حق العاملات والعمال المنزليين في التغطية الصحية. أية حماية؟. الدكتور : يوسف تملكوتان دكتور في القانون الخاص –
حق العاملات والعمال المنزليين في التغطية الصحية. أية حماية؟.
The right of domestic workers to medical coverage. Which protection ?
الدكتور : يوسف تملكوتان?
دكتور في القانون الخاص
ملخص الدراسة :
تهتم هذه الدراسة بحق العاملات والعمال المنزليين في التغطية الصحية على ضوء النصوص التشريعية والتنظيمية الصادرة في هذا الشأن على اعتبار أن ضمان حق التغطية الصحية لفائدة هذه الفئة يعتبر مدخل أساسي لتوفير الحماية الإجتماعية لهم.
وتم إبراز من خلال هذه الدراسة الحقوق والواجبات التي أقرها المشرع المغربي من خلال النصوص القانونية المؤطرة للحق في التغطية الصحية لفائدة العاملات والعمال المنزليين، وتم الوقوف على بعض الإشكالات التي تحد من فعالية الحماية المقررة للاستفادة من التغطية الصحية، مما أدى إلى القول أنه ما زال هناك محدودية في تفعيل الحماية للعاملات والعمال المنزليين في هذا المجال، مما يتوجب معه التفكير في الحلول لضمان استفادة هذه الفئة من حقهم في التغطية الصحية.
Summary of the study :
This study focuses on the right of domestic workers to benefit from medical coverage, in the light of the legislative and regulatory texts enacted in this area, the guarantee of the right to medical coverage for the benefit of this category is considered as a fundamental entry point to provide them with social protection.
Through this study, the rights and duties approved by the Moroccan legislator have been highlighted through legal texts framing the right to medical coverage for the benefit of domestic workers, without forgetting certain problems which limit the effectiveness of protection prescribed in order to benefit from medical coverage, this led to say that there are still limits that hinder the activation of the protection of domestic workers
تقديم :
يعتبر الحق في التغطية الصحية من أهم الحقوق التي كرسها المشرع المغربي من خلال الفصل 31 من الدستور، وذلك تماشيا مع الإتفاقيات الدولية التي اعتبرت أن توفير الحماية الإجتماعية من بين الأهداف الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة.
ورغبة منه في تحقيق العدالة الإجتماعية عمل المشرع المغربي على توفير الحق في التغطية الصحية من خلال القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية، وقد شمل هذا القانون مجموعة من الفئات الخاضعين لنظام الضمان الإجتماعي، من بينها فئة العاملات والعمال المنزليين، وقد ظلت هذه الفئة غير مشمولة بنظام التغطية الصحية إلى حين إصدار القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاص بالعاملات والعمال المنزليين، إذ تم تمديد لهم حق الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بموجب المادة 9 من المرسوم رقم 2.18.686 المتعلق بتحديد شروط تطبيق نظام الضمان الإجتماعي على العاملات والعمال المنزليين، ومن خلال هذا المرسوم تم إقرار لهذه الفئة مجموعة من الحقوق من بينها الحق في التغطية الصحية.
وتطبيقا لمقتضيات المادة 9 المذكورة يسري نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على العاملات والعمال المنزليين طبقا لأحكام القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، ولا سيما المادة 2 منه.
إذن بناء على ما سبق إلى أي حد استطاع المشرع المغربي توفير الحماية للعاملات والعمال المنزليين من خلال تمديد حق الإستفادة من نظام التغطية الصحية؟.
وعلى ضوء النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالتغطية الصحية الأساسية ما هي حقوق وواجبات العاملات والعمال المنزليين؟.
ما هي الإشكالات التي تحول دون استفادة العاملات والعمال المنزليين من حق التغطية الصحية، وما هي الحلول المقترحة لتجاوزها؟
للإجابة عن هذه الاسئلة سأحاول معالجة الموضوع من خلال المحاور التالية :
- المبحث الأول: حقوق وواجبات العاملات والعمال المنزليين من خلال مدونة التغطية الصحية الأساسية.
-
المبحث الثاني : الإشكالات التي تواجه العاملات والعمال المنزليين للإستفادة من نظام التغطية الصحية وسبل تجاوزها.
المبحث الأول: حقوق وواجبات العاملات والعمال المنزليين من خلال مدونة التغطية الصحية الأساسية
إن تمديد الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة العاملات والعمال المنزليين أعطت لهذه الفئة مجموعة من الحقوق والواجبات المتضمنة في القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، وتعتبر هذه الحقوق والواجبات نفسها الممنوحة لجميع الأشخاص الخاضعين للنظام، باعتبارها قواعد عامة ومشتركة بين جميع الأنظمة.
وعليه سأقوم من خلال هذا المبحث بالحديث عن حقوق العاملات والعمال المنزليين من خلال مدونة التغطية الصحية في (المطلب الأول)، ثم بعدها عن واجبات العاملات والعمال المنزليين من خلال نفس المدونة في (المطلب الثاني).
المطلب الأول : حقوق العاملات والعمال المنزليين من خلال مدونة التغطية الصحية الأساسية
قبل صدور القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاص بالعاملات والعمال المنزليين وتفعيل مقتضيات الإستفادة من حق التغطية الصحية لفائدة العاملات والعمال المنزليين كان العامل الذي يعيش في المنزل الذي يشتغل فيه في حالة إصابته بالمرض أو بحادث لا يرجع لخطأه أن يعالج على نفقة مشغله لمدة 20 يوما، ولا يعفى هذا الأخير من هذا الإلتزام إلا إذا كان بإمكان العامل الإستفادة من العلاج من جمعيات الإغاثة التعاونية أو من شركات التأمين التي يكون أمن عندها، أو من الإسعاف العمومي، إذ كانت الحماية مقررة في هذا الإطار بموجب أحكام الفصل 747 من قانون الإلتزامات والعقود، وأبعد من ذلك حتى القضاء كان لا يعتبر علاقة العمال المنزليين بصاحب البيت بمثابة شغل، وذلك راجع بدون شك إلى الحرص على احترام تشريع صيغ أساسا لفائدة أجراء القطاع الصناعي، والتجاري، أو أجراء المهن الحرة، ويستند القضاء على ذلك إلى السهو التشريعي ليبقوا بالعمال والعاملات المنزليين خارج دائرة الحماية الإجتماعية.
لكن بعد صدور القانون رقم 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاص بالعاملات والعمال المنزليين تم منح حق الإستفادة من نظام التغطية الصحية حيث نصت المادة 9 من المرسوم رقم 2.18.686 بتحديد شروط تطبيق نظام الضمان الإجتماعي على العاملات والعمال المنزليين على أنه طبقا لأحكام القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية يسري نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على العاملات والعمال المنزليين، وبالتالي طبقا لمقتضيات المادة 2 من هذا القانون فينضاف إلى الفئات المستفيدة من النظام العاملات والعمال المنزليين، وعلى هذا الأساس وحسب مقتضيات المادة 5 من القانون رقم 65.00 يستفيد من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بالإضافة للعاملات والعمال المنزليين أفراد عائلتهم الموجودين تحت كفالتهم، شريطة أن لا يكونوا من المستفيدين بصفة شخصية من تأمين آخر مماثل.
إذن للعاملات والعمال المنزليين حق الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض هم وذوي حقوقهم حسب مقتضيات المادة 5 من القانون رقم 65.00 المذكور وبموجب هذا الحق يضمن التأمين لهم ولأفراد عائلتهم المتكفل بهم تغطية المخاطر ومصاريف الخدمات الطبية الناجمة عن مرض أو حادثة أو ولادة أو تأهيل طبي عضوي أو وظيفي، باستثناء الأخطار الناجمة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية التي تبقى خاضعة للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بها، وكذلك عمليات الجراحة التجميلية والعلاج بالحامات والوخز بالإبر والميزوتيرابيا والعلاج بمياه البحر والطب التجانسي والخدمات المقدمة في إطار ما يسمى بالطب الهادئ على اعتبار هذه الخدمات من الخدمات التكميلية التي تدخل ضمن العلاجات الترفيهية.
وللاستفادة من هذه الخدمات المضمونة قانونا يبقى للعاملات والعمال المنزليين على مشغليهم الحق في التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وأداء عنهم واجب الإشتراك المستحق، المتمثل في 50% من نسبة الإشتراك المحددة كواجب الإشتراك المستحق من جانب المشغل المتعين أداؤه للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المتمثلة في % 4,52، وذلك تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 130 من القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية.
ويحق للعامل المنزلي الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بعد قضاء فترة التدريب، تحتسب بالنسبة لشغيلة القطاع الخاص مجموع 54 يوما متواصلة أو متقطعة من أيام العمل المصرح بها، والمؤدى عنها الإشتراكات الواجبة خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ تسجيل المعني بالأمر بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المسير من طرف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
غير أنه يعفى من فترة التدريب بقوة القانون الأشخاص المؤمنون الذين أصبحوا بحكم تغيير عملهم منتمين لهيئة أو لنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض غير الهيئة أو النظام الذي كانوا ينتسبون له.
ويجد المشرع تبريره بخصوص مدة التدريب هاته في فترة الإحتفاظ بالحقوق المخولة للعامل المنزلي، والتي يبقى فيها مستفيدا من النظام بعد وقف إستفادته بسبب فقدانه لشروط الإستفادة، حيث يبقى من حق العمال والعاملات المنزليين الإحتفاظ بحق الإستفادة حسب أسباب الفقدان كما يلي :
- في حالة فقدان شروط الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض سواء بصفتهم مؤمنين أو ذوي حقوقهم يستفيدون ابتداء من التاريخ الذي لم تعد فيه هذه الشروط متوافرة من الإحتفاظ بحقهم في الخدمات خلال مدة أقصاها ستة أشهر. غير أن إذا استوفى المعني بالأمر خلال هذه المدة شروط الإستفادة من نظام آخر فإن حقه في الإستفادة يسقط بالنسبة للنظام الذي كان ينتمي إليه من قبل.
- في حالة وفاة العامل المنزلي فإنه يحق لذوي حقوقه الذين لا يستفيدون من أي نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض بأي صفة أخرى يستمرون في الإستفادة خلال مدة سنتين من خدمات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي كان منتميا إليه عند وفاة المعني.
- في حالة انحلال ميثاق الزوجية فإن زوجة المؤمن (العامل المنزلي أو العاملة المنزلية) التي لا تستفيد بأية صفة أخرى من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض تستمر في الإستفادة خلال سنة واحدة من خدمات التأمين الإجباري الأساسي عن المرض الذي كانت منتمية إليه في تاريخ انحلال ميثاق الزوجية بصفتها من ذوي حقوقه.
-
في حالة انتهاء فترات الإحتفاظ بالحقوق الممنوحة بموجب القانون فإن للعمال والعاملات المنزليين الذين لا يستفيدون من نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض بأية صفة أخرى يقبلون للإستفادة من نظام المساعدة الطبية إذا كانوا يتوفرون على الشروط المطلوبة.
كما يتمتع العمال والعاملات المنزليين من حقوق تمنع على الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي رفض انخراطهم أو تسجيلهم وكذلك انتقاء المخاطر وإقصائهم لأي سبب من الأسباب، على اعتبار أن نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض هو نظام يقوم على مبادئ التضامن والإنصاف قصد استفادة جميع سكان المملكة منه.
المطلب الثاني : واجبات العاملات والعمال المنزليين من خلال مدونة التغطية الصحية الأساسية
يقوم نظام التأمين الإجباري عن المرض على مبادئ وتقنيات التأمين الإجتماعي لفائدة الاشخاص المزاولين نشاطا يدر دخلا عليهم ويعتمد في تمويله على مبدأ المساهمة ومبدأ التعاضد في تحمل المخاطر فهو بهذا المعنى نظام إجباري يلتزم كل شخص خاضع له الإنخراط والتسجيل فيه.
ولذلك في حالة عدم التصريح بالعاملات والعمال المنزليين من قبل المشغل يجب على هؤلاء التقدم مباشرة لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي للانخراط والتسجيل مع توجيهه إلى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الوثائق المكونة لملف التسجيل.
وبما أن نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض يقوم على مبدأ المساهمة يتوجب على العمال والعاملات المنزليين أداء واجب الإشتراك المستحق من جانبه على اعتبار أن نظام التغطية الصحية هو نظام إجباري يجب على الجميع الإنخراط والتسجيل فيه، وفي هذه الحالة يبقى المشغل الذي لم يقم بالإنخراط أو التسجيل مدينا وحده دون العامل المنزلي بجميع الإشتراكات والمساهمات المستحقة ابتداء من تاريخ استحقاقها للهيئة المعنية مضافة إليها نسبة 1% عن كل شهر تأخير.
وبالإضافة لواجب الاشتراك الذي يتحمله المشغل في الشق المتعلق به يبقى على عاتق العاملات والعمال المنزليين أداء واجب الإشتراك المتمثل في 50% من نسبة الإشتراك المحددة كواجب الإشتراك الواجب أداؤه للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض المتمثلة في %4,52، على اعتبار أن تخويل الحق في الإستفادة من الخدمات المضمونة بموجب النظام يتوقف على الأداء المسبق لواجب الإشتراك بصفة دورية ودون انقطاع.
ومن بين واجبات العاملات والعمال المنزليين التقيد بالإجراءات والقواعد التنظيمية التي تخوله الحق في إرجاع المصاريف المنصوص عليها في القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الاساسية والنصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه، حيث أنه يتم إرجاع مصاريف خدمات العلاج بناء على وثائق الإثبات المطلوبة ومن بينها ورقة العلاجات الموقعة من طرف المهني أو المهنيين الممارسين، ويتم الإرجاع على أبعد تقدير داخل تسعين يوما التي تلي تاريخ إيداع أو إرسال الملف الذي يثبت المصاريف المدفوعة باستثناء الحالات التي تكون موضع نزاع.
كذلك يتوجب على العامل المنزلي المؤمن إرسال ورقة العلاجات أو تقديمها وكذا وثائق الإثبات إلى الهيئة المكلفة بالتدبير المعنية خلال الشهرين المواليين لأول عمل طبي ما لم يتعلق الأمر بعلاج طبي متواصل. وفي هذه الحالة الأخيرة يجب تقديم الملف خلال الستين يوما الموالية لنهاية العلاج، باستثناء حالة القوة القاهرة يؤدي عدم مراعاة الإجراءات المذكورة إلى سقوط الحق في إرجاع مصاريف الخدمات موضوع الملف.
ومن بين الواجبات الملقاة على عاتق المؤمن العامل المنزلي التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بكل تغيير لمحل الإقامة أو تغيير للمشغل وكل تعديل يدخل على وضعيته أو أفراد عائلاتهم وذلك داخل أجل الثلاثين يوما التالية للتغيير أو التعديل المذكور.
المبحث الثاني : الإشكالات التي تواجه العاملات والعمال المنزليين في الإستفادة من نظام التغطية الصحية وسبل تجاوزها
يعتبر المرض أحد أهم المخاطر الإجتماعية التي تهدد حياة العامل وتمتد من خلاله لتنال من استقرار حياته العائلية وهو ما جعل أغلب المفكرين والمهتمين بالإصلاح الإجتماعي يؤكدون على أهمية الحماية الإجتماعية للعمال وتأمينهم من مخاطر المرض الذي يتهددهم، لذلك أصبحت الإستفادة من التغطية الصحية حقا من حقوق الإنسان تروم الدول من خلاله إلى الحماية الإجتماعية والإقتصادية لساكنتها مما جعله يحتل مكانة رئيسية في اهتمامات كافة المجتمعات المعاصرة التي عملت على تأطيره بنظام يحدد المنافع التي يحتويها والأشخاص المستفيدين منها وشروط الإستفادة.
وبالرغم من أهمية التغطية الصحية في منظومة الضمان الإجتماعي والحماية الإجتماعية لا على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني، إلا أن استفادة العاملات والعمال المنزليين من خدماته ببلادنا يطرح مجموعة من الإشكاليات (المطلب الأول) يتعين العمل على تجاوزها (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الإشكالات التي تواجه العاملات والعمال المنزليين للإستفادة من نظام التغطية الصحية
تعتبر الأعمال المنزلية من الأعمال المتواضعة تختلف طبيعتها عن طبيعة العمل المؤدى من طرف باقي طوائف العمال في القطاعات الأخرى، لذلك فإن استفادة العامل والعاملات المنزليين من حق التغطية الصحية تواجهه بعض الإشكاليات منها ما يعود إلى النصوص التشريعية والواقع، ومنها إلى المشغل صاحب المنزل، ومنها ما يعود إلى العامل المنزلي نفسه.
ولما كان عقد الشغل في إطار القانون رقم 19.12 من العقود التبادلية التي تولد التزامات متبادلة تجاه الطرفين، يشترط أن تراعى فيه عند التوقيع الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين وبأهليتهما للتعاقد وبمحل العقد وغيرها من الأمور، إلا أنه في بعض الحالات عدم وجود عقود تربط بين المشغلين وبين العاملات والعمال المنزليين يؤدي إلى عدم احترام القانون رقم 19.12 المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين، وبالتالي ضياع الحق في الإستفادة من التغطية الصحية لعدم وجود العقد.
وبالإطلاع على مقتضيات القانون رقم 19.12 فيلاحظ أنه يخلو من تحديد حقوق وواجبات الأطراف بطريقة واضحة تحقق التوازن بين أطراف هذه العلاقة حيث تمت الإشارة إلى بعض حقوق العامل المنزلي والتغافل عن الكثير منها، ولعل أهم حق لم يتم التنصيص عليه صراحة في هذا القانون هو الحق في التغطية الصحية، صحيح أن المشرع نص على هذا الحق في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 المتعلق بنظام الضمان الإجتماعي إلا أنه كان لزاما التأكيد عليه من خلال القانون رقم 19.12 حتى يبقى الأطراف على بينة به ويعلم كل واحد منهم بضرورة الإلتزام به.
ولعل هذا ما أفرز إشكالية عدم تقيد المشغلين بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية حيث يتم إغفال أو تعمد عدم التصريح بالعاملات والعمال المنزليين للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي تفاديا لأداء واجب الإشتراك، بحيث أن الإشتراك في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي جزء منه يقع على عاتق المشغل ويبقى هذا الأخير مدينا تجاه الصندوق بمجموع واجب الإشتراك ومسؤول عن أدائها، لذلك إذا تعلق الأمر بالعاملات والعمال المنزليين فإن المشغل سيمتنع غالبا عن الإنخراط والأداء من أجل التسجيل بالصندوق، مع العلم أن هناك جزاءات وغرامات في حالة عدم التصريح والإنخراط والتسجيل، وبالرغم من ذلك يتم تغافل المشغلين عن هذه الإجراءات، مما يودي إلى ضياع حق العاملات والعمال المنزليين في الإستفادة من التغطية الصحية المضمونة لهم دستورا.
وإذا كانت لمراقبة تطبيق المقتضيات القانونية الخاصة بتشغيل العاملات والعمال المنزليين من طرف أعوان مفتشية الشغل أهمية في ضمان حقوق هذه الفئة إلا أن القانون رقم 19.12 لم ينص على مراقبة مدى احترام إجراءات التصريح بالتغطية الصحية من طرف المشغل، بل تم الإكتفاء بما جاء في مقتضيات مدونة التغطية الصحية، الأمر الذي يؤدي إلى إغفال هذا الحق من قبل الأطراف.
كما أن دور مفتش الشغل في هذا الإطار يصطدم بحرمة المنزل حيث أن المشرع لم يورد بشكل صريح ما يحيل على إلزام مفتش الشغل الإنتقال إلى محل العمل من أجل الإطلاع على ظروف الشغل ومراقبة مدى احترام حقوق العاملات والعمال المنزليين، إذ إن دور مفتش الشغل حسب المادة 22 من القانون رقم 19.12 هو فقط تلقي الشكايات واستدعاء الأطراف للتحقق معهم والمطالبة بمده بالوثائق المساعدة في القيام بمهامه.
هذا بالإضافة إلى وجود إشكالية تتعلق بطريقة احتساب الأجر الذي يتقضاه العامل فنجد المشرع يميز بين الأجر النقدي والعيني، فبالنسبة للأجر النقدي فقد حدده في 60 بالمائة من الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة مع أداء هذه الأجور كل شهر، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، وإذا كان المشرع لا يعتبر مزايا الإطعام والسكن تدخل في إطار الأجر النقدي فهي ضمنيا تدخل في نطاق الأجر العيني المقدر بنسبة 40 بالمائة، ونرى في هذا المجال أن هذا التحديد فيه إجحاف في حق العمال المنزليين، ويزداد الإشكال تعقيدا في كيفية احتساب نسبة الإشتراك في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض هل يتم احتسابه على أساس الأجر النقدي المقدر في 60 بالمائة من الحد الأدنى للأجر كما هو مبين أعلاه، أو على أساس الأجر العيني المقدر بنسبة 40 بالمائة، أو على أساسهما معا، أظن أن على المشرع التدخل بنص صريح بخصوص هذه النقطة، خصوصا وأن المشرع الفرنسي نص على أنه لا يمكن اعتبار إقامة العاملين أجرا عينيا.
وعليه فاحتساب واجب الإشتراك برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على أساس أجر هزيل يتقاضاه العمال المنزليين يجعل من الصعوبة اقتناعهم بالإنخراط في النظام، إذ أن الهاجس الأكبر الذي يسيطر على كل من العاملات والعمال المنزليين والمشغلين هو التهرب وعدم قبول الأداء المتعلق بواجب الإشتراك المنصوص عليه في المادة الأولى من المرسوم رقم 2.05.734 صادر في 11 من جمادى الآخرة 1426 (18 يوليوز 2005) بتحديد نسب تغطية الإشتراك الواجب أداؤه للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي برسم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. كما تم تغييره وتتميمه.
إن هذا الوضع يؤدي إلى القول أن توسيع التغطية الصحية لتستفيد منه فئة العمال المنزليين تعترضه ضعف الأجور، وقد سبق واعتبر جانب من الفقه أن تمديد نظام الضمان الإجتماعي إلى أصناف أخرى تعترضه مجموعة من الصعوبات التي تعود في مجملها إلى هزالة الأجور.
كما أن نقص أو انعدام ثقافة التأمين لدى العاملات والعمال المنزليين ولدى المشغلين قد يؤدي إلى عدم تجاوب هؤلاء مع إجراءات الإنخراط والتسجيل مباشرة لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، وفي بعض الحالات فإن علاقة التبعية إلى المشغل وتابعاتها تؤدي إلى عدم تقدم العاملات والعمال المنزليين بالمطالبة بحقهم من الاستفادة من الحق في التغطية الصحية مباشرة لدى الصندوق، مما يؤدي إلى إفراغ النصوص المؤطرة لضرورة التصريح والانخراط من محتواها، وبالتالي ضياع الحق في التغطية الصحية لهذه الفئة.
وينضاف لهذه الإشكالات هو أن هناك من يعتبر عمل العاملات والعمال المنزليين عمل ثانوي على أساس أنها فئة غير منتجة والحال أنه بخروج المرأة للعمل، أصبحت بحاجة إلى من يعينها في أشغال البيت لذا فعمل العاملات والعمال المنزليين هو منتج وضروري.
المطلب الثاني : سبل تجاوز الإشكاليات التي تواجه العاملات والعمال المنزليين في الإستفادة من نظام التغطية الصحية الاساسية
بالتمعن في الصعوبات والإشكالات التي تواجه العاملات والعمال المنزليين في استفادتهم من نظام التغطية الصحية الأساسية، يتطلب منا الوقوف من أجل إيجاد حلول تشريعية وواقعية لضمان حق هذه الفئة في التغطية الصحية الذي يعتبر دستوريا.
ولعل أهم عائق يجب تداركه هو هزالة الأجور الذي يؤدي إلى عدم قدرة العاملات والعمال المنزليين الإنخراط والتسجيل بالنظام، الأمر الذي يدفعنا إلى القول أن هناك ضرورة التفكير في خلق نظام تمويل خاص يساهم في التغطية الصحية لفائدة العمال والعاملات المنزليين، بحيث يمكن تقسيم المساهمة بين المشغل والدولة والعامل المنزلي، على اعتبار الدولة هي الراعية للحماية الإجتماعية للطبقة الهشة، وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن توصية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 201 قد نصت من خلال المادة 20 على مسؤولية الدولة وفي البحث عن وسائل لتسهيل دفع اشتراكات الضمان الإجتماعي.
وبالرغم من أهمية هذا التوجه إلا أن المساهمة في تمويل خدمات التغطية الصحية يعتبر بالنسبة للدولة له إيجابيات فيما يتعلق بتخفيف الأعباء المالية التي تتحملها ميزانيتها العامة في تمويل الخدمات الإجتماعية، لا سيما في الدول النامية التي تتوفر على إمكانيات مالية محدودة لا تسمح لها بضمان الخدمات لجميع سكانها، والمغرب تواجه ميزانيته العامة عجزا سنويا، لذلك يبقى التمويل الذي يعتمد على الإشتراكات القائمة على نظام الأجور.
وتعتبر هذه الإشتراكات المورد الرئيسي للعديد من أنظمة التأمين الصحي الإجتماعي في العالم، لكن بالرغم من هذا المعطى فالتغطية الصحية تقوم على مبادئ وتقنيات التأمين الإجتماعي المتمثلة في التعاضد والتضامن الإجتماعي، فلا بأس من تخفيض واجب الإشتراك لفائدة العمال المنزليين باعتبارهم فئة ضعيفة يمكن تمتيعهم بالتغطية الصحية إلى جانب الأصناف الأخرى، وإلزامهم بواجب إشتراك رمزي يشجعهم على الإنخراط والمساهمة للإستفادة من النظام.
إن التجزئة والشتات التي تعاني منها قواعد الحماية المقررة للعاملات والعمال المنزليين، تستدعي التنصيص صراحة في القانون رقم 19.12 على حق العمال والعاملات المنزليين في الإستفادة من نظام التغطية الصحية إلى جانب الحقوق الأخرى المحددة بموجب هذا القانون، مع استعمال صيغة الوجوب حتى يتسنى للأطراف الإنتباه لها عند إبرام العقد، مع ترتيب جزاء الإخلال بهذا الحق في نفس القانون، والإحالة إلى مقتضيات القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية.
ومن أجل ضمان احترام حق التغطية الصحية للعاملات والعمال المنزليين، وفي ظل تقاعس المشغلين في احترام هذا الحق يتعين إلزام المشغل بالتصريح بالعامل المنزلي لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي فور إبرام العقد، وذلك حتى لا يضيع في الإستفادة من التغطية الصحية، مع ضرورة نشر ثقافة التأمين لدى العاملات والعمال المنزليين وحتى لدى المشغلين، والتحسيس بأهمية التغطية الصحية في حماية الحق في الصحة والحماية الاجتماعية المنصوص عليه دوليا ودستوريا.
إن القصور الذي تم رصده في مجال إجراءات التفتيش من أجل رصد تجاوزات المشغلين المتمثلة في عدم التقيد بالإجراءات القانونية من أجل التصريح والانخراط وتسجيل العاملات والعمال المنزليين للاستفادة من نظام التغطية الصحية الأساسية، يؤكد بالملموس ضرورة تفعيل هذه الإجراءات تفاديا لضياع حقوق هذه الفئة من الحق في التغطية الصحية.
وإذا كانت لعقود العمل أهمية في تحديد التزامات الأطراف فيما بينها، فإن مواكبة تسجيل هذه عقود بإجراءات الانخراط والتسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يمكن لنا ضمان انخراط نسبة كبيرة من العاملات والعمال المنزليين في التغطية الصحية، مع ضرورة تبسيط المساطر والإجراءات المتعلقة بالتسجيل وتقريبها من هذه الفئة.
ولعل أهم إجراء يتعين العمل عليه لا على مستوى التشريع ولا على مستوى التطبيق هو تفعيل الإجراءات القانونية بخصوص تنفيذ جزاءات التأخير والغرامات في حالة عدم احترام إجراءات الإنخراط والتسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
خاتمة :
انطلاقا مما تقدم يتبين لنا من خلال تحليل الموضوع أن المشرع المغربي عمل جاهدا على توفير الحماية للعاملات والعمال المنزليين من خلال النصوص التشريعية المتعلقة بتمديد الإستفادة من نظام التغطية الصحية، على اعتبار هذا الحق متأصل دستوريا بما يتوافق مع الإتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الشأن.
وعليه فقد مكنتنا المنهجية المعتمدة في تحليل هذا الموضوع من الوقوف على المقتضيات القانونية وتحليلها وربطها بالواقع، والذي من خلاله توصلنا لمجموعة من الإستنتاجات والتي نذكرها كما يلي :
- المشرع المغربي عمل على تمديد الإستفادة من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لفائدة العمال والعاملات المنزليين إسوة بأجراء القطاع الخاص، وحتى إن كان ذلك جاء متأخرا إلا أنه ضمن لهؤلاء تغطية صحية تؤمنهم عن مخاطر المرض التي قد تهدد حياتهم؛
- المشرع نص على ضرورة وجود العقد لضمان حقوق وواجبات الأطراف إلا أنه في بعض الحالات عدم وجود العقد يحرم العاملات وعمال المنزليين من الإستفادة من التغطية الصحية؛
- تم تحديد مجموعة من الحقوق من خلال القانون رقم 19.12 إلا أنه لم يتم من خلاله التنصيص على حق التغطية الصحية، إذ تم الإكتفاء بذلك في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.184 المتعلق بنظام الضمان الإجتماعي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إغفال الحق في التغطية الصحية من قبل الأطراف؛
- عدم تقيد المشغلين بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية حيث يتم إغفال أو تعمد عدم التصريح بالعاملات والعمال المنزليين للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي تفاديا لأداء واجب الإشتراك؛
- وجود قصور على مستوى تفعيل مهام مراقبة مفتشي الشغل، إذ يصطدم بحرمة المنازل؛
-
ضعف أجور العاملات والعمال المنزليين يؤدي إلى التهرب وعدم قبول الإنخراط والتسجيل بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
وأمام هذا الوضع ومن أجل تفعيل الإستفادة من التغطية الصحية لفئة العاملات والعمال المنزليين وتجاوز الإشكالات المطروحة، فإننا نتقدم في هذا الإطار بمجموعة من التوصيات :
- تدارك هزالة الأجور التي تؤدي إلى عدم قدرة العاملات والعمال المنزليين على الإنخراط والتسجيل بالنظام، مع ضرورة التفكير في خلق نظام تمويل خاص يساهم في التغطية الصحية لفائدة العمال والعاملات المنزليين، والبحث عن وسائل لتسهيل دفع اشتراكات الضمان الإجتماعي والتخفيض من واجب الإشتراك لتشجيعهم على الإنخراط؛
- التنصيص صراحة على حق التغطية الصحية في القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط عمل العاملات والعمال المنزليين حتى يبقوا الأطراف على بينة منه؛
- مواكبة تسجيل العقود بإجراءات الانخراط والتسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لضمان استفادة نسبة كبيرة من العاملات والعمال المنزليين في التغطية الصحية، مع ضرورة تبسيط المساطر والإجراءات المتعلقة بالتسجيل وتقريبها من هذه الفئة؛
- نشر ثقافة التأمين لدى العاملات والعمال المنزليين وحتى لدى المشغلين، والتحسيس بأهمية التغطية الصحية في الحماية من مخاطر المرض التي قد تهدد حياتهم؛
-
تفعيل إجراءات التفتيش وتجاوز إشكالاته تفاديا لضياع حق استفادة العامل المنزلي من التغطية الصحية؛
العمل على تفعيل الإجراءات القانونية المتعلقة بالإجبار على احترام إجراءات الإنخراط والتسجيل لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.