الكراء التجاري بين القانون رقم 49.16 والاجتهاد القضائي من اعداد : هبة عكاف
الكراء التجاري بين القانون رقم 49.16 والاجتهاد القضائي
من اعداد الطالبة:
هبة عكاف
طالبة باحثة في ماستر قانون الأعمال
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية
تقديم:
عرف الأصل التجاري مكانة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، الشيء الذي جعل المشرع يتدخل لحماية هذا المال واعطاءه مكانة قانونية، على اعتبار أنه عجلة من العجلات التي يقوم عليها الاقتصاد ويمد شرايينه ويدفع به نحو الازدهار والرخاء، والمعلوم أن هذا الأصل التجاري وجب ان يخصص له مكان يضمن له الاستقرار وكي يكون عناصره التي نص عليها المشرع في المادة 80 من مدونة التجارة والمتمثلة في الزبناء والسمعة التجارية كعناصر معنوية واجبة فيه، وأخرى ضرورية لاستغلاله. ولما كان صاحب الأصل التجاري لا يمتلك حقا عينيا يضع فيه هذا الأصل، فإنه يلتجئ عادة الى كراء عقار مملوك للشخص آخر، فيترتب على ذلك علاقة تعاقدية بين صاحب ملكية تجارية وصاحب ملكية عقارية.
ولحماية هذه الملكيتين وخلق توازن في العلاقة التعاقدية، صدر القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات والمحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.99 بتاريخ 13 من شوال 1437 (18 يوليوز 2016) وذلك بعد مخاض عسير ليعالج المشاكل التي كان يعرفها ظهير24 ماي 1955.
وتتجلى أهمية هذا القانون في تعزيزه للترسانة القانونية في مجال الكراء، وإسهامه في تشجيع الاستثمار، وضمان استقرار المعاملات، وتحقيق التوازن في العلاقة بين المكري والمكتري، بالإضافة الى العديد من المستجدات التي وضعت حدا لمجموعة من الإشكاليات الواقعية القانونية التي كان يطرحها ظهير 24 ماي 1955، والتي تم من خلالها تكريس ما استقر عليه الاجتهاد القضائي طيلة ما يزيد على ستة عقود.
إذن ماهي الخصوصية التي جاء بها هذا القانون؟ وماهي حقيقة تطبيقه على مستوى الواقع العملي؟
إن هذه الإشكالات تتطلب دراستها اعتماد المنهجية التالية:
المحور الأول: الإطار النظري للكراء التجاري
المحور الثاني: الإطار العملي للكراء التجاري
المحور الأول: الإطار النظري للكراء التجاري
ان الحديث عن الإطار النظري يقتضي منا التطرق الى الأحكام التي تنظم العلاقة الكرائية بما فيها نطاق تطبيق عقد الكراء وشروط ابرامه والآثار المترتبة عليه.
الفقرة الأولى: شروط التطبيق
سنخصص الحديث في هذه الفقرة لمجال تطبيق هذا القانون (1)، وللشروط الأخرى الخاصة بعقد الكراء (2).
- مجال التطبيق:
بالرجوع الى القانون المنظم للكراء التجاري في مادته الأولى، فقد حددت مجال تطبيقه والذي يهم كل عقود الكراء العقارات أو المحلات التي يستغل فيها أصل تجاري او ملحقة له، او عقود كراء الأراضي العارية التي شديت عليها بنايات لاستغلال أصل تجاري إما قبل الكراء أو بعده بشرط موافقة كتابية للمالك، إضافة الى تلك العقود الكراء التي تبرمها الدولة او الجماعات الترابية او المؤسسات العمومية فيما يخص الملك الخاص لها مع مراعاة بعض الاستثناءات الواردة في المادة 2من هذا القانون[1]، كما أن هذا القانون يسري على العقارات أو المحلات التي تمارس فيها مؤسسات التعليم الخصوصي أو التعاونيات أو المصحات أو الصيادلة والمختبرات الخاصة بالتحاليل البيولوجية الطبية وعيادات الفحص بالأشعة.
والملاحظ من هذه المادة جعلت من استغلال الأصل التجاري معيار محدد لنطاق التطبيق، كما تم توسيع المجال ليشمل أيضا أنشطة كانت الى حد قريب لا تستفيد من الحماية القانونية للتشريع المتعلق بالكراء التجاري وهو ما نص عليه المشرع في الفقرة الثانية من المادة الأولى، بخصوص كل من التعاونيات والمصحات وغيرها من المختبرات الخاصة بمجال الصحة، الا أن الاختلاف بينها وبين المحلات المنصوص عليها في الفقرة الأولى أن هذه الأخيرة لا تكتسب أصلا تجاريا وإنما تستفيد فقط من الحماية المقررة في هذا القانون.
- شروط ابرام عقد الكراء:
حدد المشرع في المادة 3 من القانون 49.16 شرط الكتابة كشرط للانعقاد وذلك في محرر ثابت التاريخ مع بيان وصف الأماكن عند تسليم المحل وذلك ليكون حجة بين الأطراف.
فمن أجل تخفيف من إشكاليات الإثبات المتعلقة بعقود الكراء عامة والتجارية خاصة، جعل المشرع من شرط الكتابة شرط جوهريا لجعل هذا العقد يخضع لمقتضيات هذا القانون، حيث إنه في الحالة التي يبرم فيها عقد كراء دون توثيقه يبقى صحيحا وقائما إلا انه ستطبق عليه آنئذ الأحكام العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود[2].
غير أن التساؤل يبقى مطروحا بالنسبة للجزاء المترتب عن عدم تحرير البيان المذكور؛ حيث إن المشرع اعطى إمكانية الأطراف للاتفاق فيما بعد على إبرام العقد وفقا للمقتضيات المادة 38 من هذا القانون.
ويعتبر شرط المدة ثالث شرط لتطبيق هذا القانون، وخلافا لما كان عليه الوضع في ظل ظهير 24 ماي 1955 الذي كان يقر أجلين إثنين، سنتين بالنسبة للعقود المكتوبة وأربع سنوات بالنسبة للعقود الشفوية، جعل المشرع في هذا القانون الجديد في مادته الرابعة أحقية استفادة المكتري من الحق في التجديد بمرور سنتين من الانتفاع، غير أنه في حالة إذا كان قد أعطى مبلغا يعتبر ضمانة لاكتساب هذا الحق يعفى من شرط المدة.
وانسجاما مع شرط الكتابة نص المشرع في المادة سابقة الذكر على وجوب توثيق المبلغ المالي الذي يقدمه المكتري مقابل الحق في الكراء وذلك إما في صلب العقد او في عقد منفصل.
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن العقد
- الوجيبة الكرائية:
تعتبر الوجيبة الكرائية أحد الالتزامات الملقاة على عاتق المكتري؛ إذ باستلامه للمحل تجب عليه تأديتها مقابل هذه الاستفادة. كما أن هذه الأخيرة تحدد بتراضي الطرفين كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة من القانون 49.16، إضافة الى كافة التحملات التي هي متروكة للأطراف في تحديدها بحرية، وفي حالة عدم التنصيص عليها _التحملات_ تعتبر من مشمولات الوجيبة الكرائية.
فهذا المقتضى يندرج ضمن تأكيد المشرع على مبدأ سلطان الإرادة في تحديد أسس المعاملات التعاقدية، إضافة الى ان هذه المادة عالجت إشكالية الجهة الملزمة بأداء التحملات المتعلقة بالمحل المكترى من رسوم الخدمات الجماعية وواجبات اتحاد الملاك إذا تعلق الأمر بنظام الملكية المشتركة واعتبارها من مشتملات الوجيبة[3].
وتبقى مراجعة الوجيبة الكرائية خاضعة للقانون رقم 07.03 المتعلق بكيفية مراجعة أثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي، كما أن هذا القانون الجديد استبعد الزيادة في الوجيبة الكرائية كسبب يمكن أن يؤسس عليه الإنذار، محيلا بذلك الى القانون رقم 07.03 سابق الذكر.
- الحق في التجديد وحدوده:
تنص المادة 6 على الحق في التجديد كلما تم استيفاء الشروط المتعلقة بنطاق التطبيق وشرط الكتابة وشرط المدة وأداء الوجيبة الكرائية، وهو حق يجدد تلقائيا لمدة العقد بعد انتهاء مدته الأصلية، وبالتبعية إقرار مسطرة خاصة لإنهاء العمل بالعقود الخاضعة لأحكام هذا القانون وهي تلك المنصوص عليها في المادة 26.
غير أنه يثار تساؤل حول إمكانية افراغ المكتري من أجل الاستعمال الشخصي؛ وحيث إن كان المشرع لم يستعمل عبارة الإفراغ للاستعمال الشخصي إلا انه يفهم من أحكام المادة 6 أن الافراغ هو حق لفائدة المكري، طبقا لمقتضيات المادة 26 مقابل تعويض لفائدة المكتري طبقا لأحكام المادة 7 مهما كان نوع الاستعمال الشخصي الذي ينوي المكري مباشرته، لكن مع مراعاة أحكام المادة 8 التي تقر بعدم أحقية المكتري التعويض إذا تحققت حالة من الحالات المذكورة فيها، كما أنه وبالرجوع الى مقتضيات المادة 26 في البند الثاني من الفقرة الثانية نجدها تضمنت الإشارة الى حالة الإنذار المبني على رغبة المكري في استرجاع المحل للاستعمال الشخصي ضمن الحالات التي تستلزم منح المكتري أجل ثلاثة أشهر للإفراغ.
وبالرجوع كذلك الى المادة 7 التي تعد استثناءا على الحق في التجديد المخول للمكتري؛ إذ أنه يمكن للمكري عدم تجديد عقد الكراء، ويستحق معها المكتري تعويضا عن هذا الإنهاء يكون معادلا للضرر الناجم عن الإفراغ ويشمل قيمة الأصل التجاري التي تحدد انطلاقا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة ويضاف اليها كل التحسينات والمصاريف التي يمكن ان يكون المكتري قد أنفقها في المحل وما فقده من عنصر او عناصر تدخل في تكوين الأصل التجاري خلال عملية الانتقال، الا إذا اثبت المكري ان الضرر الحاصل لا يصل الى الحد المذكور. وكل شرط نص على عدم أحقية المكتري للتعويض عند إنهاء العقد يعتبر باطلا.
تبقى فقط الحالة التي يكون المكتري قد منح مبلغا يعتبر ضمانة لإعفائه من شرط المدة، ففي حالة الإفراغ لا يجب أن يقل التعويض عن المبلغ المدفوع مقابل الحق في الكراء.
أما بخصوص الحالات التي يعفى منها المكري بأداء التعويض للمكتري اذا لم يؤدي هذا الأخير الوجيبة الكرائية خلال 15 يوما من تاريخ توصله بالإنذار وكان ما بذمته على الأقل ثلاثة أشهر من الكراء، أو في حالة ما أحدث تغيرا بالمحل دون موافقة المكري بشكل يضر بالمحل ويؤثر بسلامته أو قام بتغيير نشاط أصله التجاري دون موافقة المكري ما لم يعبر عن رغبته بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر، أو في حالة كان المحل آيلا للسقوط ما لم يكن للمكري مسؤولية في عدم القيام بالإصلاحات الازمة رغم انذاره من قبل المكتري، أو في حالة ما هلك المحل موضوع الكراء إما بفعل المكتري أو بفعل قوة قاهرة أو حادث فجائي، أو عمد المكتري على إكراء المحل من الباطن رغم الاتفاق على خلافه، أو إذا فقد الأصل التجاري عنصري الزبناء والسمعة التجارية بإغلاق المحل للمدة سنتين على الأقل.
وتماشيا مع ما تم ذكره هناك حالات أخرى تخول للمكري إمكانية إفراغ المكتري من المحل وذلك في حالة كان يرغب في هدم البناء وإعادة بنائه شريطة أدائه تعويضا للمكتري يوازي كراء ثلاث سنوات إضافة الى مصاريف الانتظار مع الاحتفاظ للمكتري بحقه في الرجوع وذلك إذا اشتملت البناية على محلات معدة لممارسة نفس النشاط المماثل على أن يكون قدر الإمكان متطابقا مع المحل السابق والنشاط الممارس فيه، أو تعويض يستحقه طبقا لمقتضيات المادة 7 في حالة لم تشتمل البناية الجديدة على المحلات المذكورة، ويتعين على المكري أن يشرع في البناء داخل أجل شهرين من تاريخ الإفراغ، والا حق للمكتري تعويضا وفق مقتضيات المادة 7 ما لم يكن التأخير خارج عن إرادة المكري. والحالة التي يكون فيها البناء آيلا للسقوط يتعين على المكري إفراغ المكتري وذلك ضمانا لسلامته أولا ولسلامة البناء ثانيا، ولا يكون للمكتري الحق في الرجوع أو الحصول على تعويض الا إذا تم بناء المحل وإصلاحه داخل أجل ثلاث سنوات الموالية لتاريخ الإفراغ كما يجب عليه أن يعرب عن نيته في الرجوع داخل سريان دعوى الإفراغ أو داخل أجل 3 أشهر من تاريخ اخباره من قبل المكري وإلا سقط حقه في الرجوع، ويعتبر هذا الأخير ملزما بهذا الاخبار تحت طائلة التعويض عن فقدان الأصل التجاري.
وعليه إن كل هذه الحالات التي تم ذكرها تخول للمكري حق الإفراغ، وتخول للمكتري الحق في تعويض وذلك تماشيا مع رغبة المشرع في الحفاظ على التوازن بين مصلحة المكري في ملكيته العقارية وأحقية المكتري في حماية ملكيته التجارية.
المحور الثاني: الإطار التطبيقي للكراء التجاري
إن الغاية من اصدار أي قانون هو إيجاد أرضية خصبة تكون ملاذا له، ويعتبر الاجتهاد القضائي إحدى الآليات التي تقوم بترجمة القانون وتنزيله منزلة الصواب إضافة الى الفقه، وعليه سنخصص الحديث في هذا الشق لمناقشة بعض الإشكالات التي يعرفها هذا القانون والكيفية التي عالجها بها الاجتهاد القضائي.
الفقرة الأولى: تفويت الحق في الكراء
إن من الحقوق التي يكتسبها المكتري هي الحق في الكراء، وهو أحد العناصر التي تدخل في تكوين الأصل التجاري ويمكن تفويته إما مستقلا عنه أو مع بقية العناصر الأخرى، وحيث إن المشرع في المادة 25 من القانون رقم 49.16 جعل من هذا الحق ملكا للمكتري يتصرف فيه كيفما شاء دون الحاجة لموافقة المكري، وهذا شيء بديهي لأن هذا الحق قد اكتسبه المكتري إما بمرور المدة التي سبق وان أشرنا لها وإما في حالة تقديمه مبلغا لاكتساب الحق في الكراء عند ابرام عقد الكراء ولا حاجة لسريان هذا الانتقال موافقة المكري.
غير أنه يتعين على كل من المفوت والمفوت له فقط إشعار المكري بهذا التفويت تحت طائلة عدم سريان آثاره في مواجهة المكري، ولا يمكن مواجهة هذا الأخير بهذا التفويت الا من تاريخ تبليغه بالواقعة، ويبقى المكتري الأصلي هو المسؤول تجاه المكري بخصوص كل الالتزامات التي كانت محل عقد الكراء الأصلي.
وقد جعل المشرع لهذا التصرف شروطا تخضع لمدونة التجارة في الشق المتعلق ببيع الأصل التجاري؛ حيث نص على أنه يجب تحرير العقد كتابة ومتضمنا للبيانات الواردة في المادة 81 من مدونة التجارة، وايداع الثمن لدى جهة مؤهلة قانونا للاحتفاظ بالودائع، إضافة الى التنصيص على خضوع العقد لنفس الإجراءات الخاصة بتسجيل ونشر عقد بيع الأصل التجاري وأيضا فتح المجال لدائني البائع لممارسة حق التعرض المنصوص عليه في المادة 84 من نفس المدونة.
غير أن التساؤل الذي يطرح في هذه الحالة هو ما مدى أحقية المكري في ممارسة حق الأفضلية في استرجاع المحل المكترى؟
تجيب الفقرة الأخيرة من المادة 25 من القانون رقم 49.16 على أنه يمكن للمكري ممارسة هذا الحق شريطة عرضه لمجموع المبالغ التي قد يكون المشتري قد دفعها الى البائع وذلك داخل أجل 30 يوما الموالية لتبليغه بعملية التفويت، حيث وإن كان المشرع لم يحدد نوعية الأفضلية بتنصيصه على إمكانية استرجاع المحل المكترى فقط، فهل يمكن للمكري ممارسة حق الأفضلية في الأصل التجاري برمته أم هي منحصرة فقط في عنصر الحق في الكراء؟
ان محكمة النقض في أحد قرارتها الصادر بتاريخ 26 ماي 2022 في الملف التجاري رقم 2019/2/3/1998 قضت بنقض القرار الاستئنافي الذي منع المكري من ممارسة حق الأفضلية المخول له بمقتضى المادة 25 من القانون 49.16 وذلك بعلة أن التبليغ تم أثناء سريان القانون رقم 49.16 وأن عملية التفويت كان قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ وبما أن هذا الأخير منح الحق للمكري في ممارسة حق الأفضلية فإن العبرة من تاريخ التبليغ وليس من تاريخ التفويت[4]، لكن الإشكالية المطروحة لا تكمن في صحة سريان التبليغ من عدمه، وإنما تكمن في حدود هذه الأفضلية؛ حيث إنه يستفاد من معطيات النازلة أن المكري أراد ممارسة حق الأفضلية ليس فقط على المحل وإنما على الأصل التجاري برمته على اعتبار أنه صاحب المحل وأحقيته في حيازة المنقول محل التفويت أمر لا يجانب الصواب، فمن وجهة نظرنا المتواضعة فالمكري هو من له حق الأفضلية في استرجاع المحل المكترى مع عناصر الأصل التجاري الأخرى لما في ذلك من درء لضرر يمكن ان يعتري هذه العناصر، على اعتبار أن منحه الحق في الكراء فقط دون العناصر الأخرى و نقلها لمحل آخر سيؤدي لا محال لانتقاص قيمتها أو حتى تضررها بشكل يؤدي إلى اضمحلالها.
وبناء على ذلك يبقى التساؤل مطروحا حول أحقية ممارسة حق الشفعة في الأصل التجاري باعتباره منقولا وذلك استنادا إلى الفصل 974 من قانون الالتزامات والعقود؟
إجابة على هذا التساؤل نستحضر القرار الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 21 يونيو 2022 في الملف المدني رقم 2019/4/1/3773 والذي يجيز ممارسة الشفعة في المنقول وذلك استنادا إلى الفصل 974 من قانون الالتزامات والعقود[5]، والأصل التجاري باعتباره مالا منقولا تجوز شفعته إذا بيع بعضه مشاعا، ولما المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه اعتمدت في رفض الطلب عدم جواز هذه الممارسة، وذلك باعتبار ان الشفعة تجوز في العقار لا المنقول استنادا الى المادة 292 من مدونة الحقوق العينية، وحيث إن هذه الأخيرة تنص في مادتها الأولى على مقتضيات قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص في المدونة، ونتيجة ذلك فإن الأصل التجاري باعتباره مالا منقولا وفقا لأحكام مدونة التجارة في ماديتها 79 و 80 تجوز فيه الشفعة وفقا للفصل 974 من قانون الالتزامات والعقود الذي يعطي للشركاء على الشياع حق الشفعة في المنقول.
وفي هذا المقام نذهب مع الاتجاه الذي سارت عليه محكمة النقض في اعتبار الشفعة إذ كانت تمارس في العقار فهي جائزة أيضا في المنقول مهما كانت نوعية هذا الأخير.
الفقرة الثانية: فقدان الزبناء والسمعة التجارية
ان الأصل التجاري يدور وجودا وعدما مع عنصري الزبناء والسمعة التجارية، بفقدانهما يضمحل هذا الأصل ولو كان به من عناصر أخرى مهمة تدخل في تكوينه، إذ أن هذه الأخيرة لم توجد إلا لاستقطاب زبائن والحصول على سمعة تجارية وسط دائرتها التجارية، وحسنا فعل المشرع في المادة 8 عندما جعل من الأسباب التي تعفي المكري من أداء أي تعويض إغلاق المحل لمدة سنتين على الأقل كان سببا في فقد الأصل التجاري عنصر الزبناء والسمعة التجارية.
وهذه قاعدة أكدت عليها محكمة النقض في أحد قرارتها الصادر بتاريخ 23 فبراير 2023 في الملف التجاري رقم 2020/2/3/1252 على أنه لا يلزم المكري بأداء تعويض للمكتري مقابل الافراغ إذا فقد الأصل التجاري عنصر الزبناء والسمعة التجارية بسبب اغلاق المحل لمدة سنتين على الأقل عملا بمقتضيات الفقرة 7 من المادة 8 من القانون رقم [6]49.16، لكن يبقى التساؤل مطروحا في حالة ما كان السبب الذي اعتمد عليه المكري في الإفراغ هو الاحتياج الشخصي وليس الإفراغ لفقدان عنصر الزبناء والسمعة التجارية بالرغم من تحقق هذا الشرط؟ هل في هذه الحالة يستحق المكتري تعويضا بناء على مقتضيات المادة 7؟
إجابة على هذا التساؤل نستحضر قرار محكمة النقض الصادر بتاريخ 05 ماي 2022 في الملف التجاري رقم 2019/2/3/1259 على أن الإنذار بعدم تجديد عقد الكراء مبني على سبب الاستعمال الشخصي يخول المكتري التعويض، وحيث إنه لما كان موضوع الإنذار هو رغبة المكري في استرجاع محله للاستعمال الشخصي، فإن المكتري يكون محقا في التعويض عن الحق في الكراء كعنصر من عناصر الأصل التجاري عملا بالمادة 7 من القانون رقم 49.16، وإن ثبت إغلاق المحل لمدة سنتين وفقدانه لعنصر الزبناء والسمعة التجارية، طالما أن الإنذار بني على سبب الاستعمال الشخصي وليس على سبب الإغلاق المحل لمدة سنتين والذي يعفي المكري من أداء أي تعويض للمكتري مقابل الإفراغ الوارد بالمادة 8 من نفس القانون، حيث إن القرار المطعون أتى غير خارق للمقتضيات القانونية وبت في حدود الطلبات التي كان قد تقدم بها الطالب على أنه أراد الإفراغ لاستعماله الشخصي للمحل وليس لكون عنصر الزبناء والسمعة التجارية قد فقدا، ومعه يكون ملزما بأداء التعويض رغم تحقق الشرط المنصوص عليه ف الفقرة 7 من المادة 8[7].
الفقرة الثالثة: إفراغ السكن الملحق بالمحل وقيوده
بالرجوع لمقتضيات المادة 19 والتي اقرت جواز المكري المطالبة بإفراغ جزء من السكن الملحق بالمحل التجاري ليسكن فيه إما بنفسه هو أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة أو المكفول وذلك شريطة إثبات أن الشخص المطلوب الإفراغ لفائدته لا يتوفر على سكن في ملكه أو يتوفر عليه ولكن غير كاف لحاجياته العادية، وفي هذه الحالة يستحق المكتري التعويض يوازي كراء ثلاث سنوات حسب آخر وجيبة كرائية.
ويتعين على الشخص الذي تم الإفراغ من أجله أن يعتمر المحل شخصيا داخل أجل أقصاه 6 أشهر من تاريخ مغادرة المكتري، ولا يجب أن تقل مدة سكناه في هذا المحل عن ثلاث سنوات ويحق للمكتري المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر يوازي كراء 18 شهرا حسب آخر وجيبة كرائية الا في حالة كان هناك عذر مقبول للشخص الذي تم الإفراغ لمصلحته.
وفضلا عن ذلك جعل المشرع لهذا الإفراغ قيودا تتجلى في عدم جوازه في حالة كان هذا الإفراغ من شأنه إحداث مساسا خطير باستغلال الأصل التجاري، أو إذا كانت هذه الملحقات تابعة لمؤسسات سياحية أو مصحات أو مؤسسات التعليم الخصوصي، أو إذا كان المكتري يستعمل جزءا من محل الكراء للسكن لا يمكن الفصل بينه وبين الجزء المستعمل كمحل تجاري أو الصناعي أو حرفي، حيث إنه في هذه الحالة الأخيرة لا يمكن إفراغه من الجزء المستعمل للسكن دون إفراغه من الجزء المستعمل للتجارة.
غير أنه في بعض أحيان يتم الخلط بين هذا الإفراغ المنصوص عليه في المادتين أعلاه وبين ذلك المنصوص عليه في المادة 26 والتي سبقت الإشارة اليها؛ حيث إنه كل من المادتين تتيح الافراغ للاستعمال الشخصي، الا أنه على الرغم من ذلك فإن نوعية الإفراغ تختلف من إفراغ للجزء الملحق بالأصل التجاري وبين المحل بأكمله، وهذا ما جاء في أحد قرارات محكمة النقض الصادر بتاريخ 20/01/2022 والذي اعتبر فيه أن حق المكري في استرجاع المحل التجاري للاستعمال الشخصي يخضع للشروط المنصوص عليها في المادة 26 من قانون رقم 49.16، أما ما ورد بالمادتين 19 و20 من نفس القانون إنما يهم حالة استرجاع المكري جزء محلق بالمحل التجاري يتعلق بالسكن، وهي الحالة التي قلص فيها المشرع من حق المكري في استرجاع هذا الجزء وجعله مقصورا على حق السكن وعلى شخص المكري وأقاربه وقيده بشروط محددة في المادة 20، والمحكمة لما قيدت حق المكري في استرجاع محله التجاري بكامله من أجل الاستعمال الشخصي بالشروط المنصوص عليها في المادة 19 و20 المذكورتين، تكون قد أساءت تطبيق القانون[8].
وعليه فلا مجال للقول إن لتطبيق حالة الافراغ للاستعمال الشخصي وجوب توفر الشروط المنصوص عليه في المادة 20.
خاتمة:
واستخلاصا لما سلف، إن أهمية الكراء التجاري وما يترتب عنه من نزاعات أدت الى التضارب في الآراء والأحكام القضائية، ولما كان ظهير 24 ماي 1955 الإطار القانوني المنظم لعقد الكراء التجاري منذ أزيد من ستين سنة ونصف أصبحت مقتضياته عاجزة عن حماية أطراف العلاقة الكرائية وكذا المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي[9]، كان لزاما على المشرع للتدخل وإخراج القانون رقم 49.16 الى حيز الوجود والذي حاول معه معالجة الإشكالات التي كان يعرفها الظهير السابق.
غير أن التطورات المجتمعية والدورة الاقتصادية في تصاعد مستمر، وأي قانون يكون نافعا في مرحلة معينة، يصبح في مرحلة أخرى غير قادر على مواكبة وحل النزاعات الناشئة بعده، وإذا كان قانون الكراء التجاري الجديد خلال صدوره قد حاول التوفيق بين كل من الملكية التجارية والملكية العقارية الى الحد المفيد، فهل يزال هذا القانون قادر على خلق توازن يواكب جل هذه التحولات التي يعيشها المغرب خاصة تلك الرهانات الكبرى والمشاريع الاستثمارية، على اعتبار أن هذا القانون لا يعالج فقط مشاكل أكرية المحلات البسيطة فحسب بل هو قانون ينظم جل الأكرية ذات الطابع التجاري والصناعي و الحرفي المنتشرة بشكل كبير، وعندما نقول الأكرية التجارية او الصناعية فنخص بذكر المقاولات المتوسطة التي تعد ركيزة للاقتصاد الوطني وحمايتها واصلاحها و مواكبتها هي المهمة الأولى للمشرع لجعل المغرب رافعة اقتصادية ليس فقط على المستوى القاري بل حتى على المستوى العالمي.
- . نصت هذه المادة على أنه لا تخضع للمقتضيات هذا القانون عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في النطاق الملك العام لأشخاص القانون العام وكذا الملك الخاص لهؤلاء والتي تكون مرصدة للمنفعة العامة، وتلك التي تدخل في نطاف الأوقاف وتلك التي تبرم بناء على مقرر قضائي أو نتيجة له، وكذا تلك الموجودة بالمراكز التجارية، وعقود الكراء المحلات المتواجدة بالفضاءات المخصصة لاستقبال مشاريع المقاولات التي تمارس نشاطها بقطاعي الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وعقود الكراء الطويل الأمد وعقود الائتمان الإيجاري العقاري. ↑
- . الرجوع الى الفصول من 627 الى 699 من ظهير الالتزامات والعقود. ↑
- . القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي في شروح، الصادر عن وزارة العدل، فبراير 2017، ص 36. ↑
- . قرار منشور بالمنصة الرقمية للقرارات محكمة النقض. ↑
- . حسب الفصل 974 من ظ.ل.ع فإنه ” إذا باع أحد المالكين على الشياع لأجنبي حصته الشائعة، جاز لباقيهم أن يشفعوا هذه الحصة لأنفسهم، في مقابل أن يدفعوا للمشتري الثمن ومصروفات العقد والمصروفات الضرورية والنافعة التي أنفقها منذ البيع. ويسري نفس الحكم في حالة المعاوضة.” ↑
- . قرار منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض. ↑
- . قرار منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض. ↑
- . قرار منشور بالمنصة الرقمية لقرارات محكمة النقض. ↑
- . جواد الرفاعي، الكراء التجاري الثابت والمتغير في ضوء القانون رقم 49.16، الطبعة الأولى 2018، مطبعة الأمنية_الرباط، ص 177. ↑