مقدمة:
يشكل العنصر البشري حجر الزاوية داخل أي إستراتيجية تحديثية تستهدف الرفع من أداء الجهاز الإداري وتقوية كفاءته، لذلك فإن رصد المظاهر السلبية في تدبير وتقويم المورد البشري يعد لازما قبل البدء في أي عمل تحديثي بغية دفعه إلى الانخراط والمساهمة فيه[1].
من هذا المنطلق، فإن فعالية وأداء الإدارة مرتبطان أوثق الارتباط بمستوى مردودية العنصر البشري المكون لها، فالموارد البشرية تعد ركيزة أساسية للنهوض بالإدارة وتأهيلها للاندماج في محيطها الاجتماعي والاقتصادي، ومن تم المساهمة في رفع التحديات التي تفرضها العولمة والتنافسية الدولية[2].
بطبيعة الحال، وما دام موضوع تدبير الموارد البشرية يشمل المسار المهني للموظف بشكل عام، بدءا من التعين في منصب قار والترسيم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة، وانتهاءا بما يسمى بالخروج عن العمل أو مغادرتها، ونظرا لتطرق العروض السابقة لجميع المراحل والمحطات التي يمر منها الموظف داخل مساره المهني، باستثناء المرحلة الأخيرة تحت مسمى الخروج عن الوظيفة، سنقف بدورنا عندها وفحص محتواها ومدلولاتها.
فالمقصود بالخروج عن الوظيفة/ العمل يعني إنهاء الموظف العمومي لخدمته لسبب من الأسباب التي حددها المشرع على سبيل الحصر وهي: الاستقالة، الإعفاء، العزل، والإحالة على التقاعد.
وعلى هذا الأساس، تتجلى أهمية الموضوع من خلال المكانة الراهنة للخروج من العمل/ الوظيفة، ارتباطا بما يطرحه تعدد وارتفاع العنصر البشري داخل الإدارة المغربية من ارتفاع كتلة الأجور وإنهاك لميزانية الدولة.
وعليه، يحق لنا أن نصيغ إشكالية الموضوع وفق ما يلي:
إلى أي حد يمكن الحديث عن مرونة وسلامة المقتضيات القانونية المتعلقة بالخروج عن الوظيفة العمومية وما مدى مساهمة تجربة المغادرة الطوعية في تحديث وعقلنة تدبير الموارد البشرية؟
هذه الإشكالية المحورية، تتفرع عنها الأسئلة الفرعية التالية:
ما هو الإطار القانوني المنظم للخروج عن العمل بالمغرب؟
ما هو الواقع العملي لعملية الخروج عن العمل؟
ما هو السياق الذي جاءت فيه عملية المغادرة الطوعية وما هي أهدافها ونتائجها؟
هذه الإشكاليات وغيرها سنحاول الإجابة عليها وفق مقاربة قانونية تحليلية، سوسيولوجية معتمدين التصميم التالي:
المبحث الأول: تشخيص الوضعية الراهنة للخروج من الوظيفة
المطلب الأول: الإطار القانوني المنظم للخروج من الوظيفة
المطلب الثاني: واقع الخروج من الوظيفة بالمغرب
المبحث الثاني: الخروج من الوظيفة المغادرة الطوعية (نموذجا)
المطلب الأول: السياق والأهداف
المطلب الثاني: تدابير المغادرة الطوعية للوظيفية
المبحث الأول:
تشخيص الوضعية الراهنة للخروج من الوظيفة
إن الحديث عن تشخيص وضعية الخروج من العمل/الوظيفة، تقودنا بداية إلى معرفة الإطار القانوني المنظم له (مطلب أول)، ثم بعد ذلك الوقوف عند واقع الممارسة (مطلب ثان).
المطلب الأول: الإطار القانوني المنظم للخروج من الوظيفة
بموجب النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية[3]، يؤدي الانقطاع النهائي عن العمل إلى الحذف من الأسلاك وفقدان صفة الموظف، وعلى هذا الأساس، نجد المشرع حدد بدقة الحالات التي يكون فيها خارجا أو مغادرا للعمل في ما يلي:
الاستقالة المقبولة بصفة قانونية.
الإعفاء.
العزل.
الإحالة على التقاعد.
كما يجوز لنا أن نضيف حالة أخرى والمتمثلة أساسا في الوفاة بالرغم من عدم التنصيص عليها في القانون المنظم للوظيفة العمومية.
v الاستقالة المقبولة بصفة قانونية:
يقصد بالاستقالة رغبة الموظف في ترك الخدمة بإرادته لسبب من الأسباب قبل بلوغ السن المقررة قانونا للإحالة إلى المعاش[4].
بطبيعة الحال، هذه الاستقالة تتم بناء على طلب كتابي يعرب فيه الموظف المستقبل من رغبته بصفة صريحة وبدون غموض في التخلي عن وظيفته ومغادرة أسلاك إدارته التي يعمل بها، وبكيفية غير التي يحال بها على التقاعد.
وتظل هذه الاستقالة بدون أثر قانوني، إلا إذا وافقت عليها السلطة الإدارية المختصة التي لها حق التسمية، ويسري مفعولها ابتداء من التاريخ التي تحدده هذه السلطة.
ويتعين على هذه الأخيرة، أن تصدر مقررها في أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ توصلها بطلب الاستقالة، وفي حالة عدم الإجابة من طرف الإدارة بعد نفاذ هذه المدة، فإنه يعتبر بمثابة قبول ضمني للاستقالة.
غير أنه في حالة ما إذا توقف الموظف المعني عن عمله بمجرد تقديم طلب استقالته، وقبل موافقة السلطة المختصة أو انقطع عن عمله قبل التاريخ المحدد له، فإنه يمكن أن تتخذ في حقه عقوبة تأديبية.
بطبيعة الحال، ففي حالة عدم قبول طلب استقالة الموظف، فإنه يجوز للمعني بالأمر أن تحيل القضية على اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، التي تبدي رأيا معللا بالأسباب وتوجهه إلى السلطة ذات النظر[5].
v الإعـفـاء:
يقصد بالإعفاء استغناء الإدارة عن الموظف العمومي بصفة نهائية، وإجمالا فإنه يمكن إعفاء الموظفين من وظائفهم في الحالات التالية:
بسبب تخفيض المناصب المالية بموجب ظهائر خاصة تنص على تخفيض من عدد موظفي الإدارات العمومية، وللإشارة فهذه الحالة لم تتحقق لحد الآن[6].
بالإضافة إلى ذلك فإنه لا يمكن تسريح موظفين إلا بعد إعلامهم مسبقا بذلك ومنحهم تعويضات عن هذا الإعفاء.
يمكن إصدار قرار الإعفاء في حق الموظفين الموجودين في وضعية الاستيداع الذين لم يطالبوا بإعادة إدماجهم بأسلاك إدارتهم في الأجل القانوني المحدد لهم، أو عند رفضهم المنصب المسند إليهم بعد إعادة إدماجهم، وذلك بعد استشارة اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة.
في حالة ثبوت فقدان الكفاءة المهنية لموظف وتعذر إدراجه في أسلاك الإدارة أخرى، فإما بعض من مهامه إذا لم يكن الحق في التقاعد أو يتم إحالته على التقاعد إذا كان يتوفر على الشروط النظامية.
إذا ثبت عدم توفر الكفاءة المهنية لموظف متمرن عند نهاية السنة الثانية من التمرين، فإنه يتم إعفاؤه من وظيفته بصفة تلقائية.
في حالة ترك الوظيفة بدون عذر مقبول أو إذن مسبق، يوجه رئيس الإدارة إنذار إلى الموظف المتغيب قصد استئناف عمله يحيطه فيه بالإجراءات التي يمكن أن يتعرض لها في حالة رفضه التحاقه بعمله[7].
v الـعـزل:
ينقسم العزل إلى ثلاثة أنواع: العزل التأديبي، والعزل غير التأديبي أو ما يسمى بالفصل غير التأديبي أو التحكمي أو الإداري أو السياسي، وكذا العزل لأسباب صحية الذي يحق فيه للإدارة فصل الموظف العمومي من الخدمة إذا ثبت عدم لياقته صحيا للاستمرار في خدمتها. وعلى هذا الأساس، ولتجاوز الإدارة الشطط في استعمال هذا الحق، فهي تخضع للرقابة القضائية، للتحقيق من جدية الأسباب الصحية التي بني عليها قرار الفصل[8].
v الإحالة على التقاعد:
تقبل إحالة الموظف العمومي على التقاعد بطلب منه أو بصفة حتمية، وذلك طبقا للشروط المقررة في التشريع الخاص برواتب التقاعد، وتتم الإحالة على التقاعد في الحالات التالية، وهي: بلوغ المعني بالأمر سن التقاعد، عدم قدرته البدنية، بموجب عقوبة تأديبية، أو لعدم الكفاءة المهنية[9].
وللإشارة فإننا لم نقم بتحصيل هذه النقطة، نزرا لإدراج عرض خاص بالتقاعد ضمن محاور هذه المادة.
v الـوفـاة:
تعتبر الوفاة السبب الطبيعي لإنهاء علاقة الموظف العمومي بالدولة، وهو سبب خارج عن إرادة كل من الموظف نفسه والدولة، وتبعا لذلك فإن العلاقة الوظيفية تنتهي لتنشأ علاقة أخرى من نوع معين، وهي علاقة ما بين الدولة وذوي حقوق الموظف المتوفى في صرف كافة مستحقات ذلك الموظف إن كان له الحق في ذلك[10].
المطلب الثاني: واقع الخروج من الوظيفة بالمغرب
من الصعوبة بمكان الحديث عن الخروج عن العمل من الناحية الممارستية والعملياتية في المغرب، وذلك نظرا لصعوبة تفعيله على أرض الواقع، اللهم إذا كان ناتج عن حالة الوفاة، وذلك من منطلق المسلمات والأوضاع التي تعرفها منظومة التوظيف التشغيل ببلادنا (كثرة البطالة، صعوبة الحصول على العمل…).
من هذا المنطلق، يمكن القول بأن تفعيل الحالات التي حددها المشرع في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية السالفة الذكر في المطلب الأول- تصطدم بصعوبات جمة، أو أن الإدارة تستعملها بشكل غير ذلك المنصوص عليه في القوانين والأنظمة.
فبالرجوع إلى الاستقالة التي يقدمها الموظف بمحض إرادته رغبة منه بالخروج عن العمل، نجدها إلى حد ما من الناحية الممارستية تجد إكراهات وصعوبات في أجرتها، خصوصا إذا كان الموظف (ة) المعني يشتغل في بعض المناصب الحساسة أو التقنية التي تعرف الخصاص بشأنها.
إذ أن الإدارة في هذه الحالة "تبقى لها السلطة التقديرية في قبول أو عدم قبول رغبته، وذلك تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة"[11].
وبالنسبة للإعفاء كإجراء من الإجراءات التي تتخذها الإدارة في حق موظفيها ومن تم الاستغناء عنهم، يجوز لنا القول بأنه بالرغم من تنصيص القانون على هذه الإمكانية خاصة فيما يتعلق بإصدار ظهائر شريفة يمكن من خلالها تخفيض من عدد موظفي الأسلاك، نجد هذا المقتضى لم يتحقق لحد الآن[12].
بطبيعة الحال، وتبقى تقنية العزل من أخطر الإجراءات التي يمكن أن يتعرض لها الموظف (ة) لإنهاء عمله، لأنه من الناحية العملية يمكن للإدارة أن تتعسف في استعمال هذا الحق، أو أن تتخذه لاعتبارات أخرى.
وعلى هذا الأساس، فالعزل غير التأديبي مثلا أو ما يسمى بالفصل التحكيمي أو الإداري أو السياسي، تعترف به قوانين بعض الدول لرئيس الدولة أو للحكومة إذا قدرت أن الصالح العام يقتضي ذلك، وذلك دون أن يكون الموظف قد ارتكب خطأ محددا يستحق عنه العقاب.
ولما كان هذا النوع من العزل يحتوي على خطورة كبيرة في كون الموظف يفصل دون تحقيق أو محاكمة فإن قوانين بعض الدول كفرنسا مثلا تقتصر إمكانية الفصل بغير الطريق التأديبي على الموظفين الذين يعينون بمرسوم، وهم كبار الموظفين أو القادة أو القادة الإداريين. نظرا لأن وظائفهم تستلزم تمتعهم الدائم بثقة الحكومة، كما أن قوانين بعض الدول تحدد الحالات التي يجوز فيها الفصل بغير الطريق التأديبي رغم عدم قصره على كبار الموظفين[13].
كما لا تفوتنا الإشارة إلى أن الإحالة على التقاعد خاصة النسبي، لا يفعل عادة من الناحية العملية علما إذا كان الموظف (ة) بسيطا أي إذا كان ينتمي إلى سلالم الأجور المتوسطة، ولعل السبب في ذلك يكمن في نظرنا في الصعوبات والتحديات التي يواجهها الموظف المغربي بشكل عام، وبالتحديد تزايد غلاء المعيشة في مقابل ضعف الدخل الفردي للموظف.
المبحث الثاني:
الخروج من الوظيفة المغادرة الطوعية (نموذجا)
المقصود بالمغادرة الطوعية مبادرة جاءت بها الحكومة قصد تشجيع موظفي الدولة المدنيين على مغادرة وظيفتهم إذا توفرت فيهم الشروط المطلوبة مقابل تعويض مالي وهي مبادرة استثنائية انطلقت في فاتح يناير 2005، وانتهت في 30 يونيو من نفس السنة، وسنحاول الوقوف في هذا المبحث على السياق الذي جاءت فيه والأهداف التي حاولت تحقيقها (المطلب الأول)، ثم التدابير والمساطر التي خضعت لها هذه المبادرة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: السياق والأهداف
تشكل عملية المغادرة الطوعية إحدى مداخل الإصلاح الإداري المتعلق بتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية في إطار إعادة تحديد دور الدولة، وعدم تنافسية الاقتصاد الوطني إلى جانب تثمين الموارد البشرية بشكل عام، خاصة بعد تبين وبجلاء مدى الاختلالات التي تعاني منها الإدارة العمومية على مجموعة من المستويات بسبب عدم قدرتها على التحكم في تضخم هياكلها إلى جانب سوء توزيع الموظفين إداريا وجغرافيا.
والواقع أن عملية المغادرة الطوعية جاءت في كنف ظروف داخلية وأخرى دولية حتمت اتخاذ هذا القرار.
ü الظروف الخارجية: تتمثل هذه العوامل في إملاءات البنك الدولي التي تدعوا الحكومة إلى تقليص كتلة الأجور والتي تمثل حوالي 3 % من الناتج الوطني الإجمالي الشيء الذي ينعكس سلبا على المالية العمومية، مما يؤثر في قدرة المغرب على سداد ديونه الخارجية للبنك الدولي.
ومن جانب آخر فإن الانفتاح الاقتصادي الذي يعرفه المغرب يدعوا بإلحاح العمل على عصرنة وتطوير الجهاز الإداري حتى يكون قادرا على جني ثمار هذا الإنفتاح الاقتصادي من خلال خلق الأرضية المناسبة لجلب الاستثمارات الخارجية.
وهكذا بدا للمسؤولين على تدبير الشأن العام أنه من الضروري إعادة النظر في عدد موظفي الإدارة العمومية كخطوة أساسية في مسلسل تحديث القطاعات العامة.
Ø الظروف الداخلية: انطلقت عملية المغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية، في ظرفية اتسمت بالاتجاه نحو إرساء مقومات الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام، والتصدي إلى ظاهرة الفساد الإداري في محاولة لتخليق المرفق العام[14].
ولعل أهم الإشكالات التي طرحت في هذا المضمار، هي تلك المتعلقة بالموظفين الأشباح البالغ عددهم قبل إجراء المغادرة الطوعية 80 ألف أي ما يعادل 17 من مجموع عدد الموظفين العموميين، هذا المعطى يعتقد بعض الباحثين أنه كان حاضر بقوة وراء اعتماد هذا الخيار[15].
وهكذا اتجهت الحكومة ودون سابق إنذار، على وضع الشروط والتدابير التي سيتم بناءا عليها تنظيم عملية المغادرة الطوعية منفرد باتخاذ القرار دون استشارة المنظمات النقابية للموظفين، التي كان بإمكانها أن تلعب دورت جوهريا في إطار الحوار الاجتماعي[16]، ولعل غياب هذه الاستشارة كانت من بين الأسباب التي أدت إلى فشل ما جاء به مرسوم 31 دجنبر 2003 المتعلق بهذا الموضوع.
إن المغادرة الطوعية استطاعت تحقيق بعض الأهداف، ولكن بشكل جزئي كان أولها التخفيض من كتلة الأجور التي تثقل كاهل المالية العمومية، بالرغم من انخفاض نسبة الموظفين من مجموع عدد السكان الإجمالي مقارنة مع دول أخرى في وضعية متقاربة مع المغرب من حيث الإمكانيات الاقتصادية والمالية كتونس ومصر، كما أن هذا الانخفاض على مستوى كتلة الأجور لن يظل مستقرا نظرا لحجم البطالة في صفوف حاملي الشهادات العليا خاصة إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لتحديث الإدارة العمومية من خلال نهج تدبير توقعي للموارد البشرية يقوم على تحديد حاجيات التوظيف بناءا على توظيف دقيق للوظائف ومن حب الشغل، التي يسمح بتكوين رؤية استراتيجية واضحة على المدى المتوسط حول الحاجيات من الأطر لدى جميع الوزارات[17].
أما الهدف الثاني فقد تحدد في تشبيب الإدارة وإتاحة فرص جديدة تسمح للأطر الشابة بأن تلج مناصب المسؤولية داخل الإدارة. إلا أنم الوجه الآخر لهذا الهدف والمتمثل في الفراغ الذي شاب بعض الإدارات والمرافق على مستوى الأطر ذات التجربة والخبرة كانت له انعكاسات سلبية خاصة في صفوف الأساتذة والمعلمين التابعين لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي الشيء الذي تنبهت له الحكومة مؤخرا عندما أقدمت على عمليات توظيف مباشر لحاملي الشهادات العليا لدى هذه الوزارة.
وقد كان من بين أهداف هذه المبادرة، خلق الشروط الملاءمة لتدبير الأمثل للموارد البشرية بالوظيفة العمومية مما سيساعد على التوزيع العقلاني للموارد المتاحة سواء على المستوى الجغرافي أو القطاعي أو الهرمي علاوة على تفعيل الحركية ورهينا بإصلاحات أخرى جوهرية تتوقف أساسا على إعادة النظر في المنظومة القانونية…
وأخيرا، هناك هدف يمكن اعتباره هدفا ثانويا ويتعلق بخلق الظروف المناسبة لإدماج المستفيدين من العملية في القطاع الخاص من خلال إقامة مشاريع استثمارية ساهم في خلق فرض للشغل، إذ أن تجربة هؤلاء وتمرسهم سيمكنهم من إحداث مشاريع ذات مردودية وتنافسية عالية.
وهكذا يمكن القول بأن عملية المغادرة الطوعية بقدر ما سعت إلى تحقيق أهداف يمكن اعتبارها ذات وقع إيجابي قد تساعد على وضع الخطوة الأولى نحو عصرنة الإدارة المغربية بقدر ما خلفت بعض الآثار السلبية ينبغي العمل على تجاوزها.
المطلب الثاني: تدابير المغادرة الطوعية للوظيفية
إن الحديث عن التدابير المتخذة للمغادرة الطوعية من الوظيفة العمومية، تقتضي البحث/التوقف عند النقط التالية:
شروط الاستفادة من عملية المغادرة الطوعية: إن عملية المغادرة الطوعية للوظيفة العمومية همت بالأساس موظفي الدولة المدنيين الذين استوفوا شروط مدة هذه الخدمة المنصوص عليها في القانون المتعلق بنظام المعاشات المدنية[18]، والذين اختاروا المغادرة الطوعية من أجل التقاعد حد السن القانوني[19]، كما همت هذه العملية موظفي الدولة المدنيين الذين لا يستوفون الشروط التي تخول الحق في الحصول على معاش التقاعد، كما هو منصوص عليها في البند الأول من الفصل الرابع من القانون السالف الذكر، والذين اختاروا المغادرة الطوعية للإدارة بعد الحصول على إذن الإدارة التابعين لها.
بالإضافة إلى موظفي الدولة الذين هم في وضعية الإلحاق أو الإحالة على الاستيداع أو رهن الإشارة[20].
كما تم تحديد شرط آخر للاستفادة من المغادرة الطوعية، ويتعلق بضرورة توفر على 21 سنة من الخدمة بالنسبة للموظفين، و15 سنة بالنسبة للموظفات.
للاستفادة من المغادرة الطوعية كان على الموظف إبداء رغبته في ذلك بواسطة طلب مكتوب يوجه إلى الرئيس الإداري داخل أجل ستة أشهر من فاتح يناير إلى 3 يونيو 2005، بالإضافة إلى توجيه نسخة من هذا الطلب إلى وزارة تحديث القطاعات العامة.
الغلاف الزمني: لقد تم تحديد أجال القيام بمختلف الإجراءات التي يقتضيها نظام المغادرة الطوعية للوظيفة في خمسة عشرة يوما كحد أقصى، ابتداء من تاريخ التوصل بالطلبات، لتقوم الغدارة بالبت فيها وإعداد قوائم الخدمات الخاصة لأصحاب هذه الطلبات، ومشاريع قرارات المغادرة الطوعية، ثم بعد ذلك تبعت الإدارة المعنية قوائم الخدمات التي قامت بإعدادها إلى الصندوق المغربي للتقاعد، قصد البت فيها داخل أجل أقصاه عشرة أيام ابتداء من تاريخ التوصل بها.
وإثر مصادقة الصندوق المغربي للتقاعد على تلك القوائم تعرض قرارات المغادرة الطوعية دون تأثيره على المراقب المركزي للالتزام بنفقات الدولة، للإدارة التي ينتمي إليها المعنيون بالأمر، والذي يبث فيها في أجل أقصاه خمسة أيام[21].
التعـويـض: تمكن الموظفون الذين نالت طلباتهم بالموافقة من الحصول على تعويض من ميزانية الدولة معفى من الضريبة العامة على الدخل IGR، تم احتسابه على أساس كافة جميع عناصر الأجرة خاضعة للاقتطاع من أجل المعاش.
وقد تحددت قيمة التعويض في أجرة شهر ونصف عن كل سنة من الخدمة الفعلية، وحسب النسبة عن كل الفترة من الخدمة تقل عن سنة، دون أن يتجاوز المبلغ الإجمالي للتعويض أجرة 36 شهرا بالنسبة للموظفين المرتبين في سلم 6 وما فوق، بدون تقيد بأي سقف بالنسبة للموظفين المرتبين في السلم 1 إلى السلم 5 غير أن مبلغ التعويض لا ينبغي أن يتعدى نصف مجموع مبالغ الأجرة والتعويضات القارة الممكن صرفها للمعني بالأمر بين الفترة الممتدة من تاريخ حذفه من الأسلاك بسبب المغادرة الطوعية للعمل إلى بلوغه حد السن القانوني للإحالة على التقاعد، وقد تكلف مكتب أداء الأجور الرئيسي للخزينة العامة بصرف التعويض للمستفيدين من المغادرة الطوعية للوظيفة في نهاية الشهر الموالي للشهر الذي يحذف فيه الموظف من الأسلاك[22].
يمكن القول بأن تدبير الآجال المتعلق بالبث في الطلبات كان قصيرا، بحيث تم الحسن في جلها خلال فترة زمنية لم تتجاوز ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ إيداع الطلب إلى تاريخ صرف المعاش.
إلا أن الإشكال الجوهري الذي أثير بالنسبة لتدابير المغادرة الطوعية، يتجسد في المعيار المعتمد لموافقة السلطة الإدارية التسلسلية على طلبات مرؤوسيها الراغبين في المغادرة الطوعية للوظيفة، إذ أن خلو هذه التدابير من أي إشارة في هذا المضمار يضعنا أمام عدة احتمالات:
إما أن الإدارة اعتمدت معيارا ماليا صرفا، وبذلك وافقت دون تردد على طلبات الموظفين الذين لا يكلف تعويضهم عن المغادرة الطوعية مبلغا مرتفعا.
أو أن الإدارة وافقت على طلبات الموظفين المصنفين في مختلف الدرجات دون تمييز، والموازاة فيما بينها.
غير أن التساؤل سيبقى مطروحا حول النسبة –إن كانت هناك نسبة- مخصصة لكل فئة حتى لا يصرف الغلاف المالي المخصص لفائدة فئة دون الأخرى.
أو أن الإدارة وافقت على الطلبات المرفوعة إليها حسب تاريخ التوصل بها، في حدود لا يسمح به الغلاف المالي[23].
خاتمة
كخاتمة لهذا الموضوع يمكن لنا الخروج بالخلاصات التالية:
عن تفعيل الإطار القانوني للخروج من الوظيفة من الناحية العملية يطرح عدة إشكالات، فالاستقالة على سبيل المثال نجد الإدارة تتمتع بسلطات واسعة من أجل قبولها أو رفضها، خصوصا إذا كانت الوظيفة/ المهنة التي يشتغلها الموظف (ة) نادرة. نفس الأمر بالنسبة للعزل الذي يمكن أن تتخذه الإدارة في غير محله لاعتبارات سياسية ومحاسبية أخرى.
إن واقع الخروج من الوظيفة هي المغرب يصعب من الناحية العملية الحديث عنه، وذلك بسبب كثرة البطالة التي تعتري صفوف حاملي الشواهد وخريجي الجامعات والمعاهد العليا في الشأن.
إن الأهداف المتوخاة من عملية المغادرة الطوعية، وإن تم تحقيقها بشكل جزئي أو كلي، لن تكون لها انعكاسات إيجابية على أداء الإدارات العمومية إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات والتي حاولت المغادرة الطوعية التمهيد في تفعيلها، وكذا تفادي الآثار السلبية الناجمة عنها.
[1] – العرابي الغمري: تحديث الإدارة الترابية للدولة في المغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول-وجدة، السنة الجامعية 2003-2004، ص: 95.
[2] – تحديث النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لماذا وكيف؟ وزارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، دراسات وأبحاث 2 أبريل 2002، ص: 5.
[3] – ظهير شريف رقم 1.58.008، بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1998)، ج ر عدد 2372 تاريخ رمضان 1377 (11 أبريل 1958)، ص: 914.
[4] – مليكة الصروخ: القانون الإداري دراسة مقارنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة السادسة نونبر 2006، ص: 440.
[5] – الفقرة الثانية من الفصل 78 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية السالف الذكر.
[6] – تحديث النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لماذا وكيف؟ مرجع سابق، ص: 44.
[7] – محمد والضحى: تدبير الأطر المشتركة، يونيو 2003، ص: 50/51، غير منشور.
[8] – مليكة الصروخ: القانون الإداري، نرجع سابق، ص: 443.
[9] – الفصل 82 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
[10] – مليكة الصروخ: القانون الإداري، نرجع سابق، ص: 443.
[11] – مليكة الصروخ: نرجع سابق، ص: 440.
[12] – تحديث النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية لماذا وكيف؟ مرجع سابق، ص: 44.
[13] – مليكة الصروخ: نرجع سابق، ص: 443.
[14]– مرسوم رقم 2.04.811 المتعلق بإحداث بصفة استثنائية تعويضا عن المغادرة الطوعية لموظفي الدولة المدنيين.
[15]– د. أمال المشرفي: قراءة في الرسوم الخاص بالمغادرة الطوعية للوظيفة العمومية أية تدابير لأي حلول، المجلة المغربية للإدارة والتنمية، العدد 60 يناير-فبراير 2005، ص: 19.
[16]– د. أمال المشرفي: نفس المرجع السابق، ص: 14.
[17] – الإدارة المغربية وتحديات 2010 أرضية للمناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري بالمغرب الرباط 7 و8 ماي 2002، ص: 77.
[18] – قانون رقم 011.71 الصادر في 12 من ذي القعدة 1321 الموافق لـ 30 دجنبر 1971، المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية كما تم تغييره وتتميمه.
[19] – المادة 1 من مرسوم 2.04.111 المحدث بصفة استثنائية تعويضا عن المغادرة الطوعية لموظفي الدولة المدنيين.
[20] – المادة السالفة من نفس المرسوم المذكور.
[21] – أمال المشرفي: قراءة في المرسوم الخاص بالمغادرة الطوعية للوظيفية العمومية أي تدبير لأي حلول: منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 60 يناير-فبراير 2005، ص: 16-17.
[22] – أمال المشرفي: مرجع سابق، ص: 18.
[23] – أمال المشرفي: مرجع سابق، ص: 18.