المحاماة في التاريخ 2
المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية متأثرة تأثيرًا مباشرًا بالتقاليد الإنكليزية نتيجة لاحتلال إنكلترا للولايات المتحدة لفترة ليست بالقصيرة.
وظهرت في بعض الأحيان بعض النظم الشبيهة بتلك التي ظهرت في إنكلترا كما هي الحال بالنسبة لصديق المتهم Amicus الذي يعمل من تلقاء نفسه ليقدم اقتراحًا للمحكمة في مسائل الوقائع والقانون التي في علمه.
ولا شك أن السماح لصديق المتهم بالدفاع عن صديقه كان نتيجة حتمية لعدم وجود المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك جمعيات ونقابات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت 1100 جمعية تعمل للإشراف على مهنة المحاماة عن طريق تقنين المبادئ الخاصة بأخلاقيات المهنة، وتعتبر غالبية الجمعيات في الولايات المتحدة جمعيات خاصة تطوعية، فهناك نقابات معتمدة في (25) ولاية تعرف باسم Bar Associations ينضم إليها المحامون بصورة إلزامية في الولاية التابعين لها.
والجدير بالملاحظة أن الحياة الاجتماعية في الولايات المتحدة القائمة على الحريات، عملت على جعل كل ولاية تنظم مهنة المحاماة وفق مصالحها الخاصة.
أما المحاماة عند العرب :
فلم تكن المحاماة معروفة لدى العرب قبل الإسلام بل كان هناك ما يسمى بـ ((حجاجًا أو حجيجًا)) فإذا حدث نزاع بين رجلين جاز لأي منهما أن يوكل عنه حجاجًا، وكانت صيغة الوكالة هي أن يقول الموكل لوكيله: وضعت لساني في فمك لتحج عني.
أو يقول حج ، أو يقول أنا عاجز ولساني قصير ، وفلان يحج عني ، حجة الأبلم عندكم، فلان حجاج عني ،ويرى بعض الكتاب أن نشأة الدفاع في العصر الجاهلي كان يمارسه الشعراء الذين كانوا لسان الحق ومحامي الخصم.
وقد شكك في هذا الرأي إذ لو كان صحيحا لوجد ذلك في كتب الشعر والأدب.
وعندما جاء الإسلام، أخضع العرب لحكم الله تعالى، بعد أن كان يحكم بالسيف والرمح. فعين رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاة على الأمصار الخاضعة لحكم الله. ولا جرم أن وجود القضاء يعني وجود الوكلاء. وظل نظام الوكالة على ما هو عليه من غير تنظيم إلى أواخر العهد العثماني فلما أصبحت الخلافة الإسلامية ضعيفة وتداعت عليها الأمم من كل جانب مما جعلها تمشي خطوات غير متوازنة، فأنشأت عام 1846م جامعة في الأستانة دعتها دار الفنون ضمت معهدًا عرف بمكتب الحقوق الشاهاني، اشترط العثمانيون فيمن يرغب بمزاولة مهنة المحاماة أن يكون من حاملي شهادة مكتب الحقوق العثماني ، ويحسن اللغة العثمانية قراءة وكتابة.
ونلاحظ هنا أن العثمانيين قد اشترطوا لممارسة مهنة المحاماة أن يكونوا من خريجي مكتب الحقوق العثماني مع إتقانه اللغة العثمانية قراءة وكتابة. هذا بالنسبة لقلب الخلافة الإسلامية.
أما في مصر :
فبعد إتمام فتح الشام استعد المسلمون لفتح مصر، وكلف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه عمرو بن العاص يرحمه الله لفتحها فبدأ بالزحف عليها في أواخر عام 18هـ 639م بجيش قوامه (4000) مجاهدًا استولوا على رفح والعريش، ثم وصلتهم الإمدادات بقيادة الزبير بن العوام فاستطاعوا بفضل الله تعالى فتح حصن بابليون، ثم اتجهوا نحو الإسكندرية عاصمة مصر في ذلك الحين. وبسقوط العاصمة تمت سيطرة المسلمين على مصر، فعرف المصريون الشريعة الإسلامية، وعرفوا بالطبع نظام الوكالة بالخصومة، وهي الأم الخصب للمحاماة الشرعية.
ولم تسمهم باللفظ المعاصر (المحامون) إلا في عام 1916م عندما أصدرت القانون رقم (15) حيث سمتهم المحامين وسمت لائحتهم لائحة المحاماة.
ارتبطت المحاماة ارتباطًا وثيقًا ومباشرًا بالقضاء ذلك أن الحديث عن القضاء ونشوئه هو حديث عن نشوء المحاماة وتطورها أيضًا.
ووجد عند قدماء المصريين رجال اشتهروا بالعلم والذكاء، يرجع الناس إليهم في المشورة، ويستعينون بهم في خصوماتهم، مما يشبه نظام المحاماة اليوم، حتى أن هؤلاء الأفذاذ كانوا يجتمعون فيما يشبه الأندية العامة أو الخاصة فيأتي إليهم الناس يستشيرونهم، وقد ظل الأمر كذلك حتى تعلم المصريون فن الكتابة، فحظروا من ذلك العهد على المشتغلين بالقانون ألا يترافعوا إلا بالكتابة، وسر ذلك الحضر أنهم خشوا أن يخلب مترافع ألباب القضاة بانبساط لسانه، واتساع بيانه، وعذوبة منطقه وكان المشتكي يقدم دعواه مكتوبة، ويأخذها المدعى عليه، ويرد على كل نقطة فيها، مبينًا أنه لم يرتكب هذا الأمر، أو ارتكبه، ولكن لا إثم عليه فيه، أو يعترف بأنه ارتكب هذا الأمر، ولكن يستحق تخفيف العقاب، ويقوم المدعى عليه بعدئذ بتفنيد أقواله استنادًا إلى نصوص القانون، ويدفع ادعاءات المدعي، ثم يدرس القضاة الثلاثة الشكوى والردود، ويصدرون في ضوء ذلك حكمهم.
إن جهل أكثر الناس بالكتابة التي كانت حكرًا على أبناء الكهنة ورجال الدولة وقادة الجيش، يحمل على القول بوجود كتاب مختصين بكتابة العرائض والردود الملمين على نحو ما بالقانون، يقدمون خدماتهم إلى الخصوم الذين يجهلون الكتابة ولا يعرفون أحكام القانون لقاء أجور.
وقد تحدثت في كتابي الجديد ( فن المحاماة بالذكاءات المتعددة ) عن كثير من الدول وكيف كان نشاط المحاماة فيها وكيف سنت أنظمتها ، والله الموفق .
المحامي/ د.عبدالكريم بن إبراهيم العريني