تأهيل الحقل الديني بالمغرب – محمد الملكي
محمد الملكي – باحث في العلوم القانونية
تأهيل الحقل الديني بالمغرب
تتحدّد علاقة الدولة بالدين في السياق المغربي من خلال الدستور المغربي الذي يؤسس لخصوصية عربية وإسلامية في “التوفيق” بين “المشروعية السياسية” و”الشرعية الدينية”؛ فزيادة على إقرار الدستور المغربي للهوية الإسلامية للدولة -على غرار أغلب الدول الإسلامية التي نصت على ذلك- تتميّز الحالة المغربية بنوع من الخصوصية أُجملت في الفصل التاسع عشر من الدستور، والذي ينصّ على أن “الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها، وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين”.
ويمكن القول: إن هذه السمة الغالبة في علاقة الدولة بالدين هي التي حكمت طبيعة العلاقة القائمة بين الدولة والحركات الإسلامية على وجه العموم؛ فمنذ سبعينيات القرن الماضي تعرف هذه العلاقة مدًا وجزرًا، وتتراوح بين التسامح النسبي والتقييد، رغم التطور الملحوظ الذي عرفه مسار عموم التيار الإسلامي بالمغرب، الذي يشهد له كثير من المراقبين بنزوعه نحو تغليب خيار العمل السلمي ونبذ العنف، بالإضافة إلى ميله نحو التكيف مع ما يعتبرونه “خصوصية مغربية”، والتي تتجلى بالخصوص على المستوى العقدي-المذهبي، والسياسي، والثقافي-الاجتماعي.
وإذا اعتبرنا فترة السبعينيات من القرن الماضي هي الفترة التي عرفت بروز أشكال تنظيمية للعمل الإسلامي؛ فإننا سنجد على رأسها جماعة “الشبيبة الإسلامية”، التي سرعان ما ستدخل في صراع مع الدولة بعد اتهامها باغتيال أحد قيادات “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، عمر بن جلون؛ فبعد حملة الاعتقالات في صفوفها وفرار زعيمها -عبد الكريم مطيع- إلى الخارج، عرفت الجماعة مراجعات أفضت بها إلى تأسيس كيان جديد، سُمي وقتها جمعية “الجماعة الإسلامية”، كإطار دعوي وثقافي، وقد ظل هو بدوره يتقلب في أطوار استقرت به في نهاية المطاف نحو تأسيس حركة “التوحيد والإصلاح”. ولكن لم يكن هذا الإطار كافيًا للاستجابة لطموحات حركة، ظل الأمل يحدوها لتجاوز العمل الدعوي، والبحث عن واجهة تعبّر من خلالها عن خياراتها السياسية. وهذا ما تحقق لها عندما التحق لفيف معتبر من أهم أطر الحركة بحزب “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” بقيادة عبد الكريم الخطيب سنة 1996، ليتم بعد سنتين من تجربة الاندماج هذه، تغيير اسم الحزب ليصبح “حزب العدالة والتنمية”؛ وذلك في (1998).
وفي بداية السبعينيات أيضًا برزت الإرهاصات الأولى لما سيُعرف بجماعة “العدل والإحسان”، التي لم يُعترف بها رسميًا حتى اليوم، بسبب مواقفها من الشرعية الدينية لإمارة المؤمنين، وبالتالي الشرعية السياسية للمؤسسة الملكية. وقد سبق لمرشدها، عبد السلام ياسين، أن بعث برسالة “نُصح” إلى الملك الراحل الحسن الثاني (رسالة “الإسلام أو الطوفان” سنة 1974)؛ فتسببت بالزج به في مستشفى الأمراض العقلية والإقامة الجبرية لسنوات طويلة)، وكذلك بعث ياسين برسالة أخرى إلى الملك الحالي محمد السادس (رسالة “إلى من يهُمّه الأمر”، في 28 يناير/كانون الثاني 2000) دعاه فيها إلى “التوبة العمرية”، وقوبلت رسالته برد عادي.
وبجانب هذا الطيف الإسلامي الحركي، برز طيف آخر، أصبح يُعرف بالتيار السلفي، وهو تيار متشعّب يمكن تصنيفه إلى تيارين أو شقين بارزين:
الأول:السلفية العلمية”، ويعمل في المؤسسات الدينية الرسمية (وخاصة في المجالس العلمية) أو خارج هذه المؤسسات، تحت رقابة الأجهزة الأمنية والإدارة الترابية، ويوصف بالعلمية في مقابل تيار “السلفية الحركية”.
الثاني: السلفية الحركية، أو ما اصطُلح عليه إعلاميًا أولاً، ثم أمنيًا فيما بعد (بعد منعطف أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001)، بتيار “السلفية الجهادية”.
وقد تكون التصريحات والمبادرات التي صدرت عن رموز هذا التيار (أي السلفية الجهادية) بعد هذه الأحداث مباشرة، هي السبب الرئيس في مراجعة صنَّاع القرار الديني والأمني المغربي لأهم معالم السياسية الدينية -في حقبة “العهد الجديد”- وطرق تنفيذها.
و السؤال المطروح في هذا الصدد هو إلى أي حد استطاع المغرب ان يساهم في إصلاح والرقي بالحقل الديني؟
لدراسة هذا الموضوع، فإننا سنقسمه الى مطلبين، بحيث سيتم تخصيص المطلب الأول لمبادرات المغرب لإصلاح الحقل الديني، لنعرج بعد ذلك في المطلب الثاني عن الإطار القانوني الدولي و المغربي لمكافحة الإرهاب.
المطلب الأول : مبادرات المغرب لإصلاح الحقل الديني
في (16 ماي 2003) اهتزّت الدار البيضاء على وقْع تفجيرات إرهابية نفذها شباب من كاريانات سيدي مومن، الذين تحولوا إلى قنابل موقوتة لم يعهد المغاربة أنها «ماركة محلية»، وأن بإمكان هؤلاء الشبان القادمين من أحزمة الفقر أن ينشروا كل ذلك الرعب بسبب «تشوه كبير في المعتقد»، وبسبب اختلال مريع يعرفه المشهد الديني، إذا بدأ «فقهاء الظلام» يكتسحون المساحات على نحو غير مشهود إعلاميا وتربويا وثقافيا، وتحولت العديد من المساجد غير المراقبة، خاصة في الأحياء الهامشية والقرى البعيدة، إلى محاضن إيديولوجية واسعة لتفريخ التكفيريين وأمراء الدم، لقد أدرك الملك أن هذا التشوه يتطلب الإسراع بإطلاق استراتيجية إصلاح ديني تضرب التوجهات الوهابية في العمق، وهذا ما حمله خطاب العرش (2003)، حيث أكد على «تمسك المغاربة على الدوام بقواعد المذهب المالكي المتسم بالمرونة في الاخذ بمقاصد الشريعة والانفتاح على الواقع وعملوا على إغنائه باجتهاداتهم». وقال «إننا لن نقبل هذه المذاهب المنافية للهوية المغربية المتميزة. وسنتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل على شعبنا بقوة ما تقتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة، مؤكدين بذلك حرصنا على صيانة اختيارنا لوحدة المذهب المالكي في احترام لمذاهب الغير لان لكل شعب خصوصياته واختياراته». وتابع: «نؤكد أن علاقة الدولة بالدين محسومة في بلادنا في ظل تنصيص الدستور على ان المملكة المغربية دولة إسلامية، وان الملك أمير المؤمنين مؤتمن على حماية الدين وضمان الحريات بما فيها حرية ممارسة شعائر الاديان السماوية الاخرى. وباعتبار أمير المؤمنين مرجعية دينية وحيدة للأمة المغربية فلا مجال لوجود أحزاب أو جماعات تحتكر لنفسها التحدث باسم الإسلام أو الوصاية عليه، فالوظائف الدينية هي من اختصاص الامامة العظمى المنوطة بنا بمساعدة مجلس أعلى ومجالس إقليمية للعلماء نحن مقبلون على تأهيليها وتجديدها وتفعيل أساليب عملها».
لقد شكل الخطاب الملكي بالدار البيضاء أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الاقليمية (30 أبريل 2004)، خارطة طريق حقيقية لمشروع الإصلاح الديني الذي وضع خطوطه العريضة في خطاب العرش (2003). فالملك محمد السادس في هذا الخطاب راهن على «تمكين بلادنا من استراتيجية متناسقة، كفيلة بتأهيلها لرفع كل التحديات، في مجال الحقل الديني، بقيادة إمارة المؤمنين، باعتبارها موحدة للأمة ورائدة لتقدمها، بل أيضا بالإسهام العقلاني الهادف لتصحيح صورة الإسلام، مما لحقها من تشويه مغرض وحملات شرسة، بفعل تطرف الأوغاد الضالين، وإرهاب المعتدين، الذي لا وطن ولا دين له».
وركز هذا الخطاب على خمس مقومات رئيسية لإنجاح استراتيجية الإصلاح:
أولا: إعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: (إحداث مديرية للتعليم العتيق، وأخرى مختصة بالمساجد، وإعادة النظر في التشريع المتعلق بأماكن العبادات، وتعيين مندوبين جهويين للوزارة، ليسهروا على التدبير الميداني الحديث للشؤون الإسلامية.
ثانيا: تعيين أعضاء المجالس العلمية، من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة وإشراك المرأة المتفقهة في هذه المجالس.
ثالثا: تكليف المجلس العلمي الأعلى باقتراح الفتوى فيما يتعلق بالنوازل الدينية على الملك باعتباره أميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس.
رابعا: إصلاح رابطة علماء المغرب، وتحويل اسمها إلى «الرابطة المحمدية لعلماء المغرب».
خامسا: عقلنة وتحديث وتوحيد التربية الإسلامية، والتكوين المتين في العلوم الإسلامية كلها، في نطاق مدرسة وطنية موحدة.
وفي هذا السياق قال محمد السادس في الخطاب الملكي ليوم 08 يوليوز 2005 بمناسبة افتتاح دورة المجلس العلمي الأعلى: «… وإذ نؤكد عزمنا على المضي قدما في إصلاح الشأن الديني، الذي قطع خطوات هامة، باعتباره أحد أركان مشروعنا المجتمعي، فإننا ندعوكم وكافة العلماء المستنيرين رجالا ونساء على حد سواء إلى النهوض بالمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقكم والانخراط في حركة الاصلاح الشامل الذي نقوده».
بناء على ذلك، فإن تفعيل هذا الورش الإصلاحي تمثل أساسا في هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر إحداث مديرية المساجد ومديرية للتعليم العتيق (22 أبريل 2004)، ثم هيكلة المجلس العلمي الأعلى (22 أبريل 2004)، فإحداث الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء (22 أبريل 2004)، وكذا إعادة هيكلة رابطة علماء المغرب بالرابطة المحمدية لعلماء المغرب (30 أبريل 2004)، كما تم خلق إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم (16 أكتوبر 2004)، وبعدها بسنة تم إطلاق قناة محمد السادس للقرآن الكريم (2 نونبر 2005)، فضلا عن إعادة تنظيم مؤسسة دار الحديث الحسنية (24 غشت 2005) ثم تأسيس مركز تأهيل وتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات (2005/2006)، فضلا عن إحداث المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة (6 نونبر 2008)، وإطلاق خطة ميثاق العلماء (29 أبريل 2009)، ثم إحداث مؤسسة محمد السادس لطبع المصحف الشريف (2010)، وإحداث مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينين (2010).
وفي السابع من يناير 2011، اطلع الملك بمسجد محمد الخامس بأكادير، على برنامج تأهيل أئمة المساجد (94 ألف و600 إماما يؤطرهم 1426 مؤطرا) الذي رصدت له اعتمادات سنوية تبلغ 125 مليون درهم. ويروم البرنامج تأهيل الأئمة والرفع من مستواهم العلمي والعملي.
أما في 25 يناير 2016، فقد أكد الملكي رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المؤتمر حول «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية.. الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة»، أن «تدبير الشأن الديني في المغرب في الوقت الراهن، «يجعل من أهدافه الأساسية منع العبث بتأويل النصوص الدينية، ولاسيما ما يتعلق منها بالجهاد الذي أصدر فيه علماؤنا بيانا قويا قبل أسابيع».
وفي رسالة وجهها محمد السادس إلى وزير الأوقاف بخصوص تدبير المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف (5 يناير 2018)، فقد دعا إلى إعداد مشروع استراتيجية لتحديث أساليب تسيير المؤسسة، تعتمد ، أولا، على الجرد النهائي لمجمل الأملاك الوقفية العامة، فضلا عن التدابير الواجب اتخاذها للحفاظ عليها، سواء على المستوى القانوني أو المادي، وأن تكون هذه الاستراتيجية مرجعا ملزما للإدارة المكلفة حين وضعها للميزانيات السنوية المتعاقبة، وللمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، في التقييمات الدورية التي ينجزها، هذا فضلا عن إخضاعها لمصادقة المجلس العلمي الأعلى، كما يتعين أن تلتزم إدارة الأوقاف العامة التزاما تاما بالمساطر وبالإجراءات المتعلقة بتنظيم الميزانية، وبمجال المالية والمحاسباتية، وكذا بتلك المرتبطة بالنفقات العمومية، وأن تحرص الإدارة المسؤولة على الاستفادة من الملاحظات والتوصيات الوجيهة التي يقدمها المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، والمتمخضة عن عمليات التدقيق والتقييم الموكولة إليه، قصد تصحيح الاختلالات وأوجه القصور التي يتم الكشف عنها.
المطلب الثاني: الإطار القانوني الدولي و المغربي لمكافحة الإرهاب
بعد أحداث 11 شتنبر 2001 تفتحت أعين العالم على حقيقة الخطورة التي أصبحت تشكلها ظاهرة الإرهاب على أمن و استقرار العالم التي يلقيها على عاتقه ميثاق الأمم المتحدة، مهمة التصدي للإرهاب، فأصدر في هذا الإطار مجموعة من القرارات الملزمة للدول ومن أهمها القرار 1267 و ما يليه المتعلق ببن لادن و القاعدة وطالبان، و القرار 145 “2003” المتعلق باحترام حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب و القرارين (1540 في “2005 ) و ( 1673 في “2006” ) المتعلقين بأسلحة الدمار الشامل و قرار (1624 في “2005” ) المتعلق بتجريم التحريض على الإرهاب.43
ومن أهم القرارات الصادرة في هذا الشأن القرار 1373 الصادر في 28/09/2001 الذي يجيز لمجلس الأمن استعمال جميع الوسائل بما فيها العسكرية لفرض تنفيذ قراراته.
وقد أكدت هذه المبادئ محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر بتاريخ 14 أبريل 1992 و الذي أقرت فيه أولوية قرارات مجلس الأمن الملزمة قانونا كما أكدها قراران صدرا عن محكمة المجموعة الأوروبية le tribunal de la communauté européenne بتاريخ 21 شتنبر 442005.
أما عن الآليات الدولية لمكافحة الإرهاب فتتجلى في المعاهدات و البرتوكولات الدولية التي يبلغ عددها ستة عشرة و تتمثل فيما يلي:
– المعاهدة حول الوقاية و المعاقبة على الجرائم التي تستهدف الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية الدولية بما في ذلك الممثلين الدبلوماسيين التي تم تبنيها من طرف الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 14 دجنبر 1973 .
– المعاهدة حول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد أمن و سلامة الطيران المدني المبرمة بمونتريال في 23/09/1971 .
– المعاهدة حول قمع الحجز غير المشروع la capture illicite للطائرات الموقعة بلاهاي في 16/12/1970 .
– المعاهدة المتعلقة بالجرائم و غيرها من الأعمال التي ترتكب على متن الطائرات الموقعة بطوكيو في 14/09/1963 .
– المعاهدة الدولية ضد احتجاز الرهائن التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17/12/1979.
– المعاهدة حول الحماية المادية la protection physique للمواد النووية التي تم تبنيها بفينا في 32/03/1980.
– البرتوكول حول قمع الأعمال العنف غير المشروعة على متن الطائرات التي تخدم الطيران المدني الدولي الإضافي لمعاهدة 23/09/1971 و المبرم بروما في 10/03/1988.
– المعاهدة حول قمع الأعمال غير المشروعة ضد أمن و سلامة الملاحة البحرية المبرمة بروما في 10/03/1988.
– البروتوكول الإضافي لمعاهدة روما المؤرخة في 10/03/1988 حول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد أمن و سلامة المنصات الثابتة فوق الجرف القاري المبرمة في 10/03/1988.
– المعاهدة حول تحديد le marquage المتفجرات البلاستيكية و في شكل أوراق لأغراض الرصد المبرمة بمونتريال في 01/03/1991 .
-المعاهدة الدولية حول قمع تمويل الأعمال الإرهابية التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15/12/1997.
– التعديل الذي أدخل على المعاهدة حول الحماية المادية للمواد النووية المنجز بفينا في 08/07/2005 .
– البروتوكول المتعلق بالمعاهدة حول قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية المنجز بلندن في 14/10/2005.
– البروتوكول المتعلق بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة المنصات الثابتة فوق الجرف القاري و المنجز بلندن في 14/10/2005 .
و تجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن نفهم مما تقدم بأن قرارات مجلس الأمن والآليات الدولية المذكورة أعلاه هي الأساس الوحيد للتعاون القضائي في مكافحة الإرهاب على اعتبار أن هذه الآليات الدولية نفسها فسحت المجال للتعاون بين الدول وفق أشكال أخرى للتعاون بين الدول وفق الأشكال أخرى للتعاون و تتمثل هاته الأسس الإضافية للتعاون الدولي في:
المعاهدات الإقليمية.
المعاهدات الجوية.
المعاهدات الثنائية.
مبدأ المعاملة بالمثل le principe de la réciprocité .
مبدأ المجاملة الدولية la courtoisie cuternationale.
وقد أدى إصدار قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب،
إلى تضمين ثلاثة مواضيع أساسية تكتسي أهمية بالغة، و يتجلى أولها في تجريم الأفعال التي تدخل ضمن الجريمة الإرهابية و العقوبات الزجرية المتعلقة بها، و ثانيها في وضع القواعد المسطرية، أما ثالثها وأخرها فيتجلى في معالجة المعلومات المالية وقمع تحركات الأموال المخصصة لتمويل الإرهاب
بالرجوع إلى القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب نجد أن المشرع جرم مجموعة من الأفعال التي تعتبر جرائم إرهابية، و أقر مجموعة من العقوبات عليها، وأخذ بالتدابير الوقائية لمكافحتها وعاقب على المشاركة فيها، و حدد مسؤولية الشخص المعنوي بحيث لا تقل مسؤوليته عن مسؤولية الشخص الطبيعي، وأما بخصوص التعويض عن أضرار الناشئة عنه فإنه بالرغم من سكوت المشرع عنه في القانون 03.03 إلا أن الاجتهاد القضائي أقره.
وهكذا فإنه يمكن تحديد الجرائم الإرهابية فيما يلي:
-الاعتداء على الأشخاص:
المشرع الجنائي سواء في المجموعة الجنائية أو في قانون الإرهاب في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 من القانون الجنائي، أضفى حماية مطلقة على حياة الأشخاص من هذه الاعتداءات لذا وجب توافر الركن المادي زيادة على الركن المعنوي ليتسنى المعاقبة عليها.
وهكذا فإن هذا النوع من الجرائم صنفها المشرع إلى أربعة أصناف وهي:
الاعتداء على حياة الأشخاص حيث نظم المشرع هذا النوع ضمن الفصول 392-399 من القانون الجنائي.
الاعتداء على سلامة الأشخاص، ونظمها المشرع ضمن الفصول 400-414 من القانون الجنائي.
الاعتداء على حرية الأشخاص، وتم تنظيمه ضمن الفصول 219-223 من القانون الجنائي.
اختطاف الأشخاص واحتجازهم وهو ما تم التنصيص عليه ضمن الفصول 436-440 من القانون الجنائي.
-التزييف و التزوير؛
-التخريب أو التعييب أو الإتلاف؛
-اعتداء على وسائل النقل والاتصال:
جاء هذا التجريم في الفقرة الرابعة من الفصل 1-216 والذي ينص على ” تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أو إتلافها أو إتلاف مشاءات الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال”
وفيما يخص جرائم الاعتداء على وسائل الاتصال فإن المشرع تطرق لجرائم تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال في موضعين الأول في الفقرة الأولى من المادة 81 والثاني في الفصل 83 من القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد و المواصلات.
– جرائم السرقة:
وتشكل جريمة إرهابية إذا كانت لها علاقة عمد بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف؛
– تكوين عصابات إجرامية:
ويتصف تكوين العصابة ببعض صفات المؤامرة المنصوص عليها في الفصلين 175-201 من القانون الجنائي، و لكنها تختلف عنها اختلافا أساسيا يتجلى في أن هذه الجرائم موجهة ضد أمن الدولة، في حين أن الفصل 293 من القانون الجنائي يتعلق بالأشخاص العادين فقط.
– الإشادة بالجريمة الإرهابية؛
– تمويل الإرهاب؛
– إقناع الغير على ارتكاب جريمة إرهابية؛
-عدم التبليغ عن الجريمة الإرهابية؛
-المساعدة على ارتكاب جريمة إرهابية؛
وبالرجوع إلى قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب يتبين أن العقوبة في الجرائم الإرهابية إما عقوبة جنائية وإما عقوبة جنحية، ثم إنها إما عقوبة أصلية وإما عقوبة إضافية.
وبالتالي فقد نص المشرع في بعض الحالات على عقوبات للأفعال الإرهابية في قانون 03.03 وفي بعض الحالات الأخرى يحيل إلى تطبيق العقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي وباقي النصوص الخاصة مع تشديدها.
لذا فقد عمد المشرع في عقوبات الإحالة بتشديد العقوبة، مما يصح معه القول أن الجريمة الإرهابية تشكل ظرفا مشدد حيث تحول عقوبة السجن المؤبد إلى الإعدام، وتحول العقوبة السجينة 30 سنة إلى السجن المؤبد، ويرفع الحد الأقصى للعقوبات الأخرى السالبة للحرية إلى الضعف دون أن تتجاوز 30 سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن أو الحبس، دون الحد الأدنى الذي يبقى كما هو منصوص عليه في مجموعة القانون الجنائي وباقي النصوص الخاصة، أما إذا كانت العقوبة المقررة للفعل غرامة فيضاعف الحد الأقصى فقط دون الحد الأدنى للغرامة مائة مرة دون أن تقل عن 100.000درهم.
إلا أن القاضي الجنائي أثناء تفريده للعقوبة يحق له في إطار سلطته التقديرية أن يقدرها في نطاق الحد الأدنى والأعلى المنصوص عليهما في القانون الجنائي، آخذا بعين الاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة وأثارها على أمن واستقرار المجتمع وكذا شخصية المجرم.
واستثناءا لما سبق، ولتشجيع الجناة على التراجع عن مشاريعهم ومخططاتهم الإرهابية، أقر المشرع في قانون مكافحة الإرهاب الأعذار القانونية وذلك بتمتيع المجرم بعذر معف من العقوبة من جهة، وبتخفيض العقوبة من جهة ثانية
ويتمتع بالعذر المعفي من العقاب، كل فاعل أو مساهم أو مشارك الذي يكشف قبل غيره للجهات القضائية أو الأمنية أو الإدارية أو العسكرية عن وجود اتفاق جنائي أو وجود حماية للأجل ارتكاب جريمة إرهابية إذا قام بذلك قبل محاولة ارتكاب الجريمة التي كانت موضوع الاتفاق أو الهدف لعصابة إجرامية وقبل إقامة الدعوى العمومية.
هذا مع العلم أن قيام العذر المعفي من العقاب لا يسمح لسلطات التحقيق بإصدار قرار بعدم المتابعة، كما لا يسمح أيضا للسلطات المتابعة والمتمثلة في النيابة العامة بإصدار أمر بالحفظ ، على اعتبار أن هذه السلطات لا يمكنها أن تصدر قرارا بإعفاء المتهم من العقاب، لأن قرار الإعفاء معناه ثبوت مؤاخذة المتهم وإدانته، وهو قرار تستقل في إصداره محكمة الموضوع.
أما الأعذار المخففة في الجريمة الإرهابية هي واجبة التطبيق وبقوة القانون ذلك أنه إذا تم التبليغ عن أفعال المذكورة بعد ارتكاب الجريمة تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة للفاعل أو المساهم أو المشارك الذي يقدم نفسه تلقائيا للسلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية أو الذي يبلغ عن المساهمين أو المشاركين في الجريمة في حين أنه إذا كانت العقوبة هي إعدام ستخفض إلى السجن المؤبد وإذ كانت هي السجن المؤبد فتخفض من 20 سنة إلى 30 سنة.
أما فيما يتعلق بالعقوبات الإضافية فإنها تتجلى في الحجز القانوني و التجريد من الحقوق الوطنية و الحرمان المؤقت من ممارسة الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية و الحرمان النهائي والمؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة، والمصادرة الجزئية للأشياء الجزئية المملوكة للمحكوم عليه، ونشر الحكم الصادر بالإدانة.
أما في في ما يتعلق بالتدابير الوقائية فقد نص المشرع في قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب على التدابير الوقائية عند المؤاخذة على فعل يشكل جريمة إرهابية حيث أجاز الحكم بإجبار على إقامة بمكان معين، كما أجاز الحكم بالمنع من الإقامة،في حين أوجب التصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف و الخدمات العمومية.
وبخصوص الشخص المعنوي فلم يستثني قانون مكافحة الإرهاب الشخص المعنوي على غرار الشخص الطبيعي من المسؤولية الجنائية وبالتالي من العقاب إذا ما تبت تورطه بأي حال من الأحوال، قد تبنى المشرع العقوبة التي تتناسب و طبيعة هذا الأخير ضمن الفصول 4-218 و 7-218 و 8-218 من القانون الجنائي.
و بالرجوع إلى القانون 03.03 نجد أن محكمة الاستئناف بالرباط هي المختصة قانونا بالنظر في جرائم الإرهاب، و بالتالي أصبح لها اختصاص وطني حيث تم الخروج عن القاعدة المألوفة للاختصاص الجنائي وهي مكان ارتكاب الجريمة أو مكان إلقاء القبض أو مكان إقامة المتهم.
و تبعا لذلك فإن محكمة الاستئناف بالرباط هي التي خول لها المشرع مباشرة تدبير القضايا المتعلقة بالجرائم الإرهابية بدءا بالمتابعة و ما يسبقه من إشراف النيابة العامة على عمل الضابطة القضائية و مرورا بالتحقيق الإعدادي الذي يتكلف به قاضي التحقيق و انتهاءا بالمحاكمة للبت في ملف القضية .
وبالإضافة إلى ذلك فإن اختصاص محكمة الاستئناف بالرباط يشمل المتابعة و التحقيق و الحكم في الجرائم الإرهابية سواء كانت لهذه الجرائم وصف جنحة أو جناية.
من خلال ما سبق، يتضح بأن المجتمع الدولي بمعية المغرب، قد قاموا بمجموعة من الإجراءات الاحترازية القانونية، و التي تهدف الى التصدي للفكر التطرفي و الإرهابي، بحيث وبعد أن كان الدين الإسلامي يتسم بالوسطية و الإعتدال، فقد أصبح في الوقت الراهن بفضل التفكير المشوش للبعض يتسم بالتشدد، وهو ما استوجب على المجتمع الدولي والمحلي الإسراع للتدخل قصد منهجة التفكير الإسلامي إلى مستوى الإعتدال، وذلك بعد أن كان الأصل في الإسلام وما ثبت في السابق، السمح والعفو والمغفرة والمودة والرحمة أما الحرب و القساوة فلم يكن إلا استثناء، وذلك في قول الله عز وجل ( إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوٓءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) وفي آية أخرى ( وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ).
المراجع
القرآن الكريم. –
المعاهدات والبروتوكولات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. –
الخطب الملكية. –
الدستور المغربي.-
قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب. –
مجموعة القانون الجنائي.-
Aljazeera.com-
Anfapress.com-