الأسرةفي الواجهةمقالات قانونيةندوات

خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة – من خلال الزواج وانحلال ميثاقه- : تقرير حول أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص من انجاز الدكتور موحى اسيدي اعمر

 

اخترنا لكم ضمن ركن نافذة على الجامعة لهذا العدد أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص تقدم بها السيد مـــــــــــوحـــى اســـــــــيـــــــــــدي اعــــــــــــــمــــــــر تحت عنوان:

“خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة

 – من خلال الزواج وانحلال ميثاقه- ”  

 

وقد تمت مناقشة هذه الأطروحة برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة من طرف لجنة علمية مشكلة من السادة:

 

د : أحمد خرطة أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور…………..رئيس ومشرفا                   

د: إدريس اجويلل أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس………………………………………….عضوا

د: عمر المزرع أستاذ التعليم العالي مؤهل بكليبة الحقوق بفاس………………………………………..عضوا

دة: صليحة حاجي أستاذة التعليم العالي مؤهلة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور…………..عضوا

 

 

وقد قررت اللجنة المذكورة بعد مداولاتها قبول الأطروحة بعلامة مشرف جدا، وذلك بتاريخ 23 يوليوز 2015.

 

 

 

 

مــــــقـــــدمـــــــــــة

اعتنى الإسلام بالأسرة عناية فائقة، فحث على تكوينها و دعا إلى أن يعيش الناس في ظلالها ، باعتبارها الصورة الطبيعية للحياة المستقيمة التي تلبي رغبات الإنسان وتفي بحاجاته ، فهي الوضع الفطري الذي ارتضاه الله لحياة الناس، كما خصها بتشريعات وأحكام بهدف تنظيمها و حمايتها بدء بلحظة التفكير في إنشائها ومرورا بإقامتها و بنائها.

وإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة استمدت معظم أحكامها من قواعد الفقه المالكي استجابة لمتطلبات الأسرة المغربية وتماشيا مع مبادئ وأحكام الفقه الإسلامي في الفترة التي وضعت فيها ، فإن التطور السريع الذي عرفته الأسرة من تنامي دور المرأة وتبادل الأدوار أحيانا بينها وبين الرجل في المجتمع ، وكذا انفتاح المغرب على المحيط الدولي وارتباط قضايا الأحوال الشخصية بالمجتمع الدولي في بعض الحالات جعل المشرع يغير بعض تلك الأحكام بما ينسجم مع المرجعية الدولية فيما لا يتناقض ويتعارض مع المرجعية الإسلامية ، وغني عن البيان أن إصلاح قضايا الأحوال الشخصية مسألة صعبة ومعقدة وشائكة في كل المجتمعات، وتبقى من القضايا ذات الراهنية الدائمة والمتأججة نظرا لارتباطها بالقيم الدينية والثقافية وبالتحولات المجتمعية والمؤشرات السياسية.

وفي إطار تحديث المشرع المغربي لترسانته القانونية ، أصدر مدونة الأسرة قصد تجاوز سلبيات مدونة الأحوال الشخصية الملغاة رغم التعديلات الجزئية التي أدخلت عليها بموجب تعديلات 10 شتنبر 1993، والتي استمرت فترة زمنية قاربت نصف قرن رغم التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفها المغرب.

فالأسرة المغربية تعرضت لمظاهر متعددة من التطور سواء على مستوى التعليم وخروج المرأة إلى العمل وممارستها الحقوق السياسية ، وكذلك عوامل الهجرة والموارد الاقتصادية وتغير وسائل الحياة الاجتماعية ، أثرت بشكل كبير على التضامن الأسري والسلطة الأبوية ، وهما المظهران الأساسيان اللذان كانت تنطلق منها مبادئ قانون الأسرة ، إضافة إلى اعتبار الأسرة خيارا استراتيجيا لتحقيق التنمية البشرية مما استوجب التدخل لتطوير المناخ التشريعي على ضوء التحولات الكبرى والعميقة التي عرفها المجتمع المغربي عامة والأسرة المغربية على وجه الخصوص.

وعليه جاءت مدونة الأسرة معتبرة هذا المعطى الاستراتيجي، إذ كان من المنتظر بل من المحتم أن تواكب هذه التطورات الجذرية تحولات أخرى موازية تهم الترسانة التشريعية الوطنية، بما فيها تلك المنظمة للأحوال الشخصية وشؤون الأسرة، لتكون هذه الأخيرة في مستوى هذه التطلعات وقادرة على مواكبة وتيرتها المتسارعة في ظل مقاربة ثنائية تحافظ وتزاوج كمبدأ بين روح الانفتاح والتسامح والحداثة، وبين التأكيد على التشبث بجدور الأصالة التراثية المستمدة روافدها من الإسلام كمكون حضاري ومصدر تشريعي أساسي لا يمكن الاستغناء عنه.

وانطلاقا من هذه المعطيات، ولكون العوامل المؤثرة في تطوير وتشكيل قواعد الأحوال الشخصية التي يمكن حصرها في الأعراف والتقاليد الاجتماعية الموروثة والتفسير الفقهي للنصوص القانونية والعصرنة جاءت مدونة الأسرة مرتكزة على المرجعية الدينية باعتبارها المصدر الأساسي للتشريع المنظم للروابط الأسرية، كما انفتحت على المرجعية الدولية باعتبار المغرب جزء من المنتظم الدولي مما يوجب عليه ملائمة تقنيناته الداخلية مع الاتفاقيات الدولية، إضافة إلى استفادتها من الأنظمة السائدة في القانون المدني عامة ونظام المسؤولية المدنية على وجه الخصوص.

فطابع التعدد في المرجعيات المعتمدة في مدونة الأسرة لا يمكنه أن يلغي أهمية المرجعية الدينية، حيث إنه من الصعوبة تغيير النصوص القانونية المنظمة للروابط الأسرية عامة، ووضعية المرأة على وجه التحديد بمعزل عن الأحكام والمقررات الشرعية والفقهية، لاسيما أن موادها تثير حساسية مفرطة في المجتمعات الدينية ذلك أنها تشكل ملجأ للخصوصيات الوطنية وتتحكم فيها عدة اعتبارات دينية دون إغفال معايير النموذج الأممي التي أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الحالي بحكم عالميتها، وبحكم تبنيها من قبل منظمات دولية وقارية، تعد الدول الإسلامية عضوا فيها.

ولما كان الصدام بين ما هو ديني وما هو دولي يشكل عاملا أساسيا في أي مقاربة تغييرية للقانون المنظم للأسرة، فإن الصراع يمتد إلى أبعد من ذلك ليشمل إشكالية تطبيق خصوصيات القواعد المدنية العامة في القانون المدني على مدونة الأسرة، في جانبها المرتبط بتطبيق نظام المسؤولية المدنية على الروابط الأسرية، لاسيما أن المشرع المغربي أقر التعويض في الخطبة والزواج حماية للإرادة، وعمل على تحديد طبيعتها اعتمادا على قواعد ومبادئ الفقه الإسلامي وانسجاما مع أحكام قانون الالتزامات والعقود بهدف الكشف عن الطابع المدني للخطبة والزواج ومدى تطبيق قواعد المسؤولية المدنية عليهما.

كما نجد المشرع المغربي أيضا أكد على الشروط الإرادية في عقد الزواج اعتمادا على مبدأ سلطان الإرادة في القانون المدني وتجسيدا لما نص عليه المشرع في الفصل 230 من قانون الالتزامات والعقود، الذي أصبحت معه الإرادة المحدد الأساسي لمضامين وآثار التزامات الأطراف بقوة تعادل قوة الالتزامات الناشئة عن القانون، فلا يستطيع المتعاقد التحلل من الالتزام الإرادي كما لا يستطيع التحلل من الالتزامات القانونية، وذلك حتى لا يتحول هذا المبدأ إلى التعسف في استعمال الحق بسبب اختلال التوازن في المراكز القانونية لمنشئي الاتفاقات والشروط الاتفاقية.

وقد عمل المشرع الأسري على تقييد هذه الإرادة ببعض القيود من أهمها مبدأ الشكلية ومبدأ عدم التعسف في استعمال الحق.

ولهذا أعطت المدونة لمبدأ سلطان الإرادة دورا هاما في إنشاء وإنهاء الرابطة الزوجية، حيث منحت للإرادة مكانة واسعة في الاتفاقات التي تهم الزوجين وذلك عن طريق الاشتراط عند إبرام عقد الزواج وأثناء قيام العلاقة الزوجية، وأصبحت هذه الاتفاقات والشروط تتمتع بقوة إلزامية، حيث يؤدي الإخلال بها إلى منح المرأة إمكانية طلب التطليق مع حقها في التعويض.

كما منح المشرع المغربي للزوجين الحرية في كيفية تنظيم علاقتهما ذات الطابع المالي، وهكذا جاءت مدونة الأسرة بقاعدة اختيارية، تخضع لمبدأ سلطان الإرادة بمفهومه المدني، فلطرفي العلاقة الزوجية الحق في تحديد كيفية تنظيم علاقاتهما ذات الطابع المالي خلال الزواج وبعد انحلاله وذلك بتوافق إرادتهما على إبرام عقد مستقل عن عقد الزواج.

إضافة إلى أن المشرع أخذ بعض الأحكام القانونية الواردة في قانون الالتزامات والعقود منها عيوب الإرادة المحددة في الغلط والإكراه والتدليس والغبن، وعمل على إدخالها في المجال الأسري.

وبالرجوع إلى خصوصيات القواعد المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية نجد المشرع المغربي يتبنى الاعتماد على قواعد المسؤولية المدنية والتعسف في استعمال الحق في إنهاء العلاقة الزوجية ويركز على دور إرادة الزوجين في إنهاء هذه الرابطة المقدسة، كما يؤكد على الطبيعة التعويضية للمتعة عند انتهاء الرابطة الزوجية، إضافة إلى التعويض في حالة التطليق للشقاق والتطليق للضرر.

وفي ما يخص النيابة الشرعية نصت مدونة الأسرة على مسؤولية الوصي أو المقدم عند الإخلال بالتزاماته في إدارة شؤون المحجور، وطبقت عليه أحكام مسؤولية الوكيل بأجر ولو مارس مهمته بالمجان.

والذي يبدو من خلال هذه المقتضيات، انفتاح المشرع المغربي على قواعد القانون المدني خاصة نظام المسؤولية المدنية، غير أن هذا الأمر لا يمكن الحسم فيه، إذ لابد من الرجوع إلى الفقه الإسلامي والتقصي في تراثه الفقهي عن إمكانية التعويض على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية القائمة على العدل والإنصاف نظرا لخصوصية الفرع القانوني المنظم للأسرة الذي يحتم الحذر من تمديد القواعد العامة للمسؤولية المدنية، في نطاق الروابط الأسرية في حالة إذا ما كانت تتعارض مع خصوصيتها لاختلافها جذريا عن الروابط المدنية الأخرى والروابط المالية.

ومن هذا المنطلق يمكن القول أن دراسة أي مادة من مواد مدونة الأسرة وفقا لهذا التنوع في المرجعيات لا يمكن أن ينطلق من مسلمة اعتناق مرجعية أحادية، بل لابد من التعمق في مختلف المرجعيات التي تحكم المواد موضوع الدراسة بغية معرفة مدى اعتمادها على مرجعية معينة أو أخرى.

ولعل أهمية كل موضوع تبرز من خلال ما يطبعه من خصوصية وما يأتي به من جديد أثناء تناوله، ولهذا فأهمية هذا الموضوع تتمثل في محاولة تحليل ودراسة مدى تطبيق قواعد القانون المدني على الخطبة والزواج، وذلك من خلال العمل على تحديد الطبيعة القانونية لهما في مدونة الأسرة، مع قياس درجة تأثرها بمبادئ القانون المدني، خاصة ما يتعلق بالتعويض في حالة العدول عن الخطبة ودراسة الطبيعة القانونية لها، ولعقد الزواج أيضا، بالإضافة إلى مدى تطبيق عيوب الإرادة كالإكراه والتدليس على الخطبة والزواج ومدى تجسيد قواعد المسؤولية المدنية في مجالي الخطبة والزواج.

كما تكمن أهمية موضوع خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة، في محاولة تأصيل التعويض، في الروابط الأسرية على ضوء الفقه الإسلامي والقواعد العامة في القانون المدني، خاصة المسؤولية المدنية بشقيها العقدي والتقصيري، حيث سأعمل على مقاربة النص فقهيا وقانونيا، أخذا بعين الاعتبار القواعد العامة للقانون المدني، دون إغفال موقف الفقه الإسلامي لاسيما أن مدونة الأسرة تبنت صياغة جديدة تطلبت تبني النظريات العصرية الواجب مراعاتها في السلوك الاجتماعي خاصة بين الزوج والزوجة، وبذلك امتزجت قواعد الفقه الإسلامي الأصلية بقواعد مدنية لا تعتبر في الواقع غريبة عن قواعد الفقه الإسلامي مثل القواعد التي تحكم التعسف في استعمال الحق وقواعد المسؤولية التقصيرية.

وتكمن أهمية هذا الموضوع كذالك في التطرق لاعتماد قواعد المسؤولية المدنية بشقيها العقدي والتقصيري في إنهاء العلاقة الزوجية، من خلال دراسة المسؤولية العقدية في إطار التطليق للإخلال بشرط من شروط عقد الزواج، بالإضافة إلى اعتماد المسؤولية التقصيرية في التطليق للشقاق، والتطليق للضرر نتيجة إخلال أحد الزوجين بالواجبات القانونية الواجبة عليه تجاه الزوج الآخر.

هذا بالإضافة إلى دراسة قيمة المبالغ المالية التي يحكم بها القضاء كتعويض عن الضرر اللاحق بأحد الزوجين من جراء إنهاء العلاقة الزوجية، حيث تضاربت الأحكام بين محكمة وأخرى واختلف مقدار التعويض من منطقة لأخرى نتيجة تحكم مجموعة من العوامل في تحديده.

بالإضافة إلى ما سبق، فإن أهمية هذه الأطروحة تكمن في ارتباطها بالمجال الأسرى، كما أنه موضوع تتداخل فيه بعض الأحكام القانونية الموجودة في القانون المدني كالتعويض وعيوب الإرادة والتي عمل المشرع على إدخالها في الروابط الأسرية، يضاف إلى ذلك أن مدونة الأسرة وقانون الالتزامات والعقود كلاهما ينظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد وتتمثل بعض نقط التلاقي بين هذين القانونين في مبدأ سلطان الإرادة.

كما أن مجرد البحث في خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة خاصة في ما يتعلق بالمسؤولية المدنية يشكل أهمية نظرية لكون نظامها من أصعب الأنظمة القانونية التي عرفت تطورات كبرى ومتلاحقة مما يقتضي دراستها والبحث عن مدى استفادة مدونة الأسرة منها خاصة فيما يتعلق بإنهاء الرابطة الزوجية

ولعل دوافع اختياري لهذا الموضوع هي إبراز خصوصية الرابطة الأسرية التي يستوجب تحديد طبيعتها القانونية قبل أي بحث عن إمكانية التعويض على ضوء الفقه الإسلامي، أو القانون الوضعي مع الإحاطة بالجدل الذي أثارته كل مسألة محل الدراسة بغية تقريب القواعد العامة إلى المهتمين بنصوص مدونة الأسرة.

وبعد الكشف عن المرجعية المعتمدة في التعويض الوارد في مدونة الأسرة الدافع الأساسي لاختياري لهذا الموضوع لكونه يحاول مقاربة الخاص الذي هو مدونة الأسرة بالعام الذي هو قانون الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي، للبحث عن مكامن التوافق بين القواعد العامة للمسؤولية المدنية وخصوصية مدونة الأسرة من جهة، وبينها وبين الفقه الإسلامي من جهة أخرى،  مما يجعل هذه الدراسة لا تنحصر في نطاق معالجة مدونة الأسرة من الداخل، بل ترمي إلى دراستها من الخارج على ضوء الفقه الإسلامي وقانون الالتزامات والعقود ، كما أن هذا الموضوع  يستلزم البحث في أصل التعويض المستحق لأحد الزوجين عند انتهاء العلاقة الزوجية، نظرا لكون مدونة الأسرة تحاول التوفيق بين المرجعية الدينية المتمثلة في أحكام الشريعة الإسلامية واجتهادات الفقه الإسلامي، وانفتاحها على مبادئ القانون المدني عامة وقواعد المسؤولية العقدية والتقصيرية على وجه الخصوص، وذلك كله من أجل التأصيل لحق التعويض المستحق لأحد الزوجين جراء العدول عن الخطبة أو الإنهاء التعسفي للرابطة الزوجية.

وعليه فالمرجو من هذه الدراسة هو الوقوف على حدود انفتاح مدونة الأسرة على القانون المدني، خصوصا وأن مدونة الأسرة عملت على توظيف بعض تقنينات القانون المدني، كالمسؤولية المدنية والبطلان، وعيوب الإرادة والتعويض والظروف الطارئة ومبدأ سلطان الإرادة.

ويعد تواجد بعض آليات قانون الالتزامات والعقود في المجال الأسري سببا لمعرفة مدى إمكانية اعتبار القانون المدني كمصدرا لمدونة الأسرة إلى جانب الفقه المالكي، بمعنى هل للقاضي إذا لم يجد نصا في مدونة الأسرة والفقه المالكي إمكانية الرجوع إلى القانون المدني باعتباره الشريعة العامة لكل القوانين؟.

بالإضافة إلى الإطلاع على كيفية تعامل القضاء الأسري المغربي مع قواعد المسؤولية المدنية والتعويض القضائي كأبرز مستجد جاءت به مدونة الأسرة عند انحلال العلاقة الزوجية، ثم الوقوف على العلاقة بين المتعة والتعويض تشريعيا وقضائيا وفقهيا.

فخصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة يعني رصد ودراسة مظاهر القانون المدني في مجال العلاقات الأسرية، ابتداء من نشأة هذه العلاقة إلى انتهائها بل وحتى قبل نشأتها خاصة في الخطبة، وبمعنى أدق يقتضي هذا الموضوع محاولة دراسة مظاهر انفتاح المشرع المغربي في مدونة الأسرة على القانون المدني ابتداء من الخطبة مرورا بعقد الزواج ليصل إلى الطلاق، والتطليق بحضور مبدأ سلطان الإرادة في المجال الأسري، سواء قبل إبرام عقد الزواج أي في الخطبة أو عند إبرام هذا العقد والاتفاق على الشروط المتعلقة بهذا العقد أو عند انحلال الرابطة الزوجية.

ونظرا لعدم اتساع المجال للحديث عن جميع هذه المواضيع فقد اقتصرت في بعض الأحيان على الإشارة إليها فقط، كما أن كل مقتضى قانوني اقتبسه المشرع المغربي من قانون الالتزامات والعقود، لا بد لنا من البحث فيه وتأصيله في الفقه الإسلامي تم مقارنته ببعض القوانين المقارنة.

كما أن التعامل المباشر مع المراجع الفقهية والقانونية التي تناولت موضوع المسؤولية المدنية بصفة عامة، وقواعد التعسف في استعمال الحق، واستعراض آراء الفقهاء والمهتمين بهذا الموضوع وتطبيقها على إنهاء العلاقة الزوجية يتطلب الكثير من الجهد، حيث إن لمَّ شتات هذا الموضوع على ضوء التشريع المغربي والمقارن، وإيجاد مقاربة شمولية حوله ليس بالأمر السهل والهين، وعلى ضوء ذلك كان من اللازم التعليق على كل المواقف الفقهية والقانونية ليتضح الأمر المختلف فيه أكثر حتى لا يبقى أسير سرد واستعراض أقوال الفقهاء والمهتمين بهذا الموضوع والاستشهاد بأقوالهم وآرائهم.

كما أن تعدد المراجع في الموضوع ، وكثرتها ليس من شأنه أن يسهل عملية البحث في هذا الإطار، لأن أغلب هذه المراجع ذات طابع عام ، وحتى تلك المراجع الخاصة و إن وجدت فإنه يغلب عليها الطابع الوصفي ولا تمكن الباحث بالقدر الكافي من تحليل الإشكالات التي يطرحها هذا الموضوع

وإلى جانب هذا نجد صعوبة هذا الموضوع تتمثل في التطرق للتعويض في حالة العدول عن الخطبة والتعويض في عقد الزواج المشوب بالإكراه أوالتدليس ثم التعويض في حالة إنهاء العلاقة الزوجية تعسفيا، من قبل أحد الزوجين وما يعرفه هذا الموضوع من قلة المراجع المتخصصة فيه، خاصة إذا علمنا أن التعويض يعتبر أهم مستجد جاءت به مدونة الأسرة.

لقد اعتمدت كأساس لمعالجة هذا الموضوع على المنهج الوصفي التحليلي النقدي مع اعتماد دراسة مقارنة بين ما هو مقرر في الفقه الإسلامي من جهة، وما ذهب إليه المشرع المغربي في مدونة الأسرة من جهة ثانية مع مقارنته ببعض التشريعات الأخرى في بعض الأحيان، ثم توظيف المناقشة والنقد في معالجة الأفكار والنصوص القانونية والاجتهادات الفقهية والقضائية في الموضوع.

كما اعتمدت أيضا على منهجية إبداء الرأي الشخصي في الموضوع والتأسيس له والاستدلال على حجيته إذا اقتضى الأمر ذلك، وذلك من أجل إبراز مكامن الالتقاء والتشابه ونقط التنافر والاختلاف بين ما هو مقرر في مدونة الأسرة وما هو مقرر في بعض القوانين المقارنة في تناولها لمدى انفتاح قوانين الأحوال الشخصية على مبادئ وأسس القانون المدني إلى جانب قواعد الشريعة الإسلامية واجتهادات الفقه الإسلامي.

وانطلاقا مما سبق يمكن القول بأن هذا الموضوع يثير إشكالية كبرى تتمحور حولها مجموعة من الإشكالات الأخرى وذلك وفق الشكل التالي:

أين تتجلى خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة؟

ويتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من التساؤلات الفرعية بغية الإجابة عليها وهي: ما هي خصوصيات القواعد المدنية في مجالي الخطبة والزواج؟ هل تعد الخطبة عقدا في الفقه الإسلامي وما مدى إلزاميتها؟ ما هو الجدل الفقهي حول الطبيعة القانونية للخطبة؟ هل يمكن تأصيل التعويض في الخطبة على ضوء الفقه الإسلامي؟ ما هول الجدل القانوني الذي أثارته مسألة التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة؟ وما هو أساس هذا التعويض في الخطبة والزواج؟

ومن جهة أخرى ما هي الطبيعة القانونية للزواج من زاوية كونه عقدا أم نظاما قانونيا؟ وما طبيعته من زاوية اعتباره عقدا دينيا أم مدنيا؟ وما هو موقف الفقه الإسلامي والقانون الوضعي من التعويض عن الإكراه والتدليس في عقد الزواج وأساسه؟ ألا يمكن اعتبارهما خطأين مصاحبان لتكوين العقد؟ وما مدى تأثيرهما على مبدأ سلطان الإرادة في عقد الزواج؟ وإذا كان التعويض ممكنا لحماية الإرادة، ألا يمكن إعمال قواعد المسؤولية المدنية عند الإخلال بالالتزامات الزوجية؟ وما هو الأساس القانوني للحكم بالتعويض عند انتهاء العلاقة الزوجية؟ ألا يمكن اعتبار التعويض مؤسسا على التعسف في استعمال الحق؟.

ولعل من بين أهم ما جاءت به مدونة الأسرة، هو توسيعها لمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء وإنهاء الروابط الأسرية منفتحة على القانون المدني، فما هو الأساس الفقهي والتشريعي لهذا المبدأ؟ وما مدى إمكانية الجمع بين ما هو أسري المتمثل في رابطة العلاقة الزوجية وما يتعلق بالقانون المدني والمتمثل في مبدأ سلطان الإرادة؟ أين تكمن مظاهر تفعيل مبدأ سلطان الإرادة في تنظيم العلاقة الزوجية؟ وما موقف الفقه الإسلامي والتشريع المغربي من هذا المبدأ؟ وما حدود هذه الإرادة في إنشاء وإنهاء الرابطة الزوجية؟.

وقد قسمت موضوع هذه الأطروحة إلى بابين وفق ما يلي:

الباب الأول : خصوصيات القواعد المدنية في مجالي الخصبة والزواج

الباب الثاني : خصوصيات القواعد المدنية في انهاء العلاقة الزوجية

الباب الأول : خصوصيات القواعد المدنية في مجالي الخصبة والزواج

يعتبر الزواج بمثابة عقد العمر الذي لا يجب أن ينبني على أسس غير سليمة لأنه عهد وميثاق بين الزوجين، يرتبطان به ارتباطا وثيقا مدى الحياة ، لأنه يعقد بنية الدوام والاستمرار ليندمج كل واحد منهما في ذات وكيان الآخر، في جو من السكينة المحفوفة بالمودة والرحمة، فالزواج هو التعبير عن العلاقة الإنسانية الخاصة التي تنشأ بانعقادها الأسر.

ولما كان للزواج كل هذه الأهمية والخطورة، كان لابد من التمهيد له لاختيار المقبل على الدخول في العلاقة الزوجية لمن يناسبه في النواحي المختلفة التي من شأنها أن تساعد على الاستمرار في علاقة زوجية ناجحة، ومن هنا يأتي دور الخطبة كوعد بالزواج في المستقبل وتواعد عليه.

ولهذا يعتبر المجال الأسري، من أهم المجالات التي عكست تدخل المشرع المغربي في اتجاه بلورة مبادئ وقواعد جديدة معتمدا أسلوب التعدد في المرجعيات خاصة في مجالي الخطبة والزواج، حيث لم تكن المرجعية الإسلامية المصدر الوحيد المعتمد في صياغة نصوص مدونة الأسرة، بل شكلت المرجعية الوضعية مصدرا أساسيا في بناء نصوص المدونة.

ومن أهم القوانين التي حاول المشرع الانفتاح عليها في نصوص مدونة الأسرة نجد القانون المدني باعتباره يشمل بعض أوجه العلاقات المالية وغير المالية المرتبطة بالأسرة، حيث تأثرت مدونة الأسرة بالعديد من القواعد المضمنة في هذا القانون، باعتباره الشريعة المؤطرة لكل العلاقات التي تنشأ بين الأفراد خاصة في الخطبة والزواج.

وهكذا فقد عمل المشرع على اقتباس مجموعة من الأحكام القانونية الواردة في قانون الالتزامات والعقود ، ومن هذه الأحكام مبدأ سلطان الإرادة والمسؤولية المدنية إلى جانب التنصيص على بعض عيوب الإرادة.

ولقد أعطت مدونة الأسرة لمبدأ سلطان الإرادة دورا هاما في إنشاء عقد الزواج حيث منحت للإرادة مكانة واسعة في الاتفاقات التي تهم الزوجين وذلك عن طريق الاشتراط عند إبرام عقد الزواج وأثناء قيام العلاقة الزوجية وأصبحت هذه الشروط تتمتع بالقوة الإلزامية فيما بين الطرفين.

فموضوع الباب الأول المتعلق بخصوصيات القواعد المدنية في مجالي الخطبة والزواج، قسمته إلى فصلين تناولت في الأول المسؤولية المدنية والتعويض في مجال الخطبة، وخصصت الفصل الثاني للحديث عن المسؤولية المدنية والتعويض في عقد الزواج والاشتراط فيه.

إن وصول الخطيبين إلى التفاهم والتجاوب في كل النواحي النفسية والاجتماعية والروحية، التي تؤطر أواصر المحبة والتآلف بين الخطيبين يعتبر الهدف الأسمى من الخطبة ما لم يظهر تنافر بين الطرفين.

ولقد عرفت مسألة تحديد طبيعة الخطبة جدلا سواء على صعيد الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي نظرا للأهمية الخاصة للخطبة اجتماعيا وقانونيا، لاسيما الدور الهام الذي تلعبه في تحديد آثار الخطبة خاصة آثار العدول عنها، بما فيها إشكال تحديد أساس التعويض عن ضرر العدول عنها.

ومن المعلوم أن الخطبة لا تنتهي دائما بتحقيق الهدف الأسمى الذي تم الإعلان عنه من قبل، حيث يعمد أحد الطرفين إلى العدول عن فكرة الزواج بالطرف الآخر في الخطبة، ويرجع ذلك لأسباب مختلفة كعدم حصول التفاهم والتقارب بين الخطيبين، أو لاكتشاف الطرف العادل عن الخطبة لعيوب أو أسباب أخرى خفية تجعل من غير المتصور بالنسبة إليه أن يقدم على الارتباط بالطرف الآخر، كما قد يكون العدول لا مبرر له سوى عدم الرغبة في الزواج من الطرف الآخر ولو لم يصدر منه شيء يدعو لذلك وقد يكون العدول عن الخطبة باتفاق الطرفين، وهنا لا يطرح أي إشكال.

وما دام إلزام الطرفين بإبرام عقد الزواج أمر غير مستساغ شرعا، ولا يمكن الحكم به قضاء بحكم أن حق العدول عن الخطبة مكفول للطرفين معا، لارتباطه بمبدأ حرية الزواج، وما دام أيضا الجدل الفقهي والقانوني قائم بخصوص الطبيعة الفقهية والقانونية للخطبة، فإن الإشكال يثار حول التساؤل عن التكييف الفقهي للخطبة وما هي الطبيعة القانونية للخطبة؟ وما هو الأساس الفقهي والقانوني المعتمد في التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة؟ وإذا كان العدول في حد ذاته، قد تترتب عليه أضرار تصيب كلا الطرفين أو أحدهما، فهل يستحق كل منهما أو أحدهما تعويضا عن هذه الأضرار وعلى أي أساس؟.

كل هذه الأسئلة سأتطرق إليها من خلال البحث في طبيعة التكييف الفقهي والقانوني للخطبة في المبحث الأول على أن أتطرق بعد ذلك إلى الحديث عن أساس التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة في الفقه الإسلامي والقانوني المغربي في المبحث الثاني.

لقد عرفت مسألة تحديد طبيعة الخطبة جدلا كبيرا سواء على صعيد الفقه الإسلامي أو القانون الوضعي نظرا للأهمية الخاصة للخطبة اجتماعيا وقانونيا وفقهيا، لاسيما دورها الهام في تحديد الآثار المترتبة عنها خاصة عند العدول عنها بما فيها إشكال تحديد طبيعتها القانونية والفقهية، بالإضافة إلى ما تتميز به من خصوصيات تجعلها أقرب إلى القواعد المدنية.

وتعد الخطبة من مقدمات الزواج التي شرعها الله سبحانه وتعالى قبل الارتباط بعقد الزوجية ليعرف كل من الزوجين الآخر، ولكي يكون الإقدام على الزواج على هدى وبصيرة خاصة إذ أخذنا بعين الاعتبار الآثار التي تترتب عليها.

إن الفقه الإسلامي قديمه وحديثه يرى على أن الخطبة ليست سوى وعد غير ملزم بالزواج، والخطبة في تكييفها الفقهي هذا لم تكن في يوم من الأيام، وخلال مسيرة الفقه عبر السنين الطويلة موضع شك أو تساؤل أو استفهام، كما جاء في تنوير الأبصار أن “الخطبة وعد بالعقد وليست بعقد”.

ولما كانت الخطبة في الفقه الإسلامي مجرد وعد بالزواج، وليست بزواج لأن الزواج لا يتم إلا بانعقاد العقد، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية اختلفوا في مدى إلزامية هذا الوعد من عدمه.

وإذا كان الفقهاء قد أجمعوا على اعتبار الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست بعقد ملزم بحيث لا يجوز تقييد شخص بعقد زواج لا يرغب في إتمامه، لأن في ذلك تدخلا في حرية الاختيار، ومسا بقاعدة حرية الزواج، مما جعل الخطبة كقاعدة، فإنه تم اعتبارها بمثابة عقد الزواج استثناء، وذلك في فتاوى فقهاء النوازل إذا ما توافرت في هذه الخطبة بعض الشروط الخاصة التي تجعلها ترقى إلى مستوى عقد الزواج.

ويعتبر حق عدول أحد طرفي الخطبة وتوقفه عن إتمامها حقا مكفولا له، ما دام هذا الحق لم يتعد حدوده المقررة لكلا طرفي الخطبة شرعا وقانونا، فالخطبة مجرد وعد بإبرام عقد الزواج في المستقبل، مما يجعل حرية طرفي الخطبة مبنية على قناعته في إتمام الخطبة وترجمتها إلى عقد زواج مع مراعاة عدم تعسف أحد طرفي هذه الخطبة في ممارسة هذا الحق.

و لعل تأثر التشريعات الإسلامية بالرؤية الفقهية للطبيعة القانونية للخطبة جعل معظم تشريعات البلدان العربية والإسلامية في صياغتها لقوانين الأحوال الشخصية تؤكد تشبتها بما جاءت به الشريعة الإسلامية في هذا الإطار وترسخ مدى تفاوتها في الإعتراف بآثار الخطبة من الناحية القانونية في هذه التشريعات.

إن إجماع الفقه الإسلامي على عدم اعتبار الخطبة بمثابة عقد الزواج كقاعدة لم يحل دون احتدام الصراع والجدل حول الطبيعة القانونية للخطبة، ومدى إلزاميتها وكذا حول النصوص والمبادئ القانونية التي يجب أن تخضع لها أحكام الخطبة لترتب عليها آثارها القانونية.

فغالبية الفقه لم تستقر على رأي موحد من الطبيعة القانونية للخطبة حيث انقسم إلى آراء متعددة متقاربة أحيانا ومتناقضة إلى حد التضارب في أحيان كثيرة، فهناك من اعتبرها عقدا، وهناك من اعتبرها مجرد وعد بالزواج، فالذين اعتبروها وعدا بالزواج لم يتفقوا على إلزاميتها، فمنهم من يرى في الخطبة مجرد وعد غير ملزم، بحيث يمكن التراجع عنه بالإرادة المنفردة، فيما يرى آخرون أنه وإن لم يكن ملزما قضاء فإنه لا ينبغي تجريده من قيمته الأدبية والأخلاقية ، وعدم إساءة استعمال هذا الحق والإضرار بالطرف الآخر في هذه الخطبة.

ولما كانت الخطبة مجرد وعد بالزواج في المستقبل وليست عقدا ملزما يمكن إنهاؤها بالإرادة المنفردة لأحد الخطيبين، فإن التشريعات الوطنية لجل البلدان العربية والمشرع المغربي خاصة، قد أدخل بعض خصوصيات وأحكام القانون المدني في تحديد الطبيعة القانونية للخطبة، وذلك من خلال إعطاء الهامش الأكبر للإرادة المنفردة لطرفي الخطبة، وتبيانه لمدى اختلاف الخطبة عن الوعد بالعقد في القانون المغربي.

لم يكن للفقه بصفة عامة رأي واحد وموحد في اتجاه تحديد الطبيعة القانونية للخطبة، حيث اختلفت الرؤى بهذا الشأن وتعارضت المنطلقات والأسس القانونية وحتى التاريخية التي اعتمدها، وتأثر بها كل فريق لدعم حجية رأيه حيث تعددت النظريات الفقهية حول الطبيعة القانونية للخطبة، وتراوحت بين اعتبار هذه الأخيرة بمثابة عقد ملزم يترتب عن الإخلال به مسؤولية عقدية في جانب من أخل بالالتزامات الملقاة على عاتقه بمقتضى ذلك العقد، وبين اعتبارها عقدا باطلا يتنافى مع مبدأ حرية الزواج الذي يستلزم الرضا التام عند انعقاده ، وذلك بالتحلل من أي قيد مادي أو معنوي قد يؤثر على ذلك الرضا وفي ذلك الالتزام المسبق بإبرام عقد الزواج في المستقبل سواء كان هذا التاريخ محدد سلفا أم ترك أمر تحديده لاتفاق لاحق، وبين هذين الرأيين وجدت آراء أخرى تعتبر الخطبة إما مجرد التزام أدبي وأخلاقي لا يترتب عنه أي أثر قانوني، أو وعد بالزواج غير ملزم لطرفيه، لكنه يمكن أن يرتب أثارا معينة ومحددة في أحوال خاصة.

وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد الخطبة هي مجرد تواعد بالزواج بين الرجل والمرأة، ومن ثم فهي لا تخرج عن النطاق الذي وضعه لها الشرع الإسلامي، باعتبارها وسيلة تمهيدية للزواج وليست بزواج، غير أن الجانب النظري في هذه المسألة يختلف، على اعتبار أن هناك جانب من الفقه يضفي الصبغة العقدية على الخطبة، وهناك من ينفي عنها هذه الصفة العقدية.

إن النظرية العقدية للخطبة تعتبر الوعد بالزواج بمثابة عقد يلقي على عاتق الطرفين التزاما بإتمام الزواج في المستقبل، الأمر الذي من شأنه أن يحد من حرية الزواج عند إبرامه في شكل قانوني بحيث يصبح الطرفان متقيدان بالاتفاق السابق بينهما في هذا الشأن مما يعدم دور الإرادة في إنشاء عقد الزواج، وإذا كانت النظرية العقدية للخطبة اعتبرت عدم قيام أحد الطرفين بتنفيذ التزامه بالزواج يتحول إلى تعويض مدني للطرف الآخر فإن هناك من قال بإمكانية العدول عن الخطبة بالإرادة المنفردة شريطة عدم التعسف في استعمال حق العدول، كما أن هناك من يتشبث بكون عقد الخطبة له خصوصياته الخاصة به مما يجعله مختلفا عن الوعد بالعقد

وتنتهي الخطبة في الأحوال العادية كما كان مقررا لها ابتداء بإبرام عقد الزواج، فالخطبة لا تعدو كونها وسيلة لغاية ألا وهي الارتباط على أسس التفاهم والمودة والاحترام، إلا أنه قد يطرأ على تلك العلاقة ما يجعلها تنتهي دون أن تؤدي الغرض الذي وجدت من أجله أساسا، ويكون ذلك إما خارجا عن إرادة الطرفين كأن تنتهي الخطبة بسبب وفاة الخطيبين أو أحدهما، أو لظهور مانع من موانع الزواج لم يكن الخطيبان على علم به عند الخطبة، كما قد يكون لإرادة الطرفين دورا حاسما في إنهائها، كأن يتم الاتفاق على فسخ الخطبة بالتقابل بين الخطيبين، أو بالإرادة المفردة لأحدها عن طريق فسخ الخطبة من جانب واحد والعدول عن فكرة الارتباط بالطرف الآخر في الخطبة

وإذا كان الانتهاء اللاإرادي للخطبة لا يثير جدلا عمليا على اعتبار أن المشرع قد نظم أحكام استرداد المهر والهدايا بنصوص قانونية مستمدة في جوهرها من الفقه الإسلامي، وإذا كان التقابل بين الخطيبين يتم بطريقة ودية غالبا بحيث يتم الاتفاق على كافة الأمور الأساسية قبله، فإن العدول من جانب واحد يثير إشكالا عمليا وقانونيا يرتبط بمدى إمكانية التعويض عن ذلك العدول وبشكل خاص إذا ما صاحبه أو نتج عنه ضرر للطرف الآخر.

لقد أقر الشرع الإسلامي الحنيف مجموعة من الضوابط الفقهية في مجال الضمان – أي التعويض بالمعنى القانوني – وهي أحكام مستمدة بالأساس من فلسفة الشريعة الإسلامية التي تعمل على حماية الطرفين قبل وأثناء الزواج، فمتى تعرض أحد الطرفين إلى الضرر من الطرف الآخر نتيجة تعسف هذا الأخير في استعمال حقه، إلا وكان ذلك موجبا للتعويض طبقا لأحكام المسؤولية وعلى أساس التعدي يوجب الضمان كما يمكن أن يكون التعويض أيضا على أساس التعسف في استعمال الحق

إن ظهور مسألة التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة جعل الجهود الفقهية والقضائية تنكب على دراسة وتحديد الأساس القانوني المفترض لهذا التعويض، حيث عرف الفقه والقضاء الفرنسي جدلا كبيرا بخصوص تحديد الأساس القانوني الواجب اعتماده للمطالبة بالتعويض في حالة العدول عن الخطبة وهو ما انعكس جليا على موقف الفقه والقضاء في الدول العربية.

ويتقرر التعويض بصفة عامة إثر إلحاق الضرر بالغير لما يسببه ذلك الضرر من مساس بحالة المضرور التي كان عليها قبل وقوع الضرر، وما يترتب عن ذلك من آثار مالية وغير مالية، والتعويض باعتباره أثر وجزاء المسؤولية المدنية، يتمثل في إزالة أو جبر الضرر الذي أصاب المضرور.

فالمشرع المغربي وعلى غرار ما ذهبت إليه بعض التشريعات العربية، قد أقر مبدأ التعويض عن الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة، الأمر الذي يقتضي البحث في الأساس المعتمد للقول بإمكانية التعويض عن الضرر الناجم عن العدول عن الخطبة، والشروط المتطلبة في ذلك لاستحقاق المتضرر من هذا العدول للتعويض إضافة إلى تحديد نطاق ونوع الضرر القابل للتعويض عنه، لأنه ليس كل ضرر حاصل لشخص ما يكون قابلا للتعويض عنه.

ولعل تنصيص مدونة الأسرة على التعويض عن العدول عن الخطبة يثير إشكالا نظريا مرتبطا بالأساس الذي سيعتمد عليه للقول بالتعويض، فإذا تم اعتبارها عقدا حسب ما يذهب إليه أنصار النظرية العقدية فإن التعويض يتم بناء على قواعد المسؤولية العقدية، أما إذا تم نفي الطبيعة العقدية عن الخطبة فإن أساس التعويض عن العدول عنها لا يمكن له أن يكون سوى بناء على المسؤولية التقصيرية.

وعليه سأعمل على البحث في الأساس الذي يمكن اعتماده في القول بالتعويض عن العدول عن الخطبة في إطار كل من المسؤولية العقدية وكذا المسؤولية التقصيرية.

يترتب على اعتبار الخطبة عقدا ملزما للطرفين معا إلزامهما للقيام بتنفيذ ما التزمت به إرادتهما الحرة اتجاه بعضهما من القيام بعمل إيجابي وبحسن نية وجدية في اتجاه إبرام عقد الزواج في الوقت المناسب وفي التاريخ المحدد لذلك تنفيذا لما اتفقا عليه في مرحلة الخطبة، لما يترتب على الإخلال بهذا العقد بالعدول عنه بالإرادة المنفردة لأحد الطرفين مسؤولية العادل منهما وتعويضه للطرف الآخر نظرا لما لحق الطرف الآخر من أضرار جراء هذا العدول، وتطبق عليه أحكام المسؤولية العقدية، وهذه المسؤولية تقتضي ضرورة وجود عقد صحيح قائم على أركان وشروط صحيحة وعموما فإن أركان المسؤولية العقدية هي الخطأ العقدي والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. …. 

غني عن البيان أن إعمال قواعد المسؤولية التقصيرية، يكون في حالة الإخلال بالتزام غير عقدي، وهو الإخلال المتمثل في إثبات عمل ضار بالغير أو ما يسمى بالعمل غير المشروع.

وقد نظم المشرع المغربي المسؤولية التقصيرية في الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات والعقود، إذ ينص الفصل 77 على أن: “كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر… “وينص الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود على أن: “كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد لإحداث الضرر”.

وحسب هذين الفصلين فإن كل من أحدث ضررا للغير، سواء عن قصد أو بدونه، يعد مرتكبا لخطأ يلتزم بجبره عن طريق تعويض المتضرر.

وبناء عليه يمكن التساؤل عن مدى إمكانية تطبيق القواعد المذكورة أعلاه في حالة العدول عن الخطبة ؟

ولهذا يتضح أن المشرع المغربي من خلال المادة السادسة من مدونة الأسرة قد حدد القاعدة المتمثلة في أنه: ” لكل من الخطيبين الحق في العدول عن الخطبة، وأن مجرد العدول لا يرتب تعويضا”، وان من يستعمل حقه بدون تعسف لا يجوز مقاضاته ومطالبته بالتعويض عن أي ضرر قد يلحق الغير نتيجة استعمال هذا الحق وذلك استنادا إلى قاعدة الجواز الشرعي ينافي الضمان.

لكن إذا ترتب عن العدول عن الخطبة ضرر لحق الطرف الآخر سواء كان الضرر ماديا كأن تكون المخطوبة قد تركت عملها استعدادا للزواج، أو أن يكون الخاطب قد تكبد مصاريف إضافية لإعداد بيت الزوجية، أو كان الضرر معنويا كأن ينتج عن العدول مساس بشرف أو بكرامة الطرف المتخلى عنه، ففي هذه الحالة هل يجوز لهذا المتضرر أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق به؟.

وبالرجوع إلى منطوق المادة السابعة من مدونة الأسرة نجد المشرع حسم الأمر وأقر بجواز التعويض عن العدول عن الخطبة، حيث نص صراحة على أن: “مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض، غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للآخر يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض”.

هذا بخصوص الخطبة أخا فيما يخص عقد الزواج فيحتل موضوع المسؤولية المدنية مركز الصدارة ضمن قائمة المواضيع القانونية التي اهتم بها الفقه والقضاء، لأنه لا يمكن إقرار التعويض إلا بتحقق هذه المسؤولية.

ونظرا لأهمية عقد الزواج ومكانته فقد اهتم به الشارع الإسلامي اهتماما وعناية بالغة لم تتوفر في باقي العقود المدنية الأخرى ، إلا أن الإشكال الذي يثور هنا يتجلى في تحديد الطبيعة القانونية لعقد الزواج، حيث إن اعتناق الطابع المدني واعتباره كباقي العقود المدنية الأخرى سيكون مبررا قانونيا لتطبيق قواعد المسؤولية العقدية عند الإخلال بآثار عقد الزواج، أما إذا استحضرنا الطابع الديني فإن جزاء الإخلال يرتبه الشارع في حالة ما إذا لم يوف أحد الطرفين بالتزاماته الزوجية، كما قرر المشرع التعويض عن الإكراه والتدليس عند إبرام عقد الزواج مما يستوجب الحديث عن أساس هذا التعويض وعن موقف الفقه الإسلامي منه.

ونظرا للدور الذي يضطلع به مبدأ سلطان الإرادة في مجال العقود عمل المشرع المغربي من خلال مدونة الأسرة على التوسيع من إرادة الزوجين وترك مجالا واسعا للتراضي بينهما حول شؤونهما الأسرية بما يساهم في استقرار الأسرة وإفساح مجال الاشتراط في مدونة الأسرة ويجد أساسه في الفقه الإسلامي الذي يؤكد على حرية الإرادة، ويعطيها مكانة مهمة مادامت لا تتناقض مع أصل من أصول الشريعة الإسلامية أو مبادئها، أو مصلحة من المصالح المعتبرة فيها، ومن ثم ليس هناك ما يمنع الزوجين من التراضي والاتفاق بينهما حول تنظيم حياتهما لما في ذلك من توفير ضمانات مهمة لكل من الزوجين وتحصين حقوقهما.

                إن للرابطة الزوجية مكانة خاصة من الناحية الدينية و القانونية، مما أثار جدلا مزدوجا حول تحديد الطبيعة القانونية لهذه الرابطة ومدى اعتبارها عقدا مدنيا أم عقدا دينيا.

ولما كان عقد الزواج من العقود التي رغب الإسلام فها لما يترتب عليا من آثار نافعة تعود على الفرد وعلى الأمة بالنفع، وحماية لهذا العقد الذي على أساسه تبنى الأسرة والمجتمع، فإن المشرع أحاط طرفي العلاقة الزوجية بطابع حمائي يضمن خلو إرادتهما من أي عيب قد يشوبها.

عرفت مسألة تحديد طبيعة الزواج من حيث كونه عقدا ذو صبغة دينية أو عقدا مدنيا صرفا جدلا كبيرا ، فالبحث في الطابع المدني لعقد الزواج يقتضي البحث في مدى إمكانية اعتبار الزواج عقدا مدنيا صرفا أم لا، لما لمدنية الزواج من مساس بقدسيته، كما أن البحث في الطابع الديني للزواج يقتضي الكشف عن طبيعته في الديانات السماوية خصوصا في الديانة الإسلامية.

فالزواج في الشريعة الإسلامية، فلا يمر بطقوس أو إجراءات دينية خاصة رغم أن الإسلام نظر إلى عقد الزوجية واعتبره من أهم العقود والمواثيق التي يجب رعايتها وألا تتخذ آيات الله هزؤا، ومن أجل ذلك حرص على تشريع كل ما يقوي هذا العقد العظيم ويجعله مؤديا كل الغايات المقصودة منه وهو بذلك لا يخلو من الطابع القدسي حيت وصفه الله سبحانه وتعالى بأغلظ ميثاق يبرم بين الرجل والمرأة، فهو عقد مقدس ما بعده عقد أنبل منه لحكمة يراها سبحانه وتعالى ولسمو الإنسان والوصول إلى أنبل المقاصد.

ويقصد بالعقد المدني ذلك العقد الذي لا يخضع في تنظيمه وأحكامه إلى أية مرجعية دينية، إذ أنه عقد ينظمه القانون الوضعي ويتطلب لصحته شروطا وأركانا حددها القانون، دون أن يخضع لأي طقوس أو مراسيم دينية.

وباعتبار الزواج عقدا من العقود وهذا ما نصت عليه بعض النصوص القانونية الواردة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومدونة الأسرة وإن كان المشرع المغربي لم يشر إليه في الفصل الأول من المدونة الملغاة عند تعريفه للزواج، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو من أي نوع من أنواع العقود يمكن أن نصنف فيها عقد الزواج؟ هل هو عقد مدني أم عقد ديني؟.

إن عقد الزواج عقد مدني، ذلك لأن قانون  الأحوال الشخصية يعتبر فرعا من فروع القانون المدني، وفي هذا الإطار يقول أحد الفقهاء بأن عقد الزواج في الشريعة عقد مدني صرف ذو طابع علني بالنظر لخطورته.

وبالرجوع إلى تعريف مدونة الأسرة لعقد الزواج نجد المادة الرابعة من المدونة تعرف الزواج بكونه ” ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة ” أما الفصل الأول من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، فنص على أن “الزواج ميثاق ترابط وتماسك شرعي بين رجل وامرأة على وجه البقاء غايته الإحصان والعفاف مع تكثير سواد الأمة بإنشاء أسرة تحت رعاية الزوج على أسس مستقرة تكفل للمتعاقدين تحمل أعبائها في طمأنينة وسلام وود واحترام”.

فمن خلال هذين التعريفين المشار إليهما واللذان كانا لنفس المشرع، يتضح بكل جلاء مدى التباعد الكبير بينهما من حيث الفلسفة والروح، دون أن ننسى غلبة الطابع المدني على التعريف الجديد لمدونة الأسرة.

يعرف العقد في الفقه القانوني بكونه “توافق إرادتين أو أكثر على إحداث اثر قانوني سواء كان هذا الأثر إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه” كما أنه ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله وقد ثار خلاف فقهي في القانون حول الفرق بين العقد والاتفاق، إذا أن هناك من فرق بينهما، وذلك بكون الاتفاق تطابق إرادتين لإنتاج آثار قانونية، وإذا كان هذا التطابق يرمي إلى إنشاء علاقات إلزامية يسمى عقدا، ومن ثم يتضح بأن الاتفاق أعم وأشمل من العقد، لأنه إذا كان الاتفاق هو كل توافق بين إرادتين أو أكثر بقصد إحداث آثار قانونية سواء أكان الهدف من ذلك إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاؤه، فإن العقد أخص من ذلك إذ هو توافق بين إرادتين على إنشاء علاقات ملزمة فقط.

لما كان عقد الزواج من العقود الملزمة لطرفيه، فإن إبرامه على وجه صحيح يقتضي أن تكون إرادة الزوجين سليمة من أي عيب من عيوب الرضا.

وإذا تعاقد أحد الزوجين تحت تأثير بعض عيوب الإرادة، قام له الحق في المطالبة بفسخ العقد ودون المساس بحقه في الحصول على تعويض لجبر ما أصابه من ضرر نتيجة لذلك.

فعقد الزواج مثله مثل باقي العقود المدنية الأخرى التي نظمها الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، لا ينعقد إلا بتراضي طرفيه على إبرامه، ويتم هذا التراضي بإيجاب وقبول مطابق له ويتمثل في رضا كل طرف بالزواج من الآخر.

                ويعرف الإكراه في الفقه الإسلامي بكونه “حمل الغير بغير حق على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل أي المكره على إيقاعه ويصير الغير خائفا به”.

يطلق مصطلح التدليس في الفقه الإسلامي على التغرير حيث عرفه الفقهاء بكونه “الإغراء بوسيلة قولية أو فعلية كاذبة لترغيب أحد المتعاقدين في العقد وحمله عليه

ويشترط الفقه الإسلامي في التدليس أن يكون صادرا من العاقد صاحب المصلحة أو ممن له صلة به على أن يكون عالما به.

وإذا كان الفقه الإسلامي قد عالج التدليس في عقود المعارضات بكيفية مفصلة، فإنه لم يتعرض لمسألة التدليس في عقد الزواج إلا بكيفية متجزأة، حيث درس مسألة إخفاء وكتم أحد الزوجين عيبا فيه عن الآخر ضمن أسباب الخيار في النكاح، إذ أن للزوجين من الخيار إن لم يسبق العلم أو لم يرض وحلف بنفسه، ببرص وعذيطة وجذام وغيرها فهذه العيوب وغيرها تعطي الخيار للمتضرر بشرطين: أن يكون المرض موجود قبل الزواج وأن لا يكون الطرف الآخر على علم به، فإن حدث بعد الزواج فلا خيار في الفسخ لانتفاء التدليس.

كما يدخل في نطاق التدليس في عقد الزواج ما يسمى في الفقه الإسلامي بالغرور، كما إذ قال العاقد زوجتك هذه المسلمة، فإذا هي كتابية أو هذه الحرة فإذا هي أمة انعقد النكاح وله الخيار، فإن أمسكها لزمه المسمى وإن فارقها قبل الدخول فلا شيء لها، وإن فارقها بعد الدخول فلها المسمى إلا أن يزيد على صداق المثل، فيرد ما زاد، وإن تزوج العبد على أنه حر فالمرأة بالخيار.

يتضح مما سبق أعلاه أن الفقه الإسلامي درس التدليس في عقد الزواج ضمن الخيار في العقد. لكن لا يوجد في الفقه الإسلامي من يقول بالتعويض عن التدليس حماية للإرادة عند إبرام عقد الزواج شأنه في ذلك شأن الإكراه، ورغم ذلك فإن هذا لا يعني عدم استيعابه لمثل هذا التعويض، فمدونة الأسرة وإن كانت تتضمن أحكاما غريبة شيئا ما عن قواعد الفقه الإسلامي، إلا أنها لا تصطدم مع مبادئه وأحكامه، وإنما في إطار ما تستدعيه مصالح الناس المرسلة في الوقت الراهن.

إن عقد الزواج مثله مثل باقي العقود المدنية الأخرى التي نظمها الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، فلا ينعقد إلا بتراضي طرفيه على إبرامه، ويتم هذا التراضي بإيجاب وقبول مطابق له يمثل رضا كل طرف بالزواج من الطرف الآخر.

وفي هذا السياق فإن مدونة الأسرة بعدما نصت على ضرورة انعقاد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر في مادتها العاشرة خولت للطرف الذي أبرم العقد تحت وطأة الإكراه أو التدليس، إمكانية التعويض عن الضرر الذي يصيبه جراء ذلك.

ويقصد بالتدليس استعمال طرق ووسائل احتيالية لتضليل المدلس عليه وإيقاعه في غلط يدفعه إلى التعاقد، فالمتعاقد تحت وطأة التدليس تكون إرادته معيبة، فهو لا يتعاقد إلا نتيجة للوهم الذي أثاره في ذهنه المدلس وكذا نتيجة للغلط الذي أوقعه فيه.

ونتيجة لذلك، وحماية لإرادة الزوجين عند التعاقد فإن المشرع المغربي أعطى للمدلس عليه من الزوجين الحق في المطالبة بفسخ عقد الزواج مع حقه في الحصول على تعويض عما يصيبه من ضرر وفقا للمادة 63 من مدونة الأسرة.

غير أن التدليس في هذا الصدد لا يترتب أثره القانوني إلا إذا توافرت شروطه المتمثلة في استعمال وسائل احتيالية لإخفاء الحقيقة عن المتعاقد، وأن تكون تلك الوسائل من شأنها أن تخدعه.

ولا يكفي في التدليس استعمال وسائل الخداع والحيل، بل يجب أن يثبت أن تلك الوسائل هي التي دفعت المدلس عليه للتعاقد، إذ لولاها لما قبل إبرام العقد وهو ما ينص عليه الفصل 52 من قانون الالتزامات والعقود وأخذت به أيضا مدونة الأسرة في المادة  6 منها.

كما تشكل الإرادة أساس التصرفات القانونية ولا ينحصر دورها في إنشاء هذه الأخيرة وإنما تتعداه إلى تحديد الآثار الناجمة عن هذا التصرف وهذا ما يعبر عنه بمبدأ سلطان الإرادة والذي يقصد منه أن الإرادة وحدها كافية لإنشاء العقد وحرة في تحديد الآثار المترتبة عنه.

وقد فتح المشرع باب الاشتراط بين الزوجين تاركا لهما حرية اشتراط الشروط المتفق عليها فيما بينهما في إطار مبدأ سلطان الإرادة بين الزوجين، معتمدا في ذلك على بعض الضوابط للحكم على الشروط الاتفاقية، ومحاولا فسح المجال لإرادة الزوجية في تجسيد الشروط

استنادا إلى توسيع إرادة الزوجين في اشتراط الشروط الاتفاقية في عقد الزواج، ونظرا للدور الذي يضطلع به مبدأ سلطان الإرادة في مجال الروابط الزوجية، عمل المشرع المغربي من خلال مقتضيات مدونة الأسرة على تنظيم  آثار عقد الزواج من خلال إعطائها هامشا أوسع لإرادة الزوجين في هذا التنظيم بالاتفاق والتراضي على المواضيع المتعلقة بشؤونهما الأسرية، معتمدا في ذلك على بعض الضوابط المعتمدة للحكم على الشروط الاتفاقية، في حين نجد إلى جانب هذه الضوابط بعض القيود التي تحد من حرية الاشتراط في عقد الزواج فيما بين الزوجين.

إن توسيع إرادة الزوجين في مجال الاشتراط في عقد الزواج، لا يمنع أطراف العلاقة الزوجية من تضمين عقد زواجهما شروطا تساعد على تحقيق الأمن والاستقرار لحياتهما الزوجية، بشرط أن تكون هذه الشروط في إطار ما يتماشى مع الأحكام الأساسية لعقد الزواج التي تشكل النظام العام، والمبادئ الأساسية المقررة له، ، كما يمكن اعتماد إضافة إلى مقتضى العقد للحكم بصحة الشرط أو بطلانه، كل دليل شرعي كضابط للحكم على الشرط المقترن بعقد الزواج.

إن اشتراط الشروط الاتفاقية في عقد الزواج لا يثير أي إشكال مادامت هذه الشروط لا تتنافى مع ما يقتضيه العقد، أما إذا كانت هذه الشروط من شأنها الإخلال بما يقتضيه العقد أو تنافى حكما من أحكامه فإنه لا يصح اشتراطها.

فالشرط الموافق لمقتضى عقد الزواج هو ذلك الشرط الذي يكون جزء من مقتضى العقد ومؤكدا لمقتضاه فهو مكملا لحكمة المشروط وعاضدا لها، بحيث لا يكون فيها منافاة لعقد الزواج كاشتراط الزوجة الكفاءة أو الإمساك بالمعروف أو التسريع بالإحسان، أو بأن ينفق عليها زوجها أو بأن يقسم بينها وبين ضرائرها بالعدل في حالة التعدد، فهذه كلها شروط صحيحة لأن الغرض من اشتراطها هو تحقيق التلاحم والتوافق بين الزوجين وهذا ما يلائم مقصود النكاح.

                إن الخلاف حول حرية الاشتراط عند التعاقد هو جزء من الخلاف في حرية التعاقد نفسها، ولا شك أن حرية الاشتراط تابعة لحرية التعاقد، فإذا كانت العقود متوقفة على ما نص عليها الشارع الحكيم، فإن الشروط المتعلقة بهذه العقود تكون هي الأخرى متوقفة على ما نص عليه الشارع.

إن القيد الأساسي على حرية الاشتراط في عقد الزواج في الفقه الإسلامي هو عدم مخالفة الدليل الشرعي، فنصوص القرآن والسنة لم تبين لنا الحد الفاصل بين الشروط المشروعة والشروط غير المشروعة، ولهذا يجب البحث في بقية مصادر التشريع الإسلامي.

بينما نجد القوانين الوضعية تجعل من النظام العام القيد الأساسي على حرية الاشتراط، ولا يخفى بأن هذا المفهوم يقبل التوسع والتضييق بسبب مرونة ونسبية النظام العام ثم إن قانون مدونة الأسرة اكتفى في المادة 47 منها على النص على أن القيد الأساسي على حرية الزوجين في وضع الشروط هو عدم مخالفة أحكام العقد ومقاصده ثم القواعد الآمرة للقانون.

ويعتبر قيد النظام العام والآداب العامة من أهم القيود الواردة على حرية الاشتراط في عقد الزواج، وهذا لأن أغلب مواضيع الأحوال الشخصية من النظام العام فلا يجوز للزوجين تعديلها باتفاقات فيما بينهم.

وعلى هذا الأساس يقع باطلا كل شرط بين الزوجين يقضي بالتنازل عن أبوتهما لابنهما، أو الاتفاق على تعديل ما للزوج من حقوق على زوجته في الطاعة والأمانة الزوجية بالتنازل عنها مثلا، ويقع باطلا أيضا كل شرط يقضي بتعديل ما للزوجة من حقوق على زوجها كشرط نفي المهر أو عدم الإنفاق عليها.

ولهذا ليس للزوجين الاتفاق على مخالفة أحكام وقواعد النظام العام حتى ولو كانت هذه الاتفاقات تحقق لهم مصالح شخصية، وتبرير ذلك يكون بتغليب المصلحة العامة للمجتمع على المصلحة الخاصة.

أما المقصود بمراعاة الآداب العامة فهو احترام الأصول الأساسية للأخلاق في مجتمع معين وعصر معين، بحيث يفرض على الجميع احترام الحد الأدنى من القواعد الخلقية التي تعتبر لازمة لحماية المجتمع من الانحلال الخلقي، غير أن هذه الفكرة تبقى نسبية إلى حد ما، وذلك لاختلاف المعيار الذي نحدد به ما هو من الآداب العامة أو ليس كذلك من مجتمع لأخر بل ونجده يختلف حتى في نفس المجتمع من عصر لآخر.

لقد ورد هذا القيد في نص المادة 47 من مدونة الأسرة التي تضمنت أحكاما عامة غير محددة ، بل وفي منتهى التعميم والشمولية، إذ نجد المشرع قد أباح للزوجين كقاعدة عامة أن يشترط كل الشروط التي يريانها ضرورية، ثم أورد على هذه القاعدة العامة استثناء يقيد العموم السابق، وهذا يعني أن مدونة الأسرة قد أباحت للزوجين حرية الاشتراط، غير أن هذه الإباحة مقيدة بعدم مخالفة أحكام العقد ومقاصده وكذا القواعد الآمرة للقانون.

وبالإضافة إلى عدم مخالفة القواعد الآمرة للقانون كقيد من القيود الواردة على حرية الاشتراط بين الزوجين، نجد ما يسمى بجدية المصلحة، والمقصود بها كقيد على حرية الاشتراط في عقد الزواج هو أن يكون الهدف من الاشتراط تحقيق مصلحة مقصودة لكلا الزوجين أو أحدهما، بشرط ألا يتنافى ذلك مع مقاصد عقد الزواج، فإذا كان الشرط موافقا لغايات ومقاصد العقد ومحققا لمصلحة مقصودة فيجب الوفاء به، أما إذا كان الشرط منافيا للغاية الأساسية التي شرع العقد من أجلها فيبطل الشرط.….

.لقد وسعت مدونة الأسرة من مجال الإرادة أمام الزوجين حيث مددت من دائرة الشروط الاتفاقية في عقد الزواج، إذ أصبح للزوجين كامل الحرية في اشتراط ما قد يحقق مصلحتها مستقبلا، طالما أن هذه الشروط لا تخالف النظام العام أو مقتضى العقد، فهل يحق للمتعاقدين على الزواج أن يتفقا على شروط إضافية في عقد الزواج خصوصا أن عقد الزواج يختلف عن العقد المدني بما ينتج عنه من آثار قانونية يحددها القانون؟ ، وقبل الحديث عن مظاهر الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة في مدونة الأسرة لا بد من التطرق إلى الشروط الإرادية في عقد الزواج وقوتها الإلزامية.

إن موضوع الشروط الاتفاقية في عقد الزواج عرف اختلافا بين فقهاء الشريعة الإسلامية نتجت عنه اتجاهات مختلفة ومواقف متباينة حول ضرورة الوفاء بالشرط المتفق عليه، ولما كانت المذاهب الإسلامية قد اختلفت حول حرية التعاقد وبالتالي حرية الاشتراط في العقد بين المتعاقدين، فما هو موقف المشرع المغربي من مسألة الاشتراط في عقد الزواج؟ وهل وسع من دائرة وإرادة المتعاقدين في الاتفاق على ما شاؤوا من الشروط في العقد؟.

إن الشروط الاتفاقية في عقد الزواج ترد في صور مختلفة، ويشكل الشرط الذي فيه مصلحة لأحد الزوجين محل اختلاف فقهاء الشريعة الإسلامية، إلا أن مصدر اختلافهم لا يكمن في مدى تأثيره على عقد الزواج بل في مدى إلزامية الوفاء بالشرط من عدمه.

يترتب على الأخذ بمبدإ العقد شريعة المتعاقدين أن يتقيد المتعاقدين بشروط العقد وفقا للغرض المقصود من التعاقد، ووجوب اتفاق الطرفين لتعديل العقد أو إنهائه متى تغيرت ظروف العقد وأصبحت بنود العقد الأول لا تحقق مصلحة العاقدين وتتعارض مع روح العقد.

والمشرع المغربي في مدونة الأسرة أقر من خلال المواد المنظمة للشروط الاتفاقية قاعدة مفادها أن الشروط غير المخالفة لأحكام العقد ومقاصده وللقواعد القانونية الآمرة والمحققة لمصلحة مشروعة لمشترطها ملزمة لمن التزم بها من الزوجين، الشيء الذي يقتضي تنفيذها من طرف الملتزم بها، إلا أنه لا يمكن إعمال مبدأ سلطان الإرادة في عقود الزواج بمفهومه التقليدي باعتبار أنه قد لا ينسجم في بعض الحالات مع طبيعة عقد الزواج الذي يشكل فيه الزمان عنصرا مهما لانعقاده على وجه الدوام.

فالتوازن العقدي في إطار العلاقة الزوجية يقتضي في بعض الحالات تدخل الإرادة لتعديل بعض المقتضيات المتفق عليها والتي أصبح تنفيذها مرهقا، وأمام صعوبة تنفيذ الشرط الذي قد يكون فيه إرهاق لمن التزم به من الزوجين وفي غياب نص قانوني في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة بخصوص هذه المسألة نادى الفقه بضرورة تقرير القانون لإمكانية مراجعة القضاء لإعادة النظر في الشرط مع مراعاة مصلحة الطرفين بالإعفاء من الشرط أو تعديله.

استثناء من قاعدة استقلال الذمة المالية التي أقرها الفقه الإسلامي، جاءت مدونة الأسرة بقاعدة أخرى اختيارية تخضع لمبدأ سلطان الإرادة بمفهومه المدني وبهذا يكون المشرع المغربي قد منح لطرفي العلاقة الزوجية الحرية الكاملة في كيفية تنظيم علاقتهما ذات الطابع المالي خلال الزواج وبعد انحلاله، وذلك من خلال دور إرادة الزوجين في تنظيم الأموال التي ستكتسب في فترة الزواج  ثم مصير هذه الممتلكات في حالة عدم الاتفاق على كيفية تدبيرها.

لقد أجاز المشرع المغربي للمقبلين على الزواج الاتفاق على تدبير أموالهما التي ستكتسب أثناء الحياة الزوجية، وذلك عن طريق إفراغه في شكل تعاقدي مكتوب ومبني على سلطان الإرادة، حيث يجوز لطرفي العلاقة الزوجية الاتفاق بحرية كاملة على كيفية تنظيم علاقتها ذات الطابع المالي خلال فترة الزواج وذلك بتوافق إرادتهما على إبرام عقد مستقل عن عقد الزواج.

                في كثير من الأحيان ونظرا لخصوصية العلاقة الزوجية وما تنبني عليها من مودة ورحمة و ثقة ، لا يفكر الزوجين في الاتفاق حول الأموال التي سيتم اكتسابها خلال الحياة الزوجية، وإذا كان عدم اتفاق الزوجين لا يطرح أي إشكال ما دامت العلاقة الزوجية قائمة، إلا أن النزاع يثور عادة عند انتهاء العلاقة الزوجية حول نصيب كل من الزوجين في الأموال التي تم تجميعها خلال مدة هذه العلاقة.

الباب الثاني : خصوصيات القواعد المدنية في انهاء العلاقة الزوجية

لقد تطرقت في الباب الثاني من هذه الأطروحة لخصوصيات القواعد المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية،فممارسة حق إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق أو التطليق يجب أن يستند إلى سبب معقول وشرعي، وإلا كان تعسفا وإساءة في استعمال الحق، لذلك كان لزاما رفع هذا الضرر وجبر خاطر المطلقة من خلال المتعة والتعويض.

وإذا كان إنهاء العلاقة الزوجية في حالة تجاوز الحقوق واعتماد التعسف في استعمال هذا الحق يتضح من خلال الطلاق التعسفي، فإن اعتماد قواعد المسؤولية المدنية قد يتسم بنوع من التعسف ومجاوزة حدود حق إنهاء هذه الرابطة المقدسة، اعتمادا على قواعد المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية.

ولما كانت الإرادة الركن الأساسي في العقود بصفة عامة وفي عقد الزواج بصفة خاصة لما فيه من اعتبارات شخصية ولما يترتب عنه من أثار مهمة في حياة الأسرة والمجتمع، فإن المشرع وإحساسا منه بهذه الأهمية ما فتئ يقوم بوضع العديد من المقتضيات الرامية إلى حماية إرادة طرفي التعاقد خاصة في إنهاء الرابطة الزوجية سواء من طرف الزوج أو الزوجة لاعتماده على الإرادة المنفردة لموقعه وتوسيعه من مجال الإرادة في إنهاء العلاقة الزوجية سواء للزوج أو الزوجة تماشيا مع مبادئ وقواعد القانون المدني.

ولعل آثار اعتماد قواعد المسؤولية المدنية عند انتهاء العلاقة الزوجية تتجلى من خلال تحديد مبلغ المتعة المستحقة للزوجة المطلقة إلى جانب تحديد مبلغ التعويض المستحق لأحد الزوجين في إطار الإنهاء التعسفي للرابطة الزوجية خاصة في التطليق للشقاق و التطليق للضرر.

ولذلك قسمت  هذا الباب إلى فصلين تناولت في الأول أساس إعمال قواعد المسؤولية والتعسف في انتهاء العلاقة الزوجية، وخصصت الفصل الثاني للحديث عن آثار تطبيق قواعد المسؤولية المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية.

لما كان الشرع الإسلامي يتسم بالمرونة والواقعية، وكانت أحكامه ملائمة لما قد يحصل من تغيير في الحال، فإنه قد رتب عليه ما قد يطرأ على بناء الأسرة من أحداث تهدد قيامها، وهو الذي تعهدها منذ أن كانت فكرة حتى صارت واقعا، فقد تتأصل جذور الشقاق والخلاق بين الزوجين ويتجاوز مهمة الحكمين فيكون الطلاق مشروعا في هذه الحالة من أجل فك الرابطة الزوجية.

والطلاق يعتبر كأثر من آثار طبيعة العلاقة المتوترة بين الزوجين وعليه فقد يكون الحل الأمثل لعلاج ذلك الشقاق والخلاف، بل قد تخلف تلك العلاقة آثارا وخيمة على الجانب النفسي لأحد الزوجين خاصة من طرف الزوج المنفرد بالطلاق أو الزوجة التي لجأت إلى القضاء ليطلقها من عصمة زوجها.

ولعل التساؤل يثار حول مدى استيعاب نظرية التعسف في استعمال الحق لبعض جوانب الطلاق, خاصة وأن هذه النظرية تتجلى تطبيقاتها في مدونة الأسرة من خلال إمكانية التعويض عن الإنهاء التعسفي للرابطة الزوجية، وما هي الأسس والمعايير المعتمدة للقول باعتماد التعسف في إنهاء العلاقة الزوجية؟ وما هي معايير اعتماد المسؤولية المدنية كأساس لإنهاء الرابطة الزوجية ؟ وأين يتجلى دور الإرادة عند الزوجين في إنهاء الرابطة الزوجية؟.

إن التعسف في استعمال الحق يجد أساسه في ضرورة خلق نوع من التوازن بين التصرفات البشرية والأوامر الشرعية، كما ينطلق من تحقيق روح العدالة ومراعاة مقاصد الشرع في إيقاع الأفعال حتى تكون جميع التصرفات حاملة للخير محققة للنفع والمصلحة لا محققة للضرر والأذى بالغير.

ولهذا قد يكون استئثار الزوج بحق الطلاق مترجما في إيقاعه بوجه معيب وهو ما يعرف بالطلاق التعسفي، مما يؤدي إلى التساؤل حول صور الطلاق التعسفي في مدونة الأسرة، وكيف تتم إساءة استعمال الحق في توقيعه؟

.يقصد بالمسؤولية المدنية بصفة عامة مؤاخذة شخص عن الأخطاء التي تضر بالغير وذلك بإلزام المخطئ بأداء تعويض للطرف الذي لحقه الضرر بحسب الطريقة التي يحددها القانون.

فالمسؤولية المدنية تنقسم إلى عقدية وتقصيرية، والعقدية لا تتم إلا عند استحالة التنفيذ العيني ولو لم يكن من الممكن إجبار المدين على الوفاء بالتزاماته المتولدة عن العقد عينا، فيكون المدين مسؤولا عن الأضرار التي يسببها للدائن نتيجة عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عن العقد، وعلى ذلك فقيام المسؤولية العقدية يفترض أن هناك عقدا صحيحا واجب التنفيذ لم يقم المدين بتنفيذه، وأن يكون عدم التنفيذ راجعا إلى فعله أو إلى خطئه فلا تقوم المسؤولية العقدية إلا إذا توافر الخطأ في جانب المدين، وهو ما يعرف بالخطأ العقدي.

أما المسؤولية التقصيرية فتتعلق بالنظام العام ولا يجوز مخالفة أحكامها وفقا لما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود من أن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم مرتكبه بالتعويض، وأن كل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر، وبذلك يكون المشرع قد أخذ مصلحة المجتمع بعين الاعتبار، بحيث لا يجوز إهدار هذه المصلحة بمجرد أن شخصين قد أبرما عقدا من العقود.

فالمسؤولية المدنية تصنف إلى مسؤولية عقدية يمكن اعتمادها كأساس لإنهاء الرابطة الزوجية كما هو الشأن بخصوص التطليق للإخلال بشرط من شروط عقد الزواج، إلى جانب المسؤولية التقصيرية كأساس لإنهاء العلاقة الزوجية كما هو الحال بخصوص التطليق للشقاق.

إن اعتماد قواعد المسؤولية العقدية كأساس للتعويض في إنهاء العلاقة الزوجية يستلزم توافر شروط أساسية تتمثل في ضرورة وجود عقد زواج صحيح وقائم بين الزوجين، ثم نشوء الضرر بسبب الإخلال بالالتزام العقدي أو العقد المبرم بين الزوجين ويكون هذا الضرر قد مس أحد طرفي عقد الزواج.

تتمثل المسؤولية العقدية في جزاء الإخلال بتنفيذ التزام ناشئ عن العقد، ولكنها ليست جزاؤه الوحيد إذا كان العقد الذي ولده ملزما للجانبين، بل يضاف إليها في نطاقه جزاءات أخرى، إذا أخل أحد العاقدين في عقد ملزم للجانبين بالتزام نشأ عنه في ذمته جاز للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد لحل الرابطة القانونية التي ولدها، ويتخلص بانحلالها من الالتزامات الناشئة عنه في جانبه.

وإذا كانت المسؤولية العقدية مصطلحا قانونيا لم يتناوله الفقهاء المسلمون تحت هذا العنوان، فإن هذا المصطلح له دلالة محددة في اللغة والشرع وهذه الدلالة ليست لكونها مصطلحا فقهيا، وإنما باعتبار أن كلا من المسؤولية والعقد له معنى ومفهوم بين من اقترانهما وإضافة كل منهما للآخر وهو المقصود في الفقه الإسلامي.

ولا يكفي من أجل تطبيق قواعد المسؤولية العقدية بصفة عامة وجود رابطة عقدية موضوعية، بل يلزم إلى جانب ذلك أن يكون هناك إخلال بالتزام تعاقدي مضمن في صلب العقد، وبتعبير آخر يشترط في المدعى عليه في المسؤولية العقدية أن يكون قد ارتكب خطأ عقديا.

فمن شروط المسؤولية العقدية أن يكون الضرر ناتجا عن الإخلال بالتزام ناشئ عن العقد، حيث إذا لم يكن الضرر الذي تسبب فيه أحد المتعاقدين للآخر ناتج عن الإخلال بالعقد تكون المسؤولية تقصيرية لا عقدية، فالقوة الملزمة للعقد تقتضي تنفيذه، حيث إن عدم التنفيذ يعتبر عملا مخالفا للقانون ولهذا فإن للدائن أن يلجأ إلى جبر وقهر المدين على التنفيذ العيني، فيحصل قهرا على عين ما التزم به المدين، فإذا تعذر الحصول على التنفيذ العيني كان للدائن أن يلتجئ إلى التنفيذ بمقابل عن طريق التعويض.……………  .

وتعتبر المسؤولية التقصيرية عن الخطأ الشخصي من أهم مظاهر المسؤولية المدنية على الإطلاق، فالتعايش الاجتماعي يفرض على الأفراد احترام الضوابط التي يقوم عليها هذا التعايش كاحترام حقوق الغير وعدم التعدي على ممتلكاتهم وأي إخلال بهذا النظام يحمل صاحبه تبعات هذا الإخلال.

وإذا كان الإخلال بالتزام غير تعاقدي، أو بواجب عام يفرضه القانون على الكافة بعدم الإضرار بالغير كانت المسؤولية في هذه الحالة مسؤولية تقصيرية.

ولعل قيام المسؤولية التقصيرية في إنهاء الرابطة الزوجية وإمكانية اعتمادها كأساس لهذا الإنهاء، يستلزم ضرورة توافر أركانها الثلاثة المتمثلة في الخطإ والضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

الخطأ هو كل عمل يعتبر انحرافا عن سلوك الشخص المعتاد، وهذا الانحراف يكون واضحا لا لبس فيه إذا كان ينطوي على قصد إحداث الضرر بالغير، أي إذا كان الخطأ عمدا، وهو يكون في مثل هذا الوضوح في بعض صور الخطأ غير العمدي إذا كان الخطأ جسيما، وعلى العكس من ذلك يدق الحكم على السلوك بأنه خطأ أو صواب إذا كان الانحراف يسيرا أي في حالات الخطأ اليسير.

ولم تعد حالات نشوء المسؤولية المدنية محصورة في صورة خاصة كما كان الحال في القوانين القديمة، وإنما أصبح كل فعل يمكن وصفه بأنه خطأ مؤديا إلى نشوء هذه المسؤولية، وكذلك فإن ذكر صور للخطأ لا يعدو أن يكون أمثلة للخطأ يمكن أن تضاف إليها كل الصور الأخرى التي تظهر في الحياة العملية.

كما لا يكفي أن يكون هناك خطأ وضرر لقيام المسؤولية بل يجب أيضا أن يكون الخطأ هو السبب في الضرر، خاصة وأنه قد يكون هناك خطأ صادر من المدين، كما قد يكون هناك ضرر أصاب الدائن، ولكن دون أن يكون تعدي أو خطأ المدين هو الذي ترتب عنه الضرر الذي يشتكي منه الدائن، فحتى تقوم المسؤولية بصفة عامة، عقدية كانت أم تقصيرية لا بد من قيام علاقة سببية بين كل من الخطأ والضرر، بمعنى أنه لا بد من إسناد المسببات إلى أسبابها.

ولا صعوبة في تبرير مبدأ قيام المسؤولية عندما تنتفي رابطة السببية بين الخطأ والضرر، إذ أن الضرر هنا ينعدم باعتباره ناتجا عن الخطأ ونكون بصدد خطإ وقع حتما من المدعى عليه، ولكن خطأه هذا ليس هو الذي أحدث الضرر فتكون مسؤوليته غير ذات موضوع فلا تقوم.

وبالرجوع إلى العلاقة السببية بين الخطأ والضرر في إطار إنهاء العلاقة الزوجية اعتمادا على قواعد المسؤولية المدنية، نجد هذه العلاقة تتجسد في اعتماد قواعد المسؤولية العقدية من خلال اعتبار الضرر الناشئ عن هذا الإنهاء ناتجا عن خطأ الزوج في إطار التطليق للإخلال بشرط من شروط عقد الزواج، أي اعتماد المسؤولية العقدية لإنهاء هذه الرابطة، حيث تتجلى هذه العلاقة السببية من خلال نشوء ضرر للزوجة جراء إخلال الزوج بالشروط المتفق عليها في بنود عقد الزواج، مما يؤكد على أن العلاقة السببية بين الخطأ والضرر في هذا النوع من التطليق قائمة لأن الضرر الحاصل للزوجة كان سببه هو تطليقها لإخلال الزوج بشروط عقد الزواج.

وما قيل بخصوص اعتماد قواعد المسؤولية العقدية في إنهاء العلاقة الزوجية يقال أيضا بخصوص اعتماد قواعد المسؤولية التقصيرية، حيث تتجلى العلاقة السببية في إطار التطليق للشقاق مثلا من خلال إخلال أحد الزوجين بواجباته تجاه الزوج الآخر، وكذا استمرار الشقاق والخلاف بينهما، ويكون هذا الإخلال والشقاق ناتج عن خطأ تقصيري تولد عنه ضرر للطرف الآخر مما يؤكد أيضا بأن العلاقة السببية بين خطأ أحد الزوجين والضرر الحاصل للزوج الآخر قائمة ومحققة في التطليق للشقاق خاصة، والتطليق للضرر عامة، إذا ما ثم اعتماد قواعد المسؤولية التقصيرية في القول بوجوده.

لما كانت نظرية التعسف في استعمال الحق انطلقت في التشريعات الوضعية من تصور مطلق للحق، فقد يختلف الأمر عن ذلك في الشريعة الإسلامية لكون الحقوق مرتبطة بتصور ديني عام، من أجله اشترط أن يكون استعمالها موافقا لمقاصد الشرع، وبذلك اعتبر التعسف في استعمال الحق مناقضا لهذه المقاصد.

كما عرف مجال الأحوال الشخصية في القانون المغربي تطورا تشريعيا في ما يخص الطلاق التعسفي، حيث لم يتحدث المشرع في مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 عن التعسف وترك الطلاق بيد الرجل يستعمله كيف ما شاء، إلا أن التعديلات التي أدخلها المشرع في 10 شتنبر 1993 على مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 جاءت بتعديل للفصل 52 منها، وهو الفصل 52 مكرر الذي تحدث عن الطلاق بدون سبب معقول، ونفس الشيء تعرضت له مدونة الأسرة عندما تطرقت لعنصر التعسف عند تقدير المتعة بمقتضى المادة 84 وكذلك المادة 97 التي تتحدث عن التطليق للشقاق.

لقد منعت الشريعة الإسلامية التعسف في استعمال الحقوق بصفة عامة والتعسف في استعمال حق الطلاق بصفة خاصة، وهو ما أشارت إليه المدونة في المادة 84 عندما تطرقت للتعسف في توقيع الطلاق.

ولعل تأكيد هذا المبدأ ودراسته يستوجب التطرق لبعض حالات الإنهاء التعسفي للرابطة الزوجية في الشريعة الإسلامية والقانون المغربي، ثم موقف القضاء الأسري المغربي وحدود سلطته في تعويض المطلقين في الإنهاء التعسفي لعقد الزواج.

إذا كان الطلاق جائزا ومشروعا متى كانت هناك مبررات واقعية تدعو إليه، فإنه يكون مشوبا باستعمال التعسف متى أوقعه أحد الزوجين بدون مبرر مشروع، لذلك نجد بعض الحالات التي يعتبر أو يصنف معها الطلاق طلاقا تعسفيا تتمثل في الطلاق البدعي،  ثم طلاق المريض مرض الموت، وأخيرا الطلاق بدون مبرر معقو.ل

فالطلاق البدعي هو ذلك الطلاق الذي يكون مخالفا لأحكام الشرع والسنة النبوية، ومن أهم حالاته في الشريعة الإسلامية أن يطلق الرجل زوجته في حيض أو في طهر جامعها فيه، ولم يتبين أمرها أحملت أم لا.

أما مرض الموت فهو المرض الذي يضاف فيه الموت في الأثر الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجية عن داره إذا كان من الذكور، ويعجز عن رؤية المصالح الداخلية في داره إذا كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة صاحب فراش كان أم لم يكن، وإن امتد مرضه دائما على حال ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله، ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله في هذا اعتبارا من وقت التغير إلى الوفاة مرض الموت.

ومن أهم حالات الإنهاء التعسفي بدون مبرر مقبول، حالة الطلاق الخلعي، حيث يعتبر الخلع رخصة بيد الزوجة لإنهاء الرابطة الزوجية، والقرآن الكريم أوضح بأن الخلع لا يكون إلا في حالة الخوف من عدم إقامة حدود الله في الزواج

لقد جعلت الشريعة الإسلامية الطلاق أبغض الحلال إلى الله عز وجل، لذلك فلا ينبغي اللجوء إليه إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى تقتضي التفريق بين الزوجين

كما اقتضى المشرع المغربي بما شرعه الإسلام من كون الطلاق استثناء إذا ما تعذرت العشرة الزوجية بين الزوجين، وانتفى التفاهم والانسجام ورفعت المودة والرحمة وحل محلها الشقاق والخلاف والكراهية ولم تنجح المساعي الودية لعائلتي الزوجين في إصلاح ذات البين، بحيث جعله أبغض الحلال عند الله لما يترتب عنه من هدم لمؤسسة الأسرة وتشتيت لشملها.

وإذا كان إبرام عقد الزواج من حيث المبدأ متوقف على إرادة طرفيه وقبولهما لهذا العقد، فإن حل هذا الأخير تستأثر فيه الإرادة بهامش واسع.

وانطلاقا من هذا المعطى ومن التعديلات الواسعة التي أجراها مشرع مدونة الأسرة على مختلف مساطر حل الرابطة الزوجية، وتدعيما لمبدأ المساواة بين الزوجين خلال سائر مراحل العلاقة الزوجية، بل وحتى من خلال إنهائها أعطى لإرادة الزوجة هي الأخرى كامل الحرية في إيقاع الطلاق كما هو الشأن بخصوص إرادة الزوج.

ولدراسة هذا الموضوع تناولت دور إرادة أحد الزوجين في إنهاء العلاقة الزوجية في مدونة الأسرة، ثم  الإنهاء الاتفاقي للعلاقة الزوجية بإرادتي الزوجين.

…..لقد نص المشرع المغربي في المادة 78 من مدونة الأسرة على أن:” الطلاق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام مدونة الأسرة”.

ولما كان إبرام عقد الزواج من حيث المبدأ متوقف على إرادة الزوجين معا، فإن هذا العقد تتسم فيه الإرادة بدور مهم، وهكذا فقد منح الفقه الإسلامي للزوج حق إيقاع الطلاق، ولم يغفل حق المرأة في إنهاء الرابطة الزوجية التي أصابها الشقاق والتصدع، حيث أعطى الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة لإرادتها الحرية الكاملة في استعمال هذا الحق عن طريق التمليك.

ولعل دراسة إرادة أحد الزوجين في إنهاء العلاقة الزوجية يتطلب التطرق لإنهاء العلاقة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوج ومسؤوليته، ثم التطرق لمسؤولية الزوجة عن إنهاء العلاقة الزوجية بإرادتها المنفردة.

إن الأصل في الطلاق أن يخضع لحرية ومبدأ سلطان الإرادة، بمعنى أن الزوج حر في استعمال حقه في الطلاق ولا يخضع في ذلك لأي قيد يحد من إرادته، كما أن تعبير الزوج عن الطلاق لا يجب أن يقترن بوقت معين أو بشهادة الشهود.

إلا أن هذا الحق، أي حق الزوج في الطلاق، مقيد ببعض القيود الشرعية والشكلية من أجل الحد من إرادته المنفردة وحريته المطلقة، في إنهاء العلاقة الزوجية، حيث يخضع للمبادئ العامة التي تحكم التصرفات الانفرادية من قبيل عدم التعسف في إيقاعه وصدوره عن إرادة سليمة خالية من أية عيوب.

بينت نصوص الشريعة الإسلامية أن العصمة في الزواج بيد الزوج شرعا وجعلت ذلك من الثوابت من خلال مجموعة من الآيات القرآنية التي تؤكد على أن عصمة الزواج بيد الزوج، لكن الشريعة الإسلامية وقفت موقفا مرنا من إنهاء العلاقة الزوجية بإرادة الزوج، فحرمت عليه إنهاء العلاقة بدون مبرر مشروع.

ولهذا شرع الله سبحانه وتعالى الطلاق وجعله بيد الرجل وذلك من خلال استقراء العديد من الآيات القرآنية، والحكمة من ذلك أن الطلاق تترتب عليه حقوق مالية يكون المطلق ملزما بأدائها كمؤخر الصداق ونفقة العدة.

فالأصل في الحقوق الإرادية أن يستعمل بمحض إرادة صاحبها، وما دام أن الطلاق تصرف إرادي قانوني يصدر عن إرادة أحد الزوجين المنفردة، فهو يخضع من الناحية القانونية للمبادئ العامة في القانون المدني التي تحكم التصرفات الانفرادية، من قبيل عدم التعسف في إيقاعه وصدوره عن إرادة خالية من أي عيب من عيوب الرضا كما هي منصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود وفي مدونة الأسرة.

لا يقع الطلاق صحيحا إلا إذا كانت الإرادة المنفردة للزوج عند إيقاع الطلاق سليمة من كل عيب من عيوب الرضا، ولهذا يشترط في الزوج أن يكون كامل الأهلية، فالمشهور عند المذهب المالكي أن طلاق الصبي غير البالغ لا يصح.

وبما أن المشرع المغربي قد حدد سن أهلية الزواج في 18 سنة، فقد قيد زواج القاصر بالحصول على الإذن به من طرف قاضي الأسرة المكلف بالزواج مع موافقة النائب الشرعي وفقا للمادة 21 من المدونة.

وبالرجوع إلى المادة 22 من المدونة فإن المتزوجين بمقتضى هذا الزواج يكتسبان الأهلية المدنية لممارسة كل ما يتعلق بآثار عقد الزواج من حقوق والتزامات بما فيها الطلاق.

هذا بالنسبة لناقص الأهلية أما فيما يخص عديم الأهلية كالمجنون، فإن جميع التصرفات التي يقوم بها بما فيها الطلاق تعتبر باطلة ولا تنتج أي أثر طبقا للمادة 224 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه:” تصرفات عديم الأهلية باطلة ولا تنتج أي أثر”.

إن الأصل في حل ميثاق الزوجية أن الزوج يملك الطلاق، إلا أن الفقه الإسلامي يجيز أن تملك الزوجة هذا الحق عن طريق التوكيل أو التفويض أو التخيير مع الاختلاف في هذا الأمر بين المذاهب الفقهية، كما أن المشرع المغربي نص صراحة على جواز التمليك في المادة 89 من مدونة الأسرة مما يجعلنا ملزمين للتطرق لموقف القانون المغربي من مظاهر إرادة الزوجة في إنهاء العلاقة الزوجية عن طريق التطليق للضرر.

لقد اختلفت المذاهب الفقهية الإسلامية حول تمليك الزوجة حق إيقاع الطلاق، فالمذهب المالكي يرى بأنه لا يصح اشتراط التمليك عن إبرام العقد كأن تشترط الزوجة أن الطلاق بيدها أو أمرها بيدها تطلق نفسها متى شاءت وكيف شاءت، فقد اتفق فقهاء المذهب المالكي أن هذا الشرط منافي ومناقض لعقد الزواج، فلا يصح الوفاء بالشرط أما النكاح فقد اختلف فيه، فقيل يفسخ قبل وبعد الدخول وقيل يفسخ به النكاح قبل البناء بطلقة بائنة ويثبت بعد البناء بصداق المثل وهذا هو المشهور، ويضاف إلى هذه الأقوال قول ثالث للإمام الحطاب أن مشترط الشرط إن أسقطه صح النكاح وإن تمسك به فسخ النكاح.

إذا كان المشرع المغربي قد تبنى نهجا واضحا في إعطاء سلطان الإرادة دورا واسعا في حل الرابطة الزوجية من خلال مساطر الطلاق والفسخ، فإن الأمر يبقى غامضا بخصوص التطليق للضرر.

وهكذا اعتبرت مدونة الأسرة الضرر كل تصرف من الزوج أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية، ومنه نستنتج أن مدونة الأسرة قد أوردت نوع الضرر الذي يجعل استمرار العلاقة الزوجية غير ممكنا وذلك بكونه كل سلوك أو تصرف يلحق بالزوجة الإساءة سواء كانت مادية كالضرب مثلا أو معنوية كالسب والشتم والخيانة وغيرها من الحالات التي لا حصر لها، وهذا على خلاف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة والتي اعتبرت الضرر المبرر للتطليق كل ضرر لا يستساغ معه دوام العشرة بين أمثال الزوجة دون تحديد للمقصود من الضرر، وإنما تركت ذلك للسلطة التقديرية للقضاء وهو ما كان يؤدي إلى اختلافات متباينة في تحديد مفهوم الضرر من خلال تطبيق هذه المسطرة.

كما أن مدونة الأسرة اعتبرت كذلك أن الضرر الصادر من الزوج وحده دون غيره هو المبرر لطلب التطليق حيث نصت المادة 99 في فقرتها الثانية على ما يلي: “يعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق كل تصرف من الزوج …” ولكن الواقع المعاش يبين أن الضرر قد يتصور كذلك عن أفراد عائلة الزوج الذين يسكنون معه أو من إخوته…، على اعتبار أن السب والإهانة بحضور الزوج يعتبر هو الأخر قرينة على قبوله لذلك الضرر الذي يلحق زوجته ويتعين معه تمكينها من المطالبة بالتطليق بسببه.

إن المقصود بالطلاق بالإرادة المشتركة، هو الطلاق بإرادة الزوجين معا، ومن البديهي أن تظهر هذه الصورة أسهل سبيل للوصول إلى الطلاق، إذ هو تجسيد للمبدأ القاضي بأن الزواج عقد رضائي اشتركت إرادتان في إبرامه، ومن المعقول أن تكون لهاتين الإرادتين أهلية حله متى اتفقا على ذلك بناءا على قاعدة المسؤولية المشتركة التي يلتزمان فيها، وفق مبدأ التوافق الإرادي لوضع حد نهائي للرابطة التي كانت تجمعها، ويتم ذلك إما عن طريق مسطرة الطلاق الإتفاقي، أو عن طريق مسطرة الطلاق بالخلع.

لما كان الزواج عقد إرادي يخضع في إنشاءه لتوافر إرادتي طرفي العلاقة الزوجية وموافقتها ورضاهما التام، فإن المشرع سمح للزوجين أن يتفقا على كيفية إنهاء العلاقة الزوجية الرابطة بينهما بالطريقة التي يرونها مناسبة، بشرط احترام أحكام مدونة الأسرة وعدم المساس بحقوق الأطفال، كما أن المشرع وضع بعض القيود على إرادة الزوجين في إيقاع الطلاق الإتفاقي.

لقد جاءت المادة 114 من مدونة الأسرة بمقتضى مهم يتمثل في منح الزوجين إمكانية إنهاء الرابطة الزوجية بينهما بشكل ودي، بدون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام مدونة الأسرة من جهة، ولا تمس بمصالح الأطفال من جهة أخرى.

والطلاق الإتفاقي عقد يتم بمقتضاه توافق إرادة كل من الزوج والزوجة على الطلاق من خلال الاتفاق بينهما على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية وعلى الآثار المترتبة على حل هذه الرابطة الأسرية، فالطلاق في مثل هذه الحالة يتم بمشاركة الطرفين معا إذ لا يقع من جانب الزوج وحده وبإرادته المنفردة ولا برغبة الزوجة فقط وطلبها حل عصمة الزوجية، وإنما يقع بمشاركة الزوجين معا وبإرادتهما المشتركة، وذلك تكريسا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فإذا كانت إرادة الزوجين هي التي أبرمت عقد الزواج بالتراضي فيما بينهما فإن الأولى أن تحترم هذه الإرادة عند الرغبة في إنهاء هذا العقد خصوصا بعد تأكد استحالة العشرة بين الطرفين.

يعتبر الطلاق الخلعي نوعا من أنواع الطلاق باتفاق إرادة الزوجين عليه نظرا لصعوبة الاستمرار في الحياة الزوجية فيما بينهما، وقد يكون هذا الطلاق الخلعي باتفاق الزوجين على شروط معينة، شريطة أن لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ مدونة الأسرة وأن لا تضر بها الأطفال، والطلاق الخلعي ليس من مستجدات مدونة الأسرة بل من أهم مؤسسات الفقه الإسلامي مند القدم والتي نظمتها الشريعة الإسلامية.

لقد أجمع الفقهاء على مشروعية الخلع، وأن للزوجة إذا كرهت زوجها لقبح منظر أو سوء عشرة أو نحو ذلك، وخشيت أن لا يؤدي حق الله في طاعته، جاز لها أن تخالع زوجها بعوض تفتدي به نفسها منه.

لقد أكد المشرع المغربي من خلال المادتين 114 و115 من مدونة الأسرة على ضرورة التوافق والرضا، ولكي يكون التراضي صحيحا يستلزم توافر القواعد القانونية العامة المتمثلة في أن تكون الزوجة أهلا للتعاقد أن تكون إرادتها سليمة خالية من عيوب الرضا، من إكراه وتدليس وغبن، وكل هذه الأمور وإن كانت من القواعد القانونية العامة المنصوص عليها في القانون المدني، باعتباره الشريعة العامة التي يمكن الرجوع إليها فيما يخص المادة 114 من مدونة الأسرة إلا أن المدونة أعادت التفصيل فيها فيما يخص الطلاق بالخلع وذلك تأكيدا على ضرورة وسلامة الرضا من كل عيب.

وهكذا حاول المشرع المغربي صياغة مجموعة من النصوص القانونية الهادفة إلى حماية حقوق الزوج والزوجة المطلقة، منها ما هو مخول لها بقوة القانون كالمتعة ومنها أيضا ما يكون متوقفا على طلبها كالتعويض.

وقد ألزمت مدونة الأسرة القضاء بمراعاة التعسف عند الحكم بالمستحقات للزوجة المطلقة، بحيث إن تقدير التعويض يأخذ فيه القاضي بعين الاعتبار مجموعة من المعايير نصت عليها المادة 84 من مدونة الأسرة، كما نصت أيضا على ضرورة مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق، وذلك لتقدير ما ستحكم به للطرف المتضرر من تعويض عما لحقه من ضرر.

ولعل آثار اعتماد قواعد المسؤولية المدنية عند انتهاء العلاقة الزوجية تتجلى من خلال تحديد مبلغ المتعة المستحقة للزوجة المطلقة اعتمادا على قواعد المسؤولية العقدية والتقصيرية إلى جانب تحديد مبلغ التعويض المستحق لأحد الزوجين في إطار الإنهاء التعسفي للرابطة الزوجية خاصة في التطليق للشقاق.

فإلى أي حد توفق المشرع المغربي من خلال السلطة التقديرية التي منحها للقضاء في تقدير المتعة الواجبة للمطلقة اعتمادا على قواعد المسؤولية المدنية؟، وما هي سلطة القضاء في الحكم بالتعويض لفائدة الطرف المتضرر من إنهاء الرابطة الزوجية؟، وهل فعلا يتم أخذ قواعد المسؤولية المدنية عند تقدير المتعة والتعويض بعين الاعتبار؟، أم يتم الاعتماد على قواعد التعسف في استعمال الحق؟.

لما كانت المتعة من بين أهم الآثار المالية المترتبة عن الفرقة بين الزوجين، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية أسهبوا في تفصيل أحكامها إلا أنهم اختلفوا في مدى وجوبها من عدمه، كما اختلفوا أيضا في تحديد من التي تستحقها من المطلقات، بالإضافة إلى اختلافهم حول معايير وأسس تقديرها، حيث هناك من يرى ضرورة الأخذ بحال الزوج دون حال الزوجة كما أن هناك من قال بالنظر إلى حال الطرفين معا.

وإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة تلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته بقدر يسره وحالها، دون تحديد معايير تقديرها، فإن مدونة الأسرة نصت صراحة على مجموعة من المعايير، يجب على القضاة احترامها عند تقدير متعة الطلاق.

وتبعا لذلك فإن الموضوع يثير بعض الإشكالات العلمية المرتبطة بالأساس بالحالات التي تستحق فيها المطلقة المتعة؟ وبمدى السلطة التقديرية للقضاة في تقديرها؟  وبالكيفية التي تراعى بها هذه المعايير والضوابط من طرف القضاء؟.

بما أن المتعة تعتبر من أهم الواجبات المالية الواجبة على الزوج إزاء زوجته في حالة إنهاء العلاقة الزوجية إلى جانب الصداق الواجب عليه في بداية الزواج، والنفقة أثناء قيام العلاقة الزوجية، فإن وجوبها يستمد شرعيته من قوله عز وجل: “ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المفتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين“. ثم قوله عز وجل كذلك: يا أيها الذين آمنوا إذا أنكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا“.

وبالرغم من كون هذه الآيات الصريحة في وجوب المتعة، فإن الفقه اختلف في وجوبها من عدمه وفي الحالات التي تستحق فيها المطلقة المتعة.

تعتبر المتعة من أهم الآثار المالية الناتجة عن المفارقة بين الزوجين جبرا لخاطر المطلقة، وقد عرفها بعض الفقه بكونها ما يعطيه الزوج لزوجته عند الطلاق تطييبا لخاطرها وتعويضها عما يمكن أن يلحقها من ضرر، في حين عرفها البعض الآخر بأنها كل ما يعطيه الزوج لمطلقته ليجبر بذلك الألم الذي حصل لها بسبب فراقهما.

وقد شرعت الشريعة الإسلامية المتعة للتخفيف من الألم والضرر الذي يصيب المطلقة حين طلاقها من زوجها، فهي مال يعطيه الزوج لمطلقته جبرا لخاطرها وتعويضا لها عما يمكن أن يصيبها من ضرر حال أو مستقبل ولا خلاف حول مشروعيتها عند الفقهاء، وإنما الخلاف من حيث أهي واجبة أم غير واجبة، وهل هي حق لكل مطلقة ؟.

لقد نصت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة صراحة على أن المطلقة لا تستحق المتعة إلا في حالة كون الطلاق من جانب الزوج وذلك في الفصل 52 مكرر من المدونة الملغاة الذي ينص على أنه: “يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره وحالها …”.

حيث ربط المشرع استحقاق المطلقة للمتعة بالطلاق الانفرادي الذي يوقعه الزوج بإرادته المنفردة، الشيء الذي يعني بأن المطلقة لا تستحق أية متعة في حالة مخالعتها لزوجها، وكذلك في الحالة التي يحكم فيها القضاء بفسخ نكاحها أو في الحالة التي يردها الزوج لعيب في الزوجة، بالإضافة إلى حالة المرأة التي تختار الطلاق في حالات التخيير أو التمليك أو التي رفعت فيها دعوى التطليق وحكم القضاء فيها وفق طلبها ما دام أن الفصل 52 مكرر من المدونة الملغاة يشترط لحصول المطلقة على المتعة أن يكون الطلاق من جانب الزوج وبإرادته المنفردة.

ومدونة الأسرة أقرت هذا الحق في حالة الطلاق أو التطليق، كما وضعت مجموعة من المعايير القانونية والاجتماعية لتقديرها من طرف القضاء، بحيث أنها تتغير ارتفاعا أو انخفاضا بحسب تغير هذه المعايير، وفي نفس الوقت أعطى الحق للمتضرر من التطليق في تقديم طلب التعويض عما لحقه من ضرر من جراء إنهاء العلاقة الزوجية.

بالرغم من كون العلاقة بين المتعة والتعويض لا تظهر إلا من خلال اشتراكهما في مدلول واحد يتمثل في اختصاص القاضي بالحكم بإجبار الزوج على دفع مبلغ من المال نقدا أو عينا إلى مطلقته تعويضا عما أصابها من ضرر كلما كان الطلاق بسبب تعسفي، إلا أنه مع ذلك فإن مجال استعمال كلمة المتعة في الشريعة الإسلامية أضيف كثيرا مما هي عليه كلمة التعويض في القوانين الوضعية.

ويلاحظ أن المشرع يخلط بين المتعة والتعويض الواجب أداؤه لجبر الضرر الناتج عن التعسف في استعمال حق إنهاء الرابطة الزوجية فأوجب على المحكمة لزوما مراعاة التعسف عند تقدير المتعة، وهكذا يكون المشرع قد اعتبر المتعة كلا شاملا للتعويض عن الضرر، وبذلك يكون قد خلط بين الزيادة في مبلغ المتعة والتعويض عن الأضرار اللاحقة بالزوجة من جراء الطلاق التعسفي.

إلى جانب المعايير المنصوص عليها في المادة 84 من مدونة الأسرة لتقدير المتعة، نجد من بينها معيار مدى تعسف الزوج في إيقاع الطلاق الذي غالبا ما يؤثر في تقدير المتعة ارتفاعا وانخفاضا.

ويقصد بالتعسف في استعمال حق الطلاق لجوء الزوج إلى حقه في إنهاء العلاقة الزوجية دون سبب، وإصراره رغم المحاولات الرامية إلى التوفيق والإصلاح بالرغم من عدم ارتكاب الزوجة أي ذنب، ويتحقق التعسف أيضا إذا اشتكت الزوجة من التصرفات المنحرفة والشاذة للزوج وتحديد ذلك من وسائل الواقع يستقل قاضي الموضوع بتقديرها ويمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات.

ولتحديد المسؤولية ومدى التعسف في حل ميثاق الزوجية لابد من اعتماد معايير تضمن العدالة وتوازن المصالح، ويقصد بالمعايير تلك الضوابط التي يعرف بواسطتها توفر الوصف التعسفي عند استعمال الحق.

إن إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق يؤدي إلى ترتيب بعض الآثار القانونية لصالح المطلقة، ومن بينها التعويض المحكوم به لها لجبر الأضرار التي قد تكون لحقت بها، مما يجعل التساؤل يطرح حول ما مدى إمكانية اعتماد قواعد المسؤولية المدنية عند تقدير هذا التعويض خاصة في حالة الطلاق التعسفي؟

ولأجل تفعيل الحماية القانونية المخصصة لحق الزوجين في التعويض عند انتهاء الرابطة الزوجية، يتعين على المحكمة أن تتثبت من توافر المبررات الواقعية لهذا التعويض، ثم مدى توافر أسبابه ومداه، مما يطرح السؤال أيضا حول كيفية تعامل القضاء الأسري مع إشكالية التعويض عند إنهاء العلاقة الزوجية؟ وما هي الصعوبات التي تعترضه في هذا الإطار؟

على خلاف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التي لم تكن تنص على إمكانية التعويض خلال قيام الرابطة الزوجية أو عند الإنهاء التعسفي لهذه الرابطة من طرف أحد الزوجين، باستثناء التعويض عند العدول عن الخطبة الذي نصت عليه المدونة الملغاة، وكل ما كانت تنص عليه هو حق الزوجة في المتعة التي لا يمكن اعتبارها تعويضا، فإن المشرع المغربي في مدونة الأسرة حاول تفادي سلبيات المدونة الملغاة للأحوال الشخصية وذلك بنصها صراحة على إمكانية التعويض عند إنهاء الرابطة الزوجية وجعلت تحديد قيمة هذا التعويض من اختصاص المحكمة حسب السلطة التقديرية المخولة لها.

إن أهم المستجدات التشريعية التي جاء بها المشرع المغربي في مدونة الأسرة عن الحكم بالتطليق بسبب الشقاق هي ترتيب التعويض على المتسبب في الفراق بين الزوجين، وهو ما نص عليه المشرع في الفقرة الأولى من المادة 97 من مدونة الأسرة.

إن الحكم بالتعويض لفائدة الزوج عن الضرر الذي لحقه من جراء التطليق للشقاق الذي تسببت فيه زوجته يشكل مظهرا بارزا من مظاهر الموازنة بين حقوق الزوجين بعد انحلال الرابطة الزوجية بينهما، كما يجسد توجها قانونيا وقضائيا جديدا يرمي من خلاله المشرع تجاوز التصور التقليدي الذي يحصر مسؤولية تفكك الأسرة في تصرفات الزوج وحده دون الزوجة، فالزوجان في ظل مدونة الأسرة أصبحا متساويان في تحمل المسؤولية المدنية عند إنهاء الرابطة الزوجية، وأصبح من حق الزوج المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر جراء ذلك.

كما أن استحقاق الزوجة المطلقة للتعويض في إطار مسطرة الشقاق يأتي في سياق تدعيم حقوقها المالية المترتبة عن انتهاء العلاقة الزوجية كما أنه يعتبر نتيجة حتمية لإحدى أهم المبادئ التي أسست عليها مدونة الأسرة ألا وهو مبدأ المساواة والمسؤولية المشتركة عن انحلال ميثاق الزوجية.

وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود نجدها تنص على أنه: “يجب على المحكمة أن تقدر الأضرار بكيفية مختلفة حسبما تكون ناتجة عن خطأ المدين أو عن تدليسه” وتعليقا على هذا الفصل نرى بأن القاعدة العامة في التعويض المدني أن جسامة الخطأ لا ينظر إليها في تحديد هذا التعويض لأننا أمام جزاء مدني ولسنا بصدد ة عقوبة جنائية يعول فيها على جسامة الخطأ المرتكب.

إذا كان التعويض الإتفاقي هو اتفاق مسبق على تقدير التعويض الذي يستحقه أحد الزوجين في حالة تضرره من تصرفات الزوج الآخر بل وإقدامه على إنهاء الرابطة الزوجية بالطلاق أو بالتطليق، فإن إمكانية تشطير المسؤولية بين الزوجين قد تؤثر في تقدير التعويض في حالة عدم اتفاق الطرفين على تقديره.

والتعويض الإتفاقي هو إحدى الوسائل التي أوجدتها الإرادة بغية تعزيز وعود المدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية، والتثبت بالنتيجة من التنفيذ بصورة أكثر نجاعة من التهديد البسيط الناجم عن التعيين القضائي للتعويض.

كما يعتبر التعويض الإتفاقي أيضا ذلك التعويض الجزافي المسبق للضرر، أي أن المتعاقدين يحددان مبلغا يعد في نظرهما تعويضا موازيا للضرر المتحقق الذي قد يلحق أحد الأطراف نتيجة إخلال الطرف الآخر بالتزامه العقدي.

ولعل إعمال قواعد التعويض الإتفاقي عند إنهاء العلاقة الزوجية لا يخالف النظام العام الأسري المغربي ولا بنود مدونة الأسرة في شيء مادام أن المشرع قد سمح للزوجين بالاتفاق على مبدأ إنهاء الرابطة الزوجية بشروط أو بدون شروط مع ضرورة عدم الإضرار بمصالح الأطفال وفقا للمادة 114 من مدونة الأسرة.

إن الشخص المضرور من تصرف معين في القواعد العامة إذا ارتكب بدوره خطأ معينا فإنه يمكن أن يؤدي إلى حرمانه كليا من التعويض، في حالة كون خطأه هو السبب الوحيد في الضرر اللاحق به، وقد يكون الحرمان جزئيا إذا كان ذلك الخطأ قد ساهم فقط مع خطأ المطلوب في إحداث الضرر الذي كان نتيجة الإخلال بالتزام قانوني مما يجعل المضرور يتحمل نصيبه من المسؤولية وتخفيض التعويض الذي يستحقه بقدر نصيبه من المسؤولية.

لقد جعل المشرع المغربي التطليق للضرر بيد الزوجة وحدها من أجل إنهاء العلاقة الزوجية التي أضرت بها، بالإضافة إلى إمكانية حصولها على التعويض عن هذا الضرر، غير أن صعوبة مسطرة التطليق للضرر تكمن في إشكالية إثبات الضرر الذي تدعيه الزوجة مما يجعل مسؤولية الزوج تنتفي حتى إذا أثبتت الزوجة الخطأ المرتكب من طرف الزوج.

              لقد نص المشرع المغربي في المادة 98 من مدونة الأسرة على أحقية المطلقة اللجوء إلى التطليق للضرر كسبب من أسباب إنهاء العلاقة الزوجية، كما أضافت المادة 101 من نفس المدونة أحقية المطلقة في التطليق للضرر في طلب التعويض عن نفس الضرر اللاحق بها وأسندت تقدير هذا التعويض للمحكمة بما لها من سلطة تقديرية في هذا الإطار.

لم تنص مدونة الأحوال الشخصية الملغاة على إمكانية التعويض في إطار التطليق للضرر ولو في الحالة التي يثبت فيها للمحكمة أن الزوج ألحق بزوجته أضرارا بالغة بتطليقها، إذ كان المشرع في المدونة الملغاة ينص على حقها في المتعة التي لا يمكن اعتبارها تعويضا.

ولعل القضاء المغربي رفض في قضايا متعددة الحكم بالتعويض للزوجة المتضررة، وذلك بالرغم من أن المنطق القانوني يقتضي في حالة الحكم بالتطليق للضرر أن يحكم بتعويض عن ذلك الضرر، وإلا يكون من باب العبث أن يثبت الضرر للمحكمة وتطلق الزوجة بناء عليه وترفض الشق المتعلق بالتعويض.

خــــــاتــــــمــــــــــــــــة:

إن مناقشة موضوع خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة، وعلى امتداد صفحات هذه الأطروحة قد يستنتج منه بوضوح مدى انفتاحه المشرع المغربي على مبادئ وقواعد القانون المدني بدأ بإنشاء وتنظيم العلاقة الزوجية وصولا إلى إنهائها.

فمن خلال دراسة خصوصيات القواعد المدنية في الخطبة والزواج اتضح بأن تحديد الطبيعة القانونية لمؤسسة الخطبة وآثار العدول عنها في التشريع المغربي شأنه في ذلك شأن التشريع الإسلامي لم يعتبر الخطبة العمود الفقري للزواج ولا الركن الأساسي له، فلم يتم الارتقاء بهذه المؤسسة نتيجة ذلك إلى درجة العقد الملزم لأطرافه، الأمر الذي يفسح المجال أمام طرفي هذه المؤسسة للعدول عنها، كما لهما حرية الدخول فيها إعمالا لإرادتهما الحرة السليمة.

ولهذا فالخطبة في التشريع المغربي سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة لا تعدو أن تكون وعدا بالزواج لا يكتسي أي صيغة إلزامية من الناحية القانونية، وهذا المنظور التشريعي يتلاءم مع رؤية المجتمع لها، ورغم ترتيب المشرع أثرا من آثار عقد الزواج عليها المتمثل في النسب إذا ما توافرت شروطه، فإن هذا الإقرار هدفه الأساسي حماية نسب الطفل وليس تغيير التكييف القانوني للخطبة.

وعليه يتبين بأن خصوصية رابطة الخطبة هي التي أفرزت الجدل القانوني حول أساس التعويض عن ضرر العدول عنها، حيث انقسمت المواقف الفقهية والاجتهادات القضائية إلى اتجاهين أساسيين الأول نادى باعتبار أساس التعويض عن الخطبة هو المسؤولية العقدية، ومن تم يعتبر مجرد الإخلال بإبرام عقد الزواج سببا موجبا للتعويض، وهذا الأساس العقدي للتعويض نظرا لاصطدامه بمبدأ حرية الزواج دفع بالفقه إلى اعتبار أن المسؤولية العقدية تتمثل في التعسف في استعمال حق الفسخ وليس في مجرد عدم إبرام عقد الزواج.

أما الاتجاه الثاني وهو الراجح والذي استقر عليه الفقه والقضاء إلى حد كبير فاعتبر أساس التعويض عن ضرر العدول عن الخطبة هو الأساس التقصيري لكون الخطبة مجرد واقعة قانونية لا تكتسي أي صبغة إلزامية.

هذا بالإضافة إلى أن النص الذي وضعه المشرع المغربي للتعويض عن ضرر العدول عن الخطبة ما هو إلا تأكيد للقواعد العامة في نطاق المسؤولية التقصيرية، إذ لم يكن يوجد مانع للمتضرر في ظل مدونة الأحوال الشخصية يحول دون التجائه إلى القضاء للمطالبة بالتعويض في إطار هذه القواعد، فالمشرع المغربي في مدونة الأسرة ارتأى وضع نص خاص لتفادي وقوع تضارب بين مواقف المحاكم، وكذلك الاستفادة من إمكانية رفع الدعوى أمام قضاء الأسرة وليس القضاء العادي.

أما فيما يخص دراسة خصوصيات القواعد المدنية في عقد الزواج فقد خلصت إلى أن تحديد الطبيعة القانونية للزواج هو المحور الأساسي للوصول إلى استنتاج بهذا الخصوص، حيث أن طبيعة الزواج الخاصة والتي تقتضي الجمع بين نظريتي العقد والمؤسسة القانونية، تجعل الزواج عقدا كسائر العقود المنظمة في القوانين الوضعية وفي الشريعة الإسلامية بخصوص ما يحتاج إليه تكوينه من شروط وأركان تفرض اكتمال الأهلية والرضا وصحتهما، وفي نفس الوقت نجد أن جل آثار هذا العقد محددة سلفا من طرف التشريع فيما يسمى قانونا بالنظام القانوني وشرعا بالآثار الجعلية والتي مفادها أن أغلب هذه الآثار المترتبة عن الزواج توضع عن طريق الجعل ولا دخل للإرادة فيها كالنفقة والمساكنة الشرعية وغيرها، على عكس النظام القانوني المدني المتمثل في الاشتراطات الإرادية الواردة في عقد الزواج.

ولعل ما يؤكد الطابع المدني لعقد الزواج من حيث التكوين، كون المشرع المغربي أقر في مدونة الأسرة ضمانة تشريعية هامة من أجل إبرام عقد الزواج بإرادة حرة سليمة خالية من أي إكراه أو تدليس، ويعد هذا انفتاحا على القواعد العامة التي يجب الرجوع إليها لتحديد شروط الإكراه والتدليس باعتبارهما خطأين موجبين للفسخ مع إمكانية التعويض ووجود استثناء بشأن مدة التقادم التي حددتها مدونة الأسرة في شهرين مراعاة لخصوصية الرابطة الزوجية على عكس قانون الالتزامات والعقود الذي حدد مدة التقادم في دعوى الإبطال في سنة.

ورغم الجدل حول أساس التعويض عن عيوب الإرادة باعتبارها خطأ يصاحب تكوين العقد، فإن الرأي الراجح يبقى هو المسؤولية التقصيرية لأن الإكراه أو التدليس يدخلان في نطاق العمل غير المشروع، الذي يشكل خطأ تقصيريا موجبا للتعويض إذا ما توافرت باقي شروط المسؤولية المدنية وهي الضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

وهكذا يمكن القول بأنه رغم الانفتاح على قواعد المسؤولية المدنية إلى حد ما في الخطبة والزواج، فإن المرجعية الدينية فيما يتعلق بالتعويض تبقى حاضرة بشكل قوي في مدونة الأسرة، حيث يمكن تأصيله استنادا إلى مقاصد الشريعة الإسلامية المرتكزة على مبادئ رفع الضرر وجبره، تحقيقا للعدل والإنصاف.

أما فيما يتعلق بخصوصيات القواعد المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية، فالملاحظ أن المشرع المغربي في مدونة الأسرة سعى جاهدا لحماية الإرادة في هذا الباب فرتب فسخ عقد الزواج وحل الرابطة الزوجية كلما أصاب إرادة أحد الزوجين عيب من عيوب الرضا أثناء إبرام عقد الزواج، كما أن المشرع الأسري لم يعتد لا بطلاق السكران أو الغضبان أو كل من عابت إرادته حماية لإعمال الإرادة السليمة في هذا الإطار.

وهكذا فقد تبين لنا من خلال دراسة الشق الثاني من الموضوع أن مدونة الأسرة بانفتاحها على مقتضيات قانون الالتزامات والعقود قد راعت حماية الطرف المتضرر جراء إنهاء العلاقة الزوجية، وذلك بإقرارها لمجموعة من الأحكام التي تخول إمكانية الحصول على التعويض المدني عن الضرر اللاحق بأحد الزوجين، وقد أصبح العمل القضائي الأسري بدوره ينحو في هذا الاتجاه ، حيث يفعل بشكل إيجابي تلك المقتضيات حسب ما اتضح لنا من خلال العديد من الأحكام والقرارات الصادرة في الموضوع.

وتجدر الإشارة أيضا إلا أن تطبيق خصوصيات القواعد المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية، خاصة قواعد المسؤولية العقدية في إنهاء العلاقة الزوجية يتمثل في إطار التطليق للإخلال بشرط من شروط عقد الزواج، وذلك من خلال إمكانية المطالبة بالتعويض بناء على أصول المسؤولية العقدية في هذا الإطار.

وبالرجوع إلى حالات تطبيق قواعد المسؤولية التقصيرية في إنهاء الرابطة الزوجية، نجدها تتمثل في التطليق للشقاق والتطليق للضرر بالإضافة إلى إمكانية التعويض في حالة فسخ عقد الزواج المشوب بالإكراه أو التدليس.

ورغم أهمية المقتضيات التي جاءت بها مدونة الأسرة في موضوع المسؤولية المدنية في إنهاء العلاقة الزوجية باعتبارها من أهم خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة، فإن تطبيق هذه المقتضيات من طرف بعض القضاء، قد كشف عن وجود بعض مظاهر النقص خاصة فيما يتعلق بإمكانية الحكم بالتعويض إلى جانب المتعة المستحقة للمطلقة، وكذا تطبيق قواعد المسؤولية المدنية في إنهاء الرابطة الزوجية كما جاء بها المشرع في قانون الالتزامات والعقود بالرغم من الانفتاح الذي سجلته المدونة بهذا الخصوص.

وبالرغم من كون أهم موضوع تثار بشأنه المسؤولية المدنية باعتبارها من أبرز خصوصيات القواعد المدنية في مدونة الأسرة، هو انحلال الرابطة الزوجية، فإنها قد أغفلت النص على تعويض المطلقة طلاقا تعسفيا رغم أن التعسف في استعمال حق الطلاق يشكل خطأ تقصيريا يستوجب التعويض وفق الأحكام العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود.

كما يتبين أيضا من خلال بعض الأحكام القضائية أن بعض القضاء، يعتبر حق المتعة تعويضا للزوجة المتضررة في دعوى الشقاق بالرغم من أن المتعة لا تكتسي صفة التعويض بمفهوم القانون المدني، كما لاحظنا من خلال مجموعة من الأحكام أنه ثم تحميل الزوجة مسؤولية إنهاء العلاقة الزوجية بناء على إصرارها وتمسكها بطلبها الرامي إلى التطليق بالرغم من أن تمسك الزوجة بذلك لا يفيد قطعا كونها هي المتسببة في ما آلت إليه العلاقة الزوجية، إذ لا يستبعد أن يكون الزوج هو المتسبب الفعلي في الشقاق القائم بينهما.

ولهذا سأقترح بعض المقترحات التي تبدو في نظري وجيهة في إطار تجاوز بعض الثغرات التي سجلتها في هذا الموضوع على فلسفة المشرع في مدونة الأسرة وهي على الشكل التالي:

  • في ما يخص إشكالية الإثبات في الخطبة، حبذا لو نص المشرع المغربي على صياغة وثيقة خاصة بالخطبة تسبق عقد الزواج، وتشكل أداة قانونية وفعالة في الإثبات لحسم النزاعات المثارة أمام القضاء دون أن يؤثر ذلك في الطبيعة القانونية للخطبة من حيث كونها مجرد وعد بالزواج.
  • التنصيص صراحة على أحقية المطلقة تعسفيا في الاستفادة من التعويض عن الضرر وذلك إلى جانب حقها الشرعي والقانوني في المتعة.
  • دعوة القضاة إلى التعمق في إجراء الصلح بين الزوجين وذلك قصد التأكد من الطرف الذي يتحمل المسؤولية في إنهاء الرابطة الزوجية، لأجل الحكم عليه بتعويض لفائدة الطرف المتضرر من هذا الفعل.
  • مناشدة قضاة الأسرة إلى ضرورة تبيان أساس التعويض في حالة الحكم به في إنهاء الرابطة الزوجية، وذلك بتوضيح ما إذا كان أساسه عقديا أم تقصيريا.

دعوة قضاة الأسرة إلى ضرورة الفصل بين حق المتعة المقرر شرعا وحق الحصول على التعويض، وعدم اعتبار المتعة شاملة للتعويض المستحق عن الضرر، وأيضا عدم تحميل الزوجة مسؤولية إنهاء العلاقة الزوجية في دعوى الشقاق لمجرد تمسكها بطلبها ورفضها محاولات الصلح، إذ أن العبرة بمدى صدور عنصر الخطأ من جانبها من عدمه لا لتمسكها بطلب التطليق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى