رجعية القانون الضريبي في ضوء الاجتهاد القضائي ـ الدستوري والإداري ـ
رجعية القانون الضريبي في ضوء الاجتهاد القضائي
ـ الدستوري والإداري ـ
يعتبر مبدأ “عدم الرجعية”من المبادئ الدستورية الهامة، التي كفلها المشرع لحماية الأفراد ضد أي تدخل تشريعي قد يمس مصالحهم.
ويقصد به عدم سريان حكم القانون على الوقائع والتصرفات وآثارها التي تمت قبل نفاذه، وهو مبدأ تسنده ثلاث حجج هي المنطق والعدل والمصلحة[1]،بحيث أن سريان القانون يبدأ من تاريخ لاحق على صدوره لا من تاريخ سابق؛ أي على الوقائع التي تحدث لاحقا، لا على الماضي[2].
والحال أنه قبل دخول الدستور المغربي لسنة 1962، صدرت عدة ظهائر وطبقت بأثر رجعي نذكر منها؛ ظهير 10 نونبر 1956 المتعلق بمدونة القضاء العسكري،وظهير 27 مارس 1958 المؤسس للجنة تتبع مؤامرة 20 غشت 1953، وظهير 29 أكتوبر 1959 المتعلق بقضية الزيوت المسمومة[3].
وقد منع المشرع الدستوري المغربي رجعية القوانين في الفصل السادس من دستور2011[4] إسوة بالدساتير التي عرفتها المملكة. أما التشريع الفرنسي فدستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 لم ينص على هذا المبدأ، ولم يتم التنصيص على مبدأ عدم الرجعية إلا في المادة الثانية من القانون المدني[5][5]، والمادة الثامنة لإعلان حقوق الإنسان لسنة 1789[6].
ويلاحظ من خلال الفصل السادس من الدستور أن عبارة”وليس للقانون أثر رجعي” وردت على سبيل العموم؛ أي أن مبدأ عدم رجعية القوانين يسري على جميع القوانين دون استثناء بما فيها القوانين المالية والقوانين الضريبية[7] .
فمسألة تنازع القوانين من حيث الزمان تثير مشاكل جمة وصعوبات كبيرة لاسيما بالنسبة للأعمال والتصرفات القانونية التي نشأت في ظل القانون القديم ولكن آثارها استمرت في ظل القانون الجديد، وأصبح من البديهي القول أن الدول عادة ما تقيم نظامها القانوني على أساس رصين ومبدأ قويم يتمثل في سريان أحكام القانون أيا كان فرعه والمجال الذي ينظمه بأثر مباشر لا يقبل الرجعية وليس فيه خطاب لما جرى من أعمال قانونية نشأت وانقضى نحبها في الماضي، وليس من المستغرب أن نجد مثل هذا المبدأ يحكم القانون الضريبي الذي فيه من الأحوال والاعتبارات ما يجعل تطبيقه عليه ينال الأولوية والأسبقية.
وتتميز القوانين الضريبية بخاصية عدم الاستقرار من حيث الزمان[8]، ويكاد ينعقد الاتفاق قضاء وفقها وتشريعا على أن أحكام القانون الضريبي تتناول اقتطاع جزء من أموال الشخص وتوريدها إلى الخزينة العامة بدون مقابل. وهذا الاقتطاع يمر عادة بمراحل عديدة تبدأ بتحقق الوعاء الخاضع للضريبة وتحديد مقداره ثم تحديد مقدار الضريبة وأخيرا اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحصيلها، ومن المسلم به أن إتمام كل هذه المراحل قد يتطلب، في كثير من الضرائب، فترة زمنية ليست بالقصيرة، مما يعني أنه ليس بالضرورة أن تحدث جميعا في ظل قانون ضريبي واحد، بل قد يتحقق بعضها في ظل القانون الضريبي القديم بينما لا يكتمل البعض الآخر ولا ينجز إلا في ظل القانون الجديد وهذا ما يفتح باب التساؤل والاجتهاد في الوقت ذاته حول أي قانون واجب التطبيق، القديم أم الجديد، وإذا كان الأخير، يجب ألا يصطدم مع مبدأ عدم الرجعية.
وفي هذا الإطار وضع كل من القضاء الدستوري والإداري معايير وضوابط، للسماح للمشرع بسن قواعد قانونية تسري بأثر رجعي، وذلك حماية لاستقرار المراكز القانونية للملزمين[9].
فكيف تعامل القضاء الدستوري والإداري مع الاستثناءات التي ترد على مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية؟
للإجابة على هذا السؤال المحوري؛ سيتم تقسيم الموضوع إلى محورين؛ وذلك على الشكل التالي:
المحور الأول: القضاء الدستوري ورجعية القانون الضريبي
المحور الثاني: القضاء الإداري ورجعية القانون الضريبي
أولا: القضاء الدستوري ورجعية القانون الضريبية
تتجلى الوظيفة التقليدية للقضاء الدستوري في المادة الضريبية، في مراقبة وضبط السلطة الضريبية، وكذا حماية حقوق وحريات الملزمين من تعسفات الإدارة الضريبية.
وبالرجوع إلى القضاء الدستوري الفرنسي، وعلى الرغم من خلو الدستور الفرنسي من أي نص يمنع بموجبه سن قوانين ترتب آثارا على الفترة السابقة لصدور النص، فإن ذلك لم يمنع المجلس من الاعتراف بالقيمة الدستورية لإعلانات الثورة بناء على ما ورد في ديباجة الدستور، والتي أعلنت تمسكها بمبادئ الثورة الفرنسية لعام 1789، وأول إقرار بذلك كان في 27ـ01ـ1973[10]، وقد عمل المجلس بموجب قرار 155 الصادر عام 1982 بتوسيع نطاق المادة الثامنة من الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، التي تنص على مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية، ليشمل العقوبات المتخذة في المجال الضريبي؛ حيث لم يكن فيما قبل يبسط الرقابة إلا على القوانين الجنائية دون غيرها(قرار126)[11].
وقد استقرالقضاء الدستوري في التجارب المقارنة على مجموعة من الضوابط والمعايير، للسماح لرجعية القوانين الضريبية، والتي حاول القضاء الدستوري المغربي تبنيها رغم ضعف التبرير والتأويل، ومنها نجد:
ـ أن يكون القانون الصادر بأثر رجعي يرمي إلى تحقيق مصلحة عامة.
ـ مراعاة القرارات القضائية الحائزة على قوة الشيء المقضي به.
ـ عدم مخالفة مبدأ عدم رجعية المقتضيات ذات الطابع الجزائي، وإجراءات التقادم،
ـ عدم المساس بحق الملكية[12].
والملاحظ هنا أنه عندما قضى المجلس الدستوري الفرنسي رجعية القوانين المفسرة في المجال الضريبي، فقد اقتصر فقط على هذا النوع من القوانين ولم يتوسع في باقي مواضيع قوانين المالية، كالإعفاء من الضرائب والرسوم أو فرضها[13].
لكن، بعد سنة 2013، دشن القضاء الدستوري الفرنسي، مرحلة جديدة، في رقابته على القوانين الضريبية، خصوصا بعد السماح بالطعن في دستورية القوانين في فرنسا، بحيث اعتبر أن المس بحقوق الأشخاص جراء رجعية القوانين الضريبية، يجب أن يعلل من قبل المشرع بسبب ضروري وشافي للمصلحة العامة[14].
وبالعودة إلى المجلس الدستوري المغربي يلاحظ أنه قد سار على نهج القضاء الدستوري الفرنسي، وباستقرائنا للقرار رقم 467ـ201 يتضح أنه أحدث تراجعا غير عادي في المنظومة الدستورية والقضائية بخصوص مدلول الفصل الرابع من دستور1996؛ ففي سنة 2001 أحيل عليه مشروع قانون مالية 2002، باعتباره أول قانون مالي يعرض على أنظار القضاء الدستوري، وذلك بهدف التصريح بعدم دستورية المواد 6 و15 و45 و47 منه، وأن الحكومة أساءت استعمال الفصل 51 من الدستور لتبرير رفضها للتعديلات المقدمة من أعضاء مجلس النواب على مشروع قانون المالية. وفي إطار نظره في المادة 6 التي تنص على
أن:”
1 ـ تعفى لحوم الدواجن والأبقار والأغنام المستوردة لفائدة القوات المسلحة الملكية من الرسوم والضرائب المفروضة عند الاستيراد.
2ـ تطبق أحكام البند 1 أعلاه ابتداء من فاتح يناير 1996[15].
أكد المجلس الدستوري بأن مبدأ عدم رجعية القانون ترد عليه استثناءات؛ فجاء فيه:”لكن حيث
إن مبدأ عدم رجعية القانون المنصوص عليه في الفصل الرابع من الدستور لا يشكل قاعدة مطلقة إذ ترد عليه استثناءات تقوم بخصوص قانون المالية على معيار يبررها، يستند إليه المشرع في إصلاح أوضاع غير عادية محددة من طرف الإدارة وتهدف إلى الصالح العام”[16].
ومن هنا يتضح على أنه، ورغم وضوح الفصل الرابع من دستور 1996، إلا أن المجلس الدستوري خول للمشرع إمكانية ترتيب استثناءات على مبدأ عدم رجعية القوانين وبذلك يكون المجلس قد فتح باب الاجتهاد، رغم أن المبدأ كما ورد في الفصل الرابع لا يقبل أي تأويل أو تفسير[17].
لكن ما يؤاخذ على هذا القرار هو عدم إبرازه للمصلحة العامة؛ التي جاء بها لتبرير رجعية القوانين، كما أنه لم يكشف عن السند الدستوري لهذه المصلحة، ويبيح من خلاله التخلص من مبدإ دستوري لاعتبارات غير واضحة، وهو ما يشكل ضربا لضمانة أساسيا أقرها الدستور حماية لحقوق الملزمين.إن المجلس الدستوري بهذا القرار فتح بابا يصعب إقفاله[18].
ترتيبا عليه، يلاحظ من قرار المجلس الدستوري أن مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية، قد ترد عليه بعض الاستثناءات فيما يخص قانون المالية متى كان الهدف منه تحقيق الصالح العام.
ومن الاستثناءات التي قد ترد على مبدأ عدم رجعية النصوص الضريبية نجد:
ـ سريان القوانين الضريبية بأثر رجعي لأنها لا تتضمن أحكاما موضوعية ولا تضيف جديدا إلى القانون السابق، بل كل ما تفعله هو بيان ما يضمر من أحكام النص الضريبي، ولذا فهي تعتبر جزءا مكملا له فيلحق به، ويستند صدوره إلى تاريخ نفاذه أي يعتبر كما لو كان قد صدر في ذات الوقت الذي صدر فيه القانون محل التفسير ويطبق على الوقائع التي حدثت قبل صدورها ما لم يفصل فيها بحكم نهائي، ومن قبيل القوانين التفسيرية تصحيح الأخطاء بصورة رجعية لأنها لا تضيف جديدا في الموضوع، بل تقتصر على استبدال الخطأ بالصواب .
ـ النص الصريح على الرجعية ويقصد بهذا الاستثناء أن ينص المشرع في القانون الجديد على أنه يسري بأثر رجعي من تاريخ يحدده[19].
إن من شأن هذا التراجع الذي كرسه الاجتهاد القضائي الدستوري في احترام مبدأ عدم رجعية القوانين إضعاف رقابة المجلس على القوانين المتضمنة لمقتضيات مخالفة للدستور.
والمقصود ب”إصلاح أوضاع غير عادية” التي جاء بها القرار، والتي كان يهدف إليها الاستثناء الوارد في المادة 6 على مبدأ الرجعية، هو أن أداء الرسوم على اللحوم المذكورة كان يدخل في نطاق الأوضاع غير العادية.
إن هذا التعليل يفتقد للأساس الصحيح، وذلك للأسباب التالية:
1ـ إن القاضي الدستوري أنشأ قاعدة جديدة في شكل استثناء من قاعدة دستورية مطلقة، وهي عدم رجعية القانون، أعطى بمقتضاها للمشرع صلاحية إصلاح أوضاع غير عادية، مما يقود إلى التساؤل: هل كان أداء هذه الرسوم من قبل يدخل في نطاق الأوضاع غير العادية؟، فالقاضي الدستوري بعدم ضبطه للحالة المعروضة أمامه يكون قد فتح هامشا واسعا يصعب إقفاله أمام الحكومة، لأنه عندما أورد عبارة”إصلاح أوضاع غير عادية” بهدف الصالح العام، كان عليه أن يحصرها في القوات المسلحة التي تقتضي أحيانا إجراءات تتجاوب والأوضاع غير العادية، وإلا فالحكومة ستضمن القوانين أي شيء تحت ذريعة الصالح العام.
2ـ إن إصلاح أوضاع غير عادية يدخل في نطاق صلاحيات الملك في حالة الاستثناء المنصوص عليها دستوريا، وبالضبط في الفصل 59 من دستور 2011[20].
3ـ إذا ما افترضنا أن الحكومة لم تقم، في إطار قانون مالية 2002، بإعفاء اللحوم المذكورة من الرسوم والضرائب ابتداء من فاتح يناير 1996، وطبقت ذلك ابتداء من فاتح يناير 2002، فإن ذلك سوف لن يضر بالصالح العام ما دام أن مبلغ الرسوم والضرائب ستعود على الخزينة بالنفع[21].
بقراءتنا لاجتهادات القضاء الدستوري المقارن ـ فرنسا واسبانياـ يتضح لنا بجلاء أنه حاول تقوية الرقابة على رجعية القوانين الضريبية، وذلك لحماية الملزمين من التعسفات التشريعية، وضمان مراكزهم القانونية وأمنهم القانوني، كما أن الحكومة الفرنسية التزمت منذ سنة 2004 بعدم سن مقتضيات ضريبية تسري بأثر رجعي، إلا في حالة المصلحة العامة الملحة والقصوى، تقتضي ذلك؛ بحيث اعترفت بالأثر السلبي لرجعية القوانين على الملزمين[22].
ثانيا:القضاء الإداري ورجعية القوانين الضريبي
تعتبر المنازعات المثارة في المجال الضريبي اختصاصا أصيلا للقضاء الإداري، أما في المغرب، فقد كان فيما مضى يعهد للبث في المنازعات الضريبية للقضاء الشامل العادي، لكن في سنة 1993 سيتم إنشاء المحاكم الإدارية كمحاكم متخصصة بالنظر في المنازعات الإدارية ومنها المنازعات الضريبية مواكبة للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب،وذلك بموجب قانون رقم 41ـ90، وكما ورد في الفصل الثامن منه[23].
إن القضاء الإداري، في المجال الضريبي، يساهم في توطيد الحقوق الأساسية للملزمين، وبلورة قواعد واجتهادات قضائية مهمة تسعى لتكريسها.
وقد وضع كل من مجلس الدولة، ومحكمة النقض الفرنسيين، معايير محددة للسماح برجعية المقتضيات الضريبية، على نهج القضاء الدستوري. كما أن القاضي الإداري استعان بمبدأ التفسير والتأويل الضيق والصارم لرجعية القوانين الضريبية .
فمجلس الدولة الفرنسي ومحكمة النقض، تبنيا موقف القاضي الدستوري في مجال رجعية القوانين الضريبية ، بحيث أقروا بضرورة مصلحة عامة ملحة للسماح برجعية القوانين الضريبية[24].
وبالتالي؛ فإن القضاء الإداري في فرنسا اتخذ موقفا متشددا من تطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية على الماضي، ومارس رقابة فعالة في تطبيق النصوص التي تقضي بالأثر الرجعي، كما حاول أن يوقف جموح الإدارة الضريبية في التوسع في تفسير هذه النصوص بدون مقتضى أو مبرر قانوني؛ ففي فرنسا حاول مجلس الدولة أن يحصر القوانين التي يقرر المشرع الفرنسي أحيانا سريانها على الماضي في أضيق حدود حتى إذا كان الأثر الرجعي لهذه القوانين في صالح المكلف خلافا لما يجري عليه العمل في مجال القانون الجنائي من تغليب العمل بالقانون الأصلح للمتهم.
أما فيما يتعلق بالقضاء الإداري المغربي، فقد استقر على أنه ليس للقانون أثر رجعي، عكس ما ذهب إليه القضاء الإداري المقارن؛ حيث لعبت المحاكم الإدارية دورا مهما في تطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية من خلال كبح جماح الإدارة الضريبية في كل خطوة تخطوها أو قرار تصدره يتضمن خرقا لهذا المبدأ، ويمكن بيان ذلك من خلال مجموعة من الأحكام والقرارات التي صدرت عنها.
وفي هذا الإطار اتخذت المحكمة الإدارية بمكناس موقفا لصالح الملزم بأن ألغت إعلاما ضريبيا موضوعه تطبيق قانون بأثر رجعي، وقد جاء في الحكم مايلي :
” وحيث يتضح من وثائق الملف أن المدعين قد حصلا على رخصة البناء بتاريخ 11/5/1987 وذلك في إطار مشروع التنمية العقارية يهدف إنجاز عمارة للسكن، حسبما هو ثابت من وثائق الملف لذلك فهما يستفيدان من الإعفاء المنصوص عليه في الفصل الرابع من قانون 15/85 المؤرخ 4/5/1988 في فصله الثاني الذي قد تراجع نسبيا عن الإعفاء الكلي من الضريبة المهنية والضريبة على الأرباح المهنية المذكورتين أعلاه، فإن ذلك التراجع لا يمكن أن ينسحب على الوقائع التي نشأت في ظل القانون القديم تطبيقا لمبدأ عدم رجعية القوانين[25] .
كما جاء في قرار عدد 1439 بتاريخ 11ـ11ـ1999، ملف 345/ 99 للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ما يلي:” لكن حيث إن تطبيق سعر ضريبي أحدثه قانون جديد على ضريبة تحقق سبب فرضها قبل ذلك القانون، هو تطبيقه بأثر رجعي، وبصرف النظر على أن من حق الملزم في حالة زيادة سعر الضريبة ألا يواجه بما لم يكن مفروضا عن تحقيق سبب فرض تلك الضريبة، فإن قاعدة عدم رجعية القانون هي قاعدة عامة وضعها الفصل الرابع من الدستور المغربي”[26].
ومن تطبيقات مبدأ عدم رجعية القوانين في المادة الضريبية من لدن القضاء الإداري، أيضا، قرار محكمة النقض عدد103/2 المؤرخ في 30ـ01ـ2014 الذي جاء فيه:”إن العبرة في تحديد القانون الواجب التطبيق هي بتاريخ تحقيق الواقعة المثبتة للضريبة، فإذا كانت تلك الواقعة محققة قبل دخول قانون مالية 2001 والتاريخ المحدد فيه هو 01ـ01ـ2001 لإلغاء واجب التضامن الوطني على الأراضي غير المبنية حيز التطبيق، فإن فرض تلك الضريبة يكون محله ولا مجال للاحتجاج بتاريخ وضع تلك الضريبة محل الاستخلاص الذي جاء لاحقا لتاريخ قيام الواقعة المنشئة لها”[27].
من خلال القرارات السابقة، يتضح لنا بجلاء أن القضاء الإداري المغربي يتمسك بالتطبيق الحرفي لنص الفصل السادس من الدستور المغربي، معتبرا أن مبدأ عدم رجعية القوانين في المجال الضريبي، مبدأ يلزم المشرع نفسه والأحرى القضاء، حيث إن رجعية القوانين الضريبية، من شأنه تقوية استقرار القواعد المعيارية، وتوقع العمليات الضريبية التي يخضعون لها الملزمين، لكن يجب أن يكون الاجتهاد والعمل القضائي موحدا[28].
لقد استقر القضاء على تطبيق مبدأ عدم رجعية النصوص الضريبية عاكسا بذلك نية المشرع في توفير الاطمئنان والاستقرار للملزمين بالضريبة وذلك لضمان التعامل على أساس قواعد قانونية معلومة مسبقا، وتفادي مفاجأتهم بضريبة لم يدخلوها في حسابهم الاقتصادي.
خاتمة:
وعلى سبيل الختم، لقد أفصح موضوع البحث عن أهمية مبدأ عدم رجعية القوانين الضريبية كأحد المبادئ الدستورية،وأحد الحقوق الأساسية التي قررتها دساتير المملكة للملزم، إيمانا من المشرع الدستوري بأن الضريبة تمثل عبئا ماليا يقع على عاتق الملزم، ولا يمكن تحميله فوق طاقته، ومطالبته بإخضاع دخوله وأمواله التي تحققت أو حصل عليها في السابق، واستعملها في كافة مجالات الاستثمار والاستهلاك لأحكام قانون جديد صدر لاحقا لذلك التحقق أو الحصول، وذلك بالرغم من الاستثناءات التي قد ترد عليه.
ـ عبدالباقي البكري، المدخل لدراسة القانون، العراق، مكتبة السنهوري ، ص:112[1]
ـ محمد أمين قرواش، رقابة القضاء الدستوري على القوانين بالمغرب “قوانين المالية نموذجا”، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة الحسن الثاني، كلية[2]
الحقوق المحمدية، السنة الجامعية 2014ـ2015، ص:49.
[3] -Jalal Essaïd, l’introduction à l’étude du droit, 2ème édition,1998,P:211.
ـ ينص الفصل 6 من الدستور على ما يلي:” القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية[4]
متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها مبادئ ملزمة.
ليس للقانون أثر رجعي
[5]– La loi ne dispose que pour l’avenir ; elle n’a point d’effet rétroactif
[6]– La Loi ne doit établir que des peines strictement et évidemment nécessaires, et nul ne peut être puni qu’en vertu d’une Loi établie et promulguée antérieurement au délit, et légalement appliquée.
ـ يونس معاطا، المنازعات في تحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة الحسن الأول، كلية الحقوق سطات، السنة الجامعية[7]
2010ـ2011، ص:78.
[8]– Fouquet Olivier, Améliorer la sécurité juridique des relations entre l’administration fiscale et les contribuables : une nouvelle approche, Rapport Au Ministère du budget, des comptes publics et de la fonction publique, Juin 2008,La Documentation Francaise,P :8
[9]-Fouquet Olivier,Ibid,P ;125.
ـ محمد أمين قرواش، مرجع سابق، ص:51.[10]
ـ أسامة المرابط، الأمن القانوني وإشكالية بناء الثقة الضريبية، رسالة لنيل شهادة الماستر، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق السويسي، السنة الجامعية[12]
2018ـ2019، ص: 35.
ـ ـ خالد الشرقاوي السموني،” المجلس الدستورب وقانون المالية لسنة 2002″، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد42 ينايرـ فبراير، 2002،[13]
ص:100.
ـ أسامة المرابط، مرحع سابق، ص:35.[14]
ـ المادة 6 من قانون مالية 2002، الجريدة الرسمية عدد 4965 بتاريخ 31ـ12ـ2001، الصفحة 4338.[15]
ـ جواد العسري،”مبدأ عدم رجعية القانون الضريبي في التشريع والقضاء”، مجلة مسالك، العدد7، دار السلام للطباعة والنشر، 2005، ص:94.[16]
ـ مقتطف من قرار المجلس الدستوري رقم2001 /467، ملف رقم 557/ 2001الصادر في يوم الاثنين 31 دجنبر2001، [17]
www.cour-constitutionnelle.ma
ـ عبدالرحيم منار السليمي، “مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب:دراسة سوسيو قضائية”، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد65، 2006[18]
ص:370.
ـ جواد العسري، مرجع سابق، ص:96.[19]
ـ يونس معاطا، مرجع سابق، ص:99.[20]
ـ ـ ينص الفصل 59 من الدستور على ما يلي:”إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية،[21]
أمكن للملك أن يعلن حالة الاستثناء بظهير(…) ترفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها.
ـ ـ محمد أمين قرواش، مرجع سابق، ص:53.[22]
ـ ـ أسامة المرابط، مرجع سابق، ص:36.[23]
ـ تنص المادة الثامنة من قانون 41ـ90 على ما يلي:”تختص المحاكم الإدارية، مع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من هذا القانون بالبث ابتدائيا في طلبات[24]
إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ما عدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام.
وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس المستشارين وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة(…).
ـأسامة المرابط، مرجع سابق، ص:37.[25]
ـ حكم إدارية مكناس عدد 7/94/3 بتاريخ 19/2/95، ذكره الباحث العربي الكزداح في أطروحته “الطعون الجبائية في ظل المحاكم الإدارية بالمغرب[26]
” أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق أكدال، الموسم الجامعي 2003-2004،ص:455.