رأي قانوني يخص فاجعة طفلة بركان
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية
هذا المنشور يأتي من أجل التفصيل القانوني في حادثة طفلة مدينة بركان، نسأل الله أن يرحمها وأن يرزق أهلها الصبر وموفور السلوان إنه سميع عليم.
أولا : إن ما تعرضت له الطفلة أو ما تعرض له أطفال أو أشخاص آخرين، هو يكشف عن العبثية واللامسوؤلية التي تتصف بها بعض الجماعات الحضرية والجماعات الترابية…، وبعض الشركات المفوض لها تدبير المرافق العمومية، وتكشف كالعادة عن هشاشة البنية التحتية، كما أن العديد من المدن، تحتاج إلى مشاريع حقيقية مستعجلة استباقية لمواجهة الفيضانات، مع العلم أن هذه المدن يجب أن تكون متوفرة مسبقا على حزام لحمايتها من الفيضانات.
ثانيا : ما تعرضت له الطفلة أو تعرض له أشخاص آخرين، يحتم على الجهات المسؤولة بصريح العبارة، أن تشدد من المراقبة على الشركات المفوض لها حق تدبير مجاري الصرف الصحي، إلى جانب تحملها مسؤوليتها التقصيرية والجنائية.
من الناحية القانونية :
المسؤولية هي تقصيرية مشتركة تتحملها الشركة المفوض لها حق تدبير مجاري الصرف الصحي، ويتحملها كذلك المجلس الجماعي لمدينة بركان، ويمكننا الحديث أيضا عن وجود مسؤولية جنائية، والمتمثلة في غياب غطاء البالوعة، وهذا يؤكد بالملموس أن من فوض له أمر تدبير مجاري الصرف الصحي، لم يتقيد بتدابير سلامة وصحة المواطنين.
والمعلوم أن هناك العديد من الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم الإدارية بالمملكة التي تتعلق بقضايا مشابهة تعرّض فيها مواطنون سواء للسقوط في الطرقات أو الحفر التي تسبب انزلاقا أو حوادث سير، وتم الحكم فيها لصالح المتضررين بالتعويض.
وقد يتبادر إلى ذهنكم سؤال، لماذا الجماعة مسؤولة عن الحادثة، مع العلم أن هناك عقد تدبير مفوض؟
نجيب بحول الله وقوته، من خلال القراءة الأولية للمادة 17 من القانون رقم 54.04 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، المشرع منح للمفوض أي الجماعة أو المجلس… سلطة المراقبة لمدى احترام الالتزامات المترتبة على العقد، ومدى التقيد بتنفيذ العمليات المرتبطة بالتدبير المفوض، أي هي سلطة تتبع التدبير المفوض.
نص المادة 17 من القانون رقم 54.04
علاوة على المراقبة التي تمارسها الدولة أو سلطات أخرى بموجب النصوص القانونية الجاري بها العمل، يتمتع المفوض إزاء المفوض إليه بسلطة عامة للمراقبة الاقتصادية والمالية والتقنية والاجتماعية والتدبيرية مرتبطة بالالتزامات المترتبة على العقد.
ويتمتع المفوض، بصفة دائمة، بجميع سلط المراقبة للتأكد من خلال المستندات وبعين المكان من حسن سير المرفق المفوض وحسن تنفيذ العقد…”.
نسطر على المراقبة التقنية والمراقبة التدبيرية، وأيضا نسطر على عبارة المراقبة بعين المكان من حسن سير المرفق المفوض، هذه العبارات وهي التي تهمنا بشكل أساس في نازلة الحال، باعتبار أن من بين المهام الموكولة للمجالس، وهي المراقبة التقنية للأشغال والعمليات التي تقوم بها الشركات المفوض لها التدبير، والمراقبة التدبيرية للمرفق المفوض.
كما أن عبارة يتمتع المفوض بصفة دائمة بجميع سلط المراقبة، تفيد أن سلطة المراقبة غير مقيدة بظرف زمان، من جهة أولى، ومن جهة ثانية تمتع المفوض بسلطة عامة للمراقبة الاقتصادية والمالية والتقنية والاجتماعية والتدبيرية، هو ترجمة فعلية للحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية التي من شأنها أن تخدم سلطة الجهة المفوض بالمراقبة على أحسن وجه، وتتبع مدى التزام الجهة المفوض إليها المرفق.
ومنح المشرع للمفوض في نفس المادة حق طلب الاطلاع أو أن يطلع على كل وثيقة لدى المفوض إليه لها علاقة بتنفيذ العمليات المرتبطة بالتدبير المفوض.
وألزم المشرع أن يبين عقد التدبير المفوض دورية وأشكال المراقبة التي يمارسها المفوض على تنفيذ التفويض وتتبعه وكذا الوثائق التقنية والمحاسبية والمالية التي يوجهها المفوض إليه بصفة منتظمة إلى المفوض.
كما أن للمفوض أن يقوم في كل وقت وحين بتدقيقات أو مراقبات خارجية أو أن يستعين بخبراء أو أعوان يختارهم ويخبر بهم المفوض إليه.
ويمكن أن يحضر بصفة استشارية اجتماعات مجلس الإدارة أو الجهاز المكلف بالتداول وكذا في الجمعيات العامة للشركة المفوض إليها، أو يعين من يمثله فيها…
كما أن في بعض الحالات قد تطرح إشكالية، كأن يقوم المفوض إليه بعرقلة عملية المراقبة التي يقوم بها المفوض، وقد أجابت عن هذه الإشكالية المادة 17 نفسها من القانون رقم 54.05 حيث نصت على عقوبات لزجر عرقلة المراقبات التي يمارسها المفوض، وأيضا زجر عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية المتعلقة بالإعلام والتواصل التي على المفوض إليه القيام بها.
ويتم تحديد العقوبات وجزاء الإخلال بالالتزامات أو عدم الوفاء أو مخالفة البنود التعاقدية، والجزاءات والتعويضات عن الضرر في عقد التدبير المفوض.
كما أن هناك إشكالية تبرز في الواجهة، هل الجماعات أو المجالس الجهوية…تتوفر على آليات المراقبة الكفيلة للقيام بعملية المراقبة كما ألزمها بها القانون ؟ والحديث هنا يجرنا على طرح سؤال آخر، وهو مدى توفر هذه الجماعات على موارد بشرية مؤهلة من أجل التتبع والمراقبة والتقييم البعدي للعقود، ومدى توفر الجماعة على الأدوات والوسائل اللوجستيكية اللازمة وأنظمة المعلوميات ؟
المادة 18 نصت على ما يلي: ينص عقد التدبير المفوض على جميع الوثائق والمعلومات التي يجب الإدلاء بها للمفوض لأجل تتبع ومراقبة التدبير المفوض، ويبين الجزاءات التي يتعرض لها المفوض إليه في حالة عدم احترام هذه المقتضيات.
ومن خلال هذه المواد فالمفوض بتقصيره بعدم القيام بما يلزمه القانون رقم 54.05 من سلطة المراقبة يعد تقصيرا في واجباته القانونية.
الحديث الآن عن مسألة العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، الفصل 78 من ظهير الالتزامات والعقود الذي نص على ما يلي:
كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطأه أو عندما يتبث أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر.
وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر
والخطأ هو ترك ما كان يجب فعله، أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه، وذلك من غير قصد لإحداث الضرر.
والفصل 79 من ق ل ع الذي نص على ما يلي : الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها.
والخطأ الذي تتحمله جماعة مدينة بركان، وهو في ترك ما كان يجب فعله، وهو ما تحدثنا عنه في الأسطر أعلاه من سلطة المراقبة التقنية للمفوض إليه، وبالقيام بصفة دائمة، بجميع سلط المراقبة للتأكد من خلال المستندات وبعين المكان من حسن تنفيذ العقد.
اتجاه قانوني آخر يرى بأن الأمطار التي شهدتها مدينة بركان تعتبر قوة قاهرة، لكن في نازلة الحال لا تعتبر الأمطار التي شهدتها مدينة بركان أو العديد من مدن المغرب قوة قاهرة، لأن من شروط القوة القاهرة أن تكون غير متوقعة، وفي نازلة الحال، فقد قامت مديرية الارصاد الجوية بنشر نشرة إنذارية رقم 2025\24 من المستوى البرتقالي وذلك بتاريخ الخميس 06 مارس 2025 وكانت الظاهرة الجوية المتوقعة بمدينة بركان ومدن أخرى وهي زخات مطرية رعدية قوية مصحوبة بالبرد وهي ( من 30 إلى 50 ملم).
وصدرت ثلاث نشرات جوية قبل فاجعة طفلة بركان، همت مدينة بركان ومدن أخرى، وهي كالتالي :
صدرت بتاريخ 05 مارس 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\23 من المستوى البرتقالي وكانت الظاهرة الجوية المتوقعة زخات مطرية ورعدية قوية تتراوح ( من 20 إلى 30 ملم).
وصدرت بتاريخ 27 فبراير 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\17 من المستوى البرتقالي وكانت الظاهرة الجوية المتوقعة وهي أمطار قوية محليا رعدية مع هبات رياح وتتراوح ( من 30 إلى 50 ملم ).
وصدرت بتاريخ 02 فبراير 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\10 من المستوى البرتقالي وكانت الظاهرة الجوية المتوقعة وهي أمطار قوية محليا رعدية وتتراوح(من 35 إلى 50 ملم).
وفي قرار صادر عن محكمة النقض
القرار عدد 608
الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 2017
في الملف التجاري عدد : 2016\3\3\378
قوة قاهرة أو حادث فجائي ـ شروطها
يتعين أن تتوفر في القوة القاهرة او الحادث الفجائي ثلاثة شروط : أن يكون غير متوقع وأن يكون مستحيلا دفعه وأن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة، والمحكمة لما اعتبرت أن تساقط الأمطار بغزارة لا يمكن اعتباره قوة قاهرة، بعلة أن ذلك يكون متوقعا خصوصا خلال شهر نونبر، وأنه كان يمكن تفادي ذلك بتوفير شبكة عمومية قادرة عل استيعاب وتصريف الأمطار المتهاطلة، تكون قد عللت قرارها تعليلا كافيا. رفض الطلب
وبهذا القرار يمكن تحليل نازلة طفلة بركان على الشكل التالي : الأمطار التي عرفتها مدينة بركان كما ادعى البعض هي قوة قاهرة، ولعل من شروط القوة القاهرة أن تكون غير متوقعة، وكيف تكون غير متوقعة وقد عممت المديرية العامة للأرصاد الجوية نشرة إنذارية كما سبق وأن ذكرنا، ونشرات أخرى، وكيف تشتغل الجهة أو الشركة المفوض لها عقد تدبير مجاري الصرف الصحي بدون الاعتماد على نشرات المديرية العامة للأرصاد الجوية، كون أن عمل شركة تدبير مجاري الصرف الصحي يجب أن يعتمد بشكل كبير على النشرات التي تنشرها المديرية العامة للأرصاد الجوية والتي من خلالها يتم رسم خطط لمواجهة الأمطار والسيول، ومراقبة النقاط السوداء…، ومن بينها مراقبة البالوعات التي لا تتوفر على أغطية، ووضع إشارات تدل على ذلك أو موانع…
ومن خلال ما جاء أعلاه فيكون القول الأول بكون الامطار قوة قاهرة مبني على غير أساس، فقد صدرت ثلاث نشرات انذارية متفرقة وهي كالتالي كما سبق ذكره :
الأولى بتاريخ وصدرت بتاريخ : 05 مارس 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\23
والثانية بتاريخ بتاريخ : 27 فبراير 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\17
والثالثة بتاريخ : 02 فبراير 2025 نشرة إنذارية رقم 2025\10
وقد تضاربت الآراء مرة أخرى، بين من قال أن البالوعة فُتحت عمدًا وبحسن نية لتخفيف أضرار الفيضانات عن المنازل المجاورة للشارع، بينما أكد سكان أن قوة السيول هي التي فتحت غطاء البالوعة وكشفت سوء تثبيته؛ ما زاد من حدة الانتقادات الموجهة للجهات المشرفة على الأشغال.
وفيما يخص المسؤولية الجنائية، وأن سبب وفاة الطفلة هو الغرق وهو الثابت من نازلة الحال، ومن خلال بعض المعلومات التي تروج والغير المتأكد من صحتها أن الشركة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي كانت على علم مسبق بتعرض غطاء البالوعة للسرقة وربما جرى إنجاز محاضر في ذلك.
ولو افترضنا صحة هذه المعلومات، فإن الشركة قد تكون على علم مسبق بعدم وجود غطاء للبالوعة، وأن غض البصر المتمثل في الاهمال، والظاهر من خلال عدم قيامها بوضع غطاء أو وضع موانع أو إشارات تدل على ذلك، يجعل فعلها يكتسي طابع الفعل الجرم، والذي يمكن تكييفه لجريمة القتل الخطأ، والمشرع المغربي لم يعرف الخطأ الجنائي، ولكن عرفه بعض الفقهاء من بينهم الفقيه المغربي الدكتور الخمليشي بأنه ” كل عمل أو امتناع إرادي لم يقصد به الفاعل قتل إنسان ومع ذلك ترتبت عنه الموت نتيجة عدم تبصره أو عدم احتياطه أو إهماله.
الخطأ الجنائي الغير العمدي، الذي يعتبر من الجرائم الغير العمدية، والذي يتمثل في عدم قيام الشخص بواجب التدبر والحيطة، وجاهل بالنتيجة التي سيسببها، والخطأ الجنائي في نازلة طفلة بركان يكتسي صورتين، صورة الاهمال وصورة عدم الاحتياط.
وقبل التطرق للصورتين، كان الجذير بالذكر، ضرورة الحديث عن العناصر الضرورية لقيام ركن الخطأ في جريمة القتل غير العمدي، والذي ينبغي توافر شرطان : الشرط الأول : هو عدم مراعاة الجاني لمقتضيات الحيطة والحذر في سلوكه الذي تسبب في وقوع الجريمة، بأن يكون قد أتى السلوك على غير ما كان يجب عليه أن يأتيه به.
أما الشرط الثاني : وهو العلاقة السببية التي تربط بين نشاط الفاعل وحدوث النتيجة، هذه العلاقة السببية تأخذ أحد الصورتين، إما أن الفاعل لم يتوقع النتيجة مطلقا حينما أتى فعله، والنازلة هنا بترك البالوعة بدون غطاء، أو وضع إشارات تدل على ذلك أو موانع..، وبالتالي لم يبذل الجهد الكافي للحيلولة دونها في حين أنه كان في إمكان الشركة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي، الحيلولة دون وقوع هذا الخطأ.
وفي نازلة الحال فإن الخطأ الجنائي لا يكتسي صورة واحدة من صور هذا الخطأ كما سبق الذكر، وانما يكتسي صورتين وهما عدم الاحتياط وعدم الانتباه، ولعل أن هذين الصورتين متطابقتان ينطوي عليهما نشاط إيجابي، ويتحققان عندما يقدم الفاعل على تصرف يدرك خطورته وما يترتب عليه من نتائج ضارة، ورغم ذلك لا يتخذ الاحتياطات اللازمة التي تكفل درئ المخاطر وتلافي حصولها.
وكون أن الشركة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي، والمجلس الجماعي الذي لم يقم بما ألزمه القانون القيام به فيما يخص المراقبة التقنية والمراقبة التدبيرية والتي تحدثنا عنها في الأسطر أعلاه، والعلم أن ترك البالوعة بدون غطاء من طرف الجهة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي يكون معه العلم اليقين بخطورة النتائج الضارة بالغير المترتبة عن هذا الفعل، وهو ترك ما ألزمهم القانون القيام به، ولم يتخد أي منهم الاحتياطات اللازمة التي تكفل درئ المخاطر…
أما عدم الاحتياط فهو عدم الانتباه، بحيث أن الشخص لا يقوم بما يتوجب القيام به من الحرص والحيطة والحذر.
صورة الإهمال، ويستشف من خلال بعض المواقف والأوضاع التي تفرض الحذر، والامتناع عن القيام بعمل يفرضه القانون، وفي نازلة الحال نفصل ذلك بالشكل التالي :
الجهة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي : المادة 24 من القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، المسؤولية والمخاطر جاء في هذه المادة ما يلي : يدبر المفوض إليه المرفق المفوض على مسؤوليته ومخاطره ويشمله بالعناية اللازمة، لتجنب حصول كل نتيجة ضارة بالغير، ومن خلال تحليل هذه المادة الشركة المفوض لها تدبير مجاري الصرف الصحي، يقع على مسؤوليتها المخاطر المحدقة التي تنتج عن هذا التفويض من سرقة للبالوعات، وهنا نشير إلى أن الاحتجاج من طرف الشركة كون أن البالوعة سرقت وأن ما وقع هو حادث فجائي فلا يعتد به، وليس له أي أساس قانوني، لأن من مسؤولية المفوض إليه هو الحرص على تقديم العناية اللازمة للمرفق العام، الذي يدخل في إطاره تدبير مجاري الصرف الصحي، والعناية هنا وهي المراقبة والتي يتأتى معها كشف كل ضعف أو خطأ، والذي يستوجب بالمقابل العناية اللازمة، وتدراك كل نقص أو ضعف من شأنه أن يشكل خطر، والتدارك يتجلى في الصيانة الدورية لمجاري الصرف الصحي.
وكما قلنا سابقا أن المسؤولية يتقاسمها كل من المفوض والمفوض إليه، وهي مسؤولية تقصيرية ومسؤولية جنائية في نفس الوقت.
ولا يفوتنا في واقع الأمر أن نتطرق لمسألة في غاية الأهمية وهي ظاهرة سرقة البالوعات التي انتشرت بشكل كبير، وإشكالية التكييف القانوني لهذا الفعل الجرمي، ولنا رأي قانوني متواضع في هذا الشأن وهو كالتالي :
في الحالة التي تسرق فيها بالوعة فإن الجاني يتابع بجريمة تخريب ممتلكات الدولة بمقتضى المادة 595 من مجموعة القانون الجنائي والتي نصت على ما يلي : يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من هدم أو كسر أو خرّب أو عيّب، عمدا شيئا مما يأتي: بناء أو تمثالا أو رسما أو أي شيء آخر مخصصا للزينة والمنفعة العمومية أنشأته أو وضعته السلطة العامة أو أذنت به، بناء أو تمثالا أو رسما أو شيئا ما له قيمة فنية موضوعا في متحف أو مكان مخصص للعبادة، أو أي مبنى مفتوح للجمهور.
وفي رأينا الشخصي المتواضع، فإن الجاني الذين يقدم على سرقة غطاء البالوعة في الليل فيجب أن يتابع بجنحة السرقة الموصوفة ما دامت شروطها قائمة : ظرف الليل، وفي بعض الاحيان، ترتكب هذه السرقات باستعمال الناقلة، وترتكب بواسطة شخصين وفي بعض الحالات أكثر من ذلك…. ولا يجب أن يتابع بجنحة تخريب ممتلكات الدولة ما دامت أن العقوبة لا تتجاوز السنتين، بالإضافة إلى خطورة الفعل الجرمي، وأن القصد الجنائي في جريمة السرقة متوفر، و رأي آخر يرى على أنه يجب أن يتابع الجاني بمقتضيات الفصل 403 من القانون الجنائي حين يتسبب هذا الفعل، سرقة غطاء البالوعة في وفاة العديد المواطنين من جهة، ومن جهة ثانية التسبب في وقوع العديد من الحوادث التي يذهب ضحيتها سائقي الدراجات النارية والهوائية وسائقي المركبات بمختلقها…
وينص الفصل 403 من القانون الجنائي على ما يلي : إذا كان الجرح أو الضرب أو غيرهما من وسائل الإيذاء أو العنف قد ارتكب عمدا، ولكن دون نية القتل ومع ذلك ترتب عنه الموت، فإن العقوبة تكون السجن من عشر إلى عشرين سنة….
وفي رأينا الشخصي المتواضع فإن هذا الفصل، ليس هو المناسب في التكييف القانوني لنازلة طفلة بركان، كون أن النازلة لا تتضمن ضرب وجرح، كما أن الركن المادي الذي يجب أن يستعمل فيه الجاني يده أو جسمه أو أداة حادة، غير متوفر، وبذلك يكون معه انتفاء الركن المادي في نازلة الحال.
وأيضا هناك من اتجه إلى ضرورة تطبيق الفصل 432 من مجموعة القانون الجنائي، ونقول في ذلك أنه ليس هو الفصل المناسب المؤسس للجريمة التي أمامنا، وجاء في هذا الفصل ما يلي : من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي، أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم.
وتعليلنا في كون الفصل 432 ليس هو المناسب في نازلة الحال، كون أن الخطأ الجنائي غير صادر عن الجاني في نازلة بركان، ولا أي صورة من صور الخطأ الجنائي وشروطها متوفرة، وأيضا بالتطرق إلى الركن المعنوي في جريمة السرقة، يتوفر معه العلم والارادة أي أن إرادة الجاني اتجهت إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بالنتيجة الاجرامية، وأن سرقة غطاء البالوعة سيؤدي إلى سقوط المارة ومستعملي الطريق فيها لا محالة، ويعرضهم بذلك إلى جروح أو كسور أو الوفاة كما في نازلة الحال.
وكما سبق الذكر أن في العديد من الأحيان، تنتج عن هذه الحوادث عاهة مستديمة أو عجزا دائما أو مؤقتا، وهنا لا يجب الاكتفاء بمتابعة الجاني فقط بجريمة السرقة، وإنما متابعته بمقتضى الفصل 392 والذي نص على ما يلي : كل من تسبب عمدا في قتل غيره، ويعاقب بالسجن المؤبد.
وفي تعليلنا لهذا التكييف ما يلي :
أول الحديث هو عن العلاقة السببية بين النشاط الاجرامي المتمثل في سرقة غطاء البالوعة والنتيجة الاجرامية والمتمثلة في ازهاق الروح أي الوفاة، والسبب فيها سرقة غطاء البالوعة، وما دام أن جريمة سرقة هذا الغطاء ترتبت عنها وفاة نتيجة السقوط ليكون بذلك إضافة الى ما قد سبق التطرق إليه من حضور القصد الجنائي العام والمباشر، من الارادة والعلم على أن سرقة غطاء البالوعة لا شك ولا مجال فيه للظن أن هذا السلوك الاجرامي الذي يرتكبه الجاني، سينتج عنه ضرر خطير بالغير.
ويصبح التكييف على أساس أنه جريمة قتل عمد، أي هو نشاط أدى إلى الوفاة فعلا، كما يمكن لهذا السلوك الاجرامي أن تصل فيه العقوبة إلى الاعدام في حالة أعقبته أو سبقته جناية أخرى، مثلا كأن يسبق جريمة القتل العمد جريمة السرقة الموصوفة التي ترتكب ليلاً ويقترن بها ظرف من ظروف التشديد.
الإرادة والتي تتجلى في العزم على ارتكاب الجريمة، التصميم والعزم على ارتكابها ودون توفر أي عدول إرادي، والقصد الجنائي هنا متوفر بشروطه وهو قصد جنائي عام يتجه لتحقيق العناصر المكونة للجريمة مع علمه بتجريم القانون لها، وليس هناك أي منطق من الحديث عن الخطأ الجنائي مع توفر القصد الجنائي العام والمباشر.
مسألة أخرى لا تقل أهمية عن جريمة السرقة التي تطال غطاء البالوعة، وهي شراء هذه البالوعات، أي جريمة شراء مسروق من طرف بعض أصحاب المتلاشيات أو ما يسمى في القانون إخفاء أشياء متحصل عليها من جناية أو جنحة، وقد تم التنصيص على هذه الجريمة في الفصل 571 من مجموعة القانوني الجنائي : من أخفى عن علم كل أو بعض الأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة يعاقب بحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من 200 درهما إلى ألفي درهم, ما لم يكن الفعل مشاركة معاقبا عليهما بعقوبة جنائية طبقا للفصل 129 من ق ج
وفي تحليلنا لهذا الفصل أولا : فإن الركن المادي في جريمة اخفاء اشياء متحصل عليها من جناية أو جنحة، وفي نازلة سرقة البالوعة، يتحقق إما بحيازة الغطاء عن طريق الشراء، أو الإيداع، أو الإيجار أو غيره.
ثانيا : الركن المعنوي هو القصد الجنائي أي أن المخفي عالم بالمصدر الإجرامي ومع ذلك تتجه إرادته الحرة إلى إخفاء هذه الأشياء ( صاحب المتلاشيات، أو أي شخص كان).
وفي ذلك قرار صادر عن محكمة النقض
عدد : 796
بتاريخ : 04 اكتوبر 2012
في الملف الجنائي عدد : 1942\6\9\2012
اخفاء شيء متحصل من جريمة_ إنعدام القصد الجنائي _ البراءة
البراءة من جنحة إخفاء شيء متحصل من جريمة على أساس إنعدام عنصر العمد وسوء النية أساسه الاعتراف التمهيدي…
وبالعودة إلى النازلة التي بين ايدينا وفي قرار صادر عن محكمة النقض
قرار عدد : 1287
الصادر بتاريخ : 17 أكتوبر 2019
في الملف الإداري عدد : 5001\4\1\2019
اختصاص نوعي ـ عقد التدبير المفوض ـ أثره لئن كان طلب المدعي ( المستأنف عليه) يهدف في أساسه إلى الحكم على المدعى عليها بتعويض عن حادثة السير التي تعرض لها على إثر تعثره ببالوعة للصرف الصحي، فإن الشركة المعنية تمارس مهامها في إطار عقد التدبير المفوض الذي منح لها حق تدبير الصرف الصحي، في إطار النشاطات ذات النفع العام كمظهر من مظاهر السلطة العامة المفوضة إليها، مما يجعل الاختصاص منعقد للقضاء الإداري ويكون بذلك الحكم المستأنف واجب التأييد.
تأييد الحكم المستأنف
ختاما لما سبق، فإن المسؤولية تبقى مشتركة بين الجماعة والشركة المفوض لها حق تدبير الصرف الصحي، فهما يتحملان المسؤولية الكاملة الناتجة عن هذه الحادثة الأليمة، والاختصاص هنا ينعقد للقضاء الإداري بالرغم أن الشركة تكتسي طابع تجاري على اعتبار أن المسؤول عن هذا الخطأ هي الشركة التي تمارس مهامها في إطار التدبير المفوض الذي منح لها حق تدبير الصرف الصحي في إطار النشاطات ذات النفع العام كمظهر من مظاهر السلطة العامة المفوضة إليها… ولا يمكن التذرع بسرقة غطاء البالوعات للتحلل من المسؤولية.
كما أن العديد من بالوعات الصرف الصحي إما مسدودة أو مخربة أو بدون غطاء، وبعض الطرق تتواجد في مجرى الواد، وهذا ما يفرض قبل بناء الطرق الاستعانة بخبرة المهندسين في مجال الهيدرولوجيا، وتكليفهم بإنجاز دراسات استباقية لخريطة الأنهار والوديان ومصبات المياه، ومعرفة كل التوقعات عن خروج المياه عن مجاريها الرئيسية في حالة وفرة الأمطار، هي هندسة دقيقة، وللعلم أن الهيدرولوجيا هي علم يهتم بدراسة المياه وتوزيعها فوق الأرض.
ولعل من المفيد أن نؤكد على ضرورة أن تتوفر البالوعات على أغطية من شباك حديدي قوي، فعند فتح الغطاء يقوم الشباك بدور تصريف مياه الأمطار.
مسألة أخرى في غاية الأهمية، يلاحظ تراجع ثقافة التبليغ لدى بعض المواطنين بشكل كبير ومقلق، بشأن عملية السرقة التي تطال بالوعات الصرف الصحي، ولعل الكثير منكم شاهد لقطات سجلتها كاميرات المراقبة لأشخاص يقومون بسرقة هذه البالوعات، هذه المظاهر تفرض من جهة أولى، التبليغ من طرف المواطنين عن كل سرقة تطال هذه التجهيزات أو الملحقات، ثانيا تكتيف دوريات المراقبة من طرف الشركة المفوض لها حق تدبير مجاري الصرف الصحي.
وبالحديث عن التدبير المفوض فهو أسلوب تعاقدي للإدارة يرمى إلى خوصصة مرفق عام بتمكين شخص معنوي خاص من إدارته وتدبيره لمدة محددة بهدف تقديم خدمات عامة تحت مراقبة السلطات المانحة لهذا التدبير، لكن هذا لا يمنع ولا ينتفي معه تحمل الجماعة مسؤولية التقصير في المراقبة كما وسبق الذكر، وبالتالي فالمسؤولية مشتركة.
وفي اتجاه آخر، يرى البعض أن الجهة المفوض لها هي المسؤولة عن الأضرار الناشئة عن أعمال ونشاطات المرفق العام الذي تديره اتجاه الأغيار، وذلك بحلولها محل الجهة المفوضة لها.
تخريب المرافق العامة وممتلكات الدولة، ظاهرة تنخر المجتمع، ولعل هذا التخريب يتزامن بكثرة لدى جماهير الفرق الرياضية ممن لديهم رغبة نحو إلحاق الأذى بكل ما يدخل في إطار الملك العام، وأيضا تنتشر هذه الظاهرة لدى الأحداث في الكثير من الأحيان، ولعل العديد من القضايا التي عرضت على المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئنافية خير مثال، هذا التخريب هو مس بحقوق المواطنين في الاستفادة من منافع الفضاء العام.
ولعل تشديد العقوبات في جرائم سرقة البالوعات ومسألة التكييف تتطلب إعادة النظر، باعتبار أن هذه الجريمة لا يجب أن تتوقف كونها تخريب لممتلكات الدولة أو جريمة سرقة، بل يجب أن تكيف على أساس جريمة القتل العمد كما وسبق التوضيح سابقا.
فاجعة وفاة طفلة بركان، لا يجب أن تمر مرور الكرام، وفي انتظار ما سوف تسفر عنه مجريات التحقيق، يجب أن تكون هذه الفاجعة درسًا قانونيًا لكل الجهات المتهاونة في صيانة البنية التحتية، من جهة أولى، ومن جهة ثانية هذه الفاجعة تعيد للواجهة سؤال مدى التزام المفوض بتطبيق المواد 17 و 18 من القانون 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة.
يوسف بنشهيبة باحث في العلوم الجنائية والأمنية
خريج كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش