في الواجهةمقالات قانونية

القيمة العقابية للغرامة اليومية كعقوبة بديلة عن العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة و مميزاتها عن باقي العقوبات المالية المشابهة لها.

 

القيمة العقابية للغرامة اليومية كعقوبة بديلة عن العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة و مميزاتها عن باقي العقوبات المالية المشابهة لها.

مقدمة

إن عقوبة الغرامة اليومية  تحدد على أسس وضوابط ومعايير معقلنة، هذا الأمر الذي من شأنه أن يحقق العدالة بجلاء بين الأغنياء والفقراء. ولما كان دورها يتجلى في تحقيق أغراض العقوبة بعيدا عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة الأمد[1] جاءت لتشمل جرائم بسيطة لا تشكل أي خطورة على النظام العام، والتي باتت تعرف نموا كبيرا، قصد تعزيز إستراتيجية التوجه الجنائي بشأن مكافحة ظاهرة الجنوح البسيط[2].

وتبعا لذلك جعل المشرع السويدي الغرامة اليومية ذلك الجزاء الأكثر تطبيقا في التصدي لمقترفي الجرائم المتعلقة بالمخالفات والجنح[3]، الشيء الذي يتضح معه أن عقوبة الغرامة اليومية  تتفرد بمجموعة من الخصائص المميزة لها. و يجب على القاضي أن يقوم بإجراء عمليتين جوهريتين عند تقريره للعقوبة[4]:

أولا: تحديد درجة الجرم الذي على أساسه يتم تحديد أيام الغرامة.

ثانيا: تقييم الأيام وتحويلها إلى وحدة مالية في صورة غرامة.

مع احترام – القدرة المالية للمحكوم عليه – حاجاته الشخصية – الأعباء الملقاة على كاهله دون أن يؤدي ذلك إلى سقوطه في العجز وإهمال واجباته العائلية.

إن نظام الغرامة اليومية قد تجاوز كل المآخذ الموجهة إليه، والمتهمة إياه بكونه غير عادل ولا يراعي بالخصوص الوضعية المادية للجاني، غير أن هذه المآخذ لاتجد ما يبررها. لأن تطبيق هذه العقوبة يحمل على الأقل شيئا من المساواة وذلك خلافا للعقوبة الحبسية التي دلت التجارب على تراكم مساوئها[5].

انطلاقا مما سبق سنقوم بدراسة مميزات عقوبة الغرامة اليومية عن باقي العقوبات المالية المشابهة (الفقرة الأولى) ثم القيمة العقابية للغرامة اليومية (الفقرة الثانية).

 

 

الفقرة الأولى: مميزات عقوبات الغرامة اليومية عن باقي العقوبات المالية المشابهة

إن عقوبة الغرامة اليومية تحقق الردع العام والخاص، ويتجسد عنصر الإيلام فيها كونه يمتد إلى مساس الذمة المالية للمحكوم عليه، لكن في غاياتها الأسمى تسعى إلى إصلاح الجاني وتأهيله وليس مجرد الثأر منه[6]. وتصدر عقوبة الغرامة اليومية عن القضاء الجنائي في خصومة جنائية، وتخضع لمبدأ الشرعية بحيث لا يجوز الحكم بها إلا بمقتضى نص قانوني وتخضع لمبدأ شخصية العقوبة كذلك[7]، و تخضع لأسباب سقوط العقوبة بالتقادم أو العفو أو الوفاة وغيرها من الأسباب كما أنها تنقضي بانقضاء العقوبة.

وتعتبر عقوبة الغرامة اليومية وكذا العادية بديلا عن العقوبة السالبة للحرية[8]، حيث هذا ما نص عليه المشرع المغربي عندما تطرق إلى قواعد تفريد العقاب في الباب الثاني من الكتاب الثاني، بحيث أعطى للقاضي سلطة تقديرية لاستبدال كل من عقوبتي الحبس والاعتقال بالغرامة في الجنح والمخالفات على التوالي[9]، وتتشابه الغرامة اليومية مع الغرامة العادية في كون أن القاضي تبقى يده مغلولة في تقدير قيمة مبلغ الغرامة، حيث يراعي الحد الأقصى والأدنى المقرر بمقتضى القانون.[10]

 

و يلاحظ كذلك أنه في كثير من الأحيان يواجه  أداء الغرامة بعسر المحكوم عليه[11] أو امتناعه عن الأداء، فيتم تطبيق مسطرة الإكراه البدني[12] وتحويل الغرامة إلى عقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة.

لكن على عكس المشرع المغربي الذي لم يوسع من دور القاضي في تفريد الغرامة، فإن التشريعات الجنائية المقارنة أعطت للقاضي مجموعة من المعايير يراعيها عند تقدير الغرامة خصوصا عقوبة الغرامة اليومية[13]:

  • مراعاة ظروف المتهم وحالته الاقتصادية.
  • تناسب الغرامة مع الظروف المالية للمحكوم عليه.
  • قدرة المحكوم عليه على الدفع، لكي لا تتحول من غرامة يومية إلى عقوبة سالبة للحرية عن طريق مسطرة الإكراه البدني.

بالإضافة أن للقاضي إمكانية تأجيل النطق بالغرامة اليومية أو تقسيطها[14]  بل حتى الإعفاء منها و أيضا جواز الحكم بوقف تنفيذها.[15]

وتنفرد عقوبة الغرامة اليومية بخاصية تميزها عن باقي العقوبات المشابهة لها، وهي خاصية موافقة المحكوم عليه التي تقررت لضمان حسن تنفيذها، ولهذا لا غرابة أن تشترط بعض التشريعات الجنائية موافقة المحكوم عليه[16]، والإقرار لهذه الخاصية هو ضمان التعاون مع الجهات المشرفة على سلوك المحكوم عليه، ودليل على الوفاء بإخلاصه للالتزامات المفروضة عليه، حتى لا يتم تغيير عقوبة الغرامة اليومية  إلى العقوبة الأصلية، مما لا يسمح بإصلاح المذنب، وتحقيق الأغراض المسوغة لتطبيقها[17].

يمكن لعقوبة الغرامة اليومية أن تكون عقوبة تكميلية، إذا كانت الجنحة معاقبا عليها بالحبس موقوف التنفيذ، حيث هنا يجوز الحكم بعقوبة الغرامة اليومية إلى جانب عقوبة الحبس موقوف التنفيذ[18]، لكن هذه الحقيقة تتنافى مع الفلسفة التي تكمن وراء فكرة الغرامة اليومية كعقوبة بديلة للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة رغم وقف تنفيذها، فلذلك يجب أن تؤخد هذه الرخصة في أضيق الحدود[19].

لكن نتساءل هل يمكن أن تعد الغرامة اليومية بديلا لعقوبة الغرامة الجنائية العادية؟ إن الحكم بالغرامة اليومية يمنع الحكم في ذات الوقت بعقوبة الغرامة العادية[20]، وبالتالي يمكن القول أن الغرامة اليومية هي عقوبة بديلة للغرامة العادية، لكن من خلال المادة 5/131 ق.ج.ف يلاحظ أن المشرع لم يأخذ تماما بهذا المفهوم، لأن المادة الأخيرة لا تسمح بالنطق بعقوبة الغرامة اليومية إلا إذا كانت الجريمة معاقبا عليها بالحبس، وبالتالي يرى بعض الفقه[21] عدم جواز الحكم بعقوبة الغرامة اليومية كبديل لعقوبة الغرامة، إذا كان المشرع لم ينص عليها أصلا، مما يعني أنها ليست بديلا لعقوبة الغرامة.

إن عقوبة الغرامة اليومية تتيح للقاضي استخدام سلطاته التقديرية في تفريد مقدارها بما يتلاءم مع دخل المحكوم عليه والتزاماته وأعبائه وجسامة الأضرار التي سببتها اجريمته، مما يجعلها أكثر عدالة من الغرامة العادية[22].

الفقرة الثانية: القيمة العقابية للغرامة اليومية

تتجلى القيمة العقابية للغرامة اليومية في طبيعة استخلاصها، فحينما يحكم القاضي على الجاني بمبلغ معين يدفعه يوميا لمدة معينة، ويقوم المحكوم عليه بسداد قيمة الغرامة اليومية[23]، هنا يتضح على أنه يتبقى للمحكوم عليه مدة فاصلة بين الحكم والأداء، قصد تدبير كيفية تحصيل المبلغ المحكوم به عليه  لكي لا يتملص من الأداء، لأن مبلغ الغرامة اليومية يكون مستحقا بصفة نهائية بعد تمام مدة أيام الغرامة المحددة في الحكم[24].

ولما كانت الغرامة اليومية هي إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من النقود يقدره القاضي سلفا إلى خزينة الدولة فهذه العقوبة البديلة إذن تمثل علاقة دائنية بين المحكوم عليه والدولة على اعتبار هذه الأخيرة طرفا دائنا والمحكوم عليه طرفا مدينا، وأساس هذه العلاقة هو الحكم القضائي الذي أثبت مسؤولية الجاني، وجعل الغرامة اليومية بمثابة الجزاء المرتب على ارتكاب الجريمة[25].

إن عقوبة الغرامة اليومية أثارت الكثير من الجدل الفقهي حول قيمتها العقابية، حتى أن البعض[26] نادى بإلغائها لأنها عقوبة غير شرعية بل ظالمة لأنها لا تحقق المساواة بين المواطنين أمام العدالة، لذلك فأغلب التشريعات التي تعتمدها تنص على توقيع عقوبة الحبس على المحكوم عليه بالغرامة اليومية إذا ما تخلف عن دفعها.

لكن لا يمكن أن نبخس القيمة العقابية الحقيقية لعقوبة الغرامة اليومية، و أهمها تجنب المحكوم عليه مساوئ الحبس قصير المدة خصوصا اختلاط المحكوم عليه بالمجرمين العتاة داخل أسوار السجن، مما يجعله يصاب بعدوى الثقافة الإجرامية في تجسيد واضح للنظريات المؤسسة لعلم الإجرام. ثم إن عقوبة الغرامة اليومية تجنب المحكوم عليهم الوصم الاجتماعي، وكذا الآثار النفسية التي تترتب على سلب الحرية لمدة قصيرة، و تساعد على التقليل من حالة الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية الإصلاحية والعقابية الخاصة بإيداع السجناء، بالإضافة أنها تساعد على ترشيد التكلفة الاقتصادية للحرية والأعباء التي تتكبدها الدولة للإنفاق على النزلاء[27]، هنا تطفو على السطح من جديد قضية مصاريف العدالة في علاقة مع واضعي السياسات الجنائية في العالم المتقدم[28].

خاتمة

إن عقوبة الغرامة اليومية تجعل المحكوم عليه يعيد التفكير في منهج حياته، وهو الأمر الذي يقوده في النهاية إلى العزوف عن ارتكاب أية  جريمة جديدة لأن هذه العقوبة تحقق العدالة على نحو أفضل من الغرامة التقليدية، كونها تحدد وفقا لمصادر تمويل الجاني ومسؤولياته المالية، بالإضافة إلى جسامة الجريمة التي ارتكبها، ويقدر ذلك على أساس عدد معين من الأيام، ومن تم فإنها تعد عقوبة بديلة عادلة للجرائم غير الجسيمة[29].

 

 

[1] Catherine belvaque, monde Judiciare et monde coopération on cohabitation, p: 6-7.

[2] Gaillard renard, des sanctions pénales alternatives, Dalloz 2013, p: 62.

[3] Jean Marc varaut, la prison pourquoi faire ? la table ronde, 1972, p: 228.

[4]  مصطفى العوجي، دروس في العلم الجنائي، التصدي للجريمة، مؤسسة نوفل طبعة 1، جزء 2، سنة 1980، ص: 178.

[5]  لمياء بلمير، بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص كلية الحقوق الرباط، السنة الجامعية 2009-2010، ص: 48.

[6]  طيب محمد عمر ، العقوبة في الميدان الجنائي إلى أين ؟ مجلة المحاماة عدد 24/25/26 سنة 1994، ص: 118.

[7]  محمد علي السالم عياد الحلبي، شرح قانون العقوبات، القسم العام، طبعة 1، دار الثقافة للنشر والتوزيع 2007، ص: 260.

[8]  كوريتي عبد الحق، مجلة الأبحاث والدراسات القانونية، العدد 4، طبعة نونبر- دجنبر 2014، ص: 197.

[9]  أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح، شرح القانون الجنائي القسم العام، طبعة 1 سنة 1980، ص: 289.

 [10] الفصل 141 ق.ج.م.

[11]  المادة 165 ق.م.ج.

[12]  الإكراه البدني هو وسيلة من وسائل التنفيذ هدفها إجبار المدين بدين عمومي أو خصوصي والمحكوم عليه بمقتضى مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به على الأداء، وإلا يتم الزج به في السجن لمدة يحددها القانو ن، أنظر شرح ق.م.ج لوزارة العدل، الجزء الثالث، منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدلائل للعدد 85 يونيو 2007 ص: 71.

[13]  كورتي عبد الحق، المرجع السابق، ص: 199.

[14]  المادة 28/131 ق.ج.ف. أنظر  Pierrette Poncela, droit de la peine thémis DUF, p: 129.

[15] Jean larguier, criminologie et science pénitentiaire 2éme édition, librairie Dalloz, paris, 1971, p: 76.

[16]  محمد العروصي، مجلة العلوم الجنائية، العدد الثاني، طبعة 2015، ص: 116.

[17] Jean Pradel, manuel de droit pénal général, édition Cujas, imprimerie buissière camedan à saint-Amand-montroud, paris 200, n° 589, p: 523.

[18]  المادة 5/131 ق.ج.ف.

[19] Desportes (Frédéric) et le gunehec (francis) le nouveau droit pénal, tom-1-économico 1997, N° 787, p: 598.

[20]  المادة 9/131 ق.ج.ف.

[21]  سعداوي محمد صغير، العقوبة وبدائلها في السياسة الجنائية المعاصرة، دار الخلدونية، طبعة 1433 هـ 2012 م، ص: 98.

[22]  شريف سيد كامل، الحبس القصير المدة في التشريع الجنائي الحديث، دار النهضة العربية-، القاهرة 1999، ص: 90.

[23]  أيمن رمضان الزيني، العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة و بدائلها “دراسة مقارنة”، دار أبو المجد للطباعة بالهرم، طبعة أولى، ص: 334.

[24]  أنظر: ريبهارت فرانز، السجن ليس ضروريا، المجلة العربية للدفاع الاجتماعي، العدد الثاني، 10 يوليوز 1981، ص: 307.

و كنون أحمد، البدائل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدى، مجلة الندوة، عدد 4، هيئة المحامين، طنجة 1988، ص: 23.

[25]  Neymark, la peine d’amende, revue de droit pénal et criminel, 1928, p: 919.

[26]  اسامة الكيلاني، العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، فلسطين 2003، بدون ذكر دار الطبع، ص: 31.

[27]  إن التكلفة المتعلقة بالسجناء تتباين من مجتمع لآخر حسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل دولة فمثلا إيطاليا يكلف كل سجين يوميا الدولة الإيطالية 150 أورو، أنظر ” ” اليوم 24 ” تقتحم زنازن السجناء المغاربة بإيطاليا، في الرابط التالي:

http://www.alyaoum24.com/171933.html  تاريخ الزيارة في: 28/04/2018.

في حين في المغرب لا تتجاوز التكلفة 16 درهما يوميا، وفي هذا الصدد يرى أحمد أرحموش، وهو منسق لجمعيات حقوقية، خلال حديث لـ “العربي الجديد” أنه رغم رفع الميزانية المخصصة لكل سجين من 5 إلى 12 درهما يوميا، فإن ذلك لا يكفي لثلاث وجبات في اليوم وبالتالي لايمكن أن تحفظ الكرامة الإنسانية للسجين أو السجينة. انظر الموقع الالكتروني: www.alarabi.com.uk/society  تاريخ الزيارة 2018/04/28.

[28]   ناصر بن محمد المهيزع، النظم الحديثة في إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية، أبحاث بندوة النظم الحديثة في إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية الرياض، 1999، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، ص: 194.

[29]  سعداوي محمد صغير، المرجع السابق، ص: 95.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى