في الواجهةمقالات قانونية

ربط المسؤولية بالمحاسبة – في سياق الحكامة المالية –

إن تدعيم الحكامة المالية يندرج ضمن منظومة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنكب عليها السلطات العمومية، على اعتبار أن عملية الإنفاق وحسن تدبيره هو الهاجس الذي يؤرق الساهرين على تدبير الشأن العام، حيث أن الحكامة المالية أضحت مرتكزا  لبناء آلية الشفافية والمشاركة والفعالية والالتزام بمبادئ التعاقد والمساءلة في إطار احترام القوانين، وذلك من أجل استرجاع الثقة في المؤسسات وتحقيق التنمية على المستوى الوطني والمحلي، بواسطة هياكل تنظيمية تتيح اتفاق القرارات بصورة تشاركية مع اعتماد آليات التخطيط الإستراتيجي والتتبع و التقييم.

و يعرف البنك الدولي  الحكامة بكونها مجموع التقاليد و المؤسسات التي يمارس بها الحكم في بلد معين و التي تهدف إلى تحقيق الخير للجميع ، و تشمل أيضا قدرة الحكومة على التدبير الفعال لمواردها ، و تطبيق سياسات مناسبة ، و احترام المواطنين و الدولة للمؤسسات ، مع وجود رقابة ديمقراطية على الموظفين الذين يمارسون السلطة.

فمفهوم الحكامة المتداول اليوم بدأت معالمه الكبرى في الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أنه لم يفتح بشأنه النقاش  على المستوى الوطني إلا بعد صدور دستور سنة 2011 والذي جعل الحكامة إحدى أقوى المفاهيم التي يستند عليها في تخليق تدبير الشأن العام  حيث خصص الباب الثاني عشر بأكمله للحكامة الجيدة ، وتتمثل أركان  هذه الأخيرة في النجاعة في الأداء والنزاهة الشفافية والمشاركة في القرار ثم ربط المسؤولية بالمحاسبة.

ومما لا شك فيه أن التدبير الجيد للمال العام وحوكمته رهين بربط المسؤولية بالمحاسبة والارتكان إلى الأسس القانونية، بما في ذلك الدستور القوانين التنظيمية الخطب الملكية التي لطالما دعت ولازالت تدعو وتؤكد على أهمية تفعيل هذا المبدأ، بالإضافة إلى الأعراف الدولية  وكذا البلدان المتقدمة التي راكمت التجربة في هذا المجال. فما بين المسؤولية والمحاسبة هناك مسار يفترض أن تتخلله مجموعة من المحطات الأساسية التي تبتدأ بتعيين المسؤول وتحديد المهام الموكلة له والتي تلائم قدراته، وتتيح له إمكانية اتخاد القرار بكل استقلالية دون الخضوع لأي ضغط.

إن لفظ المسؤولية ينتمي إلى معجم الحكامة وينصب على الادارة والتدبير العموميين، ومفادها الالتزام بواجبات محددة معهود بها لموظف مكلف بخدمة عمومية، والتي من المفترض أن تتبعها المحاسبة ، ليتم وضع القرارات المتخذة والانجازات التي قام بها أو أشرف عليها المسؤول رهن إشارة من لهم الحق في تقييمها وفحص مدى صحتها، فهذا الموضوع هو ذو اهمية كبرى لأنه يسمح بالوقوف عند أبرز الإشكالات التي تطرح في الوضعية الراهنة والمتعلقة بالخلل في أجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل غياب إرادة واضحة لتفعيله.

 

فإلى أي حد ساهم مبدا ربط المسؤولية بالمحاسبة في تحقيق حكامة مالية ناجعة؟.

المحور الأول : مرتكزات مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

الفرع الأول : ضرورة اقتران المحاسبة بالمسؤولية

يمكن تعريف المحاسبة بوصفها مرادفا للمراقبة ومكملا لها في نفس الوقت، أي أنها عبارة عن “مسلسل لوضع الإنجازات رهن إشارة من يملكون القدرة على تقويمها والحكم على مدى صحتها ودقتها”[1] .

أضحت المحاسبة في الوقت الراهن تلعب الدور الريادي في تتبع السياسات العمومية، وبالتالي التمكن من محاسبة الجهة التي عملت على تنفيذها، خاصة فيما يتعلق بالشق التنموي على صعيد هذه السياسات. بحيث أن واجب تقديم الحسابات أو المحاسبة يعد عنصرا أساسيا في كل استراتيجية لتحديث بلد ما. فكلما كان الفاعلون في التنمية مطالبين بتقديم الحسابات للمواطنين حول السياسات التي ينفذونها كلما تعززت فرص تنفيذ المشاريع، بهدف خدمة المجتمع وتحسين رفاهية المواطنين[2]. وهي بذلك تتميز عن المساءلة التي هي عملية استجواب أصحاب القرار بشأن النتائج التي أفضت إليها المراقبة والمحاسبة.

إن المسؤولية- في سياق الربط بالمحاسبة-، هي لفظة تنتمي إلى معجم الحكامة وتنصب على حقل الإدارة والتدبير العموميين، ومفادها الالتزام بالقيام بواجبات محددة معهود بها لموظف مكلف بخدمة عمومية. على أن تتبعها المحاسبة بما هي عبارة عن مسلسل لوضع القرارات التي اتخذها، والإنجازات التي قام بها أو أشرف عليها المسؤول، رهن إشارة من يملكون القدرة على تقييمها والحكم على مدى صحتها ودقتها، تتلوها المساءلة عند الاقتضاء. إن المساءلة قد تقترن بالمحاسبة عندما ينصرف مفهوم المحاسبة إلى أبعد من مجرد “تقديم الحساب” أي عندما ينطوي على معنى المسؤولية على الأعمال التي يقوم بها أصحاب القرار[3].

فالشخص المسؤول أي  المعهود له بتكليف عمومي عليه أن يؤدي المهمة التي عين من أجلها. فهي مسؤوليته واختصاصه، يؤديها حسب توجيهات أو تعليمات محددة من المستوى الرئاسي. لأن المسؤولية، تأخذ مرجعيتها الشرعية من العلاقة الهرمية؛ وتعبر عن التزام مستمر، ولذلك فإنها لا تفوض بصفة كلية ومادام الشخص الذي يقبل المسؤولية قد يخضع للمحاسبة على مدى أدائه للمهام المسندة إليه فمن الصعب أن يتحمل المسؤولية في غياب السلطة ووسائل التنفيذ، إذ يستحيل تصور تدبير برنامج أو مشروع عمومي، دون أن يكون هناك شخص في مركز يسمح له بإلزام أشخاص آخرين على القيام بأعمال معينة.

لا يمكن تفويض المسؤولية كلية بل بعضها فقط، بخلاف المحاسبة التي لا يمكن التحلل منها  لا بعضها ولا كلها. كما أنها- أي المحاسبة- وبما هي واجب تقديم الجواب عن مدى أداء المهمة الموكلة، فإنها تستهدف إخلاء المسؤولية. وبهذا فكل من يتولى مسؤولية فهو في وضعية محاسبة أو مساءلة مفترضة. إذ يفترض في المحاسبة أن تمثل ذلك العبء الملقى على عاتق كل من يتولى السلطة، ثم يفرغها في شكل مسؤوليات تنفيذية. والأشخاص الذين يتولون المسؤوليات بناء على تكليف من صاحب السلطة لا يمكن لأدائهم الضعيف أن يخلي مسؤولية من كلفهم بها.

فالمسؤولية هي بمثابة الالتزام بأداء المهمة المفوضة مع الاستعداد لتقديم الجواب على نتائج أداء المهمة المفوضة، فهي تسند بتكليف بينما المحاسبة لا يتم إسنادها بتكليف بل يتم قبولها مع تحمل نتائجها. وإذا كانت مرجعية المسؤولية هي السلطة فإن مرجعية المحاسبة هي المسؤولية[4].

 

الفرع الثاني : التصريح الإجباري بالممتلكات

إن الغاية من هذه المنظومة القانونية هو تخليق الحياة العامـة وتكريس مبادئ المحاسبة والشفافية وحماية الأموال العمومية و بهذا فإن إلزامية التصريح بالممتلكات[5] تعكس إرادة المملكة المغربية في إرساء المزيد من قيم الاستقامة والنزاهة و المثالية، وذلك على غرار ما هو سائد في الدول الديمقراطية المتقدمة.

و لضمان فعالية واستقلالية مراقبة التصاريح الإجبارية بالممتلكات أعطى المشرع للمجلس الأعلى للحسابات مهمة إيداع و تتبع و مراقبة التصاريح الإجبارية بالممتلكات. وقد تعزز هذا التوجه من قبل مبادئ دستور 2011 ولا سيما الفصلين 147 و 158 الذين ينصان على التوالي :  

  • الفصل 147 : “…تُناط بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات… “
  • الفصل 158 : “يجب على كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، خلال ممارستها، وعند انتهائها.

ولتنزيل هذه المبادئ على أرض الواقع حتى تشمل جميع المسؤولين السياسيين والإداريين، سواء كانوا معينين أو منتخبين ، تم إصدار مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية .

وفي هذا الصدد صدر الظهير الشريف رقم 1.08.72 المتمم للظهير الشريف رقم 1.74.331 بشأن حالة أعضاء الحكومة وتأليف دواوينهم ، وكذا الظهير الشريف رقم 1.08.73 المتمم للظهير الشريف رقم 1.02.212 القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. إضافة إلى ذلك وقع تتميم ثلاثة قوانين تنظيمية تهم المجلس الدستوري ومجلس النواب ومجلس المستشارين.

وفي نفس السياق تم تعديل ثلاثة قوانين أخرى تهم النظام الأساسي للقضاة و مدونة المحاكم المالية و مجموعة القانون الجنائي كما تم إحداث قانون جديد رقم 06-54 متعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات لبعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية وبعض فئات الموظفين أو الأعوان العموميين.

وفضلا عن ذلك ، اتسمت القوانين المذكورة بالتكامل والشمولية حيث طالت مقتضياتها كل الجوانب المسطرية والإجرائية كمضمون التصريح وعناصره والفئات الخاضعة له والهيئات المكلفة بتلقي التصريحات ومسطرة تتبعها ومراقبتها وفضلا عن ذلك تم التنصيص على الجزاءات التي يستوجبها الإخلال بإلزامية التصريح وكذا السلطات التي تتخذها.

وتتوزع الفئات الملزمة بالتصريح كما جاء في النصوص المنظمة للتصريح الإجباري بالممتلكات كالتالي :

  • الملزمون المزاولون لوظائف حكومية والشخصيات المماثلة، وهم : رئيس الحكومة، الوزراء، الوزراء المنتدبون و الكتاب العامون إذا لزم الأمر، الشخصيات المماثلة لأعضاء الحكومة من حيث الوضعية الإدارية ورؤساء دواوين أعضاء الحكومة.
  • أعضاء المحكمة الدستورية.
  • نواب ومستشاري البرلمان.
  • القضاة محاكم المملكة.
  • قضاة المحاكم المالية.
  • أعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري.
  • بعض منتخبي المجالس المحلية والغرف المهنية.
  • بعض فئات الموظفين والأعوان العموميين.

 

وإجمالا يمكن تقسيم التصريحات الإجبارية للممتلكات التي جاء بها القانون إلى أربعة أنواع[6]:

  1. التصريح الأولي عند التعيين أو الانتخاب في إحدى مناصب المسؤولية المستوجبة لإلزامية التصريح.
  2. التصريح التكميلي عندما تطرأ تغييرات علي وضعية ممتلكات بعض الملزمين (قضاة محاكم المملكة، قضاة المحاكم المالية، بعض المنتخبين و بعض الموظفين والأعوان العموميين).
  3. تجديد التصريح الذي يتم في شهر فبراير كل سنتين أو 3 سنوات حسب الحالة.
  4. التصريح الذي يلي انتهاء المهام أو الانتداب لأي سبب باستثناء الوفاة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن عدم احترام إلزامية إيداع التصريح الإجباري بالممتلكات، وكذا الآجال المحددة وما نص عليه الإطار القانوني المنظم للتصريح الإجباري للممتلكات في هذا الصدد، يعرض صاحبه إلى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الجاري به العمل[7].

 

 

الفرع ثالث : هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيئـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات الضـــــــــــــــــــــــــبــــــــــــــــــط والمؤشرات التابعة لها

– الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها نموذج-

 

“ليست النزاهة حكراً على أحد في هذا العالم. من المهمّ جداً أن يؤكد البنك الدولي على أجندة النزاهة لأنه بدونها يضيع الكثير من الأموال التي يتم تجنيبها من أجل عملية التنمية.فإذا كنا فعلاً نريد أن تحدث التنمية وإذا أردنا معالجة الفقر على نحو أسرع بكثير من معالجته حالياً، يجب إذاً أن تكون النزاهة في قلب كل مانقوم به”[8].

تتكون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من ثلاث أجهزة وهي  مجلس الهيئة، رئيس الهيئة، ومرصد الهيئة. ويشغل منصب الرئيس حاليا، محمد بشير الراشدي، الذي عينه الملك، خلفا لعبد السلام بودرار، عقب استقباله له يوم الخميس 13 دجنبر2018 بالقصر الملكي.

تعد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، من الهيئات  الوطنية، التي تعمل على تخليق الحياة العامة وتحقيق الحكامة الجيدة والتقنين، وتتولى حسب الظهير[9] المنظم لها مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.

ومن بين الاختصاصات الموكلة للهيئة، تلقي التبليغات والشكايات والمعلومات المتعلقة بحالات الفساد ودراستها، والقيام بعمليات البحث والتحري عن حالات الفساد التي تصل إلى علم الهيئة، وإعداد برامج للوقاية من جرائم الفساد والإسهام في تخليق الحياة العامة.

إضافة إلى  العمل على نشر قواعد الحكامة المالية والتعريف بها، ووضع برامج للتواصل والتوعية والتحسيس ونشر قيم النزاهة والسهر على تنفيذها؛ وإبداء الرأي بطلب من الحكومة، بخصوص كل برنامج أو تدبير أو مشروع أو مبادرة ترمي إلى الوقاية من الفساد أو مكافحته.

كما تختص بتقديم كل المقترحات أو التوصيات للحكومة، وأيضا دراسة التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية المتعلقة بوضع المغرب في مجال الفساد، واقتراح الإجراءات المناسبة وتتبعها، مع إنجاز دراسات وتقارير حول الفساد المالي والإداري وسبل الوقاية منه ومكافحته ونشرها.

 

  • مؤشر مدركات الفساد CPI

 

أطلق مؤشر مدركات الفساد سنة 1995 ليصبح أحد أهم إصدارات منظمة الشفافية الدولية وأبرز المؤشرات العالمية لتقييم انتشار الفساد في القطاع العام. ويعطي المؤشر لمحة سنوية عن الدرجة النسبية لانتشار الفساد من خلال تصنيف البلدان في مختلف أنحاء العالم[10]. أصدرت منظمة الشفافية الدولية يوم الثلاثاء29 يناير 2019 تقريرها السنوي  المتعلق بمؤشر إدراك الفساد.

فعلى المستوى الوطني أوضح رئيس الحكومة أن الترتيب الذي أحرزه المغرب في مجال إدراك الفساد يعتبر مشرفا افريقيا (9) على مستوى القارة الافريقية ومشرفـــــــــــــــــــــــــــــــــــا عربيا (6) والأول على صعيد شمال افريقيا إلى جانب تونس، حيث أكد على إرادة الحكومة وعزمها على تحقيق نتائج أكبر في مجال محاربة الفساد وذلك بالتعاون مع جميع المتدخلين من إدارات وسلطات ومؤسسات دستورية ومجتمع مدني.. كما استعرض بعضا من أوراش محاربة الفساد، مثل :

  • مبادرة الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة الذي أطلق في عهد الحكومة السابقة ولازال العمل به مستمرا، حيث مكن هذا الرقم من ضبط عدد من الحالات التي أحيلت على القضاء للبث فيها.
  • ورش تجديد وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وجعلها مؤسسات عمومية خاضعة للرقابة كباقي المؤسسات العمومية
  • ورش الرقمنة عبر إنشاء وكالة التنمية الرقمية لتقود التحول الرقمي، ونزع الصفة المادية عن مختلف المعاملات والخدمات من أجل توفير الجهد والوقت، وتقديم الخدمات بشفافية.

 

أما دوليا وحسب تقرير المنظمة فهذا المؤشر يكشف عن معلومات تبعث على القلق، فعلى الرغم من مساعي محاربة الفساد في مختلف أنحاء العالم، إلا أن جهود معظم الدول تبقى متعثرة.

ولا شك أن قطع دابر الفساد لا يتحقق بين عشية وضحاها، إلا أن التقدم الذي أحرزته عدة بلدان في هذا المجال خلال السنوات الست الماضية يبقى محتشما، إن لم يكن منعدما. والأدهى من ذلك أن التحليل المفصل لنتائج المؤشر قد كشف أيضا عن  أن معظم البلدان التي تتدنى فيها مستويات حماية الصحافة والمنظمات غير الحكومية هي التي تتصدر أعلى معدلات الفساد.

يتولى مؤشر إدراك الفساد تصنيف 180 بلدا وإقليما -في المعدل المتوسط -وفقا لمدركات انتشار الفساد في قطاعها العام استنادا إلى آراء الخبراء والمسؤولين في مجال الأعمال، وذلك حسب مقياس يتراوح بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر البلدان الأكثر فسادا في حين تمثل النقطة 100 البلدان ا كثر نزاهة. وتوصل المؤشر هذه السنة إلى أن أكثر من ثلثي البلدان قد حصلت على درجة تقل عن 50 نقطة، حيث أن معدل الدرجات بلغ 43 نقطة.

 

 

 

 

 

  تطور ترتيب المغرب حسب مؤشر إدراك الفساد لمنظمة الشفافية الدولية (ترانسبارنسي IPC)
السنة 2007 2008 2009 2010 2011 2012 2013 2014 2015 2016 2017 2018
ع.النقط 35 35 33 34 34 37 37 39 36 37 40 43
الرتبة/100 72 80 89 85 80 88 91 80 88 90 81 73
الدول الخاضعة للتصنيف 180 180 180 178 183 176 177 175 167 176 183 180

 

مصدر المعطيات: الموقع الرسمي لمنظمة الشفافية الدولية ترانسبارنسي.

مصدر جمع وترتيب المعطيات  :من انجاز الباحثة ايمان بنجيلاني.                                                                                  

يتبين من خلال معطيات الجدول أن المغرب قد عرف مخاضا، خلال مساره في مكافحة الفساد، ذلك أنه ورغم كل الجهود المبذولة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية منها، ورغم كل الاصلاحات التي قام بها منذ بدايات القرن الحالي وخصوصا داخل العشر سنوات الأخيرة، لم تؤتي أكلها كما كان متوقعا.

 إلا أن ما يلاحظ كذلك، هو أن المغرب استطاع خلال سنة 2018 كسب 3 نقاط إضافية ليصل مجموع نقاطه إلى 43 نقطة من أصل 100 نقطة. وفي المقابل صعد 12 درجة  في سلم الترتيب، ليصبح متمركزا في الرتبة 73 من أصل 180 دولة شملها التصنيف.

يقصد بالفساد حسب ذات المنظمة أي (TI)، إساءة استغلال السلطة المخولة لتحقيق مكاسب خاصة[11].

الفساد = احتكار القوة + الافتقار إلى الشفافية- المساءلة.

                                    

 

  • الأسباب الرئيسية للفساد المقدمة من طرف المواطنين[12] :

1 – الإفلات من العقاب % 38

2 – الرغبة في الإثراء السريع % 36

3 – الفقر % 33

4 – غياب العدالة الأجرية % 29

 

  • المقاربة المعتمدة لإعداد الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد.

تم تبني مقاربة تشاركية وتشاورية لإعداد هذه الاستراتيجية الوطنية، من خلال إحداث لجنة للإشراف تتكون من عدد من القطاعات الوزارية وبعض هيئات الحكامة والقطاع الخاص والمجتمع المدني (برلمانيون ضد الفساد  GOPACو ترانسبرنسي المغرب).

هذه المقاربة هي نتيجة لدراسة معمقة اخذت بعين الاعتبار :

  • تقييم شامل لمختلف البرامج والمبادرات السالفة لمكافحة الفساد
  • نتائج الدراسات الميدانية التي قامت بها الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة
  • تحليل لمختلف التقارير الوطنية والدولية ذات الصلة
  • تحليل لأبرز الممارسات الدولية في هذا المجال

وقد تم  الاعتماد فيها على منهجية مبنية على الأولويات  من خلال :

  • اعطاء الأولوية للقطاعات الأكثر عرضة للفساد كالصحة والعدل والأمن والجماعات الترابية
  • التركيز على التدابير ذات الأثر المباشر على الفساد.

 

 

  • الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد

اعتماد أول استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد [13]وفق المعايير الدولية 2015-2025 :

  • تنبني على رؤية موحدة ذات أهداف واضحة قابلة للقياس.
  • تكرس الالتقائية بين البرامج والمبادرات الافقية والقطاعية .
  • تجمع بين القانوني والإجرائي وبين الزجري والوقائي والتوعوي والتربوي.
  • تعتمد على الشراكة مع كافة الفاعلين .
  • تنفذ في إطار خطة مندمجة متعددة السنوات، تحدد الموارد الضرورية ومسؤولية كافة الأطراف.
  • ترتكز على آلية للحكامة لتتبع إنجاز وتقييم البرامج وفق مؤشرات موضوعية لقياس الاداء.

 

المحور الثاني: التدابير القضائية المعتمدة  لتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

الفرع الأول: التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية

يمارس المجلس الأعلى للحسابات، بالإضافة إلى اختصاص التدقيق والبت في الحسابات، مهمة قضائية أخرى تهدف إلى معاقبة كل مسؤول أو موظف أو عون بأحد الأجهزة الخاضعة لاختصاصه في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، في حالة ارتكابه لإحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و 55 و 56 من مدونة المحاكم المالية، وبعد متابعته من طرف النيابة العامة لدى المجلس سواء من تلقاء نفسها أو بناء على الطلبات الصادرة عن السلطات المؤهلة قانونا، والمحددة في المادة 57 من المدونة.

ويجسّد هذا الاختصاص الوظيفة العقابية للمجلس [14]، إذ يتولى البتّ في مسؤولية الأشخاص المتابعين أمامه في إطار قضايا التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بواسطة قرارات، إما بعدم المؤاخذة في حالة عدم ثبوت ارتكاب المتابع المعني لمخالفة مستوجبة للمسؤولية، وفي حالة العكس، الحكم عليهم بالغرامة المناسبة حسب ظروف وملابسات الأفعال المرتكبة في إطار الحديّن الأعلى والأدنى المحددين في المادة 66 من مدونة المحاكم المالية. وبالإضافة إلى الغرامة، وفي حالة ما إذا ترتبت عن المخالفة المرتكبة خسارة للجهاز العام المعني، يحكم المجلس بإرجاع الأموال المطابقة من رأسمال وفوائد.

إلا أنه وإن كان هذا الاختصاص يكتسي طابعا زجريا وتقتبس المسطرة المتبعة بشأن ممارسته الخصائص الأساسية التي تتسم بها المسطرة الجنائية، لاسيما الفصل بين الوظائف القضائية الثلاث: سلطة المتابعة وسلطة التحقيق وسلطة الحكم وضمان حقوق الدفاع، فإن المساءلة في إطار هذا الاختصاص تختلف من حيث الموضوع عن المساءلة الجنائية، وهو ما كرسته مدونة المحاكم المالية في مادتها 111 بالنص على مبدأ قابلية تراكم المتابعات أمام المجلس مع الدعوى الجنائية.

ويتجلى هذا الاختلاف بالأساس على مستوى نطاق مبدأ شرعية المخالفة وعلى صعيد أركان قيام المسؤولية. فخلافا للمساءلة الجنائية، لا يشترط توفر الركن المعنوي في المخالفات المرتكبة لقيام مسؤولية المتابعين أمام المحاكم المالية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، بل تثار مسؤوليتهم بمجرد ثبوت الفعل المخالف للقاعدة القانونية عندما يتعلق الأمر بالمخالفات المادية والشكلية أو تحقق العلاقة السببية بين الفعل المرتكب والنتيجة المترتبة عنه بخصوص مخالفات النتيجة، وذلك بغض النظر عن إرادة مرتكبي هذه المخالفات.

وبالتالي، تنصب المساءلة في هذا المجال، على وظيفة المسؤول المتابع ومدى قيامه بواجباته المهنية، وبصفة عامة، بالمهام المنوطة به طبقا للقوانين والأنظمة السارية على الجهاز العمومي الذي يتولى داخله مهاما وظيفية تترتب عنها مسؤوليات.

أما من حيث نطاق مبدأ شرعية المخالفة، وكما هو الشأن بالنسبة للمساءلة التأديبية بشكل عام، اتجهت محكمة النقض حاليا نحو التوسيع في تحديد مفهوم القواعد القانونية التي قد يترتب عن عدم احترامها إثارة مسؤولية الأشخاص الخاضعين لاختصاص المحاكم المالية في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، حيث قضى في اجتهاداته بأن ” قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص إنما تخص تطبيق القانون الجنائي وموضوع المتابعة المعروضة هو المجال التأديبي الذي يخضع للقوانين والأنظمة والمناشير والدوريات إلى جانب خضوعه لما يعتبر من المسلمات البديهية التي لا تحتاج إلى تنظيم أو. تقعيد…” .[15]

في نفس الاتجاه، تستوعب المخالفات المستوجبة للمسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، والمنصوص عليها في المواد 54 و 55 و 56 من مدونة المحاكم المالية، فضلا عن حالات خرق القواعد القانونية، أي المخالفات الشكلية، تلك المرتبطة بمنح امتيازات غير مبررة، والتي تمنح للأخلاق والقيم التي يجب أن تسود في الحياة العامة أهمية كبيرة.

كما يمتد مجال المساءلة، في هذا الإطار، إلى الاختلالات التي تشوب نظام الرقابة الداخلية

بالأجهزة العمومية الخاضعة، والتي يترتب عنها ضرر، وهي مخالفة تضفي سمة خاصة على

النموذج القضائي للأجهزة العليا للرقابة لانسجامها مع المهام الرقابية والأهداف التي أحدثت من أجلها هذه الأجهزة، والتي تتجلى في المساهمة في تحسين أداء الأجهزة العمومية الخاضعة وتفادي تكرار مسببات ارتكاب المخالفات المستوجبة للمسؤولية .

إن اختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، كوظيفة عقابية لجهاز أعلى للرقابة على المالية العامة، يروم تحقيق الردع العام وزجر الاخلال بالواجبات الوظيفية للمدبرين العموميين وتحقيق انضباطهم للقواعد القانونية المؤطرة للتدبير العمومي.

 

 

الفرع الثاني: التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات

  • تقرير حول تنفيذ مشروع الحسيمة منارة المتوسط-مقتضب-

قام المجلس الأعلى للحسابات بفحص برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة “منارة المتوسط” وذلك في إطار اختصاصاته في مجال تقييم المشاريع العمومية .ولإنجاز هذه المهمة، قام المجلس بدراسة التقرير المعد من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والذي تسلمه المجلس من الحكومة بتاريخ3 أكتوبر 2017 طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية.

كما قام بدراسة الوثائق والبيانات المقدمة إليه بناء على طلبه، من لدن الوزارات والأجهزة العمومية المشاركة في هذا البرنامج. بالإضافة إلى تتبع مسطرة الاستماع إلى عدد من مسؤولي الأجهزة العمومية المعنية.

وبالرغم من أن مراجعة الوثائق والبيانات لم تسفر عن الوقوف على حالات غش أو اختلاس، فإن المجلس سجل بالمقابل عدة اختلالات شابت مرحلتي إعداد وتنفيذ هذا البرنامج.

خلال مرحلة الإعداد، تبين من دراسة مكونات هذا البرنامج أنه لم ينبثق عن رؤية استراتيجية مندمجة تتقاسمها جميع الأطراف، حيث إن الجدول الزمني التوقعي لإنجازها اكتفى بتحديد المساهمات السنوية للأطراف المشاركة، إذ أنه في غياب المبالغ المرصودة لكل مشروع على حدة، تبقى هذه المساهمات ذات طابع تقديري أما فيما يخص الاتفاقية-الإطار التي تم توقيعها أمام جلالة الملك بتاريخ 17 أكتوبر 2015 بتطوان والتي تشكل الإطار التعاقدي بين جميع الأطراف، فإنه كان على كل من وزارة الداخلية وولاية الجهة أن تتأكد أنها مدعمة بمستندات أساسية كقائمة المشاريع المدرجة في البرنامج والتقديرات المحينة للتكاليف المرتقبة ومصادر التمويل، عوض اقتصارها على مقتضيات ذات طابع عام.

وقد اتسم إنجاز البرنامج ببطء انطلاقته، حيث أنه منذ التوقيع على الاتفاقية الإطار في أكتوبر 2015 وإلى غاية شهر فبراير 2017، لاحظ المجلس ضعف، بل غياب أية مبادرة فعلية للشروع في إنجاز المشاريع من قبل أغلبية المتدخلين على المستويين المركزي والمحلي. إذ أنه من بين 644 مشروعا مبرمجا لم تسجل حصيلة سنة 2016 سوى إنجاز 5 مشاريع بقيمة 146,8 مليون درهم والبدء في إنجاز 45 مشروعا آخرا بقيمة 565 مليون درهم.

و يعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن قرار تكليف الوكالة بإنجاز عدد كبير من المشاريع بمبلغ إجمالي يفوق 3 مليار درهم، أي 46 % من مجموع ميزانية البرنامج، يعرض تنفيذ المشاريع الى مجموعة من المخاطر من حيث التتبع والتكلفة والآجال. كما أن اللجوء المتسرع إلى خدمات الوكالة من طرف عدة قطاعات وزارية، كالتربية الوطنية والصحة والشبيبة والرياضة والثقافة والبيئة، يبقى غير مبرر ويعكس ميلا نحو التملص من التزاماتها على حساب هذه الوكالة، وذلك بالرغم من توفر هذه الوزارات على القدرات اللازمة والخبرة الكافية لإنجاز مشاريع مماثلة يتم تنفيذها بصفة اعتيادية على الصعيد الوطني.

تجدر الإشارة أن الاتفاقية الإطار خصصت مبلغ 1,2مليار درهم كمساهمة من وزارة الداخلية لفائدة المجلس الإقليمي ومبلغ 600 مليون درهم من وزارة المالية لفائدة مجلس الجهة، دون تحديد المشاريع المزمع تمويلها بواسطة هذه المساهمات.

وكل الاختلالات السابق ذكرها تعزى أساسا إلى نقائص في منظومة الحكامة، والتي لم يكن من الممكن رصدها –أي الاختلالات- إلا بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإخضاع كل المسؤولين عن تنفيذ المشروع على اختلاف درجاتهم للمحاسبة والمساءلة.

فهذا التقرير الذي تم إعداده بناء على توجيهات ملكية ، يعد بمثابة الشعلة التي أعطت الإنطلاقة لأجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بعد ست سنوات من تركه جامدا حبيس الوثيقة دستورية.

وجدير بالذكر على أنه رغم عدم تسجيل القيام بأي جريمة من جرائم الأموال من طرف المسؤولين ، وأن الأمر يتعلق فقط بسوء في الحكامة وسوء في التدبير إلا أنه يبقى للمال العام حرمته وأجهزة تسهر على تدبيره تدبيرا جيدا و مسؤولا. ونتيجة لذلك تم إعفاء مجموعة من الوزراء من مهامهم وتوقيع بعض العقوبات الإضافية الأخرى كالحرمان من شغل مناصب المسؤولية مستقبلا.

 

  • تقرير حول تنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2017-مقتضب-

لاحظ المجلس وجود تباين في المعطيات الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، حيث يتم إعداد التقارير حول تنفيذ ميزانية الدولة بناء على وضعية تكاليف وموارد الخزينة التي تنشرها مديرية الخزينة والمالية الخارجية وكذا النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية التي تصدرها الخزينة العامة للمملكة. غير أنه يلاحظ غياب الانسجام على مستوى بعض المعطيات المتعلقة بالتوقعات والإنجازات الواردة في كلا البيانين.

ويؤدي غياب هذا الانسجام إلى ضعف مقروئية وصعوبة استغلال المعطيات المتعلقة بميزانية الدولة خصوصا وأن الفروق المسجلة، والتي تكون في الغالب غير مفسرة، تهم عدة مؤشرات منها ما هو أساسي للقيام بتحليل سليم لنتائج تنفيذ الميزانية. فعلى سبيل المثال، حدّدت وضعية تكاليف وموارد الخزينة مجموع المداخيل العادية المنجزة خلال سنة 2017 في مبلغ 229.886 مليون درهم مقابل 222.724 مليون درهم تم تسجيلها في التقارير الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، أي بفارق بلغ 7.162 مليون درهم، كما تم تسجيل نفس الحالة بالنسبة للرصيد العادي الذي حدد في مبلغ 24.125 مليون درهم على مستوى وضعية تكاليف وموارد الخزينة مقابل مبلغ 15.826 مليون درهم الوارد في النشرة الشهرية لإحصائيات المالية العمومية أي بفارق 8.299 مليون درهم.

بالإضافة إلى ذلك، ورغم ضرورة تفريد نفقات المعدات والنفقات المختلفة فإن هذه الأخيرة يتم تجميعها، على مستوى وضعية تكاليف وموارد الخزينة، مع التكاليف المشتركة (دون احتساب تكاليف المقاصة) تحت عنوان “نفقات السلع والخدمات” دون كشف معطيات تفصيلية عنها.

عدم ملاءمة مداخيل الحسابات المرصدة لأمور خصوصية لحاجياتها الفعلية تتوفر بعض الحسابات المرصدة لأمور خصوصية على مداخيل تتجاوز بشكل ملحوظ مستوى نفقاتها. وتعكس هذه الوضعية الخلل المسجل في عملية تخصيص الموارد والذي غالبا ما يتم على حساب قطاعات وزارية أخرى أو مؤسسات لا تستفيد من مخصصات كافية وهو ما يرهن إنجازها لبرامجها الاستثمارية في الوقت المحدد.

وقد أدى تخصيص مداخيل هامة للحسابات الخصوصية للخزينة إلى تراكم مهم لأرصدتها، حيث حققت هذه الحسابات سنة 2017 ، فائضا قدره 12.832 مليون درهم مقابل توقعات بمبلغ 8.237 مليون درهم أي بفارق 56%.

من خلال تحليل تنفيذ نفقات الاستثمار الخاصة بالوزارات، وباستثناء التكاليف المشتركة المنجزة أساسا على شكل تحويلات، تم تسجيل نسب متواضعة لتنفيذ الميزانية العامة للاستثمار بحيث تجاوز المعدل الإجمالي لتنفيذ هذه النفقات معدل التنفيذ المتوسط للوزارات بحوالي 20% .

كما تجدر الإشارة إلى صعوبة القيام بتحليل دقيق لتنفيذ نفقات الاستثمار المحولة إلى الحسابات الخصوصية للخزينة وذلك بسبب غياب تفريد لها على مستوى ميزانيات هذه الأخيرة مع العلم أن خطر تأجيل تنفيذ نفقات الاستثمار المتعلقة بالميزانية العامة للدولة المبرمجة برسم سنة 2017 إلى السنوات اللاحقة يهم أيضا الاعتمادات المحولة إلى المؤسسات والمقاولات العمومية على شكل منح.

 

  • حول تقرير مراقبة صندوق الايداع والتدبير2019-مقتضب-

كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات العديد من مظاهر الخلل في تسيير مؤسسة صندوق الايداع والتدبير[16] ، من بينها تطاول الصندوق على اختصاصات رئيس الحكومة، مبرزا كذلك مستوى الوضعية المالية الصعبة التي تعيشها المؤسسة على مستويات الحكامة، الاستثمار، القانون. التقرير رصد لأول مرة اختلالات مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير الذي يعد أكبر مؤسسة مالية تشرف على تدبير مالية الدولة، منذ تأسيسه سنة 1959. قد بلغ عدد الشركات التي يشرف على تدبيرها إلى حدود سنة  2017  ما مجموعه 143 شركة.

ثم إن افتحاص عمليات المساهمة في رأسمال عينة من الشركات الفرعية والمساهمات المالية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، كشف عدم تقيد هذا الأخير بالحصول على الإذن المسبق من قبل رئيس الحكومة. وهذا يعد تطاولا على صلاحيات رئيس الحكومة ذلك أن مثل هذه العمليات تقتضي إذنا من هذا الأخير وذلك عملا بمقتضيات المادة 8 من القانون 89-39[17].

فالتقرير رصد مجموع الاختلالات والخروقات على مستوى الوضعية المالية أو الاستثمارية أو القانونية وكذا على مستوى الحكامة وغيرها من القطاعات التي انخرط فيها الصندوق.

حيث تبين للمجلس وجود قصور في مواجهة نقط الضعف التي تطال الرقابة الداخلية للصندوق، غياب منظومة تدبير المخاطر على مستوى المجموعة برمتها، قصور على مستوى  تدبير المخاطر المرتبطة بالأسواق المالية، لاسيما عدم تحيين دليل المساطر وغياب مساطر محددة لتقييم الوضعيات داخل السوق.

إضافة إلى رصد تفاقم المخاطر تم تسجيل تراجع على مستوى المداخيل وارتفاع نسبة الخســـــــــــــــــــــــــائر، بالإضافة إلى غياب رؤية استراتيجية –الاستثمار في الأوراق المالية المدرجة بالبورصات العالمية رغم افتقاره للخبرة في هذا المجال، حيث خصص موارد مهمة لهذا الغرض دون الأخذ بالاحتياطات الواجبة لترشيد الاستثمارات ودون وضع المبادئ الاحترازية المتعلقة بالتدبير المحكم لهذا الصنف من الاستثمارات-.

 

المحور الثالث: محدودية تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

الفرع الأول: استئثار المؤسسة الملكية بالمبادرة في تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة

على غرار ما ينص عليه الفصل 47 من الدستور  في فقرته الرابعة والتي تعطي الحق لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك اعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، فإنه عمليا يلاحظ أن جل قرارات الإعفاء التي طالت مسؤولين حكوميين بعد سنة 2011 ، كانت بمبادرات ملكية جاءت كتنزيل لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور أي تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ، حيث يحرص الملك على أن يطبق المبدأ على كل مسؤول تبث في حقه القيام بتصرف  غير سليم كالتلاعب بالمال العام أو إهداره اختلاسه أو صرفه في غير الأمور التي رصد من أجلها أو حتى تدبيره تدبيرا سيئا يفتقر لمبادئ الحكامة الجيدة.

فلطالما شدد الملك -ولازال- في العديد من المناسبات على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير الشأن العام وعلى أهمية التفعيل لما تستلزمه مواقع المسؤولية من تفاني وعمل جاد.

إن  تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال الإعفاءات التي طالت مجموعة من الوزراء تبرهن على حرص الملك على تنفيذ وعوده التي قدمها في خطابته في أكثر من مناسبة والمتعلقة بالسهر على التطبيق الأمثل لمقتضيات الدستور . وأمام الكم الهائل من المسؤوليات الملقاة على عاتق الملك أصبح من غير المعقول إثقال كاهله بالتتبع ومراقبة أعمال المسؤولين والسهر على تنفيذ المشاريع التي تتطلبها تنمية البلاد.

إن المغرب يعتبر دولة المؤسسات وأن لكل مؤسسة اختصاص واستقلالية عن مؤسسة أخرى، لذلك أصبح من الضروري إعادة النظر في تحديد مؤسسة تتوفر على آليات فعالة ومتطورة وموارد بشرية ذات كفاءة عالية، مؤسسة ترعى وتحفز المسؤولين في حال قيامهم بمسؤولياتهم على الوجه الأكمل، وتمتلك سلطة الردع والزجر لتنزيل العقاب على كل سولت له نفسه العبث بالمال العام وعدم تدبيره تدبيرا جيدا معقلنا تتحقق به مقاصد الحكامة المالية.

 

الفرع الثاني:  استثناء فئة الآمرين بالصرف من الاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات

حددت مدونة المحاكم المالية الأشخاص المعنيين بالمسطرة المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، وتشمل حسابات المحاسبين العموميين والموظفين والأعوان الذين يعملون تحت سلطتهم أو لحسابهم، وعلى كل مراقب الالتزام بالنفقات والمراقبين الماليين والموظفين والأعوان العاملين تحت إمرتهم أو لحسابهم، كما أنها رقابة تمارس في حق الآمر بالصرف والآمر بالصرف المساعدين وكذا الأعوان الذين يشتغلون تحت سلطتهم أو لحسابهم في نطاق اختصاصاتهم المالية. وتختص المحاكم المالية بالبت والتدقيق والتحقيق في طرق تدبير العمليات المالية العمومية من مداخيل ونفقات الميزانية العامة لتحديد المسؤولية عن أية اختلالات تشوبها ومعاقبة التجاوزات والخروقات الثابتة في حق المعنيين بالأمر، وتسري العقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم على كل آمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول، وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم أو لحسابهم، إذا ما اقترفوا، أثناء ممارسة مهامهم، إحدى المخالفات المالية المنصوص عليها في الفصل المذكور.
إن مسطرة المتابعة تبقى ناقصة، لكونها تستثني من الرقابة والمتابعة أهم فئة من الآمرين بالصرف، وهم الوزراء الذين يديرون المالية العامة في منبعها، وأعضاء مجلسي البرلمان، وهو ما يؤثر على نجاعة المحاكم المالية في الرقابة، ويجعل مراقبة المال العام محدودة، أمام صعوبة إثارة المسؤولية الجنائية للوزراء أمام المحاكم.
وتنص المادة 52 من مدونة المحاكم المالية، على أنه لا يخضع للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات، في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة.

وهذا المقتضى يتناقض مع ما نص عليه الدستور في الفصل 94 والذي يقضي بكون أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم، إضافة إلى تناقضه  مع الخطابات الملكية التي تتشبث بكون أن مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يخضع له كافة المسؤولين على اختلاف درجات مسؤولياتهم ومهما بلغ مركزهم الاجتماعي،.

وبالتالي فإن البرلمان مطالب بالعمل على تحيين مدونة المحاكم المالية لملائمتها مع مقتضيات الوثيقة الدستورية وإقرار مبدأ المساواة وأنه لا أحد فوق القانون ، كما أنه ملزم بتعزيز دوره التشريعي والرقابي من أجل ضمان الانخراط الفعلي في مكافحة الفساد وإرساء أسس المساءلة والشفافية في تدبير المال العام.

الفرع الثالث: افتقار  المجلس الأعلى للحسابات لسلطة الردع

خصص الدستور الجديد حيزا هاما للمجلس الأعلى للحسابات، وهو ما يبرز الأهمية التي تحظى بها هذه المؤسسة في مراقبة تدبير المال العام. وأعطى الدستور الأهمية القصوى للتقارير التي يصدرها المجلس.

وقد كشفت التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات خلال السنوات الأخيرة، وجود اختلالات خطيرة في تدبير المال العام ، فرغم الأهمية التي تكتسيها  هذه التقارير ، فإن هناك قصور في النصوص القانونية المتعلقة بإحالة هذه الملفات على القضاء، وتحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين، وكذا، محدودية الرقابة التي يمارسها قضاة هذه المحاكم لعدم توفرها على قوة الردع، ما كرس نهب المال العام وسوء التدبير وتبذير الأموال العمومية.

وما زال الجدل قائما حول مصير الملفات الواردة في التقرير، والتي تتطلب متابعة جنائية، وهو ما يطرح إشكال حدود التماس بين الحكومة والقضاء في إحالة ملفات قضاة المجلس الأعلى للحسابات، وبين الجدل المطروح حول حدود العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية في التعامل مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات[18].

فلطالما طالبت الشبكة المغربية لحماية المال العام بتوسيع اختصاصات المجلس وتمكين قضاته من القيام بمهامهم القضائية، على اعتبار أن حجم الأموال العامة التي يتم نهبها أو تبذيرها سنويا في كافة القطاعات والمؤسسات، تتطلب وجود مؤسسات قوية حتى تتمكن من وقف هذا النزيف الذي يؤثر بشكل مباشر وخطير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.

إن الأحكام الصادرة عن المحاكم المالية لا يكون لها سوى قوة نسبية للشيء المقضي به، مقارنة مع قرارات القاضي الجنائي التي تكتسي قوة مطلقة للشيء المقضي به، ما يستدعي إلزامية خلق آليات التنسيق بين القاضي المالي والقاضي الجنائي.
إن المهمة الأساسية للقضاء العادي، هي زجر الأفعال المجرمة بمقتضى القانون الجنائي، والتي تمس بالأموال العمومية. وهي المهمة نفسها التي يحرص عليها القضاء المالي، أي أنه يرمي إلى حماية هذه الأموال من الضياع والإتلاف. وكذا السهر على مراقبتها ثم تدبيرها بشكل يراعي تحقيق المصلحة العامة.
وإذا كان القانون يلزم القاضي المالي بإخبار القاضي الجنائي بالتجاوزات أو الخروقات التي تتطلب حكما جنائيا، ففي المقابل يظهر غياب مقتضيات قانونية تلزم القاضي الجنائي من جهته بتبليغ القاضي المالي بالخروقات التي تتطلب تدخله. في حين يلاحظ، على مستوى التشريعات المقارنة، أن القانون يجبر القاضي الجنائي بإخبار وتبليغ القاضي المالي بالمتابعات والجزاء[19].

خاتمة

أضحت الضرورة ملحة لالتزام الوزارات ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية بالإفصاح عن مخططاتها وبرامجها الكاملة في الوقت المناسب بما يراعي مبادئ الشفافية النزاهة، وتوضيح كيفية تنفيذها لمهامها ومبررات القرارات التي تتخذها، مع وجوب التفاعل المباشر مع الانتقادات والمطالب التي يعبر عنها المواطنون، ثم أن تتحمل هذه الوزارات المسؤولية عن الأخطاء التي تقع أو الفشل الذي ينتج عن تلك القرارات درء لكافة مظاهر الفساد مع توفير آلية واضحة تتيح للمواطن حق المحاسبة والمساءلة.

إضافة الى ضرورة اعتماد ثقافة دراسة الأثر على المواطنين قبل اعتماد وتنفيذ أي سياسة عمومية فعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة ورغم تنزيل استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة وتخليق الحياة العامة لازال مؤشر إدراك الفساد بالنسبة للمغرب  وفي أكثر من مجال ، يحقق أرقاما لا تعكس مستوى التوقعات الحكومية ولا ترقى إلى المرتبة التي تجعل من المواطن يلحظ أثرها.

فبمقدور هاته الإجراءات أن تكون دعامة حقيقية لبلوغ حكامة جيدة قوامها النزاهة والشفافية وسلاحها ربط المسؤولية بالمحاسبة.

 

[1]   Maurice MC Tigue, « Accountability in a results oriented world » congrès 2003 de la société canadienne d’évaluation, in SCE site web.

[2]  محمد البكوري، المسؤولية و المحاسبة-التلازم المطلق من اجل الادراك المنشود- مقال منشور بموقع العلوم القانونية.

[3]  محمد براو، الشفافية والمساءلة والرقابة العليا على المال العام في سياق الحكامة الرشيدة، مطبعة دار القلم، الطبعة الأولى، صفحة20.

[4]  محمد براو ، مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة-جولة من الداخل- ، مقال منشور بموقع Marocdroit.com..

[5]  عرف تاريخ 15 فبراير من سنة 2010 دخول الإطار القانوني المتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات حيز التنفيذ. ولقد تم نشر هذا الإطار القانوني بالجريدة الرسمية بنسخته العربية بتاريخ 03 نوفمبر 2008 تحت عدد 5679، وبالنسخة الفرنسية بتاريخ 06 نوفمبر 2008 عدد 5680.

[6]  ولعل هذا ما كان  قد أوصى به  تقرير مجوعة العمل بشأن تفعيل قانون الاقرار بالممتلكات، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة، عدد25، 2001،صفحة 80—82.

7  تقرير المجلس الأعلى للحسابات  حول إلزامية  تقديم التصاريح المتعلقة بالممتلكات.

 

[8]  هيوجيت لابيل، رئيسة منظمة الشفافية الدولية، وهي تتحدث في يوم النزاهة في البنك الدولي.

[9] ظهير شريف رقم 1.15.65 صادر في 21 شعبان 1436( 9يونيو 2015) بتنفيذ القانون رقم 113.12 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.

[10]  http://www.transparency.org/research/cpi.

[11]  مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة-UNODC-.

[12]  الدراسة الوطنية حول الفساد -الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة 2014.

[13]  المصدر:الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد- وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية2017.

[14]  تطبق المجالس الجهوية للحسابات نفس المقتضيات بشأن ممارستها لاختصاص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية مع مراعاة بعض

الاختلافات ذات الصلة بطبيعة الأجهزة الخاضعة لهذه المجالس. وتنظم مقتضيات الفصل الثاني من الكتاب الثاني من القانون رقم 62.99

المتعلق بمدونة المحاكم المالية ممارسة هذا الاختصاص من طرف المجالس الجهوية للحسابات.

[15]   قرار المجلس الأعلى عدد 594 المؤرخ في 11 أكتوبر 2001،

[16]  وهي منظمة لتأمين المدخرات والاستثمارات الوطنية.

[17]  القانون 89-39 تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 98-34 المتعلق بتحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص.

[18]  محمد اليوبي- نعمان اليعلاوي- كريم أمزيان ، ما مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات، مقال منشور بالجريدة الإلكترونية أخبار بريس.

[19]  محمد الأعرج ، ” غياب لآليات التنسيق بين القضاء المالي والقضاء الجنائي”، مقال منشور بالجريدة الإلكترونية  أخبار بريس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى