في الواجهةمقالات قانونية

تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الصادر بتاريخ (31-08-2021 عدد 831-1101-2021) القاضي بضرورة حصول وكيل الاتحاد على إذن من الجمع العام قصد سلوك مسطرة إفراغ سكن البواب

من اعداد

أناس محفوظ : محام متمرن بهيئة القنيطرة

تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة الصادر بتاريخ (31-08-2021 عدد 831-1101-2021) القاضي بضرورة حصول وكيل الاتحاد على إذن من الجمع العام قصد سلوك مسطرة إفراغ سكن البواب

لقد فرض التطور الاقتصادي والمالي والتجاري والاجتماعي، تدخل القضاء المستعجل في عدة فروع قانونية، إذ لم يعد مقتصرا على فروع قانونية بذاتها، بل تعدى ذلك وأصبح له موطئ قدم حتى في المادة الاجتماعية.

وتدخل قاضي الاستعجال في المادة الاجتماعية له ما يسوغه، لا سيما إذا ما استحضرنا خصوصية النزاع الشغلي، والحاجة الملحة لتسويته في زمن قصير، حفاظا على المراكز القانونية للمشغلين والأجراء على حد سواء.

إن القول بتدخل قاضي المستعجلات في المادة الاجتماعية، لا يعني أبدا تخويله الصلاحية في فض الخصومات الشغلية في شموليتها، بل إن مجال تدخله يكون في حدود ضيقة، وعند توفر الشروط اللازمة لذلك، من عنصر الاستعجال، وعدم المساس بالجوهر.

هذا، وقد أفرز الواقع العملي زمرة من المساطر الاستعجالية ذات الارتباط الوثيق بالمادة الشغلية، ولعل من بينها إن لم نقل من أهمها، دعوى إفراغ السكن الممنوح للأجير بمناسبة شغله.

إن هذه الدعوى تعرف خصوصيات عدة، وهو ما سنحاول إبرازه من خلال التعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن رئيس ابتدائية القنيطرة، والذي تتلخص وقائعه في أن المدعي (المشغل) رفع دعوى استعجالية أمام المحكمة الابتدائية بالقنيطرة ملتمسا فيها الأمر بإفراغ المدعى عليه (الأجير) من السكن المخصص لحراسة الإقامة التي يشتغل بها الأجير، مرفقا طلبه بصورة من مقال رام إلى التعويض في إطار نزاعات الشغل، ومحضر للجمع العام مؤرخ في 14-10-2020. فأجاب المدعى عليه بعدم اختصاص محكمة الرئيس للمساس بالموضوع، وعدم توفر عنصر الاستعجال، بالإضافة إلى عدم توفر وكيل الاتحاد على تفويض من الجمع العام لسلوك مسطرة الإفراغ للاحتلال في مواجهة المدعى عليه.

فأصدر رئيس المحكمة أمره القاضي بعدم قبول الدعوى، معللا ذلك بعدم إدلاء المدعي بالإذن من الجمع العام لمباشرة دعوى الإفراغ في مواجهة المدعى عليه، كون أن جميع الدعاوى التي يباشرها وكيل الاتحاد باسم اتحاد الملاك توجب حصوله على إذن بذلك من الجمع العام للاتحاد.

يبدو مما تقدم أن المشكل القانوني الذي يثيره الأمر موضوع التعليق، يتعلق بالجواب عن السؤال التالي:

هل تتطلب إقامة دعوى إفراغ الأجير من السكن ضرورة حصول وكيل الاتحاد على إذن بالتقاضي من الجمع العام للاتحاد قصد مباشرتها؟.

لاشك أن مناقشة هذا الإشكال والتعليق بالتالي على أمر رئيس ابتدائية القنيطرة يوجب علينا أن نتعرف في محور أول على المستلزمات المسطرية لسلوك وكيل الاتحاد دعوى الإفراغ في مواجهة الأجير، وأن نناقش في محور ثان ما إذا كان أمر رئيس المحكمة الابتدائية بالقنيطرة في هذه النازلة مطابقا لما قرره المشرع المغربي بصدد هذا الموضوع.

وعليه نقترح أن يكون تصميمنا لهذا التعليق على المنوال الآتي :

المحور الاول: المستلزمات المسطرية لسلوك وكيل الإتحاد دعوى إفراغ الأخير.

    المحور الثاني: مدى موافقة ما قضى به رئيس المحكمة لما قرره المشرع بخصوص سلوك وكيل الإتحاد دعوى إفراغ الأخير.

 

 

 

 

المحور الاول: المستلزمات المسطرية لسلوك وكيل الاتحاد دعوى إفراغ الأجير

عالج المشرع المغربي دعوى إفراغ سكن الأجير في عدة نصوص قانونية، والمتجسدة أساسا في المادة 77 من مدونة الشغل، والمادة 15 من الظهير الشريف المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكن للبوابين في البنايات المعدة للسكن، بالإضافة إلى المادتين 18  و 20 من القانون رقم 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية.

إن إنهاء العلاقة الشغلية بحلول الأجل المحدد للعقد، أو بانتهاء الشغل الذي كان محلا له، يفرض على الأجير كطرف في عقد الشغل، إفراغ السكن الشغلي الذي يشغله، وفي حالة امتناعه عن ذلك، فإن المشرع أعطى للمشغل آلية إقامة دعوى الإفراغ في مواجهة الأجير .

غير أن مباشرة هذه الدعوى يتوقف على استجماع شروط محددة، عند توفرها يقضى وفق الطلب، وفي حالة تخلفها فإن مصير الخصومة يكون هو عدم القبول، وهو جزاء مسطري لا يخدم مصالح المشغل زمنيا، لاسيما إذا كان في حاجة ملحة لسكنه المحتل من طرف الأجير المطرود، أو المنتهي عقده .

وهكذا فإن رئيس المحكمة عند بته في موضوع الدعوى الاستعجالية الرامية إلى إفراغ الأجير من السكن، لابد من تأكده من توافر شروط محددة ، باعتبارها المحدد الأساس في نظامية الطلب من عدمه.

وتتمظهر هذه الشروط فيما يلي :

  • تخصيص الأجير بسكن

عند تفحص رئيس المحكمة لظاهر المستندات والوثائق، وجب عليه التأكد من تخصيص سكن للأجير، حيث يجب والحالة هذه أن يكون طلب المشغل معززا بما يفيد تخصيص سكن لأجيره، وعند تخلف ذلك فإن النتيجة الحتمية للطلب هي عدم قبوله.

  • ضرورة إثبات المشغل تواجد الأجير بسكن يعود إليه

من أهم الوثائق التي يتعين على المشغل أن يدلي بها لرئيس المحكمة لتعزيز طلبه في إطار مسطرة إفراغ الأجير من السكن المخصص له عند انتهاء العلاقة الشغلية، وجوب الإدلاء بما يثبت تواجد الأجير بالسكن المخصص له من طرف مشغله .

ويمكن إثبات ذلك بواسطة محضر معاينة منجز من أحد المفوضين القضائيين، بناء على طلب من المشغل المدعي.

غير أن السؤال الذي يطرح في هذا المضمار يتعلق أساسا بالحالة التي لا يستطيع من خلالها المشغل إثبات تواجد الأجير في السكن المخصص له، فما هو الجزاء المترتب عن ذلك؟

إن الجزاء الذي يترتب عن عدم إثبات واقعة تواجد الأجير المدعى عليه بالسكن المدعى فيه، يتجسد في عدم قبول سماع طلب المدعي المشغل، وهو ما ذهب إليه الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش .والذي جاء فيه: وحيث إنه بالرجوع إلى ظاهر الوثائق، وخاصة محضر المعاينة المدلى به يتبين أنه خال مما يفيد أن المدعى عليه يتواجد بالمدعى فيه مما تكون معه واقعة احتلال العقار المدعى فيه غير قائمة في الملف، الأمر الذي يبرر التصريح بعدم قبول الطلب[1] .

  • مرور ثلاثه أشهر على إنهاء عقد الشغل

جاء في المادة 77 من مدونة الشغل أن إنهاء عقد الشغل يفرض على الأجير إرجاع السكن للمشغل في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ إنهاء العقد، أيا كان السبب المعتمد في إنهاء العقد.

والسؤال الذي يثور في هذا المقام يدور حول الجزاء المترتب عند رفع الطلب إلى المحكمة رغم عدم مرور المدة المومأ إليها؟ .

يترتب على عدم احترام مدة ثلاثة أشهر من طرف المشغل، عدم قبول طلبه الرامي إلى الإفراغ من قبل رئيس المحكمة، كون أن المدة المذكورة هي من صميم النظام العام، وقاعدة آمرة لا تجوز مخالفتها بأي حال من الأحوال. وهو مقتضى يحمل في طياته حماية للأجير كطرف ضعيف في العلاقة الشغلية، ومن النقط المضيئة في مدونة الشغل.

وفي نفس الإطار صدر أمر عن رئيس ابتدائية القنيطرة بتاريخ 25 غشت 2020، اعتبر عدم احترام المشغل لمرور أجل ثلاثة أشهر على إنهاء عقد الشغل، يترتب عنه عدم قبول الطلب الرامي إلى إفراغ الأجير من السكن المخصص له.

إذا كان ما مررنا عليه يتعلق بالشروط المسطرية واجبة الاتباع من طرف المشغل قصد إفراغ الأجير من السكن المرتبط بالشغل، فهل يبقى الأمر كما هو عليه عندما يتعلق الأمر ببواب للبنايات المعدة للسكنى أم أن هناك خصوصية مسطرية؟

إن الإجابة عن هذا الإشكال تقتضي من الدارس استحضار مجموعة من النصوص القانونية المتفرقة، بغية الوصول إلى نتيجة  محددة ومضبوطة.

وفي هذا السياق فإن أول نص يتعين مناقشته، هو الفصل 15 من الظهير المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكن للبوابين في البنايات المعدة للسكنى، والذي جاء فيه: إن البواب الذي يفصله المشغل عن عمله لا يمكن إجباره على مغادرة مسكنه قبل أجل ثلاثة أشهر أو دون أداء تعويض يعادل مبلغ الكراء عن ثلاثة أشهر لمسكن يماثل المسكن الذي يشغله.

إن مقارنة هذا الفصل بالمادة 77 من مدونة الشغل، يوصلنا إلى النتائج التالية:

* إن الفصل 15 من الظهير أعطى للمشغل خيارين قصد المطالبة بإفراغ الأجير، إما انتظار مرور أجل ثلاثة أشهر من إنهاء عقد الشغل، أو أدائه للبواب تعويضا يعادل مبلغ الكراء لثلاثة أشهر لمسكن يماثل نفس السكن الذي كان يسكنه.

* إن المادة 77 من مدونة الشغل لم تحمل في طياتها هذا الخيار، وإنما ألزمت المشغل بانتظار المدة المذكورة حتى يتسنى له مباشرة مسطرة الإفراغ في مواجهة الأجير.

* إن مكنة الخيار التي أعطاها المشرع للمشغل في الفصل 15 من الظهير أكثر مرونة، من الحل الوحيد واليتيم الوارد في المادة 77 من مدونة الشغل، وهو انتظار مرور أجل ثلاثة أشهر على إنهاء العلاقة الشغلية.

* إن الفصل 15 من الظهير مقارنة بالمادة 77 من مدونة الشغل فيه ضمانة أكبر لحقوق المشغل في حماية مكان الشغل، من بعض التصرفات التي قد تصدر من طرف الأجير (البواب) انتقاما من مشغله بسبب إنهاء عقد شغله.

وفي نفس الإطار وتكملة للجواب على السؤال المطروح آنفا، يقتضي الأمر منا مناقشة مقتضيات المادتين 18 و 20 من قانون نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، حيث تشترط المادة الأولى انعقاد الجمع العام قصد اتخاذ القرارات والتدابير المتعلقة بتسيير العقار المشتركة ملكيته بالإجماع أو بأغلبية أصوات الملاك المشتركين الحاضرين أو الممثلين. في حين تنص المادة 20 من نفس القانون على ضرورة اتخاذ قرار عزل البواب وكذا توفير محل لإقامته، بالأغلبية النسبية لأصوات الملاك  المشتركين الحاضرين أو ممثليهم.

وهكذا يتبدى أن مقتضيات المادتين المذكورتين تشترطان على المؤجر عند سلوكه مسطرة إفراغ البواب من السكن الذي يشغله، ضرورة إدلائه بما يفيد إذنا من الجمع العام يخول له مباشرة دعوى الإفراغ، وفي حالة عدم توفره على هذا الإذن فإن مصير طلبه يكون عدم القبول، وهو ما ذهب إليه الأمر محل تعلقينا.

وبناء عليه فإن المؤجر كي يتمكن من مباشرة دعوى إفراغ الأجير (البواب) يتعين عليه وجوبا مراعاة كافة الشروط المتحدث عنها، زيادة على تلك المتعلقة بالأجير العادي والمشار إليها في المادة 77 من مدونة الشغل، والتي سبق الوقوف عندها فيما تقدم من هذا التعليق.

المحور الثاني: مدى موافقة ما قضى به رئيس المحكمة لما قرره المشرع بخصوص سلوك وكيل الاتحاد دعوى إفراغ سكن الأجير

برجوعنا إلى وقائع النازلة يتبين أن الأجير المدعى عليه كان يشتغل لدى المشغل المدعي بوابا للعمارة. ومر أجل ثلاثة أشهر على إنهاء عقد الشغل، وإدلاء المدعي لمحضر الجمع العام المنعقد بتاريخ 14-10-2020. غير أن هذا الجمع لم يخول لوكيل الاتحاد تطبيقا لمقتضيات المادة 20 من قانون نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية الحق في مباشرة دعوى إفراغ البواب من السكن الذي يشغله، علما أن هذا المقتضى هو نص آمر، ولا تجوز مخالفته. لأن الإذن لوكيل الاتحاد والحالة هذه مسألة ضرورية قصد سلوك مسطرة إفراغ البواب من السكن المخصص له، وأن يكون هذا الإذن بأغلبية أصوات الملاك المشتركين الحاضرين أو الممثلين، كما تنص على ذلك مقتضيات المادتين 18 و 20 من القانون السالف ذكره.

وعليه فإن وكيل الاتحاد عندما باشر الدعوى دون الحصول على إذن من الجمع العام، فإنه يكون قد خرق شرطا مسطريا ذا أهمية، الأمر الذي جعل طلبه غير مقبول شكلا.

وإن رئيس ابتدائية القنيطرة في أمره محل تعليقنا لما أصدر أمره بعدم قبول الدعوى، معتبرا أن جميع الدعاوى التي يباشرها وكيل الاتحاد[2] باسم اتحاد الملاك المشتركين توجب

على هذا الوكيل حصوله على إذن بذلك من الجمع العام للاتحاد، وأنه لا يوجد بملف النازلة

ما يفيد توفره على هذا الإذن، يكون قد طبق النص القانوني تطبيقا سليما، وعلى الوجه الموافق لما شرع له.

على سبيل الختم، إن الأمر محل تعلينا وإن كان قد طبق النصوص القانونية ذات الصلة بالنزاع تطبيقا موفقا وسليما، فإنه ومع ذلك لا يرقى إلى مصاف الاجتهادات القضائية المبدئية والمكرسة للمبادئ القانونية، فظل بذلك أمرا قضائيا عاديا تفنى قيمته بفناء النزاع.

[1]  أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش بتاريخ 25/03/2020 في الملف رقم 353/1101/2020 ، أورده رشيد فاقو، القضاء الاستعجالي في المادة الاجتماعية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 177 ماي و يونيو، 2020، ص 30.

 

[2]  باستثناء دعاوى أداء واجبات المساهمة في تكاليف الاتحاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى