في الواجهةمقالات قانونية

دور المسطرة التواجهية في حماية الملزم بالضريبة في حالة الفرض الضريبي، تعليق على قرار قضائي عدد 531 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 11 يوليوز2015.

محمد البوسقساقي

طالب باحث في ماستر قانون الأعمال

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان.

 

دور المسطرة التواجهية في حماية الملزم بالضريبة في حالة الفرض الضريبي، تعليق على قرار قضائي عدد 531 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 11 يوليوز2015.

مقدمة:

تُشير الوقائع المُدرجة في نص القرار عدد 531 الصادر بتاريخ 11 يونيو 2015 ( 1 )، إلى أن ( … )، تقدم بمقال افتتاحي أمام المحكمة الإدارية بالرباط، عرض فيه أنه توصل بإشعار ضريبي يطالبه بأداء ضريبة تكميلية عن الأرباح العقارية يحمل مبلغ 146681، وأن إدارة الضرائب لم تتقيد بمسطرة المراجعة وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب ( 2 )، والتمس الطالب بإلغاء الضريبة موضوع النزاع، وبعد إتمام الإجراءات المسطرية، قضى حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط برفض الطلب، مما أدى بالمدعي إلى استئنافه أمام محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، والتي بدورها أيدت الحكم الابتدائي المستأنف عبر قراراها الذي سيُطعن فيه بالنقض من طرف المدعي أمام محكمة النقض، لتصدر محكمة النقض قراراها المومأ إليه أعلاه والذي من خلاله نقضت قراراها المطعون فيه، إذ ضُمن في متن قرارها تعليلا لا يتريه لا لبس ولا ضبابية، حيث ورد في القرار أن ، ” صحة مسطرة الفرض الضريبي تقتضي تبليغ رسالة التصحيح الأولى إلى الملزم داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب باعتباره إجراء شكليا جوهريا لا يمكن تجاوزه بمجرد الجواب على الرسالة المذكورة، سيما وأن جواب الملزم عن تلك الرسالة يضمن تمسكه بتبليغها له خارج الأجل “، مما يحيل أن محكمة النقض في تعليلها هذا قد نهجت التوجه القائل  بضرورة احترام المسطرة التواجهية بكل ما تنطوي عليه هذه الأخيرة من إجراءات وآجال، وخاصة في حالة الفرض الضريبي، ويدخل عدم احترام الإدارة الضريبية لهذه الإجراءات والآجال في خانة الأخطاء المسطرية التي تقع فيها الإدارة الضريبية، ويستدعي نقاش هذا القرار التعرف بداية على دواعي لجوء الإدارة الضريبية إلى سلوك مسطرة الفرض الضريبي ( الفقرة الأولى )، لنُعرج بعدها إلى نقاش دور المسطرة التواجهية في حماية الملزم ( الفقرة الثانية ).

 

الفقرة الأولى: دواعي لجوء الإدارة الضريبية إلى سلوك مسطرة الفرض الضريبي

 

تعتمد الدول الحديثة على الضرائب كمورد أول لتغطية نفقاتها المختلفة، وعلى هذا الأساس عملت مختلف التشريعات المقارنة على وضع مجموعة من القوانين المتعلقة بالضريبة حتى يتم تسهيل عملية فرض الضريبة وتحصيلها، وكذلك فعل المشرع المغربي إسوة بالتشريعات المقارنة، حيث قام بدسترة مبدأ الإلزام الضريبي، قضمنه في الفصل 39 من الدستور ( 3 ) الذي ينص على ما يلي: ” على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور “، وقد تراجع المغربي في سنة 1983 عن النمط الضريبي الذي كان يتيح للإدارة وحدها ودون غيرها تحديد قيمة الضريبة التي على الملزمين دفعها، ليُعوضه بمبدأ التصريح التلقائي أو الإقرار الضريبي من طرف الملزم بالضريبة، فهو الأصل منذ ذلك الوقت، وغيره استثناءات، إذ أن الملزم الضريبة، فد لا يقدم التصريح للإدارة الضريبية، أو قد يقدمه خارج الأجل أو ناقصا، ولئن الإدارة الضريبية وبموجب قوانين الضريبة ملزمة باستخلاص الضرائب، فإن المشرع المغربي قد منح لها حالات معينة يمكن من خلالها للإدارة أن تسلك الفرض الضريبي ( ثانيا )، لكن قبل ذلك من اللازم التطرق إلى التصريح أو الإقرار الضريبي ( أولا ).

 

أولا: التصريح أو الإقرار الضريبي

 

يعد التصريح أو الإقرار الضريبي هو الأصل في مجال الضريبة بعد أن استغنى المشرع الضريبي المغربي عن النمط التقليدي، الذي كانت فيه الإدارة الضريبية هي المختصة وحدها دون غيرها بتقدير قيمة الضريبة التي على الملزمين دفعها للإدارة الضريبة، وذلك بناء على معطيات معينة تتيح للإدارة الضريبية تقدير قيمة الضريبة، ويعد التصريح الضريبي من الاليات المهمة التي تفضي إلى تخليق العلاقة بين الإدارة الضريبية والملزم بالضريبة، وذلك عبر إتاحة الفرصة للملزم بالضريبة للتصريح والإقرار بوجود المادة الضريبية، وبالتالي إتاحة الفرصة للإدارة الضريبية قصد تحديد قيمة الضريبة وفق ما هو منصوص عليه قانونا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن التصريح أو الإقرار الضريبي الذي يبادر له الملزم، غالبا ما ينتهي دون نزاع، كون أن ما أقره الملزم في تصريحه هو ما تأخذ به الإدارة في حالة أن كان صحيحا، وخاليا من كل ما قد يحرفه عن جدة الصواب.

 

يلزم القانون الضريبي المكلف بتقديم إقرار عن وعائه وذلك بشكل تلقائي داخل الأجل القانوني ، فالأصل أن يحمل الخاضع للضريبة أساس الدين المستحق للخزينة من خلال الإقرار بالواقعة المنشئة للضريبة ( 4 )، وقد نأى المشرع المغربي بنفسه عن تعريف التصريح أو الإقرار الضريبي، وللإشارة نجد أن المشرع المغربي في نصوصه القانونية المتعلقة بالضريبة يستعمل مصطلح الإقرار، فيما مصطلح التصريح فهو من استعمال الفقه، وعلى العموم فإن التصريح الضريبي أو الإقرار الضريبي يؤول إلى كل ما يقدمه الملزم للإدارة الضريبية من معلومات وبيانات تفيد عناصر المادة الضريبية، بالشكل الذي يتيح للإدارة الضريبية تقدير قيمة الضريبة بكيفية دقيقة.

ولما كان الهدف من التصريح، هو إقرار الملزم بما تحقق له من الدخل، وأرقام أعمال خاضعين للضريبة، بقصد إفادة الإدارة ببيانات متنوعة، وتقديمها داخل أجل معين، فإن غياب التصريح يحول دون تمكين الإدارة من ربط الضريبة فب الوقت المناسب، سواء لم يقدم الملزم تصريحه بتاتا، أو قدمه لكن دون احترام الشروط الواجب توفرها فيه ( 5 ) ولاعتبار الإقرار الضريبي العمل الأول والأساسي في مسلسل ربط الضريبة، فقد رتبت التشريعات الضريبية على خرق هذا الالتزام العديد من الجزاءات، من قبيل جزاء تطبيق مسطرة الفرض التلقائي للضريبة التي تستهدف بالأساس الخاضعين للضريبة، الخواص أو المقاولات ـ الذين يمتنعون عن الإدلاء بمختلف التصريحات اللازمة لأداء الضريبة في الوقت المحدد ( 6 ).

وبالرجوع إلى المواد المنظمة للإقرار الضريبي، في المدونة العامة للضرائب، سنجد أن المشرع المغربي قد أحاط الإقرار الضريبي بمجموعة من الضوابط التي لا يمكن القفز عنها أو تجاوزها، وفي الحالة التي لا تُراعى فيها هذه الضوابط عند تقديم الإقرار الضريبي، يتم سلوك مسطرة الفرض التلقائي باعتبارها جزاء عن عدم احترام الضوابط التي أقرتها المدونة العامة للضرائب.

ثانيا: حالات اللجوء إلى الفرض التلقائي للضريبة

إذا كان الإقرار أو التصريح الضريبي هو الأصل، فإن الاستثناء الذي يأتي في صورة جزاء في حالة عدم الأخذ بالأصل، يتمثل في الفرض الضريبي، كألية خولها المشرع الضريبي للإدارة الضريبية، بقصد تطبيق المقتضيات الضريبية على الملزم بالضريبة بعد أن أخل بما توجبه المدونة العامة للضرائب من التزامات، لتتشكل لدينا حالات تعمد فيها الإدارة وبإيعاز من القانون، فرض الضريبة على الملزم بها، وقد نصت المدونة العامة للضرائب في المادة 228 و 229 و 230 على التوالي، على مجموعة  من الحالات نوردها كالتالي ( 7 ):

1 ــ الحالات المُضمنة في المادة 228 من المدونة العامة للضرائب: باستقرائنا للمادة 228 نجد بين ثناياها ثلاث حالات تتيح للإدارة الضريبية فرض الضريبة على الملزم، ويقف إعمالها من طرف الإدارة الضريبية على ضرورة غياب الإقرار أو التصريح ( 8 )، وهي حالات ثلاث نوردها كالاتي:

ــ عدم تقديم الإقرار الضريبي: يتخذ عدم تقديم الإقرار أو التصريح الضريبي، صورتين، الأولى تتمثل في عدم مبالاة الملزم بالضريبة بتقديم الإقرار أو التصريح الضريبي بشكل نهائي، رغم ما أن وضعيته الضريبية تستدعي ذلكـ جراء مجموعة من الوقائع المنشئة للضرائب والمرتبطة بالملزم، فيما الصورة الثانية من عدم تقديم الإقرار تنصرف إلى عدم احترام الملزم للآجال الضابطة لتقديم الإقرار أو التصريح الضريبي و المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، كما هو الحال مع المادة 20 التي تنص على: ” يجب على الشركات سواء أكانت خاضعة للضريبة على الشركات أو معفاة منه، باستثناء الشركات غير المقيمة، أن توجه إلى مفتش الضرائب التابع له مقر الشركة الاجتماعي أو مؤسستها الرئيسية بالمغرب، إقرار بحصيلتها الخاضعة للضريبة محررا أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة وذلك خلال ثلاثة أشهر الموالية لتاريخ اختتام كل سنة محاسبية “، والنص كان واضحا في تحديد الآجال، وكل إقرار قُدم خارج الآجال المحددة قانونا ( 9 )، ينزل منزلة العدم، وتبعا تمكين لإدارة الضريبية من ممارسة الفرض الضريبي.

ــ تقديم إقرار غير تام: اعتبرت المادة 228 من المدونة العامة للضرائب، أن تقديم إقرار غير تام أو عقد لا يتضمن العناصر اللازمة لتحديد وعاء الضريبة أو تحصيلها أو تصفية الواجبات، يجيز للإدارة فرض الضريبة بصورة تلقائية، ولا سيما أن التصريح الناقص في نظر القانون يوازي انعدامه ( 10 ).

ــ حالة عدم دفع المبالغ المحجوزة من المنبع: يعني حجز الضريبة في المنبع، قيام المؤسسة الدافعة للمبلغ المستحق عليه الضريبة، بعدة مهام هي في الأصل من اختصاص إدارة الضرائب، أهمها تصفية مبلغ الضريبة قبل حجزه، و تعني تصفية مبلغ الضريبة أولا، من خلال تحديد الأساس الخاضع للضريبة، بعد خصم المبالغ المعفية بحكم القانون، ليبقى صافي الدخل أو رقم الأعمال المراد تضريبه، وثانيا تطبيق السعر المعمول به على الأساس الضريبي، ففي حالة علاقة الأجير بالمشغل في المقاولة، فإن المشغل يكون ملزما باقتطاع الضريبية عن الأجر، قبل أن يسلم الأجرة الصافية للأجير، وذلك عبر دفع المبالغ المقتطعة لمفتش الإدارة الضريبية التي تقع في دائرتها المقاولة التي يديرها المشغل، وفي حالة تقاعسه عن القيام بهذا الالتزام المفروض قانونا، تقوم الإدارة الضريبية بفرض الضريبية بكيفية تلقائيةّ ( 11 ).

2 ــ الحالات المنصوص عليها في كل من المادة 229 و 230 من المدونة العامة للضرائب:  فمن خلال هاتين المادتين يتضح أن المشرع قد منح للإدارة الضريبية حالات أخرى للفرض الضريبي، ويتعلق الأمر بالفرض التلقائي للضريبة بعد إجراء المراقبة، فكما هو مُدرج بنص القانون، فإن للإدارة الضريبية حق المراقبة من خلال تفحص الوثائق المحاسبية التي على الملزم بالضريبة تقديمها إلى إليها، الشيء الذي يتيح  للإدارة الضريبية فرض الضريبة بصورة تلقائية، في حالة معينة ، كعدم تقديم الوثائق المحاسبية ورفض الخضوع للمراقبة، إضافة إلى حالة اكتشاف الإدارة الضريبية لوجود إخلالات في المحاسبة، وحالة مخالفة حق الاطلاع ( 12 ).

الفقرة الثانية: دور المسطرة التواجهية في حماية الملزم

يوحي كنه القرار موضوع التعليق أن الإدارة الضريبية لم تحترم إجراء من إجراءات المسطرة التواجهية التي أقرها القانون في المدونة العامة للضرائب، حيث أن الفرض الضريبي له مسطرة معينة، ألزم المشرع بها الإدارة الضريبية، إذ يؤدي عدم التزام إدارة الضرائب بهذه المسطرة، وبما تتضمنه من إجراءات، إلى بطلان الفرض التلقائي للضريبة ، وبذلك تُحقق الإجراءات المضمنة في المسطرة التواجهية فعاليتها في حماية الملزم بالضريبية، فالغرفة الإدارية لدى محكمة النقض من خلال القرار المومأ إليه أعلاه، لم تتوانى عن التأكيد على أحقية الملزم بالضريبة في تمسكه بالخطأ الذي وقعت فيه الإدارة الضريبية والمتمثل في تبليغ رسالة التصحيح الأولى للملزم خارج الآجال القانونية المحددة لذلك، وعليه فتصحيح أساس الضريبية وما يتخللها من إجراءات، هدفها الأول والأخير هو حماية الملزم بالضريبة، الشيء الذي يستدعي دراسة فعالية هذه المسطرة في حماية الملزم من خلال الإجراءات الواجب اتباعها من طرف الإدارة الضريبية، أثناء مسطرة الفرض الضريبي، والتي سيتم استعراضها كالتالي:

أولا: رسالة التبليغ الأولى

يجب على الإدارة الضريبية أن تبلغ الخاضع للضريبة، وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 التي تتضمن كيفية التبليغ بشكل عام، إذ يجب أن يتم التبليغ في العنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها لدى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه، إما برسالة مضمونة مع الإشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، أو أعوان كتاب الضبط أو المفوضين القضائيين أو بالطرق الإدارية، مع ضرورة تسليم الوثيقة المراد تبليغها في ظرف مغلق، كما يثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين بمطبوع تقدمه الإدارة وتسلم نسخة من هذه الشهادة للمعني بالأمر ( 13 )، وفي حالة لم يوقع الذي تسلم التبليغ الشهادة يشار فيها إلى ذلك، وفي حالة تعذر تسليم التبليغ وجبت الإشارة إلى ذلك في الشهادة التي يوقعها العون ( 14 ).

وعلى الرسالة التبليغية الاولى أن تضم التي يوجهها المفتش إلى الخاضع للضريبة أسباب التصحيح المزمع القيام بها وطبيعة وتفاصيل مبلغه في ما يخص الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل أو القيمة المضافة، وإذا تعلق الأمر برسوم تسجيل، ــ وهي بطبيعة الحال على خلاف باقي الضرائب والرسوم المشار إليها سلفا تُراجع من خلال الأثمان أو التصاريح التقديرية المعبر عنها في العقود والاتفاقات، كما على المفتش أن يضمن الرسالة الأساس الجديد الواجب اعتماده كوعاء لتصفية هذه الواجبات وكذا مبلغ الواجبات التكميلية الناتجة عن الأساس المذكور، ويدعوهم بالإدلاء بملاحظاتهم داخل أجل 30 يوما الموالية لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الأولى ( 15 )، كما يجب أن تشير إلى طبيعة التصحيحات التي قامت بها الإدارة الجبائية بحيث أنه في حالة تعدد التصحيحات نتيجة تعدد الضرائب التي انصبت عليها أو في حالة تعدد السنوات التي لحقها التصحيح ولو تعلق الأمر بضريبة واحدة، فإن على الإدارة الضريبية أن تشير بتفصيل في الرسالة إلى كل تصحيح على حدة، وذلك بتحديد نوع الضريبة والسنة المتعلقة بها ( 16 ).

أما فيما يخص الآجال، فإن المادة 224 من المدونة العامة للضرائب، جعلت الإدارة الضريبية ملزمة بتوجيه الرسالة التبليغية الأولى في اجال 90 يوما، وهو ما خرقته الإدارة الضريبية في النازلة التي صُدر فيها القرار القضائي الصادر موضوع التعليق إذا ورد فيه أن :”… تمسك الطالب في مقاله الاستئنافي بأنه بُلغ بالرسالة التصحيحية الأولى خارج الأجل القانوني المحدد في 90 يوما انطلاقا من تاريخ إيداع إقراراه بتاريخ 30 أكتوبر 2009 وتوصله برسالة التبليغ الأولى  بتاريخ 16 فبراير2010…”، مما يفيد أن الإدارة الضريبية قد تجاوزت الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب، فمحكمة النقض من خلال قرارها، أكدت أن مسطرة الفرض الضريبي لا يمكن أن تصح إلا في الحالة التي تلتزم بها الإدارة الضريبية بالآجال المقررة لسلوك مسطرة الفصل الضريبي، وهذا ما أكده مضمون القرار بشكل واضح حين جاء فيه ” .. في حين أنه للقول بصحة مسطرة الفرض الضريبي يتعين التحقق من تبليغ رسالة التصحيح الأولى إلى الملزم داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 224 من المدونة العامة للضرائب باعتباره إجراء شكليا جوهريا لا يمكن تجاوزه بمجرد الجواب على الرسالة المذكورة سيما وأن جواب الطالب عن تلك الرسالة تضمن تمسكه بتبليغها له خارج الأجل وهو ما لم يراعيه القرار المطعون فيه ..”.

إن ما يمكن أن يُتلقف من مضامين القرار المشار إليه،  أن عدم احترام الإدارة الضريبية في شخص مفتش الضرائب الآجال المحددة لتبليغ الخاضع للضريبة بالرسالة التصحيحية الأولى، هو خروج عن مقتضيات المسطرة التواجهية التي على الإدارة أن تحترم جميع الإجراءات المتعلقة بها، إذ يترتب على هدم احترام تلك الإجراءات نزول مسطرة الفرض الضريبي المتعلق بالتصحيح منزلة العدم، ليُصبح الفرض الضريبي المشوب بعيب مسطري، غير ذي جدوى حتى لو أجاب الملزم بالضريبة على رسالة التبليغ الأولى، فحيثيات القرار الصادر عن محكمة النقض جاءت لتبين شروط صحة مسطرة الفرض الضريبي التي  على الإدارة الضريبية الإجراءات المتعلقة بها، مع التزام الإدارة الضريبية بالآجال المخصصة لكل إجراء، كما هو الحال لأجال 90 يوما المخصصة لرسالة التبليغ الأولى.

ثانيا ــ رد الملزم على الرسالة التبليغية الأولى

حددت المادة 220 من المدونة العامة الضرائب اجال 30 يوما لرد الملزم على الرسالة التبليغية الأولى، وهنا نكون أمام احتمالين، احتمال أول يتمثل في إجابة الملزم بالضريبة، مع إمكانية تضمين جوابه هذا إما بقبوله الجزئي أو الكلي أو ملاحظاته على الأسس التي تم تبليغه بها، وذلك إما في رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل يوجهها إلى مفتش الضرائب أو رسالة يودعها لدى مصلحة الضرائب. وذبك في العنوان المبيت في الرسالة الأولى، وذلك انضباط للآجال المحدد.

فيما الاحتمال الثاني، فيتمثل في حالة هدم جواب الخاضع للضريبة داخل الاجل المحدد على الرسالة الأولى، وفي هذه الحالة وجب على الإدارة الجبائية استنادا إلى مقتضيات المادة 228 من المدونة العامة للضرائب، أن تخبر الخاضع للضريبة وفق إجراءات التبليغ المعمول بها في القوانين الجبائية، بالأسس التي قدرتها والتي على أساسها ستفرض عليه الضريبة بصورة تلقائية، في حالة لم يقم بإيداع أو تتميم إقراراه أو عقده. أو دفع المبالغ التي حجزها من الخزينة، دخل الاجل المحدد لذلك، والمتمثل في 30 يوما ( 17 ).

ثالثا ــ الرسالة التبليغية الثانية

إذا ما اعتبر المفتش لأن الملاحظات المدلى بها  من قبل الخاضع للضريبة لا تستند جميعها أو بعضها على أي أساس صحيح، وجب عليه أن يقوم، دخل حيز زمني محدد في 60 يوما من تاريخ تسلم جواب الخاضع للضريبة، بتبليغه أسياي رفضه الجزئي أو الكلي وكذا بأسس فرض الضريبة والواجبات والرسوم التي يرى أنه من الواجب اعتمادها، وعليه أن يخبر المفتش أن هذه الأسس ستصبح نهائية إن لم يقدم طعنا بشأنها أمام اللجن المحلية لتقدير الضريبة داحل أجل 30 يوما الموالية لتسلم رسالة التبليغ الثانية، وفي حالة عدم جواب المفتش على الملزم داخل أجل 60 يوما تعتبر مسطرة التصحيح لا غية ( 18 )، وقد صدر حكم ( 19 )عن المحكمة الإدارية بالرباط، ضم ما يلي: ” تبليغ الرسالة الثانية لا يمكن أن يكون صحيحا إلا إذا تضمنت الأسس التي تنوي الإدارة الضريبية اعتمادها، وأن عدم تضمين الرسالة لهذه المعطيات القانونية يجعل مسطرة الفرض التلقائي غير سليمة، تستوي في ذلك من حيث الاثار القانونية مع عدم القيام بها أصلا “.

والملاحظ في هذا الصدد أن المشرع المغربي قد اعتمد على الازدواجية في الآجال، حيث حدد أجل 30 يوما لإجابة الملزم على الرسالة التبليغية الأولى، فيما حدد أجل 60 يوما للإدارة الضريبية من أجل تبليغ الملزم الرسالة التبليغية الثانية، ويرجع البعض ( 20 ) منح الإدارة أجل مضاعف لما هو ممنوح للملزم، إلى كثرة الملفات التي تعالجها الإدارة والتي تتطلب من موظفيها المكلفين بالتحقيق وقتا كافيا قصد إعداد الأجوبة المناسبة لكل ملف.

رابعا ــ رد الملزم بالضريبة على الرسالة التبليغية الثانية

يتم إخضاع المقبولة كليا أو جزئيا من لدن الخاضع للضريبة وكذلك تلك التي لم يدلى بشأنها بأي ملاحظة فوريا للضريبة، بينما تأخذ المسطرة مجراها بالنسبة لتصحيحات المقدم فيها طعن من لدن الخاضع للضريبة أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة ( 21 )، ليكون بعد ذلك الطريق ممهدا أمام الملزم للطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، والتي تعتبر مرحلة وسط بين المسطرة التواجهية والطعن القضائي، وتبتدئ هذه المرحلة بطلب الملزم إحالة الملف على اللجنة المحلية لتقدير الضريبة، وهو الطلب الذي يجب أن يعبر عنه صراحة في رده على رسالة التصحيح الثانية ( 22 ).

يتضح من خلال كل ما سلف أن المسطرة التواجهية تحتل أهمية كبرى في النزاعات الضريبية الناشئة بين كل من الملزم بالضريبة والإدارة الضريبية، إذ أن المدونة العامة للضرائب، قد حددت في المواد 219 و 220 و 221 منها، المسطرة بشكل دقيق، حيث أن أي إخلال بها من طرف الإدارة الضريبية، يؤدي إلى اعتبار تصحيح الأسس الضريبي الذي تقوم به الإدارة الضريبية لاغيا كأن لم يكن، وهذا ما أكدته محكمة النقض في قراراتها ( 23 ) المتضمن لما يلي: ” تتوقف مسطرة الفرض التلقائي للضريبة على احترام إدارة الضرائب لمسطرة أولية، عبر مراسلة الملزم بالتصريح بإشعار أولي مضمون الوصول من أجل دعوته إلى الإدلاء بإقراره، ولا يمكن توجيه الإشعار الثاني بالتذكير إلا بهد استنفاذ أجل شعر على الأقل، وإن عدم احترام الإرادة هذا الإجراء يشكل خرقا لحقوق الدفاع وإخلال بمبدأ التواجهية الذي يعتبر من صميم النظام العام “.

 

 

خاتمة:

يتضح من خلال ما تتضمنه المسطرة التواجهية من إجراءات على الإدارة الضريبية سلوكها أثناء الفرض الضريبي،  الدور الكبير الذي تضطلع به هذه المسطرة في حماية الملزم بالضريبة، إذ أن الإدارة الضريبية وإن توفرت لديها موجبات إعمال الفرض الضريبي، فإن هذا الإعمال خاضع لمسطرة معينة على الإدارة الضريبية سلوكها بشكل دقيق، مع التزامها بالآجال المنصوص عليها، وفي الحالة التي تقع فيها الإدارة الضريبية في خطأ مسطري معين كما هو الحال في فوات اجال رسالة التبليغ الأولى المنصوص عليه في المادة 224 والمحدد في 90 يوما، فإن ذلك يُرتب بطلان مسطرة الفرض الضريبي، كون أن الإدارة لم تحترم شروط إعمال مسطرة الفرض الضريبي، وهذا ما أكده القرار الفضائي المشار إليه أعلاه، فالعبرة ليست في توفر دواعي إعمال الفرض الضريبي، حتى يتم التسليم بصحة الفرض، بل العبرة تنصرف إلى ضرورة سلوك الإدارة الضريبية لمسطرة الفرض الضريبي المعروفة بالمسطرة التواجهية.

ولعل تسمية مسطرة الفرض الضريبي بالمسطرة التواجهية، له دلالة خاصة فيما يخص إشراك الملزم بالضريبة في عملية تصحيح أسس الضريبة، فالإجراءات المضمنة في المسطرة التواجهية من رسالة تبليغ ورد الملزم، ورسالة تبليغ ثانية ورد الملزم على الرسالة، يؤول جميعه من حيث القصد إلى إعلام الملزم بالتصحيحات الضريبية المزمع القيام بها من طرف الإدارة الضريبية، ليبدي الملزم موقفه من هذه التصحيحات التي تريد الإدارة الضريبية الإقدام عليها من جهة، ومن جهة ثانية إتاحة الفرصة له، لاتخاذ الإجراءات المخولة له قانونا في هذا الصدد.

 

 

الإحالات:

( 1 ) القرار عدد 574 الصادر هم محكمة النقض بتاريخ 02 يوليوز 2015 في الملف الإداري عدد 1164/4/2/2015/ منشور في مجلة  قضاء محكمة النقض عدد 80، ص 348 وما بعدها.

( 2 ) المدونة العامة للضرائب، المحدثة بموجب المادة 5 من قانون المالية رقم 43.06 للسنة المالية 2007 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.06.232 بتاريخ 10 ذي الحجة 1427 ( 31 ديسمبر 2006 )، منشور في الجريدة الرسمية عدد 5487، 11 ذو الحجة 1427 ( فاتح يناير 2007 )، ص 7، وما بعدها

( 3 ) ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 ( 29 يوليوز 2011 ) بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432 ( 30 يوليوز 2011 )، ص 3600.

( 4 ) سفيان ادريوش ، رشيدة الصابري ، تصحيح الأساس الضريبي ، مطبعة دار القلم ، الطبعة الأولى 2002 ص 13.

( 5 ) خالد عبد الغني، المسطرة في القانون الضريبي، دار النشر المغربية ، 2002  للنشر والتوزيع والطباعة، الطبعة الأولى 2003 ص 186.

( 6 ) سفيان صابر: خصوصيات الإلزام الضريبي ” مسطرة الفرض التلقائي نموذجا ” مقال منشور في مجلة القانون المغربي، العدد 38، ص 45.

( 7 ) ولكون أن الفرض الضريبي ليس موضوعا لهذا المقال، فإننا لن نورد نقاش حالات الفرض الضريبي بإسهاب، وتفحص، بل سنوردهما بشكل مختصر، متوخين من هذا الإيراد إفهاما متناسقا وإن كنا لا نجزم بصوابه، وهادفين في كل هذا إلى جعل النص منسجما متناسقا، بعيدا عن البتر والحصر وإن كنا لا نقول بتحققه.

( 8 ) سفيان صابر: خصوصيات الإلزام الضريبي ” مسطرة الفرض التلقائي نموذجا ” مقال سابق، ص 44 وما بعدها.

( 9 ) تجنبا للإسهاب والاطالة، و قصد الايضاح لا غير، أشرنا إلى مثال واحد في حالة تقديم الإقرار أو التصريح خارج الآجال، مع العلم أن المادة 228 من المدونة العامة للضرائب تحيل على مجموعة من المواد الأخرى المُضمنة في ذات المدونة، والتي تُعتبر الضابط القانوني لأجال التصريح، على اعتبار على أن كل وضعية ضريبية إلا ولها اجالها الخاصة.

( 10 ) سفيان صابر: خصوصيات الإلزام الضريبي ” مسطرة الفرض التلقائي نموذجا ” مقال سابق، ص 48.

( 11 ) سفيان صابر: نفس المرجع، ص 50.

( 12 ) سفيان صابر: نفس المرجع، ص 51 وما بعدها.

( 13 ) وفق المادة 219 من المدونة العامة للضرائب على شهادة التسليم أن تضم البيانات التالية:

ــ اسم العون المبلغ؛

ــ تاريخ التبليغ؛

ــ الشخص المسلمة إليه الوثيقة وتوقيعه

( 14 ) المادة 219 من المدونة العامة للضرائب، وتعتبر هذه المادة بمثابة الإطار العام للتبليغ في المادة الضريبية.

( 15 ) المصطفى النوري، المسطرة التواجهية في القضايا الضريبية، مقال منشور في مجلة محكمة النقض عدد 80، ص 500.

( 16 ) نبيلة العريف، اللجان المحلية لتقدير الضريبة ــ دراسة وتقييم ــ رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، ماستر القانون والعلوم الإدارية للتنمية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ طنجة ـ جامعة عبد الملك السعدي ، تطوان، السنة الجامعية 2014/2015 ص 36.

( 17 ) سفيان صابر: خصوصيات الإلزام الضريبي ” مسطرة الفرض التلقائي نموذجا ” مقال سابق، ص 58.

( 18 ) منشور المديرية العامة للضرائب، الموسوم بعنوان، ” ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية ” طبعة 2014، ص 13.

( 19 ) حكم عدد 70 الصادر بتاريخ 14 يناير 2009 في الملف رقم 66/07، أشار إليه سفيان صابر في مقاله ص 59.

( 20 ) المصطفى النوري، المسطرة التواجهية في القضايا الضريبية، مقال سابق، ص 500.

( 21 ) منشور المديرية العامة للضرائب، الموسوم بعنوان، ” ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية “، مرجع سابق، ص 13.

( 22 ) رضى التايدي، دراسة في بعض جوانب مسطرة التصحيح الضريبي على ضوء مستجدات قانون المالية لسنة 2011، مساهمة في الندوة الوطنية حول موضوع الإشكاليات القانونية والعملية في المجال الضريبي، دفاتر المجلس الأعلى، العدد 16، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2011 ص 172.

( 23 ) القرار عدد 252 الصادر بتاريخ 10 ماي 2012، في الملف الإداري عدد، 865/4/2/2001، منشور في سلسلة قرارات محكمة النقض، السلسة رقم 3 ــ الجزء 12 ــ الغرفة الإدارية، مطبعة ومكتبة الأمنية ــ الرباط تاريخ الإصدار، 2013 ص 51.

 

 

المراجع:

 

الكتب:

 

خالد عبد الغني، المسطرة في القانون الضريبي، دار النشر المغربية، 2002  للنشر والتوزيع والطباعة، الطبعة الأولى 2003.

 

سفيان ادريوش، رشيدة الصابري، تصحيح الأساس الضريبي ، مطبعة دار القلم، الطبعة الأولى 2002.

 

الرسائل:

نبيلة العريف، اللجان المحلية لتقدير الضريبة ــ دراسة وتقييم ــ رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، ماستر القانون والعلوم الإدارية للتنمية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ـ طنجة ـ جامعة عبد الملك السعدي ، تطوان، السنة الجامعية 2014/2015.

 

المقالات:

رضى التايدي، دراسة في بعض جوانب مسطرة التصحيح الضريبي على ضوء مستجدات قانون المالية لسنة 2011، مساهمة في الندوة الوطنية حول موضوع الإشكاليات القانونية والعملية في المجال الضريبي، دفاتر المجلس الأعلى، العدد 16، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، الطبعة الأولى، 2011 .

 

سفيان صابر: خصوصيات الإلزام الضريبي ” مسطرة الفرض التلقائي نموذجا ” مقال منشور في مجلة القانون المغربي، العدد 38.

 

المصطفى النوري، المسطرة التواجهية في القضايا الضريبية، مقال منشور في مجلة محكمة النقض عدد 80.

 

مناشير:

 

منشور المديرية العامة للضرائب، الموسوم بعنوان، ” ميثاق الملزم في مجال المراقبة الضريبية ” طبعة 2014.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى