المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديستي” بين محاربة الإرهاب وحماية الوطن.
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديستي” بين محاربة الإرهاب وحماية الوطن.
“البشير الحداد الكبير” ،باحث أكاديمي بطنجة.
إن من بين المخاطر التي تحدق بالعالم، خطر الإرهاب الذي أصبح من الفيروسات الأكثر انتشارا إذ انتقل من المفهوم التقليدي إلى المفهوم الحديث بمعنى استقطاب وتمويه وغسل العقول البشرية عن طريق الإنترنت(وسائل التواصل الاجتماعي)، والمغرب بصفته عضو نشيط في المنظومة الدولية انخرط بكل عزم وثقة في محاربة الإرهاب من خلال التعاون الدولي الأمني بحيث أصبح نموذجا يحتذى به بفضل يقظة رجال الأمن خصوصا المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمديرية العامة للدراسات والمستندات”لادجيد”،إذ منذ سنة 2003 وبالضبط الحادث المأساوي بالدار البيضاء الذي خلف ضحايا حاول المغرب تطوير أساليب اشتغاله من خلال سن قانون محاربة الإرهاب 03.03،و تطوير تقنيات الاستخبارات المغربية وها نحن اليوم نشهد ثمار المجهودات الأمنية، إذ تم تبني المقاربة الاستباقية وتم تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية كما سنوضح ذلك في هذا المقال من خلال تسليط الضوء على المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديستي” والمكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لها، وبالتالي سنتناول الموضوع وفق مبحثين:
المبحث الأول :المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومهامها
تعتبر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني جهاز استخباراتي تابع لوزارة الداخلية تم تأسيسها سنة 1973 وتعتبر من نتاج عبقرية أبونا الروحي جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، تعاقب على رئاسة مديريتها 4 مديرين، آخرهم السيد عبد اللطيف الحموشي منذ 2005 إلى يومنا هذا، يوجد مقرها ب”تمارة”، ومن بين مهامها نجد ما يلي:
*مكافحة التجسس؛
*حماية الموارد الصناعية والمكتسبات العلمية والتكنولوجيا؛
*محاربة الإرهاب؛
*مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية والانترنيت) والشركات العامة والخاصة الحساسة؛
*مكافحة تهريب الأسلحة الخطيرة من جرثومية ونووية وغيرها.
بالإضافة إلى هذه المهام فقد أضيفت إليها مهام أخرى خاصة في المادة الجنائية وتم تحديدها على سبيل الحصر حسب المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية وهي كالتالي:
*جرائم أمن الدولة؛
*الإرهاب؛
*العصابات الإجرامية؛
*القتل؛
*التسميم؛
*التزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام؛
*المخدرات والمؤثرات العقلية؛
*الأسلحة و الذخيرة والمتفجرات؛
*الاختطاف وأخذ الرهائن؛
نلاحظ من خلال هذه المادة أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أصبح لها اختصاص وظيفي جنائي بعد تعديل قانون المسطرة الجنائية 22.01 بالقانون 35.11،وهذا اختصاص دقيق ومحدد لا يمكن تجاوزه.
وبالرجوع للمادة 20 من قانون المسطرة الجنائية نجدها كذلك شملها تغيير إذ تم إضفاء الصفة الضبطية على المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني والولاة والمراقبون العامون والعمداء والضباط بهذه المديرية، معنى هذا ان القائمين على هذه المديرية لم يعد عملهم هو إعداد التقارير والمعلومات لفائدة الشرطة القضائية، إذ أن هذه الأخيرة كانت تجد القضية جاهزة ويتم احالتها على النيابة العامة للقيام بالإجراءات المنصوص عليها قانونا، بل أصبح عملها إعداد المحاضر على غرار ضباط الشرطة القضائية ويتم إعداد هذه المحاضر وفق النموذج المبين في المادة 24 من قانون المسطرة الجنائية بمعنى كتابة اسم محرر المحضر وتوقيعه وهكذا نلاحظ أن عملها أصبح علنيا ولم يعد كما كان في السابق سريا وهذه قفزة نوعية في التشريع المغربي، وكما هو معلوم أنه حسب الفصل 128 من دستور 2011 نجد أن الشرطة القضائية تشتغل تحت سلطة النيابة العامة وبالتالي حتى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بعدما اكتسبت الصفة الضبطية أصبحت هي كذلك خاضعة للنيابة العامة ويمكن لهذه الأخيرة زيارة أماكن وضع المتهمين تحت الحراسة النظرية، وبالرجوع للمادة 32 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن ضباط الشرطة القضائية بما فيهم ضباط “الديستي” يخضعون للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف” التي تقرر مسطرة التأديب كتوجيه ملاحظات او التوقيف المؤقت لمدة لا تتجاوز سنة أو التجريد النهائي ويجوز الطعن في قراراتها وفق الإجراءات العادية، نستنتج إقرار المشرع الجنائي بالمبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل الأول من دستور 2011 وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وتجدر الإشارة إلى نقطة مهمة أن تقارير ومحاضر الشرطة القضائية التابعة للديستي ليست لها حجية مطلقة إذ يطبق عليها مقتضيات المواد 290 و291 من قانون المسطرة الجنائية(وسائل الإثبات)، بالإضافة إلى نقطة مهمة أنه في حالة تنازع الاختصاص بين الديستي والفرقة الوطنية للشرطة القضائية والشرطة القضائية المحلية فإن الفصل في النزاع يعود إلى النيابة العامة.
في هذا المبحث حاولنا تسليط الضوء حول التعريف بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وبمهامها عموما، وبالتالي سننتقل في المبحث الثاني للحديث عن دور هذه المديرية في محاربة الإرهاب من خلال جرد الاحصائيات.
المبحث الثاني: دور المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في محاربة الارهاب
إن أول ما يمكن ملاحظته أن المغرب سنة 2003 قام بإخراج قانون محاربة الإرهاب وعمل كذلك على تعديل قانون المسطرة الجنائية وفي سنة 2014 عمل على سن قانون تجريم الالتحاق ببؤر التوتر(سوريا و العراق) بمعنى أنه تم تمت محاربة الإرهاب أولا من خلال سن نصوص قانونية، وما يمكن ملاحظته أيضا ان المشرع المغربي أفرد خصوصيات في التعامل مع الجريمة الإرهابية، وتتجلى فيما يلي:
*مدة الحراسة النظرية 96 ساعة قابلة للتجديد مرتين؛
*إمكانية الاتصال بالمحامي قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية، ومدة الاتصال 30 دقيقة بترخيص من النيابة العامة.
*إمكانية تأخير الاتصال بالمحامي من طرف النيابة العامة بطلب من ضابط الشرطة القضائية شريطة ألا تتجاوز مدة تأخير الاتصال 48 ساعة.
*إعطاء الاختصاص النوعي للنظر في الجرائم الإرهابية لمحكمة الاستئناف بالرباط.
ومنذ حادث الدار البيضاء سنة 2003 وحادث مقهى أركانه بمراكش سنة 2011 قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومختلف المصالح الأمنية بتطوير أساليب عملهم وأصبحوا أكثر يقظة وها نحن اليوم نشهد ثمار المجهودات الأمنية المبذولة من خلال الضربات الاستباقية التي تنهجها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.
وفي إطار تنزيل الرؤية الملكية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله المتمثلة في عصرنة المرفق العام الأمني وتوطيد مبادئ الحكامة الأمنية الجيدة تم بناء المكتب المركزي للابحاث القضائية سنة 2015 وتم تخويله اختصاصات المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية وهو مؤسسة تابعة للديستي بحيث تم تفكيك العديد من الخلايا الارهابية منذ نشأة هذا المكتب في إطار الوصفة الذكية واليقظة لرجال الاستخبارات وبفضل التقنيات المتطورة كل هذا لضمان أمن وسلامة المواطنين وتحييد المخاطر ورفع التحديات التي تحدق بأمن الوطن، وبالرجوع لتقرير المركز المغربي لدراسة الإرهاب والتطرف “خريطة الإرهاب بالمغرب 2015-2018” نجد أنه تم تفكيك في ظرف 3 سنوات 52 خلية،إذ في سنة 2015 تم تفكيك 21 خلية ثم في سنة 2016 تم تفكيك 19 خلية أما في سنة 2017 نجد أن عدد الخلايا المفككة 9، وفي سنة 2018 تم تفكيك 4 خلايا، وبتحليل لهذه الخلايا المفككة نجد أن 73٪ كان لهم علاقة مع تنظيم داعش، بينما 15٪ كانوا من المعتقلين السابقين في قضايا الإرهاب، أما 12٪ كانوا من العائدين من بؤر التوتر.
ونجد أن الخلايا المفككة كانت تنشط بمجموعة الجهات إلا أن هناك 5 جهات احتلت مرتبة الصدارة بمعدل 72٪، إذ جاءت جهة طنجة تطوان الحسيمة في المقدمة بنسبة 21٪ بعدها جهة فاس مكناس بنسبة 16٪ ثم جهة الشرق بنسبة 14٪ ثم جهة الدار البيضاء بنسبة 12٪ واخيرا جهة بني ملال خنيفرة بنسبة 9٪،أما النسبة المتبقية 28٪ فقد توزعت كالآتي:
*7٪ جهة مراكش آسفي؛
*5٪ لكل من جهتي العيون وسوس ماسة؛
*2٪لجهة كلميم وادنون؛
*1٪ لكل من جهتي واد الذهب وجهة درعة تافيلات.
ونلاحظ ان جميع الخلايا المفككة يغلب عليها الطابع الذكوري بمعدل 95٪ بينما الطابع الأنثوي فقط 5٪،وفي سنة 2019 تم تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية لعل آخرها في شهر أكتوبر بكل من مدينة شفشاون والدار البيضاء ووزان، وما ينبغي الإشارة إليه أن المتطرفين الذين يتم اعتقالهم مستواهم الدراسي ضعيف مما يسهل تمويههم من طرف التنظيمات الإرهابية وان أعمارهم في أغلب الاحيان تتراوح ما بين 20 و 30 سنة.
وقبل الختم ينبغي التنويه للعناية المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إذ يولي عناية خاصة لقطاع الأمن ويسعى دائما إلى عصرنته حتى يكون في مستوى تطلعات المواطنات والمواطنين وخير مثال على ذلك زيارته أعزه الله السنة الماضية 2018 لمقر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني “الديستي” وتدشينه لمعهد التكوين التخصصي في مادة الاستخبارات، فالمقاربة الأمنية أعطت أكلها في محاربة الإرهاب دون أن ننسى مختلف الفاعلين كالمندوبية السامية للسجون ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء ودور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومؤسسات الإعلام التي لم يعد دورها يقتصر فقط على نقل الأخبار بل يشمل أيضا توعية المواطن وكل هذا في إطار تنزيل الرؤية الملكية الرشيدة التي تنوي للارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة وكما قال جلالة الملك حفظه الله في خطاب العرش لسنة 2019:”…إن المغرب ملك لجميع المغاربة وهو بيتنا المشترك وعلينا جميعا كل من موقعه أن نساهم في بنائه وتنميته وأن نحافظ على وحدته وأمن واستقراره…