاكم المختصة حقوق الطرف المدني بسبب وقائع لها علاقة بهدف الجمعية وتلحق ضررا بأعضائها الفردية أو الجماعية.[6]
تخضع الجمعيات البيئية كغيرها إلى القواعد العامة المنظمة للجمعيات،ويمكن تقسيمها إلى شروط خاصة بالأعضاء المؤسسين، حيث يجب أن تتأسس من طرف 15 فردا على الأقل، يكونون راشدين،متمتعين بالجنسية الجزائرية،والحقوق المدنية والسياسية، لم يسبق لهم القيام بسلوك مخالف لمصالح كفاح التحرير الوطني. وشروط موضوعية متعلقة بالجمعية تتمثل في أن لا تهدف الجمعية إلى تحقيق الربح، وأن لا يخالف هد فها نظامها الأساسي أو النظام العام، أو الآداب العامة أو القوانين والتنظيمات المعمول بها، وبعد إتمام الشروط المتعلقة بالمؤسسين والشروط الموضوعية،لابد من استيفاء الشروط الإجرائية التي تبدأ بالإعلان عن ميلاد الجمعية في جمعية تأسيسية يتم فيها المصادقة على القانون الأساسي للجمعية. ثم يشكل ملف التصريح بالتأسيس من:قائمة تشمل الأعضاء المؤسسين وأعضاء الهيئات القيادية وتوقيعاتهم وحالاتهم المدنية ووظائفهم وعناوين مساكنهم،ونسختان مطابقتان للأصل من القانون الأساسي- الذي يجب أن يشمل تحت طائلة البطلان: هدف الجمعية وتسميتها ومقرها، وطريقة تنظيمها ومجال اختصاصها الإقليمي، وحقوق أعضائها وواجبا تهم وكذلك ذوي حقوقهم إن اقتضى الأمر، وشروط انتساب الأعضاء وشطبهم وإقصائهم وكيفيات ذلك ، وشروط محتملة مرتبطة بحق تصويت الأعضاء ، وقواعد تعيين المندوبين لجلسات الجمعية العامة وكيفيات ذلك ، ودور الجمعية العامة والهيئات القيادية ونمط سيرها، وطريقة تعيين الهيئات القيادية وتجديدها وتحديد مدة عضويتها، وقواعد النصاب والأغلبية المطلوبة في اتخاذ قرارات الجمعية العامة والهيئات القيادية، وقواعد دراسة تقارير النشاط وإجرائها والموافقة عليها ورقابتها وكذلك الموافقة على حسابات الجمعية، والقواعد والإجراءات المتعلقة بتعديل القوانين الأساسية ،والقواعد والإجراءات الخاصة بأيلولة الأملاك في حالة حل الجمعية.-[7] ومحضر الجمعية العامة التأسيسية.
يودع ملف تصريح التأسيس لدى والي ولاية المقر للجمعيات التي يهم نشاطها المجال الإقليمي لبلدية واحدة أو عدة بلديات داخل ولاية واحدة، أو لدى وزير الداخلية بالنسبة للجمعيات التي يكون نشاطها مشتركا بين الولايات أو على المستوى الوطني ويتم بعد ذلك إشهار تأسيس الجمعية في جريدة إعلامية ذات توزيع وطني على نفقة الجمعية،ويجب أن يتضمن الإعلان الصحفي، تسمية الجمعية، هدفها وطبيعة نشاطاتها،بيان تاريخ استلام وصل التأسيس والسلطة المختصة التي تلقت التصريح، عنوان مقر الجمعية، اسم ولقب رئيس الجمعية.
تتأسس الجمعية قانونا وتحوز الشخصية القانونية بعد استيفاء جميع الشروط السابقة، و مرور ستين يوما من إيداع تصريح التأسيس لدى الجهة المختصة، وفي حالة تخلف الشروط المتعلقة بالأشخاص المؤسسين والشروط الموضوعية فإن الجمعية تكون باطلة بقوة القانون.أما إذا قدرت السلطات المختصة –الوزارة أو الولاية- بأن موضوع طلب تأسيس جمعية ما مخالف للقانون تطعن في طلب التأسيس أمام القضاء الإداري خلال ثمانية أيام على الأكثر قبل نهاية أجل الستون يوما من إيداع التصريح.[8]
الفرع الثاني:حدود نشاط الجمعيات البيئية طبقا للنصوص القانونية
بمجرد تأسس الجمعية وفقا للشروط القانونية تتمتع بالشخصية المعنوية، فيمكنها القيام بكل النشاطات التي ترتبط بأهدافها الأساسية كما يثبت لها حق التقاضي وتمثيل الجمعية لدى السلطات العامة وإبرام العقود والاتفاقات التي لها علاقة بهدفها، واقتناء الأملاك العقارية أو المنقولة مجانا أو بمقابل لممارسة أنشطتها وفق ما ينص عليه قانونها الأساسي، وتقبل الهبات والوصايا والإعانات المحتملة التي قد تقدمها الدولة أو الولاية أو البلدية، وتصدر مجلات أو نشريات أو وثائق إعلامية أو كتيبات لها علاقة بهدفها ونشاطاتها.كما يمكنها الانضمام للجمعيات الدولية بعد موافقة وزير الداخلية، وهذا طبقا لقانون الجمعيات رقم 90-11.
أما طبقا للنصوص البيئية فنجد أن قانون البيئة لسنة 1983 قد أجاز إنشاء الجمعيات البيئية للمساهمة في حماية البيئة، لكن دون تبيان الدور الذي يمكن أن تلعبه وكيفيات تدخلها في هذا الميدان، كما أن هذا القانون لم يعطها دورا للتثقيف والتوعية البيئية التي تشكل أرضية لديمقراطية بيئية منشودة، لهذا لم يكن للجمعيات في ظل قانون البيئة لسنة 1983 الدور المرجو منها في مجال حماية البيئة، إلا أن المشرع في ظل قانون البيئة 03-10 دعم دور الجمعيات في حماية البيئة،إذ نص على دورها في إبداء الرأي والمشاركة في جميع الأنشطة المتعلقة بحماية البيئة وتحسين الإطار المعيشي.[9]
إن هذا يدفعنا للتساؤل عن الدور الذي تلعبه الجمعيات البيئية في حماية البيئة.
المطلب الثاني:دور منظمات المجتمع المدني في حماية البيئة
يمكن للجمعيات البيئية أن تلعب دورا جد هاما في حماية البيئة من أي اعتداء قد يقع عليها وتفادي وقوعه من خلال دورها الوقائي(فرع أول)، أما إن لم يكن في الإمكان تلافي الإضرار بالبيئة فيمكنها اللجوء إلى الطريق القضائي لطلب إصلاح الضرر ومعاقبة المتسبب فيه(فرع ثان).
الفرع الأول: الدور الوقائي للحركة الجمعوية البيئية
تقوم جمعيات حماية البيئة بمجموعة مهام وقائية أهمها:
-الدور التربوي:يجب أن يكون نشر الوعي البيئي والتربية البيئية في صميم أهداف كل جمعية بيئية، بحيث يجب أن تسعى إلى تحسيس الأفراد والجماعات بأهمية كل العناصر البيئية في استمرار حياتهم،ومساعدتهم على اكتساب المعارف والخبرات التي تمكنهم من التعامل معها بطريقة سليمة وصحية،وتوعيتهم بالمشاكل التي تعترضها وتحفيزهم على المساهمة في حلها وتحسين النظم البيئية المختلفة وحمايتها.[10]
-الدور الإعلامي:يحتوي هذا الدور على جانبين، من جهة إعلام السلطات وأصحاب القرار باحتياجات المواطنين والبيئة لأجل أن تكون قوانينهم وقراراتهم أكثر قابلية للأخذ بها، ما يجعل من قانون البيئة قانونا رضائيا أكثر منه مفروضا.[11]ومن جهة أخرى إعلام المواطنين بالأخطار التي تهدد بيئتهم وتوعيتهم وتقديم النصائح لهم ومحاولة تجنيدهم لحمايتها والدفاع عنها وهذا يتطلب تمكين الجمعيات البيئية من الاطلاع على كافة المعلومات والمعطيات المتعلقة بكل النشاطات التي قد تشكل تهديدا للبيئة وأن لا يحول مبدأ سرية الأعمال الإدارية دون ذلك[12].
-الدور الاستشاري:يمكن للجمعيات البيئية أن تشكل هيئات استشارية لبعض الأجهزة المختصة باتخاذ القرارات في مواضيع ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة بالبيئة، ويمكن أن تقوم الجمعيات بهذا الدور بطرق مختلفة، إما بالعضوية الدائمة في بعض الأجهزة، مثل اللجنة القانونية والاقتصادية لدى المجلس الأعلى للبيئة والتنمية المستدامة[13] والمؤسسة الجزائرية للمياه والديوان الوطني للتطهير[14]،أو بمناسبة طلب رأيها في المشاريع الكبرى التي قد تمس بالبيئة، كما يمكنها أن تبادر بتقديم الرأي والمشورة متى رأت ضرورة لذلك نتيجة خبرتها في مجال البيئة[15]كما يمكن أن تشكل مصدرا لإبداء الاقتراحات في مجال الاتفاقيات الدولية المراد إبرامها، خصوصا أنها الأقرب من الواقع.[16]
على الرغم من أهمية الأدوار الوقائية التي تلعبها الجمعيات البيئية ، إلا أنها قد لا تكون في كثير من الأحيان كافية للوقوف في وجه الاعتداءات البيئية، أو لفت انتباه السلطات للأخطار التي تتهدد البيئة لذا تلجأ منظمات المجتمع المدني في كثير من الأحيان إلى التصعيد من خلال الاحتجاجات،التظاهرات والمسيرات بحشد أعضاء الجمعية بالإضافة إلى أكبر عدد ممكن من الفاعلين البيئيين وكذا المهتمين بالقضايا البيئية بل وحتى مجرد المتعاطفين مع المحتجين للضغط على دوائر القرار لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة.[17]وفي حال عدم التوصل لنتيجة رغم كل المحاولات يبقى الحل الأخير هو اللجوء للقضاء.
الفرع الثاني: الدور القضائي للجمعيات البيئية
أمام تعنت القضاء المدني في قبول دعاوى التعويض عن الأضرار الإيكولوجية البحتة، تبقى الوسيلة الأنجع هي الدعاوى الجماعية.كما تعد الدعاوى الجماعية الحل الأنسب للدفاع عن الأضرار التي تصيب العناصر البيئية غير المملوكة لأحد، وخير آلية لذلك هي الجمعيات البيئية.
في ظل قانون البيئة لسنة 1983 ورغم الاعتراف بحق الأفراد في تكوين جمعيات لحماية البيئة، ورغم أن قانون الجمعيات 90-31 أعطى لجمعيات حماية البيئة الحق بعد اعتمادها في مباشرة الدعاوى المدنية للمطالبة بالحقوق الفردية أو المشتركة لأفرادها أو الدفاع عن المصالح الجماعية التي تهدف للدفاع عنها، إلا أن القضاء غالبا ما كان يقضي بعدم قبول دعاوى الجمعيات لانعدام الصفة استنادا على عدم وجود نص يعترف لها بهذه الصفة في قانون البيئة 83-03[18]. وأحسن مثال على ذلك قرار مجلس قضاء عنابة –الغرفة المدنية- بتاريخ 25/12/1996 تحت رقم 1130/96 الفاصل في النزاع القائم بين جمعية حماية البيئة ومكافحة التلوث لولاية عنابة وبين مؤسسة أسميدال الذي طلبت فيه الجمعية إبعاد خزان الأمونياك التابع للمؤسسة الذي كان يفرز غازات سامة مضرة بالصحة مع دفع التعويضات، حيث أيد المجلس حكم المحكمة الابتدائية القاضي بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم توفر الصفة في الجمعية ما دام أن موضوع النزاع لا يدخل ضمن أهداف الجمعية ولا يلحق ضرر بأعضائها طبقا لنص م.16 من قانون البيئة لسنة 1983[19]. أما قانون البيئة الجزائري لسنة 2003 فإنه وخلافا للمشرع المصري الذي اكتفى بمنح الجمعيات البيئية الحق في التبليغ عن أية مخالفة لأحكام قانون البيئة المصري بموجب م.103 منه،ولم يمنح الجمعيات حق مباشرة دعاوى المسؤولية[20]، فإن المشرع الجزائري أجاز بموجب قانون البيئة للجمعيات المعتمدة التي تمارس أنشطتها في مجال حماية البيئة وتحسين الإطار المعيشي رفع دعوى أمام الجهات القضائية المختصة عن كل مساس بالبيئة حتى في الحالات التي لا تعني الأشخاص المنتسبين لها بانتظام،كما أجاز لها ممارسة الحقوق المعترف بها للطرف المدني بخصوص الوقائع التي تلحق أضرارا مباشرة أو غير مباشرة بالمصالح الجماعية والتي تشكل مخالفة للأحكام التشريعية المتعلقة بحماية البيئة.كما أن قانون التهيئة والتعمير قد منح للجمعيات حق التقاضي للدفاع عن البيئة مباشرة صراحة.[21]
بل ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حيث أقر أنه يمكن للأشخاص الطبيعيين الذين تعرضوا لأضرار فردية تسبب فيها فعل الشخص نفسه أن يفوضوا جمعية معتمدة قانونا لكي ترفع باسمها دعوى التعويض أمام القضاء العادي، لكن هذا التفويض يتطلب توفر جملة من الشروط، هي:
-لابد أن يكون التفويض من شخصان طبيعيان على الأقل.
-تعرض الأشخاص الطبيعية لأضرار فردية تسبب فيها فعل الشخص نفسه والتي تشكل مخالفة للأحكام التشريعية المتعلقة بحماية البيئة.
-أن يكون التفويض الذي يمنحه كل شخص معني كتابيا.[22]
ما من شك أن هذه الصيغة الجديدة للتقاضي ستكون أفيد للمتضررين فهي توفر عليهم تكاليف التقاضي، ثم إن مبلغ التعويض يصرف عليهم ولا يذهب إلى الذمة المالية للجمعية.
تمر الدعوى التي ترفعها الجمعيات للحصول على التعويض عن الأضرار التي أصابت المتضررين بمرحلتين: الأولى تعرف بالحكم الابتدائي وتجمع فيه الجمعية المدعي بالمدعى عليه ويتم عرض الوقائع والأسانيد ومدى تحقق مسؤولية المدعى عليه من عدمها.والثانية تكون بعد التأكد من مسؤولية الملوث عن الأضرار التي رتبها نشاطه، وتقوم الجمعية بتبليغ الحكم إلى كافة المتضررين،أما الممتنعين فيحتفظون بحقهم في رفع دعاوى فردية في مواجهة الملوث مستندين إلى الحكم الذي قضى لصالح الجمعية بالتعويضات.في هذه الصيغة خروج على مبدأ الأثر الشخصي للحكم القضائي،لكن هذه الطريقة أثبتت فعاليتها في كل من أمريكا وكندا حيث سمح للمتضررين من حوادث الاستهلاك بالاستفادة من مزايا التقاضي عن طريق التمثيل الجمعوي للحصول على تعويضات معتبرة.[23]
إلا أنه رغم التوسع الذي أحدثه المشرع الجزائري من خلال قانون البيئة 03-10 في مفهوم المصلحة الجماعية التي تدعي بها الجمعيات والتي أصبحت عند تخوم المصلحة العامة،وكذا الدور الهام الذي تلعبه الجمعيات البيئية في سد النقص الناجم عن تردد النيابة العامة والأجهزة الإدارية في مواجهة الجنوح البيئي، بالدفاع عن المصالح البيئية كلما كانت البيئة مهددة باسم الأجيال الحالية والمستقبلية،ما يجعلها أداة رقابة فعالة لحماية البيئة وإن كانت في كثير من الأحيان رقابة رمزية[24]،إلا أنه يصعب تجسيد هذا التطور عمليا في إطار آليات وإجراءات قضائية واضحة،نتيجة لغياب اعتراف دستوري بالحق في بيئة نقية.[25]
إن هذا يدفعنا للتساؤل عن حجم العراقيل التي تعترض قيام الجمعيات البيئية بدورها على أكمل وجه.
المطلب الثالث:معوقات فعالية الدور الجمعوي في حماية البيئة
على الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه الجمعيات البيئية في حماية البيئة في ظل الحرية والاستقلالية والمهام والنشاطات التي خولتها إياها النصوص القانونية،إلا أنها تضل تصطدم بعدة عراقيل، أهمها: ضعف العنصر البشري (فرع أول) عراقيل مالية ومادية (فرع ثان)، وعراقيل متعلقة بضعف التواصل والتنسيق (فرع ثالث).
الفرع الأول: ضعف العنصر البشري
إن تأخر تكريس الحق الجمعوي دستوريا وغياب إطار قانوني يكفل حرية إنشاء الجمعيات طيلة ثلاث عشريات أدى إلى انحصار عدد الجمعيات، وتراجع واضمحلال الرغبة الجماهيرية في التطوع والنضال المدني وقلة الحس الجمعوي وضعف نسبة المشاركة الجمعوية في الجزائر، بالإضافة إلى النقص الملحوظ في توجه النشاط الجمعوي إلى حماية البيئة،حيث أكد المخطط الوطني للأعمال من أجل البيئة والتنمية المستدامة أن دور المجتمع المدني في حماية البيئة في الجزائر لا يزال هامشيا[26]، نتيجة نقص الكفاءات البشرية المتخصصة، إذ أن أغلب هذه الجمعيات تتشكل من أصدقاء لا تتوفر فيهم أساسيات النضال الجمعوي من سن ومؤهل دراسي وإلمام قانوني، وكفاءة علمية وتخصص في المجال البيئي،ونقص التأطير والوعي القانوني الجمعوي لدى القيادات بالإضافة إلى غياب ثقافة العمل الجمعوي وضعف ثقة المواطن في الجمعيات البيئية[27] مما يؤثر سلبا على نشاط هذه الجمعيات على أرض الواقع ويؤدي إلى تهميشها وعدم إشراكها أو استشارتها في نشاطات تسيير البيئة وفي حال العكس لا يؤخذ برأيها، وهذا يرجع إلى الإحساس بأن هذه الجمعيات من شأنها أن تصغر من دور الدولة في مجالات التدخل[28].إن القلة القليلة من الجمعيات البيئية التي تتجاوز هذه العقبة تجد نفسها أمام مشكل أكثر جدية هو مشكل التمويل.
الفرع الثاني:العراقيل المالية والمادية
تتنوع مصادر تمويل منظمات المجتمع المدني إذ تشمل اشتراكات الأعضاء، والإعانات التي تقدمها الدولة والجماعات المحلية، والعائدات المرتبطة بنشاطها، والهبات والوصايا[29]غير أنه ونظرا لمحدودية الموارد الناجمة عن اشتراكات الأعضاء، والعائدات المرتبطة بنشاطها بسبب عدم ربحية هذه النشاطات بالدرجة الأولى،وقلة الهبات والوصايا نتيجة ضعف الحس البيئي تبقى الجمعيات البيئية معتمدة بصورة شبه مطلقة على إعانة الدولة والجماعات المحلية ، إذ يفترض أن تتلقى الجمعيات البيئية إعانة من الصناديق الولائية لترقية مبادرات الشباب والممارسات الرياضية التي تمول عن طريق نسبة من الناتج المحلي للضرائب،لكن تلقى الجمعيات البيئية صعوبة في الحصول على الإعانة من هذه الصناديق بسبب عدم ورودها ضمن اللائحة التي تحدد أحد عشر وجها لصرف أموال الصناديق، فيبقى الحل الوحيد أمام هذه الجمعيات هو طلب المعونة من الوزارة المكلفة بالبيئة، لكن هذا أيضا مرهون باستيفاء عدة شروط قد تكون مرهقة بالنسبة لعديد الجمعيات، إذ لابد من وضع برنامج لعمل الجمعية مع التوقعات المالية المحتملة يودع لدى الوزارة المعنية بالبيئة، حيث تتم دراسته وفي حال الموافقة عليه يقدم التمويل للجمعية لتنفيذه مع إخضاعها لرقابة إدارية ومالية صارمة خلال مدة التنفيذ،كما تلتزم هذه الجمعيات بتعيين محافظ حسابات معتمد، لكن ليس هذا هو موضع الصعوبة في الطرح بل الصعوبة كل الصعوبة تكمن في مدى السلطة التقديرية الممنوحة للسلطات الإدارية في دراسة طلبات التمويل والموافقة عليها من عدمها بسبب الغموض الذي يشوب النصوص القانونية المنظمة للموضوع، فتبقى نشاطات الجمعيات البيئية وفعاليتها رهينة التمويل الحكومي[30] وهو ما دفع بعض الباحثين إلى القول بأن جمعيات حماية البيئة ضمن منظمات المجتمع المدني تعتبر الأب الفقير بمقارنتها مع تلك الناشطة في ميادين أخرى .[31]
إن الاعتماد الكامل للجمعيات البيئية على إعانات الدولة ونظرا للسلطات التقديرية المرنة لها يدفع للتساؤل عن مدى الاستقلالية الفعلية لهذه الجمعيات في ظل تبعية مالية تامة.
وبالإضافة إلى الصعوبات المالية فإن هذه المنظمات الجماهرية تفتقد في أغلبها إلى الوسائل المادية التي توفر الحد الأدنى من وسائل العمل ، بداية من المقرات أين يصعب عليها الاجتماع بأعضائها والتشاور معهم حول كيفية وضع مختلف البرامج . ورغم المطالب المتكررة في هذا الشأن فإن الاستجابة إليه تكاد تكون شبه مستحيلة ، مما اضطر الكثير من الجمعيات والنوادي إما إلى الانسحاب كلية بحل نفسها أو التقوقع والانكماش ومن ثم تحديد أنشطتها والتقليل منه، الشيء الذي انعكس سلبا على حماية البيئة [32].
إن مشكل التمويل يقترض أن يوجه جهود الجمعيات إلى تكثيف جهودها للقضاء على مشاكل التنسيق والتواصل فيما بينها.
الفرع الثالث:ضعف التواصل والتنسيق بين الجمعيات البيئية
نظرا لكون البيئة قضية الجميع ونظرا لتشعب وتداخل العناصر البيئية بحيث يستحيل من الناحية العلمية والعملية إيجاد فصل مطلق بينها فإنه من الضروري توحيد جهود منظمات المجتمع المدني العاملة في كل مجالات حماية البيئة، بل ومحاولة التواصل مع باقي أطياف الجمعيات الثقافية والرياضية والدينية والتربوية لتبادل الأفكار والخبرات وتنقيح البرامج والتعاون الإيجابي من أجل تنمية الوعي البيئي وزرع قيم الحفاظ على البيئة، ويجب أن لا ينحصر هذا التنسيق والتفاعل في نطاق ضيق بل لابد أن يمتد إلى أبعد مدى ممكن ليتخذ الشكل التنسيقي المؤسسي في إطار فيدراليات تؤدي إلى تعميم الممارسات والاستفادة من التجارب الناجحة، وتعمل على توحيد الموارد والطاقات لإنجاز المشاريع الكبرى التي تتجاوز إمكانيات الجمعية الواحدة، إضافة إلى إكسابها وزنا يجعلها ورقة ضغط لها كلمتها في اتخاذ القرار البيئي ويمكنها من فرض شروطها في التعامل مع السلطة.[33]
وفي نفس السياق فإن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال البيئة تجد صعوبة في التواصل مع المؤسسات الاقتصادية، كون أن نشاط العديد من هذه المؤسسات الاقتصادية له تأثير سلبي على البيئة في مكوناتها . ولذلك يبدو من الضروري أن تعمل هذه المؤسسات على تدعيم منظمات المجتمع المدني ماديا ومعنويا بتخصيص لها بعض المبالغ المالية كمساعدات وهبات لتغطية تكلفة الأنشطة الضارة بالبيئة ، ولتنمية عامل الثقة المفقود بينهما، ومن أجل تحقيق التعاون المنشود يجدر بمنظمات المجتمع المدني التقرب من المؤسسات الاقتصادية، وعلى هذه الأخيرة مساعدتها وتمويل أنشطتها من أجل تنفيذ برامجها.[34]
خاتمة:
إذن إن هيئات أو منظمات المجتمع المدني أو الحركة الجمعوية يمكنها أن تلعب دورا من الأهمية بما كان في مجال حماية البيئة وتعزيزها، لكن تفعيل هذا الدور ونجاعته هو مسؤولية الكافة بداية من الإدارات الوصية، إلى المؤسسات الاقتصادية إلى المواطنين العاديين الذين يجب أن يساهموا جميعهم في تدعيم هذه الجمعيات كل في حدود قدراته لننعم جميعا ببيئة سليمة ومستدامة ونحافظ عليها للأجيال المقبلة.
[1] المادة 02 من القانون رقم 90-31 مؤرخ في 4 ديسمبر 1990 يتعلق بالجمعيات، ج.ر.ع.53، س.1990، ص.1686.
[2] الأمر رقم 71-79 المؤرخ في 03 ديسمبر 1971 ، المتعلق بالجمعيات. ج.ر.ع.105 لسنة 1971.
[3] محمود بوسنة، الحركة الجمعوية في الجزائر: نشأتها، و طبيعة تطورها و مدى مساهمتها في تحقيق الأمن و التنمية، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة منتوري قسنطينة، ع.17،جوان 2002، ص.134 و ما بعدها.
[4] المادة 88 من المرسوم رقم 88-131 المؤرخ في 04 يوليو 1988 ، المنظم للعلاقات بين الإدارة والمواطن، ج ر عدد27 لسنة 1988
[5] المادتين 41و43 من الدستور الجزائري المعدل لسنة 1996.
[6] عبد اللاوي جواد،الحماية الجنائية للهواء من التلوث-دراسة مقارنة-، رسالة دكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقايد-تلمسان، السنة الجامعية 2013-2014،ص.274.
[7] المادة 23 من القانون رقم 90-31 المتعلق بالجمعيات.
[8] المواد من 3 إلى 10 من القانون رقم 90-31 المتعلق بالجمعيات.
[9] حوشين رضوان، الوسائل القانونية لحماية البيئة و دور القاضي في تطبيقها، مذكرة تخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء، الفترة التكوينية 2003-2006، ص.47.
[10] وعلي جمال، الحماية القانونية للبيئة البحرية من أخطار التلوث-دراسة مقارنة-، رسالة دكتوراه في القانون الخاص، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، س.2009-2010،ص.190.
[11] عبد اللاوي جواد،الحماية الجنائية للهواء من التلوث-دراسة مقارنة- مرجع سابق،ص.275.
[12] مقدم حسين،دور الإدارة في حماية البيئة، مذكرة ماجستير في الإدارة المحلية،كلية الحقوق والعلوم السياسية،جامعة أبو بكر بلقايد-تلمسان، السنة الجامعية2011-2012،ص.59.
[13] عبد اللاوي جواد،الحماية الجنائية للهواء من التلوث-دراسة مقارنة- مرجع سابق،ص.275.
[14] وينا س يحي، الآليات القانونية لحماية البيئة في الجزائر، رسالة دكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقايد- تلمسان، س.2007،ص.143.
[15] مقدم حسين، مرجع سابق، ص.60.
[16] عبد اللاوي جواد،الحماية الجنائية للهواء من التلوث-دراسة مقارنة- مرجع سابق،ص.275.
[17] وعلي جمال،مرجع سابق،ص.194 وما بعدها.
[18] وعلي جمال،المرجع السابق ، ص.214.
[19] مقتبس عن وعلي جمال، المسؤولية المدنية الناجمة عن أضرار التلوث الصناعي في القانون الجزائري، مذكرة ماجستير في القانون الخاص،كلية الحقوق،جامعة أبو بكر بلقايد-تلمسان، السنة الجامعية 2002-2003،ص.20.
[20] علي سعيدان، حماية البيئة من التلوث بالمواد الإشعاعية و الكيمياوية في القانون الجزائري، دار الخلدونية، الجزائر، ط.1،س.2008، ص.245.
[21] المادة74 من القانون رقم 90-29 مؤرخ في 1ديسمبر 1990 يتضمن قانون التهيئة و التعمير، ج.ر.ع.52، س.1990، المعدل و المتمم بالقانون رقم 04-05 مؤرخ في 14 أوت 2004، ج.ر.ع.51، س.2004.
[22] م.36-37 -38 من القانون رقم03-10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، مؤرخ في 19 يوليو2003، ج.ر 6، مؤرخة في 20 يوليو 2003، ص.6.
[23] وعلي جمال، الحماية القانونية للبيئة البحرية من أخطار التلوث ، مرجع سابق، ص.215.
[24] عبد اللاوي جواد، الحماية الجنائية للبيئة –دراسة مقارنة-، مذكرة ماجستير في علم الإجرام و العلوم الجنائية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقا يد، تلمسان، س.2004-2005،ص.86.
[25] ويناس يحي، مرجع سابق، ص.251.
[26] ويناس يحي، مرجع سابق، ص.150.
[27] مقدم حسين،مرجع سابق،ص.62.
[28] عبد اللاوي جواد،مرجع سابق،ص.278.
[29] وعلي جمال،مرجع سابق،ص.199.
[30] وناس يحي،مرجع سابق، ص.146 وما بعدها.
[31] وعلي جمال، مرجع سابق،ص.199.
[32] وعلي جمال، مرجع سابق،ص.200.
[33] وناس يحي، مرجع سابق،ص.153.
[34] وعلي جمال،مرجع سابق،ص.202.