دراسة في المقتضيات الجديدة الضابطة لعمل البنوك الإسلامية في موريتانياعلى ضوء التجربة المغربية
دراسة في المقتضيات الجديدة الضابطة لعمل البنوك الإسلامية في موريتانيا
على ضوء التجربة المغربية
د.علي الدوه
مقدمة:
عرفت موريتانيا البنوك الإسلامية منذ العام 1985 من خلال بنك البركة الإسلامي، بنك الوفاء حاليا، إلا أن الاعتماد الذي مُنح لبنك البركة والبنوك الإسلامية التي دخلت السوق لاحقا، لم يكن يراعي خصوصيتها الإسلامية، نظرا للمنع الصريح الوارد في المادة 20 من قانون مؤسسات القرض التي تنص بالحرف على أنه لا يجوز لمؤسسات القرض أن تقوم لحسابها الخاص أو لحساب الغير بنشاطات زراعية أو صناعية أو تجارية…إلا إذا كانت هذه النشاطات ضرورية أو مرتبطة بتحصيل ديونها.
وبعد انتظار دام ما يربو على الثلاثة عقود جاءت المقتضيات الجديدة خلال العام 2018 بعد تعديل قانون مؤسسات القرض لإدماج المنتجات المالية الإسلامية المختلفة عن التمويل التقليدي، كما أتى تعديل القانون المتضمن النظام الأساسي للبنك المركزي من أجل استحداث لجنة مراقبة خارجية تمارس مهمة مطابقة أنشطة البنوك الإسلامية مع المقتضيات الشريعة.
وقد اعتمد المشرع الموريتاني على غرار المغربي مقاربة الإدماج من أجل خلق انسجام داخل الحقل البنكي، وهي ذات المقاربة التي اعتمدها المشرع المغربي وتجلت في مظاهر عدة أجملها في نقاط:
- إدماج المقتضيات الضابطة لعمل البنوك الإسلامية في صلب القانون البنكي
- منح التراخيص لبنوك تشاركية برؤوس أموال مملوكة في معظمها لبنوك تقليدية في المغرب.
- انخراط البنوك الإسلامية إلى جانب البنوك التقليدية في ذات الجمعيات المهنية
- الانتساب لصندوق واحد لضمان الودائع مع اختلاف بين التشريعين[1]
وهي المقاربة التي تخدم التنافسية وتوفر للبنوك الإسلامية جوا يمكنها أن تنموا فيه وتنضج بعيدا عن الضربات التي كان بالإمكان أن تواجهها من خصمها التقليدي القوي والمتمكن.
مقاربة الإدماج هذه التي اعتمدها المشرع الموريتاني مؤخرا أتت بعد الهبة التي عرفتها المالية الإسلامية على مستوى المملكة والتي تمخضت عن تعديلات قانونية واستحداث الهيئات الرقابية والتنظيمية الضرورية لضمان نجاح التجربة، ويبدو جليا تأثر المشرع الموريتاني بالمغربي وهو ما سنلامسه عند مقارنة المقتضيات، وهو استمرار لمنهج التأثر الواضح في المدونة التجارية وقانون الالتزامات والعقود الموريتاني.
ونقف هنا على إيجابيات مقاربة الإدماج:
- عدم تشتيت المقتضيات المنظمة للمجال البنكي، على اعتبار أن حقبة القطيعة ومناصبة العداء بين النظامين أصبحت متجاوزة، لكونها لا تخدم النظامين وخصوصا البنوك الإسلامية لأنها تدخل على نظام ضارب في القدم اكتسب قوته ومكانته مع الزمن.
ولكون البنوك بغض النظر عن طبيعتها تمارس نفس الأنشطة من الناحية الشكلية من قبيل الإيداع وتقديم التمويل مع اختلاف الآليات المعتمدة.
فالبنوك التقليدية تعتمد آلية واحدة هي القرض بالفائدة في حين تعتمد البنوك الإسلامية آليات متعددة تصل إلى ست عشرة آلية للتمويل من قبيل المرابحة والإيجار والمشاركة… وقد نص المشرعين المغربي[2] والموريتاني[3] على الستة المعروفة. وترك الباب مفتوحا أمام باقي المنتجات مع شرط المطابقة مع المقتضيات الشرعية والمقتضيات المنصوصة في القانون البنكي.
- وحدة الجهة الوصية على المجال في كلا النظامين وهي البنك المركزي الذي ينهض بمهمة الرقابة والإشراف، من خلال هيئاته مع اختلاف في طبيعة التعامل مع النظامين نظرا للطبيعة المختلفة، وفي إطار الرقابة الشرعية فقد منحها القانون المغربي للمجلس العلمي الأعلى في حين أبقت عليها موريتانيا في دائرة اختصاص البنك المركزي من خلال لجنة مستحدثة لهذا الغرض.
ومن تجليات الإدماج كذلك الترخيص للبنوك التقليدية بممارسة الصيرفة الإسلامية من خلال فروع أو شبابيك إسلامية نص القانون الموريتاني بهذا الخصوص على مقتضيات ظاهرها المحافظة على أسلمة تلك العمليات واستقلالها استقلالا ماليا تاما عن البنك الأصيل، حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 40 من قانون مؤسسات القرض الموريتانية على أنه “تمنح الشبابيك الإسلامية مخصصات من رأس المال وتتمتع باستقلالية تمكنها من فصل أنشطتها كليا عن الأنشطة التقليدية لمؤسسات القرض المعنية”.
وتجسيدا لمسيرة الإدماج أتى النص صراحة على سريان القانون البنكي على البنوك الإسلامية فيما عدا الحالات التي أتى النص عليها في القسم الثالث من قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها بعنوان “البنوك التشاركية”، ويقابلها الباب الثالث من قانون مؤسسات القرض الموريتاني تحت عنوان “المالية الإسلامية”.
وفي هذه الورقة أتناول المقتضيات المستحدثة من خلال القانون 034.2018 المعدل للنظام الأساسي للبك المركزي والمنشئ لهيئة المطابقة الشرعية (المحور الأول)، قبل الخوض في المقتضيات الجديدة المدمجة في القانون رقم 036.2018 المنظم لمؤسسات القرض في موريتانيا (المحور الثاني).
المحور الأول-استحداث هيئة المطابقة مع أحكام الشريعة
تم سن القانون رقم 034.2018 ويتضمن النظام الأساسي للبنك المركزي الموريتاني، ويهدف حسب المادة الأولىمنه إلى تحديد مهام وأهداف وصلاحيات وأدوات وعمليات البنك المركزي الموريتاني المنشأ[4] بموجب القانون رقم 73/118 الصادر بتاريخ 30 مايو 1973 الذي يلغي ويحل محل القانون رقم 004-2007 الصادر بتاريخ 12 يناير 2007).
وقد أتت هذه التعديلات للمواءمة مع قانون مؤسسات القرض الذي تم تعديله مؤخرا من أجل إدخال المقتضيات الضابطة لعمل البنوك الإسلامية ولتكتمل الصورة، حيث يتطلب الاعتراف بالبنوك الإسلامية احترام خصوصيتها الأبرز المتمثلة في استحداث هيئة للمطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وأدرس في هذا المحور تشكيلة هذه الهيئة –أولا-قبل الوقوف على العمل المنوط بها-ثانيا–
أولا-تشكيلة الهيئة:
نصت المادة الثامنة[5] من هذا القانون على استحداث هيئة سمتها بهيئة المطابقة مع الشريعة الإسلامية، كما نصت على استحداث هيئات أخرى للرقابة والتدقيق.
وهي خطوة هامة أتت بالموازاة مع إصدار القانون البنكي المعروف بقانون مؤسسات القرض والذي تضمن بابا باسم المالية الإسلامية، وهي الخطوة التي تشكل التكامل بين الجوانب التنظيمية والرقابية الأساسية لعمل البنوك الإسلامية.
وتعتبر الرقابة الشرعية أمرا ضروريا في إطار الصيرفة الإسلامية وهو ما جعل كل الأنظمة القانونية تنشأ هيئات من هذا القبيل، وإن كانت لم تعتمد نفس الأسلوب ولم تمنح الهيئة نفس المكانة للنهوض بدورها الهام.
وقد دخلت هذه التعديلات الجديدة من البوابة التي دخلت منها أهم القوانين الموريتانية وهي البوابة الشمالية الغربية وأقصد الشقيقة المغرب،والتي عرفت البنوك الإسلامية مؤخرا باسم مختلف وهو البنوك التشاركية، وقد شكلت لذات الغرض هيئات جديدة من ضمنها هيئة للرقابة الشرعية أسمتها باللجنة الشرعية للمالية التشاركية حسب ما ورد في الفصل الخامس من الظهير الشريف الذي أحدثت بموجبه هذه اللجنة[6] التابعة للجنة الإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى الذي تم تعديل نظامه الأساسي من أجل إنشاء هذه الهيئة.
والاختلاف البارز بين النظامين القانونيين في هذا المجال أن المملكة أوكلت مهمة الرقابة الشرعية -وهو عمل فقهي –إلى المجلس العلمي الأعلى بصفته الهيئة العليا المسؤولة وحدها عن الفتوى على مستوى المملكة، والتي تحظى بمكانة دستورية هامة جدا حيث يترأس الملك هذا المجلس ويضم في عضويته وزير الأوقاف بالإضافة إلى كبار علماء وفقهاء المملكة.
وبالتالي فقد أعطوا القوس باريها ومنحوا الرقابة لأصحابها الذين تعودوا إصدار الفتوى، ولِكَون المجلس -نظرا لمكانته المعنوية-بمنأى عن التأثر بوسائل الضغط.
أما في موريتانيا فقد بدا الأمر مختلفا حيث تم إلحاق هيئة المطابقة بصفة مباشرة للمجلس العام للبنك المركزي[7]، وهو الجهة التي تحدد السياسات العامة للبنك المركزي والمسؤول الأول عن الجانب الإداري فيه، وبالتالي فهو المسؤول عن اختيار أعضاء الهيئة والمشكلة من خمسة أعضاء لمدة سنتين قابلة للتجديد، وذلك وفق شروط منصوصة:
- حسن السيرة والسلوك
- التكوين الأكاديمي وهو ما يعني استبعاد غير الأكاديميين
- كفاءاتهم في مجال المالية الإسلامية والشريعة الإسلامية وهو ما يفيد التخصص في المجال
- الخبرة الواسعة في المجال ومختلف المجالات ما يعني أن يكون صاحب ثقافة شمولية
هذا بالإضافة إلى الشروط العامة المنطبقة على أعضاء الهيئات الأخرى من قبيل شرط الجنسية وعدم التعارض وعدم وجود مصلحة في المسائل المعروضة على الهيئة[8].
وقد أحاطهم المشرع بنوع من الاستقلالية، من خلال النص في المادة 33 من القانون 034.2018 أنه لا يجوز لهم أن يقبلوا تعليمات من أي شخص أو هيئة ولا يلحق بهم أي ضرر في سبيل تنفيذ مهامهم.
ولمقارنتها من حيث التشكيلة بنظيرتها المغربية والمسماة بمقتضى القانون المنشئ لها باللجنة الشرعية للمالية التشاركية نجد الأخيرة تتشكل من منسق وتسعة أعضاء من العلماء الفقهاء المشهود لهم بالعلم والمعرفة والإلمام بأحكام الشرع والمقاصد، وتستعين على سبيل الاستشارة بخمسة خبراء دائمين ذاتيين أو اعتباريين تحدد وضعيتهم بموجب عقود، ويمكن كذلك الاستعانة بكل شخص على سبيل الاستشارة من ذوي الخبرة والاختصاص قصد تقديم إفادات إلى اللجنة بخصوص القضايا المعروضة.[9]
وهذه التشكيلة الكبيرة والمتخصصة تجد مبررها في المهام الكبيرة المنوطة باللجنة وهي المنصوصة في المادة 10 المكررة مرتين من القانون 02.15.1، والتي تتجاوز البنوك التشاركية نحو استصدار الصكوك والتأمينات التكافلية، وكل الأقسام المستجدة والمتعلقة بالمالية التشاركية، وهو ما لا نجد له مثيلا في نظيرتها الموريتانية التي فيما يبدو أنها أنشئت حكرا لمطابقة أعمال البنوك الإسلامية لا أكثر وذلك نظرا لكون المشرع لم يتجاوز بعد نحو باقي أقسام المالية الإسلامية، وإن كان في إطار تنظيم عمل هذه البنوك أطلق مسمى المالية الإسلامية على الباب الثالث التي تنضوي تحته تلك المقتضيات كما أتى بمقتضيات مجملة حول مهام اللجنة من خلال المادة 37 من القانون رقم 034-2018 المنشئ لها[10].
ثانيا-المهام المنوطة بالهيئة
لأجل المهام المستحدثة لأجلها تجتمع اللجنة كل شهرين وكلما رأت ضرورة لذلك، ولم يتم النص صراحة على إلزامية الاجتماع هذه لكنها واضحة عندما عاد المشرع ليؤكد على إمكانية الاجتماع كلما دعت الضرورة، وهو ما يفيد أن الحالة الأولى إلزامية نظرا لطابع التخيير في الثانية.
وفيما يتعلق بالهدف الذي أنشئت لأجله اللجنة وهو المطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، نلاحظ أن في الإشارة إلى أحكام الشريعة الإسلامية استمرارا لما انتهجه المشرع الموريتاني في مدونة التجارة التي نصت على أنه يرجع إلى أحكام الشريعة فيما لم يتم النص عليه في هذا القانون[11]
ما يعني أن المشرع حين يتعلق الأمر بالمعاملات المالية ينتهج نهج التوسع وعدم التخندق في مذهب واحد[12] وهو واضح في باب المعاملات، وخلافه في باب الأحوال الشخصية[13] والمعاملات المدنية حيث لا يخفي المشرع تشبثه بالمذهب المالكي[14].
ولعل السب وراء هذا الانفتاح في باب المعاملات هو عامل العالمية التي تتسم بها المعاملات التجارية، والتي تقوم على مبدأ الاستيراد والتصدير والحوالات المصرفية ويتداخل فيها المحلي بالدولي، فمن غير الوارد في هذا الباب مراعاة مذهب بعينه خصوصا حين الحديث عن الحقل البنكي.
وهذه الهيئة في إطار المطابقة تبدي الرأي في الأمور المرفوعة إليها من قبل هيئات القرار في البنك المركزي[15] وهو ما يعني عدم وجود علاقة مباشرة مع البنوك الإسلامية، وهي الوضعية المثيرة والتي نجد لها شبيها في القانون المغربي[16] الذي لم ينص صراحة على وجود صلة مباشرة بين البنك التشاركي والمجلس العلمي، وتجد هذه المسألة مبررها في أن المجلس يستقبل الطلبات فقط من جهات الرقابة والإشراف وفق شكليات محددة.
إلا أنه بالإمكان تَلَمُّس وجود علاقة مباشرة في الشق المتعلق بالتقرير السنوي الذي تُلزم البنوك التشاركية[17] برفعه إلى المجلس نهاية كل عام من خلال وظيفة التقيد بآراء اللجنة.
وقد حددت المادة 37 من القانون 034-2018 الصلاحيات الممنوحة للهيئة على النحو التالي:
- تقوم بإعداد الدراسات وتعطي رأيها: بخصوص الأعمال المتعلقة بالمالية الإسلامية التي ينوي البنك المركزي القيام بها.
- تقوم بإعداد الدراسات وتعطي رأيها في مسائل تطبيق الشريعة لأنشطة البنك الإسلامي والمؤسسات الأخرى التي يرخص لها البنك بالقيام بالعمليات الإسلامية حين يتعلق الأمر بهذه العمليات
- وحدها المسؤولة عن إجازة المنتجات المالية الإسلامية لضمان مطابقتها للشريعة الإسلامية
- تعطي الرأي بخصوص إجراءات التدخل المتعلقة بأدوات التمويل المرفوعة من طرف مجلس السياسة النقدية.
ولأجل المهام الموكلة إليها تجتمع مرة كل شهرين إلزاما وكلما اقتضت الحاجة، وتكون مداولاتها صحيحة بحضور ثلاثة أعضاء على الأقل.
وعند مقارنة هذه الصلاحيات بتلك الممنوحة للجنة المالية التشاركية نجد الأخيرة جاءت محددة للمهام بدقة أكبر ومن خلالها تحديد للجهات المتدخلة وهي:
- البنك المركزي في إطار علاقته بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها حين يتعلق الأمر بالمنتجات ونماذج العقود المتعلقة بها، وحين يتعلق الأمر بالمناشير المتعلقة بالمنتجات التشاركية والودائع الاستثمارية وعمليات صندوق ودائع البنوك التشاركية.
- هيئة مراقبة التأمينات في إطار علاقتها بمقاولات التأمين وإعادة التأمين عندما يتعلق الأمر بالتأمين التكافلي
- الهيئة المغربية لسوق الرساميل في إطار العلاقة بالجهات المصدرة لشهادات الصكوك كيفما كانت.
وتمارس هذه المهام من خلال طلبات إبداء الرأي المرفوعة للجنة وفق الشكليات المحددة.
ويبدوا من الجلي أن عمل اللجنة يتجاوز البنوك التشاركية نحو التأمين وسوق الرساميل وهو ما لا نجد له شبيها عند نظيرتها الموريتانية التي يختصر عملها في إطار علاقتها بالبنك المركزي ومن خلاله البنوك الإسلامية، وذلك نظرا لعدم وجود تأمين تكافلي ولا شهادات صكوك إسلامية لا من حيث الواقع ولا من حيث التنظيم القانوني.
وتصدر اللجنة آراءها باسم المجلس العلمي الأعلى وبإجماع أعضائها الحاضرين الذين شاركوا في مداولاتها، وتحدد الإجراءات العملية للتطبيق بواسطة النظام الداخلي للجنة المصادق عليه من طرف المجلس.
المحور الثاني-المقتضيات المنصوصة في القانون رقم 036/2018 المنظم لمؤسسات القرض
لأول مرة وبعد فترة من الإهمال التشريعي الذي عرفه الحقل المصرفي الإسلامي أتى القانون البنكي الجديد المعروف بقانون مؤسسات القرض مستجيبا لنداءات متكررة بضرورة مراعاة خصوصية البنوك الإسلامية، أتى هذه القانون المنظِّم لمؤسسات القرض وهو الضابط لأعمال البنوك والهيئات المعتبرة في حكمها.
وقد عمد المشرع إلى تعريف عمليات القرض وأشار إلى أنه لأغراض هذا القانون تعتبر بمثابة عمليات قرض عمليات التمويل الخالية من نسبة الفائدة و/أو تلك المبنية على تقاسم الأرباح والخسائر، في إشارة إلى اعتبار المنتجات المعتمدة في البنوك الإسلامية إنما هي قروض مختلفة عن القروض التقليدية، وهو مسعى منه لضبط المصطلحات ما أمكن وتماشيا مع مقاربة الإدماج والانسجام التي يأتي القانون مجسدا لها، ومن أجل الابتعاد ما أمكن عن التنافر الذي كان يطبع علاقة البنك الإسلامي بالتقليدي قديما.
وفي هذا المحور أتناول المنتجات المنصوصة كبديل للقرض التقليدي (أولا) قبل تناول أحكام متفرقة (ثانيا) ومستحدثة في إطار تنظيم البنوك الإسلامية.
أولا-المنتجات الإسلامية (التشاركية)
من المعروف أن الآلية الوحيدة للتمويل المعتمدة في البنوك التقليدية هي القرض بفائدة والأمر مختلف في البنوك الإسلامية حيت توجد ستة عشر منتجا بديلا للقرض، وقد نص القانون الموريتاني كما المغربي على الصيغ الست المعروفة، وترك الباب مفتوحا أمام أي منتج آخر بشرط المطابقة مع الشريعة والمقاصد، واعتماد الخصائص الفنية المعتمدة، وهذه الصيغ المنصوصة هي:
- المرابحة: وهي بصيغتها الفقهية عملية بيع عادية يصرح فيه البائع بالثمن الأول ويضع عليه ربحا لتنتقل السلعة إلى المشتري بثمنها الأول وزيادة ربح معلوم، وهي المنتج الأهم والذي يكاد يجتاح عمليات البنوك الإسلامية نظرا لبساطتها ودرجة المخاطرة المنخفضة فيها خصوصا في ظل الإلزام بالوعد، وهي النقطة التي أثارت إشكالات شرعية كبيرة حاول المهتمون تجاوزها ببعض الآليات من قبيل البيع على الخيار كأداة للتحوط أمام الخسارة التي يمكن أن تلحق بالبنك فيما لو نكث الزبون عن الشراء، بالإضافة إلى التعويض الملزم للعميل جراء نكوله.
- الإجارة: وهي عقد يراد به تمليك منفعة مشروعة معلومة لمدة معلومة بعوض مشروع معلوم، وهي غالبا على نوعين:تشغيلية يتم بعد انتهائها رد العين إلى البنك، وتمليكية في نهايتها تنتقل الملكية إلى العميل عن طريق عقد هبة –مثلا- معلق على سداد جميع الأقساط، وبخصوص الصيانة اللازمة للتشغيل السليم للمعدات أو الآلات المؤجرة، فقد ذهب الفقهاء المعاصرون إلى أن ما يتطلبه ذالك من صيانة ومتابعة دورية يتحملها المستأجر باعتبارها لازمة لكمال الانتفاع لا لأصله، وعملا بالعرف في ذالك، ولأنها معلومة ومنضبطة فتعتبر كأنها جزء من الأجرة التي يلتزم بها المستأجر[18]، ويبقى الإيجار المنتهي بالتمليك عقد مركب مثير ينبغي تحويله إلى عقد بسيط مبني على البيع بأجل[19].
- المشاركة: وأسلوب المشاركة يعني قيام المصرف الإسلامي بمشاركة غيره بقصد تنمية أحواله بشروط وضوابط يتفق عليها مع ذلك الغير، ويكون الغرض من هذا العقد مشاركة بنك تشاركي في مشروع قصد تحقيق ربح، يشارك الأطراف في تحمل الخسائر في حدود مساهماتهم وفي الأرباح بنسب محددة مسبقا بينهم[20].
وتتخذ المشاركة شكل المشاركة الثابتة وبمقتضاها يبقى الأطراف شركاء إلى حين انقضاء العقد الرابط بينهم، والمشاركة المتناقصة وبمقتضاها ينسحب البنك تدريجيا من المشروع وفق بنود العقد.
- المضاربة: وهي عقد على المشاركة بين مالك المال وعامل يقوم بالاستثمار بما لديه من خبرة، ويقتسمون الأرباح ويتحمل رب المال وحده الخسائر، وهذه هي المضاربة الفقهية قبل تطويرها في إطار العمل البنكي إلى ما أصبح يعرف بالمضاربة المشتركة التي يتعدد فيها الأطراف: ملاك المال من جهة، والمضاربون من جهة ثانية، وهي محل إشكالات شرعية.
- السَّلمُ: يعرفه علماء الشافعية والحنابلة بأنه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، وعرفه المالكية بأنه “بيع يتقدمُ فيه رأس المال ويتأخرُ الُمثمَنُ لأجل”، فهو البيع الذي يتم فيه تسليم الثمن في مجلس العقد وتأجيل تسليم السلعة الموصوفة بدقة إلى وقت محدد في المستقبل.
وإذا دخل المسلم إليه في عقد سلم مستقل مع طرف ثالث على سلعة مواصفاتها مطابقة للسلعة المتعاقد على تسليمها في السلم الأول فإن هذا العقد يسمى السلم الموازي، وعقد السلم وعقد السلم الموازي يجب أن يكون كل واحد منهما مستقلا عن الآخر في جميع الحقوق والالتزامات، فإن أخل أحد الطرفين في عقد السلم الأول بالتزاماته لا يحق للطرف الآخر أن يُحيلَ ذالك الضرر إلى من عَقَدَ معه سلما موازيا، سواء بالفسخ أو تأخير التنفيذ.
- الاستصناع: عقد على مبيع في الذمة وشرط عمله على الصانع، وذالك نظير ثمن معين وقد يستصنع المصرف بعض المنتجات لنفسه ثم يتصرف فيها بيعا أو تأجيرا أو مشاركة أو قد يقوم بذلك بتوكيل من جهة أخرى،[21]فيكون مُسْتَصنِعاً، وقد يكون صانعا من خلال تلقي طلبات العملاء لتوفير سلع أو منشآت صناعية أو معمارية بمواصفات محددة، فيقوم البنك هنا بالاتفاق مع مُصَنِّعٍ لتوفير المنتجات المطلوبة فنكون أمام عقدين منفصلين عن بعضهما، فلا توجد أية علاقة قانونية أو التزامات مالية بين المشتري النهائي للسلعة وبين الصانع في عقد الاستصناع الموازي، وفي حالة وجود خلاف فإنه يُحَلُّ في إطار كل عقد على حده وفق الشروط الواردة فيه[22].
وهذا الأسلوب في تطبيق الاستصناع هو السائد في المصارف الإسلامية لملاءمته لطبيعة العمل المصرفي والمسمى بعقد الاستصناع الموازي.
وقد أردت من استعراض هذه المنتجات توضيح مسائل هي:
- هذه الصيغ تم تغييرها عن صيغتها الفقهية المعروفة لتتلاءم مع متطلبات التمويل والضمانات التي تراها البنوك ضرورية لأجل التخفيف من هامش المخاطرة. وهو ما نلاحظه في الوعد الملزم بالشراء في المرابحة، والوعد بنقل الملكية في الإجارة التمليكية والمشاركة المتناقصة، ومسألة الوعد هذه محاطة بإشكالات شرعية كبيرة، وقد خلص الفقه والقانون إلى اعتبار الوعد ملزما، لكن الإلزام لا يعني إرغام الملتزم على الشراء إنما يعني تحمله للأضرار التي قد تلحق البنك من جراء نكول العميل.
- ولضرورة التماشي مع حاجيات الزبناء ولاستغلال المنتجات الشرعية تم تغيير عقد السلم المعروف إلى سلم موازي، والاستصناع إلى استصناع موازي وهو ما أثار إشكالات من قبيل طبيعة العلاقة والتشابك بين العقد الأول بين العميل والبنك، والعقد الثاني بين البنك والمسلم أو المستصنع الموازي، وأكد العلماء على أهمية استقلال العقدين عن بعضهما وعدم توقف نفاذ أحدهما على الآخر. وبالتالي فإن أَخَلَّ أحد الطرفين في عقد السلم الأول بالتزاماته لا يحق للطرف الآخر أن يحيل ذلك الضرر إلى من عقد معه سلما موازيا، سواء بالفسخ أو تأخير التنفيذ.
- المشرع الموريتاني لم يتعرض بالتفصيل لهذه المنتجات إنما عددها في المادة 36 من القانون 036.2018 وأوكل مسألة الشروط والخصائص الفنية إلى البنك المركزي بعد أخذ الرأي بالمطابقة، بينما تعرض المشرع المغربي لتعريف هذه الصيغ وتبيين أنواعها وأشار إلى أن المواصفات الفنية لهذه المنتجات موكلة إلى منشور يصدره بنك المغرب[23].
وبشكل عام فقد أقر المشرع أنه بالإمكان الاستفادة من أي منتج في إطار الهندسة المالية التي ما فتئت تتطور بشكل واضح يجسده تحول المرابحة الفقهية المعروفة قدما إلى مرابحة للآمر بالشراء بشروط جديدة مختلفة بشكل كبير عن الصيغة المعهودة، ونفس الشيء نلاحظه في السلم والسلم والموازي والاستصناع والاستصناع الموازي، وكذا المضاربة المشتركة في الاتجاهين حيث يتعدد المضاربون كما يتعدد ملاك رأس المال.
والأمر ينطبق على كافة الصيغ وليس هذا بالأمر المنكر في الشريعة، حيث من المعروف أن الفتوى تختلف باختلاف الأعصار والأمصار، وبتطورها تتجدد الشروط الناظمة للمعاملات، وهو أمر مقبول ما لم يتجاوز مناطق الحظر المحددة بالربا والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، وإن كان الشارع يطالب بالابتعاد عن الشبهات خصوصا عندما يتعلق الأمر بشبهة الربا.
ثانيا: أحكام متفرقة:
جاء في القانون المنظم للبنوك الإسلامية في موريتانيا كما في المغرب بعض الأحكام المتفرقة أحاول هنا الوقوف عليها بإيجاز:
- الشكل الذي يتخذه البنك الإسلامي:
نصت المادة 8 قانون مؤسسات القرض على أنه يجب على مؤسسات القرض أن تأخذ شكل شركة خفية الاسم وهي المعروفة بشركة المساهمة في القانون المغربي، كما نصت ذات المادة أن يكون رأس مالها ثابت، وتأخذ أسهم البنك الإسلامي شكلا اسميا ذا قيمة محددة.
- الاعتماد:
تخضع البنوك الإسلامية للقواعد العامة للاعتماد كما أشارت إلى ذلك المادة 33 وذلك فيما لا يتعارض مع الأحكام الخاصة بهذه المؤسسات والنصوص التطبيقية التي يتخذها البنك المركزي حيث أكدت المادة 20 أنه: “يحدد البنك المركزي بواسطة نصوص تنظيمية الشروط التي تنطبق فيها أحكام هذه المادة على مؤسسات القرض التي تمارس النشاطات المشار إليها في الباب الثالث من هذا القانون”،
- حظر التعامل بالفائدة:
على غرار التشريعات الضابطة لعمل البنوك الإسلامية حظر المشرع الموريتاني التعامل بالفائدة وليس الأمر بالمستغرب فهو تأكيد لما ورد في قانون الالتزامات والعقود الموريتاني[24].
حيث جاءت المادة صريحة شاملة لجميع أعمال البنك وليست فقط تلك المُوجَّهةُ للجمهور وذلك تلافيا لما قد تنتهجه بعض البنوك من أسلمة علاقتها بالزبناء، والإبقاء على علاقتها بالوسط البنكي المحلي والدولي كما هي، فجاءت المادة لقطع الطريق أمام أي تعامل بالفائدة.
وعليه فالفائدة وهي تمظهر للربا بوصفه المحظور الشرعي الأول تعتبر محظورا شرعيا، وقد نصت على ذلك المادة 54 من قانون مؤسسات الائتمان المغربية “يجب ألا تؤدي هذه الأنشطة والعمليات المشار إليها أعلاه إلى تحصيل أو دفع فائدة أو هما معا”.
- الودائع:
نصت المادة 35 موريتانية على مسألة استقبال الودائع بجميع أنواعها بما فيها الاستثمارية، وعرف الأخيرة بأنها تلك التي يتم تلقيها من العملاء من أجل استثمارها في المشاريع حسب الصيغ المتفقة مع الشريعة
وأقف على ملاحظات:
– اختلاف الوديعة الاستثمارية من حيث الأصل عن الوديعة العادية لأن صاحبها يسلمها بدءً للبنك من أجل استثمارها لا من أجل حفظها.
– يترتب على التمييز كما هو واضح في المادة أنه على البنك استفسار الزبون وأخذ الإذن من أجل استثمار وديعته.
وهو ما يثير مسألة الضمان: لأن المبالغ المسلمة على سبيل الاستثمار غير مضمونة بينما المسلمة كوديعة عادية تكون مضمونة فيما لو استغلها البنك وخسر في استثمارها، فمسألة الضمان هي الفيصل بين النوعين
– الوديعة الاستثمارية يمكن استثمارها من خلال صيغ عدة فلم ينص القانون على صيغة واحدة من الضروري الالتزام بها، والأمر متوقف على نصوص تنظيمية بعد أخذ رأي لجنة المطابقة.
- التقيد بالآراء بالمطابقة:
لأجل احترام الآراء بالمطابقة نص القانون المنشئ لهيئة المطابقة على تقيد البنوك الإسلامية باستحداث لجان داخلية تعنى بالمطابقة مع مقتضيات الشريعة، وهي نفسها وظيفة التقيد بآراء المجلس العلمي الأعلى التي نص عليها قانون مؤسسات الائتمان[25] وأوضح المهام المنوطة بها وهي:
- التعرف على مخاطر عدم المطابقة
- ضمان تتبع وتطبيق الآراء بالمطابقة
- السهر على وضع واحترام الدليل والمساطر الواجب احترامها
ومن الواضح أن المشرع حين استحداث لجنة المالية التشاركية ارتأى أن عمل هذه اللجنة يحتاج لرقيب داخل المؤسسات المعنية ينهض بالمهام الموضحة أعلاه ويتولى مسألة رفع التقارير بالمطابقة للمجلس العلمي وللبنك المركزي، وهو التقرير التقييمي الذي أشار إليه المشرع في المادة 63 ق م إ المغربية، وهو ما أكدته المادة رقم 37 ق م ق الموريتاني.
وبالتالي فإن هذه اللجنة كما في التشريع الموريتاني أو الوظيفة كما سماها المشرع المغربي مُلزمَةُ بمراقبة أعمال المطابقة ورفع تقرير تقييمي بخصوصها، ولعل اختيار التقرير التقييمي مهم ليتم من خلاله تقييم مدى احترام البنوك لتلك الآراء.
- صندوق ضمان الودائع:
نصت المادة 130 من ق م ق الموريتانية على إنشاء صندوق ضمان الودائع والتسوية لصالح مودعي البنوك العاملة في موريتانيا، وأوجبت المادة الموالية أنه على البنوك العاملة في موريتانيا الانتساب لهذا الصندوق، ولم تستثني هذه المادة ولا المواد الواردة في هذا القانون أي فئة ولا بنك، وهو ما يعني ضرورة انتساب البنوك الإسلامية لهذا الصندوق في تأكيد على اعتماد مقاربة الاندماج والانسجام داخل الحقل المصرفي بوجهيه التقليدي والإسلامي، وعلى خلاف مع المشرع المغربي الذي خص البنوك التشاركية بصندوق موحد بالإضافة إلى صندوق آخر تجتمع فيه مختلف البنوك العاملة في المملكة، كما أوكل تسييرها لشركة مساهمة تؤسس لهذا الغرض يعهد إليها بتدبير هذا الصندوق بالإضافة إلى الصندوق المنصوص عليه في المادة 128 “يحدث صندوق جماعي لضمان الودائع لأجل حماية المودعين” وتسمى بالشركة المسيرة (م 132 ق م إ 12.103)، ولم ينص القانون الموريتاني على تفاصيل إدارة صندوق الودائع إلا ما ورد في المادة 136 من تخويل البنك المركزي بواسطة نصوص تنظيمية بتحديد إجراءات إدارته وكافة الأمور المتعلق به.
ولعل للتمييز الذي انتهجه المشرع المغربي ما يبرره في ظل الاختلاف الكبير بين ودائع البنوك التشاركية ونظيرتها في البنوك التقليدية من حيث عنصر المخاطرة الذي تقوم عليه عمليات الاستثمار الإسلامية انطلاقا من القاعدة الفقهية القائلة: “الغنم بالغنم والخراج بالضمان”، وما دامت الطبيعة تختلف فهذا يعني وجود اختلافات جوهرية كان من الوارد مراعاتها.
- الانتساب للجمعيات المهنية:
البنوك الإسلامية ملزمة بالانتساب لإحدى هذه الجمعيات حسب الفئة التي تنتمي إليها وهو ما يعني انخراط البنوك الإسلامية إلى جانب التقليدية في جمعية واحدة حسب المادة 145 ق م ق الموريتانية.
ويتم اعتماد هذه الجمعيات من البنك المركزي وتسهر على مراعاة أعضائها لأحكام القانون وتبلغ البنك المركزي بأي إخلال في هذا المجال،كما تمثل أعضاءها وتدرس التحسينات التقنية ومسائل القرض وحماية المنافسة والمستهلك وتكوين العمال، كما يمكن استفسارها من قبل البنك المركزي، ويمكنها التقاضي دفاعا عن مصالح المهنة (م 147 ق م ق الموريتانية).
وقد تم رفع الحظر عن عمل البنوك الإسلامية الذي كانت تقره المادة 20 من ق م ق قبل التعديل حيث كانت تنص على أنه يمنع على مؤسسات القرض الأنشطة الصناعية والتجارية والعقارية والخدماتية.
وقد أضاف المشرع لذات المادة أعلاه “يحدد البنك بواسطة نصوص تنظيمية الشروط التي تنطبق فيها أحكام هذه المادة على مؤسسات القرض التي تمارس النشاطات المشار إليها في الباب الثالث من هذا القانون” وهو الباب المخصص للمالية الإسلامية، وهو ما يفهم منه عدم إطلاق الحرية الكاملة للبنوك الإسلامية لمزاولة هذه الأنشطة ما يعني أنه لا مناص من انطباق هذه المادة على البنوك الإسلامية، لكن وفق شروط تحدد بنصوص لاحقة، وهو ما يفيد عدم إطلاق يد البنك الإسلامي ليمارس من النشاطات التجارية والعقارية وغيرها ما يراه مناسبا
الخاتمة:
في إطار التسمية المعتمدة مغربيا “البنوك التشاركية” وهي التسمية المعتمدة في تركيا، يبدو أن المشرع أراد التخلي عن كل ما من شأنه خلق تنافر بين النظامين التقليدي والإسلامي، نظرا لما توحي به التسمية من تنافر، وربما يريد التأكيد على أن الطابع العام الذي يطبع مجال عمل البنوك التشاركية هو التشارك بين البنك والعميل انطلاقا من القاعدة الفقهية الحاكمة للمعاملات المالية “الغنم بالغرم والخراج بالضمان”، وقد أطلق ذات التسمية على القسم المخصص للمقتضيات المتعلقة بهذه البنوك، في حين نجد المشرع الموريتاني يعتمد التسمية المعهودة “البنوك الإسلامية” ويطلق “المالية الإسلامية” على الباب الضابط لعملها، وهو ما يوحي بالتوسع في تناول باقي أقسام المالية الإسلامية، وهو ما لم تتم ترجمته في صميم هذا القانون الذي لم يتجاوز البنوك الإسلامية نحو باقي أقسام المالية الإسلامية.
وفي إطار الرقابة الشرعية لعمل البنوك الإسلامية كان الأحرى بالمشرع الموريتاني الابتعاد بهيئة المطابقة عن وصاية البنك المركزي نظرا لطابعها الشرعي، ولما في إخضاعها لسلطة محافظ البنك المركزي من منح الاختصاص لغير أهله، في حين أن هذه اللجنة نظرا لعملها الفقهي -في المقام الأول-كان الأحرى الرفع من مستواها، من أجل تحقيق الاستقلالية المطلوبة التي تجعلها بمنأى عن التبعية والتأثر بكل ما من شأنه المس من مسارها الرقابي المهم والحساس، فكان الأحرى استلهام التجربة المغربية ومنح صلاحية المطابقة لهيئة من خارج الحقل البنكي، خصوصا أن موريتانيا استحدثت مؤخرا هيئة للفتوى والمظالم، وكان من المناسب جدا منحها هذه الوظيفة خصوصا أنها تحظى بمكانة هامة وتضم في عضويتها علماء أكفاء تتحقق فيهم شروط الكفاءة المطلوبة.
وإكمالا لاستلهام التجربة المغربية كان من المناسب تخصيص صندوق لضمان الودائع خاص بالبنوك الإسلامية يراعي خصوصية هذه الودائع والضمانات في إطار المالية الإسلامية المختلفة عن المنطبقة في مجال عمل البنوك التقليدية.
وفي الختام أشير إلى أنه في إطار المقتضيات المنظمة للبنوك الإسلامية في موريتانيا والمغرب تم إسناد جل الأمور التفصيلية المتعلقة بتطبيق المقتضيات الجديدة إلى نصوص تنظيمية أو تطبيقية في القانون الموريتاني[26]، ومناشير صادرة عن والي بنك المغرب بعد أخذ رأي لجنة مؤسسات الائتمان أحيانا، ورأي لجنة المالية التشاركية في أحايين كثيرة، وهو يدل على عدم نضج هذه التشريعات لأنه في تشتيت المقتضيات بين مقتضيات تنظيمية وتطبيقية دليل على التسرع في سن مقتضيات لم ترقى بعد إلى درجة من الثبات يسمح بإدماجها في القوانين العادية، وبالتالي تركها للمقررات والمناشير التي لا تصل المكانة التي تحظى بها القوانين العادية وبالتالي يكون طابعها المرونة وإخضاعها للتغيير حسب المستجدات.
د.علي الدوه
[1][1]- فبالإضافة إلى انسجامها في صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية تلزم هذه البنوك بالانضمام للصندوق الجامع المعني بضمان الودائع البنكية والمسمى في قانون مؤسسات الائتمان بالصندوق، بينما لا وجود في التشريع الموريتاني نص على صندوق خاص بالبنوك الإسلامية ما يعني الاكتفاء بصندوق واحد تنسجم فيه كافة البنوك العاملة على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
[2]– المادة 58 من قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها” يمكن البنوك التشاركية أن تمول العملاء بواسطة المنتجات التالية على الخصوص (عددت المادة المنتجات: المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع)
[3]– المادة رقم 36 من ق م ق” يمكن للبنوك الإسلامية المعتمدة أن تمول زبناءها بواسطة كل المنتجات المطابقة لضوابط الشريعة وخاصة المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع.
[4]– تعتبر التجربة المصرفية قصيرة نسبيا، فقد كانت البلاد تابعة في نظامها المالي للبنك المركزي لدول غرب إفريقيا الذي أنشأ سنة 1952 وباشر العمل 1962 يوجد في أفريقيا اتحادين ماليين يرتبطان بعدة مصارف مركزية؛ الأول هو “البنك المركزي لدول غرب أفريقيا” (BCEAO) والثاني هو ” بنك دول وسط أفريقيا” (BEAC) تستخدم دول هذين الاتحادين الفرنك الأفريقي في التداولات القانونية.
وأول بنك ظهر على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية كان البنك الموريتاني للتنمية BMD يناير 1973 وتوالى بعد ذالك ظهور البنوك، ولم يظهر البنك المركزي إلا سنة 1973 بعد استقلال البلاد عن النظام النقدي لدول غرب إفريقيا واتخذت موريتانيا من الأوقية عملة لها وكانت عملية الاستقلال النقدي جريئة جدا ومفيدة لتكوين رأس المال القومي الفتي وحمايته وتتم معادلته على أساس سلة عملات تضم الفرنك الفرنسي والليرة الإيطالية … قديما قبل ظهور العملة الأوربية الموحدة
[5]– في إطار الفصل الثاني المخصص لهيئات الحكامة في البنك المركزي، حيث نصت المادة على «تتألف هيئات القرار في البنك المركزي من:
- المحافظ ويساعده محافظا مساعدا
- المجلس العام
- مجلس السياسة النقدية
- مجلس الاحتراز والتسوية والاستقرار المالي
للبنك المركزي كذلك لجنة للمطابقة مع ضوابط الشريعة ولجنة للتدقيق ومراقب ومدقق خارجي.
[6]– الظهير الشريف رقم 02.15.1 صادر في 28 من ربيع الأول 1436 (20 يناير 2015) بتتميم الظهير الشريف رقم 300.03.1 الصادر في 2 ربيع الأول 1425 (22 أبريل 2004) بإعادة تنظيم المجالس العلمية.
[7]– تناوله المشرع من خلال القسم الثالث وحدد من خلال 19 المهام الكبيرة المنوطة به بصفته الأعلى في البنك ويرأسه استحقاقا السيد محافظ البنك المركزي ومساعده بالإضافة لعضوين يقترحهما الوزير الأول والاثنين يقترحهما وزير الاقتصاد والمالية وعضو منتخب من طرف العمال محمي في إطار مهامه كممثل للعمال بمقتضى المواد 125 وما بعدها من مدونة الشغل (المادة 25).
[8]– وهي الشروط المنصوصة في المواد من 29 إلى 33 من القانون المنشئ للهيئة 034-2018
[9]– المادة 10 المكررة مرتين من الظهير الشريف السالف الذكر 300.30.1
[10]– تختص لجنة المطابقة مع ضوابط الشريعة بالنظر في مطابقة المنتجات والعمليات والأنشطة المصرفية والمالية مع ضوابط الشريعة الإسلامية…” عبارة والمالية التي أضافها المشرع بعد المصرفية في هذه المادة تعتبر نافذة بالإمكان أن تدخل منها كل ما قد يستحدثه البنك المركزي لاحقا من عمليات مالية من قبيل الائتمان التكافلي واستصدار الصكوك
[11]– المادة 1465 من مدونة التجارة الموريتانية تنص على أنه “يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في كل ما لم ينص عليه في هذه المدونة.
وكل غموض في النص الفرنسي يرجع في معناه إلى النص باللغة العربية.
[12]– أعتقد أن القانون المغربي نص في إحدى المواد على أن مذهب مالك هو مذهب الدولة إلا أنه ما فتئ يكرر في القانون المحدث للجنة الشرعية على المطابة مع الشريعة الإسلامية ومقاصد الشريعة (أذكر هنا الحالات التي أثبت المشرع تمسكه بالمقاصد وهل اختلف فيها عن المشرع الموريتاني)
[13]– المادة 311 “يرجع في تفسير مدلولات هذه المدونة عند الإشكال إلى مشهور مذهب مالك”.
كل ما لم ينص عليه في هذه المدونة يرجع فيه إلى مشهور مذهب مالك.
[14]– وأستعرض هنا المواد من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني وهي ثلاث مواضع وردت في ثلاث مواد على النحو التالي:
المادة 455 كل ما لم ينص عليه في هذا الفصل يرجع فيه إلى المذهب المالكي.
المادة 472 يرجع في تغليظ اليمين بالزمان والمكان والهيئة إلى ما هو مقرر بالمذهب المالكي.
المادة 1179 يرجع إلى مذهب مالك في كل ما لم ينص عليه في هذا الأمر القانوني.
وكل غموض في النص الفرنسي يرجع في معناه إلى النص باللغة العربية.
[15]– في فقرتها الأخيرة أكدت المادة 37 من القانون 034-2018 ” تبدي لجنة المطابقة مع ضوابط الشريعة رأيها بناء على طلب من إحدى هيئات القرار في البنك المركزي.
[16]– المادة 10 المكررة ثلاث مرات: تحال إلى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية طلبات إبداء الرأي في الأنشطة والعمليات المشار إليها في المادة الثالثة أعلاه عن طريق:
– بنك المغرب بالنسبة لطلبات إبداء الرأي المقدمة من قبل مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
– هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي…
– الهيئة المغربية لسوق الرساميل…
[17]– المادة 37 من قانون مؤسسات القرض “يجب على البنوك الإسلامية والمؤسسات الأخرى المعتمدة أن ترفع إلى البنك المركزي…تقارير تقييمية حول مطابقة عملياتها وأنشطتها لآراء لجنة المطابقة مع ضوابط الشريعة.
المادة 63 من قانون مؤسسات الائتمان المغربي ” ترفع البنوك التشاركية إلى المجلس الأعلى المشار إليه في المادة 62 أعلاه عند نهاية كل سنة محاسبية تقريرا تقييميا حول مطابقة عملياتها وأنشطتها للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى السالف الذكر.
[18]– فتاوى دار البركة 1/20
[19]– عبد السلام بلاجي، إعادة هيكلة وتمويل منتجات الصيرفة الإسلامية، المؤتمر العالمي الحادي عشر لعلماء الشريعة في المالية الإسلامية، ص16
[20]– المادة 58 من القانون رقم 12-103 قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
[21] – هذا الأسلوب يمكن أن يحقق ما يلي:
- قيام المصرف بوظيفتين تمويلية وتجارية من خلال تمويله للمنتجين بشراء منتجاتهم مسبقا
- توفير السيولة النقدية للمنشآت الصناعية بدل اللجوء إلى القروض الربوية
- استثمار موارد المصرف وتحقيق أرباح من وراء ذالك
[22] – شوقي أحمد دنيا – الجعالة والاستصناع تحليل فقهي واقتصادي – ط2، جدة البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب -1998 – ص45
[23]– المادة 58 من قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها المغربي.
[24]– نص في قانون الالتزامات والعقود في ستة مواضع على منع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى الربا، وبصيغة السلامة من الربا أحيانا.
[25]– المادة 34 من قانون مؤسسات القرض الموريتاني، وتقابلها المادة 64 من قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها المغربية.
[26]– نجد كل المواد في الفصل الثاني والثالث مختومة بفقرة: ” يحدد البنك المركزي…بواسطة نصوص تنظيمية بعد رأي لجنة المطابقة: وهي العبارة التي تكررت 8 مرات في الباب الثالث المكون من 9 مواد تتضمن المقتضيات المتعلقة بالمالية الإسلامية.
وهو الأمر الملاحظ في قانون مؤسسات الائتمان الذي طالما نص على عبارة من قبيل” تحدد شروط وكيفيات … بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان والرأي بالمطابقة الصادر عن المجلس العلمي الأعلى” المادة 69.