في الواجهةمقالات قانونية

تفعيل بدائل الدعوى العمومية وأزمة السياسة العقابية “مكامن الخلل والقصور” – ياسين شرف

تفعيل بدائل الدعوى العمومية وأزمة السياسة العقابية “مكامن الخلل والقصور”

ياسين شرف

باحث بسلك الماستر تخصص العدالة الجنائية والعلوم الجنائية بفاس

 

 

المقدمة:

 

لقد أخدت الدولة على عاتقها ومنذ نشأتها مهمة الفصل بين جميع الأشخاص من مواطنين وأجانب ومقيمين، وذلك عن طريق الأجهزة القضائية التي أنيطت بها مهمة الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأطراف دون تمييز، على اعتبار أن السلطة القضائية هي التي تسهر على ضمان ممارسة الحقوق والحريات المكفولة بنص القانون وحمايها من أي أعداء يطالها[1].

غير أن ذلك لا يعني أن تقوم الدولة باعتبارها صاحبة الولاية العامة بالسماح للأفراد وبعض الهيئات بالقيام بمهام الصلح بين الأفراد خارج ردهات المحاكم، وبالرجوع إلى النصوص الشرعية يتضح جليا أن فقهاء الشريعة أجازوا الصلح في قضايا الجنايات عموما، باستثناء الحدود وبالتالي فالصلح والتحكيم يلتقيان من النطاق الموضوعي، فحيثما جاز الصلح جاز التحكيم، فهاذين النظامين كان يعمل بهما لحل النزاعات والخلافات الجنائية بين العشائر والقبائل[2].

غير ان المؤسسة السجنية كانت، فيما مضى مكان لضبط الجسد الإنساني ومراقبته، فإدا سلمنا بالقول أن السجن لم يكن مصدره القانون بل، هذا الأخير جاء فيما بعد لينظم حياة السجن[3]، وإذا كان دور السجن يتجلى في الضبط  وتحقيق الردع  بنوعيه العام والخاص والتحكم، فإننا اليوم نتحدث عن إصلاح الجاني وتقويمه وإعادة إدماجه من جديد داخل كنف المجتمع. لنتساءل هل فعلا تم تحقيق هذا المراد؟. أم أن الأمر يقتضي اعتماد بدائل عن العقوبات السالبة للحرية؟،خصوصا وأن واقع السجن يشهد اكتظاظ  ينعكس سلبا على منظومة العدالة بصفة عامة.

فالمؤسسة السجنية لم يعدو دورها في عقاب المذنب فقط بل، أصبح دور المؤسسة العقابية ينصب على تأهيل المحكوم عليه وذلك عن بالمرور بمجموعة من العمليات أو الأساليب التي يقصد بها تقديم وإعادة توجيه الأشخاص المنحرفين أو المجرمين نحو الحياة السوية، وذلك بإثارة الحوافز الإيجابية عند الشخص فيؤمن بالقيم النبيلة التي يراد غرسها فيه، فيصير يحترم القوانين ويعود لكنف المجتمع من جديد.

ويمكن القول ان الشريعة الإسلامية تعتبر نقطة تحول بارزة في نظرة المجتمعات الى الجريمة و المجرم. ان الشريعة الإسلامية و ضعت كافة المبادئ التي قامت عليها فيما بعد قوانين العقوبات كمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات، و مبدأ شخصية العقوبة و
مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية، كما حددت موانع المسؤولية؛ و هي صغر السن و فرضت العقوبات التي توقع في كل حالة، كما أخذت بنظام الظروف المخففة، و قررت مبدأ العفو ومبدأ الثوبة الذي يعود بمقتضاه الجاني إلى حظيرة المجتمع، ولا تميز الشريعة في العقوبة بين الأفراد، فالكل سواء امام القانون، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، إلى غير ذلك من نظم و قواعد أسست لها الشريعة و الفقه الاسلامي، وأدت بشكل حاسم إلى تغيير النظرة إلى المجرم و الجريمة[4].

كما يمكن تعريف الوسائل البديلة لتسوية المنازعات بصفة عامة بأنها مختلف الآليات أو الوسائل التي تلجأ إليها الأطراف المتنازعة من أجل التوصل إلى حل لخلافاتهم دون المرور عبر الوسيلة الأصلية وهي الدعوى القضائية[5]

في ضل هذا الطوفان الفكري تعاقبت المدارس العلمية تعاقبا زمنيا على الساحة الفكرية، فسادت كل مدرسة فترة زمنية معينة فأثرت حينها على تشريعات بعض الدول، وكانت كل مدرسة تتأثر بالمدرسة التي سبقتها، وتكون هي تمهيدا لما يتلوها من مدارس حتى ان العقوبة بمفهومها الحديث تعد نتاجا مشتركا ساهمت في بنائه كل هذه المدارس العقابية. كذلك نجد أن الأساليب الحديثة في المعاملة العقابية ليست ثمرة مدرسة واحدة، بل انها خلاصة الجمع و التنسيق بين ما أقرته الاتجاهات الفكرية المختلفة من آراء و نظريات.

حيث كان كل نظام قانوني يحدد للعقوبات التي يقبلها اهدافا تسعى لتحقيقها، وعلى ضوئها تتحدد اساليب التنفيذ العقابي، وقد تطورت هذه الاغراض من خلال المدارس المختلفة عبر العصور

فتطور الحياة البشرية رافقه بكل تأكيد تطور الجريمة سواء من حيث الكم أو من حيث النوع، الشيء الدي أدى إلى اهتمام أكثر من الجانب الدولي عن البحث  عن بدائل للدعوى العمومية: أي إعطاء دور أكبر لأطراف الدعوى العمومية من مدعي ( الضحية ) والمدعى عليه ( المتهم ) والنيابة العامة في إنهاء الخصومة الجنائية.

فلا شك أن الطرق البديلة لفض النزاعات، مبدأ متجدر في الثقافة المغربية والأعراف السائدة، إضافة تأكيد التشريع الإسلامي لإعمال العرف مالم يخالف المسائل القطعية[6].

وللموضوع أهمية بالغة تتجلى في أن بدائل الدعوى العمومية تتميز بالطابع الرضائي والبساطة دون تعقيد، وتوفر الوقت والجهد والمال، و تعمل على سيادة أواصر الأخوة والإحساس بالذنب من طرف الفاعل.

فالتنزيل المحكم لبدائل الدعوى العمومية، يعفينا من البحث عن بدائل العقوبات السالبة للحرية، وحيث أن العقوبة السالبة للحرية خصوصا القصيرة المدة تطغى بشكل جلي، يجعل لموضوع بدائل العقوبات السالبة للحرية أهميتها في التقليل من الاكتظاظ المهول الحاصل على مستوى السجون، وما ينتج عن ذلك من مطبات ومشاكل تضرب في صميم التأهيل وإعادة الإدماج، بغض النظر عن الكلفة الاقتصادية التي تتطلبها الحياة داخل السجن.

ولتحليل هذا الموضوع، كان لزام توظيف المنهج التحليلي وذلك  بتحليل النصوص القانونية المنظمة لبدائل الدعوى الجنائية بالنسبة للتشريع المغربي و التشريع المقارن، وحيث أن الموضوع يرتكز بشكل أساسي على التشريعات المقارنة الأوروبية والعربية، كان لزاما اعتماد المنهج المقارن من أجل الوقوف على جوانب الاختلاف بين مختلف الأنظمة، ومواطن القوة و النقص والقصور  في علاقة بالتشريع المغربي. بالإضافة إلى اعتماد المنهج التاريخي في محاولة تأصيل العقوبة وفق المدارس الفكرية القديمة منها والحديثة، وكيف تغيرت العقوبة على يد المفكرين رواد هذه المدارس.

ولأجل معالجة وتحليل هذا الموضوع، يقتضي الأمر منا الإجابة على إشكالية محورية نبسطها على الشكل التالي:

هل استطاعت بدائل الدعوى العمومية و بدائل العقوبات السالبة للحرية الحد من أزمة السياسة العقابية  ؟

 

وللإجابة عن هذه الإشكالية، تقتضي طبيعة الموضوع وضعه ضمن التصميم التالي:

 

المبحث الأول: الحاجة إلى تفعيل الصلح الجنائي واعتماد الوساطة الجنائية كبديل للدعوى العمومية

المبحث الثاني: بدائل العقوبات السالبة للحرية ورهان الإصلاح

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول: الحاجة إلى تفعيل الصلح الجنائي واعتماد الوساطة الجنائية كبدائل عن الدعوى العمومية

لا يخفى على أحد الأهمية القصوى للصلح  خصوصا في المجال الجنائي، الذي أصبح يشهد تضخم في القضايا المعروضة على أنظار القضاء سواء المغربي أو المقارن، مما يستوجب التطرق بداية إلى تنظيم الصلح الجنائي في التشريع المغربي والفرنسي ( المطلب الأول )، لننتقل بعد ذلك للحديث الوساطة الجنائية ضمن التشريعات المقارنة ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول: تنظيم الصلح الجنائي في التشريع المغربي والتشريع الفرنسي

قبل الحديث عن المستجدات التشريعية في علاقة بالصلح الجنائي ضمن التشريع المغربي و مقارنتها بالتشريع الفرنسي (الفرع الثاني )، سنتطرق بداية للتعريج على مفهوم الصلح الجنائي  (الفرع الأول) ثم سننتقل بعد ذلك للحديث عن الصلح كما هو منظم في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربية في علاقة بالتشريع الفرنسي ( الفرع الثالث).

الفرع الأول: مفهوم الصلح الجنائي

تجدر الإشارة بداية أن نظام الوسائل البديلة ومنها الصلح، تمثل تراث قديم ومتجدر، يتجلى من خلال قيام رؤساء القبائل وغيرهم من الوجهاء بمهام الصلح فيما ينشأ من نزاعات قبلية حيث يتم التوصل إلى تسوية ودية للنزاع، بعيدا عن السلطات الرسمية المختصة، وهو ما يعرف في القوانين الوضعية بالتحكيم بالصلح[7].

فالله  تبارك وتعالى أمرنا بالصلح في محكم تنزيله، لقوله تعالى ” ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم”[8]

ويقول جل جلاله في آية أخرى ” يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مومنين”[9]

وبذلك يتضح أن الصلح مستحب في الإسلام ومرغوب فيه سواء بين المسلمين وغير المسلمين، فالصلح يغني البشرية شر القتال، ويصلح ذات الخواطر، ويساهم في استقرار العلاقات الإنسانية بين مختلف الشعوب، بغض النظر عن الديانة التي يعتنقونها أو الإيديولوجية السائدة أو الثقافة.[10]

وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد تعريف الصلح ضمن ق.ل.ع.م على أنه عقد، بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا أو حقا.[11]

غير أنه إذا كان الصلح كقاعدة عامة جائز بين أطراف النزاع إلى أن ثمة استثناءات لا يمكن إبرام الصلح بشأنها ونعطي بعض الأمثلة:

  • لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو النظام العام أو بالحقوق الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل باستثناء المنافع المالية التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية أو على المنافع التي تنشأ من الجريمة.
  • لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليه، باستثناء الأموال والأشياء إذا كانت محققة.
  • لا يجوز الصلح على حق النفقة ويجوز تشطيرها لأقساط….إلخ.[12]

ويعتبر مبدأ الصلح من التقاليد المتجذرة في التراث الديني والثقافي المغربي، حيث كان رب القبيلة أو الأسرة يلعب دور  الوسيط في حل جميع النزاعات الناشئة بين أفراد الأسرة أو القبيلة.[13]

وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 41 من ق.م.ج.م نجدها تنص على أنه يمكن للمتضرر أو المشتكى به و قبل إقامة الدعوى العمومية، وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم، أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر[14].

وإذا ما تمعنا هذا المقتضى التشريعي نجده يؤكد أن عملية الصلح يجب اللجوء إليها قبل تحريك الدعوى العمومية، وبمفهوم المخالفة إذا ما تم الصلح بعد تحريك الدعوى العمومية لا يكون للصلح أثر على أثر الدعوى العمومية، ففي قرار صادر عن استئنافية البيضاء بتاريخ 2000 أفاد أن المصالة مع إدارة الجمارك لا تلغي الإدانة التي أصبحت ثابتة بمقتضى حكم جنائي نهائي[15].

ومن الناحية العملية يكتسي الصلح أهمية بالغت تتجلى من خلال ما يلي:

  • تخفيف العابئ على المحاكم وربح الوقت ؛
  • جعل القضاء يركز مجهوده على القضايا الأساسية؛
  • محاربة البطء في البت في القضايا خاصة منها تلك الماسة بحرية الأفراد؛
  • تطويق النزاعات القائمة بخصوص بعض الجرائم المحدودة؛
  • الحد من عملية الإحالة على السجون؛
  • تحقيق نوع من التوازن بين حقوق الإنسان وحقوق المجتمع.[16]

بعد أن عرفنا بالصلح الزجري ضمن القانون المغربي، سننتقل للحديث عن الجرائم المشمولة بالصلح (الفقرة الأولى)، ثم مسطرة الصلح (الفقرة الثانية)، وكذا أهم الآثار القانونية المترتبة عليه ( الفقرة الثالثة)، ثم موقف مسودة ق.م.ج في علاقة بالصلح الجنائي ( الفقرة الرابعة).

الفقرة الأولى: الجرائم المشمولة بالصلح

سبق وأن أشرنا، أن الصلح غير جائز في متعلقات النظام العام، وبما أننا نتحدث عن الصلح الجنائي، فمعلوم أن القانون الجنائي من النظام العام، نظرا للاضطراب الاجتماعي الذي تتسبب فيه الجرائم الماسة بحقوق الأفراد أو الأموال…إلخ، غير أن المشرع المغربي ارتأى السماح لأطراف محددة بإبرام صلح في بعض الجرائم، بالنظر لهيمنة الطابع الاجتماعي والأسري عليها، ولاتسامها بالبساطة وعدم مساسها بالنظام العام، حيث يقتصر ضررها غالبا على أطرافها الذين يعتبر رضاهم ضروريا لتحقيق المصالحة أو في الحالات التي لا يوجد فيها مشتك، وقد حددت المادة 41 من ق.م.ج.م هذه الجرائم في:

  • الجرائم المعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل؛
  • الجرائم المعاقب عليها بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم.[17]

ومن هذه الجرائم نذكر:

  • جريمة إهمال الأسرة (الفصل 481 من ق.ج.م)؛
  • جريمة الخيانة الزوجية ( الفصل 491 من ق.ج.م )؛
  • جريمة السرقة بين الأقارب ( الفصل 535 من ق.ج.م )؛[18]

 

إضافة إلى وجود مجموعة من النصوص القانونية تجيز اللجوء للصلح ونذكر منها كذلك:

-المادة 74 من ظهير 17ــ10ــ1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات ، وهذه المادة تجيز  لإدارة المياه والغابات  اجراء صلح مع المتهم المرتكب للجنح والمخالفات الواقعة على المياه والغابات؛
ــ المادة 89 من ظهير 2ــ11ــ1932 المنظم لاحتكار الدخان بالمغرب ، هذه المادة  تجيز لإدارة شركة التبغ  اجراء  صلح قبل صدور الحكم أو بعده مع مرتكب المخالفات  المتعلقة بالتبغ؛
ــ المادة 273ــ 277 من المدونة الجمركية، هذه المواد تسمح لإدارة الجمارك  بإجراء صلح وفق ما هو منصوص عليه في المادة 276 من هذا القانون.

وتجدر الإشارة أن المادة 461 من قانون المسطرة الجنائية، أجازت للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة من طرف حدث، إدا وافق أطراف الخصومة ( الحدث ووليه القانوني وضحية الفعل الجرمي، تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من ق.م.ج.م.[19]

الفقرة الثانية: مسطرة الصلح

للحديث عن مسطرة الصلح، يجب التمييز بين نقطتين أساسيتين، فهناك ما يسمى بالصلح الاتفاقي و الصلح المقترح.

مسطرة الصلح الاتفاقي

بالرجوع إلى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تنص على أنه في حالة موافقة وكيل الملك وتراضي الطرفين على الصلح، يحرر وكيل الملك محضراً بحضورهما وحضور دفاعهما، ما لم يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن ذلك، ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان: أي أن بعد تراضي الأطراف على إبرام الصلح بينهما بخصوص جريمة من الجرائم المحددة، يتم تقديم طلب لوكيل الملك المختص، قصد موافقة هذا الأخير على تضمين الصلح الحاصل بينهما بمحضر، وما يلاحظ من خلال صياغة النص أن موافقة وكيل الملك ضرورية لإبرام الصلح والعكس يتم تحريك الدعوى العمومية.

وفي حالة موافقة وكيل الملك، يعمل وكيل الملك على تحرير محضر بذلك، بحضور الأطراف ودفاعهما مالم يتنازل أحدهما أو يتنازلا على مؤازرة الدفاع. ويتضمن المحضر ما اتفق عليه الطرفان، وإشعارهما بيوم جلسة غرفة المشورة، ثم تتم إحالة الملف على رئيس المحكمة ليقوم بالتصديق عليه بحضور الأطراف وممثل النيابة العامة والطرفان ودفاعهما، وهنا فرضيتين اثنتين

  • الفرضية الأولى: تصديق رئيس المحكمة على الصلح بأمر قضائي لا يقبل أي طعن، ويتضمن هذا الأخير، ما اتفق عليه الأطراف وعند الاقتضاء ما يلي
  • أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا؛
  • تحديد أجل لتنفيذ الصلح.
  • الفرضية الثانية: عدم موافقة رئيس المحكمة على محضر الصلح، وبالتالي يجد وكيل الملك نفسه مجبر بتحريك الدعوى العمومية[20].

فنجاح الصلح من عدمه ليس بيد الأطراف أو النيابة العامة، بل بيد رئيس المحكمة.

 

الصلح باقتراح من وكيل الملك

في حالة إذا لم يحضر المتضرر أمام وكيل الملك، وتبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عن ضحية الفعل أو في حالت عدم وجود مشتك، فالمقنن أجاز لوكيل الملك في هذه الحالة أن يقترح على مرتكب الفعل الجرمي صلحا يتمثل في أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة وإصلاح الضرر الناتج عن فعله  وذلك عن طريق استدعاء تبلغه النيابة العامة للمشتكى به.

إذا وافق المشتكى به على أداء الغرامة المحددة في النصف يحرر وكيل الملك محضراً يتضمن ما تم الاتفاق عليه وإشعار المعني بالأمر أو دفاعه بتاريخ جلسة غرفة المشورة، ويوقع وكيل الملك والمعني بالأمر على المحضر.

ثم يحيل وكيل الملك المحضر على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور ممثل النيابة العامة والمعني بالأمر أو دفاعه، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن.[21]

الفقرة الثالثة: الآثار المترتبة عن الصلح الجنائي

إن قبول طلب الصلح من طرف النيابة العامة و تراضي الأطراف عليه وتصديق رئيس المحكمة على المحضر، يترتب عليه منع قضاة النيابة العامة من متابعته عن تلك الأفعال المصالح بشأنها.

وهكذا فلا يمكن للنيابة العامة قانونيا أن تتابع المتهم إلا في حالة ما إذا رفض رئيس المحكمة التصديق على محضر الصلح، أو امتنع وماطل المتهم في تنفيذ شروط الصلح.

أما إذا نفذ المتهم ما التزم به، فإن الدعوى العمومية تسقط طبقا لمقتضيات المادة 4 من ق.م.ج.م[22]

مما يعني أن مسطرة الصلح لها أثر موقف لسير الدعوى، وليس مسقط، إلا إذا تم تنفيد الصلح، أنداك تسقط بقوة القانون.

الفقرة الرابعة: موقف مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية أية إضافة؟

إن مسألة إعادة النظر في الصلح الجنائي، كبديل عن الدعوى العمومية أصبح يطرح نفسه وبحدة كبيرة، خصوصا إذا ما علمنا أن توزيع نسبة المعتقلين الاحتياطيين لسنة 2018 تقارب نصف الساكنة السجنية بنسبة 39.08%  حيث يرتكز العدد الأكبر للمعتقلين الاحتياطيين على مستوى محاكم الاستئناف بنسبة %78.64،[23] الشيء الذي يجعلنا نتحدث عن أزمة حقيقية للسياسة الجنائية خصوصا في الشق العقابي.

مما حدى بالمشرع  في إطار ضمان نجاعة آليات العدالة الجنائية وتحديثها، إلى إدخال تغييرات مهمة ووضع مقاربة جديدة للصلح كآلية بديلة للدعوى العمومية لإضفاء نوع من المرونة على مستوى الإجراءات وتجاوز الصعوبات التي كشفها الواقع العملي وتتجلى أهم المستجدات فيما يلي:

  • توسيع وعاء الجرائم القابلة للصلح، برفع سقف الغرامة المالية للجنح الضبطية التي يجوز الصلح بشأنها إلى 100000 ألف درهم؛
  • تخويل الأطراف حق اللجوء إلى الصلح في بعض الجنح التأديبية التي أبانت الممارسة عن محدودية خطورتها وإلى ارتباطها بحقوق الضحايا وهي الجنح المنصوص عليها في الفصول ( 401 و 1/405 و 425 و 426 و 445 و 505 و 517 و 524 و 525 و 526 و 538 و 540 و 542 و 547 و 549 الفقرتين الأخيرتين، 571 من ق.ج؛
  • المادة 316 من مدونة التجارة، أو إذا نص القانون صراحة على ذلك بالنسبة لجرائم أخرى 41-1 من ق.م.ج؛
  • منح الأطراف حق التراضي على الصلح دون اشتراط موافقة النيابة العامة؛
  • إقرار إمكانية الصلح أمام قاضي التحقيق وفق المادة 1-215؛
  • إمكانية عرض الصلح من طرف وكيل الملك على الخصوم، وهو ما يعطي للنيابة العامة حق اتخاد المبادرة للتصالح أو لدعوة الأطراف إليه إذا تبين لها جدواه؛
  • تكليف محامي الأطراف أو وسيط أو أكثر للقيام بالصلح، ويكون الوسيط إما من اقتراح الأطراف أو يختاره وكيل الملك ( مادة 41)؛
  • الاستغناء على مصادقة القاضي على الصلح، وهو إجراء لم تثبت نجاعته بالإضافة إلى افتقاده لكل جدوى بالنسبة للأطراف.[24]

أما بالرجوع إلى التشريع الفرنسي لم يعطي تعريف محدد للصلح الجنائي، وإنما اكتفى بتنظيمه ضمن قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ضمن المادة 1-41 والتي لحقتها مجموعة من التعديلات أكثر من مرة، وذلك بمقتضى القانون رقم 99-515 الصادر في 23 يونيو 1999، والقانون رقم 204-2004 الصادر في 9 مارس 2004. إضافة إلى العديد من التعديلات الأخرى كان آخرها القانون رقم 769-2010 الصادر في 9 يوليوز 2010.

حيث أصبح نص المادة 1-41 كالتالي:

يستطيع المدعي العام، مباشرة أو عن طريق مأمور الضبط القضائي أو مفوض أو وسيط، وقبل اتخاذ قراره في الدعوى الجنائية، إذا تبين أن مثل هذه الإجراء يمكن أن يضمن تعويض الضرر الذي أصاب الجني عليه، وينهي الاضطراب الناتج عن الجريمة، ويساهم في تأهيل مرتكب الجريمة[25]

من خلال هذا المقتضى يمكن إبداء ملاحظة أساسية  في أن، المشرع الفرنسي في تبنيه لتقنية بدائل المتابعة لا يعتمد نفس مقاربة المشرع المغربي.

وقد كان المشرع الفرنسي قد ذكر الجرائم الجائز فيها اقتراح التسوية على سبيل الحصر لكنه
بصدور قانون مواءمة العدالة لمواجهة تطورات الظاهرة الاجرامية رقم: 204/ 2004المؤرخ في: 09 مارس
2004 قد عدل عن ذلك ووضع قاعدة عامة في تحديد الجرائم الجائز فيها التسوية، وذلك بأن أجاز التسوية
في كافة المخالفات وفي الجنح المعاقب عليها بالغرامة أو الحبس الذي لا يزيد على خمس 5 سنوات
كعقوبة أساسية أو أي من المخالفات المرتبطة بها[26].

مسطرة الصلح الجنائي الفرنسي

تقوم النيابة العامة الفرنسية، على المشتكى به أداء غرامة لا تتعدى 3750 أورو أو أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها قانونا داخل أجل أقصاه سنة، مع إعلامه من طرف وكيل الجمهورية بحقه في مؤازرة محامي، وبموافقة المشتكى به يحال الملف على رئيس المحكمة، ليصادق هذا الأخير على محضر الصلح بأمر قضائي لا يقبل أي طعن.

ويتضمن الصلح مجموعة من التدابير كالتالي:

  • مصادرة كل ما استخدمه المشتكى به وكل ما كان معد لارتكاب الجريمة أو ناتج عنها؛
  • إيداع رخصة السياقة بكتابة الضبط، لفترة لا تتجاوز 6 أشهر؛
  • إنجاز عمل غير مأجور لمدة 60 ساعة داخل أجل 6 أشهر؛
  • متابعة تكوين أو تدريب لفترة لا تتعدى 3 أشهر داخل أجل 18 شهرا.

أما إذا لم يوافق المشتكى به على مقترحات وكيل الجمهورية، أو عدم مصادقة رئيس المحكمة على محضر الصلح، يبقى في هذه الحالة لوكيل الجمهورية تحديد مآل المسطرة ( المتابعة أو الحفظ ).

مع العلم أن مسطرة الصلح لها آثار موقف لسير الدعوى العمومية، إلى حين انتهاء أجل تنفيذ الصلح الجنائي، حيث تنقضي الدعوى إذا ما تم تنفيذ الصلح.

يتم تسجيل المصالحة في البطاقة رقم 1 من السجل العدلي، غير أن تنفيذ الصلح لا يحول دون تمكين الطرف المدني من متابعة دعواه المدنية أمام المحكمة الجنحية.[27]

 

المطلب الثاني: الحاجة إلى اعتماد الوساطة الجنائية كبديل للدعوى العمومية

 

بما أن المشرع المغربي لم ينظم الوساطة الجنائية، بل اقتصر على تنظيم الصلح الجنائي، فإن تشريعات عديدة أهتمت بمسألة الوساطة الجنائية كبديل عن الدعوى العمومية. ولأجل التعرف على الموضوع أكثر سنقف عند تنظيم التشريع الفرنسي للوساطة الجنائية (المطلب الأول)، ثم ننتقل بعد ذلك على العربي والوقوف على تنظيم المشرع التونسي للوساطة الجنائية (المطلب الثاني).

الفرع الأول: الوساطة الجنائية في التشريع الفرنسي

قبل أن نعرج على أهم الشروط  التي تقوم عليها الوساطة الجنائية في التشريع الفرنسي والإجراءات  التي تمر منها، على اعتبار أن التجربة الفرنسية رائدة في هذا المجال (الفقرة الثالثة)، يقتضي الأمر التطرق بداية لمفهوم الوساطة الجنائية (الفقرة الأولى)، ثم الآثار المترتبة عنها (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: مفهوم الوساطة الجنائية

إن تحديد مفهوم الوساطة الجنائية يقتضي تعريفه (أولا)، والبحث في نشأته وتطوره (ثانيا).

أولا: تعريف مصطلح الوساطة الجنائية

الوساطة في اللغة: اسم للفعل وسط؛ ووسط الشيء: صار في وسطه فهو وسط. ووسط القوم، وفيهم وساطة؛ توسط بينهم بالحق والعدل. وتوسط بينهم؛ وسط فيهم بالحق العدل. والوساطة؛ التوسط بين أمرين أو شخصين لفض النزاع القائم بينهما بالتفاوض والوسيط هو المتوسط بين المتخاصمين.

أما التعريف الاصطلاحي للوساطة الجنائية  فقد عرفها القانون البلجيكي في أنها : إجراء يتمكن به أطراف الخصومة رضائياً من إنهاء النزاع الجنائي الذي وقع بينهما بسبب خرق أحد أحكام وقواعد القانون الجنائي عن طريق وسيط ثالث يسهل الاتصال والتفاهم بينهما تحت إشراف القضاء.[28]

أما الفقه فيعطي تعريف للوساطة على أنها : ” أسلوب من أساليب الحلول البديلة لفض النزاعات تقوم على توفير ملتقى للأطراف المتنازعة للاجتماع والحوار وتقريب وجهات النظر، بمساعدة شخص محايد، وذلل لمحاولة التوسط لحل النزاع”.

وبالتالي يمكن أن نعرف الوساطة الجنائية على أنها” آلية تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين بحيث يعمل على تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتسهيل التواصل بينهما، وبالتالي مساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لحكم النزاع”[29]

فمن خلال هذه التعاريف يتضح أن أطراف الوساطة الجنائية هم ( الوسيط، المتهم، المجني عليه ).

ثانيا: نشأة وتطور الوساطة الجنائية

 

لقد كان للشريعة الإسلامية فضل السبق في تبني فكرة الوساطة الجنائية حيث جاء في قول الله عز وجل “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.وهو ما أكدت السيرة النبوية حيث روِي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرّم حلالاً، أو أحلّ حراما”.

لكن التطبيق القانوني لنظام الوساطة الجنائية ظهر في الأنظمة الأنجلوسكسونية في السبعينيات من هذا القرن في كندا ثم في أمريكا حيث كانت إجراءات الوساطة تطبق بداية بشكل منفصل بين الطرفين، ثم أخدت فيما بعد مجرى المواجهة بين أطراف النزاع ، و تطورت البرامج المتعلقة بالوساطة الجنائية و انتشرت في أمريكا و إنجلترا ووصلت برامج الوساطة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما يزيد عن 294 برنامج في عام 1994 . ثم امتد هذا النظام في معظم دول أوروبا، حيث بدأت السياسة الجنائية في معظم دول العالم تأخذ  به، وهو ما نادا به المجتمع الدولي كذلك المؤتمرات الدولية والتوصيات الصادرة في علاقة بأهمية الوساطة الجنائية، ونذكر منها مؤتمر فيينا لسنة 2000.[30]

الفقرة الثانية: شروط وإجراءات الوساطة الجنائية في التشريع الفرنسي

أولا: شروط الوساطة

في فرنسا، تخصص الوساطة الجنائية للبالغين وخصوصا الأحداث كبديل للمتابعة القضائية، ويلاحظ أن شروط تنفيذ هذه التدابير قريبة جداً من الأهداف الرئيسية للعدالة التصالحية: إعادة تأهيل الجاني، وتعويض الضرر ووقف الاضطراب الذي أحدثته الجريمة[31]، مما يقتضي منا التطرق لكل شرط على حدة.

 

الشرط الأول: إصلاح الضرر الذي أصاب المجني عليه

يشترط لتطبيق نظام الوساطة الجنائية، أن يكون الضرر الواقع على المجني عليه من الممكن إصلاحه، أما إذا كان نوع الضرر من غير الممكن إصلاحه فلا يمكن تطبيق الوساطة الجنائية لانتفاء شرط إصلاح الضرر.

ويشمل الضرر الاعتداء الواقع على الأشخاص، كما يشمل الاعتداء الواقع على الأموال، ولا يقتصر الإصلاح على الأضرار المادية فقط  بل يشمل الأضرار المعنوية اللاحقة بالمجني عليه، الشيء الذي يعطي الجاني إحساس بالذنب والتوبة.

إضافة إلى التعويض المادي، قد يصحبه تعويض رمزي كاعتذار الجاني للمجني عليه، ولا حاجة لتوضيح أهمية الاعتذار وآثاره المهمة حيث يتم إطفاء نار الحقد بين في خاطر المجني عليه اتجاه الجاني[32]

الشرط الثاني: إنهاء الاضطراب الناتج عن الجريمة

لا شك أن الأثر السيء للجريمة، يتمثل في الاضطراب الاجتماعي الدي تحدثه، وبذلك فإن إنهاء الاضطراب الناشئ عن الجريمة مرتبط بنوع الجريمة التي يمكن أن تكون محلا للوساطة الجنائية، فكلما كانت الجريمة بسيطة كلما كان إنهاء الاضطراب الناشئ عنها سهلا و ممكنا، في حين إذا كانت الجريمة جسيمة وتمس قواعد النظام العام فإن إنهاء حالة الاضطراب لا يكون إلا بتطبيق العقوبة الجنائية التي تهدف في الأصل إلى إنهاء الاضطراب الاجتماعي و إعادة الاستقرار للمجتمع ، أما الاضطراب الناتج عن بعض الجرائم البسيطة التي تمس ببعض العلاقات الاجتماعية كالأسرة أو الجيران أو العمال فإن إزالة الاضطراب يكون أكثر نجاعة بسلوك مسطرة الوساطة و التوصل إلى حل يبقي على الروابط الاجتماعية[33].

 

الشرط الثالث: تأهيل مرتكب الجريمة

 

لا يكفي توفر شرطي إصلاح الضرر وإنهاء الاضطراب الذي أحدثته الجريمة، بل لابد من توافر شرط ثالث يتمثل في أن تكون الوساطة الجنائية من شأنها تأهيل مرتكب الفعل الجرمي، ولا شك أن هذا الشرط الأخير يتوافق وهدف العقوبة السالبة للحرية، ويتم تأهيل الجاني من خلال إشراكه في بعض الأعمال التطوعية: كالعمل دون أجر. وإمكانية تأهيل الجاني من عدمه متروكة لتقدير عضو النيابة العامة.[34]

ثانيا: الإجراءات التي تمر منها الوساطة الجنائية

تمر مسطرة الوساطة الجنائية من ثلاث مراحل، المرحلة الأولية مرورا بمرحلة اجتماع الوسيط بالأطراف انتهاء بمرحلة إضفاء الصبغة الرسمية على اتفاق الوساطة الجنائية.

المرحلة التمهيدية

وتستلزم هذه المرحلة عدم تحريك الدعوى الجنائية، وتنقسم هذه المرحلة بدورها إلى قسمين: مرحلة اقتراح الوساطة وتختص بها النيابة العامة ومرحلة الاتصال بطرفي النزاع

  • مرحلة اقتراح الوساطة:تبدأ النيابة العامة مباشرة دورها في الوساطة الجنائية من خلال تحديد الأشخاص الذين يمكن لهم الاستفادة من الوساطة وتحديد الجرائم التي تصلح الوساطة لتسويتها، مسترشدة في ذلك بالضوابط التي حددها المشرع ويجب على النيابة العامة الحصول على موافقة الأطراف على قبول الوساطة، وأن تقوم بإخطارهم بإحالة النزاع للوساطة

مرحلة الاتصال بطرفي النزاع: وعلى اثر دراسة الملف يقوم الوسطاء بالاتصال بأطراف النزاع، بغية إخبارهم بأن نزاعهم سيحل وديا عن طريق الوساطة، وأنه إجراء اختياري يتوقف على موافقتهم، ويحدد لكل طرف من أطراف النزاع موعدا لمقابلته ويقوم الوسيط في هذا اللقاء بتعريف أطراف النزاع بحقوقهم كاملة، كما يعلمهم أن لهم الحق في الاستعانة بمحامي يحضر معهم اللقاءات المبرمجة ، كما يستعرض أمام الأطراف فوائد تطبيق مسطرة الوساطة في حل النزاع القائم بينهما.من أجل الحصول على موافقتهما، والتي يجب أن تكون كتابية، وفي حالة الرفض أحد الأطراف، يقوم الوسيط بإخبار الطرف الأخر كتابيا بنهاية عملية الوساطة و بتقديم تقرير إلى النيابة العامة المختصة[35].

 

 

مرحلة اجتماع أطراف الوساطة

بعد انتهاء الوسيط من سماع أطراف النزاع، يتم الاتفاق على تحديد موعد لاجتماع الوساطة، وفيه يلتقي أطراف النزاع وجها لوجه، ولا يتم إلا إذا كان الطرفان يرغبان في ذلك. وفي حالة رفض أحدهما أو كليهما اللقاء، تستمر عملية الوساطة عبر لقاءات فردي، يعبر فيها المجني عليه عن شكواه في حين يعرض الجاني وجهة نظره

وخلال هذه المقابلات، يعمل الوسيط على التأكيد على موافقتهم للاستمرار في عملية الوساطة إذ يلزم توفر هذا الرضا في جميع مراحل الوساطة حيث أن باستطاعة كل من الجاني والمجني عليه الامتناع عن الاستمرار في إجراءات الوساطة.[36]

مرحلة تنفيد اتفاق الوساطة

بعد انتهاء الوسيط من إبرام اتفاق الوساطة، فانه يشرف على تنفيذ ذلك الاتفاق، ففي حالة الاتفاق الذي يتم عبر التعويض على أقساط أو دفعات، فان الوسيط يلتزم بتتبع تنفيذ الدفع، ولا يتوقف هذا الالتزام إلا بدفع القسط الأخير من مبلغ التعويض، وهنا تنتهي مهمة الوسيط الذي يقوم بإرسال الملف إلى النيابة العامة مرفقا بتقرير يدون فيه جميع حيثيات ما قام به من أعمال الوساطة بين طرفي النزاع، ويرسل نسخا منه إلى النيابة العامة، التي تملك صلاحية تقدير ملائمة الوساطة، اعتمادا على مدى تحقيقها لأهدافها التي نصت عليها المادة 41-1، لكي تقرر في الأخير إما حفظ الملف دون متابعة أو تحريك الدعوى أمام المحكمة المختصة[37]

الفقرة الثالثة: آثار تنفيذ اتفاق الوساطة

للحديث عن آثار اتفاق الوساطة وجب التمييز بين فرضيتين، أولهما نجاح اتفاق الوساطة الجنائية ( أولا)، وثانيها فشل اتفاق الوساطة (ثانيا).

أولا: نجاح اتفاق الوساطة

يجب الإشارة أن مسطرة الوساطة موقفة  لتقادم الدعوى العمومية بصريح القانون الفرنسي رقم 99-515 الصادر في 1999، وذلك بغية الحفاظ على حقوق المجني عليه من جهة، و عدم استفادة المتهم المماطل في تنفيد اتفاق الوساطة من تقادم الدعوى من جهة أخرى.

فإذا تمت الوساطة بنجاح بأن نفذ الفاعل ما تم الاتفاق عليه  خلال جلسات الوساطة، يترتب على ذلك حفظ القضية من طرف النيابة العامة، عكس المشرع التونسي والبلجيكي الذي يرتب أثر انقضاء الدعوى العمومية.

وتأكد الإحصائيات الفرنسية أن 88% من الدعاوى التي يتم حفظها من طرف النيابة العامة تكون في حالة نجاح الوساطة.

إن اتفاق الوساطة لا يمنع الطرف المتضرر من الادعاء المدني أمام المحكمة الزجرية، غير أن الواقع العملي يكشف أن اتفاقات الوساطة في حالة نجاحها وتعويض المتضرر من الفعل، يتم تضمين تظمين الاتفاق شرط عدم إمكانية انتصاب الطرف المتضرر كمدعي بالحق المدني[38].

ثانيا: فشل اتفاق الوساطة

في حالت فشل اتفاق الوساطة، سواء بنهاية الأجل المحدد له أو عدم التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع [39]، أو عدم قيام الجاني بإتمام الالتزامات الواقعة عليه، يقوم الوسيط بإخبار النيابة العامة لتقرر في مآل القضية، إما أن تتخذ قرار  الحفظ أو تحريك المتابعة[40].

الفرع الثاني: الوساطة الجنائية في التشريع التونسي

على خلاف المشرع المغربي يعد القانون التونسي نموذجاً للتشريعات العربية التي أقــرت نظام الوساطة الجزائية ضمن قانون الإجـــراءات الجزائية وقـانـون حماية الطفل، وذلــك تأثراً بالمشرع البلجيكي، وقد أقر المشرع التونسي إجراء الصلح عن طريق الوساطة الجزائية حسب القانون رقم 93 لسنة 2002إضافة بند تاسع على الكتاب الرابع من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية بعنوان “الصلح بالوساطة في المادة الجزائية” وقد تضمن هذا الباب ستة مواد تتعلق بنطاق وإجراءات وآثار الوساطة الجزائية في القانون التونسي.

وقد وضح المشرع التونسي الأسباب الموجبة لإقرار هذا القانون بأن الهدف من إقرار الوساطة الجزائية هو ضمان تعويض الأضرار الناجمة عن الجريمة، وإعادة تأهيل وإدماج الجناة في المجتمع، وتدعيم الشعور بالمسؤولية لديهم[41].

أما فيما يخص تعريف الوساطة الجنائية فنجد أن المشرع التونسي قد عرفها في الفصل 113 من من الباب الثالث من مجلة حماية الطفولة بأنها “آلية ترمي إلى إبرام الصلح بين الطفل الجانح و من يمثله قانونا وبين المتضرر أو من ينوب عنه أو ورثته. و تهدف إلى إيقاف التبعات الجزائية أو المحاكمة أو التنفيذ”. ثم أضاف المشرع التونسي نظام الصلح بالوساطة في المادة الجزائية بالنسبة لأشخاص الراشدين وذلك من خلال القانون رقم 93 الصادر في29 أكتوبر 2002 حيث حدد هذا القانون شروط الصلح بالوساطة الجنائية والإجراءات التي تخضع لها.[42]

فماهي إذن أهم الشروط التي يقوم عليها اتفاق الوساطة (مطلب أول)، ثم ماذا عن الإجراءات القانونية المعتمدة  في ذلك ( مطلب ثاني).

المطلب الأول: شروط الوساطة الجنائية في التشريع التونسي

يمكن تقسيم شروط، إبرام اتفاق الوساطة الجنائية في التشريع التونسي إلى قسمين، شروط عامة (الفقرة الأولى)، وشروط خاصة ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الشروط العامة

الأهلية: كما أسلفنا سابقاً إن الوساطة هي اتفاق بين الجاني والمجنى عليه ويشترط لمن
يقوم بإجراء، هذا الاتفاق أن يتمتع بالأهلية اللازمة لإجرائها؛

الرضا :يجب أن تكون الإرادة إرادة حرة وغير خاضعة لأي إكراه مادي أو معنوي؛

المحل: ويتميز الصلح الجزائي بتحديد المشرع للجرائم القابلة للصلح والأخرى المستثناة
منه[43].

الفقرة الثانية: الشروط الخاصة

أولا: وقوع الجريمة

بخلاف التشريع الفرنسي الذي لم يحدد الجرائم التي تخضع لنظام الوساطة الجنائية، فإن الفصل 335 من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية أكد على أن “لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفين وذلك في مادة المخالفات وفي الجنح المنصوص عليها بالفقرة الأولى من الفصل 218 و الفصول 220 و225 و247 و248 و255 و256 و277 و280 و282 و286 و293 والفقرة الأولى من الفصل 297 والفصول 298 و304 و309 من المجلة الجزائية وفي القانون عدد22 لسنة 1962 المؤرخ في 24ماي 1962 المتعلق بجريمة عدم إحضار المحضون.

و من خلال منطوق هذا الفصل نستنتج أن المشرع التونسي أجاز الصلح بالوساطة في المادة الجزائية في كل المخالفات دون استثناء أو حصر، والمخالفة هي كل جريمة ينص عليها القانون بالسجن لمدة لا تتجاوز 15 يوما أو بغرامة لا تتجاوز ستين دينارا وذلك مهما كان نوع المخالفة سواء وردت في المجلة الجزائية أو في القوانين الخاصة كقانون الطرقات[44]

أما الجنح فنجد المشرع التونسي حدد الجنح الممكن إخضاعها للوساطة على سبيل الحصر والتي في مجملها تنطوي على أضرار مادية بسيطة يمكن جبرها عن طريق الوساطة.

ثانيا: وجود الجاني والضحية

* بالنسبة لجبر الأضرار الحاصلة للمتضرر فإن المادة 335 مكررة أكدت على أن الصلح بالوساطة في المادة الجزائية يهدف إلى جبر الأضرار الحاصلة للمتضرر، وهذا الجبر يكون بناء على ما يقع عليه الاتفاق من تعويضات و رد اعتبار، وقد تكون هذه التعويضات مادية كما يمكن أن تكون مجرد تعويضات معنوية مثل تلقي اعتذارات أو تصريحات بندم الفاعل.

*أما بالنسبة للحفاظ على إدماج الجاني في المجتمع فإن المشرع التونسي أكد في المادة 335 مكرر على مصطلح المحافظة على إدماج الجاني وعيا منه بالمزايا التي يعرفها نظام الصلح بالوساطة، و أبرزها الحد من العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، والتي غالبا ما تكون سببا في حالة العود نظرا لما يسبب اختلاط الجاني بالمجرمين داخل السجن من التأثير على سلوكه، كما أن لهذه العقوبات آثارا مادية تسبب في فقدان الجاني لعمله أو مورد رزقه مما يؤثر على وضعيته ووضعية عائلته المادية. والحفاظ على إدماج الجاني في الحياة الاجتماعية يخضع للسلطة التقديرية لوكيل الجمهورية الذي يجب عليه الوقوف على ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و الوقوف أيضا على ملابسات الجريمة و طبيعتها.[45]

الإجراءات القانونية للوساطة الجنائية في التشريع التونسي

تتم إجراءات الصلح بالوساطة في المادة الجزائية عبر مرحلتين، الأولى تتمثل في إحالة الخصومة على الصلح بالوساطة، والثانية تتجلى في مفاوضات الصلح بالوساطة.

المرحلة الأولى: إحالة الخصومة على الصلح بالوساطة

ينص الفصل 335 ثالثا من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية على أن “لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفين قبل إثارة الدعوى العمومية، إما من تلقاء نفسه أو بطلب من المشتكى به أو من المتضرر أو من محامي أحدهما.[46]

وبالتالي يلاحظ أن عرض اتفاق الوساطة الجنائية، قد يتم من طرف وكيل الجمهورية تلقائيا، أو بطلب من المشتكى به أو بطلب من المتضرر أو محاميهما، ضمانا لمبدأ الرضائية الذي يميز اتفاق الوساطة، وأهم شيء يجب أن يتم عرض اللجوء إلى الوساطة الجنائية قبل تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية.

عند قبول الأطراف الصلح بالوساطة يبادر وكيل الجمهورية حسب المادة 335 رابعا من نفس القانون، باستدعاء الطرفين بالطريقة الإدارية، كما يمكن له أن يأذن لأحد الطرفين باستدعاء بقية الأطراف بواسطة عدل تنفيذ. وعلى المشتكى به أن يحضر شخصيا بالموعد المحدد ويجوز له أن يستعين بمحام. وكذلك يجوز للمتضرر أن ينيب عنه محامياً، ولا يجوز إجراء الصلح في حقه إلا بمقتضى توكيل خاص في حال عدم حضوره شخصياً.[47]

يتضح من خلال هذا المقتضى أن المشرع التونسي كان حريصا على حضور المشتكى به شخصيا وإن اختار مؤازرة محام، عكس الطرف الضحية الذي يمكن أن ينيب عنه محام، مع وجود توكيل رسمي خاص في حالة عدم حضوره.

المرحلة الثانية: مرحلة المفاوضات

ينص الفصل 335 خامسا من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية على أنه ” يتولى وكيل الجمهورية مراعاة حقوق الطرفين عند انتدابهما للصلح بالوساطة …” و من خلال هذا الفصل نستنتج أن وكيل الجمهورية يقوم بدور الوسيط مما يجعل الصلح بالوساطة في التشريع التونسي يختلف عنه في التشريع الفرنسي و التشريعات عموما الأنجلوساكسونية و اللاتينية التي تبنت نظام الوساطة الجنائية, و هو بذلك يميل إلى الصلح الجنائي أكثر من الوساطة الجنائية التي تقتضي ضرورة تدخل طرف ثالث يقوم بدور الوسيط و لا ينتمي إلى جهاز القضاء[48].

إذا تعذر إتمام الصلح، أو لم يتم تنفيذه كلياً في الأجل المحدد، يجتهد وكيل الجمهورية في تقرير مآل الدعوى؛ فإذا تم تنفيذ الصلح بالوساطة في المادة الجزائية كليا في الأجل المحدد، أو في حال عدم تنفيذه بسبب من المتضرر، تنقضي الدعوى العمومية اتجاه المشتكى به.

فيما يعلق أجل سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن طيلة الفترة التي استغرقتها إجراءات الصلح بالوساطة في المادة الجزائية وكذلك المدة المقررة لتنفيذه[49]

ولقد أحسن المشرع بجعل نجاح الوساطة   سببا من أسباب انقضاء الدعوى العمومية ولم يجعله مجرد سبب لحفظ القضية كما هو عليه الحال في القانون الفرنسي، ذلك أن الأمر بالحفظ يبقي بيد النيابة العامة فقد تعيد فتح التحقيق مرة أخرى استنادا لسلطة الملاءمة التي تمتاز بها وتتابع المشتكى به على ذات الأفعال، بالرغم من أنه فرض ناذر الوقوع[50].

إذن يبقى في حالة ما إذا لم ينفد الأطراف ما جاء في  اتفاق الصلح، أن تقوم النيابة العامة أو ما يسمى بوكيل الجمهورية في التشريع التونسي بتحريك الدعوى العمومي.

المبحث الثاني: بدائل العقوبات السالبة للحرية ورهان الإصلاح

 

قبل أن نتحدث عن بدائل العقوبات السالبة للحرية المعتمدة دوليا ووطنيا ( المطلب الثاني )، وجب التطرق لمختلف المدارس الفقهية على ممر التاريخ والتي تطرقت للعقوبة كأداة للردع والانتقام إلى أن أصبحنا نتحدث عن دور العقوبة في تقويم سلوك المحكوم عليه، وجعله فردا صالحا داخل المجتمع (المطلب الأول).

المطلب الأول: مختلف نظريات علم العقاب الكلاسيكية والحديثة

لا شك أنه حدث تطور بالنظر إلى دور العقوبة، وذلك باختلاف المذاهب الفقهية، بدءا من المدرسة التقليدية سواء الكلاسيكية أو الحديثة التي بحثت في سبل تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص والإتيان بمبادئ مهمة (الفرع الأول )، وتأتي المدرسة الوضعية واتجاه الدفاع الاجتماعي ليؤسسا معا مفهوم التفريد العقابي العلمي وسبل الوقاية من الجريمة وتأهيل المجرم وإدماجه في المجتمع ( الفرع الثاني ).

الفرع الأول: نظريات علم العقاب في الفكر الكلاسيكي

عرفت العقوبة تطورا مهمة، منذ بداية الثورة الفرنسية وبشكل دقيق مع المفكر ” بيكاريا ” كأحد المؤسسين لعلم العقاب والذي ينتمي للفكر التقليدي الداعي إلى أنسنة العقوبة، ووضح حد لتحكم القضاة الذي كان سائدا بشكل مطلق ( الفقرة الأولى )، وانبثق عن هذا الفكر التقليدي مدرسة كلاسيكية كان محور اهتمامها المجرم، وتطوير المسؤولية الجنائية التي ناجت بها المدرسة التقليدية ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الثانية: المدرسة التقليدية الكلاسيكية

الردع كغرض نفعي للعقوبة

ترجع نشأة المدرسة التقليدية إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر على يد روادها ( بيكاريا، فيورباخ، بنتهام، حيث يرى زعمائها بأن يتجلى في تحقيق المنفعة الاجتماعية.

نجد “بيكاريا” ترتكز كل آراءه على نظرية العقد الاجتماعي، التي ترجع للفيلسوف الفرنسي” جان جاك روسو” على أن الجريمة تمثل خرق لقواعد العقد الاجتماعي، ينتج عن ذلك أن يصبح للدولة حق توقيع العقاب.

في هذا الصدد ينادي “بيكاريا” بأن تقتصر العقوبة على الشخص المتمتع بقواه العقلية حرا ومختارا، مع الأخذ بعين الاعتبار التناسب بين القوبة وخطورة الفعل المرتكب، وأن تتجه العقوبة إلى المستقبل بأن تمنع الفاعل من معاودة ارتكاب الفعل الجرمي، ويتحقق وبالتالي الغرض النفعي للعقوبة والمتمثل في استفادة المجتمع من توقي شرور الجريمة.

كذلك من بين أهم ما يدافع عنه المفكر ” بيكاريا” أن تكون هناك سياسة وقائية تعمل قبل ارتكاب الجريمة، فالوقاية من الجريمة أحسن من العقاب عليها. فما أحوجنا اليوم إلى سياسة جنائية تأخذ بعين الاعتبار البعد الوقائي وتوليه أهمية أكثر لتفادي التخبط في المطبات التي تعرفها المنظومة السجنية بشكل خاص من اكتظاظ السجون وارتفاع حالات العود بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر الجريمة ببلادنا على الخصوص.

أما المفكر “فيورباخ” فيجسد لنفعية العقوبة على أساس الإكراه النفسي، بحيث يتوجب أن تكون قسوة العقوبة تعادل أو تفوق اللذة التي شعر بها مرتكب الفعل وما جناه من الجريمة، ليتحقق بذلك الغرض الردعي من العقوبة.

أما ” بنتهام” فنجده ينظر للعقوبة بمنطق الربح والخسارة، فالعقوبة تحقق ربح شخصي يعود على الفاعل من جهة، وضرر عام ينزل على المجتمع ( الخوف، النفقات….)، فوجب أن تكون تكلفة العقوبة قليلة من أجل الوصول إلى الربح الذي تبتغيه الدولة وهو الوقاية من الجريمة[51]

تحقيق العدالة المطلقة كهدف للعقوبة

يعتبر الفيلسوف الألماني ” إيمانويل كانط” أن غرض العقوبة، يتجلى في تحقيق العدالة المطلقة وليس الردع أو العدالة الاجتماعية، وبالتالي وجب مقابلة الجريمة باعتبارها شر بالعقوبة كشر مقابل، نظرا لارتباط الجريمة بالكرامة الإنسانية.

فبناء على ما سبق يتضح أن العقوبة عند أنصار المدرسة التقليدية تتأسس على الشرعية، بهدف تحقيق الردع والمنفعة والعدالة المطلقة، لكن ما يعاب على هذا التوجه أنه لم يأخذ بعين الاعتبار شخص المحكوم عليه في الإصلاح، والارتكاز فقط على الجريمة وخطورتها. لكن المدرسة التقليدية الحديثة ستتجاوز هذا النقص وذلك بالاهتمام بالمحكوم لتحقيق نفعية العقوبة وهو ما سأعرج عليه ضمن الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: المدرسة التقليدية الحديثة

مما سبق يتضح أن المدرسة التقليدية الكلاسيكية ركزت الاهتمام على الجريمة دون المجرم، الشيء الذي أدى لظهور المدرسة التقليدية الحديثة والتي اهتمت بالمجرم. فما هي أبرز أفكار التي نادت بها المدرسة التقليدية الحديثة ؟.

ترفض المدرسة التقليدية الحديثة القول بأن جميع الناس متساوون في الحرية والاختيار، فالناس يختلفون في مقاومة الدوافع الغريزية، حسب السن أو اللون أو الجنس…. وغيره من المؤثرات التي تجعل الادراك والاختيار يتفاوت من شخص لآخر.

فتوجه المدرسة التقليدية الحديثة حاول التوفيق بين المبادئ التقليدية وبين متطلبات العدالة، ليتم بذلك إقرار نفس العقوبة لمن يرتكبون نفس الفعل بغض النضر، عن الاختلاف الذي قد يكون بينهم وهو ما يسمى المساواة المجردة، وبالتالي تأسيس طرح المدرسة التقليدية الحديثة على دعامتين أساسيتين تتمثلان في العدالة المطلقة والمنفعة الاجتماعية.

فأغراض العقوبة عند المدرسة التقليدية الحديثة، تتمثل في تقيق غايتين اثنتين، أولها تحقيق الردع العام بأن لا يأتي الآخرون نفس الفعل خوفا من العقوبة التي ستنزل عليهم مثلما نزلت على المحكوم عليه، وهنا تلتقي هذه المدرسة مع المدرسة التقليدية الكلاسيكية، ثم تحقيق الغاية الثانية وهي الردع الخاص لأن من يرتكب الجريمة يصيب المجتمع بشر يؤدي الشعور بالعدالة المستقر في ضمائر الناس، فالجريمة نفي للعدالة، والعقوبة نفي للنفي، فهي إثبات وتأكيد للعدالة.

وأخيرا فهذه المدرسة كان لها الفضل في إظهار تأثير حرية الاختيار على المسؤولية الجنائية، وحيث لا خيار لا مسؤولية جنائية.

ورغم أهمية هذا الاتجاه بالمقارنة مع الاتجاه الأول، فإنها لم تسلم من الانتقاد لعدة اعتبارات نجملها كالآتي:

– عدم وضع ضابط محدد يمكن من قياس حرية الاختيار؛
– ما يقود إليها منطقها من التخفيف على المجرمين العائدين إلى الجريمة، إذ تضعف المقدرة على مقاومة النوازع الإجرامية بمقدار ما يألف المجرم سبيل الجريمة، وهذه النتيجة تصطدم ببديهيات السياسة الجنائية؛
– يؤدي تطبيق نظام المسؤولية المخففة إلى اتساع نطاق العقوبات المانعة للحرية قصيرة المدة، وهي عقوبات سيئة السمعة في السياسة الجنائية؛
– كما أنها أغفلت تماما الردع الخاص مما يجرد العقوبة من وظيفتها كأداة إصلاح وتأهيل للمحكوم عليه.

الفرع الثاني: نظريات علم العقاب في الفكر الحديث

لا شك أن المدارس التقليدية والتقليدية الحديثة تناولت العقوبة من منظور زجري عقابي بحت، الشيء الذي أدى إلى ضهور مدارس مثل المدرسة الوضعية والوسطى وحركة الدفاع الاجتماعي، استطاعوا فعلا تجاوز التركيز على الجريمة وإيلاء أهمية لشخصية  المجرم وتأهيله (الفقرة الأولى) لتأتي بعد منتصف الستينات من القرن الماضي المدرسة النيوكلاسيكية بأفكار جديدة إلى جانب النظرة الأنجلوساكسونية المتميزة للعقوبة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: العقوبة على ضوء المدرسة الوضعية وحركة الدفاع الاجتماعي

أولا: المدرسة الوضعية

نشأت المدرسة الوضعية في ايطاليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويعد “لمبروزو” مؤسسها الحقيقي، اضافة إلى “فيري” و”جاروفالو”، وقد كان ” لمبروزو” استاذا للطب الشرعي في جامعة تورينو، ضمن افكاره في كتاب يحمل عنوان “الإنسان المجرم” أصدره سنة ،8142 أما” فيري”، فقد كان استاذا للقانون الجنائي في جامعة روما، نشر في عام 8118 مؤلفا بعنوان “الأفاق الجديدة للعدالة الجنائية”، تم تغير هذا العنوان ليصبح فيما بعد “علم الاجتماع الجنائي”، أما “جاروفالو” فكان قاضيا، وأصدر بدوره سنة 8115كتاب “علم الإجرام.

فكان مجيء المدرسة الوضعية سببه، فشل المدارس التقليدية في مقاربتها للظاهرة الإجرامية بشكل مجرد، فالمدرسة الوضعية اعتبرت أن الجريمة ظاهرة اجتماعية، تتحكم فيها عدة عوامل تختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر، فكان من بين المبادئ التي تقوم عليها المدرسة الواقعية ( الإيمان بمبدأ الحتمية، تفريد المعاملة العقابية).

فالمدرسة الوضعية تبني فكرة العقاب على أسس مختلفة، فهو لا يتمثل في الانتقام الفردي الخاص أو العام ولا في الردع بدعوى المنفعة أو العدل، وانما يتمثل في مجرد الدفاع عن المجتمع، فكل ما يشكل سلوكا خطرا، يمكن تن تنتج عنه في المستقبل جريمة، وهو امر اجتماعي خطير ينبغي الحيلولة دون وقوعه، أي ينبغي درؤه، ودرؤه مسبقا لا يعني بالضرورة أن هدف الجزاء هو العقاب، وانما معناه أن الهدف هو الدفاع عن المجتمع.

فالمدرسة الوضعية إذن تبني آراءها على أساس الوقاية من الجريمة قبل وقوعها، عن طريق القضاء على المنابع المؤدية أو التي تغذي الجريمة، للوصول إلى غاية واحدة ليست هي الردع أو الانتقام بل حماية المجتمع.

فلا أحد ينكر ما للمدرسة الوضعية من أهمية في نقل الاهتمام من الجريمة إلى المجرم، والعمل على تفريد العقاب عن طريف تصنيف المجرمين بحيث تجمع بين أفراد كل مجموعة شروط واحدة ودرجة خطورة متقاربة تجعلهم يخضعون لنفس العقوبة، لنجد أن المدرسة الوضعية لا ترتكز على العقوبة بقدر ما تركز على التدابير الاحترازية التي تقي المجتمع شرور الجريمة.

وبالرغم من أهمية الأفكار التي نادت بها هذه المدرسة، إلى أنها لم تسلم هي الأخرى من انتقادات، فالتدابير الاحترازية توقع حسب صنف المجرم، فمن التصنيفات القديمة للمجرمين نشير لمحاولة “سيزر لمبروزو” في كتابه الإنسان المجرم حيث قسم المجرمين إلى الفئات التالية:

المجرم بالعاطفة؛

المجرم بالصدفة؛

المجرم المجنون؛

المجرم بالعادة.

وفي الواقع بالرغم من هناك من يرى إمكانية تقليص التصنيف الذي أعطاه لمبروزو، فالفضل يرجع لهذا العالم في لفت أنظار المهتمين بحقل العدالة الجنائية وعلم الإجرام، كون باقي التصنيفات التي جاءت بعده وإن كانت مختلفة إلا أنها ترتكز على التصنيف الذي حدده لمبروزو.

غير أنه يمكن الجزم أن لا وجود لأنماط وسطى بين التصنيفات الموضوعة، إذ ليس هناك نمادج قطعية وكاملة للمجرمين، من هنا وجب دراسة المجرمين في كل خصائصهم العضوية والنفسية والاجتماعية حتى نستطيع إيجاد تنميط للمجرمين يستند على أسانيد علمية قوية يمكن الركون إليها في صياغة أية استراتيجية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة[52]

ثانيا: العقوبة على ضوء مدرسة الدفاع الاجتماعي

ظهر مفهوم الدفاع الاجتماعي بمفهومه الحديث في القرن العشرين، ومفاده حماية المجتمع من المجرم، واختلفت بعض المدارس في استعمال مصطلح الدفاع الاجتماعي ، حيث اعتمدتها المدرسة التقليدية كإجراء ضد الجريمة بتطبيق العقوبة، أما المدرسة الوضعي ترى أن الدفاع الاجتماعي يتخذ ضد المجرم إضافة إلى العقوبة تطبيق التدابير الوقائية هذا التطور التاريخي للدفاع الاجتماعي أفرز ظهور حركة جديدة في السياسة الجنائية، غايتها الوقاية من الجريمة و تقويم وتأهيل المجرم لإعادة ادماجه في المجتمع. لنصبح امام مفهوم اجتماعي جديد عما الفه الفكر القانوني. شمولية المفهوم الحديث للدفاع الاجتماعي ظهرت بظهور نزعة حديثة تهدف إلى حماية المجرم و المجتمع من ظاهرة الاجرام هذه المدرسة الحديثة رسم قواعدها، اتجاهان اولهما يمثله الفقيه الايطالي “فيليبو جراماتيكا (أولا) و الثاني طوره المستشار الفرنسي مارك انسل (ثانيا).

أولا: نظرية الدفاع الاجتماعي عند “جراماتيكا”

يرجع الفضل في ظهور حركة الدفاع الاجتماعي في مفهومه الحديث للأستاذ الايطالي “فيليبو جراماتيكا”، منتقدا المدارس السابقة ، مدافعا عن الجناة ضد المجتمع، والذي في نظره لا يعيرهم اي اهتمام ، ويضحي بحقوقهم في سبيل الدفاع عن نفسه، مؤسسا بذلك لمبدأ تتمحور حوله جميع افكاره وهو ان “الانسان هو كل شيء”، محملا الدولة مسؤولية السلوك المنحرف حسب تعبيره ، بغض النظر عن وصفه بالجريمة في التشريع الجنائي المعاصر ام لا، و “ان صاحب هذا السلوك وقع ضحية ظروف اجتماعية غلبت عليه؛ فإنه لا يحق للدولة معاقبته؛ ولكن يقع عليها واجب تأهيله للحياة الاجتماعية.

ومضيا في التأسيس لمدرسته، طالب الاستاذ “جراماتيكا” بنظام قانوني جنائي جديد تختفي فيه المصطلحات التقليدية المتعارف عليها؛ مثل العقوبات و الجريمة و المجرم و المسؤولية الجنائية، ليحل محلها “قانون الدفاع الاجتماعي، والفعل اللاجتماعي أو المضاد للمجتمع والفرد اللاجتماعي او المناهضة للمجتمع ، و المسؤولية الاجتماعية، وتدابير الدفاع الاجتماعية.

رغم المفاهيم الجديدة ،التي اسس لها” جراماتيكا”، و التي شكلت تمردا صريحا على اهم “المبادئ الراسخة في الفكر الجنائي التي لا يمكن التنازل عنها إلا وهو مبدأ شرعية الجرائم باعتبارها ضمانة للحرية الفردية؛ مختصرا الجريمة كظاهرة اجتماعية؛ منكرا العقوبة كظاهرة قانونية قوامها النص التشريعي، هذه الانتقادات وغيرها، تمخض عنها ظهور تيار معتدل تزعمه القاضي الفرنسي “مارك “انسيل” عرف بحركة الدفاع الاجتماعي الجديد[53]

ثانيا: نظرية الدفاع الاجتماعي عند “آنسيل”

يمثل” مارك انسيل” الاتجاه المعتدل في حركة الدفاع الاجتماعي، من خلال تأسيسه لمفهوم حديث ، اختلف عن سابقه” جراماتيكا”، حيث لم ينكر مبدأ الشرعية ولم يذهب الى حد إلغاء المسؤولية ولا الجزاء، في المقابل أكد على ضرورة دراسة شخصية الجاني من جميع الجوانب (البيولوجية والاجتماعية..). في ملف خاص بالجاني ، وتمكين القاضي منها لاختيار التدابير المناسبة لشخص الجاني، وذلك لتأهيله وإصلاحه و صون كرامته و انسانيته، هذا الملف يتم الاستعانة في إعداده من طرف الخبراء، والأطباء ، وعلماء النفس والاجتماع، إذ يعتبر ” آنسل” أن “رد المجتمع لا يمكن ان يحدد بطريقة مسبقة وشمولية، وانما ينبغي التقرير بشأنه في كل نازلة حسب تبنيه دراسة شخصية الجاني من خصائص وما تتطلب من طرق العلاج…وفهم الظروف الموضوعية والذاتية لتجنب العود، مع العلم أن مشكل ارتفاع العود إلى الجريمة أصبح يرهق كاهل العدالة ببلادنا على وجه الخصوص في ضل غياب تطبيق عملي لبرامج الرعاية اللاحقة التي تمنع المجرم من معاودة ارتكاب الفعل الجرمي.

الفقرة الثانية: التوجهات الحديثة للسياسة العقابية من خلال الأفكار النيوكلاسيكية و الأنجلوساكسونية

أولا: العقوبة في السياسة النيوكلاسيكية المعاصرة

 

تعتبر العقوبة في الفكر النيوكلاسيكي المعاصر ثمرة لمجموع نظريات علم العقاب، بدءا من الفكر التقليدي الذي اهتم بالجريمة، ومرورا بالسياسة الوضعية الإيطالية التي اهتمت بالمجرم وما يحيط به من ظروف داخلية وخارجية، وانتهاء بأفكار حركة الدفاع الاجتماعي، التي تمحورت حول المجتمع نفسه وليس الجريمة.

وقد استلهمت التشريعات المعاصرة المقارنة والوطنية بشكل كبير من هذه الأفكار الحديثة، إذ أصبحت تعتبر أنسنة العقوبة وإدماج الجاني في المجتمع من جديد، وإيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة؛ توجهات أساسية في السياسة العقابية.

هكذا نجد المشرع المغربي قد أفرد لبعض المؤسسات العقابية دورا مهما في تنفيذ العقوبة للحد من أزمة المعاملة العقابية التقليدية، كنظام الإفراج الشرطي، ونظام الاختبار القضائي، ثم نظام وقف تنفيذ العقوبة، إلا أننا لا زلنا نشهد أزمة للسياسة العقابية حقيقية ناتجة عن أزمة السياسة الجنائية بالأساس وهو ما سيتضح خلال تحليل إشكالات بدائل العقوبات السالبة للحرية.

ثانيا: العقوبة في الفكر الأنجلوساكسوني المعاصر

يتجه الفكر الأنجلوساكسوني وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية إلى فهم متطور للمنظومة الجنائية ككل، وللعقوبة على وجه الخصوص، إذ بدأ ينضج في ستينيات القرن العشرين، بانبعاث “الكانتية” الجديدة، حيث شكلت رد فعل ضد تعسف الإدارة الأمريكية في مجال العقوبات، ويرجع الفضل في ذلك إلى “جون رولس”، حيث تتلخص الخطوط العريضة لهذا التيار فيما نظر له “كانت” من رفض لاستعمال العقوبة القانونية كوسيلة لتحقيق مقاصد تهم الجاني أو المجتمع، ومعارضة كل تعامل مع الجاني بهدف
تحقيق ما يخدم مصلحة غيره.

كما تعتبر الجريمة احتمالا إحصائيا وليس تجاوزا، ولا تسعى تبعا لذلك العقوبة إلى الاستجابة للانحرافات الفردية أو المشاكل الاجتماعية؛ بل إلى تنظيم مستويات الانحراف، ومحاولة التقليل إلى الحد الأدنى من حدوث الجرائم وعواقبها السلبية، كل ذلك لجعل الجريمة محتملة من خلال الإدارة النظامية.

فلا شك أن نظريات علم العقاب نجد لها تأثير على القانون المغربي والذي يظهر من خلال القانون المنظم لإدارة وتسيير المؤسسات السجنية 23.98 وكذا المدونة الجنائية.

بالنسبة للقانون 23.98 والذي تضمن 141 مادة وتسعة أبواب راعى من خلالها المشرع المغربي، تكييف المنظومة القانونية مع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، للحد من الإشكالات السجنية، حيث تم فصل إدارة السجون عن سلطة وزير العدل، وأنيط بمندوبية إدارة السجون دعن أمن وسلامة وكرامة السجين وتكوينه وتأهيله.

كذلك صدر المرسوم التطبيقي للقانون 23.98 والذي يحدد كيفية تطبيق القانون السالف الذكر بالرغم من الانتقادات التي تلقاها المرسوم المذكور كونه لا يتوافق في بعض مقتضياته مع المواثيق الدولية في علاقة بمجال السجن.

ومن ابرز ما جاء به القانون ، 23.91من الحقوق والتي بها منذ امد طويل المدارس العقابية، واكدت عليه المرجعيات الدولية، ونقصد هنا قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء بالأساس التأكيد على دور الادارة السجنية في اعادة الادماج الاجتماعي للسجناء، وذلك لا يتأتى إلا من خلال التنظيم المؤسساتي وتصنيف السجناء، والبرامج التربوية، وتكوين السجناء وتنظيم العمل بالسجون، وربط علاقات مع العالم الخارجي، والرعاية الصحية واقرار نظام المساعدة الاجتماعية، فقد نص المشرع على أن: “المؤسسات السجنية تتوفر على تنظيم اداري ونظام أمني يهدفان الى تأمين وتطوير سبل اعادة ادماج المدانين في المجتمع، عن طريق وضع أرضية للتأهيل والإدماج والتي جاء بها التقرير السنوي لمندوبية إدارة السجون لسنة 2018 وهي كالتالي:

  • التأهيل لإعادة الإدماج : هدف استراتيجي

فعندما نتحدث عن تأهيل وإعادة إدماج الجاني، فإننا نستحضر كما جاء في التقرير المذكور، الأخذ بعين الاعتبار التعليم ومحو الأمية ثم التكوين المهني و التكوين الحرفي والفني وتشغيل السجناء إضافة إلى التعريف بمنتجات وإبداعات السجناء وتثمينها عن طريق برنامج الأنشطة والمسابقات الوطنية والعمل على تقوية الجيل الجديد للبرامج التأهيلية والدعم الروحي والتربوي وأخيرا التواصل مع العالم الخارجي.[54]

تقـدم المؤسسـات السـجنية مختلـف البرامـج الإصلاحيـة والتأهيليـة التـي تهـدف إلى تقويـم سـلوك السـجين وعودتـه صالحـا نافعـا لمجتمعـه ووطنـه، مـما يجعـل منهـا مؤسسـات أمنيـة وإصلاحيـة متكاملـة الأدوار. مـن هـذا المنطلـق، عملـت المندوبيـة العامـة منـذ تأسيسـها عـلى تطويـر تلـك البرامـج وتحفيـز السـجناء للانخـراط فيهـا وتوسـيع دائـرة المسـتفيدين منهـا، كـما حرصـت عـلى عقـد شراكات عديـدة مـع هيئـات وطنيـة ودوليـة للمسـاهمة في تنفيذهـا، إيمانـا منهـا بأهميـة ونجاعـة العمـل المشـترك في إنجـاح هـذه البرامـج، وتعزيـز الانفتــاح عــلى فعاليــات المجتمــع المــدني ومشــاركتها مســؤولية احتــواء الســجناء والأخــذ بأيديهـم إلى حيـاة جديـدة ملؤهـا الأمـل والطمـوح.

فيما يخص المجهودات المبذولة في  مجال التعليم ومحو الأمية، أكد التقرير أن

عدد المسـجلين برسـم السـنة الدراسـية 2018/2017 إلى 4 529مسـجا مقابـل 3 927برسـم السـنة الدراسـية 2017/2016أي بنسـبة زيـادة تجـاوزت .%15كمـا بلغـت نسـبة الناجحيـن مـن بـن المسـجلين .%38.50وقـد أمكـن ذلك بفضـل دروس الدعـم والتقويـة التـي تحـرص المندوبيـة العامـة عـن تنظيمهـا لفائـدة السـجناء المتمدرسـين، خاصـة خـال فترة الاستعداد  لاجتياز الامتحانات الإشـهادية (شـهادة التعليم الابتدائي وشـهادة نهايـة التعليم الاعدادي وشـهادة البكالوريا)، حيث بلغ عـدد المسـتفيدين من هاته الـدروس ما مجموعه 1 856سـجينا مقابـل 1 634مسـتفيدا خال الموسـم الـدراسي .2017/2016أي بنسـبة تطـور تقدر بــ %14ما بن هذين الموسـمين الدراسـين.

في هذا الصدد أكد التقرير أن:

978حاصلا على شهادة نهاية التعليم من بينهم؛

133حاصلا على شهادة جامعية؛

3 حاصلا على شهادة البكالوريا.

أما في علاقة ببرامج محو الأمية فقد تم خلال سنة 2018 تكوين 10000 سجين أميا محكوم بشكل نهائي، و 38 سجين مستفيد من التكوين أشرفوا على تأطير 1800 سجين آخر من بين السجناء الأميين.

كما تم توسيع دائرة نزلاء المؤسسة السجنية المستفيدين من برامج  التكوين المهني، حيث تم إحداث سنة 2018 أربع مراكز جديدة بسجون العرائش، والسمارة، وطنجة 2 والناضور 2.

وتجدر الإشارة إلى أن المراكز البيداغوجية بالسجون قد استقبلت برسم الموسم الدراسي 8 572 ،2018/ 2017سجينا لاستفادة من التكوين في الشعب المهنية والفلاحية ؛ منهم 6 715اجتازوا هاته الامتحانات مع تسجيل %92كنسبة نجاح.

أما بخصوص التكوين الحرفي والفني وتشغيل السجناء، فقد تمت استفادت 395 مستفيد من التكوين في إطار برنامج فرصة وإبداع، و 218 مستفيد من التكوين في مهن السيارات، ثم 172 مستفيد من التشغيل في وحدات التكوين والإنتاج بالسجون.

كما تم التعريف بمنتجات وإبداعات السجناء وتثمينها، حيث تم تسويق منتجات السجناء، والمشاركة في المعارض كمعرض الرواق المخصص لمنتوجات السجناء بالمعرض الدولي للخشب المنظم بمكناس.

كما تم اعتماد برامج الأنشطة والمسابقات الوطنية الثقافية، والدينية، والرياضية.

كما يتم تشجيع السجناء على القراءة، بمنح الجائزة الوطنية للقراءة، وفي إطار تدعيم الجيل الجديد للبرامج التأهيلية تم إحداث الجامعة في السجون، والمقاهي الثقافية، إضافة إلى النوادي السينمائية.

واهتماما بفئة الأحداث، تم العمل على إحداث الملتقى الصيفي للأحداث حيث عرفت مشاركة 1200 نزيل حدثا، إضافة إلى برنامج ماستر كلاس والذي يشهد استضافة شخصيات فنية وثقافية ورياضية معروفة بغرض استعراض تجربتها الفنية والمهنية والحياتية تحمل رسالة هادفة لجمهور النزلاء الأحداث، كالاعتماد على الذات والمثابرة والاجتهاد.

كذلك المندوبية عملت على الاهتمام بالجانب الروحي للنزلاء في إطار الشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والتي تهدف ترسيخ القيم الإسلامية السمحة عن طريق إعطاء دروس الوعظ والإرشاد وحفض القرآن وتجويده أمام النزلاء.

برنامج مصالحة

إضافة إلى التأهيل والإدماج لفائدة السجناء، تم خلال سنة 2018 العمل على إطلاق برنامج مصالحة والذي يشمل:

  • المصالحة مع الذات؛
  • المصالحة مع المجتمع؛
  • المصالحة مع النص الديني.

ولعل هذه الانطلاقة هدفها تحقيق ثلاث عناصر  رئيسـية متعلقـة بتحصن النتائـج المحققة خـال النسـخة الأولى، والرفـع مـن عـدد المسـتفيدين وكـذا الانفتـاح عـلى شركاء جـدد للمسـاهمة في تأطـر مختلـف الأنشـطة المبرمجـة بهـذا الخصوص. فـإلى جانب شركاء النسـخة الأولى المتمثلـين في المجلـس الوطنـي لحقوق الانسـان، والرابطة المحمديـة للعلـاء، ومؤسسـة محمـد السـادس لإعـادة إدمـاج السـجناء، ومتخصصيـن في علـم النفـس والاقتصـاد، تـم إشراك قطاعـات أخـرى، ويتعلـق الأمر بـوزارة الدولة المكلفـة بحقوق الإنسـان، ووزارة العـدل، ووزارة الأوقـاف والشـؤون الإسـلامية، والنيابـة العامـة، والمجلـس الأعـلى للسـلطة القضائيـة. وتجـدر الإشـارة إلى أن عـدد المسـتفيدين قـد بلـغ 50سـجينا مـن بـن السـجناء المدانـين في قضايـا التطـرف والإرهـاب.

إضافة إلى النسخة الثانية والتي همت أربع جوانب:

التأهيل والمصاحبة النفسية؛

التأهيل الفكري والديني؛

التأهيل القانوني والحقوقي؛

التأهيل السوسيو- اقتصادي لإعادة الإدماج.

كذلك تم إحداث برامج للتثقيف بالنضير لنشر ثقافة التسامح بالمؤسسات السجنية، حيث يذكر أن العدد الإجمالي المستفيدين من برنامج التثقيف بالنظير منذ انطلاقته سنة 2016قد بلغ 28 748مستفيدا.

ولأهمية تواصل السجين بالعالم الخارجي تم تعزيز تواصل السجناء بالعالم الخارجي حيث 2481340 هو هو عدد الزوار من عائلات السجناء الذين استقبلتهم المؤسسات السجنية خال سنة 2018.

مع إمكانية الاستفادة من الرخص الاستثنائية للخروج لمدة لا تتعدى 10 أيام بمناسبة الأعياد الوطنية أو لأسباب شخصية أو عائلية، باعتبارها كمكافأة لهم على حسن سلوكهم وانضباطهم وذلك وفق شروط كالتالي:

أن يكون الحكم نهائيا واكتسب قوة الشيء المقضي به؛

قضاء مدة لا تقل عن نصف المدة المحكوم بها؛

التميز بحس السيرة والسلوك.

  • تحسين ظروف الاعتقال

أعربت المندوبية حرصها على تحسين ظروف الاعتقال، عن طريق تعزيز البنيات التحتية والتجهيزات، ثم تجويد التغذية والرفع من مستوى النظافة، والعمل على تكريس المقاربة الحقوقية بالوسط السجني، ثم مأسسة مقاربة النوع الاجتماعي.

تواصلت المجهودات المبذولة بهدف أنسنة ظروف الاعتقال من خلال تأهيل البنيات التحتية لحظيرة السجون، وتعزيز تجهيزاتها واعتماد إجراءات جديدة في إطار السعي إلى تحسين مستوى التغذية المقدمة لنزلائها، وتوفير الشروط الصحية للإيواء خاصة من حيث النظافة، إضافة إلى اعتماد المعاملة الإنسانية بتكريس المقاربة الحقوقية بالوسط السجني عبر آليتي التكوين والتحسيس في صفوف العاملين بالسجون وتعزيز التعاون والتنسيق مع الفاعلين في هذا الميدان.

فكما سلف الذكر فالعقوبة إذن مرت بمراحل، إلى أن وصلت لما عليه الآن هدفها تقويم سلوك المحكوم عليه وإدماجة ليدخل من جديد لحضيرة المجتمع كعنصر نافع.

لكن بالرغم من أن العقوبة أصبح هدفها تحقيق الردع العام والخاص والتأهيل ولكن بالرغم من أن العقوبة أصبح هدفها تحقيق الردع العام والخاص والتأهيل وإعادة الإدماج، فإنها طرحت إشكالات خطيرة انعكست سلبا على المنظومة الجنائية، بما فيها اكتظاظ السجون، وارتفاع حالة العود، إثقال كاهل ميزانية الدولة.. مما جعل المشرع المغربي يستفيد من التجارب الدولية في علاقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية رغبتا في التقليل من الأزمة التي أصبحت ترخي بضلالها السياسة الجنائية بصفة عامة والسياسة العقابية بصفة خاصة، غير أنه كما سنبين ذلك فبدائل العقوبات السالبة للحرية هي الأخرى تعتريها إشكالات عدة تجعل من الصعب تحقيق الهدف المرغوب فيه.

المطلب الثاني: بدائل العقوبات السالبة للحرية في التقنين المغربي كنموذج للإصلاح

يجب أن ننطلق من حقيقة مفادها تزايد العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى تزايد حجم الجريمة، وتزايد عدد المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، هذه الأخيرة التي تشكل النسبة الكبيرة من القضايا المعروضة أمام محاكم المملكة، مما أفرز أزمة حقيقية نتج عنها تضخم في القضايا المعروضة على القضاء، بالإضافة إلى اكتظاظ السجون والذي نتج عنه ما يسمى بارتفاع حالات العود نظرا لعدم استفادت هؤلاء من البرامج الرعاية اللاحقة.

كل هذا أدى إلى تفكير المنتظم الدولي في حل لأزمة العقوبة التي تعرفها المنظومة الجنائية عن طريق إيجاد بدائل عن العقوبات السالبة للحرية مما يستدعي منا البحث في دواعي الأخذ ببدائل العقوبات السجنية  (الفقرة الأولى)، مع العلم أن هناك تجارب مقارنة أخذت ببدائل العقوبات السالبة للحرية ( الفقرة الثانية )، ثم تقييم بدائل العقوبات السالبة للحرية في التشريع المغربي ( الفقرة الثالثة ).

الفقرة الأولى: دواعي الأخذ ببدائل العقوبات السجنية

مضى زمن كانت الغاية من العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية هي الانتقام. والبشرية بصدد الانتقال إلى غايا ت أسمى: تصحيح سلوك المحكوم عليه وتوفير فرص مناسبة لإعادة تأهيله من جديد، بما يكفل له العودة إلى المجتمع بسلاسة ويمكنه من الاندماج فيه من جديد  مما يتطلب:

– تهييئ السجين للاندماج في المجتمع؛

– العمل على أن يُقبَل من طرف المجتمع  لكون نبذ محيطه له  قد يدفعه للعودة إلى الإجرام أو ما يسمى بالوصم الاجتماعي؛

– كون السجون أصبحت غير قادرة على استيعاب الأعداد الهائلة من المعتقلين بسبب العقوبات السالبة للحرية خصوصا قصيرة المدة؛

– وعلى المستوى المالي، فهذه العقوبة مكلفة جدا. فعلى سبيل المثال تصرف فرنسا على كل سجين يوميا 120 أورو، وهو مبلغ يضاعف ثلاث مرات تكلفة طالب جامعي؛

– عقوبات مكلفة، تتطلب ميزانيات ضخمة كإمكانيات بشرية (الشرطة، رجال القضاء، باقي مساعدي العدالة، الحراسة ، نقل السجناء، أطر المؤسسات السجنية … ).

وليتساءل الواحد منا ماذا لو كانت هذه المبالغ الهائلة التي تصرف من  ميزانية الدولة ويتحملها دافع الضرائب لتنفيذ العقوبة وتحويل جيوش من المواطنين إلى عاطلين وإلى عالة على ميزانية الدولة كالأسر، ماذا لو ذهب جانب منها للوقاية وتحسين ظروف العيش بالنسبة لفئات اجتماعية عريضة؛

توفير فرص الشغل؛

التكفل بالأطفال في وضعيات صعبة …،  ألا يسمح مثل هذا الاختيار بالتصدي لظاهرة الجنوح والإجرام واستئصال نزعات الانحراف في مهدها؟؛

-كون السجون تحولت، بفعل الاكتظاظ وغياب الوسائل الضرورية )البشرية كاللوجستية والمالية … ( ليس لمؤسسات للتأهيل وإعادة التربية وتعليم الحرف كالصنائع (…) ، وإنما إلى مجرد مدارس لتعليم وتكوين مجرمين جدد؛

ان التجربة والواقع العملي أثبتت عجز مؤسسة السجن عن تهيئة الجو الطبيعي لإصلاح المحكوم عليه وإعادة تأهيله

ان عقوبات الحبس القصيرة المدة، أخذت تشكل نسبة كبيرة من مجموع أحكام الحبس الأخرى لذلك فأن اعتماد بدائل غير سالبة للحرية يخفف العبء عن السجون ويمنع انقطاع المحكوم عن ممارسة حياته الاعتيادية في مجتمعه الطبيعي كما ييسر له القيام بإعالة أسرته إضافة لإبعاده عن التأثر بسلبيات السجن.

تبنى السياسة الجنائية على ثلاثة مقومات هي التجريم والعقاب والمنع، وإذا ما أردنا معرفة محل البدائل من هذه المقومات فسنجد أن لها مكانا في المقومات الثلاثة كلها. ففي مجال التجريم تتخذ البدائل مكانا مهما يتمثل في نزع الصفة الإجرامية عن الأفعال التي لا تشكل خطورة كبيرة على المجتمع. أما في مجال العقاب تظهر البدائل في صورة تكاليف بدلا عن العقوبة ومختلفة عنها.

وفي مجال المنع تقوم البدائل بالسيطرة على سلوك الجاني وتوجيهه طوال مدة  تطبيق البديل، وستظهر نتائج البديل في صورة موجهات لسلوك الجاني في مستقبل حياته. كما أن للبدائل مكانا مهما في مكافحة الجريمة يظهر في مجال الوقاية من الجريمة. إذ تدرأ الألم البدني والنفسي الذي يورث حقدا في مجال الوقاية من جرائم العود وتخفف من نقمة الجناة على المجتمع ونظمه، وتيسر لهم التكيف مع أنفسهم ومع مجتمعهم. لقد باتت القناعة راسخة بأن عقوبة السجن تجاه الأحداث، مثلا، لا تؤدي إلى أي نتائج إيجابية قياسا على السلبيات المترتبة عليها.

 

 

الفقرة الثانية: بعض تجارب الدول المقارنة

بالنظر إلى التجارب الدولية المقارنة، يتضح أنها أخذت مجموعة من البدائل المهمة في علاقة بإصلاح منظومة العدالة، نعرض لها كالتالي:

  1. تعليق تنفيذ العقوبة السالبة للحرية أو ما يصطلح عليه (إيقاف التنفيذ في التشريع المغربي)؛
  2. الوضع تحت الاختبار القضائي (الحرية المحروسة بالمغرب) تحت إشراف الجهات المختصة، فإذا التزم المحكوم عليه يصبح بعيد عن العقوبة المقررة، والعكس يتم استئناف الإجراءات الملغاة للعقوبة لمحاكمته وإدانته بالعقوبة الأصلية؛
  3. نظام الجمع بين إيقاف التنفيذ والوضع تحت الاختبار (738-748 من قانون الإجراءات الفرنسي)؛
  4. نظام شبه مفتوح للقيام بعمله ونشاطه في اليوم وعودته باليل مع إعمال المراقبة والملاحظة والتتبع؛
  5. الإعفاء من تنفيذ العقوبة بشروط ( تأهيل المتهم، تعويض الضرر الناتج عن الجريمة، أو توقيف الاضطراب الذي أحدثته الجريمة؛
  6. تأجيل النطق بالعقوبة مع الالتزام بشروط ( 132 من قانون الفرنسي) بعد وضعه تحت الاختبار القضائي لمدة لا تزيد عن سنة؛
  7. العمل لأجل المنفعة العامة ( غرس الغابات، إصلاح وترميم الآثار التاريخية، إنارة الطرق، نظافة الشواطئ والشوارع، مساعدة المارة والعجزة والمعاقين…)؛
  8. نظام السجن المتقطع أو ما يسمى بتقسيط العقوبة، وخاصة المحكوم عليهم الذين يعانون من ظروف اجتماعية أو عائلية أو مرضية صعبة؛
  9. إخضاع الحدث لنظام الحرية المحروسة مع تسليمه لولي أمره أو لأسرته أو شخص جدير بالثقة؛
  10. إخضاعه لتدابير إصلاحية علاجية و تأهيلية.

غير أنه ما يلاحظ أن المشرع المغربي لم يأخذ سوى 3 نقط من هذه التجارب الدولية.

 

الفقرة الثالثة: بدائل العقوبة السالبة للحرية في التشريع المغربي

نتساءل في هذه الفقرة عن مدى تمكن هذه العقوبات البديلة في تجاوز أزمة السياسة العقابية الحديثة، وفيما إذا كان المغرب قد أرسى على المستوى الاجتماعي البنى اللازمة لتفعيل هذه العقوبات حتى تؤتي أكلها وتنسجم مع الواقع، أم أنها قد تصطدم بمجموعة من العوائق، التي قد تؤدي إلى ضرورة تعديلها لتتلاءم مع الواقع بشكل يضمن توافق بعدها النظري مع الواقع العملي ،فهي التي تشكل القاطرة الناقلة للتوجه الجديد للسياسة العقابية الهادفة الى الإصلاح و التأهيل وإعادة الادماج . إذن ومن خلال ما تقدم، فإن الإشكالية المحورية التي يطرحها الموضوع تتمثل فيما يلي:

ـ إلى أي حد ساهمت العقوبات البديلة في تجاوز أزمة النظام العقابي بشكل يحقق أهداف السياسة الجنائية المعاصرة ؟ أو بصيغة أخرى ما مدى توفق المشرع المغربي في تنظيمه للعقوبات البديلة؟

فالمشرع المغربي كما أسلفنا لم يأخذ من التجارب الدولية في علاقة ببدائل العقوبات السالبة للحرية إلا 3 بدائل متمثلة في :

  • الغرامة اليومية (بين 100 و 2000 درهم)؛
  • العمل لأجل المنفعة العامة ( بين 40 و 600 ساعة)؛
  • بالنسبة لعقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.

لكن إذا ما نظرنا لجوهر هذه العقوبات نجدها تصطدم بعراقيل عدة يمكن إجمالها كالتالي:

بالنسبة للغرامة اليومية، فالمشرع المغربي وضع مبلغ محصور بين 100 و 2000 درهم دون أن يأخذ بعين الاعتبار تفاوت فئات المجتمع المغربي، فهناك من المحكوم عليهم الذين لا يمثل هذا المبلغ بالنسبة لهم سوى القليل، عكس الطبقة الفقيرة التي يكون لوقع هذه الغرامة الأثر البليغ على حياتهم ومعيشتهم الاجتماعية، مما يفرغ هدف هذه العقوبة من محتواه.

كما أن المشرع المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار تباين المحكوم عليهم فيما بينهم، وركز فقط على أن تكون الجريمة معاقب عنها بسنتين حبسا أو أكثر.

بالنسبة للعمل من أجل المنفعة العامة عدم كفاية هذه المدة في تتبع سلوك المحكوم عليه وتبقى باقي الساعات مدة فراغ خصوصا وأن هذا الأخير له تأثير سلبي كبير على مستوى علاج وتأهيل المحكوم عليه، كما أنه حتى إن سلمنا بتوجه المشرع فهو لم يرتب أي جزاء ولا أي تدبير على مخالفة أو تجاوز مدة الساعتين في اليوم.
كذلك  عند النظر الى عدد ساعات العمل لأجل المنفعة العامة في علاقتها بالعقوبة السالبة للحرية خصوصا الجد قصيرة المدة، فإذا كان الشخص محكوم عليه بشهرين سجنا فعليا على سبيل المثال وحكم عليه بغ ارمة مالية باهظة التكاليف فإنه يكون مجب ار على اختيار العقوبة السالبة للحرية وهدا ما يفرغ محتوى هده العقوبة من قيمتها القانونية…

 

 

 

 

خاتمة

بعد تحليلنا لهذا الموضوع، وجب التأكيد على أن الشريعة الإسلامية كان لها فضل السبق في إجازة الصلح في مسائل الأحوال الشخصية والمسائل المالية وفي الجنايات ما عدا الحدود، ونفش الشيء بالنسبة للوساطة والتحكيم.

يمكن الجزم أن أسباب ظاهرة تضخم القضايا المعروضة على المحاكم تعود بالأساس إلى التزايد المستمر لعدد القضايا التي تعرض على المحاكم كل سنة مقارنة مع العدد المحدود للقضاة والأطر الإدارية وتضخم النصوص التشريعية التحريمية والتطور الكمي والنوعي للجرائم، وسياسة الإغراق في الشكليات الإجرائية للدعاوى وتعدد درجات التقاضي وطرق الطعن وصعوبات التبليغ، زيادة على غياب المعالجة المعلوماتية لإدارة الدعاوى وعدم التعاون بين القائمين عليها وغياب آليات بديلة عن للدعوى العمومية لاسيما بالنسبة للقضايا الزجرية البسيطة

من خلال هذه الدراسة المقارنة، نستنتج ما يلي:

  • فيما يخص الصلح الجنائي، عمل كل من المشرع المغربي ونظيره الفرنسي على إعطاء النيابة العامة دور أكبر في مسطرة الصلح الزجري، باعتبارها مسؤولة عن تنفيد السياسة الجنائية، غير أن جوانب النقص والقصور التي يمكن إبدائها بالنسبة للتشريع المغربي في علاقة بنظيره الفرنسي تكمن في كون المشرع الفرنسي يميز بين اضطلاع النيابة العامة بالوساطة LA Médiation بين الأطراف وبين قيامها بالعدالة التصالحية أو الصلح الجنائي composition pénale، حيث يكون للنيابة العامة دور قضائي بارز في الصلح عكس الوساطة الجنائي؛
  • يعاني القضاء المغربي على وجه الخصوص من أزمة تتمثل في طول الإجراءات الجنائية، وتضخم في القضايا المعروضة على القضاء؛
  • أزمة عقابية ناتجة عن أزمة السياسة الجنائية ( اكتظاظ في السجون، الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية وغير الرسمية تشخص الأزمة وتبين ارتفاع نسبة الجريمة وبروز أنواع جديدة من الجرائم وتنامي الإحساس بانعدام الأمن وانتشار حالة العود واكتظاظ السجون؛ وضع أصبح معه تفكير الرأي العام مقتنع بجعل السياسة الجنائية في قفص الاتهام إثر التشكيك في النظام الجنائي وفي قدرته على احتواء ظاهرة المد الإجرامي، الكلفة الاقتصادية للسجون….إلخ)؛
  • الحاجة إلى اعتماد المشرع المغربي نظام الوساطة الجنائية، اقتداء بباقي التشريعات اللاتينية والأنجلولساكسونية والعربية كذلك ( تونس نموذجا) التي أخذت بنظام الوساطة الجنائية والتي أثبتت نجاحها في التأثير الإيجابي على منظومة العدالة بصفة عامة، بالإضافة إلى تخفيف العبء على القضاء وسرعة البت فب القضايا ؛
  • الوساطة الجنائية لا تعتبر بديل عن الدعوى الجنائية فقط، بل هي بديل عن العقوبات السالبة للحرية كذلك؛
  • إن بدائل الدعوى الجنائية وهي آلية جديدة في السياسة الجنائية المعاصرة لحل أزمة العدالة الجنائية هذه الأخيرة التي جاءت نتيجة لتصاعد الإجرام والإحساس بغياب الأمن من جهة ولمواجهة أنواع جديدة من الجرائم ظهرت نتيجة اتساع الهوة بين القواعد الجنائية والتصور المجتمعي للقيم الأساسية من جهة أخرى ،بالإضافة إلى عدم فعالية الجهاز القضائي التقليدي في حسم القضايا الجنائية، فكم من الأدلة ضاعت بسبب طول الإجراءات وتعقيدها فهناك سنوات طويلة تفصل بين وقوع الجريمة وتوقيع العقوبة ، وهذا ما يؤدي إلى عدم الثقة في القانون وتضعف من نفوذه وهيبته في نظر الجميع؛
  • يظهر أن المشرع المغربي ينهج سياسة الرقي بنظام العدالة التصالحية وتعزيز ثقافة اعتماد آليات بديلة عن الدعوى الجنائية من خلال المسودة قانون المسطرة الجنائية، إلى أن طول انتظار هذا المولود أصبح يفرض تعديل مقتضيات عديدة بالمسودة نفسها؛
  • الانفتاح على رهان الوساطة الجنائية في ضل المسودة لم يأتي كامل المعالم من حيث التنظيم، سواء فيما يخص المركز القانوني للشخص الوسيط وكذا الشروط اللازم توفرها فيه والواجبات الملقاة على عاتقه مما أدى إلى فقدان هذه الآلية للطابع المؤسساتي التي ينبغي أن تكون عليه، الشيء الذي أصبح يحتم على المشرع المغربي إجراء تعديل في المسودة كذلك، والانفتاح على الوساطة الجنائية كتجربة أبانت على نجاحها وتنظيمها بشكل واضح متجاوزا القصور الذي أبانت عليه مؤسسة الصلح الجنائي؛
  • ضرورة مراجعة بدائل العقوبات السالبة للحرية بما يتماشى وتأهيل السجين وإصلاحه.
  • نظام العقوبات البديلة ما زال يثير في مفهومه الكثير من اللبس والغموض، كما أن استعمال عبارة البديلة أمر محل نقاش، لأنه يجب أن تكون عقوبات أصلية إذ أرادت تحقيق غايات السياسة الجنائية الحديثة؛
  • توعية المواطنين والمعنيين بأهمية هذا النظام، ونشر ثقافتها بين مختلف مكونات المجتمع حتى يسهل أمر تطبيقها، كما الحال بالنسبة لعقوبة العمل لأجل المنفعة، حيث يتسم تطبيقها في مؤسسات عمومية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

المقدمة: 2

المبحث الأول: الحاجة إلى تفعيل الصلح الجنائي واعتماد الوساطة الجنائية كبدائل عن الدعوى العمومية. 5

المطلب الأول: تنظيم الصلح الجنائي في التشريع المغربي والتشريع الفرنسي.. 5

الفرع الأول: مفهوم الصلح الجنائي.. 5

المطلب الثاني: الحاجة إلى اعتماد الوساطة الجنائية كبديل للدعوى العمومية. 11

الفرع الأول: الوساطة الجنائية في التشريع الفرنسي.. 12

الفرع الثاني: الوساطة الجنائية في التشريع التونسي.. 16

المطلب الأول: شروط الوساطة الجنائية في التشريع التونسي.. 17

الفقرة الأولى: الشروط العامة. 17

الفقرة الثانية: الشروط الخاصة. 17

المبحث الثاني: بدائل العقوبات السالبة للحرية ورهان الإصلاح. 20

المطلب الأول: مختلف نظريات علم العقاب الكلاسيكية والحديثة. 20

الفرع الأول: نظريات علم العقاب في الفكر الكلاسيكي.. 20

الفرع الثاني: نظريات علم العقاب في الفكر الحديث.. 22

المطلب الثاني: بدائل العقوبات السالبة للحرية في التقنين المغربي كنموذج للإصلاح. 29

خاتمة. 33

 

ه[1] محمد السيد عرفه، التحكيم والصلح وتطبيقاتهما في المجال الجنائي، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 1427ه-2006م، ص5.

[2] نفس المرجع، ص 6 و 7.

[3] ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة ولادة السجن، ترجمة د علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، 1990، ص 36.

[4] فرج صالح العريش، النظم العقابية ، دراسة تحليلية في النشأة و التطور، دار الكتب الوطنية بنغازي، الطبعة ،1998ص 2.

[5] عبد الرزاق عريش، الوسائل البديلة للتقاضي في القانون المغربي، 28 يوليوز 2011، ص 4. مقال منشور بمجلة  MAROCDROIT تم الاطلاع بتاريخ 30 يناير 2021 على الساعة 5.00 PM

[6] سميرة خزرون، بدائل الدعوى العمومية: قراءة في التشريع المغربي والمقارن. مقال منشور بمجلة ستار تايمز على الموقع www.startimes.com تم الاطلاع عليه بتاريخ 29 يناير 2021 على الساعة 4.00 PM.

[7] محمد السيد عرفه، م.س، ص 8.

[8] سورة البقرة، الآية 222.

[9] سورة الأنفال، الآية 1.

[10] رشيد عبيد الرحمان، بدائل الدعوى العمومية، مقال منشور بمجلة MAROCDROIT  تم الاطلاع عليه بتاريخ 28 يناير 2021 على الساعة 5.00 PM.

[11] الفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود ظهير 9 رمضان 1331 ( 12 أغسطس 1913 ) صيغة محينة بتاريخ 26 أغسطس 2019.

[12] الفصول 1100 و 1101 و 1102 من نفس القانون

[13] الحسن بيهي، الصلح الزجري دراسة  للمادة 41 من قانون المسطرة الجنائية المغربية، مقال منشور على موقع المنصة القانونية تم الاطلاع عليه بتاريخ 29 يناير 2021 على الساعة 4.00 PM.

[14] فريد السموني، “الصلح الجنائي كتقنية إجرائية بديلة عن المتابعة  مقارنة بين مقتضيات القانون الجديد للمسطرة الجنائية المغربي وبين قانون المسطرة الجنائية الفرنسي”، مقال منشور في مجلة “الأمن الوطني” عدد 2003/223 تم الاطلاع عليه بتاريخ 29 يناير 2021 على الساعة 6.00 مساء.

[15] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 5/3/00 تحت عدد 52/02 في الملف عدد 18/02 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 95 ص177 وما يليها.

[16] الحسن بيهي، م.س، ص2.

[17] وزارة العدل والحريات، آلية الصلح الزجري، ساحة المامونية، الرباط، المغرب. مطوية لوزارة العدل منشورة على موقع الوزارة www.justice.gov.ma/www.mahakim.ma

[18] عبد الرزاق عريش، م.س، ص 6 و 7.

[19] المادة 461 من ق.م.ج.م تنص على مايلي:

تحيل النيابة العامة الحدث الذي يرتكب جريمة إلى قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث.

إذا وجد مع الحدث مساهمون أو مشاركون رشداء، وجب فصل قضيتهم عن القضية المتعلقة بالحدث، وتكون النيابة العامة ملفا خاصا للحدث تحيله إلى قاضي الأحداث أو إلى المستشار المكلف بالأحداث.

يمكن للنيابة العامة في حالة ارتكاب جنحة، إذا وافق الحدث ووليه القانوني وكذلك ضحية الفعل الجرمي، تطبيق مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون.

يمكنها كذلك أن تلتمس، بعد إقامة الدعوى العمومية وقبل صدور حكم نهائي في جوهر القضية، إيقاف سير الدعوى العمومية في حالة سحب الشكاية أو تنازل المتضرر.

ويمكن مواصلة النظر في الدعوى العمومية بطلب من النيابة العامة، إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، ما لم تكن قد سقطت بالتقادم أو بسبب آخر.

 

[20] منشورات وزارة العدل، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الثالثة فبراير 2005 م، مطبعة فضالة، جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، الرباط، 2004، ص 190.

[21] فريد السموني، م س، ص 6.

[22] محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، سجلماسة، 2018، ص 185-186.

[23] محمد عبد النباوي، تقرير حول تنفيد السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، 2018، ص 200. التقرير منشور على الموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة.

[24] مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، 2014/11/17

[25] عماد الفقي، الاتجاهات الحديثة في إدارة الدعوى الجنائية ( دراسة في النظام الإجرائي الفرنسي )، جامعة مدينة السادات، كلية الحقوق، ص 16.

[26] بلقاسم سويقات، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون الجنائي تحت عنوان: العدالة التصالحية في المسائل الجنائية دراسة مقارنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر –بسكرة-، 2019، ص 35.

[27] فريد السموني، م.س، ص من 7 إلى 11.

[28] صباح أحمد نادر، بحث تحت عنوان: التنظيم القانوني للوساطة الجنائية وإمكانية تطبيقها في القانون العراقي (دراسة مقارنة)، إقليم كورديستان، العراق، 1435ه-2014م، ص 4 و 5.

[29] شايب سامية وسعدون ليندة، مذكرة لنيل شهادة الماستر تحت عنوان: الوسائل البديلة لحل النزاعات في التشريع الجزائري، تخصص قانون العون الاقتصادي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري-تيزي وزو، 2015، ص 32.

[30] العابد العمراني الميلودي، الوساطة الجنائية “التشريع الفرنسي والتونسي نموذجا”، مقال منشور على الموقع droitentreprise.com تم الاطلاع عليه بتاريخ 28 يناير 2021 على الساعة 4.17 pm.

[31] R.CARIO, La justice restaurative  : vers un nouveau modèle de justice pénale ?, 2007, p5.

عماد الفقي، م.س، ص 46. [32]

[33] العابد العمراني الملودي، م.س.

[34]عماد لفقي، م.س، ص 49.

[35] فاطمة بنعبد العزيز، النظام القانوني للوساطة الجنائية في التشريع الفرنسي. مقال منشور على موقع المعلومة القانونية تم الاطلاع عليه في 28/01/2021 على الساعة 4.21 PM.

 

 

[36] فاطمة بنعبد العزيز، م.س.

[37] نفس المرجع.

[38] عماد لفقي، م.س، ص 66-67.

[39] عيساوي عز الدين، محاضرات في الطرق البديلة لتسوية النزاعات، كلية الحقوق والعلوم  السياسية، جامعة عبد الرحمان، ميرة-بجاية-، قسم قانون الأعمال، 2015/2016، ص 26.

[40] عماد لفقي، م.س، ص 68.

[41] وحدة عدالة الأطفال، الوساطة في نظام عدالة الأحداث نهج نحو تحقيق العدالة “دراسة تحليلية مقارنة”،2017، ص 38-39. دراسة أعدت من طرف وحدة عدالة الأطراف الحركة العالمية للدفاع عن الأطراف بشراكة مع النيابة العامة الفلسطينية.

[42] العابد العمراني الميلودي، م.س، ص 9-10.

[43] صباح أحمد نادر، م.س، ص 27.

[44] العابد العمراني الميلودي، م.س، ص 11.

[45] العابد العمراني الميلودي، م.س، ص 12.

[46]

[47] المواد 334 ثالثا و 335 رابعا من مجلة الإجراءات الجزائية التونسية.

[48] العابد العمراني الميلودي، م.س، ص 13.

[49] المادة 335 سابعا من نفس القانون.

[50] بلقاسم سويقات، م.س، ص 333.

[51] BENTHAM. Theorie des peines et des récompenses, Paris, Bossange, frères libraires, 3e édition,
1825, tome I, p.15

[52] جعفر العلوي، السلوك الإجرامي: دراسة تحليلية نقدية لأهم النظريات في علم الإجرام على ضوء السياسة الجنائية والتشريع الجنائي المغربي والمقارن، الطبعة الأولى، كلية الحقوق، فاس، 2010، ص148.

[53] إعداد الطالبة شريفة سكري، وفاء زبلوح وآخرون، عرض حول عنوان نظريات علم العقاب ومدى تأثيرها في المنظومة العقابية بالمغرب، ماستر العدالة الجنائية والعلوم  الجنائية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، كلية الحقوق، فاس، 2019/2020، ص 26.

[54] المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، تقرير الأنشطة، 2018، ص 8.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى