تسيير المؤسسة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية في القانون الموريتاني الدكتور : سيداب سيد عبد الله –
تسيير المؤسسة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية في القانون الموريتاني
Management of the institution subject to the judicial settlement procedure in Mauritanian law.
الدكتور : سيداب سيد عبد الله
دكتور في القانون الخاص
أستاذ متعاون مع جامعة نواكشوط والمدرسة الوطنية للإدارة
لتحميل الإصدار كاملا
ملخص
السماح للمؤسسة بمواصلة أنشطتها ومتابعة أعمالها من المستجدات التي ظهرت في ثنايا نظام المعالجة، وهو من الآثار الهامة التي تستجيب لفلسفة الإنقاذ وتجسد مراميه التي نشأت بقوة القانون “عملا بأحكام المادة 1295 من مدونة التجارة”، من أجل توفير الوقت وإتاحة الفرصة لإنقاذ المؤسسة المتعثرة والواقعة في الصعوبات نظرا لاستشعار عدم الاختلال النهائي للوضعية، وهو كذلك منح فرصة وإعطاء وقت للأجهزة المكلفة بإدارة المسطرة حتى يجهزوا مشروع عناصر الحل النهائي للمصادقة عليه من طرف المحكمة، من أجل تحديد مصير المؤسسة استمرارا أو تفويتا أو تصفية
Abstract
Allowing the institution to continue its activities and follow up on its work according to a special administrative management is one of the developments that have appeared throughout the treatment system, and it is one of the important effects that respond to the philosophy of rescue and embody its goals that were established by the force of law “pursuant to the provisions of Article 1295 of the Code of Commerce”, in order to save time and provide the opportunity to save The institution in difficulty which does not constitute a final imbalance in the situation. It also gives an opportunity and time to the administration bodies charged with managing the procedure to prepare the draft elements of the final solution for approval by the court, in order to determine the destiny of the institution whether to continue, dismiss, or liquidate.
The management of the institution subject to the judicial settlement procedure is based on the philosophy of the desire to continue the institution’s activity in order to embody the social and commercial objectives of the institution. The management of the institution takes three options: monitoring the management of the head of the institution and assisting him in management, or making the bankruptcy trustee stand alone in the management operations. The management of the institution at this stage also requires managing Ongoing contracts serve the interests of the institution, and the search for financing is considered an essential task for the institution to continue its activities.
مقدمة
إن سماح وتقرير المشرع بمواصلة المؤسسة لنشاطها يبقى مرهونا بوجود مؤشرات وبوادر إمكانية التسوية والإنقاذ، في حين يكون إيقاف النشاط كليا أوجزئيا واجبا عندما تكون مواصلة النشاط مضرة تزيد من عجز المؤسسة وخسارتها، بناء على طلب معلل ومؤسس على معطيات قانونية واقتصادية واجتماعية من أمين التفليسة، أو مفوض الحسابات، أو رئيس المؤسسة، أو تلقائيا، بناء على تقرير من القاضي المنتدب.
يكون التوقيف الجزئي بشكل مؤقت أو دائم من طرف المحكمة بناء على عجز أو خسارة واضحة تصيب فرعا من فروع النشاط، أو بناء على معطيات تفيد أن التوقيف سيخفف الأعباء والمصاريف، وقد تأمر المحكمة بتوقيف النشاط كليا بصفة مؤقتة دون النطق بالتصفية القضائية، عندما تكون الظروف الصعبة التي تمر بها المؤسسة ممكنة التجاوز، كما قد يكون توقيف النشاط كليا مشفوعا بالنطق بالتصفية القضائية، ويتوقف نجاح هذه المرحلة وسلامة القرارات التي تتخذ فيها على نجاح وجدية ووضوح الرؤية لدى القائمين على إدارة وتسيير المؤسسة (المبحث الأول).
أهتم المشرع الموريتاني بمواصلة المؤسسة لنشاطها التجاري وحضورها في المشهد الاقتصادي، وبذل جهودا كبيرة في تهيئة الأرضية المناسبة له، سواء على مستوى إقرار المبدأ، أو على مستوى وضع الآليات والقواعد الاقتصادية والمالية والقانونية التي تجسد هذا المبدأ، حفاظا على وحدات الإنتاج والخدمات ومواصلة التشغيل والتواصل مع الزبناء، وهي القواعد التي تعتبر جميعها محفزات تؤسس لمزايا تفضيلية، سواء تعلق الأمر بتسيير العقود الجارية بما يخدم مواصلة المؤسسة لنشاطها، أو تعلق بالبحث عن وسائل وآليات التمويل التي تساهم في إنقاذ المؤسسة وتحسين وضعها المادي والتجاري، وإلاء الممولين الذين يتقدمون للمساهمة في تمويل المؤسسة وإنقاذها مزايا تفضيلية خاصة(المبحث الثاني).
المبحث الأول: الإدارة المؤقتة للمؤسسة
أعطى المشرع الموريتاني عناية خاصة للتسيير والإدارة في مسطرة التسوية القضائية، نظرا لحساسيتها وخطورتها على مصير المؤسسة، ففي هذه المسطرة تكون المؤسسة متأرجحة بين التعافي والعودة لسابق عهدها ونشاطها الطبيعي، وبين تدهور وضعها واختفائها من المشهد التجاري بالخضوع لمسطرة التصفية القضائية.
ويرتكز التسيير الإداري للمؤسسة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية على محددات فلسفية وإدارية غاية في الأهمية ” المطلب الأول”
ويمكن للتسيـير الإداري للمؤسسة أن يكون وفق خيارات ثلاثة حسب طبيعة المرحلة وظروف المؤسسة” المطلب الثاني”
المطلب الأول: مرتكزات التسيير الإداري
لم تكن من مقتضيات التسوية القضائية عزل رئيس المؤسسة وحرمانه من مواصلة التسيير بقوة القانون، وإن لم يتركه المشرع في نفس المركز الذي كان يتمتع به قبل صدور الحكم بفتح المسطرة، وتتأسس فكرة إعطاء الفرصة لرئيس المؤسسة لمواصلة تسييره وإدارته على عدة اعتبارات هي::
- مرتكز فلسفي فكري يجد أساسه في أهداف ومغازي نظام المعالجة التي تعتبر التسوية القضائية بطبيعتها المرنة والملائمة والمبتعدة عن الإقصاء والمفاصلة- التي هي جوهر وفحوى الإفلاس والتصفية القضائية إحدى- تجلياته.
- اعتبار الكفاءة والخبرة والمعرفة بتقنيات التدبير والتسويق ومستوى الإنتاج والخدمات التي تقدم المؤسسة والاطلاع على تفاصيل وخبايا ما تملكه من مؤهلات وقدرات، فضلا عن معرفة أسرار العلاقات التي تربط المؤسسة بالممولين والزبناء، كلها مقدرات قد تملكها الإدارة السابقة يمكن استخدامها والاستفادة منها في عمليات الإنقاذ الجارية في كنف التسوية القضائية.
-
القناعة الراسخة بأن فشل المؤسسة وخضوعها لضغط الصعوبات، لا يعني بالضرورة انعدام الكفاءة أو الخبرة أو الفساد لدى رئيس المؤسسة، بقدر ما قد يكون نتيجة لأسباب خارجة عن هذه الاعتبارات، يتعلق الأمر بالتقلبات الاقتصادية وانهيار الأسواق وشدة المنافسة والتطورات التكنولوجية المتسارعة.
المطلب الثاني: خيارات التسيير الإداري للمؤسسة
يشكل حرص المشرع على تقديم إدارة مؤقتة فعالة، وقادرة على مواجهة التحديات أساس السعي للجمع بين حسنات الإدارة الأولى وكفاءة وخبرة أمين التفليسة كلما كان ذلك ممكنا، قبل أن يكون مجبرا على إفراد وتكليف الأمين بمباشرة الإدارة لوحده عند تعذر الجمع بين الأمرين، وتأكيدا على هذه الروح وهذا الخيار كان المشرع واضحا في منح السلطة التقديرية للمحكمة التجارية بغية تحديد طبيعة الأسلوب الإداري المناسب لهذه المرحلة بموجب قرار يصدر بهذا الخصوص” طبقا لمقتضيات المادة 1300من مدونة التجارة”، وهو الأسلوب الذي لا يمكن أن يخرج عن خيارات ثلاثة هي :
-
مراقبة التسيير من طرف أمين التفليسة؛
-
مساعدة رئيس المؤسسة من طرف الأمين؛
-
تكليف أمين التفليسة لوحده بعمليات الإدارة والتسيير.
إن وعي المشرع باحتمالية الصواب والخطأ في القرارات المؤسسة على سلطات تقديرية واسعة للمحكمة هي في النهاية تقديرات واجتهادات مبنية على معطيات وأسس قد لا تكون صلبة ولا ناهضة بعد حين، فقد أعطى فرصة لإمكانية تغيير مهمة أمين التفليسة في أي وقت بناء على طلبه أو تلقائيا من طرف المحكمة بعد استشعار مخاطر جدية قد تقود إلى زيادة وضع المؤسسة سوء، بما ينذر بإمكانية تعرضها للتصفية القضائية، وهو التغيير الذي قد يصب في تمكين أمين التفليسة وإطلاق اليد له في التسيير، كلما أساء الرئيس الإدارة والتسيير، وقد ينحو منحى تقليص صلاحياته والحد من نفوذه، كلما أحسن الرئيس وأجاد في التسيير “الفقرة الأخيرة من المادة 1300”.
يستغرب بعض الفقهاء إقصاء رئيس المؤسسة وحرمانه من الحق في طلب تغيير مهمة أمين التفليسة متى استعاد أهليته وقدرته على التسيير والإدارة لاعتبارات مشروعة يقوم بعرضها على المحكمة، بيد أن حصر الطلب في أمين التفليسة قد يجعل منه خصما وحكما في نفس الوقت، وإن كان التعهد التلقائي للمحكمة إجراء مطمئن على الحياد وإشاعة العدل، لكنه بناء على الصلاحية الممنوحة للقاضي المنتدب بخصوص البت في الشكاوي المقدمة ضد أمين التفليسة فإن رئيس المؤسسة يسوغ له، في حالة وجود خلاف أو نزاع حول التسيير والإدارة أن يتقدم إلى القاضي المنتدب من أجل حل الإشكال والبت في النزاع، كما يمكن في رأي بعض الفقهاء إخبار المحكمة في أي وقت بسير المؤسسة ونتائج التسيير الذي من الممكن أن يقود إلى تغيير مهمة أمين التفليسة.
أولا: مراقبة عمليات التسيير
تؤسس لهذا الخيار الإداري “أحكام المادة 1300 السابقة” التي نصت على أن المحكمة تملك صلاحية تكليف أمين التفليسة بمراقبة عمليات التسيير التي منحت صلاحيتها أصالة لرئيس المؤسسة، وهو الخيار الذي يطلق يد رئيس المؤسسة في التسيير ويمنحه الفرصة لتقديم ما يملك من خبرات، ومبادرات، واتخاذ ما يراه مناسبا من قرارات وإجراءات، بخصوص المؤسسة وعلاقاتها ونشاطاتها وآليات الإنتاج والتسويق فيها، وما يتطلبه البحث عن التمويل والعلاقة مع الممولين والزبناء والمستخدمين والعمال، بمعنى أن رئيس المؤسسة في هذا الأسلوب هو صاحب المبادرة والكلمة الفصل في كل ما يتصل بالتسيير والإدارة حتى في أخطرها، كتقديم الرهون الرسمية أو الرهون الحيازية أو القيام بمبادرات تصالحية بين أطراف المصالح في المؤسسة بناء على ترخيص من القاضي المنتدب.
إن السماح لرئيس المؤسسة وإعطاءه فرصة لإثبات كفاءته وأهليته في التسيير لا يعني ترك الحبل على الغارب وعدم اتخاذ التدابير الكفيلة بمعرفة حقيقة ومضامين وجدية وفعالية هذا التسيير على ضوء ما يقدمه من حلول وما يبتكره من آليات تصب في إنقاذ المؤسسة واستعادتها لعافيتها. وهذا ما احتاط له المشرع فألزم رئيس المؤسسة بحكم مقتضيات الرقابة بإخبار أمين التفليسة بجميع القرارات والتدابير المتخذة وكيفية تنزيلها وتطبيقها ومدى انتفاع المؤسسة بكل الخطوات والأساليب والقرارات المعتمدة من طرف رئيس المؤسسة في إطار مهمته التسييرية ليستطيع موافاة المحكمة بالوضعية الحقيقية للمؤسسة حتى تكون قادرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
ينتقد بعض الفقه الفرنسي كلمة المراقبة معتبرا إياها فضفاضة ولا تحمل مدلولا قانونيا محددا، ولا تشكل ضمانا فعالا بالنسبة للاغيار، لكن جانبا آخر من الفقه لا يرى هذا الرأي، بالنظر إلى طريقة اختيار أمين التفليسة الذي يمكن أن يكون من كتاب الضبط أو من الأغيار، حسب ما ترى فيه المحكمة من خبرة وكفاءة وتجربة، مع حقها في تغيير مهمته عند الضرورة.
ثانيا:
مساعدة رئيس المؤسسة
جاء ت إمكانية لجوء المحكمة إلى أسلوب مساعدة رئيس المؤسسة من طرف أمين التفليسة عملا بأحكام “المادة 1300 السابقة”، مع إعطاء السلطة التقديرية للمحكمة في تعميم هذا الأسلوب على جميع أعمال الإدارة، أو اعتماده في عمليات معينة وإجراءات محددة لها طابعها الخاص، أو تلك التي قد تشكل خطرا على المؤسسة ومصيرها ” طبقا لمقتضيات المادة 1300ف2″ إما بمساعدة رئيس المؤسسة في جميع الأعمال التي تخص التسيير أو في بعضها”.
من البديهيات أن المحكمة بسلطتها التقديرية معنية بالتحري والتؤدة في اتخاذ مثل هذه القرارات، بل يلزمها أن تدرس المؤسسة ومحيطها وتفاصيل العوامل المؤثرة فيها، سواء على المستوى المالي والاقتصادي والإداري أو الاجتماعي، وسواء تعلق الأمر بمواصفات رئيس المؤسسة من حيث الكفاءة والنزاهة والاستقامة، ومستوى العلاقات التي يقيم مع الممولين والشركاء والعاملين والزبناء، على أن تتخذ قرارها المناسب، بناء على طبيعة التقييم الإيجابي أو السلبي، ويبقى دائما لجوء المحكمة لتكليف أمين التفليسة بالمساعدة في جميع عمليات التسيير مبنيا على معطيات جدية تؤكد رجاحة سوء التسيير أو قلة الخبرة أو العجز البدني، في حين يعود القرار بالتكليف الجزئي لاعتبارات تتعلق بنوعية العمليات وتعقيدها وخطورتها على المؤسسة، وهو ما يفرض على المحكمة تحديدها بشكل دقيق، نظرا لتنوع وتعدد هذا النوع من العمليات التي قد تكون إعداد الميزانية أو العلاقة مع العمال أو إبرام العقود والصفقات ….إلخ.
إذا كان قرار المحكمة تكليف أمين التفليسة بمساعدة رئيس المؤسسة، يعني بداهة أنه انتقال بهذه المهمة من الطابع الرقابي الذي يقف عند مستوى حراسة المصالح، إلى الطابع التشاركي الفعلي في عمليات التسيير كليا أو جزئيا، فإن هذا القرار قد يحمل في ثناياه اقتصار مهمة المساعدة على الأعمال الجوهرية المؤثرة في مصير المؤسسة، دون عمليات التسيير العادية التي يستطيع رئيس المؤسسة أن يمارسها لوحده تفاديا للمشاكسات والمشاحنات التي قد تعرقل سير المؤسسة وتضر بمصالحها، وتعتبر هذه المساعدة إلزامية بقوة القانون، ابتداء من تاريخ صدور الحكم القاضي بالتسوية القضائية، حتى المصادقة على الصلح أو تحويل التسوية القضائية إلى تصفية للممتلكات في كل ما يتصل بإدارة المدين وتصرفاته في ممتلكاته” طبقا لمقتضيات المادة 1295 جديد”
ثالثا: تسيير أمين التفليسة
تضمنت رتيبات المادة 1300 السابقة منح المحكمة السلطة التقديرية في انتهاج أسلوب إداري يكرس لأمين التفليسة إدارة المؤسسة كليا أو جزئيا، وهو إجراء يستهدف عزل واستبعاد رئيس المؤسسة الذي حصلت المحكمة على معطيات ومعلومات تؤكد عدم كفاءته، أو خبرته، أو سوء علاقاته، أو عدم أمانته ونزاهته، أو ارتكابه أخطاء جسيمة، تبرر اعتماد هذا القرار الذي يحل بموجبه أمين التفليسة محل رئيس المؤسسة في التسيير الكلي أو الجزئي.
تستهدف الحلول الكلي لأمين التفليسة إقصاء رئيس المؤسسة من عمليات التسيير بتجلياتها المختلفة، بينما تستهدف الحلول الجزئية اختيار وانتقاء عمليات خطرة ومصيرية تحوم الشكوك حول قدرة رئيس المؤسسة على القيام بها.
يبقى دائما قرار المحكمة بتكليف أمين التفليسة بالتسيير الجزئي يستبطن نزوع المشرع نحو إشراك رئيس المؤسسة مادام الوضع يحتمل ذلك، وهو اختيار قد يعود بالنفع على المؤسسة عند استغلال خبرة وتجربة الرئيس، وعند خلق جو من التنافس الإيجابي الذي قد يؤدي إلى الابتكار والبراعة والاجتهاد في تقديم النموذج في التسيير والسلوك.
الحلول الكلية أو الجزئية لأمين التفليسة لا تمنع بالضرورة رئيس المؤسسة من القيام بعمليات التسيير العادية الضرورية التي لا تمس من مصالح الأطراف ولا تشكل خطرا على مصير المؤسسة، كما تبقى المحكمة دائما محتفظة بصلاحياتها وسلطاتها التقديرية إزاء تغيير مهمة أمين التفليسة نحو ما تراه مناسبا من أساليب الإدارة في هذه المرحلة .
قد تثير هذه الأساليب الإدارية أو بعضها تداخلا في الصلاحيات بين المكلفين بعمليات التسيير، خصوصا عندما خول المشرع أمين التفليسة استعمال الحسابات البنكية والبريدية دون مشاركة من أحد، أو قيد، إلا ما كان من تعليق هذا الاستعمال وتوقيفه على مصلحة المؤسسة الذي تضمنته ترتيبات المادة ” 1301″.
أمعن المشرع وبالغ كثيرا في منح صلاحية استعمال الحسابات البنكية والبريدية للمؤسسة من طرف أمين التفليسة، دون مشاركة أو رقابة من أحد، مخلفا بؤر من التحفظ والشك في سلامة هذا الإجراء، بيد أن المشرع وإن كان أعطى أمين التفليسة هذه الصلاحية عن حسن نية و إصرار على توفير ما يخدم المؤسسة، ويساهم في إنقاذها، فإنه قد فاته أن أمين التفليسة قد يتعسف في استعمال السلطة، ويمارس الشطط، ويستغل الصلاحية بطريقة سيئة كما حصل في فرنسا يوما، وأدى إلى تقييد هذا الاستعمال بشروط صارمة تضمن التوازن بين سلطات الأمين والرئيس، كما أغفل مستويات وأنماط التسيير في هذه المرحلة التي يتطلب كل منها معاملة وصلاحيات وسلطات.
كان على المشرع وهو بصدد إعطاء هذه الصلاحية أن يستحضر الأساليب الإدارية المعتمدة، وأن يتعامل معها بطريقة مختلفة، بحيث قد يكون من المستساغ تمكين أمين التفليسة من هذه الصلاحية بطريقة إطلاقية في حالة تكليفه كليا أو جزئيا بعمليات التسيير والإدارة، بينما ينبغي تقييدها وتوقيفها على ترخيص القاضي المنتدب في الحالتين الأخريين، أو فرض التوقيع المشترك لشريكي الإدارة ” أمين التفليسة و رئيس المؤسسة”، لكن هذا التساهل في استعمال حسابات المؤسسة يمكن تداركه باتخاذ تدابير وقائية من قبيل، مراقبة استعمال أمين التفليسة لهذه الحسابات من طرف رئيس المؤسسة، والقاضي المنتدب المكلف برعاية المصالح وضمان سير المسطرة، حيث يمكنه أن يلزم أمين التفليسة بتقديم معلومات دورية حول ممارسته لهذه الصلاحية، هذا فضلا عن تحمل الأمين تبعات مسؤولياته الجنائية والمدنية، عند ارتكابه أخطاء موجبة للعقوبة تكفلت بتعدادها “عملا بأحكام المادة 1453″، ويمكن اعتبار هذه الإجراءات الردعية هي الأساس الذي بموجبه أطلق المشرع لأمين التفليسة اليد في استعمال الحسابات البريدية والبنكية، بما يخدم مصلحة المؤسسة، وهو بطبيعة الحال استخدام جوازي يملك الأمين السلطة التقديرية إزاءه.
يمارس رئيس المؤسسة، وأمين التفليسة صلاحيات التسيير بطريقة اعتيادية وطبيعية، وفق النمط المعتمد من التسيير، غير أنه في سياق هذا العمل التسييري توجد بعض التصرفات والأعمال الإدارية ذات طبيعة حساسة وخطرة على المؤسسة أخضعها المشرع لإجراءات الترخيص المسبق من طرف القاضي المنتدب مهما كان شكل الأسلوب الإداري المعتمد ” طبقا لمقتضيات المادة 1302″ وهذه التصرفات تشمل:
- الترخيص بتقديم الرهون الرسمية أو الرهون، مهما كانت، حاجة المؤسسة للتمويل حماية للمساواة بين الدائنين.
-
التوصل إلى اتفاق أو مصالحة، سواء كانت الرغبة مشتركة أو غير مشتركة بين الرئيس والأمين.
مع وجوب تصديق المحكمة على هذه المصالحة أو التراضي، عندما تكون قيمة موضوع المصالحة أو التراضي غير محددة، أو تتجاوز الاختصاص النهائي للمحكمة التجارية “الفقرة الثانية من المادة 1302” .
-
السماح لأمين التفليسة بأداء الديون السابقة للحكم وذلك لفك الرهن أو لاسترجاع الشيء المحبوس قانونيا، عندما يكون ضروريا من أجل مواصلة نشاط المؤسسة.
المبحث الثاني: تسيير العقود الجارية والبحث عن التمويل
من الأحكام الجوهرية المتعلقة بفتح مسطرة التسوية القضائية، ما أولاه المشرع من عناية، ومنحه من سلطات للإدارة بخصوص تسيير أو تنفيذ العقود الجارية، طبقا لما تمليه مصلحة استمرار المؤسسة ” المطلب الأول”، كما يعتبر البحث عن التمويل وجلب الإستثمارات للمؤسسة من صميم أهداف وفلسفة التسوية القضائية، بيد أن جذب التمويل- من المعروف بداهة- أنه من متطلبات مواصلة المؤسسة لنشاطها و استعادتها عافيتها” المطلب الثاني”
المطلب الأول: تسيير العقود الجارية
منح المشرع “عملا بأحكام المادة 1297 من مدونة التجارة” صلاحية تحديد مصير العقود التي يبرمها رئيس المؤسسة مع الأغيار لأمين التفليسة وحده، دون إلزامه بترخيص من القاضي المنتدب أو رئيس المؤسسة، بشرط أن تكون آثارها ممتدة إلى ما بعد صدور الحكم بفتح المسطرة، حيث يملك وحده حق المطالبة بتنفيذ هذه العقود، على اعتبار أنها لا تستمر بقوة القانون، بل يتوقف استمرارها على إرادته بغض النظر عن نوع وشكل الإدارة والتكليف الممنوح له، وهو يمارس هذا الحق في الإبقاء على العقود،عندما تكون هذه العقود خادمة للمؤسسة، ومسهمة في تجاوزها لمرحة الصعوبات التي ترزح تحتها، ويمارسها للمطالبة بوضع حد لها، عندما تكون هذه العقود مضرة أو مرهقة للمؤسسة ومعوقا لها في سبيل الإنقاذ، لكن إفراد الأمين وحده بهذه الصلاحية لا يمنعه مراعاة لسلاسة العلاقة مع القاضي المنتدب أو رئيس المؤسسة ، من التشاور التنسيق معهم بهذا الخصوص.
فرض المشرع على أمين التفليسة استخدام هذا الحق في أقرب الآجال، لأن تهاونه أو تأخره في مباشرة هذا الحق قد تترتب عليه آثار تضر بمصالح الطرف المتعاقد مع المؤسسة، وهو ما رتب عليه المشرع حكما هاما نزوعا نحو حماية الطرف الآخر، وتحقيقا للتوازن بين مصالح الأطراف، حيث أوجب على أمين التفليسة استعمال حقه هذا، في أجل شهر من تقديم المتعاقد الآخر إنذار يلزم فيه الأمين بممارسة حقه، وعند انتهاء هذا الأجل دون ممارسة الأمين لحقه يفسخ العقد بقوة القانون، ذلك أن المشرع اعتبر عدم ممارسة الحق في هذا الأجل قرينة قاطعة على رفض استمرار تنفيذ العقود الجارية، وقد أحسن المشرع هنا عندما أتاح الفرصة للمتعاقد الآخر، وللأمين بغية معرفة مصير العقود للتصرف في الوقت المناسب “الفقرة الثانية من المادة 1297من مدونة التجارة”.
لم يكلف المشرع نفسه عناء تحديد بدء سريان الإنذار، ولا شكل هذا الإنذار، هل هو إنذار قضائي أم غير قضائي، بالبريد العادي أم بالبريد المضمون، وأمام سكوت المشرع هنا يكون من المناسب اعتبار الإنذار صحيحا مهما كان شكله، وعليه فإن أمين التفليسة يبقى خياره في المطالبة بتنفيذ العقود متواصلا، طالما أن الإنذار لم يوجه إليه.
يجب على المتعاقد وأمين التفليسة أن يحترما بنود العقود وشروطها والتزاماتها دون تعديل أو إلغاء، ويجب على المتعاقد الوفاء بالتزاماته السابقة على حكم فتح المسطرة رغم تقاعس ونكول المؤسسة عن التزاماتها، لأن هذا أدعى لمساعدة المؤسسة على الخروج من الصعوبات، ولا يملك المتعاقد في حالة عدم وفاء المؤسسة بالتزاماتها الناشئة قبل الحكم حق الدفع بإلغاء العقد أو فسخه تجاه أمين التفليسة، أو الاحتجاج بعدم قابلية الالتزامات للتجزئة على الرغم من أي مقتضيات قانونية أو شروط تعاقدية “الفقرة الأخيرة من المادة 1297″، بمعنى أن المتعاقد الآخر لا يمكن أن يتمسك بعدم التجزئة بين الأداءات السابقة على الحكم، والأداءات اللاحقة عليه نتيجة تنفيذ العقود الجارية، وهي قاعدة من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وليس له سوى حق التصريح بالديون في قائمة الخصوم “عملا بأحكام الفقرة الثانية من المادة 1297من مدونة التجارة” .
أما في الحالة التي تهمل فيها المؤسسة الوفاء بالتزاماتها الناشئة بعد الحكم بمناسبة تنفيذ العقود الجارية، فإنه يكون من حق المتعاقد مع المؤسسة أن يطالب بتنفيذ الالتزامات التي نشأت بعد الحكم، ويكون له أن يدفع بعدم التنفيذ في هذه الحالة وأن يطالب بفسخ العقد مع التعويض” طبقا لمقتضيات المادة 1297″ التي تناولت بصراحة وجوب وفاء المتعاقد بالتزاماته، على الرغم من عدم وفاء المؤسسة بالتزاماتها السابقة على الحكم دون التطرق لالتزاماتها اللاحقة عليه، وهو ما يفسر اختلاف الحكم في المرحلتين، ولا يسعف المؤسسة هنا الدفع بسقوط الدعاوي الفردية لأن مجال تطبيقها هو الديون التي نشأت قبل صدور الحكم بفتح المسطرة، هذا وتحظى ديون المتعاقد الناشئة عن العقود الجارية بحق الأولوية في الوفاء كالديون الناشئة عن العقود الجديدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 1385 من مدونة التجارة.
لأمين التفليسة الحق في المطالبة بتنفيذ العقود أو اختيار عدم تنفيذها، ويكون ذلك بعدم متابعة تنفيذ العقود الجارية، أو ترك الإنذار يروح مكانه، دون جواب لمدة تفوق الشهر حتى يفسخ العقد بقوة القانون، ويعتبر في هذه الحالة قد أتاح الفرصة للمتعاقد من أجل المطالبة بالفسخ والتعويض أو بأحدهما، بينما يفقد أمين التفليسة هذا الحق وليس له أن يطالب بتنفيذ العقد بعد انفراط هذه المدة بسبب اختياره للتغاضي وعدم المطالبة بالتنفيذ.
الفسخ أو التعويض بطبيعة الحال يحكم بهما، نتيجة الإخلال بالتزام عقدي، فالمسؤولية مسؤولية عقدية لا تقصيرية لأن الأضرار ناتجة عن خطا عقدي، وتدرج المبالغ الناتجة من التعويض عن الضرر في قائمة الخصوم، استجابة لمصلحة المؤسسة، ومساواة بين الدائنين “عملا بأحكام الفقرة الثالثة من المادة 1297من مدونة التجارة”.
يجوز للمتعاقد المضرور حبس المبالغ التي دفعت له المؤسسة تنفيذ لعقد حتى يبت في دعوى التعويض عن الضرر”عملا بأحكام الفقرة الرابعة من المادة 1297من مدونة التجارة”، ويعد هذا الإجراء امتيازا منحه المشرع للمتعاقد حتى يمكنه من إمكانية إجراء المقاصة بين المبالغ التي دفعت له والمبالغ المحكوم له بها، بمناسبة كسبه دعوى التعويض.
يثير التعاطي مع العقود الجارية العديد من الإشكالات المرتبطة بتنفيذ العقود، وخصوصا قضايا الاختصاص في النزاعات التي قد تنشب من حين لآخر بين المتعاقد وأمين التفليسة، أو بينه وبين رئيس المؤسسة، حول تنفيذ العقود الجارية، وما يتصل بها، حيث لم يتناوله المشرع الموريتاني بما يستحق من وضوح وجلاء، وهو ما جعل بعض الفقهاء يقتنع بازدواجية الاختصاص بحيث يعرض على القاضي المنتدب النزاعات التي تدخل ضمن اختصاصه، وتختص المحكمة التجارية بالقضايا الجوهرية كدعاوي الفسخ والإلغاء وعدم التجزئة والتعويض تطبيقا للفقرة الثانية من المادة 1290.
تعامل المشرع الموريتاني مع التساؤلات التي يطرح البعض بخصوص التعاطي مع العقود الجارية، أو التي في طور التنفيذ في حالة فتح مسطرة التصفية القضائية، فأخضعها لنفس الحكم في حالة مسطرة التسوية القضائية، ضمن ترتيبات المادة 1343 من مدونة التجارة التي نصت على إمكانية استمرار نشاط المؤسسة الخاضعة للتصفية القضائية خدمة للمصلحة العامة التي هي المحافظة على النظام الاقتصادي والاجتماعي والمالي أو خدمة لمصلحة الدائنين التي هي المحافظة على مصالحهم وضمانهم العام، واستمرت المادة في تأكيدها على امتداد تطبيق نظرية العقود الجارية إلى مسطرة التصفية القضائية لتقرر انطباق مقتضيات المادة 1297 من المدونة المتعلقة بتنفيذ العقود الجارية، وكذا المادة 1299 التي تعطي لأصحاب الديون الناشئة بعد صدور الحكم الحق في سداد ديونهم بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء، أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات.
يمكن الوقوف عند سكوت القانون الموريتاني أو عدم وضوحه بشأن تغطية نظرية تنفيذ العقود الجارية التي تضمنتها ترتيبات المدونة التجارية للعقود المستمرة التي يعتبر عنصر الزمن محددا مهما من محددات تنفيذها، والعقود التي يلعب فيها الاعتبار الشخصي الدور الأبرز، والعقود الإدارية وعقود الشغل والـتأمين وغيرها من العقود المشابهة، وإزاء توضيح الحكم بخصوص هذا الإشكال يرى بعض الفقهاء أن نظرية العقود الجارية جاءت عامة تشمل العقود الفورية والعقود المستمرة، بينما اشتد الخلاف وتباينت الآراء والحلول في الفقه الفرنسي بين مؤيد ومعارض لتطبيق نظرية العقود الجارية على العقود ذات الطابع الشخصي، حيث حكم القضاء بداية بانفساخ هذا النوع من العقود بقوة القانون، بمجرد الحكم بفتح المسطرة، لكن هذا الحل كانت له انعكاسات سلبية على مقتضيات الإنقاذ، وفاقم من مشاكل المؤسسة المتردية أصلا في الصعوبات، نظرا لحاجتها لعقود الائتمان وعقود الشغل….إلخ، الأمر الذي أدى إلى تغير سريع انتهجته الغرفة التجارية في محكمة النقض الفرنسية، استجابة لحاجة المؤسسة، وللانتقادات الموضوعية للحل السابق، فأصدرت قرارا بتاريخ 8 ديسمبر 1987 جاء فيه “يمكن للمتصرف أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية عند صدور حكم التصحيح القضائي، دون تمييز بين ما إذا كانت هذه العقود قد أبرمت بناء على اعتبارات شخصية أم لا”.
وعموما فإن المشرع الموريتاني تفاديا للتوجس والتعسف في التأويل، فقد تعامل مع نظرية تنفيذ العقود الجارية وجاء بها في سياق عام ومطلق، لا يفرق بين العقود على أساس الزمن أو الاعتبار الشخصي، ولم يرتب أي استثناء على أي شكل من أشكال العقود يحول دون خضوعها لهذه النظرية، وإن كان على أمين التفليسة في جميع الأحوال أن يراعي إزاء تطبيقها مقتضيات قانون الشغل، وقانون الضمان الاجتماعي، وقانون التأمينات وغيرها من القوانين الخاصة .
المطلب الثاني: البحث عن التمويل
من المسلمات أن مسطرة التسوية القضائية يدخل ضمن مقتضياتها البحث عن التمويل الذي تحتاجه المؤسسة في هذه الفترة العصيبة من تاريخها، ونتيجة لوعي المشرع بهذه الحاجة ومحوريتها في إنقاذ المؤسسة حماية للنظام العام ومصالح المتعاملين، وإدراكه للتوجس والتخوف الذي قد يصاب به أي ممول أو متعامل، وهو بصدد التعامل مع هذه المؤسسة تجاريا أو ماليا فقد سعى إلى طمأنة الجميع من ممولين وبنوك ومستثمرين وأصحاب عقود جارية، من خلال وضع قواعد تفضيلية، وإجراءات تحفيزية تمكنهم من استيفاء حقوقهم بسهولة وأولوية، وهي الإجراءات التحفيزية التي لولاها ما كان لهؤلاء أن يغامروا بمنح الائتمان أو التمويل لمؤسسة تداركتها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، حتى عسر عليها السداد وتوقفت في مرحلة حرجة مؤقتة مفتوحة على كل الاحتمالات.
طمأن المشرع الممولين وأزال تخوفهم، عندما تأكد لهم أن ديونهم ستسدد عند تاريخ الاستحقاق وبالأولية على جميع الديون الأخرى، سواء كانت عادية أو مقرونة بامتيازات “طبقا لمقتضيات المادة 1171 ممن قانون الالتزامات والعقود”، عند التفويت أو التصفية وهو الضمان القوي الذي تضمنته ترتيبات المادة 1299 من مدونة التجارة، التي نصت على وجوب سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، بالأسبقية على كل ديون أخرى، وحق الأسبقية هذا حق مطلق مقدم على كل الامتيازات والضمانات الأخرى، ويملك صاحبه استخدام كافة الطرق المشروعة للحصول على حقه في حالة عدم الوفاء في الأجل، فله أن يرفع الدعاوي وأن يطالب بالتعويض وأن يستخدم الحجوز وغيرها من إجراءات الحماية.
يطبق هذا الحكم في مرحلة التسوية القضائية بمختلف تجلياتها، وتجنبا للبس والإبهام بشأن مسطرة التصفية القضائية تكفل المشرع نفسه في المادة “1343” بمنح الامتياز ذاته لاستيفاء الديون في تاريخ الاستحقاق أو حق الأولوية على كل الديون الأخرى، بغض النظر عن الامتيازات والضمانات الممنوحة، تشجيعا للمستثمرين ومقدمي الائتمان خلال المدة التي تحدد المحكمة لاستمرار مزاولة نشاط المؤسسة المحكوم عليها بالتصفية القضائية.
يستمر حق الأسبقية في الفترة التي تحدد المحكمة مع بداية التصفية القضائية وينتهي بانتهائها، ويبدأ سريانه في مسطرة التسوية القضائية من صدور حكم فتح المسطرة وينتهي بصدور حكم مخطط الاستمرارية أو التنازل أو التصفية القضائية، وهو ما يجعل الديون الناشئة في مرحلة اعتماد مخطط الاستمرارية أو التنازل أو التصفية خارج الامتياز والحماية طبقا لمقتضيات المادة 1299من مدونة التجارة، ويكون إثبات الظرف الزمني للحماية بكافة الطرق.
لكن المشرع لم يكتف بهذا، إمعانا في طمأنة المستثمرين وتحفيزهم على تقديم الدعم والتمويل للمؤسسة في هذه المرحلة الحرجة، بل عضدها وقواها بآليات وقواعد أخرى لا تقل أهمية وتحفيزا وهذه القواعد والآليات هي:
- الترخيص في تقديم الرهون الرسمية والرهون “طبقا لمقتضيات المادة 1100 من قانون الالتزامات والعقود” وهي الضمانات التي تسعى لها البنوك والمؤسسات المالية وتطمئنها أكثر على تقديم الائتمان والتمويل للمؤسسة في هذه المرحلة “عملا بأحكام المادة 1302من مدونة التجارة.
- منع أصحاب الديون السابقة من المقاضاة والتنفيذ، وهي الضمانة التي جاءت في ترتيبات المادة “1381” التي بمقتضاها، لا يجوز لأي دائن نشأ دينه قبل صدور الحكم أن يرفع دعوى قضائية من أجل الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال أو فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال، ولا يحق له مباشرة أي إجراء تنفيذي على منقولات أو عقارات المدين، هذا فضلا عن توقيف الآجال تحت طائلة السقوط أو الفسخ، كل هذا يساهم في طمأنة الممولين ويحفزهم على مباشرة عمليات التمويل والاستثمار.
-
عدم سقوط الآجال “الفقرة الثانية من المادة 1295” وهي قاعدة غاية في الأهمية لأن سقوط الآجال يفتح على المؤسسة في هذه المرحلة من المشاكل ما يجعلها عصية على الإنقاذ، فأموالها ستستغرق وأصولها ستنفد، وبالتالي يكون عدم سقوط آجال الديون مساهمة كبيرة في الإنقاذ ومحفزا على جذب الاستثمار.
وقف سريان المبالغ المستحقة عرفا “عملا بأحكام المادة 1387 من مدونة التجارة” بالنسبة للديون الناشئة قبل حكم فتح المسطرة، لكن مظاهر التفضيل لأصحاب الديون الناشئة بعد صدور الحكم تبدو واضحة، من خلال منح نفس الحق في الأولية لفوائد الدين الناشئ بعد الحكم، حيث لا يشملها الخضوع للوقف المنصوص عليه في المادة السابقة، بل إن حق الأولوية والسبق يشمل الدين وفوائده.
يبقى في النهاية مواصلة المؤسسة لنشاطها مرهونا بوجود مؤشرات وبوادر إمكانية التسوية والإنقاذ، ويبقى إيقاف النشاط كليا أوجزئيا واجبا عندما تكون مواصلة النشاط مضرة تزيد من عجز المؤسسة وخسارتها، بناء على طلب معلل ومؤسس على معطيات قانونية واقتصادية واجتماعية من أمين التفليسة، أو مفوض الحسابات، أو رئيس المؤسسة، أو تلقائيا، بناء على تقرير من القاضي المنتدب.
يتأسس تسيير المؤسسة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية على فلسفة الرغبة في مواصلة نشاط المؤسسة تجسيدا للأهداف الاجتماعية والتجارية للمؤسسة، وتتخذ إدارة تسيير المؤسسة خيارات ثلاثة هي: مراقبة تسيير رئيس المؤسسة ومساعدته في التسيير أو انفراد أمين التفليسة بعمليات التسيير، كما يقتضي تسيير المؤسسة في هذه المرحلة تسيير العقود الجارية خدمة لمصالح المؤسسة، والبحث عن التمويل باعتباره عملا جوهريا لمواصلة المؤسسة لنشاطها.
قائمة المراجع
أولا – النصوص القانونية:
- القانون رقم 89/126 بتاريخ 14/9/ 1989 المتضمن قانون الالتزامات والعقود الموريتاني، المعدل بالقانون رقم 2001/31 بتاريخ 7/9/ 2001 .
- القانون رقم 05/2000 بتاريخ 18 يناير 2000 المتضمن مدونة التجارة الموريتانية، المعدل
- أمر قانوني رقم 2007/015 مكمل للأمر القانوني رقم 016/2006 المكمل للقانون النظامي رقم 012/94 المتضمن النظام الأساسي للقضاء.
- أمر قانوني رقم 2007/012 المتضمن التنظيم القضائي.
- القانون 99/35 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتجارية.
- القانون التونسي رقم 34/1995 المتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية.
- القانون رقم 95/15 المتضمن مدونة التجارة المغربية
- قانون 17 لسنة 1999، المتضمن قانون التجارة المصري.
-
الأمر رقم 75/59 المتضمن القانون التجاري الجزائر، المعدل، والمتمم.
ثانيا – الكتب
- محمد كرام : الوجيز في مساطر صعوبات المقاولة فى التشريع المغربي، الجزء الأول الطبعة الأولى 2010، المطبعة والوراقة الوطنية الحي المحمدي- مراكش.
- عبد الواحد الصفورى : التوقف عن الدفع بين الفقه والقانون والقضاء، الطبعة الأولى، مطبعة ابن سينا، الدار البيضاء 2008.
- أحمد شكري السباعي : الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، المغرب 2000 م.
- أحمد لفروجي : التوقف عن الدفع في قانون صعوبات المقاولة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء طبعة 2005 الإيداع القانوني 1215/2005.
- عبد الحميد الشواربي : كتاب الإفلاس، منشأة المعارف بالإسكندرية
- عباس حلمي : الافلاس والتسوية القضائية، سلسلة دروس العلوم القانونية
- مصطفى كمال طه: الأوراق التجارية والإفلاس وفقا لأحكام قانون التجارة 17 سنة 1999 ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2001.
- أدوار عيد: أحكام الإفلاس وتوقف المصارف عن الدفع ، ج1، مطبعة باخوس وشرتوني ، بيروت ،1972.
- الدكتور عزيز العكيلي: إحكام الإفلاس والصلح الواقي ، دراسة مقارنة، الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع ودار الثقافة للنشر والتوزيع، 2003.
- د.محسن شفيق: الوسيط في القانون التجاري، ج3، عمليات البنوك – الإفلاس، مكتبة النهضة المصرية، ط3، 1957.
- محمود سامي مدكور وعلى يونس: الوجيز في الافلاس، دار الفكر العربي القاهرة ، بدون
- محمد صالح: شرح القانون التجاري ، الإفلاس، ج2، دار الطباعة المصرية .
- محمود سامي مدكور، وعلى حسن يونس، الإفلاس، بدون دار نشر، بدون تاريخ.
- عباس حلمي: الافلاس والتسوية القضائية، سلسلة دروس العلوم القانونية
- سميحة القليوبي ، الوسيط في شرح القانون التجاري المصري، ج1، دار النهضة العربية، 2005
- Michel Jeantin et Paul le Cannu : Droit commercial, instrument de paiment et de credit, Entreprise en difficulté. 5ème édition Dalloz.
- George Ripert et Rénet Roblot : Traité de droit commercial, Tome 2, 13ème édition, L.G.D.J.
- Yves Chaput : Droit du redressement et de la liquidation judiciaire des entreprises,PUF. Droit fondemental 2ème édition.
-
F. Zenati M Le produit de l’action en comblement de passif et la masse de créanciers, Recueil Dalloz- Sirey, 1983 – Chronique 213.
ثالثا – المجلات
- سلسلة الدراسات القانونية – الطبعة الأولى فبراير 2000- المغرب
- المجلة المغربية لقانون الإعمال والمقاولات- العدد 1 دجمبر 2000
- مجلة القانون والاقتصاد، مطبعة جامعة القاهرة، 1986، العدد 54 سنة 1984
- مجلة المحاكم المغربية، العدد 89
-
مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية –المجلد 27- العدد الأول 2011 .
رابعاــ البحوث غير المنشورة، وبعض الأحكام القضائية الموريتانية
- إنقاذ المؤسسات بين التسوية الرضائية والتسوية القضائية، ورقة قدمها وأعدها رؤوف ملكي قاضي المؤسسة بالمحكمة الابتدائية ببن عروس في دورة دراسية، نظمها المعهد الأعلى للقضاء بمقره بتونس 22 جانفي 2004.
- القاضي محمد سالم ولد اماه، مسؤولية مسيري المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية من خلال القانون الموريتاني، المدرسة الوطنية للإدارة والقضاء والصحافة، نواكشوط موريتانيا،2004.
- الحكم رقم 01/2008، عن المحكمة التجارية بنواكشوط بتاريخ 17/01/2008، منشور في الجريدة الرسمية، عدد 1224 بتاريخ 30سبتمبر2010.
- الحكم رقم 83/2011 ، المحكمة التجارية بولاية نواكشوط بتاريخ 16/05/2012.
-
الحكم رقم 25/2012 ، عن المحكمة التجارية بنواكشوط بتاريخ 08/03/2012
الحكم رقم 26/2012، المحكمة التجارية بنواكشوط بتاريخ 08/03/2012، الجريدة الرسمية 1284 بتاريخ 30 مارس 2013