في الواجهةمقالات قانونية

جريمة الإهمال المادي للأسرة بين التجريم والعقاب – ازويدة رباب

جريمة الإهمال المادي للأسرة بين التجريم والعقاب – ازويدة رباب

المقدمة:

إن الأسرة هي أولى حلقات المجتمع، لذا فالاهتمام بها وبمختلف مكوناتها يجب أن يحظى بالأولوية في خضم أي مشروع تقديمي، حداثي، ديمقراطي خال من العقد الاجتماعية، وكذا لأن ترسيخ الدعائم القانونية لمؤسسة الأسرة من شأنه أن يكرس العدالة الاجتماعية في أولى حلقاتها.

لذا نجد أنه وعيا بالأهمية الكبرى لمكانة مؤسسة الأسرة وضرورة الاهتمام بها، كانت معظم التشريعات حريصة على جعلها في صلب اهتماماتها، ومن بينها التشريع المغربي.

وباعتبار الزواج إحدى أقدس الروابط الاجتماعية والقانونية الذي وصفه الشارع الحكيم   بالميثاق الغليظ، حيث نجده حظي بعناية كبيرة من طرف المشرع المغربي، وإيمانا منه بضرورة الحفاظ على الروابط الأسرية في مسايرة مثيرة منه للمنظور الإسلامي   ولتقاليدنا التكافلية، فإنه جعل جريمة إهمال الأسرة وبالخصوص جريمة الإهمال المادي للأسرة قابلة للتحقق بالإخلال بالالتزامات الأسرية.

ولقد تطرق المشرع المغربي إلى جريمة الإهمال المادي للأسرة بمختلف صورها من خلال الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، وهذا الفصل يعتبر هو السند القانوني للتجريم والعقاب على هذه الجريمة، وذلك لما يترتب عنها من أثار وخيمة تتجسد في التفكك الأسري وتشرد الأطفال وانقطاعهم عن الدراسة وسقوطهم في براثن الانحلال الأخلاقي والانحراف الاجرامي.

أولا: دوافع اختيار الموضوع

تكمن الأسباب التي أدت بي إلى اختيار موضوع الدراسة:” الإهمال المادي للأسرة بين التجريم والعقاب”، في الانتشار الواسع لهذه الجريمة في المجتمع المغربي ومساسها بكيان الأسرة إضافة إلى معرفة السياسة الجنائية المتبعة في تجريم هذه الجريمة وذلك من أجل حماية الأسرة وكذا معرفة الخصوصية المسطرية التي تميز هذه الجريمة عن غيرها، وذلك راجع بالأساس لارتباطها بالمجال الأسري.

ثانيا: أهمية الموضوع:

تتجلى أهمية الموضوع محل الدراسة من الناحية النظرية في كون المشرع المغربي أضفى الطابع الزجري لجرية الإهمال المادي للأسرة بشكل مستقل في القانون الجنائي رغم ارتباطها الوثيق بمدونة الأسرة، وذلك راجع بالأساس لكونها تشكل خطورة على كيان الأسرة والمجتمع، أما من الناحية العملية فتعرف هذه الجريمة نوعا من الانتشار الواسع في المجتمع بالمقارنة بالجرائم التي تمس الأسرة، وتترتب عنها أثار وخيمة تتجلى في انفكاك الأسرة وتشرد الأطفال وسقوطهم في واقع الانحراف الأخلاقي.

رابعا: إشكالية الموضوع:

تتجلى الإشكالية المحورية للموضوع محل الدراسة، الذي بدوره يمس الاستقرار الأسري

فيما مدى نجاعة النصوص الزجرية المتعلقة بجريمة الإهمال المادي للأسرة المقررة في القانون الجنائي لتوفير الحماية الفعالة لهذه المؤسسة الاجتماعية وحمايتها من التفكك؟

وتتفرع عن الإشكالية المطروح مجموعة من التساؤلات الفرعية من قبيل:

  • ماهي صور جريمة الإهمال المادي للأسرة؟
  • ماهي قواعد الاختصاص في جريمة الإهمال المادي للأسرة؟
  • ماهي طبيعة العقوبات المقررة في جريمة الإهمال المادي للأسرة؟

ثالثا: المنهج المعتمد 

سأعتمد من خلال دراستي لهذا الموضوع على المنهج التحليلي، وذلك من خلال تحليل أبرز النصوص القانونية المنظمة لهذه الجريمة مع بيان أوجه النقص في بعضها واقتراح حلول يمكن أن تزيد من نجعتها.

خامسا: خطت الموضوع

من خلال ما تقدم بيانه، وللإجابة عن الإشكالية المطروحة، ارتأينا تحليل موضوع جريمة ترك بيت الأسرة من خلال التصميم الاتي:

المطلب الأول: النظام القانوني في جنحة الإهمال المادي للأسرة

الفقرة الأولى: جريمة مغادرة أحد الأبوين بيت الأسرة

الفقرة الثانية: جريمة ترك الزوجة الحامل

المطلب الثاني: الإطار الإجرائي لجنحة الإهمال المادي للأسرة

الفقرة الأولى: الاختصاص القضائي وشروط تحريك وممارسة الدعوى العمومية

الفقرة الثانية: الدفوعات والعقوبة المقررة لجريمة الإهمال المادي للأسرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: النظام القانوني في جنحة الإهمال المادي للأسرة

إن الحياة الزوجية تهدف من حيث الأساس إلى تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة تستوجب بدورها قدرا كبيرا من التكافل وبذل جهد مشترك بين الزوجين من أجل إقامة حياة زوجية سعيدة ومستقرة، لكن الإشكال يطرح في حالة تقاعس الزوجين عن أداء وظائفهم الأساسية: كترك بيت الأسرة من أحد الأبوين (الفقرة الأولى)، وأيضا في حالة ترك الزوج عمدا لزوجته الحامل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: جريمة مغادرة أحد الأبوين بيت الأسرة

نص المشرع المغربي من خلال الفقرة الأولى من الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي بأنه: “يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 200 إلى 2.000 درهم أو بإحدى العقوبتين فقط:

  • الأب أو الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد على شهرين

وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة، ولا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية”.

ويستفاد من نص المادة أعلاه أن عناصر جريمة ترك بيت الأسرة تتجلى من خلال التالي:

أولا: الركن المادي

يتمثل في ترك بيت الأسرة بدون عذر لمدة تزيد عن شهرين؛ والمقصود ببيت الأسرة ذلك الوضع المعد للسكن والمتوفر على كل المرافق الضرورية اللازمة للاستقرار فيه[1].

وما ينبغي لإشارة إليه أنه من خلال استقراء مضمون نص المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي يتضح أن المشرع المغربي قصد بلفظ “الأسرة ” الزوجين والأبناء معا، وهذا ما يبين التميز الحاصل بين بيت الزوجية الذي بدوره لا أبناء فيه وبين بيت الأسرة المشتمل على الزوجين والأبناء.

إضافة لذلك نجد أن الركن المادي كما سلف الذكر أعلاه يتجلى من خلال: ترك بيت الأسرة دون عذر، ومدة تزيد على شهرين وفي ذلك توضيح:

  • ترك بيت الأسرة:

الترك يقصد به أن يهجر الجاني مبتعدا عن بيت الأسرة، تهربا وتخلصا من الالتزامات والواجبات التي يفرضها عليه القانون تجاه أسرته، ذلك أنه لقيام الأسرة واستمرارها وجودا واستقرارا على الأب والأم أن يظلا ساكنين في بيت الأسرة، ملتزمين بواجباتهما ورعاية أطفالهما من حيث التربية والإنفاق والإشراف[2].

والترك أو الهجر الذي عرفه المشرع الجنائي من خلال نص المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي : يقصد به الابتعاد المادي المتواصل عن منزل استقرار الأسرة والتخلي عن شؤونه وعن الالتزامات  التي يفرضها القانون لفائدة الساكنين فيه، كما نجد أنه ليس  من عناصر الهجر بعد المسافة، فقد يبقى الهاجر قريبا من منزل الأسرة كالانتقال إلى منزل مجاور  أو في طبقة أخرى من نفس العمارة، فالعبرة بمغادرة المنزل ماديا وتقرير التخلي عن أهله وسير شؤونه، فمتى تحقق ذلك وجد الهجر أو الترك لبيت الأسرة، ولا أهمية بعد ذلك لما إذا كان الهاجر قد استقر في منزل اخر قريب أو بعيد، أو بقي متنقلا دون فرار، أو جهل  مكان  وجوده[3] .

وما ينبغي الإشارة إليه أن المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 479 من م. ق. ج، لم ينص على الحالة التي يكون فيها الزوجان بعد زفافهما يعيشان منفصلين؛ بمعني أن يظل الزوج في بيت أهله وأن تظل الزوجة أيضا في بيت أهلها ماكثة فيه تمارس حقها في حضانة أولادها ففي هذه الحالة ينعدم وجود مقر الأسرة، وبالتالي قد يحكم القاضي بعدم قيام هذه الجريمة[4].

وما ينبغي الإشارة إليه أن التخلي عن شؤون البيت والتزاماته، لا يشترط أن يكون كليا كما هو صريح في  مقتضيات نص المادة 479 من م. ق. ج، فيكفي أن يتحقق التملص الجزئي من الواجبات المادية والمعنوية للأب أو الأم، وهذا ما يوضح أن الإهمال يعتبر قائما ولو استمر الأب مثلا في الانفاق على الزوجة وأطفالها، والحقيقة أن الابتعاد المادي والمتواصل عن البيت يستتبع حتما التملص من بعض الالتزامات المادية والمعنوية ويتعذر بل يستحيل القيام بكل هذه الالتزامات مع هجر مسكن الأسرة سواء إزاء الزوج الأخر، أو إزاء الأطفال، لذلك نجد أن اثبات الواقعة المادية للهجر يشكل في نفس الوقت اثباتا للتملص من الالتزامات الأسرية [5].

وبالرجوع للمادة 479 من مجموعة القانون الجنائي نجد أن المشرع المغربي نص بشكل صريح أن: ” الالتزامات المادية والمعنوية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة”، منها ما هو خاص بالأب كالالتزامات الناشئة عن الولاية الأبوية؛ بحيث نجد أن الأب يعتبر الولي الشرعي لأبناه القاصرين بقوة الشرع[6] والقانون طبقا للمادة 238 من مدونة الأسرة[7]،ومن أجل الحفاظ على مصلحة الولد القاصر في حالة  مرض الأب أو غيبته أو وفاته أو فقدانه لأهليته وغيرها من الموانع التي قد تعترضه، فقد منح المشرع المغربي للأم الراشدة القيام بالمصالح المستعجلة لولدها التي لا تحتمل  انتظار زوال المانع الذي يعترض الأب، وهو الأمر الذي وضحه المشرع المغربي من خلال المادة 238 من مدونة الأسرة [8].

ولا يفتني الإشارة أن المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي تثير تساؤلات مهمة تتجلى حول المقصود بالتزامات الوصاية؟ وهل الإهمال المادي للأسرة يقتصر فقط على الاخلال بالتزامات الولاية والوصاية الأبوية والحضانة فقط؟

إجابة عن التساؤل المطروح نجد أن الأستاذ أحمد الخمليشي أقر بشكل صريح من خلال كتابه المعنون ب:” القانون الجنائي الخاص في جزئه الثاني” : بأن نص المادة 479  من مجموعة القانون الجنائي وإن كان منقولا عن القانون الفرنسي، إلا أنه يمكن تطبيقه في حالة الحكم بسفه الزوج أو إصابته بخلل عقلي وتقديم الزوجة عليه، فإذا تركت الأم بيت الأسرة تعتبر بدورها مخلة بالتزاماتها الناشئة عن التقديم المخول لها على الأب والذي يمتد تلقائيا إلى أبنائه القاصرين، وإن كان هذا نادر الحدوث جدا، أما بالنسبة لسؤال الثاني فنجد أن المشرع المغربي اقتصر على التزامات الولاية الأبوية والحضانة فقط، الأمر الذي جعل تطبق نص المادة 479 من م. ق. ج، قاصرا على حالة وجود الأطفال القاصرين، لكن مع ذلك يبدوا  أن التزامات الزوجين المتبادلة تؤخذ في الاعتبار لقيام جريمة إهمال الأسرة [9].

أما فيما يتعلق بالالتزامات الأم نجدها هي تلك الناشئة عن الحضانة والتي عرفها المشرع المغربي من خلال مقتضيات المادة 163 من م.أ، بكون:” الحضانة هي حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه، على الحاضن أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون وسلامته في جسمه ونفسه، والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي، وفي حالة الضرورة إذا خيف ضياع مصالح المحضون”.

  • دون عذر: نص المشرع المغربي من خلال الفقرة الأولى من المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي بأنه:” الأب أو الأم إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر…”؛ الملاحظ بعد استقراء هذه المادة أن المشرع المغربي لم يحدد أمثلة تدل على الموجب القاهر، وهذا ما يجعل النص يعتريه نوع من الغموض واللبس، وفي غياب هذا التوضيح يستوجب إخضاع الموجب القاهر للسلطة التقديرية للقاضي.

أما إذا كان السبب إراديا واختياريا، فإن تقدير الموجب القاهر يرجع إلى المحكمة بعد استقصائها ظروفه وسماع بينات المعنيين بالأمر، ومما تستعين به المحكمة في تقديرها مدى حرص المدعى عليه بالإهمال على قيامه بالتزاماته إزاء الأسرة، وكذلك علاقة الزوجين قبل مغادرة بيت الأسرة[10].

  • مدة الإهمال: كما هو معلوم أن الركن المادي في جنحة إهمال الإقامة ببيت الأسرة لا يتحقق فقط بواقعة الهجر مع التملص من أداء الواجبات المعنوية والمادية الملقاة على عاتق الأبوين بل يتعين أن تتجاوز مدة الغياب الشهرين تماشيا مع ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، مما يستفاد معه أنه في حالة ترك أحد الأبوين بيت الأسرة لمدة تعدل أو تقل عن الشهرين لا نكون بصدد الحديث عن جنحة ترك بيت الأسرة، وقد يحدث أن يرجع المهمل إلى بيت الأسرة بصفة متقطعة داخل مدة شهرين  دون الرغبة في استئناف الحياة العائلية عن إرادة، وذلك للتملص من المتابعة الجنائية، وبهدف سد الطريق  أمام هذا النوع من التحايل  أورد المشرع المغربي في مجموعة القانون الجنائي بأنه [11]:” …لا ينقطع أجل الشهرين إلا  بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية”؛ مما يفيد أن مدة الغياب لا تمحى ولكن ترجع ،وهنا يعطي المشرع المغربي للقاضي سلطة تقديرية واسعة، فلا ينقطع أجل الشهرين إذا رجع الظنين إلى البيت لقضاء بعض الأيام ثم يذهب، حيث نجد أنه لا يؤخذ هذا الرجوع بالحسبان لأنه يشكل تحايلا على القانون، أما إذا رجع المهمل رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية فالمدة التي غاب فيها المهمل تنقطع[12].

إضافة إلى ذلك نجد أن المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي، تسري ابتداءا من ملاحظة أو معاينة أو ارتكاب أو إتيان الأفعال غير القانونية التي تشكل الركن المادي لهذه الجنحة كالفرار وترك مقر الأسرة، إضافة عن أداء الواجبات والالتزامات العائلية[13].

ثانيا: الركن المعنوي

تعتبر جريمة ترك بيت الأسرة عمدية، يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي؛ والذي يتمثل في النية العمدية لترك بيت الأسرة والإخلال الكلي أو الجزئي بالتزاماته المادية والمعنوية تجاه أسرته، وينبغي الإشارة أنه يتم الاستدلال على وجود النية العمدية عن طريق إثبات واقعة الهجر أو الترك مع انعدام الموجب القاهر، إضافة إلى ما يمكن أن يوجد من قرائن أخرى مستخلصة من تصرفات الهاجر وعلاقته بالزوج الأخر قبل وأثناء الهجر[14] .كما ينبغي الإشارة أن القصد الجنائي في هذه الجريمة من خلال ما تقدم بيانه يتضح أنه يتكون من ركنين: أولهما الإرادة الواعية لدى الفاعل، وثانيهما النتيجة الضارة التي يهدف إليها، والتي هي الفاصل بين المسؤولية واللامسوؤلية  وهكذا فعدم وجود أي عذر مشروع يبرر هجر أحد الأبوين لبيت الأسرة يجعل النية الإجرامية والقصد الجنائي قائما لدى الفاعل، ويبقى على النيابة العامة إثبات القصد

الجنائي لدى الجاني بمختلف وسائل الإثبات[15].

الفقرة الثانية: جريمة ترك الزوجة الحامل

تنص الفقرة الثانية من الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي بأنه:”… الزوج الذي يترك عمدا، لأكثر من شهرين ودون موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل”؛ وهذا ما يعني أن قيام هذه الجريمة تتجلى من خلال ترك الزوج وعن عمد زوجته وهو يعلم بأنها حامل لأكثر من شهرين عند تحقق هذه الشروط يمكن القول بأن الزوج يهمل عائلته وزوجته، وينبغي الإشارة أنه بمضي شهرين من تاريخ الترك يعتبر مرتكبا للسلوك المادي لهذه الجريمة.

ومن خلال تحليلنا للفصل 479 من م. ق. ج يتبين أن عناصر التي تنبني عليها جريمة ترك بيت الأسرة تتجلى من خلال:

أولا: الركن المادي؛ أولا لا بد من الإشارة بأن الركن المادي لجنحة إهمال الأسرة هو نفسه في جنحة إهمال بيت الأسرة الذي سبق وتعرضنا له في الفقرة الأول.

لكن الاختلاف الحاصل بينها يتجلى في كون جريمة إهمال بيت الأسرة تتطلب توفر عنصر التملص من الالتزامات والواجبات المعنوية والمادية التي بدورها تنشئ عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة، وهو الأمر الذي لا يعتبر عنصر من عناصر قيام جريمة اهمال الزوجة الحامل.

لكن ما ينبغي الإشارة إليه بخصوص الموجب القاهر  في جريمة ترك الزوجة الحامل نجد أنه كان لزما على المشرع المغربي أن يستعمل عبارة “عذر مشروع” بالنظر إلى أن مصطلح الموجب القاهر يبدو أكثر صرامة، وكمثال على ذلك  نجد أن الزوج الذي يتاح له  الخيار  بين عملين الأول بالقرب من الإقامة الزوجية والثاني بعيد عنها إلا أنه  يتوفر على امتيازات وبذلك يحبذه عن الأول، هنا يمكن متابعة الزوج في حالة تركه زوجته حاملا لغياب الموجب القاهر لديه طالما توفر له العمل بالقرب من الإقامة الزوجية، في حين أنه لو تم اعتماد المعيار البديل “دون عذر مشروع”، لا نكون بصدد الجنحة بالنظر إلى أن مغادرته لبيت الزوجية كانت مشروعة بحثا عن عمل، وغني عن البيان أن مدة ترك الزوجة الحامل محددة في أكثر من شهرين وهو الأمر الوارد على جريمة ترك بيت الأسرة أيضا[16].

إضافة إلى ذلك لا بد من توفر الصفات التالية لقيام الركن المادي لهذه الجريمة:

  • صفة الزوجة الحامل: بمعنى أن تكون الزوجة المهملة حاملا وهو شرط استلزمه المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، حيث أورد عبارة:” وهو يعلم أنها حامل” والمقصود هنا علم الزوج بذلك؛ وهذا ما يفيد أن هذه الجنحة لا تتحقق إلا في حالة كانت الزوجة حاملا في الوقت الذي تركها زوجها، إلا أن السؤال المطروح بهذا الخصوص يتمحور حول : هل الحمل الذي يظهر بعد مغادرة الزوج لبيت الزوجية يعرضه للمسألة الجنائية، خصوصا أنه نجد أن المشرع المغربي من خلال مقتضيات الفصل 479 من م. ق. ج اشترط عنصر العلم؟

وما ينبغي الإشارة إليه أنه بعد الرجوع لمقتضيات المادة 479 من م. ق ج الملاحظ أن المشرع المغربي اقتصر فقط على الحماية الجنائية بالنسبة للزوجة الحامل دون الزوجة غير الحامل، رغم أنه بالرجوع لمقتضيات المادة 480[17] والفقرة الأولى من المادة 481[18] من مجموع القانون الجنائي نجد أن المشرع المغربي قام بحمايتها من صور الإهمال، وهذا ما يجعلها عرضة للترك من طرف زوجها الذي لم يرتب عليه المشرع المغربي أي جزاء في مقتضيات المادة 479 من مجموعة القانون الجنائي.

  • أن تكون للرجل المهمل صفة الزوج: بمعنى أنه ينبغي أن يكون الجاني زوجا للمرأة الحامل وتربط بينهما علاقة زواج صحيح الأركان والشروط، أما إذا كانت العلاقة بين الطرفين علاقة غير شرعية؛ كما لو كانا خطبين أو خليلين فإننا لا نكون بصدد الحديث عن التجريم الوارد في الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي المتعلق بالإهمال المادي للزوجة الحامل.

ثانيا: القصد الجنائي

لتحقيق جريمة إهمال الزوجة الحامل لابد من توفر عنصر القصد الجنائي الذي يتمثل في النية العمدية لدى الزوج بالتخلي عن زوجته الحاملة والتخلي عن القيام بالتزاماته، عن العناية والرعاية الواجب على الزوج تجاه زوجته الحامل فكما هو معلوم أن فترة الحمل تعتبر من الفترات الصعبة التي تمر بها الزوجة.

 

 

 

المطلب الثاني: الإطار الإجرائي لجنحة الإهمال المادي للأسرة

تتميز جريمة الإهمال المادي للأسرة بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من الجرائم الأخرى، لذلك خصص لها المشرع المغربي قواعد إجرائية و مسطرية ذات صبغة خاصة تتلاءم مع طبيعتها، لذا سنحاول من خلال هذا المطلب الاشتغال

على الاختصاص القضائي وشروط تحريك وممارسة الدعوى العمومية (الفقرة الأولى)، وكذلك التطرق لباقي الإجراءات المتمثلة في الدفوعات والعقوبة المقررة لجريمة الإهمال المادي للأسرة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاختصاص القضائي وشروط تحريك وممارسة الدعوى العمومية

نضرا للخصوصية التي تميز جريمة الإهمال المادي للأسرة وتعزيزا لحماية مكانة الأسرة في المجتمع المغربي نجد أن المشرع الجنائي خرج عن القواعد العامة المحددة للاختصاص المحلي المنصوص عليها في مقتضيات المادة 259 من قانون المسطرة الجنائية[19]، حيث تم إسناد الاختصاص لمحكمة موطن أو محل إقامة الشخص المهمل طبقا لمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 481 من مجموعة القانون الجنائي. أما المحكمة المختصة نوعيا للبت في الدعاوى العمومية، فنجد أنه ما دامت المحاكم الابتدائية تنظر في جميع القضايا الزجرية المتعلقة بالمخالفات والجنح إلا ما استثناه المشرع بنصوص خاصة[20] طبقا لأحكام المادة 252 من قانون المسطرة الجنائية[21]. ومن هنا نخلص الى أنه مادامت المحكمة الابتدائية هي المختصة للبت في المخالفات والجنح، وبالرجوع لجريمة الإهمال المادي للأسرة التي بدورها تصنف كجنحة، فإن الاختصاص النوعي لجريمة الإهمال المادي للأسرة يرجع إلى الغرفة الجنحية المحدثة بالمحكمة الابتدائية.

أما الشروط المتطلبة في تحريك وممارسة الدعوى العمومية: فقد نص المشرع المغربي من خلال مقتضيات قانون المسطرة الجنائية بأنه[22]:” تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون لها أثناء ممارسة مهامها والحق في تسخير القوة العمومية مباشرة”؛ يستشف من خلال مضمون نص المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية أن الأصل في إقامة الدعوى العمومية من حق مؤسسة النيابة العامة باعتبارها الطرف الأصلي الذي يرجع إليه في توقيع الجزاء على من اشتبه فيه، وذلك باسم المجتمع كله بعد أن دانت له مؤسستي التجريم والعقاب وأصبحت حكرا عليه وحده[23]، لكن بالرجوع لمقتضيات مجموعة القانون الجنائي، نجد أن المشرع الجنائي نص بشكل صريح أنه [24]:” لا يجوز رفع هذه الدعاوى إلا بناء على شكاية من الشخص… المهمل”؛ من خلال هذه المادة يستشف أن المشرع المغربي عرج عن المبدأ الوارد في المادة 36 من ق. م. ج فيما يتعلق بجنحة الإهمال المادي للأسرة المؤطرة بنص المادة 479 من م. ق. ج باعتبارها من بين الدعاوى التي نص عليها المشرع المغربي في مضمون الفصل 481 من م. ق. ج ، وربط  مباشرة هذه الدعوى بوجود شكاية من  الضحية الذي تعرض للإهمال المادي  وتضرر منه وهو الأمر الذي يجعل النيابة العامة غير قادرة على مباشرة الدعوى العمومية في حالة عدم توفر هذه الشكاية من طرف المتضرر لكن  في نفس الإطار يمكن التنازل عن الشكاية. هنا يمكن التساؤل حول مأل الدعوى العمومية هل تتوقف؟

إجابة عن التساؤل المطروح نجد أن المشرع المغربي لم يورد نصا صريحا يقضي بذلك على غرار الخيانة الزوجية التي يقضي فيها بسقوط الدعوى العمومية في حالة سحب الشكاية، إلا أن المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية يسعف في تبني هذا الاتجاه[25]؛ حيث جاء في الفقرة الثالثة من نص المادة الرابعة بأنه:” تسقط أيضا بتنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة، مالم ينص القانون على خلاف ذلك”.

وفي نفس الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض بأنه بمقتضى الفصل 481.1 من م. ق. ج فإنه: “في الحالات المنصوص عليها في الفصل 479…من هذا القانون، فإن تنازل المشتكي عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولأثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره، والمحكمة لما رتبت على التنازل المدلى به من قبل المشتكية سقوط الدعوى العمومية، وهو جزاء يختلف عن الجزاء الخاص المقرر بمقتضى الفصل 481/1 سالف الذكر، جاء قرارها خارقا للقانون، مما يعرضه للنقض والإبطال”[26]، وهو توجه في محله.

أما بالنسبة لممارسة الدعوى العمومية في جريمة الإهمال المادي للأسرة فهي أيضا تتميز بدورها بخصوصيات على غرار ما عليه الأمر في تحريك الدعوى العمومية؛ حيث نجد أن هذه الخصوصية تخرج عن المساطر المتعارف عليها والتي تتجلى في ضرورة إجراء الاستجواب، فالمشرع الجنائي نص من خلال مقتضيات الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي بأنه[27]: “… ويجب أن يسبق المتابعة إعذار المخل  بالواجب …بأن يقوم بما عليه في ضرف 30 يوما ويتم هذا الإعذار في شكل استجواب يقوم به أحد ضباط الشرطة القضائية، وذلك بناء على طلب من النيابة العامة”.

ويعتبر المحضر شرطا ضروريا لقبول المتابعة وممارسة الدعوى العمومية وهو ما يشكل استثناء للمبدأ الذي يقر بأن المحضر ليس شرطا واجبا وضروريا لكل متابعة، ويتم الاستجواب من قبل أحد ضباط الشرطة القضائية بعد تلقي أمر النيابة العامة، حيث ينذر المهمل للقيام بما هو ملزم به داخل أجل 30 يوما ولا حق لضابط الشرطة القضائية في إجراء الاستجواب الا بناء على أمر من النيابة العامة تحث طائلة بطلان الإجراء المنجز[28]. أما إذا كان المحكوم عليه بالأمر هاربا أو أن محل إقامته غير معروف فإن ضابط الشرطة القضائية يسجل ذلك ويستغني عن الاستجواب[29]، إلى أن يلقي القبض على الظنين المهمل ولا يقدم الملف إلى المحكمة ويقضي فيه غيابيا، وإنما تحفظ المسطرة في انتظار إلقاء القبض على المعني بالأمر أو العثور عليه وإذ ذاك يستمع له

في استجواب أو يقدم إلى المحكمة دون أن يستفيد من المهلة القانونية[30].

إضافة إلى ذلك نجد أن الاستجواب يتضمن وجوبا إشعار المهمل بأنه سيمنح مهلة 30 يوما، وذلك للتراجع عن إهماله أو الالتحاق بزوجته الحامل، وهذا ما يوضح أن عدم قيام الضابطة القضائية بهذا الإشعار يؤدي إلى بطلان مسطرة الاستجواب[31].

الفقرة الثانية: الدفوعات والعقوبة المقررة لجريمة الإهمال المادي للأسرة

المبدأ العام في القانون عموما هو أنه لكل شخص الحق في إبداء دفوعه والدفاع عن نفسه وحقوقه أمام القضاء، حيث يمكن للمتهم أن يوقف الدعوى العمومية رغم توفر أركان الجنحة وتوفر شرط إثباتها وإيقاف المتابعة الجنائية يتم بما يسمى بالدفع وهذه الدفوع تنقسم إلى ما هو شكلي وما هو موضوعي؛ فالدفوع الشكلية هي الدفوع التي تنصب على شكليات الدعوى الجنائية أو إجراءاتها دون المس بجوهرها، أو بعبارة أخرى هي التي تتعلق  بخرق الإجراءات الشكلية  التي أوجبها القانون لصحة المتابعة الجنائية أو إصدار الحكم فيها ، وهي التي تنصب عموما حول الدفع بخرق نص من نصوص قانون المسطرة الجنائية، أو بخرق إجراءات المتابعة[32].

فالأصل في الدفوع الشكلية أن تثار قبل كل دفاع في جوهر الدعوى[33]، ومن بين هذه الدفوع

في جريمة الإهمال المادي للأسرة نجد عدم احترام مقتضيات الفصل 481 من مجموعة القانون الجنائي؛ حيث اشترط المشرع المغربي من خلال هذا الفصل عدة شروط مسطرية تتجلى من خلال احترام المتابعة الصحيحة ومنها الإعذار الذي يتم في شكل استجواب الذي يقوم به أحد ضباط الشرطة القضائية كما سلف الذكر أعلاه.

وعليه فإنه في الحالة التي يتم فيها خرق هذه القواعد المسطرية وعدم احترامها يمكن للمتهم أن يتمسك بها ويلتمس من المحكمة عدم قبول المتابعة والمحكمة ملزمة بالاستجابة له مادام تبت لها جدية هذه الدفوع[34].

أما الدفوع الموضوعية في جريمة الإهمال المادي للأسرة، فهي الدفوع التي توجه لموضوع المتابعة وتستهدف إسقاطها أو البراءة منها وهي متعددة ولا يمكن حصرها على خلاف الدفوع الشكلية التي يمكن حصرها[35]؛ حيث نجد أنه من بين هذه الدفوع سحب الشكاية، فكما هو معلوم أن المشرع المغربي نص بشكل صريح بمقتضى الفصل 481 من مجموعة القانون الجنائي  الذي يستشف منه أن المتابعة في جنحة الإهمال المادي للأسرة  تتطلب ضرورة وجود شكاية؛ حيث أورد المشرع الجنائي هذا الشرط بصيغة الوجوب والإلزام بقوله:” لا يجوز رفع هذه الدعوى إلا بناء على شكاية…”[36].

بناء على كل ما تقدم بيانه يمكن طرح التساؤل التالي: هل سحب الشكاية يوقف الدعوى العمومية؟

إجابة عن التساؤل المطروح نجد أن المشرع الجنائي نص بشكل صريح في التعديل الجديد الذي لحق القانون الجنائي الذي بدوره عدل وتمم بمقتضى القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في الفقرة الأولى من الفصل 481 أنه: “في الحالات المنصوص عليها في الفصول 479…من هذا القانون، فإن تنازل المشتكي عن الشكاية يضع حدا للمتابعة ولأثار المقرر القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به في حالة صدوره”، بمعنى أنه استنفد جميع طرق الطعن العادية وغير العادية، حيث يصبح نهائي.

أما العقوبات و الجزءات المقررة بخصوص جريمة الإهمال المادي للأسرة فنجد أن المشرع الجنائي اقتصر على العقوبة الحبسية وعقوبة الغرامة المالية أو أحدهما وهو الأمر المنصوص عليه من خلال مقتضيات الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، حيث تم تحديد عقوبة جنحة ترك بيت الأسرة وترك الزوجة الحامل بالحبس من سنة إلى شهر وبغراة مالية من 200 إلى 2000 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين؛ فمن خلال مقتضيات الفصل 479 من م. ق. ج يستشف أن جريمة الإهمال المادي للأسرة  تعتبر من الجنح الضبطية التي خول فيها المشرع الجنائي للقاضي سلطة تقديرية لاختيار العقوبة التي تبدو له ملائمة، بحيث يمكنه أن يجمع بين الحبس والغرامة أو يكتفي بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ودليل ذلك استعمال المشرع المغربي لحرف العطف “أو”  الذي بدوره يفيد الاختيار.

كما ينبغي الإشارة أنه إضافة إلى العقوبة الأصلية المقررة في الفصل 479 من م. ق. ج، نجد أنه يمكن للمتضرر أن يرفع دعوى مدنية تابعة للدعوى العمومية أمام القضاء الزجري أو منفصلة أمام المحكمة المدنية وذلك من أجل المطالبة بالتعويض عن الضرر جراء الفعل المقترف ضد المطالب بالحق المدني[37]. وهو الأمر الذي يستشف من خلال مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية التي نص من خلالها المشرع الجنائي بأنه:” يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصيا لضرر…مادي… تسببت فيه الجريمة مباشرة”.

وبالرجوع أيضا للمادة 92 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع نص بأنه: ” يمكن لكل شخص إدعى أنه تضرر من جناية أو جنحة أن ينصب نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكاية أمام قاضي التحقيق المختص مالم ينص القانون على خلاف ذلك”.

 

 

 

 

 

 

خاتمة:

صفوة القول إن جريمة الإهمال المادي للأسرة تعد من بين الجرائم الحساسة في القانون الجنائي ويرجع ذلك بالأساس لكونها تمس كيان الأسرة التي بدورها تعتبر الخلية  الأساس  للمجتمع  لذا نجد أن المشرع الجنائي سعى إلى إقرار حماية جنائية من شأنها أن تحول دون تفككها تفاديا للأثار الوخيمة التي قد تترتب عليها، و هو الأمر الذي يتضح جليا من خلال استقراء الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، حيث يتضح أن جريمة الإهمال المادي للأسرة تتخذ صورتين الأولى تتجلى في جنحة ترك بيت الأسرة، وثانية تتجلى من خلال ترك الزوجة الحامل وهو الأمر الذي حاولنا التطرق إليه كما سلف الذكر أعلاه من خلال توضيح الخصوصية التي تتميز بها جريمة الإهمال المادي للأسرة سواء  على مستوى  القواعد الموضوعية، أو الإجراءات المسطرية المتعلقة بشروط تحريك وممارسة  الدعوى العمومية التي بدورها  متوقفة على ضرورة تقديم شكاية أو على مستوى قواعد الاختصاص أي الجهة المختصة قضائيا للنظر في هذه الجنحة، وكذا  أشكال العقوبة المقررة في الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي، وهي عقوبة أصلية تتخذ شكلين إما عقوبة سالبة للحرية أو عقوبة مالية أو كلاهما ، إضافة إلى ذلك خلصت إلى أنه بالإضافة إلى العقوبة الأصلية يمكن للمتضرر رفع دعوى مدنية من أجل المطالبة  بالتعويض عن الضرر وفقا لما تم التنصيص عليه في مقتضيات الفصول 7 و92 من قانون المسطرة الجنائية.

وما ينبغي الإشارة إليه أن المشرع المغربي من خلال الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي اقتصر فقط على تجريم الإهمال المادي للأسرة الذي يحدث من طرف أحد الزوجين في حالة وجود أطفال فقط دون تجريم حالة الإهمال الذي يحصل من طرف أحد الزوجين لبيت الزوجية الذي لا يتوفر على أولاد وهو الأمر الذي ينبغي على المشرع المغربي إعادة النظر فيه، وأيضا يجب إعادة النضر في المقتضى الأخير في الفصل 479 من نفس القانون الذي يجرم فعل ترك الزوجة الحامل من طرف الزوج عمدا من دون إشارته للزوجة غير حامل.

 

لائحة المراجع

    أولا: مراجع باللغة العربية

    1: الكتب

  • أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، مكتبة العرفان، الطبعة الثانية، الرباط،1986.
  • أحمد قيلش-محمد زنون-حفيظ بوقوس، المختصر في القانون الجنائي الخاص، مطبعة SO-MI PRINT، دون طبعة، أكادير،2021.
  • محمد اقبلي-عابد العمراني الميلودي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، مكتبة الرشاد، الطبعة الأولى، السطات،2020.

    2: الرسائل والأطروحات الجامعية:

  • الخصومي يوسف -عالي ابريد الليل، جنح إهمال الأسرة بين القانون الجنائي ومدونة الأسرة، بحث لنهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء، الرباط، 2013/2015.
  • الناجم كوبان، جريمة اهمال الأسرة، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، دون ذكر المدينة،2009/2011.

         3: المجلات:

  • دنيا النعيمي، جريمة إهمال الأسرة في التشريع المغربي، مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، العدد 29، المغرب،2021.

4: المقالات الالكترونية:

  • فاضل نور الدين، الدفوع الشكلية في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بموقع: https://www.bibliotdroit.com.

       5: الأحكام والقرارات القضائية:

  • قرار محكمة النقض رقم 159، الصادر بتاريخ 27 يناير 2022، بالملف الجنحي رقم 10680/6/8/2021، منشور بموقع: https//juriscassation.cspj.ma

        6: النصوص التشريعية

  • الظهير الشريف رقم 1.59.413 صادر بتاريخ 28 جمادة الثانية 1382(26 نونبر

1996) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر الصادر بتاريخ 12 محرم 1383 (5 يونيو 1963)، صفة 1253.

  • الظهير الشريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 03-70 بمثابة مدونة الأسرة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 ذي الحجة 1424 (5 فبرار 2004)، ص 418.
  • بالظهير الشريف رقم 1.18.19 صادر في 5 جمادى الأخرة 1439 (22 فبراير 2018) بتنفيذ القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6655 – 23 جمادى الأخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449.
  • الظهير الشريف رقم 1.02.255، صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002)، بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5078، بتاريخ 30 يناير 2003، ص 315.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

لائحة المختصرات………………………………………………………………….3

المقدمة…………………………………………………………………………….4

المطلب الأول: النظام القانوني في جنحة الإهمال المادي للأسرة…………………….7

الفقرة الأولى: مغادرة أحد الأبوين بيت الأسرة……………………………………..7

الفقرة الثانية: ترك الزوجة الحامل………………………………………………….10

المطلب الثاني: الإطار الإجرائي لجنحة الإهمال المادي للأسرة………………………15

الفقرة الأولى: الاختصاص القضائي وشروط تحريك وممارسة الدعوى العمومية……15

الفقرة الثانية: الدفوعات والعقوبة المقررة لجريمة الإهمال المادي للأسرة………….18

 الخاتمة…………………………………………………………………………….21

لائحة المراجع………………………………………………………………………22

الفهرس…………………………………………………………………………….24

 

[1] : دنيا النعيمي، جريمة إهمال الأسرة في التشريع المغربي، مجلة الباحث للدراسات والأبحاث القانونية والقضائية، العدد 29، المغرب أبريل 2021، ص 194.

[2] : الناجم كوبان، جريمة اهمال الأسرة، بحث نهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء، دون ذكر المدينة،2009/2011، ص 10.

[3] : أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، مكتبة العرفان، الطبعة الثانية، الرباط،1986، ص197.

[4] : أحمد قيلش-محمد زنون-حفيظ بوقوس، المختصر في القانون الجنائي الخاص، مطبعة SO-MI PRINT، دون طبعة، أكادير،2021، ص 88.

[5] : أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 198.

[6] : دنيا النعيمي، مرجع سابق، ص 195.

[7] : تنص المادة 236 من الظهير الشريف رقم 1.04.22 صادر في 12 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير 2004) بتنفيذ القانون رقم 03-70 بمثابة مدونة الأسرة المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 ذي الحجة 1424 (5 فبرار 2004)، ص 418. على أنه: “الأب هو الولي على أولاده بحكم الشرع، مالم يجرد من ولايته بحكم قضائي…”

[8] : تنص المادة 238 من م.أ على أنه:” يشترط لولاية الأم على أولادها:

  • أن تكون راشدة.
  • عدم وجود الأب بسب وفاة أو غياب أو فقدان للأهلية، أو بغير ذلك.

يجوز للأم أن تعين وصي على الولد المحجور، ولها أن ترجع عن إيصائها.

تعرض الوصية بمجرد وفاة الأم على القاضي للتحقق منها وتثبيتها.

في حالة وجود وصي للأب مع الأم فإن مهمة الوصي تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه ورفع الأمر إلى القضاء عند الحاجة”.

[9] : أحمد الخمليشي، مرجع سابق، ص 198و199، بتصرف.

[10] : دنيا النعيمي، مرجع سابق، ص 191.

[11]: الفقرة الثانية من الفصل 479 من مجموعة القانون الجنائي.

[12] : الخصومي يوسف -عالي ابريد الليل، جنح إهمال الأسرة بين القانون الجنائي ومدونة الأسرة، بحث لنهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء، الرباط، 2013/2015، ص21و 22، بتصرف.

[13] : أحمد قيلش-محمد زنون-حفيظ بوقوس، مرجع سايق، ص90.

[14] : دنيا النعيمي، مرجع سابق، ص 197.

[15]: الناجم كوبان، مرجع سابق، ص 15.

[16] : الخصومي يوسف، مرجع سابق، ص 28، بتصرف.

[17] : تنص المادة 480 من م. ق. ج بأنه: ” يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم، عن الطرد من بيت الزوجية أو عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 53 من مدونة الأسرة وتضاعف العقوبة في حالة العود في حالة العود.

[18] : تنص الفقرة الأولى من المادة 481 من م. ق. ج بأنه: ” إلى جانب المحاكم المختصة طبقا لقواعد الاختصاص العادية فإن المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل أو المستحق للنفقة أو المطرود من بيت الزوجية تختص هي أيضا بالنظر في الدعاوى المرفوعة تنفيذا لمقتضيات الفصول 479 و480 و481/1″.

[19] : تنص المادة 259 من ق. م. ج بأنه:” يرج الاختصاص مع مراعاة مقتضيات القسمين الأول والثاني من الكتاب السابع من هذا القانون إلى المحكمة التي يقع في دائرة نفوذها إما محل ارتكاب الجريمة، وإما محل إقامة المتهم أو محل إقامة أحد المساهمين أو المشاركين في الجريمة وإما إلقاء القبض عليهم أو على أحدهم، ولو كان القبض مترتبا عن سبب أخر”.

[20] : أحمد قيلش، محمد زنون، مرجع سابق، ص17.

[21] : تنص المادة 252 من ق. م. ج على ما يلي:” تختص المحاكم الابتدائية بالنظر في الجنح والمخالفات”.

[22] : المادة 36 من الظهير الشريف رقم 1.02.255، صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002)، بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5078، بتاريخ 30 يناير 2003، ص 315.

[23] : دنيا النعيمي، مرجع سابق، ص 203.

[24] : الفقرة الثانية من الفصل 481 من م. ق. ج.

[25]: الخصومي يوسف -عالي ابريد الليل، مرجع سابق، ص59.

[26] : قرار صادر عن محكمة النقض عدد 159، الصادر بتاريخ 27 يناير 2022، في الملف الجنحي رقم 2021/6/8/10680، (منشور).

[27] : عدل الفصل وتمم بالظهير الشريف رقم 1.18.19 صادر في 5 جمادى الأخرة 1439 (22 فبراير 2018) بتنفيذ القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6655 – 23 جمادى الأخرة 1439 (12 مارس 2018) ص1449.

[28]: امحمد اقبلي، عابد العمراني الميلودي، القانون الجنائي الخاص المعمق في شروح، مطبعة الرشاد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، السطات،2020، ص321.

[29] : الفقرة الأخيرة من الفصل 481 من مجموعة القانون الجنائي.

[30] : الخصومي يوسف -عالي ابريد الليل، مرجع سابق، ص61 و62، بتصرف.

[31] : امحمد اقبلي، عابد العمراني الميلودي، مرجع سابق، ص 322.

[32] : فاضل نور الدين، الدفوع الشكلية في قانون المسطرة الجنائية، مقال منشور بموقع: https://www.bibliotdroit.com، اطلع عليه بتاريخ 2023/12/7، على الساعة 2:22.

[33] : امحمد اقبلي، عابد العمراني الميلودي، مرجع سابق ص323.

[34] : الخصومي يوسف -عالي ابريد الليل، مرجع سابق، ص66.

[35] : امحمد اقبلي، عابد العمراني الميلودي، مرجع سابق، ص 323.

[36] : الفقرة الثانية من الفصل 481 من مجموعة القانون الجنائي، عدل وتمم بالقانون 103.13.

[37] : دنيا النعيمي، مرجع سابق، ص 211.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى